Tuesday, December 25, 2007


فـــي تـجــاعيــد الـذاكــرة
(شعر)

مفتـونــاً بالأمــسِ المتـســرّب مــــن محـفــظــة التّــاريـخِ

أتــمـدّد فــوق شـعـــاراتٍ

داسـتـهــا أحــذيــة اليــوم المهــترئــةْ

أتعـــاطـــى خمــرة مـاضـــيِّ النــاصــعِ

والنـشـــوة تــأخــذنــي ...

تطــويـنـي أحــلام الأمــس المـشــحونـةِ بالـمُـثُلِ العلــويّــةِ

يـختـلّ تــوازن أمـثـلتــي الـذهنيّـــةِ

فــأعــانـي مــن عــرج فـكــريٍّ

و بــلا عـكّــازيــن أسـيـــر وحــيـداً

وأمــامــي تـفـجـؤنــي الهـــوّاتُ

أتشـبّــث حــال سـقــوطـي فيهــا

بمبــاديءَ إسـفينــيّــةِ

غــطّـت سـفــح الـهــوّةِ

لكـنّــي أدرك أنّ أســافيـن الأفـكــار المـمـضــوغـة خـانتنــي

غــرزت فــي ظـهــري حربتــهـا

زرعــت لــي أجنحــةً وهمـيّـةْ

لــم تمنـع عنّــي خـطــر الـقمّــةِ

وإذا بــي لا أقـدر إلاّ أن أسقـطَ

صوب الأعــلــى

أتسـلّـق قمّــة مــأســاتـي مــع ذاتــي

ألمـح فـي قـاع القـمّـة طيـف سـرابٍ يـجذبنـي

أتـحـــدّى المــاء الـوهــمَ

فـأرى وجـهــي يكبــرُ يكبـُـرُ

وأنــا أمضــــي نحو الأعلى حتّـــى أتـلاشــى فيــــهِ

و هنـاك أرانــي لا أحســن إلاّ

كـلـمـات رثـاء مقـتضـبـةْ

وأعــزّي نفـســـي فــي نفـســـي

أتـقـبّـل كــلّ تعـازي المفـجـوعـين بمــوتـي

يُـدْهِشُــنـي وضــعـي المتـفـرّد بيـن الخلـقِ

فـأنـا فــي القمّـــــــةِ
حـــــــــــــيٌّ
ميّــــتْ

Monday, December 24, 2007

خسارة لا تُعوَّض
( قصة قصيرة )

أشجار النخيل القديمة تتجذر على امتداد الساحل بقوة وعمق ، وحركة الموج الأزلية ما زالت على حالها كما كانت منذ ملايين السنين ، ورمال الشاطئ ما فتئت تستحم بلا كلل ، وعلى الجانب الآخر انتصبت سلسلة جبال سود تشظَّت حوافها كإناء زجاجي مكسور ، وخلفها غويمات رصاصية تحاول استجلاء كنه ما كان يحدث على المنحدر الواصل بين سيف البحر وعنق الجبل.

كان الموكب يسير بخشوع يتقدمه أربعة رجال ، حملوا على أكتافهم نعشاً فيه جسد رجل بدا من كثرة عدد المشيعين أن له مكانة خاصة في قلوب أهل القرية ، يتناوبون على حمله بحنو وحزن واضحين ، يتهادون بين صفين من أشجار سرو عتيقة ، دموعهم تسيل بصمت وحرقة ،،، بعد عبور بوابة المدينة الأبدية ذات السور الملون ، وضع الرجال النعش على مصطبة عالية ، وأهل البلدة يبدون في حيرة من أمرهم ، فهم الآن يواجهون مشكلة من نوع ما لأول مرة في حياة القرية على ما يذكرون ، والراقد في النعش أيضاً في موقف يمر به لأول مرة ، والوجوم الذي خيم على الجمع لم يكن بسبب افتقادهم للميت شخصياً ، بل لافتقادهم العمل الذي كان يقوم به.

الراقد في النعش كان يتوقع ما هو فيه الآن منذ آمن بما يؤمن به المؤمن ، مع أنه كان يستبعده خوفاً منه ، أما هم فلم يخطر لهم على بال في يوم من الأيام أن يفتقدوه في وقت عز فيه مثيله ، ولا أمل لهم في تعويضه ، وهو لم يكن يتوقع أن يتركهم على هذه الحال وقد اعتاد أن تمر بين يديه العشرات ، بل المئات منهم ، مستسلمة راضية بما يجريه عليها من طقوس لازمة لا يستطيع غيره القيام بها. بين يديه استسلم الكبير والصغير ، الغني والفقير ، خاضعاً في صمت أبدي ورضوخ مطلق. قال في نفسه : إلى متى سأبقى منتظراً فوق هذه المصطبة؟ همّ للوقوف ، فما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، انتبه إلى أنه يحاول ضرباً من المستحيل ، ، اعترته حالة من الخوف اللذيذ الممزوج بقلق محرج ، ، نسمة بحرية أطارت الغطاء عن ذراعه اليسرى ، ، رجل عجوز من الجمع سارع إلى إعادة الغطاء إلى ما كان عليه ، ، ودَّ المستلقي في النعش لو أن العجوز انتظر برهة عله يستطيع التكلم معه ، ، الوقت يمر لزجاً أكثر من المحتمل والرجال المتجمعون حول النعش ما زالوا على حالتهم من الحيرة ، فمنذ وضعوه على المصطبة لم يجرؤ أحد على التقدم منه لإنهاء هذا المشهد ، ، بضعة نوارس حلقت فوق الجمع محدثة بأجنحتها أصواتاً خفيفة ، وثمة نسيمات تهب من جهة الجبل دافعة أمامها غيماً كالليل ، ، تململ الجمع ، واستدارت الأعناق جهة الجبل متنبئة بمطر غزير ، والرياح تشتد أكثر فأكثر ، ورذاذ خفيف بدأ بالتساقط ، والمشكلة التي عرقلت آخر إجراء على صاحب النعش في طريقها إلى الحل ، ، ، هبة ريح قوية أطارت الغطاء عن الجسد ، أعقبها وابل من المطر الأبيض ، فأحس براحة وعذوبة لم يشعر بهما حتى عندما كان على قيد الحياة ، وجسده العاري تماماً تسيل عليه الآن قطرات المطر الناعم برفق ، ، أراد أن يفتح عينيه ، فلم يستطع إلى ذلك سبيلاً ، فاسترخى أو هو أحس ذلك ، ثم ترك جسده مرتعاً لقطرات المطر . همهم الحشد بكلمات لم يفهمها ، وأقبل بعضهم عليه يحملونه بسرعة ، فقد انتهت المشكلة التي أخرت دفنه ، ، إنهم ينزلونه في حفرته الأبدية.

عندما وضعوا البلاطة الأخيرة على صدره وأهالوا التراب عليه كان يقول في نفسه : مَن مِن بعدي سيغسل لأهل القرية موتاهم بعد اليوم ، أما هم فقد تركوه وحيداً في حفرته وعادوا أدراجهم إلى القرية وسؤال وحيد يدور في أذهانهم : مَن مِن بعد ذهابه سيغسل لنا موتانا بعد اليوم ؟.

Friday, December 7, 2007

الأمير غالب

من الطبيعي أن يتعرف المرء – خاصة في المدن الكبيرة - على مجموعة من الصعاليك أنصاف المجانين، الذين يتخذون من مداخل العمارات أو أسطحها أماكن سكن ليلية لهم ، ومن أرصفة الشوارع والمقاهي ، ميادين نهارية يعرضون فيها أفكارهم الغريبة السخيفة معظم الأحيان ، والبالغة العمق – بالصدفة – أحياناً أخرى.
ففي دمشق اشتهر بعض هؤلاء إلى حد أنهم أصبحوا معروفين لدى معظم سكانها ، بعضهم طغى عليه طابع السذاجة والهبل ، فأصبح موضعاً لتندُّر الجمهور ، أمثال ( شالحة ) و ( الملاك الأبيض ) و ( يا عصفوري يا عصفور ) ، وهي ألقاب هؤلاء السذج ، حيث اختفى الاسم الحقيقي وبقي اللقب ، وقلة من هؤلاء طغى عليه تصنع الفلسفة والتنظير . ولعل من أطرف هؤلاء ( الفلاسفة !!) - إن لم يكن أطرفهم على الإطلاق – رجل عرف باسم ( غالب ) اتخذ من مدخل بناية الكرنك ، وسط العاصمة السورية ، مأوى يلجأ إليه للمبيت ليلاً . كان غالب يحصل على الكثير من النقود من تجار وموظفي وسط المدينة ، غير أنه لم يكن ينفق كل ما يجمعه على نفسه فقط ، بل كان يتصدق بقسم من دخله على الفقراء أمثاله ، وكانت مناسبة استحمام غالب وحلاقة ذقنه – والتي لم تكن تحدث سوى مرة واحدة في السنة – هي المناسبة التي تدر عليه أكثر المبالغ من ( مريديه ) الذين كانوا ينتظرون هذه المناسبة بفارغ الصبر للتخلص من رائحته النتنة ، ومنظر لحيته الكريه.
في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي ، وفي أواخر عهده في الحكم ، تلقى الملك جورج السادس ، ملك بريطانيا ، ( توفي في فبراير 1952 ) رسالة وردت إليه من دمشق مذيلة بتوقيع ( الأمير غالب ) . كانت الرسالة غاية في الطرافة والغرابة وتحمل المطالب التالية :
1- أن يوافق الملك على طلب الأمير ( غالب ) يد ابنته الأميرة إليزابيث ( الملكة إليزابيث الثانية فيما بعد ) .
2- أن يرث ( الأمير غالب ) عرش بريطانيا العظمى بعد وفاة ملكها جورج السادس.
3- أن يرسل الملك إلى صهره الأمير مبلغ عشرين ألف ليرة سورية ( وهو مبلغ ضخم في تلك الأيام ) لكي يتدبر أمور الزواج.
4- في حالة رفض الملك لهذه المطالب ، سوف يقوم الأمير غالب باختطاف الأميرة إليزابيث ، وعلى الملك تحمل العواقب.
يبدو أن رسالة الأمير غالب قد أثارت ضجة في الأوساط البريطانية ، كما أن اتصالاً ما قد تم بين الخارجيتين البريطانية والسورية لمتابعة الموضوع ، إذ أن ( غالب ) فوجىء ذات صبيحة دمشقية باردة برجل شرطة يوقظه بعنف على باب العمارة – حيث ينام – طالباً منه المثول فوراً أمام ضابط التحقيق . في قسم الشرطة ، وبعد استجواب سريع ، أقفل الضابط محضر التحقيق بعد أن ذيله بعبارة ( فاقد الأهلية ).
عندما عاد غالب إلى مريديه – الذين يبدو أن بالهم قد انشغل عليه عندما تم استدعاؤه إلى قسم الشرطة – كان يقول : ( لا بد أن خطأ ما قد وقع ، فرغم أنني موافق على الزواج من الأميرة ، ورغم أن أتباعي موافقون أيضاً ، إلا أنني لا أعرف سبباً يدفع الملك إلى الرفض ).
بعد مغادرتي سورية ، لم أعد أعرف الكثير عن غالب ، لكن الأخبار الواردة تقول بأنه مات أعزباً بعد أن عزف عن الزواج بغير الأميرة إليزابيث ، وبدون أن يسمع من الملك البريطاني أي سبب ( منطقي ) لرفض طلبه ، أما أصدقاؤه العارفون بخبثه ومكره ، فيقولون بأنه إنما فعل فعلته تلك لكي يحصل على الشهرة ليس إلا ، وربما قد حصل عليها بالفعل.

Saturday, December 1, 2007


كأساً من رحيقٍ . . تأتين كل صباح
( قصة قصيرة)

أشعة الشمس تطرق زجاج نافذتي بلطف خشية أن تكسره ، مترفقة بي أن توقظني قبل
موعدي المعتاد ، وبضعة عصافير تشدو بألحان الصباح الشجية ، مرفرفة تارة ، وحاطّةً على حافة الشرفة تارة أخرى . ولأنه كان نهاراً ربيعياً صافياً يستحق النهوض المبكر ، فقد استيقظت ، وتركتك نائمة ، وتسللت بهدوء على رؤوس الأصابع خشية أن أزعجك ، فتستيقظي من ذاكرتي ، وأنا أريدك أن تبقي مستريحة فيها ، كما أنت على الدوام .

في الشرفة ، وعلى طاولة صغيرة ، وضعت فنجان قهوتي الصباحي ، ورَكَزْتُ بين شفتي سيجارة ، برشفة واحدة منها استقر جزء كبير من روحها في رئتيّ .على مرمى البصر ، وفي الحديقة المستلقية على حافة النهر ، ووسط بساط من عشب أخضر مطرز بأزهار من كل لون ، كان هناك مقعد خشبي يجلس عليه عاشقان في ريعان الشباب ، ولبرودة الصباح ، فقد لفها بذراعه محاولاً حمايتها من تسلل الندى البارد إلى أعطافها ، وإمعاناً في العشق ، فقد تناول بيده كفيها ووضعهما على فمه نافخاً فيهما من روحه ومن هواء رئتيه الدافيء ، لطرد أي برد قد يتمكن من التسلل إليهما ، وهما يتحادثان وضحكاتهما تعطر المكان وتضفي عليه جوّاً من الجنة ، حتى ليكاد صوتهما أن يصل إلى من هو أبعد مني عنهما . كانت إيماءات وجهيهما تتحدث أكثر من لسانيهما ، ربما حول ذكريات حلوة ، أو مصادفات طريفة . كان الحنان الدافق يحوطهما بهالة لا تخطئها عين عاشق .

تلبَّسني فُضولٌ مقلق ، فقد كنت أرغب في معرفة ملامحهما عن قرب ، لماذا ؟ لا أدري . فكرت أن أنزل إليهما متظاهراً بأنني أمارس رياضة المشي الصباحي ، لكنني خشيت أن يسبب ذلك لهما قلقاً وضيقاً ، فيغادرا المكان ، وبهذا أكون قد قطعت على عاشِقَين خلوتهما ، مرتكباً بذلك جريمة عاطفية في الساعات الأولى من الصباح ، فصرفت النظر عن هذه الفكرة .
الفضول يزداد إلحاحاً عليّ ، فهل أدعوهما من الشرفة لتناول القهوة معي ؟ كلام فارغ ، فهل يترك عاشقان جنتهما الصغيرة تلك مقابل فنجان من القهوة ، بل وحتى مقابل العالم بما فيه ؟ ألغيت الفكرة لأن شكلها كان غبياً إلى درجة مخجلة .

تذكرت أنني أمتلك منظاراً مقرباً كنت قد اشتريته منذ عشرين عاماً ، وهو من النوع الجيد ذي التقريب الكبير . راقت لي الفكرة مع أنني ترددت كثيراً في تنفيذها لانطوائها على نوع من الخسة لم أكن قادراً على تحمله ، ذلك أنني في هذه الحالة أخترق خصوصيتهما دون استئذان ، لكن ، كيف لي أن أستأذن أن أراقبهما بالمنظار ؟ ، وهل سبق لأحد أن تصرف بمثل هذه السخافة قبلي ؟ . ترددت في تنفيذ هذه الفكرة أيضاً ، إلاّ أن شعوراً داخلياً كان يلح عليّ ويدفعني إلى فعل ذلك ، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة المتاحة من جهة -ولأنهما كانا يجلسان في الهواء الطلق ، وليسا داخل غرفة منزوية يأمنان فيها من أعين الغرباء المتطفلين أمثالي - من جهة أخرى ، لذا فقد سهّل ذلك عليّ الاقتناع بالفكرة ، علاوة على أنني في لحظة ما ، تخيلت أنني أعرفهما . كان هذا شعوراً من النوع الذي يسميه البعض حدساً ، أو حاسة سادسة .

نهضت من فوري وأحضرت المنظار ووضعته على عينيّ ، في البداية لم تكن الصورة واضحة ، لكنني عندما ضبطت العدسة وتوضح لي المشهد وتأكدت منهما ، سقط المنظار من يدي ، وسقطت أنا على الكرسي المجاور من هول المفاجأة التي لم أستطع احتمالها : رأيتني أنا وأنت جالسين على المقعد الخشبي في الحديقة المطلة على النهر ، فراشتان تعبّان من بعضهما كأنهما كأسان من رحيق معتّق يحيي القلوب ، ويأخذ الألباب إلى عوالم لم يحلم أحد قبلنا بارتيادها .

كنا أنا وأنت مندمجين حدّ الذوبان ، ناسيين كل ما حولنا ، بل والعالم بما فيه ، ولا أحد بيننا يعكر صفونا ، أو يقطع تواصلنا ، إلاّ ذاك المتطفل الذي ما زال يراقبنا من شرفة منزله حاملاً بيده منظاره المقرّب .

Friday, November 30, 2007


مــابيـن الـحــلـم ... ومطـرقـة الأحـزان
( في ذكرى مذابح صبرا وشاتيلا)
شعر

قــال الــراوي : يـا ســادةُ
فـــي تلـك الـليـــلة مــن شهــر الأحـــزانِ الأســودِ

لــم يـسـطــع قمــــرٌ

لــم تـظــهـر نـجمــةْ

والـريــــح تــوارتْ

وكـــلاب الـسّـــاحة مــا عـادت تنبــحُ

والـدّيــك المعـــلن أنـبــاء قــدوم الفجــرِ

يـقــرّر أن يلغـي هـذي العـادة الأزليّـةْ

بعـض النّـســوة يجـمعــن بقـايـا أثـوابٍ

عـــن حبــل غسيــل متـراخٍ

وهنــا وهنــاك تـراكـض بعـض الأطفــالِ

وامــرأة تــدفـع طفلتهــا نحــو الــــــــــداخــلِ

فـالشّــمس انطفـأت فــي البحـرِ

وظـــلام اللـــيـل يشجّــع كـلّ خفافيـش الغــدرِ

والغــول ، كمــا يُحــكـى ، يأتـي فـي العتمـةِ

يغتــالُ الفـرحـة فــي الســــــرِّ

=====================

صــمت مشحــونٌ بالحـــذرِ

خُطـــواتٌ تُســمَـعُ عــن بعــدٍ

والجـــوّ خـــلا إلاّ مـــن رائحــة طعــام قـرويٍّ

همســات تمســح وجـه الـلّيــلِ

وتـوقـظ فـي النّـفـس صنـوف الفـزعِ

وعلــــى غـــــرّةْ ...

يمتـلـــيء المســـرح بالحـركـــةْ

جثـث تهـوي فــوق الجثـثِ

ورصـاص الحقــد عـديــم النّــظــرِ

طفــلٌ ، امـرأةٌ ، شيــخٌ

حتّـــى قــطّ لا يـعــلـم مــاذا يجـري

فيموء لآخـــر مــــرّةْ

جنـــديّ محتقــن الـوجـــهِ

يصــرخ فــي رعـب بـريٍّ:

"هــذا المتمــرّغ فــي دمـــه يشبـــه ابنــي

ربّـــاه امنحنــي مغفــرةً

أتمنّــــى أن يخــطـيء ظنّــي

هـــل أقتــل يـا ربّــي ابنــي "

( صــيّــادٌ ) آخـــرُ فــي نـزقٍ

يقتــل حبــــلى

فجنــودُ الـرّبّ العـبـريّ تخــاف الأرحــامَ

وتعــلم أنّ الأطفـــال نـواقيـسُ الفجــر ِ

ومـزاميــرُ الـرّبّ العبـريِّ

لهــا رأيٌ آخــرُ فـي النّسـلِ

فيـــا كــلّ الأحــزان تعـالـَيْ

فـالـيـوم تقـرّر عيــد القتـلِ

====================

سبتمبـــرُ ... يــا شهــر الأحـزانِ الأســود

مــا عـادت ذاكــرة الخيبــة تسعفنــا

والنّكســة لا تُخـلـف مـوعـدنــا

هــل نبقــى دومـــاً نتـألّـم

والمــأتــمُ يتـلـوه المـــــــأتــــــــمْ

كــوم الأهـــوال تـربّــع فــوق القـلـب الصّـــديءِ

ومــواعيـدُ الحلـمِ الـورديّ متـاهـاتٌ

وأنـا مــازلـت أراوح بينهــمـــا

ما بيـن الحلــم ِ الـورديِّ

ومطــرقـةِ الأحــزانْ

أتــوارى بيـن جفـون الخجـل الـسّــاكنِ

فــي وجــه الـشّــرف العربــيِّ

أتــساءل ... مـن أيـن يجـيء الحـزنُ

بهــذا الشّـكـل الهمجـيّ

يفــرّخ فــي النّـفـس جــراداً

يستهـدف كــلّ حقــول البهجــة فينــا

وزواحـفَ أسـطــوريّـةْ

تلقــي فـي قلـب الفـرح الأخضــرِ

كــلّ صنـوف الـرُّعـبِ

فيغــادرنـا أقــداحَ بـلا قطـرة مــرحٍ

وأوانــيَ حــبّ مكســـورةْ

====================

ومــن القهــر أتســاءلُ :

هــل دومــاً مطـلـوب منّــــا

أن نــروي ظـمــــأ الحقـــدِ

وشــراييـن الأطفــالِ

ينـابيــعٌ لا تخلـف مــوعـدهــا

فيســوعٌ مـنّـا ، وجــراح يســوع فينــا

ولهـذا تكـثــر فــي صـدري الـصّلـبــانْ

ولهـــذا أجـبــر أن أتســـوّل منكــمْ

يــا سعـداء العـالـم حفنـــة ضـحــــكٍ

فالضّــــحك لـديـنــا

أصـبــح نــوعـاً مــن تـرف عبثــيٍّ

وكمـاليّــات محظــــورةْ

أصـبـحنــا نضحــك بالـصّـدفــةِ

وإذا متنــا ... متنــا صـــدفـــــةْ
====================
لكنّـــي رغــم الوهــن ...

ولأنّـــي أبـــداً لــن أهــزمْ

سيـكــون غــدي ثــأرَ الحــزنِ

وستعـلم أسنــان المنشــارِ

بـأنّــي أبـداً لــن أُقـطــــعْ

وســأحـمــل جــرحـي فــي صــدري

بــركـانـاً يحمــل بـركـانــاُ

فــي زمــن يتنفّـس ثــورةْ

فــي شعـب أبـداً لـن يـركــعْ
=====================

Thursday, November 29, 2007

لم يبق لي سواها

تعارفنا بعد الفطام مباشرة ، وتحاببنا منذ سنوات المراهقة الأولى ، وتعاشقنا طيلة السنوات التي تلت ، لكنها مع ذلك لم تحظ مني حتى ولا بقصيدة حب واحدة ، رغم أنها كثيراً ما كانت تشتكيني إلى أمي ، وتدق الأرض بقدميها ، ولكن دون جدوى . في تلك الأيام كنت أكتب قصائدي بفوهة البندقية ، وأطرزها بالأحلام القومية ، وأضمِّخُها بعبير الحرية ، وأرسلها بالبريد السريع إلى الوطن . كنت أقول لها - عندما كانت تعاتبني بِرِقَّةِ الورد - : " لدينا وطن ينتظر،، فقط احلمي معي بالحرية وابشِري ، فلا بد يوماً سآتيك بما لم يكتبْهُ أحدٌ في أحد " .
بعد عرض مسرحية (زيارة القدس) ، جمدت أحرفي على فوهة بندقيتي المكسورة ، ورقدت كلماتي في جعبة جندي قتيل وُجِد مطعوناً في الظهر ، ونامت قصائدي بدون غطاء على رصيف مطبعة أقفلتها الرقابة ، فبدأتُ أفكر ثانية في تلك التي انتظرتني حتى ملَّها الملل ، ، تُراجع صندوق بريدها كل يوم مائة مرة ، تفتش عني بين طوابير المهزومين ، وتسأل عني جميع المقهورين ، دون جدوى ، إلى أن وصلتها مني ذات صباح قصاصة من ورق البردي أقول لها فيها : " ربما قد جاء يومُك فافرحي ، ، جرَّدوني من كل شيء إلاّ منك ، ، أفكر أن أكتب إليك في العشق عما قريب ، فلا تملّي الانتظار " .
بعد نشر فضيحة ( أوسلو ) ، تغيرت لغتي ، وتبدلت لهجتي ، ، بِعت على الأرصفة جميع قصائدي التي أنجزتُها أيام " الحلم القومي " ، ، حزمت أمتعتي واستأذنت الوطن مودِّعاً كي أتفرغ لنفسي ولحبيبتي ، فقبلني في جبيني والدموع في عينيه داعياً لي بطول العشق ، ولدهشتي ،، اكتشفت أنني ما زلت عاشقاً حتى أذنيَّ ، ولأنه لم يعدْ في العمر بقية ، هاأنذا أكتب إليكِ وفيكِ - وكما وعدتك - أجمل ما كتبه أحدٌ في أحد ، علَّك ترضين عني
يا عشقيَ القديم المتجدد ، فلقد أصبح العالم في نظري - وللأسف - أنت وأنا فقط ، وليذهب الجميع إلى الجحيم .
((مـمــاحـكـة ))
شعر

يبسطني فوق الجمل

يبعثرني بين الأحرف

يقتحم خفايا نفسي ويعرّيني

يعزف أغنية الكشف على أوتار شراييني

يتركني بصمته فوق الصفحات ... ويلغيني

= = = = = = = = = = = = = =

يحفر ثقباً في ذاكرة الزمن

عفريت تركبه آلاف الجن

يجمح لا قيد يكبحه

يصرخ في صمت يفضحه

لا يعرف كيف يداري ويداهن

في زمن الشدّة

يتأبط شرّاً ، لا يستحيي أن يبصق

في وجه الردّة

لا يتحرّج ، يعد بزمن يأتي أو لا يأتي

يتقمص دور البطل المنقذ للوطن

= = = = = = = = = = = = = =

لم يكذب يوماً أو يجنح للدسِّ ، ،

أو يجبن ، ، ، أو يحني هامته للريح

أو يلغي عادته الألعوبة

في نفخ القرب المثقوبة

يصرخ في وديان الصّمت ، ، ،

يختزل الّلحظة بين المولد والموت

فتردّد أصداء نداه ملايين الخرس

= = = = = = = = = = = = =
يحترف الجدّ مع الهزل ،
وهـدوء البـال مـع القـلــق

يرتاح على كفّي ، ، بين السبّابة والإبهام

من فمه تقطر آيات الإلهام

يدندن آهات القهر ، ، ،

يرتّل أبيات الشعر ويرسم أحلاما فوق الورق

عبثيّ الرّغبة والخجل

كالرّاقص في عرس غجريّ

ثَمِـٍلٍ بين الزمّارة والطّبل

= = = = = = = = = = = = = =

لا يفتأُ ينغزني ، يحرجني ،

يبصق في وجهي ، يركلني ، يتمايل حين يعاكسني

يهزأ من أفكاري في الحبِ وفي البغضِ

في ( النّعـم ) ، وفي الرّفضِ

يستلُّ حماساً متّقداً ، يدفعني أن أدخل معركةً

حتى لو كانت خاسرةً

أو كانت ضدّ قناعاتي

لا يأْبهُ حتّى لو كلّفني ذاك حياتي

في يوم من فرط حماسته يا سادةْ

قلمي قد يقتلني
= = = = = = = = = = =
مقامة ( المواطن عبد الصبور وميزة الوقوف في الطابور )

تتميز شعوب عالم الفقر بضيق الصدر ونفاذ الصبر ، وبالنقد الحاد ، لكل ما هو هازل أو جاد، لا يعجبها العجب ، ولا الصيام في رجب ، تتسرع في توجيه التهم ، وتتفنن في التشكيك في القاضي وفي المتهم .

ومن بين شكاويها التي لا تنتهي ، اتهامها الدوائر الرسمية والمؤسسات ، بالإبطاء في إنجاز المصالح والمعاملات ، وفي زعمها أن المواطن المقهور ، يقضي نصف عمره في الطابور ، ساهماً وقد تبلد لديه الإحساس والشعور . وفي رأي هذه الشعوب أن الموظف يشعر عند احترام وقت المواطن باقتراف غلطة عظيمة ، حيث أن الإنسان في نظر الموظف أقل قيمة ، لكن ، ومع احترامي لرأي الشعوب في هذا الأمر ، فإن نظرتي إليه تتميز – بعد انعدام البصيرة – بنفاذ الصبر ، فقد سألت نفسي مراراً : هل يُعقل أن أولي الأمر لم ينتبهوا إلى ملايين الساعات التي يقضيها المواطنون أمام الدوائر الرسمية والجمعيات ، أو أمام بائعي اللحوم ومواقف الأوتوبيسات ، أمام مكاتب الهجرة والسفارات ، لتجديد الجوازات والحصول على التأشيرات ؟ وكان جوابي دائماً بالنفي ، فسوء الظن بالآخرين ، خاصة إذا كانوا من المسؤولين ، شك يقرب من المهزلة ، وتجريح لا يخلو من زلة ، وقد هداني تفكيري المتواضع إلى إدراك الغاية التي توخاها العبقري الذي اخترع فكرة الطابور ، وسمعته وكأني به يقول :
" لقد ضحلت ثقافة المواطنين إلى الحد الذي لا يجوز السكوت عليه ، فالتلفاز بمسلسلاته السخيفة هاجم البيوت من جهاتها الأربع ، ولعبت دعايات البضائع بعيون المشاهدين التي لا تشبع ، وبدأت صور الحاكم وخطاباته ، تنافس دعاية البامبرز ومميزاته ، ففقد الكتاب أهميته ومات ، وأصبح فك الخط عسيراً حتى على خريجي الجامعات ، ولو كانوا مذيعين أو مذيعات، فكان لابد من تغيير جوهري في حياة الناس ، وبما أن المطالعة تحتاج إلى أوقات فراغ في الأساس ، وبما أن أوقات الفراغ لا تتوفر لهم إلا في الطوابير الطويلة ، فقد اخترعناها لهم لغاية نبيلة ، بحيث يحمل كل منهم كتاباً يقرأ فيه بدل الوقوف كالخشب المسندة ، وبذا يكون حصولهم على الثقافة غاية مؤكدة ، فمن جهة تنتشر بينهم المعرفة السامية ، ولا يملون الوقوف لإنجاز مصالحهم من جهة ثانية ، وهكذا يضربون عصفورين بحجر ، سواء غاب الموظف أو حضر : ينمون ثقافاتهم ، وينهون إجراءاتهم .

وقد كان ، فقد نفذ مخترع الطابور فكرته ، مستخدماً في ذلك سلطته ، ففي أول مناسبة اضطررت فيها إلى الوقوف في طابور المساكين ، تقدم مني أحد الموظفين ، وقدم لي - كما قدم لغيري من المواطنين - كتاباً يحمل عنواناً ولا كل العناوين :
( ثبات المواطن عبد الصبور ، وميزة الوقوف في الطابور )

Wednesday, November 28, 2007


الثوب المفتوق في مؤتمر الخازوق

لم تكن الزفة التي سبقت العرس متناسبة مع تفاهة العريس والعروس والمدعوين ، تلك الزفة التي تبين أنها لم تكن سوى حفل استقبال وعلاقات عامة لا أكثر ، والمؤسف أنه بعد أن كان ( كارتر ) الورع ، و( كيسينجر ) العزيز ، عرابين للسلام مع العرب ، ها هو ذا الرئيس الفلسطيني ( رئيس مجازاً ) يقوم بنفس الدور ، حيث لم يكن لوجوده ولا لقضيته أية أهمية تذكر في المؤتمر لو لم يُحضر معه العرب العاربة والمستعربة والمتعربة ، بكل تفاهاتها وبذاءاتها ، فبعد أن أنكرت هذه القبائل تحالفها الغير المعلن مع الصهيونية العالمية ورأس حربتها إسرائيل، ها هي ذي تنكشف لكل من عنده بصر وبصيرة ، فبعد سكوتهم بل ومشاركتهم في الحرب ضد العراق العظيم وتدميره ، وإعدام زعيمه الكبير ، وبعد أن أظهرت بجلاء وقوفها ضد حزب الله في حربه مع إسرائيل الصيف الماضي ، وهي متيقنة واهمة بانتصار الحليف الإسرائيلي ، ها هي ذي فلول القبائل تكشف عن وجهها الحقيقي فتهرول إلى أنابوليس ، وتستقبل الصهاينة في سفاراتها التي تجيد تحضير القهوة العربية ، المقدمة مع أطباق التمر الشهي. كرم عربي حاتمي لا نظير له.
ولكن : عندما تكون العروس مومس ابنة ليل داعرة ، والعريس وغد حقير تافه كان يجلب لها الزبائن ، فلَكَ أن تتصور كيف يمكن أن يكون المدعوون . في حفل الافتتاح ، ضحكت الحقارة من أعماقها ، وانتشت الخيانة حد الثمالة ، وطربت الدناءة حتى رقصت ، وذلك عندما احتضن العزيز ( أولم ) أخاه ( عبس ) وهمس في أذنه : هكذا هي العلاقة معنا يا صديقي : ( يوم لنا ويوم عليك ، نسيتَ المطالبة بحق عودة اللاجئين ، فطالبناك بحقنا في طرد من بقي عندنا من الفلسطينيين ،، واحدة بواحدة ) والرئيس الأهبل يضحك ويأخذ الصور مع الجلادين.
وهكذا ، فمنذ زمن بعيد والحياة السياسية العربية كاريكاتير ساخر ، يبكي بقدر ما يضحك ، ويدمي العيون بقدر ما يدغدغ الخواصر. فالعناق والأحضان المتبادلة هذه الأيام ، تعيد ذاكرتك البائسة إلى ثلاثين سنة خلت عندما ضمت حديقة البيت الأبيض ( ليس تماماً ) طرفاً عجز عن الاستمرار في الصراع إلى النهاية ، وطرفاً انتزع الاعتراف به عبر فوهة البندقية ، ومنذ ذلك اليوم ظل الحمار العربي الغبي يجري خلف الجزرة التي كانت معلقة بالعصا ، متجاهلاً أن الذي يمتطيه كان قد أكل الجزرة منذ زمن بعيد ، ومازال يلهب ظهره بنفس العصا منذ ذلك الزمن .

وهكذا انتهى المؤتمر الخازوق بأسوأ مما ابتدأ به ، لكن المهم أن الأحضان تمت ، والصور أخذت ، والبطون امتلأت ، والعرب العاربة حضرت ، وحمدنا الله على نعماه ، وهو الذي لا يحمد على مكروه سواه ، وعادت قبائل العربان ( أشباه الرجال ) كما ذهبت بالكمال والتمام : يد من الخلف ويد من الأمام ، ، أعاد الله عليهم وعلى أشباههم كل خازوق قادم وهم ينعمون بالخنوع و( السلام ) عليكم ورحمة الله وبركاته.

Tuesday, November 27, 2007

نظارة الدكتور طه
(قصة قصيرة)


في كل عام ، وفي موسم الامتحانات ، تثور في أذهان من مروا بها بهمومها وأثقالها ، مشاعر مختلفة وأحاسيس متنوعة ، لعل أكثرها إثارة عندي قصة الدكتور طه.

أذكر أنني في بداية عملي بالتدريس عينت في معهد للأيتام كان يشتمل على مراحل التدريس الثلاث ، وكان من أطرف زملائنا في المعهد أستاذ عجوز اسمه "عبد المنعم" ، غير أنه لشبه بينه وبين الدكتور طه حسين –عميد الأدب العربي - في الشكل والنظارة ، فقد لقبه زملاؤه في المعهد ( الدكتور طه ) ، ومع مرور الأيام غلب لقبه اسمه الحقيقي بحيث نُسِي الاسم وبقي اللقب.

يروي الدكتور طه عن نفسه أنه كان واحداً من تلاميذ هذا المعهد منذ ما يزيد على الستين عاماً ، فقد كان والده جندياً في الجيش العثماني ، فُقِدَ في حملة جمال باشا على السويس ، فأدخلته أمه المعهد ثم انقطعت أخبارها ، ولما لم يكن له أقارب يحتضنونه ، فقد أصبح المعهد أمه وأباه ، بل وكل شيء في حياته ، ونظراً لتفوقه في الدراسة ، فقد أرسله المعهد في بعثة دراسية إلى جامعة ( الأزهر ) ، عاد بعدها إلى معهد الأيتام ليتولى تدريس مادتي اللغة العربية والدين .

مع مرور الأيام أصاب الوهن عيني الأستاذ عبد المنعم ( الدكتور طه ) ، فنصحه الطبيب بوضع نظارة طبية ، ومنذ ذلك الحين لم تفارق النظارة عينيه إلا عند النوم ، ونظراً للون زجاجها الأسود الغامق ، وشكلها الذي يشبه شكل نظارة الدكتور طه حسين ، فقد أطلق عليه تلاميذه وزملاؤه لقب ( الدكتور طه ) ، فرضي هو بهذه التسمية ، بل وتباهى بها أيضاً.

ومن أطرف ما رُوِيَ عن الدكتور طه أنه عندما كان يُكلف بمراقبة امتحانات نهاية العام ، كان يدخل قاعة الامتحان حاملاً طربوشه الأحمر بيد ، وبالأخرى زهرة فل بيضاء ، ، وبعد تبادل عبارات التحية بينه وبين طلابه – والمبالغ فيها معظم الأحيان – كان يطوف قبل بدء الوقت الرسمي للامتحان بين المقاعد ، مشجعاً طلابه ، باعثاً فيهم شعور الثقة بالنفس ، فإذا ما وُزِّعت أوراق الأسئلة عليهم ، تراجع الدكتور طه إلى الخلف ، حتى إذا ما وصل إلى حافة المنضدة ، نزع طربوشه واضعاً إياه والفلة عليها ، ثم وبصعوبة بالغة ، مستعيناً بالله ، ترفع ذراعاه الواهنتان جسده النحيل إلى الأعلى ، ثم تنزلق مقعدته ببطء إلى الخلف ، وتتدلى ساقاه الطويلتان حتى لتكاد فردتا حذائه تلامسا أرض الغرفة ، وهو يهزهما باسترخاء واضح ، وربما أحس الدكتور طه بعد قليل بتعب ، فسحب جسمه إلى الخلف مسنداً ظهره إلى الحائط مطلقاً العنان لساقيه لكي يتأرجحا بحرية أكبر.

وتمضي الدقائق وتتراكم حتى تصل إلى الساعة أو يزيد ، والدكتور ثابت على نفس الوضعية لا يتحرك ، وبين الفينة والفينة يطلق تحذيراته إلى التلاميذ منبهاً ومحذراً : " وجهك أمامك يا أخانا " ، " انظر في ورقتك وبدون كلام " ، " اعتمد على نفسك يا بني " ، فكانت هذه التنبيهات ومثيلاتها تنطبق على جميع التلاميذ ، فيحسب كل منهم أن الدكتور إنما يوجه تنبيهاته إليه شخصياً ، فلا يشك أحد منهم بأن الدكتور متنبه لسير الامتحان ، لا تخفى عليه صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، كما لم يكن يدور في خلد أي منهم بأن الدكتور كان يغط في نوم عميق ، حيث اختبأت عيناه خلف زجاج نظارته القاتم ، غير أن أصدقاءه القدامى كانوا يعلمون - لكثرة ما راقب من امتحانات ، ونظراً لتطابق موسمها مع بداية فصل الصيف – يعلمون عجزه عن مقاومة النعاس ، إذ اعتاد سيادته أن ينام خلال مراقبته الامتحانات نوماً عميقاً ، مع التنبه على فترات متقطعة لكي يعطى التلاميذ الممتحنين بعض التعليمات والتنبيهات ، ثم يعود بعدها إلى سباته العميق ، بهدوء ودون أن يلحظ ذلك أحد . لكن بطريقة أو بأخرى ، تسرب هذا السر إلى التلاميذ ، فأدركوا أن أستاذهم العجوز كان يخدعهم بذكائه البارع كل هذه السنين ، فعزموا على تعويض ما فاتهم .

كان أول امتحان يراقبه الدكتور طه – بعد افتضاح سره الخطير – امتحان في الرياضيات. دخل الدكتور قاعة الامتحان ، وبعد عبارات التحية وتوزيع الأسئلة وتوجيه التعليمات والنصائح كالمعتاد ، اتخذ موضعه على المنضدة ، وانتظر التلاميذ دخوله في عالم الأحلام ، ولكن دون جدوى ، فقد لاحظوا أنه يعطيهم تعليماته المعتادة ، وتنبيهاته المتكررة ، بينما يهش بيده الواهنة ذبابة كانت تهاجم بشراسة وجهه النحيل من جميع الجهات بلا هوادة ولا رحمة ، فأيقن الجميع أن مستقبلهم معلق على جناحي تلك الذبابة اللعينة ، فالمادة رياضيات ، والحصول من زميل على قانون رياضي مؤلف من عدة أرقام ربما سيكون مفتاح النجاح ، بل ويعادل جهد سنة كاملة .

وانتظر التلاميذ طويلاً بينما عيونهم تتابع بقلق جناحي الذبابة ، وقلوبهم خافقة بعنف تدعو الله أن تكف تلك اللعينة عن الرعي في وجه مراقبهم العجوز ، ، وأخيراً ، ها قد أتى الفرج ، فقد غط الدكتور على ما يبدو في نوم عميق ، إذ كفت يده عن ملاحقة الذبابة ، وتوقفت ساقاه تماماً عن التأرجح ، هل اعتاد وجهه على إزعاجها ؟ هل تعبت يده من ملاحقتها ؟ ومع أنها ما زالت ترعى في وجهه حد الثمالة ، مازال ممسكاً عن طردها ، صابراً على أذاها ، فماذا في الأمر ؟ هل هي خدعة من الدكتور العجوز يحاول من خلالها ضبط أحدهم متلبساً بالغش ؟ أم أن النعاس قد أفقده الإحساس بإزعاج الذبابة ، فانحدر وعيه مسرعاً إلى وادي النوم ؟ لكن ليس لأي من هذه التعليلات والتأويلات الآن أية أهمية أو قيمة ، طالما أن الرجل قد نام وسنحت الفرصة للجميع ، فبدأت همهماتهم ، وسرت حلول المسائل بينهم سريان النار في كومة من القش الجاف ، وتحول الهمس إلى كلام ، والكلام إلى ضجيج، والدكتور ثابت على وضعه لا يتحرك ، فقد كان نوماً عميقاً جداً هذه المرة .

مدير المعهد جذبته الضجة إلى دخول قاعة الفصل الذي يرابط فيه الدكتور طه ، وحالما ظهر على باب القاعة ، صمت الجميع كما لو أنهم ضغطوا بأسنانهم على ألسنتهم ، وصرخ المدير : "دكتور طه ، هل هكذا تُراقَب الامتحانات ؟" ، كرر صرخته مرة ثانية وثالثة دون أن تصدر عن النائم أية حركة ، والذبابة ما زالت ترعى في وجهه ، واغتاظ المدير ، فهو يعرف أن صاحبه ينام أحياناً أثناء مراقبة الامتحانات ، ولكن ليس بهذا العمق . " دكتور طه ، أأنت في المعهد أم في غرفة نوم ؟ " أيضاً ضاع صراخ المدير كمن ينفخ في قربة مثقوبة ، حينئذ اندفع المدير إلى الدكتور وهزه بعنف من كتفه . طارت الذبابة بعيداً ... مال جسد الدكتور ببطء ، سقطت نظارته عن عينيه ، ثم وقع على الأرض بلا حراك . هنا أدرك الجميع – ما عدا الذبابة – بأن الدكتور طه كان قد فارق الحياة.
كان الدكتور طه قد أوغل في شتاء العمر عندما وافاه الأجل ، ولم يكن أحد من الناس يعرف سنه الحقيقية أثناء حياته ، لكن هذا السر انكشف لهم عندما زاروا قبره بعد بنائه ، فقد كتب تلاميذه على شاهدة القبر :
هنا يرقد المغفور له الدكتور طه
تاريخ الميلاد غير معروف ، قضى عن خمسين سنة دراسية

Monday, November 26, 2007

بين الروديو والسياسة

" الروديو " هي واحدة من أشهر رياضات ( الكاوبوي ) رعاة البقر - هذا إن لم تكن أهمها على الإطلاق - وأحبها إلى قلوبهم ، وإلى من فاتهم شرف مشاهدتها أو التعرف عليها نقول إن هذه الرياضة تتلخص في إبراز قدرة راعي البقر في السيطرة على الخيول والثيران بامتطائها لأطول زمن ممكن ، والعجول بالسيطرة عليها وتوثيق أطرافها في أقصر زمن ممكن.
- بالنسبة للنوع الأول :
آ :الخيول : فقد كان من مهام فارس الروديو القديم أن يبقى ثابتاً على ظهر الحصان ، متشبثاً به ، لا ينزل عن ظهره مهما فعل الحصان من حركات تنم عن رفضه التطبيع والقبول بامتطائه ، متحملاً قفزه ورفسه ، إلى أن يقتنع الحصان أخيراً بأنه مهما فعل فإن راكبه لن ينزل عن ظهره ، فيعلن استسلامه و ( يتطبع ) ويخضع لراكبه بل ويأنس له ، وهذا ما نشاهده في أفلام رعاة البقر ، أما في مسابقات الروديو الحالية ، فيبدو أن الفارس قد يئس من تطبيع الحصان ، أو أن الحصان نفسه قد أنف الخضوع ، فاكتفى الفارس بالبقاء على ظهره أطول زمن ممكن.
ب: الثيران : ولأنه لا حاجة إلى تعويدها على القبول بأن تُركب ، فقد اكتفى لاعبا الروديو ، القديم والحديث ، بالبقاء على ظهورها أطول زمن ممكن ، قبل أن تطرحه أرضاً فيهب زملاؤه لتخليصه من بين قرونها وأظلافها. أما العِجل المسكين الذي يطارده راعي البقر وهو على صهوة جواده ، فليس له إلا مصير واحد هو دخول رقبته في أنشوطة الحبل الذي يلوح به الفارس ، وإلقاؤه أرضاً ، ثم تربيطه بالحبل في أقصر زمن ممكن.
وعلى عكس جميع الألعاب الرياضية - التي يتعاطف فيها الجمهور مع اللاعبين – أجد نفسي شاذاً عن باقي خلق الله ، متعاطفاً مع تلك الحيوانات المسكينة التي تتحمل كل عنتريات وقسوة راعي البقر. ولأن هذه اللعبة لا تمارس – على حد قول دوائر المعارف – إلا في أستراليا وأمريكا الشمالية ( الولايات المتحدة وكندا ) ، فإنني أجد نفسي مضطراً إلى الجزم بأن مسابقات الروديو كانت تُجرى في الماضي على سكان أستراليا الأصليين ( لا بورجيز ) وسكان أمريكا ألأصليين ( الهنود الحمر ) ، وعندما أوشك هذان العنصران على الانقراض، فربما طلب علماء السلالات البشرية من رعاة البقر استخدام الخيول والثيران والعجول بدل البشر.
جالت هذه الأفكار في خاطري وأنا جالس أمام التلفاز أتابع مسابقات الروديو ، وسرعان ما قفز إلى ذهني سؤال لعين خبيث : أي نوع من المخلوقات يعتبرنا رعاة البقر؟ :
- خيول تأبى في البداية ، ثم تخنع وتتطبع ؟
- أم ثيران تُركَبُ فترة من الزمن ، ثم تُسقط الراكب عن ظهورها انتظاراً لراكب جديد يأتي بعده ؟
- أم عجول ليس لها سوى مصير واحد : دخول رقابها في الأنشوطة ، ثم السقوط والتربيط ؟
عندئذ فقط أدركت لماذا تشترط الإدارة الأمريكية أن يكون وزراء خارجيتها ومبعوثوها إلى الشرق الأوسط من أبطال الروديو المشهورين .

Tuesday, November 20, 2007

تقرير طبي

يعتزم " الاتحاد العالمي للمعوقين " في الاجتماع السنوي القادم لجمعيته العمومية ، إرسال برقية عاجلة وشديدة اللهجة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية ، يدعوه فيها إلى سرعة التحرك لإصلاح الوضع العربي الراهن قبل فوات الأوان ، مؤكداً وضع " جميع إمكانياته " المادية والمعنوية للمساعدة في ذلك !!، داعياً الجامعة العربية إلى التخلص من جميع "الرموز" والشعارات المعوِّقة . مصادر عليمة أكدت أن جامعة الدول العربية سوف ترد على هذه الرسالة - إن هي تسلمتها - برسالة أشد لهجة ، ستطلب فيها من الاتحاد المذكور قصر اهتمامه على شؤون المعوقين من أعضائه فقط ، بدل التدخل في شؤون " المعوقين الآخرين " ، كما ستتهمه أيضاً بالتدخل غير المشروع في الشؤون الداخلية العربية ، الأمر الذي يتعارض مع جميع المواثيق والقوانين الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان بل والحيوان أيضاً . ناطق أبكم ! بلسان الاتحاد العالمي المذكور قد يكتفي بمناشدة اتحاد الأطباء العرب ( قسم المسالك وعلاج الذكورة ) بإجراء فحص طبي على الأعضاء السفلية من أجسام المسؤولين العرب ، وبالتحديد المشاركين منهم في مؤتمر ( أنابوليس ) القادم ، وذلك للتأكد من ثبوت رجولتهم قبل انخراطهم في محادثات مصيرية ، خاصة بعد أن تم بنجاح كبير إعدام الذكر الوحيد ؟ في أمة الخصيان.

Monday, November 12, 2007

سميرة
(قصة قصيرة )

منذ مدة طويلة وهي تعبر خياله بإلحاح عنيد ، رغم أن أربعين سنة قد مرت على آخر لقاء بينهما ، وهاهو ذا يركب الحافلة التي ستوصله إلى الشارع الذي كانت – وربما لا زالت – تقيم فيه ، والمطر في الخارج يهطل بغزارة يخشى أن تمنعه من الاهتداء إلى المنزل المقصود ، يقطع الوقت عابثاً بإصبعه ببخار الماء الذي تكاثف على سطح الزجاج البارد ، يرسم دوائر وخطوطاً ثم يمحوها بكفه ، ينفخ هواء رئتيه الدافيء لكي يعيد تكوين البخار على الزجاج ، ثم يعبث به مرات ومرات ، وهو في هذه الأثناء يستعيد ذكريات العلاقة التي ربطته بها لأسابيع معدودة ، ثم انقطعت لسنوات طويلة . تقابلا في رحلة جماعية إلى أحد المصايف الجبلية ، كانت صحبة شقيقتها ووالدتها ، وخلال تلك الرحلة التي لم تتجاوز الساعات الثمان تعارفا ، وشعر – وربما هي كذلك - كأنهما يعرفان بعضهما البعض منذ سنوات الطفولة ، ما زال يتذكر جيداً ملامح وجهها البريء ، وجديلتيها الغليظتين ، والحلقات الكبيرة التي كانت تزين بها أذنيها مما أعطاها ملمحاً أندلسياً لا تخطئه العين ، ، مع نهاية الرحلة - وربما بإلحاح من سميرة - طلبت الأم منه أن يعطي ابنتها دروساً في اللغة الإنكليزية ، فهو في بداية مرحلة الدراسة الجامعية ، بينما كانت هي في نهاية مرحلة الدراسة الإعدادية ، كيف سارت الأمور بعدها ؟ ، ، يعبث من جديد بالبخار المتكاثف على سطح الزجاج ، ، ينظر إلى سطح كفه التي بدأ الزمن يطبع بقعه السوداء عليها إيذاناً بدبيب الشيخوخة إليه ، نفس هذه الكف مرَّت مرات على سطح كفيها ، أو قلَّبت معها صفحات كتب ودفاتر كانت تشهد على تصاعد الوجد في قلبيهما الصغيرين ، ، حنين سنوات العشق تتحرك في جوانحه ، أعطافه تهتز بعنف تأهباً للحظة لقاء انتظرها أربعين سنة ، ، لم يكن وضعه المالي والاجتماعي في حينه ، ولا سنها الصغيرة ، تسمح له بخطبتها والارتباط بها ، ، لا أحد يدري كيف تسير سفينة الحياة ، ولا من أية جهة تهب عليها الرياح العاتية تحملها في اتجاهات تعجز مهارة الربان عن السيطرة عليها ، ، خطوط حياتنا مثل هذه الخطوط التي على الزجاج البارد ، تظهر وتختفي دون منطق يحكمها أو أسباب وجيهة تبررها ، لذا كان الفراق قدراً محتوماً استمر كل هذه المدة الطويلة ، لكن وبما أنها كانت تزور خياله مراراً وعلى مدى هذه السنين الطوال ، فإنه يشعر بأنه لن يفاجأ عندما سيراها بعد قليل

ينزل من الحافلة أمام الشارع الذي يذكر أنها كانت تقيم فيه : نعم إنه نفس الشارع ، مع ظهور عدد من المحلات التجارية على جانبيه ، ، شارع ضيق مسدود النهاية تضيئه مصابيح باهتة أضفت - مع المطر الهاطل - مسحة من رهبة ممزوجة بالسكون ، ، يرفع ياقة معطفه اتقاء البرد والمطر ، يُعرِّج على دكان بقال ويسأله عن بيت السيدة سميرة ، فيشير الرجل إلى نفس مدخل العمارة الذي ما زال يتذكره ، ، حسنٌ ، كل شيء يسير حتى الآن على ما يرام ، ، يتحسس خطواته باتجاه باب العمارة ، ، نفس المدخل ذي الضوء الخافت ، مصباح صغير يضيء المدخل الموحش ، وحواف الدرجات الرخامية قد تثلمت تحت وطأة الأقدام ، فأصبحت مصيدة لمن لا يحسن تحسس مواضع خطواته ، وعليه الآن أن يصعد إلى الدور الثاني ، ، نعم الدور الثاني ، مازال يتذكر ذلك بوضوح ، أيامها كان يقفز الدرجات مثنى مثنى أو ثلاث ثلاث يسبقه قلبه قبل خطواته ، أما الآن وقد أذهب الزمن جلَّ نظره ، وأوهنت السنون قوة عضلاته ، فعليه أن يتحسس طريقه مستعيناً بحافة الدرج ، عندما ستفتح له الباب سيسألها مستفسراً : هل هذا بيت السيدة سميرة ؟ . سترد بالإيجاب ، عندها سيقول : وهل عرفتني ؟ ربما ضعف نظرها فاستعانت بنظارة طبية ، سوف تتمعن فيه ثم تصرخ : معقول أنت ؟. لن ينقص المشهد سوى عناق حار ، لكن ربما كانت متزوجة – وهذا مؤكد – إذن فالتقاليد تتعارض مع هذا الأسلوب العصري في التعبير عن الشوق ، لا يهم ، المهم أن المفاجأة ستعقد لسانيهما وبعدها فليكن ما يكون ، ، فيما مضى كانت مربوعة القامة تميل إلى القصر ، لكن نحافة جسمها كانت تضفي عليها مسحة من أناقة ، فهل ما زالت كما كانت ؟ أم تنتظره مفاجآت من نوع ما . وصل إلى الدور الثاني من البناء ، تحسس إطار الباب باحثاً عن الجرس فعثر عليه بعد لأْي ، ربما كان هو نفس الجرس الذي كان يقرعه كلما كان يأتيها بحجة الدرس
رنين الجرس يدوي في الداخل ، حركة أقدام تُسمع تتحرك خلف الباب ، مصباح يُضاء من الداخل ، يُفتح الباب فيظهر وجه امرأة عبثت به الأيام بقسوة : جبين مجعد ، ووجنتين رخوتين ، شفاه تتدلى وكأن صاحبتها مصابة بلوثة عقلية ، طول الجسم مساوٍ لعرضه ، خصر منتفخ مع ترهل نتج عن حالات حمل متكرر ، عينان زائغتان ترقدان خلف نظارة جِدُّ سميكة ، رائحة تبغ وقهوة وهواء ساخن وهمهمات باقي أفراد العائلة تأتيه من الداخل . هي بعينها ، لكنها كائن هَرِمٌ دميمٌ نِتاجُ زمن لا يرحم ، ، ارتعش بعنف ، ، تلجلج صوته ، لكنه تماسك وسألها :
- هل هذا بيت السيد عدنان ؟
- لا يا أخي ، أنت مخطيء بالعنوان .

Sunday, November 11, 2007


يــومـيـــات " بطل "
(شعر)
اليوم الأول:


المشهد الأول:

ينهض صبحاً ، يتمطّــى ، يطبع فوق جبين حبيبته قبلة عشق
يخرج ، يفتح غرفة نوم الأولاد
يبعثر قبلاتٍ دافئةً فوق الوجنات الحمراء
المشبعة برائحة النوم الهانيء
يغسل وجهاً أتعبه جهد ليلي في غرفة نوم ورديةْ
يأخذ حماماً ، يحلق ، يصفر أغنيّةْ
يغلى ماء القهوة ، ويجهز إفطار الأولاد 0 0 0
في المطبخِ ، يتصفح أوراق الصحف اليوميةِ
يصحو باقي أفراد الأسرةِ

بعد الإفطار وقبلات وداعِ للأحباب
يلبس زياً خاكياً ، يتناول خوذته ، يتأبط رشاشاً
وتودعه الأسرة حتى الباب

المشهد الثاني:

يتسلق برج الدبابة ، يتموضع خلف الرشاش
أطفال في الجهة الأخرى في الحارةْ
يرمون حجارة سجيل بغزارةْ
يأتي الأمر بإطلاق النار على كل الأشياءِ
بلا استثناءْ
يطلق أول طلقةْ ، يتبعه باقي الطاقم
كل منهم يقتل طفلاً
باليسرى يأخذ قطعة بيتزا ، باليمنى يضغط
يسقط طفل آخرُ
يهرب باقي الأطفالِ
يجرون بعيداً بين الأطلالِ
إلاّ طفل ما زال يسد طريق الدبابةِ
تمتم في حقد بريٍّ : "هذا الوغد الأرعن يستهزيء بي ، يتحداني ، خذها "
باليمنى يضغط
عطل ما يمنع تفجير الطلقةِ
ما زال الطفل يلوِّحُ بالقبضةِ
ويحاول ثانيةً ، ما زال العطل يعاند تفجير الطلقةِ
والطفل يراقبُ ، يستنكف أن يرمي هذا المتوترَ بالحجرِ
يأبى الطفل إلا أن يتصرف برجولةْ
يضطرب الجنديُّ وينزل جوف الدبابةِ
ويعيد محاولة الإطلاقِ ، يفشلُ
الطفل يمَلُّ الوقفةَ ، يعتبر نزول الجندي استسلاماً
وهروباً من حجر يحمل أحلاماً
ونهاية كابوس يقطر آلاماً
يفرح ، يضحك في الأعماق
ويعود بنشوة نصر تحمله فوق الأعناق

ما زال الجندي يحاول إصلاح العطبِ
ينجح ، يتطاول فوق البرج ، فيرى الطفل يعود إلى اللعبِ
باليسرى يأخذ قطعة بيتزا
باليمنى يضغط ، يسقط طفلٌ رجلٌ
وبلا خجلٍ
باليسرى يأخذ رشفة بيبسي
باليمنى يضغط ، يسقط طفل آخر
باليسرى يأخذ قطعة بيتزا
باليمنى يضغط ، يضغط ، يسقط أطفال أمثالهْ
باليسرى يأخذ رشفة بيبسي
ينظر في الساعة
ها قد أنهى يوماً آخر مملوءاً بالمتعة :
" يأكل بيتزا ، يشرب بيبسي ، يقتل أولاد الناس "
ويعود إلى البيت مساء ، فرحاً كي يحضن أطفالهْ

اليوم الثاني:

المشهد الأول

ينهض صبحاً ، يتمطــى ، يطبع فوق جبين حبيبته قبلة عشق
يخرج ، يفتح غرفة نوم الأولاد
يبعثر قبلات دافئة فوق الوجنات الحمراء المشبعة برائحة النوم الهانيء
" " " " " " " " " " " " " " "
" " " " " " " " " " " " " " "

بعد الإفطار وقبلات وداع الأحباب
يلبس زياً خاكياً ، يتناول خوذته ، يتأبط رشاشاً
وتودعه الأسرة حتى الباب


المشهد الثاني:
" " " " " " " " " " " " " " "
" " " " " " " " " " " " " " "
باليسرى يأخذ قطعة بيتزا
باليمنى يضغط ، يضغط ، يسقط أطفال أمثالهْ
باليسرى يأخذ رشفة بيبسي
ينظر في الساعة
ها قد أنهى يوماً آخر مملوءاً بالمتعة :
" يأكل بيتزا ، يشرب بيبسي ، يقتل أولاد الناس "
ويعود إلى البيت مساء ، فرحاً كي يحضن أطفالهْ
اليوم الثالث وما بعده من أيام :

المشهد الأول :
" " " " " " " " " " " " " "
المشهد الثاني
" " " " " " " " " " " " "
" " " " " " " " " " " " "
باليسرى يأخذ قطعة بيتزا
باليمنى يضغط ، يضغط ، يسقط أطفال أمثالهْ
باليسرى يأخذ رشفة بيبسي
ينظر في الساعة
ها قد أنهى يوماً آخر مملوءاً بالمتعة :
" يأكل بيتزا ، يشرب بيبسي ، يقتل أولاد الناس "
ويعود إلى البيت مساء ، فرحاً كي يحضن أطفالهْ

يـــوميّـــات مهــــزوم
(شعر)

عندمـا كـان إلـه الريـح يكنـس مــن حيـاتـي

ذكـريـاتي

وارتعـاشاتــي الدميمـة

كنــت مــربـوطــاً على كــرسـي الهـزيمـة

فـوق تلّ مـن جماجـم ، قيل ( هــولاكــو ) بنـاهْ

عــندمــا حـجّ إلـــى الـدّجــلةِ

كـــي يغســل فــي النّهــر خـطــاياه

وآثـــــــار خـطـاهْ

عنــدمـا كـنّــــا نـقــاوم

بالتّــمائم

والتعـاويـذ القـديـــــمــة

عنــدمــا كـنّـــا نـحـــارب

بالشتائم

والمفــــاهيــم السقيمــة

(يـومهـا قلنـا بـأن الغزو ( ضـدّ المـدنـيّة
يــومــهـا لــم نكـن نعلـمُ

- أو كنّـا - ولكنّــا نـكـــابـرْ

أنّ صــون الأرض ، والعـرض ، وإبـداعَ البشــائرْ

لــــن يكـــن بالعنجهيّـــة

أو بــأشـــلاءِ الضمــائــرْ

=======================

وعلــــى طــول الطريــق

عنــدمـا كنّــا نهـرول فـــي مـراثينـا

كــانت البـوم تعشش فــي مـآقينــا

وكـانت مــن ريــاح الغـرب تـأتينـا

خيــولٌ وغـزاةٌ ولهــبْ

لــم يعلّــمنـا رعــاة الـرعب إلاّ

حكمـة الصّــمت

وتكبـــيـت الغضــــبْ

ولهــذا لــم نعـد نهتــاجُ

أو نـأســـى لمـاضينــا القتيـلْ

نـدّعــي أنّ التّســامحْ

خيـر طبع فــي البشــرْ

خيــر مـايشــفي العليــلْ

======================

وعـلــى طــول الطـريـــقْ

عنـدمــا كنّــا نـــراوحْ

عبـــــر غــابـات المنـائحْ

فـي أريـحا . . عندما اقتلعـت مآقيهـا ( جنـود الـرّبِّ )

ثــمّ أهـدتهـا ( ليـوشعْ )

فـــي دمشـــق . . عنــدمـا سبيـت مـآذنهـا

ونـامت فــي حمـى تيمـورَ

نــوم العـاثــرةْ

وحتّــى الأســود ( الكــافـور ) ابن العاهـرةْ

قــد طـغـــى بالـقــاهـرةْ

وفــي ( غـرنـاطــةَ ) الأم الحنـــونْ

لــم يوفــر ( اكسمينسْ ) مــن ( تسـامحه ) مع المغلوبِ

شيئــاً مــن جنــونْ

مـن ذئـاب محـاكم التفتيـش تهـديـهِ مـن المـوت فنـونْ

========================

وعلـــى طــول الطـريــق

عنـدمـــا صـرنـا طـعـــامـاً للخيـامْ

عنــدمـا أقبـل ليــلٌ

فــإذا نحــن يتــامـى

فــي سـراديـب اللـئـامْ

لــــم تـكــــن عمّـــان والأحــراش أو عجــلونْ

غيــر فصــل مــن قصيـدةْ

نظمـت قبـــل قــرونْ

=======================

وعلـــى طــول الطـريـقْ

عندمــا كنّـــا نـئــنّْ

عبـــر أجيــال مــن المـاضي العفـنْ

كنـت ألقــي فــي بـراميــل القمــــامــةْ

دمعــة تعـلــو ابتســـامةْ

لــم تجــد حتّــى الكفـنْ

مـــن عـدوًّ أو صــديـقْ

========================

هــــذي حيــــا تـــي كـلّــــها

خــــوفٌ وذلّ واغتـرابْ

هـــي قـصّــتي

تروي المـآســي والمصــائبَ والعـذابْ

يــاراقصـون علــى التـرانيم العقيمــةْ

مــازلـت فـوق التـلّْ

يـــا مـن ينـزل المهـزومَ

عــن كــرســي الهـزيمـــــــةْ
=======================

Friday, October 19, 2007

نظرية ؟ ؟ . . لا بل قانون المؤامرة

المؤامرة : تخطيط في الخفاء ، وتدبير للأمور بعيداً عن أعين الرقباء ، بغية تحقيق هدف لا يحوز على رضى أطراف أخرى تتضرر مصلحتها بتحقيقه . إذاً المؤامرة أمر واقع ، تبدو نتائجه ظاهرة للعيان ، دون أن يتطلب ذلك بالضرورة انكشاف الإجراءات التي أوصلت إليها ، أو التعليقات دارت حولها وعليها . كل ما حولنا من ضياع الديار وفقدان الحقوق وفساد الذمم وخراب البيوت ، لا بد ناتج عن مؤامرة ، لا بل عن مؤامرات متعددة تعدد المستفيدين منها ، ومع ذلك يتسلح بعضنا " بالعقلية العلمية ! " عندما يرفضون " نظرية المؤامرة " ويعتبرونها ضرباً من الخيال ، ومجرد نوع من القيل والقال . ولكن ، إذا كانت المؤامرة غير موجودة ، فماذا نسمي : نمو الورم السرطاني في قلب الأرض العربية ، وضياع فلسطين والمسجد الأقصى واستهجان الحق في الدعوة إلى الوحدة العربية ، والاستهزاء من مقولة القضاء على إسرائيل ، بل ومحاربة الذين يدعون إليهما ( الوحدة والقضاء على إسرائيل ) ، وإزالة دولة عربية عن الخارطة السياسية ، وتقتيل وتهجير الملايين من أبناء شعبها ، وتقديس الحدود العربية - العربية بل والصراع عليها ، وانتهاك وسحق حقوق الإنسان العربي ، واغتيال الديمقراطية بتزوير الانتخابات النيابية ، واحتكار السلطة ، والتعلق بأذيال العولمة ، والخصخصة ببيع ممتلكات الشعوب إلى لصوص محترفين ، والذيلية والتبعية للقوى الكبرى ، بل وحتى عجزنا المسؤول عن معظم فشلنا ، أليس بحد ذاته " مؤامرة " منّا علينا ؟ . هل هذه جميعها ، وغيرها الكثير الكثير من الكوارث المزمنة ، مجرد ظواهر طبيعية يجب ألاّ نشغل بالنا بها ؟ ، أم هي حركة التاريخ المنطقية ! التي يجب أن نطأطىء رؤوسنا احتراماً لهيبتها وخوفاً من جبروتها ؟ إذا كان كل ذلك أمر طبيعي وليس نتاج مؤامرات ، فلماذا لا نطالب مجامع اللغة العربية ، المسؤولة عن صحة ما نتفوه به من كلمات ، وما نستعمله من عبارات ومصطلحات ، بأن تتكرم مشكورة بإلغاء كلمة ( مؤامرة ) من القاموس ، حتى نستريح من هذا الكابوس " الذي نحمِّلُه دائماً مسؤولية عجزنا وفشلنا المزمن !" - حسب رأي أعداء نظرية ( المؤامرة ) - ، وبهذا تنجح هذه المؤامرة - مع مجامع اللغة العربية - في القضاء على لفظة ( المؤامرة ) ، فتتحسن الأحوال ، وتكثر الأموال ، ونعيش في أهديء بال ،وننام ونحن نغني ( طوِّل بالله عليك يا ليل ) ! ! ! .

Saturday, October 6, 2007

كََذِبُ الرئيسِ ... وخرابُ البصرة


قبل يومين وقفت العدّاءة الأمريكية ( مارينو جونز ) بشجاعة أمام عدسات الصحفيين لكي تعلن أنها كانت قد تعاطت مادة منشطة ممنوعة قانونياً ، وذلك قبل اشتراكها في سباقات الجري في أولمبياد سيدني ، والتي أحرزت فيها خمس ميداليات ذهبية واثنتين برونزيتين ، وتحملت المسؤولية كاملة عن هذا الأمر ، واعتذرت من مدربها وجمهورها وعائلتها ، وأسفت بالخصوص لأنها كذبت وهي تحت اليمين القانونية ، وبرأت الجميع من مسؤولية الكذب إلا نفسها. حتى الآن هذا الكلام لا غرابة فيه ، لكن الغريب أن الرئيس قد أسف لهذه التصريحات والاعترافات ، خاصة ما يتعلق باعتذارها عن أنها كذبت تحت القسم ، لكن ربما كان أحد المساعدين نبيهاً ، فنبه الرئيس إلى موضوع الكذب ، فتلعثم الرئيس أمام الصحفيين ، تحسس رأسه ، ثم – ولكي يداري خيبته - قال بأنه يأسف بالخصوص لأن هذا العمل – تعاطي المنشطات – قد يكون له أثر سلبي على سمعة الرياضيين الأمريكيين ، بعدها سارع إلى الانسحاب من أمام الصحفيين على عجل . دعوة مخلصة وجادة للصحفيين الذين حضروا تصريحات ( مارينو جونز) ، أن يدعوا إلى مؤتمر صحفي مماثل مع الرئيس - بعد أن يغادر منصبه بالسلامة – لكي يسمعوا منه اعتذاراته عن الأكاذيب التي لفقها من أجل تبرير غزو وتدمير بلد لم يُعرف عنه أنه قتل أحداً من مواطني الرئيس . يومها سيقول الرئيس بأنه هو وحده المسؤول عن سلسلة الأكاذيب التي ساقها لتبرير الغزو ، وأنه لا علاقة لوزرائه – الذين سقطوا واحداً بعد الآخر وخرجوا من ملعب التاريخ إلى مزبلته - ولا علاقة للسيد الوالد ، ولا للسيدة الوالدة ، ولا للسيدة الأولى ، ولا للابنة ، حتى ولا لكلبته المدللة ، لا علاقة لهم جميعاً بأي دور في تلفيق تلك الأكاذيب . سيعترف الرئيس بأنه هو وحده الذي كذب وكذب وكذب ، وسيعتذر عن ذلك على كل موجات البث العاملة ، وعلى صدر جميع الصحف ، وعلى شاشات التلفاز بجميع الألوان . ولكن ، إذا كان اعتراف اللاعبة الرياضية بالكذب واعتذارها عنه قد أعاد لها احترامها لذاتها ، فإن اعتراف الرئيس بكذبه لن يعيد له شيئاً من الاحترام ، كما لن يعيدَ أحداً من الأربعة آلاف جندي ، ولا دولاراً واحداً من مئات المليارات التي أُهْدِرَتْ ، ولا طفلاً واحداً من ملايين الأطفال الذين أزهقت أرواحهم . اعتذار الرئيس ربما كان سينفعه وينفعنا فقط ...قبل خراب البصرة.

Wednesday, October 3, 2007


الدولة الجملكية ! ! !

بعد نجاح منظمة الصحة العالمية في إقامة مصحّات أممية لمعالجة مدمني المخدرات والخمور، يجب على منظمات حقوق الإنسان التقدم إلى نفس المنظمة بطلب تقترح فيه إقامة مصحات لمعالجة إدمان معظم حكام العالم الرابع من تعاطي السلطة ، والتفرد بها دون خلق الله ، خاصة وأن الإحصائيات الدقيقة قد أشارت إلى أن 99,56854% من هؤلاء الحكام قد وقعوا في قبضة هذا الإدمان اللعين . سوف تبرر جماعات حقوق الإنسان طلبها هذا بأنه إذا كان الإدمان على المخدرات والخمور يضر بالفرد المدمن فقط ، فإن الإدمان على السلطة يضر بأمم من المحرومين والمضطهدين . إذ أن هذه المصحات - علاوة على أنها ستعمل على معالجة أولئك الرؤساء من إدمان السلطة - فإنها ستكون أيضاً بمثابة مآوٍ للعجزة ، حيث أن متوسط العمر لدى هؤلاء الحكام -حفظهم الله وأمدّ في أعمارهم - يبلغ 87,25 سنة ، وفي حالة نجاح الجهود الرامية إلى تحسين صحة الإنسان بشكل عام والقضاء على أمراض الشيخوخة بشكل خاص ، فربما تجاوزت أعمارهم – أدامهم الله ذخراً لنا – المئات من السنوات الشمسية ‍‍‍والقمرية والصينية. لكن – وحرصاً من هؤلاء السادة الحكام على مستقبل شعوبهم بعد انتقالهم إلى الرفيق الأعلى بعد عمر طويل ! – فقد ابتكروا نظاماً يجمع بين مميزات أهم وأشهر أنظمة الحكم المعروفة ، فقد دمجوا النظامين : الملكي والجمهوري ، فأنتج الدمج نظاماً يجمع بين مميزاتهما ، وللاختصار أقترح أن يسمى هذا النظام الجديد ( الجملكية ) ، وكما هو واضح فهو مزيج من لفظة جمهورية + ملكية فالناتج ببساطة ( جملكية ) ، والتي من مميزاتها أنها تديم السلطة في يد الرئيس المؤسس ( حفظه الله لنا ) ومن بعده في يد نسله ( أدامهم الله على رقابنا ) ، وبذلك ترضي ذوق أولئك الذين مازالوا يحنون إلى أيام الملك والقصر ، ومواكب الأمراء والأميرات ، ناسين أو متناسين روائح الفساد والعمالة العفنة التي كانت تزكم الأنوف ، وسياط الإقطاعيين - حلفاء الملك - التي كانت تأكل من ظهور وجنوب الفلاحين أصحاب الأرض الحقيقيين ، وترمي الأحرار في السجون ، أصحاب السلطة الحقيقيين . ومن جهة ثانية ترضي ( الجملكية ) ذوق الجمهوريين الذين يفرحون بشعارات ( الانتخابات الحرة حتى ولو كانت مزورة ، برلمان حتى وإن كان دمية بيد الرئيس وحزبه الحاكم ، أحزاب وحتى إن كانت مقموعة ، سلطة الشعب حتى وإن كانت شكلية ، صحافة متعددة حتى وإن كانت مكممة الأفواه معصوبة العيون ، وأحرارها في غياهب المعتقلات وأقبية السجون ) . والمأساة الحقيقية أن هذا النظام الجملكي داء لعين مُعدٍ ، فبعد أن نجح تطبيقه في جمهورية عربية آسيوية ، تابع انتشاره إلى أفريقيا ، وربما سيفاجئنا بانتشاره في دول عديدة من تلك التي تحكمها الدكتاتوريات في شتى بقاع العالم . وبعد ذلك : هل يجوز لنا أن نتهم طبقة السادة الحكام بنقص في الأفهام وعقم في الأرحام ؟ حاشى لله يا أزلام ...

Tuesday, October 2, 2007

الملابس الداخلية . . . ومؤتمر الخريف القادم

في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ارتفعت أسعار الملابس الداخلية في الآونة الأخيرة بصورة حادة ، ولدى التحري عن السبب ، تبين أنه - وبما أن" القضية " قد أصبحت على أبواب مفاوضات الحل النهائي في مؤتمر الخريف القادم ، والذي يتوقع منه أن يُنْهِيَ كلَّ شيء إلاّ مصالح المنتفعين منه - فقد نَصَحَت اللجنةُ المساندةُ أعضاءَ الوفد المفاوض ، بأن يحتاطوا ، قبل سفرهم إلى المفاوضات النهائية ، بأخذ أكبر عدد من الملابس الداخلية معهم لِتَوَقُّعِ احتياجهم إليها أكثر من غيرها من الملابس ، وقد بَرَّرّ كبير المفاوضين - رأس المتحمسين لهذا المؤتمر - هذه النصيحة بدعوى أن إحدى أساطير المفاوضات الإغريقية تقول بأن جميع المفاوضين " الضِّعاف والعجزة " -(في المفاوضات النهائية بين أثينا وإسبرطة !) - كانوا يُشاهَدون وهم يخرجون مُهَروِلين من الأبواب الخلفية لقاعات التفاوض - وبعد دقائق فقط من افتتاح الجلسة الأولى - مجرَّدين حتى من ملابسهم الداخلية ، مستخدمين أيديهم ، من الأمام ومن الخلف ، لتغطية عوراتهم المكشوفة .

Sunday, September 23, 2007

لِنَنْسَ الحزن ... فالزعيم لم يمت
صباح الخير ياريّس . . . ما زلت أقولها كلما استيقظت من النوم صبيحة كل 28 سبتمبر منذ سبعة وثلاثين عاماً ، نعم أقولها صباح الخير ياريّس بملء الفم والوجدان ، ففي مثل هذا الوقت – السابعة صباحاً – الريس الآن يستحم في منزله البسيط بمنشية البكري ، وبعد قليل ، في حوالي الساعة الثامنة ، سوف يتناول طعام الإفطار مع عائلته ، سوف تساعده ( تحية ) في اختيار ربطة العنق ، وستساعده في ارتداء الجاكيتة ، وستوصيه أن يأخذ باله من نفسه ، يمسح على رأسها وكتفها ، يحضنها بحنو الزوج والأخ والأب ، ، سوف يقبل الأولاد واحداً واحداً بينما هو متجه إلى السيارة التي ستقله إلى الجلسة الطارئة للرؤساء العرب لإتمام الصلح بين الإخوة الأعداء ، ، ، ينجح نجاحاً باهراً في هذه المهمة الشاقة ، ولا عجب ، فمَن غيره ادخرت الأمة للشدائد والأزمات ، ، ، يربت على أيدي جميع زواره ، وبكرم العربي الصعيدي الأصيل ، يصر على توديع جميع ضيوفه من الرؤساء في المطار ، متجشماً العناء والتعب ، لكنه لا يمكن أن يتخلى عن واجباته ومسؤولياته ، فهو الكبير حقاً : بعقله وقلبه ووجدانه . الساعة الآن الرابعة عصراً وأراه في مطار القاهرة يودع أمير الكويت وفجأة تظهر علامات الألم والإرهاق بادية على وجهه الرائع ، يكاد قلبي أن يسقط من صدري : ( سلامتك ياريس ألف سلامة ، تعب ويزول إنشاء الله عندما تعود بعد قليل إلى منزلك ، بعد أن أديت واجبك في حقن الدماء وتوحيد الصفوف – ولو إلى حين - ) ، الريس الآن في طريقه إلى منشية البكري ، وكلنا أمل بزوال التعب المفاجيء الذي أحس به في المطار ، ومازال عبد الناصر حياً ، ، ، بعد دقائق ستكفهر سماء القاهرة ، وستتلبد الغيوم السوداء فوق الوطن العربي من محيطه إلى خليجه ، ، ، تقترب الساعة الآن من الخامسة عصراً والأطباء يحاولون تأمين سلامة الزعيم ، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة ، فيختار إلى جانبه أغلى الرجال وأعز الأحبة ، وتنطلق أيدي المصريين تلوح للروح الطاهرة مودعة وهي تغادر سماء القاهرة إلى السماء السابعة ، إلى جوار الرحمن الرحيم ، ، ، الآن وبعد الساعة الخامسة بدقائق ينقبض قلبي بشدة ، أشعر بأن عبد الناصر قد مات ، ، ، لكن هذا الشعور لا يستمر سوى دقائق معدودة ، أدفن فيها رأسي بين يدي ، أبكي بحرقة ولوعة ، تمر في مخيلتي صورة وجهه المشرق عندما رأيته لأول مرة عام 58 – أوائل أيام الوحدة مع سوريا - أمام قصر الضيافة في دمشق ، بينما كانت أعين الملايين المحتشدة تلتهم وجهه وقامته المديدة علها تبقى في خيالها ووجدانها إلى الأبد ، ، واليوم أسأل نفسي هذا السؤال المحير: هل يُعقل أن يتكرر هذا الموقف معي منذ سبعة وثلاثين عاماً ؟ ، هل يصدق أحد أن الدموع لم تنفك تذرف على هذا الرجل منذ سبع وثلاثين سنة ؟ أنا نفسي لا أصدق ما يحدث ، لكنها والله هي الحقيقة .
صبيحة اليوم التالي ، التاسع والعشرون من سبتمبر ، أشعر بجمال الزعيم وقد بُعِث بيننا من جديد ، يوزع الخبز على الفقراء ، يمسح دموع المظلومين والمحرومين ، يزور المرضى في المستشفيات والطلاب في المدارس والجامعات ، يجوب الحقول ليطمئن على قوت الفلاحين ، ثم يعود مساء ليأوي بسلام في ضريحه ، لكي يعاود الكرة صبيحة اليوم التالي . ما زال كما كان ، قلبه علينا ، وهمه عزتنا وكرامتنا ، ولكن ماذا نحن فاعلون اليوم : الثامن والعشرون من سبتمبر. سوف نتذكر الزعيم بكل جوانحنا ، ونسأل اللله له الرحمة في صلواتنا ، ومع أن صورته محفورة في الروح والعقل ، فسوف نرفع صورته على قمصاننا وعلى شرفاتنا وعلى سياراتنا ، في الميادين وفي الشوارع ، سيكون هذا اليوم يوم استفتاء على حب الزعيم الذي عاش ومات من أجل مصر والعرب . سوف نتذكر مبادئه في الحرية والعزة والكرامة ، ونستعرض إنجازاته التي أهداها لشعبه وللعرب : تحقيق الجلاء وكسر احتكار السلاح وتأميم القناة وتوزيع الأراضي على ملاكها الحقيقيين – الفلاحين - وبناء السد العالي وتحقيق الوحدة ودعم ثورات الأحرار والمظلومين في كل مكان ، والأهم من كل ذلك : غرس قيم العزة والكرامة والتحرر في النفوس ، سوف نتحدث عنه إلى الجيل من الشباب الذي لم يرَ عبد الناصر ولم يعش عصره . في هذا اليوم أتمنى من كل قلبي أن أكون عند قبره لأضع عليه وردة حب ووفاء.
في هذا اليوم لن أعزي أحداً في عبد الناصر ، ولننس الحزن ، فالزعيم خالد في نفوسنا ، أبداً لم ولن يموت .

Wednesday, September 19, 2007

شهر سبتمبر ..... لماذا كل هذا ؟


سطح ما مضى من التاريخ يتلون بأحداثه وأحواله كتلون سطح الأرض : مناطق خضراء يانعة ، توشيها ألوان زاهية تبعث في النفس الفرح والنشوة ، وبقاع جدباء قفراء ، تقطعها وديان وصحارٍ ، تشحن الروح بكل مشاعر الكآبة والقلق . وكما تتوزع البقاع بجمالها أو وحشتها على سطح اليابسة ، كذلك تتوزع الأحداث بحلوها ومرها على سطح السنوات والشهور والأيام ، وربما اختص القدر شهراً ما بسعادة غامرة ، وربما اختص شهراً آخر بكآبة قاتلة ، وفي كل عام ، وعندما يحل شهر أيلول / سبتمبر ، لا تستطيع أن تمنع زمام ذاكرتك من الارتداد صوب أحداث ربما نسيها – في زحمة الحياة – الكثيرون ، غير أن عمق تأثيرها في حياتنا العامة يجعلها عصيّة على النسيان ، ففي هذا الشهر – حسب ما تعيه ذاكرتنا - من عام 1961 وقعت جريمة نحر أول تجربة وحدوية في التاريخ العربي الحديث ، وحدة سوريا مع مصر ، تلك الوحدة التي قامت في شهر شباط / فبراير من العام 1958 ، والتي رأى فيها القوميون من أبناء الأمة مشعلاً لا بد سيضيء الدرب بعد ظلمات الاستعمار والتخلف ، لكن أصابع التآمر ، التي اتخذت من السفارات العربية والأجنبية دهاليز تحيك فيها المؤامرات والدسائس ، نجحت في صبيحة الثامن والعشرين من سبتمبر من ذلك العام – 1961- في الإطاحة بالوحدة ، وبكل الأحلام والطموحات التي وعدت بتحقيقها لجماهيرها الواسعة ، متعللة تلك القوى المتآمرة بالأخطاء التي حدثت خلال ثلاث سنوات وسبعة أشهر وسبعة أيام من عمر الوحدة ، واعدة الجماهير بالعمل على تصحيح المسار والأسلوب من أجل بناء الوحدة من جديد ، على أسس صحيحة ، وها قد مضى على هذا الوعد ما يقرب من نصف القرن ، والجماهير التعيسة تجلس على قارعة الأمل ، واضعة يداً على خد ، وقاضمة بأسنانها أظافر اليد الأخرى ، منتظرة تحقيق وعد لن يأتي ، وأمل لن يتحقق سوى بالدم والعرق والدموع .
لم يكتف سبتمبر بهذه الكارثة ، فقد جاءنا في عام 1970 بكارثتين أشأم من بعضهما ، ففي ذلك الشهر من ذلك العام ، انقضت قوى الرجعية والعمالة - معززة بأخطاء قادة هم أنفسهم أخطاء تاريخية – على قوات المقاومة الفلسطينية في الأردن ، فسالت دماء من يفترض أنهم إخوة ، وارتدت الأعراب إلى عصبيتها المقيتة ، فكانت مذابح عمان والأحراش في عجلون والسلط ، ورغم ذلك لم يكتف سبتمبر بما جاء به في ذلك العام ، ورأى أن يفرغ حقده وسمه في شرايين هذه الأمة ، فاختطف من حضنها بقسوة لا مثيل لها زعيمها وحامل مفتاح نهضتها الحديثة جمال عبد الناصر ( وللمفارقة في نفس يوم الذكرى التاسعة لانفصال مصر عن سوريا ) . يومها قلنا بأن الله قد خفف بموت عبد الناصر جميع الأحزان التي ملأت كل بيت وحارة في شرق النهر وغربه ، فقد غطى الحزن عليه على جميع الأحزان . دفنا الزعيم وقلنا لسبتمبر : لو سمحت كفى. ولكن أنّى لذاك الشهر الحاقد أن يكتفي :
ففي سبتمبر من عام 1978 وقع حاكم مصر – ومن خلف ظهر شعبه – على اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة ، وتمكن الصهاينة من إخراج السمكة الكبيرة من الماء – كما كان يطالب موشي دايان – كي تموت بعيدة عن وسطها العربي ، الذي لا يمكنها ادعاء الزعامة التاريخية عليه بدونه ، وحتى مع توسلاتنا إليه ، لم يتوقف سبتمبر العجيب عن قهرنا ، ففي منتصفه من العام 1982 ذُبِحَ الفلسطينيون ذبح النعاج في مخيمي صبرا وشاتيلا بعد أن تخلت عنهم قيادتهم – الخطأ التاريخي الأكبر في حياتهم – وهربت تاركة إياهم طعاماً سهلاً لبنادق وسكاكين شارون وحلفائه . الخد العربي تعود على اللطم في سبتمبر ، ففي الثالث عشر منه من عام 1993 ، تبع القائد التاريخي الملهم !!! خطى صديقه الرئيس ابن القرية !!! ، فوقع اتفاقيات أوسلو التي رفعت عن كاهل المحتل عبء الإنفاق على الأراضي التي يحتلها ، وحولت الصفة القانونية لهذه الأراضي من ( أراضٍِ محتلة ) إلى ( أراضٍ متنازع عليها ) ، المهم أن يدوم لقب ( السيد الرئيس ) و ( البساط الأحمر ) و ( السلام الوطني ) أما الباقي فليذهب إلى الجحيم . هل من طريقة نحذف بها شهر سبتمبر من التقويم السنوي ، فنقفز بها من أغسطس إلى أكتوبر مباشرة ، أو أن نحذف اسم سبتمبر ونطلق بديلاً عنه اسم ( أكتوبر الأول ) يليه ( أكتوبر الثاني ) ؟ لا أعلم ، ولكن الذي أعلمه جيداً أنني بدأت ، ومنذ زمن بعيد ، أحرص على أن أضع يدي على قلبي ، وأضع نظارة سوداء على عينيّ– كنظارة طه حسين – كلما بدأ شهر سبتمبر وحتى نهايته .

Tuesday, September 18, 2007

مشغول عليك ...والله مشغول عليك
والله العظيم ، والله العظيم ثلاثة ، ومن كل قلبي ، أتمنى أن أعرف أين يتواجد الآن ، وكيف يستطيع التخفي والاختباء بمثل هذه المهارة وذلك الإتقان ، في وقت يحتاجه الناس لكي يكون له موقف مما يجري ، فيظهر للعالم الظلم الذي يلحق بشعبه ليل نهار من قتل واغتيال ، وتشريد واعتقال ، كيف لا وهو الرئيس الذي يحرص على أن يناديه الجميع بلقب ( السيد الرئيس ) ، - تماماً كسلفه - والزعيم الذي يزهو بالتمشي على البساط الأحمر – تماماً كسلفه - ، وتطلق لدى وصوله إحدى وعشرون طلقة – تماماً كسلفه - ، ويعزف له النشيد الوطني ( بلادي ، بلادي ) – تماماً كسلفه - ، أعجب : أين يختفي هذا الرجل عندما تمعن أداة القتل والاحتلال في التنكيل بأبناء شعبه قتلاً وأسراً وتشريداً ؟ ، فلا نكاد نعرف له مكاناً أو وكراً ، ولا نسمع صوته همساً أو جهراً ، ، ، بقدرة قادر يختفي اسمه من وكالات الأنباء حتى لتظنه قد تبخر ، وتفتقد شاشاتُ التلفاز طلعته البهية َ كما لو أنه عن موعد بثها قد تأخر . رب فيلسوف يسأل ثم يجيب : هل يمكن أن يكون لدى الزعيم الملهم خطة عمل سرية لمحاربة الاحتلال وجرائمه ، وذلك بعدم تناولها حتى ولو بالاستنكار ؟ وبالتعتيم عليها ليل نهار ؟ وبتجاهلها تماماً ليغيظ اليهود والكفار ؟ ربما ، نعم ربما ، لا بل من المؤكد ، فالزعامة لا يصل إليها من الناس سوى العباقرة ، والقيادة لا يتسنمها من الرجال سوى أصحاب العقول الشاطرة ، أما نحن الجهلة ، عامة الشعب من المتخلفين ، فنبقى في غياهب جهلنا وتخلفنا غارقين ، ولا هم لنا سوى أن نطرح هذا السؤال الخبيث الأبله : أين يدفن السيد الرئيس في الأوقات الحرجة رأسه ؟ . يبدو أنه لاحيلة لنا من أجل معرفة الحقيقة المخزية ، سوى أن نرصد مكافأة مجزية ، لمن يأتي بالرئيس المختفي حياً ، وفي أسوأ الحالات ، ، ، ، حياً أيضاً ! ! ! .

Monday, September 17, 2007

زمن العجب
(شعر)

أتسكّعُ فوق الأرصفةِ المسكونةِ بالوَهَنِ

أعرض عقلي وكتاباتي للبيعِ

بأبخس ثمنِ

أخجل أن أتذكّر عمّن ولمن كنت أسطّرُ

( أكوامَ الأدبِ ( العفِنِ

أتأبَّطُ ممحاتي ، أمسح من ذاكرتي كلمات الوهمِ

وعهرَ الزمنِ

( أخشى أن تضبطني في حالة ( وعيٍ وطنيٍّ

( أزلامُ ( السِّلمِ

وأفرادُ الأمنِ

( أتمرّغ في حلّ ( سلميٍّ

أحلم بالطّلقةِ والكفنِ

=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=

انقلبتْ كلُّ الأشياءْ

كلٌّ منّا يفعل ما شاءْ

و لهذا يا هذا ، ، ، افعل ما شئتَ

ولا تخشَ حُكمَ الأيامْ

اعملْ سمساراً بعمولةْ ، اسرق قوتَ الأطفالِ

وأموالَ الأيتامْ

شرّق ، غرّب ، عِشْ في الأحلامِ

وقطّع في الأرحامْ

اعمل قوّاداً في ماخورٍ ، كُنْ زيرَ نساء مُتَصَعْلِكْ

هرّبْ ما شئت من الأموالٍ المسلوبةْ

كُنْ ألعوبةْ

اسرقْ وانهبْ ، حشّشْ واكذبْ

اقتلْ وافتكْ ، افعلْ واتركْ

لكن . . . لا تُشهرْ قلماً مجنوناً يفضحُ خوّاناً متهتّكْ

واقطع عهداً : ألاّ تكتبَ للوطنِ قصيدةَ شِعرْ

واركعْ يا هذا . . . اركعْ واحنِ الرأسَ

ومرّغْ أنفكَ . . . وارهِنْ نفسكَ
عند طواغيت العصرْ

+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+

كلُّ الأشياء انقلبتْ

قِيَمٌ ظهرتْ ، أخرى انقرضتْ

أضحى إرهابياً من يتحدّثُ عن زمن الثورةْ

صارت صُوَرُ الشهداء بقايا ذكرى

وُئِدَتْ أحلامُ الأسرى

و زهورُ الفرحةِ . . . لم تزهرْ

وتوارى قمرٌ . . . لم يُقْمِرْ

فتحسّ بكابوسٍ وحشيّ يغزو عقلكَ

ينهش قلبكْ

وحشٌ أحمقْ

و الطوقُ على عنقكَ

يصبحُ أضيقْ ، أضيقَ أضيقْ

فاسأل نفسكْ

ماذا تملكْ ؟

وانظر حولكْ

ماذا تبصرُ إلاّ الظلمةْْْ ْ ؟

ْ فاقرأ فاتحة الرحمةْ

و احزمْ أمركْ ، واخترْ قَدَرَكْ

أو بيديكَ . . . تحفرُ قبركْ

=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=

Tuesday, September 11, 2007

الرحلة الكابوس
(قصة قصيرة)

بينما كنت ساهماً أنظر إلى صفوف الركاب المتقاطرين على بوابة الصعود إلى الطائرة ، مرت في خاطري سحاباتُ أمثالٍ وحِكَمٌ حاولتُ من خلالها التخفيف من قلقي الذي بدا مرتسماً على وجهي كما على وجوه باقي الركاب : ( لا تضرب الصاعقة أبداً في مكان واحد مرتين ) ، ( لا تسقط قذيفتا مدفع في حفرة واحدة على أرض معركة ) ، ( إذا أردت الهروب من بطش أسد فاختبئ في عرينه ) . هل كان استحضار هذه الأمثال وأمثالها محاولة مني لاستبعاد حدوث أمر جلل ، أم كان لتركيب قلب ثانٍ في صدري لا يعرف الخوف طريقه إلى حناياه مما هو قادم ؟ ، أم هل كانت هذه العبارات حججاً أتذرع بها لتبرير غلطتي في اختيار هذا اليوم الموعود لسفرة قد تمتد ساعات طويلة بين دول عدة ، ومطارات متعددة ؟ ، هذا اليوم الذي أصبح يحمل بجدارة - ومنذ سنة واحدة فقط - لقب اليوم العالمي للإرهاب ، اليوم الذي انهار فيه برجان من أعلى أبراج الدنيا في دقائق معدودة ، واستغرقت إزالة أنقاضهما أشهراً عديدة . هل أتهم نفسي بالغباء لاختياري هذا اليوم اللعين موعداً لعودتي من إجازتي السنوية ، أم أعتب على صديقي وكيل سفري الذي رتب لي بعناية فائقة هذه الورطة ؟ . عند إجراء الحجز لم ننتبه ، أنا وهو ، إلى أن تاريخ العودة الذي اخترناه هو نفس هذا اليوم الأغبر ، أما محاولة تغييره بعد التنبه إلى خطئنا ، فقد بدت شبه مستحيلة نظراً لعدم وجود مقاعد شاغرة قبل أو بعد هذا التاريخ ، وهو أمر منطقي ومبرر في هذا الوقت من السنة . الكتاب الذي أهدته إليَّ ابنتي ونصحتني بقراءته لقطع وقت الرحلة الممل ، لم يعمل عمله ، بل مازلت أرواح بين صفحاته الخمس الأولى ، رغم أنني بدأت تصفحه منذ ساعة .

عندما تتصادم مشاعر الخوف من مجهول تحس به قادماً بعنف لا يرحم ، مع رواسخ الإيمان في نفس تربت على التسليم بقضاء الله وقدره ، تقدح شرارة من الإقدام واللامبالاة بما سيحدث ، إلى درجة تجعلك تضحك من ذاك المتوتر الجالس في مواجهتك ، أو من تلك السيدة التي تحضن طفلتها وعيناها ساهمتان كأنهما تستشفان حدثاً يوشك على الوقوع ، أما موظفو الأمن الذين يذرعون بأعينهم وجوه الركاب ، ويجوبون بأصابعهم - التي تغطيها القفازات البلاستيكية- في حقائب المسافرين ، فهم يستعيرون توترهم من الرعب الكامن في أرواح الركاب المغادرين ، جاهدين للعثور على شيء يشي بالشك في مسافر يحمل قلاّمة أظافر ، أو مقصاً صغيراً لتشذيب الشوارب ، أو حتى مشرطاً صغيراً لقطع الورق ( هذا الذي دخل في قاموس الإرهاب الدولي كأفضل سلاح لخطف الطائرات ) ، بل حتى حاضنات حمل الأطفال لم تسلم من التفتيش الدقيق ، كيف لا ونحن - وكل عام وأنتم بخير - نحتفل هذا اليوم بالعيد العالمي الأول للإرهاب .

استقريت على مقعدي ، وربطت حزام الأمان بثقة مطلقة ، وفتحت الكتاب الذي مازلت أراوح بين صفحاته الخمس الأولى ، دون أن أفهم منها شيئاً ، أما الراكب المجاور لي فقد رمى نفسه في مقعده دون أن يطرح عليَّ السلام - ربما بسبب توتره - ولم يزد على أن ربط حزام مقعده ، وأسند جسمه على جانبه الأيمن ودخل - أو هو حاول أن يتظاهر - في سبات عميق ، فتخيلت أنه ربما كان قد تناول بعض الجرعات المهدئة - وله كل الحق في ذلك - ، وبينما توارد الركاب كلٌّ إلى مقعده ، ساد صمت ثقيل لم تقطعه سوى بعض الضحكات المكتومة التي حاول أصحابها ، على ما يبدو ، إظهار لا مبالاتهم من هذه الرحلة التي تخيلها البعض - ومن دون سبب واضح - مشؤومة .

كان الوقت ليلاً ، والإقلاع سهلاً ، وكلما ارتفعت الطائرة ، انخفضت مخاوف ركابها ، واندمجوا في رحلة يتمنون أن تكون سعيدة ، ، بعضهم حاول النوم مباشرة بعد الإقلاع ، ربما لكي ينسى ما هو فيه من قلق ، بينما فضل البعض الآخر التلذذ بتناول كأس عصير الضيافة الذي قدمته مضيفات باسمات ، حاولن بأقصى طاقتهن إضفاء جو من المتعة والمرح على الركاب ، للتخفيف مما يعانونه من ضيق وخوف .

قبل عرض فيلم السهرة ، وُزعت أطباق العشاء الساخن ، وكؤوس العصير المتنوعة ، وقد لاحظ الجميع كيف أن السكاكين التي قدمت كانت من النوع البلاستيكي الخفيف الذي لا يقطع الماء ، والشُوَك المطاطية التي لا تنفذ حتى في الحساء ، كل ذلك من قبيل الإجراءات ( الأمنية ) التي بدأت شركات الطيران باتخاذها عقب الأحداث المعروفة . بعض الركاب ازدرد طعامه بسرعة لكي يعجل في النوم ، والبعض الآخر وجدها فرصة لكي يشغل نفسه عما يشغل ذهنه ، ، ليست مزحة أن تسافر من نيويورك إلى أمستردام في مثل هذا اليوم الرهيب ، وليست بطولة أن تتنطح للطيران في هكذا يوم عصيب . غير أن الضرورة اقتضت سفر جميع من على متن هذه الرحلة ، وليس فيهم بالضرورة ولو سائح واحد .

مضى على الرحلة ما يقرب من ساعات ثلاث ، وها قد بدأت النفوس بالهدوء ، وبدا أن التوتر الذي سيطر على المسافرين في بداية الرحلة لم يكن له ما يبرره ، كما كان لسلاسة حركة الطائرة في اختراقها الأجواء أثر كبير في سيطرة النعاس على ركابها الذين دخل معظمهم في سبات عميق ، بينما رَكَزَ البعض على رؤوسهم وفي آذانهم سماعات القنوات الموسيقية التي تبثها قمرة القيادة ، علّ الموسيقى تخفف من هذا التوتر الخانق : سيد الزمان والمكان .

لم يستطع أحد منا ، نحن ركاب المقصورة الرئيسية ، أن يعرف لماذا وكيف تزامن هبوط مفاجيء للطائرة في مطب جوي ، مع صرخة حادة من مضيفة كانت قد دخلت للتو خلف ستارة مغلقة تفصل بين مقصورتي الركاب ، وقبل أن يصحوا النائمون من نومهم ، وقبل أن يرتد طرف الصاحين منهم إليهم ، كان أربعة مسلحين قد انتصبوا في أركان المقصورة الأربعة ، شاهرين مسدساتهم برشاقة المحترفين ، قابضين عليها بِكِلتَي اليدين ، ناظرين بشذر في وجوه الركاب ، طالبين منهم البقاء في أماكنهم ، وإطاعة أي أمر يصدر إليهم . غمغمت قائلاً في نفسي : ها قد ضربت الصاعقة في مكان واحد مرتين ، وها قد سقطت عدة قذائف في مكان واحد في أرض المعركة ، وها قد أطبق الأسد فكيه على من تخيل أن النجاة تكمن في عرينه ، ومن ثم فهاهو العيد العالمي للإرهاب يعود علينا ثانية بنفس البضاعة.

بينما استمر صراخ المضيفة من خلف الستارة ، طلب المسلحون الأربعة من الركاب الثبات في أماكنهم ، مهددين ومتوعدين كل من يتحرك بالقتل الفوري ، في حين استمرت أصوات وهمهمات قادمة من خلف الستارة مختلطة بأنين المضيفة ، وبضربات مطرقة ربما يحاول صاحبها كسر باب كبينة الطيار . إذن فعلها الخاطفون مرة ثانية ، ولا بد أنهم بعد أن أخذوا المضيفة رهينة يقومون الآن باقتحام غرفة القيادة للسيطرة على الطائرة ، ، صوت الكابتن يأتي ضعيفاً مشوشاً عبر مكبرات الصوت ، محاولاً التخفيف من روع الركاب ، طالباً منهم الركون إلى الهدوء حرصاً على سلامتهم ، دون أن يكلف أحد من الركاب الفزعين نفسه عناء الاستماع إلى كلمات قائد الطائرة . أحد المسلحين يقول بصوت عالٍ مناشداً الركاب الخلود إلى السكينة : ( من فضلكم لا تخافوا فنحن ضباط أمن الطائرة ) ، يرد عليه أحد الركاب وقد انفلت لسانه من عقال خوفه : ( وهل لديك ما يثبت ذلك ؟ ) ، راكب مرعوب آخر يرد على الراكب الأول باستهزاء : ( ألا تظن أن هذه يمكن أن تكون مزورة يا ذكي ؟ ) . عندها يتراجع المسلح عن إبراز بطاقته للركاب وقد كاد أن يفعل ، إذ لن يكون لذلك أي أثر في تهدئة روعهم ، ولم يجد بداً من أن يصرخ فيهم : ( إذن ادفنوا رؤوسكم بين أيديكم ، ولا يفتحنَّ أحد منكم فمه بأي حرف ) . فعل الجميع ما أُمروا به ، بينما مازالت الجلبة قادمة من خلف الستارة وأنين المضيفة يضفي على الجو مسحة من خوف بارد ، والمطرقة مازالت تعزف بجنون قاتل أنشودة الموت .

أردت أن أفتح ستارة النافذة علني أشاهد أضواء طائرات نفاثة ، تلاحقنا قبل أن تسقطنا ، لكنني لم أجرؤ على ذلك ، حيث شعرت بأن المسلحين متوترين بشكل كاف لارتكاب أية حماقة ، وخشيت أن يكون أي تحرك مني دافعاً لهم لإطلاق النار عليّ . المطبات الجوية تزداد حدة ، فترتجُّ الطائرة بمن فيها ، وترسخ في أذهان الركاب قناعة بأنهم يسافرون على متن طائرة مختطفة ، والمسلحون يوقنون - هكذا خمّنتُ - بأن زملاءهم من الخاطفين ما يزالون في صراع عنيف مع طاقم القيادة ، ولما يفلحوا بعد في إنهاء مهمتهم بنجاح . بكاء النسوة وصراخ الأطفال أضفى على المكان جواً من البؤس الخانق ، وشعر الجميع بأن النهاية قد أزفت .

بينما تمر لحظات القلق اللزجة ، يمر في مخيلتك شريط حياتك كاملاً في لحظات تتشابك فيها المشاهد ، وتتزاحم العواطف ، ولا يستقر ذهنك على مشهد ما حتى تتدافع مشاهد أخرى مشوشة لتحل مكانه ، يريد ذهنك أن يعرض في مخيلتك كلَّ ما مر بك في حياتك : أهلك ، أحباؤك ، أصدقاؤك ، فيزداد تشابك الصور ، وتختلط عليك البديهيات ، وفي صراع عنيف بين تصور شكل الموت القادم ، والتسليم بالأمر الواقع ، تتخدر عواطفك ، وتتساوى لديك قيم الأشياء جميعها ، لسبب بسيط واحد فقط : لأنها جميعها خارج نطاق سيطرتك . تريد أن تستمر هذه اللحظات وتطول ، مع أنها رهيبة ، قبل أن تحل النهاية التي من المؤكد أنها ستكون مريعة ، تريد ذلك فقط حتى تستطيع استحضار صور جميع من تحبهم ، تريد ذاكرتك أن تودع ملامحهم ، وتود روحك أن تعانق ذكراهم ، ، تتخيل حجم الصدمة التي ستضرب قلوبهم عندما سيسمعون خبر موتك المريع ، فيهوي قلبك ، ، تتمنى مخلصاً أن تمر هذه الأزمة على خير ، فقط حتى لا تتسبب في إيلامهم حزناً عليك ، فموتك ليس مشكلتك أنت ، بل هو مصيبتهم هم .

خَفَتَ أنين المضيفة حتى تلاشى ، فأيقن الركاب بأن شعلة روحها قد انطفأت ، وساد حزن عميق كتم أنفاس الجميع ، وتحفزت نفوسهم للقادم الأسوأ . هل تمكن الخاطفون من السيطرة على الطائرة ؟ وأين سيذهبون بها إن تم لهم ذلك ؟ وهل ما زال هناك مجال لهبوط الطائرة سالمة على الأرض ، ومن ثم تفاوض خاطفيها مع السلطات الأمنية حول شروط مسبقة ؟ أم أن الأمر لا يخرج عن احتمالين اثنين : قيام طائرات نفاثة بإسقاط طائرتنا ، أو استخدامها من قبل الخاطفين في هجوم انتحاري على مبنى عالٍ أو منشأة هامة ؟ وفي الاحتمالين كليهما فإن النهاية المرعبة قادمة حتماً ، رغم اختلاف شكلها .

في تلك اللحظات الحرجة فُتِحَت الستارة ، وبرز وجه الكابتن ، فأيقن الجميع أن الخاطفين قد سيطروا على الطائرة واقتادوه إلى هذه المقصورة لربطه فيها ، وأصبح مصير الركاب الآن كما تنبأوا : إما أن تسقطهم طائرة مقاتلة ، أو يقودهم الخاطفون للاصطدام بهدف سبق لهم اختياره . ابتسامة بلا لون تعلو وجه الكابتن وهو يرفع يده اليمنى وقد أمسك بها يد المضيفة - التي مازالت مختفية خلف الستارة - وإصبعان منها ملفوفتان برباط طبي ، ولإزالة هذه المحنة عن قلوب الجميع ، ما كان ربان الرحلة بحاجة إلى أن يقول للركاب - بعد أن تنحنح - سوى بضع كلمات ترفع عن أرواحهم ثقل هذا الكابوس اللعين : ( لم يكن الأمر سوى مجرد انغلاق باب مستودع الأطعمة - بفعل المطب الجوي العنيف - على أصابع المضيفة ، مما أرغمنا على استخدام المطرقة في كسر الباب لتخليص يدها منه ) .
علت صيحات الركاب غبطة لدرجة أن بعضهم بكى من شدة الفرح ، ، حاولت المضيفة أن تعتذر لكنها لم تعثر على الكلمات المناسبة ، فتوارت خلف الستارة مكفكفة دموعها ، ، المسلحون الأربعة أعادوا مسدساتهم إلى مكامنها ببرود ، وجلسوا في مقاعدهم بهدوء وكأن شيئاً لم يكن ، ، الكابتن أمر بتوزيع العصائر والهدايا على الركاب احتفالاً بانفراج الأزمة ، ، الركاب صفقوا طويلاً ، وعانقوا بعضهم بحرارة ، ، انشغل الجميع بالاحتفال بهذه النهاية السعيدة ، إلاّ الراكب الجالس إلى جواري ، فلم يزد على أن حول نقطة ارتكاز جسمه من الجهة اليمنى إلى الجهة اليسرى ، ، متلمّظاً ، بالعاً ريقه ، شابكاً ذراعيه حول صدره ، مستمراً في سباته العميق ، غير عالم بما جرى على متن الطائرة ، إلا إذا قرأ الأخبار في صحف اليوم التالي ، هذا إن كان يصدق كل ما تنشره تلك الصحف .

Sunday, September 9, 2007

قطرات الزمن المهتريء
(قصة قصيرة)

أصبح صوت قطرات الماء الرا شح من سقف زنزانته الانفرادية رفيقه الوحيد في عزلته ، يقضي ساعات طويلة يتسلى بسماعها تعزف لحناً متسقاً عندما تسقط في حفرة صغيرة أحدثتها في أرض الزنزانة ثم ملأتها . هذه القطرات المُنشِدَةُ أصبحت وسيلته الوحيدة لإدراك حركة الزمن ، فلقد تعلم مع مرور الأيام كيف يستخدمها عداداً للوقت بديلاً عن الساعة .

في كل يوم ، وبعد تسلل أول شعاع للشمس من كوة صغيرة في سقف الزنزانة ، يبدأ بعدّ القطرات ، يتأملها بشغف طفولي ، ويستمتع بأصواتها المختلفة التي تتنوع حسب أحجامها ، مما ينسيه مؤقتاً ما هو فيه ، وما أن يصل إلى العدد 1800 حتى يقذف له الحارس قطعة الخبز الصباحية من فتحة أسفل باب الزنزانة ، فيبللها في ماء الحفرة ويزدردها بنهم شديد . بعد حوالي 18000 قطرة كان الحارس يقذف له قطعة خبز يابسة مع صحن صغير فيه مرق اختلط طعمه برائحة البترول كوجبة غداء ، وما أن تسقط 900 قطرة أخرى حتى تُفتح أبواب الزنزانات مؤذنة بخروج السجناء إلى ( الفورة *) ، وحتى عندما كان ( كامل ) يتمشى مع زملائه في ساحة السجن ، لم يكن ينسى صديقاته القطرات ، بل كان يستمر في عدها ، وما أن يصل إلى القطرة رقم 1500 حتى تنطلق الصافرة معلنة انتهاء فترة الراحة ، فيسرع السجناء إلى زنزاناتهم قبل أن يبدأ الحراس ضربهم بأعقاب البنادق مطلقين عليهم كلاباً المتوحشة .

لم يعد ( كامل ) يخشى جلاديه بعد أن أكلت سياطهم من لحم ظهره ، وكسرت قبضاتهم معظم أسنانه . لم يعد ( كامل ) يخشى الموت بعد أن مات معظم زملائه إن إعداماً أو تحت التعذيب . لم تعد هناك أية قيمة لأي خطر في نظر ( كامل ) بعد أن تشرد عن أسرته منذ النكبة الثانية . والده مازال يُقيم في إحدى قرى ( القدس ) يعيل عشرة من الأبناء والبنات . بعض إخوته عمل مع حكومات أو حركات وطنية أخرى مخالفة لخط الحركة التي ينتمي إليها ، فوصل الخلاف بين الإخوة حد القطيعة .

لم يعد ( كامل ) يخشى أي شيء سوى توقف صديقاته القطرات عن السقوط من سقف زنزانته ، والتي أصبحت الآن رفيقته الوحيدة ، يدعو الله دائماً أن يديمها له طيلة وجوده في السجن حتى لا يضيع زمنه من يديه بعد أن ضاع كل شيء ولم يبق إلاّ الحلم ، وهو إن قُدِّرَ له أن يخرج حياً من هذا القبر ، فلسوف يوصي الزائر الذي سيحل محله أن يصادق هذه القطرات ، وأن يستمر في عدها وأن يدعو لها بطول العمر ، ببساطة ، لأن استمرار سقوطها يعني استمرار الحياة .

إنه الآن يعد القطرات انتظاراً لخبز الإفطار ، بينما تتحسس أصابعه جروحه العميقة التي تنز دماً وقيحاً بعد أن شبعت منها سياط المحققين بأمر من مدير السجن .

السجن قلعة أثرية نائية في صحراء عربية ، تبعد مئات الكيلومترات عن أقرب مدينة مأهولة ، تصلها بالعمران طريق ضيقة تسلكها سيارات الأمن ناقلة إلى السجن المعتقلين الجدد ودوريات الحراسة الأمنية ، وعلى بعد حوالي كيلومتر واحد من أسوار السجن خُصِّصَت قطعة من الأرض لتكون مقبرة لدفن جثث الذين يموتون تحت التعذيب ، حيث كان هؤلاء يُنقلون إليها تحت جنح الظلام في توابيت خشبية ، تُدفن على عمق بسيط تحت سطح الأرض ، وعشية دفن أحدهم ، كان السجناء يسمعون في جوف الليل أصوات ذئاب وضباع جائعة تنبش الأرض وهي تعوي عند المقبرة .

في التحقيق الذي فقد فيه بعضاً من أسنانه ونُتَفاً من لحم ظهره ، كان المطلوب من ( كامل ) الاعتراف بمسؤوليته عن عمل ( تخريبي ) لم يقم به ، ومع أنه كان يعرف اسم منفذه ، إلاّ أن القِيَم التي تربى عليها كانت تأبى عليه أن يَشِيَ بغيره .

مدير السجن اشترك شخصياً في التحقيق معه ، وأوصى الجلادين بانتزاع الاعتراف منه مهما كلف الأمر . مدير السجن هذا طويل القامة ، أسمر البشرة ، ذو شارب كث وسحنة تقطر لؤماً ، يبدو وجهه وكأنه قد نسي الضحك منذ عقود من السنين ، عيناه مختبئان خلف نظارة سوداء خشية اكتشاف الحقد الذي يقطر منهما مع كل نظرة ، وقبضتان أكلتا من وجوه السجناء ، وأكلت وجوه السجناء منهما ، فبدتا متورمتين محمرتين كيدَيْ خباز ، رضي بأن يعمل كلباً برتبة عقيد لدى سلطة غاشمة .

لن ينسى ( كامل ) كيف استقبله مدير السجن هذا في اليوم الأول لوصوله . مع اللكمة الأولى صرخ اللئيم في وجهه : ومازلت تصرّ على عبور النهر إذن ؟ . . . شرد بذهنه بعيداً وكأن السؤال لا يعنيه : ( عبر النهر ، وإلى الغرب ، تقبع أحلام الأحياء والشهداء ، أما الأصدقاء الأعداء شرق النهر فإنهم يحاولون مصادرة الحلم ، وأما حراس الحلم فيعضون عليه بالنواجذ ، ويعيشون من أجله ويموتون في سبيله ). مع اللكمة الثانية صرخ الأسمر ذو الشارب الكث في وجهه : لن تخرج حياً من هنا إن لم تعترف . قال في نفسه : ( وماذا في ذلك ، سوف أنتقل من حالة الحلم إلى حالة الشهادة ، عندها سأكسب الشهادة ، أما الحلم فإنه ، وإن خسر واحداً في سبيله ، فسيبقى له كثيرون يعيشون من أجله ) . مع اللكمة الثالثة غاب عن الوعي ونقل إلى زنزانته .

يده مازالت تتحسس جروحه ، والألم الممض يعتصر جسده حتى النخاع ، بينما قطرات الماء ما زالت تتابع سيمفونيتها الرائعة ، وهو مازال يَعدُّها بفرح غامر ، وعندما وصل في عده إلى الرقم المناسب ، تدحرجت أمامه قطعة الخبز اليابسة ، فغمسها في ماء الحفرة وازدردها ، بينما تراقصت على ظاهر كفه بضع قطرات مدغدغة جلده الرقيق ، فأحس بنشوة عارمة ، وحمد الله أنه مازال يقبض على زمنه .

تعددت جلسات التحقيق ، وتكررت اللكمات من صاحب الشنب الكث . لعلعت سياط الجلادين ، وتناثر لحم الكتفين والظهر والصدر ، والموقف مازال على حاله ، ونتائج التحقيق تراوح في مكانها . موقف مدير السجن أصبح حَرِجاً للغاية أمام إلحاح رؤسائه بأن يقفل التحقيق مع ( كامل ) بنتيجة إيجابية : توقيع ( كامل ) على اعتراف صريح بارتكاب فعل نضالي يحرمه القانون ، و ( كامل ) لم يعد همه سوى عد القطرات الساقطة من سقف زنزانته ، والعض على حلمه بالنواجذ .

استمر في عد القطرات ، وهاهي ذي قطعة الخبز مع صحن المرق تحضر لنجدة معدته الضامرة ، ويستمر في عد القطرات ، وهاهي ذي الأبواب تفتح للخروج إلى ( الفورة ) ، وبدل أن يمضي مع زملائه إلى ساحة السجن ، اقتاده حارسان إلى مكتب المدير .

وراء مكتبه كان يجلس كتلة من حقد والشرر يتطاير من عينيه ، ورذاذ لعابه يتناثر وهو يتهدد ويتوعد ، وتنفذ كلماته البذيئة من بين أصابع يديه اللتين تلوحان في جميع الاتجاهات ، وبين الجملة والأخرى ضربة بالقبضة على المنضدة الخشبية ، فتتطاير الأشياء المبعثرة على سطحها بفوضى لا تقل عن فوضى تفكير هذا المغرور . أقفل (كامل ) أذنيه ولم يعد يسمع شيئاً مما يتفوه به هذا الكلب العقيد صاحب الشنب الكث ، فقد حفظه عن ظهر قلب . ما يهمه الآن أنه مازال يعد القطرات ، فبعد 1100 قطرة سيدخل السجناء زنزاناتهم ، وبعد 6500 قطرة ستغيب الشمس ، وتظلم زنزانته تماماً ويدخل في سبات عميق ، والرذاذ مازال يتساقط على وجهه ، وكلمات السوء تهطل على أذنيه ، ثم لكمة قوية تلقيه أرضاً فيغيب عن الوعي .

الآن يرى والده العجوز يبحث في حقله عن نعجة أضاعها ، وهو يلهث من شدة الجري في جميع الاتجاهات . أخيراً ، وبعد طول لهاث ، يعثر على عصفور ميت له قرنان وذيل نعجة ، أما النعجة فها هو يراها معلقة على كلاّب لحام القرية الذي يبدأ بتقطيع لحمها وإطعامه لكلاب متوحشة مسعورة . جردل من الماء البارد يُسفَح على وجهه فيصحو من غيبوبته :
" غداً سيحضر والدك لزيارتك ، عليك أن تتظاهر بأنك في أحسن حال ، وإلا كانت نهايتك مع انتهاء الزيارة ، أقسم لك على ذلك ، يكفي أنك ما زلت حياً حتى الآن رغم عدم تعاونك معنا " .

تجاهل ( كامل ) صوت محدثه ، واستمر في عد القطرات حتى وصل إلى 900 فأمره مدير السجن بالعودة إلى الزنزانة ، فهرع من فوره للاطمئنان على حبيباته القطرات ، وحمد الله على أن زمنه مازال يتراقص بين يديه .

أسعده أنه سيرى والده غداً ، وخمن أنه لن ينام هذه الليلة من الفرح ، بل سيقضيها في عد القطرات طيلة الليل ولأول مرة منذ صادقها ، غير أنه ، ولشدة تعبه ، وبسبب الآلام التي كانت تأكل جسده ، دخل في سبات عميق بعد سقوط القطرة الألف .

في الصباح ، وبعد أن ازدرد قطعة الخبز اليابسة ، فتح الحارس باب الزنزانة واقتاده إلى مكتب مدير السجن . نعم ، لقد حضر والده ، وسوف يراه بعد غياب سنين ، ولكن ما هي الطريقة التي تمكن بها والده من الحصول على إذن بزيارته ؟ وكيف استطاع والده الوصول إلى هذه البقعة النائية في هذه الصحراء الموحشة ؟ . . . لاتهم كل هذه الأسئلة ولا إجاباتها طالما أنه سوف يرى والده بعد لحظات ، ومادام والده سيعثر أخيراً على نعجته الضالة . ولكن ماذا سيحل بالكلاب المتوحشة ؟ لتذهب هذه الكلاب مع صاحب الشارب الكث إلى الجحيم ، ولن تأكل بعد اليوم سوى من لحمها هي ، فبعد مقابلته والده ، سوف يعود إلى زنزانته ويعد قطرات زمنه الفضية ، ثم سيدخل في حلم يرى فيه الكلاب المتوحشة تنهش لحم أحد أفرادها ، أما لحام القرية فيجب أن يراه في الحلم وهو نفسه يبقر بطنه بسكينه ويولي هارباً ، وأما العصفور ذو الأرجل الأربع والذيل ، فسوف يستيقظ من الحلم على صوت تغريده .

فتح الحارس باب غرفة المدير ودلف مستأذناً بإدخال السجين . بقي الباب نصف مفتوح ، وهاهو يرى والده واقفاً وسط الغرفة معتمراً عقاله ، هذا العقال الذي سوف يسقط عن رأس العجوز لشدة العناق وتعلق الابن برقبة أبيه ، فهو لن يتركها ولن يكف عن عناقه لمدة يوم بحاله ، ولماذا يوم واحد فقط بعد كل هذا الفراق الطويل ، ، ليكن أسبوعاً على الأقل . الآن الدنيا تدور ب ( كامل ) وهو يرى مدير السجن يعانق الرجل العجوز مندهشاً وهو يقول له : مرحباً بك يا والدي ، ولكن ما الذي جاء بك إلى هنا ؟

جحظت عينا ( كامل ) ، وفغر فاه ، اكتسحت جسده النحيل قطرات عرق باردة ، أبرد من قطرات زمنه ، أحس وكأن الدم قد تجمد في عروقه ، وأيقن أن قطرات زمنه المهتريء قد توقفت عن التساقط الآن . . . وإلى الأبد .

*( الفورة : خروج السجناء إلى ساحة السجن لاستنشاق الهواء )

ترنيمة الى السواسن
( إلى روح سوسن شخشير شهيدة نابلس ، وإلى أرواح
جميع السواسن في أرض البطولات )

(شعر)

تصرعنا نشراتُ الأخبارِ ، تقطّعُ فينا أنياطَ القلبِ

وتتركنا أشلاءْ

في زمنٍ يُقْتَلُ فيه الأحرارُ ويحيا الجبناءْ

=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=

مات الأحرارْ ، عاش الجبناءْ

ماتت سوسنُ ، دخلت دائرة الخُلدِ

أخذت رقماً في قائمة الشهداءْ

خرجتْ ، هتفتْ ، صرختْ ، سقطتْ

فتداعَتْ كلُّ الأشياءْ

عسلٌ خمريٌّ يتدفّق من فمها

قمّةُ ( عيبالٍ ) جبهتُها

قامتها امتدتْ وانتصبتْ كجبال النارْ

ضحكتها ما زالت تحفظها جدرانُ الدارْ

تلبس علماً كفناً

تكسوها أزهارُ النوّارْ

ورداً يحضن ورداً ، نبعاً يتدفّق بالأشعارْ

سقط الجبناءْ . . . عاش الأحرارْ

=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=

صارت أسمى من كلِّ الأسماءْ

من يقدِرُ أن يقطفَ من دربِ التبّانةِ نجما ؟

أضحت رمزاً للأموات وللأحياءْ

من يجرؤ أن ينزع من رأسِ الشهداءِ الحُلُما ؟

سوسنُ لن تلعب بعد الآن مع الرفقاءْ

سوسنُ لن تكتبَ شعراً أو تعزفَ لحناً

سوسنُ - يا جسر العودة - صارت وطناً

سوسنُ - قد صارت يا كبدي -

كلّ الأشياءْ
غباء عبسي
تتعاقد إحدى الدول العبسية المجهرية مع المستر " سد بوراي" لقاء راتب ضخم ومميزات أضخم ، ولدى وصوله
يُستقبل المستر " سد " في المطار بالأهازيج والزغاريد والألحان ، وتفرش أمامه البسط بكافة الألوان ، ويُنقل إلى القصر المخصص له بحفاوة لا مثيل لها على متن سيارة ليموزين ، وكأنه قد حرر أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين . في اليوم التالي ، وعندما يدخل " سد بوراي " إلى مكتبه ، يرفض بإباء - وربما بغباء - وشمم تعيين مترجم له ، ويقدم نفسه بفخر إلى أصحاب الشركة على أنه " سيد برعي " ، عندها تنقلب الأمور على رأسه رأساً على عقب ، فيخير بين وضع راتبه وباقي مميزاته تحت الجذر التكعيبي ، أو يغادر البلاد إلى غير رجعة على أول وسيلة نقل متوفرة . بشكل مفاجيء يتضامن أبناء عم " سد بوراي " الجدد ( من الكفار الأجانب ! ! ) مع ابن عمهم ضد أبناء عم " سيد برعي " الأصليين !! ، ويهددون بالاستقالة والعودة من حيث أتوا ما لم تعد إلى " سد " ، جميع امتيازاته المتفق عليها في العقد . يرضخ " العبسيون " المجهريون على مضض ، لكنهم يبدأون بحبك المؤامرات لابن عمهم السابق ، تمهيداً للتخلص منه بتهمة مخلة بالشرف . ابتكار " عبسيٌّ " لاستعادة العقول المهاجرة يحسد العبسيّون عليه .

Thursday, September 6, 2007

قرنٌ . . . . ولاكُلِّ القرون

شكراً للقرن الحادي والعشرين الذي أعفانا من مشقة الإحراج والخجل و احمرار الوجنتين، ومنحنا في الوقت نفسه أسباباً جديدة للشعور بنفس هذه المشاعر جميعها ، ولكن بطريقة " معاصرة " :
آ- أمور لا يجب أن نخجل منها :
- لا يجب أن نخجل من رمي مخلفاتنا في الشوارع ، إذ أنها مليئة بها ، بنا وبدوننا .
-
لا تخجل إذا ما ضبطوا ابنك متلبساً بتعاطي المخدرات وترويجها ، لأنه - كان الله في عونه - قد تعاطاها لأنه واقع تحت تأثير " ضغوط نفسية " لا يعلمها إلاّ الله ، وإذا لم يقم هو بترويجها ، فسيقوم آلاف غيره بذلك ! .
-
لو أمسك بزوجته متلبسة مع " صديقها! " ، فعليه ألاّ يشعر بأي إحراج أو خجل . عليه بدلاً من ذلك أن يكون متحضراً بما فيه الكفاية ! ، وإلى الدرجة التي يسأل فيها نفسه عن عيوبه التي لا تُطاق ! ، والتي اضطرت " المسكينة " إلى فِعل ما فعلت ! كما أن عليه أن يتودد إلى عشيق زوجته ، لأن العشيق الودود خير وأحبُّ إلى القلب من العشيق اللدود .‍‍‍‍‍‍‍‍‍
-
لن اشعر بأي حرج أو خجل لو أُحِلتُ إلى المحاكمة بتهمة " الاختلاس " لأن الكثيرين من علية القوم قد اختلسوا وحوكِموا قبلي بنفس التهمة ، وبُرِّئوا منها باعتذار شفهي أو مكتوب ، لأن الأمور أصبحت تسير بالمقلوب ، وخرجوا منها معززين مكرمين ، مثل خروج الشعرة من العجين .
-
احتلال المقدسات وانتهاك الأعراض وإذلال العرب على أيدي برابرة القرنين العشرين والحادي والعشرين ، لا ينبغي أن يُوَرِّدَ لنا خدّاً ، أو يهز لنا شعرة في جفن ، فهي مرحلة تاريخية لا بد منها ! ، تماماً كاحتلال الصليبيين لبلادنا طيلة قرنين من الزمان ، وبعد ذلك رحلوا عنها إلى غير رجعة ! .
ب- أمور يجب أن نطأطىء لها الرؤوس ، وينفر بسببها الدم من الخدود ، إحساساً بالعار والشنار:
-
طأطىء رأسك وامسح عرقك إذا ما سألك أحدهم عن رقم هاتفك النقال ، فقلت له أنك لم تمتلكه بعد ، إذ أن هذا يعني أنك تهمل استخدام تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين ، وبالتالي لا تنتمي إليه ، ‍ويعني أيضاً أنك لست رجل أعمال مهماً ، وأن الذي يريدك لا يستطيع أن يجدك فوراً ! ، وبهذا فأنت ما زلت متخلفاً عن الركب رغم أن الكثيرين من الصم والبكم قد بدأوا باستخدام هذا النوع من الهواتف ، فماذا تنتظر؟ ‍.
-
مع أنه لا يستخدمه إلاّ للتسلية بألعابه فقط ، فالويل كل الويل لك إن قلت له بأنك لا تملك جهاز كمبيوتر، ومع أنه لا يعرف كيف يدخل على الشبكات العنكبوتية المختلفة ، بل يعرف فقط كيف يحصل منها على آخر النكات السخيفة ، - مع أنه حياته اليومية مليئة بالنكات التي تكفيه لكي يضحك على نفسه وعلى قومه حتى آخر العمر - ، أو يعرف كيف يتحادث CHAT مع " أصدقاء " له في أستراليا أو نيوزيلندا ، مع أنه لا يعرف حتى أسماء جيرانه في نفس العمارة ، فالعار كل العار سوف يتلبسك إن أنت أخبرته أنك غير مشترك مع شبكة الإنترنيت . لكن الذي هو أكبر من ذلك بكثير يا محترم ، والذي ينبغي أن يجعلك تقف خجولاً أمام نفسك وأمام الناس : هل يُعقل أنك لا تمتلك بريداً إلكترونياً (e.mail ) ؟ ، يا للهول ! ! .
-
أنت ظلامي ، ومن دعاة التخلف والردة إن لم يكن لديك صديقة غير زوجتك (GIRLFRIEND) ، ( اللفظ المهذب لكلمة " عشيقة " ) وعليك - إن نفيت ذلك - أن تكون مستعداً بكمية كبيرة من المناديل الورقية لكي تجفف بها عرقك يا . . متخلف .
-
عليك أن تخجل من النظر إلى وجهك في المرآة ، وأن تراجع كل قواميس الدنيا منقباً عن جميع كلمات الاعتذار والندم والحسرة ، وبجميع اللغات ، وذلك إذا ما زلَّ لسانك وتحدثت عن ضرورة الوحدة العربية ، وتحرير " القدس الشرقية ‍" . . الشرقية فقط ) ‍ ، والتصدي للمخططات الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية للهيمنة على المنطقة العربية . اعتذر يا أخي بكل شجاعة ، نعم . . اركع واعتذر . . . فليس في ذلك عيب ، لأن الثبات على الحق رذيلة ! والإصرار على الباطل فضيلة ! أليست هذه هي قِيَمُ زمننا الذي نحيا ؟ اعتذر ياسيدي وإلاّ ‍‍‍‍. . . أليس كذلك ؟ .
شكراً لك عزيزنا القرن الحادي والعشرين ، أنت الذي غيرت لدينا مفاهيم العيب والخجل واحمرار الوجنتين ، وجعلتنا نسير على اليدين عِوَضاً عن القدمين .

Wednesday, September 5, 2007

الحمار الغبي ... ومؤتمر الخريف القادم

في تدوين الأدب العربي وتدبيجه ، درج أدباء العرب وحكماؤهم على عادة رواية الحِكَمِِ والأمثال على ألسنة الحيوانات - كما فعل ابن المقفع في كتابه ( كليلة ودمنة ) ، أو الجاحظ في بعض كتاباته - ربما لأنهم كانوا يخشون سطوة الحاكم ، ويخافون سوء العاقبة إن اشتُمَّ مما يكتبون أنهم يقصدون النيل من شخصية سياسية هامة ، أو ربما لأنهم كانوا يعتقدون برجاحة عقول الحيوانات على من عداها من بني البشر ، أو لكلي السببين . فمن الأمثلة التي ترمز إلى التعلق بأذيال وعد ظاهره صدق وباطنه كذب وخداع ، ظهَرَ مثَلُ الحمار والجزرة والعصا ، وهو مثل يُضرب في الذي يتعلق بوعد يستحيل تحقيقه ، فطالما أن الرجل الذي يمسك بالعصا التي ربطت في نهايتها جزرة ، يمتطي الحمار، فإن الحمار سوف يستمر راكضاً لاهثاً لقضمها ، وأنّى له ذلك . عند هذا الحد تقف الرواية دون أن توضح نهاية قصة الحمار والعصا والجزرة ، لكن بعض شهود العيان الموثوق بصدقهم من الحمير ، يقولون بأن أخاهم الحمار – وبعد أن سار عدة أمتار – فهم اللعبة التي يمارسها عليه راكبه ، وأبت عليه نفسه أن يضحك أحد عليه ، فاستند على قائمتيه الأماميتين ، ورفع قائمتيه الخلفيتين في الهواء ( في العامية عنفص ) وألقى براكبه أرضاً ، ثم هجم على العصا وقضم الجزرة المعلقة في نهايتها ، ومن ثم هرب لا يلوي على شيء ، وبذلك أثبت هذا الحمار بأنه ليس حماراً جداً ، بل هو حمار فقط . من يقرأ التاريخ السياسي للمنطقة العربية منذ نصف قرن ، يدرك بأن ( الحمار جداً ) العربي مازال يركض لاهثاً خلف وعود علقها أمامه أمريكي وصهيوني يمتطيانه منذ هذا النصف القرن ، وعود مثل : ( عقد مؤتمر دولي لبحث القضية – الاعتراف المتبادل – كل شيء قابل للتفاوض – التفاوض دون شروط مسبقة – مكافحة الإرهاب – نبذ العنف – السلام خيار استراتيجي – رخاء شعوب المنطقة ) وقائمة طويلة جداً من أسماء المؤتمرات ( مؤتمر جنيف – مؤتمر شرم الشيخ – مؤتمر عمان – مؤتمر الرباط – مؤتمر واشنطن- وآخرها : مؤتمر الخريف القادم ) وقائمة أطول من المعاهدات والاتفاقيات ( معاهدة كامب ديفيد – معاهدة وادي عربة – اتفاقية فك الارتباط –اتفاقية أوسلو - اتفاقية واي ريفر – اتفاقية شرم الشيخ ) وهلم جراً ، و( الحمار جداً ) العربي يكِدُّ لاهثاًً ليمسك بواحد من هذه الشعارات والمؤتمرات ، لكن دون جدوى ، إلى درجة أن عَتِب عليه الحمير الأسوياء - أمثال الحمار صاحب العصا والجزرة - ، وهددوه بالتبريء منه أمام الله والتاريخ لأنه فضحهم ، وجعل ألسنة جميع الحيوانات ( الذكية منها والغبية ) تلوك سمعتهم ، وتعيُّرُهم بهذا الحمار العربي الغبي الذي يصدق كل ما يُقال له . بعد اجتماع طاريء لحمير العالم ، أوصى المؤتمر كبير سحرة الحمير بتحويل ( الحمار جداً ) العربي إلى ثور ، ثم ربطه في ساقية لكي يدور طوال حياته في دائرة مفرغة لا يعرف لها نهاية . وهكذا أنقذ الحمير سمعتهم ، وعادت الحيوانات جميعها تحترمهم وتتذكر كيف أن الحمار الغبي العربي لم يستطع أن يفعل – كما فعل حمار الجزرة – فيلقي براكبيه أرضاً وتنتهي المهزلة ، فانتهى الأمر به إلى أن أصبح ثوراً .

Thursday, August 30, 2007

الله الله ياعرب
خطفت حركة طالبان ثلاثة وعشرين كورياَ فقامت الدنيا ، ثم أطلقت سراح الباقين بعد قتل اثنين من الرهائن فقعدت الدنيا ، بعد زوبعة اجتاحت جميع الدوائر السياسية والدبلوماسية الدولية ، وليس في هذا غريب أو معيب ، فالإنسان قيمة تعلو على كل ما عداها من مخلوقات الله . هنا يحلو لي أن أتخيل لو أن مجموعة من الفلسطينيين ( طبعاً من حملة وثائق السفر ) كانت تعمل في أفغانستان ، وقامت حركة طالبان بخطف عشرين منهم ، ثم طالبت بإطلاق سراح معتقليها لدى حكومة الحاصل على جائزة نوبل للعمالة ( أحمد كرزاي ) وإلا ستقتل اثنين من الفلسطينيين كل يوم فماذا سيحدث ؟ ولا شيء ، نعم ولا شيء ، ، ، لا ، لا آسف ، بل سيحدث شيء مضحك مبكٍ : ستقوم الحكومة الأفغانية بخطف مائتي فلسطيني ( طبعاً من حملة وثائق السفر ) ، وسترد على طلب ( طالبان ) بأنها ستقتل عشرين فلسطينياً مقابل كل اثنين تقتلهم ( طالبان ) . لو صادف ووقع هذا الحادث أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي ، فإن البيان الختامي للقمة سيكتفي بمطالبة الحركة والحكومة الترفق بالرهائن ، وذلك بتخفيض عدد المعدومين من اثنين مقابل عشرين إلى واحد مقابل عشرة كل أسبوع بدل كل يوم ، وبدعوة الأطراف إلى ( ضبط النفس!!)، أما الجامعة العربية وبمجرد أن تعلم بالواقعة فإنها ستعطي موظفيها وأمينها العام إجازة مفتوحة مدفوعة الأجر بالدولار الأخضر الرنان ، وذلك حرصاً على عدم تدهور العلاقات بين دلوع أمريكا ( كرزاي العظيم ) والجامعة العربية ، خاصة في هذه الظروف الحرجة التي تنام فيها الجامعة نومة أهل الكهفً . سفارة فلسطين في كابول سوف تحمِّل الفلسطينيين المخطوفين مسؤولية عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لعدم الوقوع في الأسر،وتعتذرعن التدخل في هذا الشأن الأفغاني الداخلي ، ثم يأتي دور حكومة ( أبو مازن ) المؤقتة لكي تؤيد موقف سفيرها في كابول ، خاصة وقد تبين لها من الكشوفات المالية أن هؤلاء الفلسطينيين المخطوفين لم يكونوا يسددون الجزية المالية لحساب منظمة التحرير الفلسطينية .هناك بعض برقيات التأييد وعدم الاستنكار سوف تتلقاها الحكومة الأفغانية وحركة( طالبان ): البرقية الأولى من الأخ العقيد القائد – الخط الأحمر – إذ سيذكِّرهما بأنه سبق وأن نفى مئات الفلسطينيين إلى حدوده مع مصر ، فمات قسم منهم بالحر والقر ، وقسم آخر بالجوع والقهر ، دون أن ترف للضمير العالمي عين أو أذن ، ودون أن تحرك منظمات حقوق الإنسان والحيوان ساكناً أو متحركاً ، فماذا يخشى الخاطفون الأفغان من الجانبين ؟. البرقية الثانية ستكون من وزير خارجية دولة تقع غرب العراق ( ممكن روسيا بوسيا أو شيء من هذا القبيل لا أدري ) سيقول فيها بأن بلاده قد تركت مئات الفلسطينيين محتجزين على الحدود مع العراق في خيام ليست كالخيام ، كأنهم الأيتام على مآدب اللئام ، هوجموا من قبل ميليشيات حاقدة ، بعد أن كانت قد هاجمتهم من قبلُ جحافل الحر والقر والجوع والعطش ، ومع ذلك لم يهتز في جفن ( أبو مازن الهمام ) شعرة ، ولم تلمع في صلعة ( أبو قريع ) شمعة ، كما لم ينتحر الضمير العالمي حزناَ ولوعة ( ربما لأنه ميت أصلاً ) .
زعيم قلب الأمة العربية في برقيته البليغة سوف يهديء خواطر الطرفين ، ويذكرهم بأن العشرات من مئات الفلسطينيين العالقين على معبر رفح قد ماتوا بدون أن تثور أية ضجة بسبب ذلك ، كما لم يتلق أي احتجاج من الحكومة الفلسطينية!!! ، فلماذا يتأخر الطرفان في تنفيذ تهديداتهما
هنا ، وعندما وصَلَت إلى حركة ( طالبان ) وحكومة ( كرزاي ) هذه المواقف العربية اليعربية ، بصق الطرفان على هذه البرقيات ، وعلى أمة أنصاف التسويات ، ثم أطلقوا سراح رهائنهم المئتين والعشرين ، معززين مكرمين ، ليس لأنهم عرب ، بل لأنهم كانوا فلسطينيين ، وهكذا انتهت أزمة الرهائن المخطوفين ، وكل أزمة رهائن وأنتم طيبين .

Wednesday, August 29, 2007

دولة البكم
يقوم قسم العقارات في دائرة الإعلام والثقافة بجامعة الدول العربية حالياً- وبناء على طلب من مجلس وزراءالصحة العرب ، واتحاد الصيادلة العرب - بالتفتيش عن قطعة أرض بور في أية منطقة من مناطق الوطن العربي ( وما أكثر الأراضي البور في هذا الوطن الكبير ) تصلح لإقامة دولة جديدة سوف يُطلق عليها اسم " دولة هايد بارك العربية " . تفصيل ذلك أن أطباء الأذن والأنف والحنجرة العرب قد أفادوا في تقاريرهم إلى مجلس وزراء الصحة العرب ، بأنهم قد لاحظوا ازدياداً حاداً في عدد المرضى العرب المصابين بانسداد في الحنجرة والبلعوم ، إلى الحد الذي يمنعهم من فتح أفواههم بصورة تامة ، ويرجح الأطباء بأن تكون هذه الحالة حالة نفسية أكثر منها عضوية ، حيث أنهم يعتقدون بأن حالة من الخوف قد تكون تعيق مرضاهم وتمنعهم من فتح أفواههم ، ويقول هؤلاء الأطباء بأنهم في حال تأسيس دولة هايد بارك العربية ، - والتي سوف تُستَخدم كمصحة جماعية للمرضى من العرب العاجزين عن فتح أفواههم - فإنهم سوف يحرصون على تضمين وصفاتهم الطبية نصيحة توصي مرضاهم بزيارة هذه الدولة أسبوعياً أو شهرياً ، أو حتى للإقامة الدائمة فيها حسب ما تقتضي حالة المريض .
يقترح خبراء الجامعة العربية أن تُنشأ الدولة المذكورة في موقع متوسط من الوطن العربي ، بحيث يوفر ذلك لجميع المواطنين العرب سهولة الوصول إليها ، كما يقترحون منع إدخال آلات التصوير والتسجيل الصوتي بكافة أنواعها إلى أراضي هذه الدولة ، كما يمكن - زيادة في الحيطة والحذر - توزيع أقنعة على الزوار لارتدائها طيلة مدة إقامتهم فيها ، وذلك تحسباً لما قد يمكن أن يحدث لهم بعد عودتهم إلى بلدانهم التي جاؤوا منها (هذا إن هم تجرأوا وعادوا إليها ) ، أما السباب والشتائم ، في حالة رغب الزوار باستخدامها للتعبير عن مشاعرهم كجزء من العلاج النفسي ، فينبغي ألاّ تكون " من الزنار وتحت " بل يجب أن تنحصر في منطقة "من الزنار وفوق " ، وبالنسبة لِعَلَمِ الدولة الجديدة ، فقد فاز في المسابقة التي خصصت لاختياره تصميم هو عبارة عن أرضية بيضاء ( رمزاً للطيبة و السلام ) في وسطها مربع ( يرمز إلى الزنزانة ) في وسطه صورة فم يصرخ وهو مفتوح إلى أقصى حد ( رمزاً للمطالبة بحرية الرأي) . . سوف تكون هذه الدولة منزوعة السلاح ، إذ لو سُمِح لأي عربي بحمله لقام بانقلاب عسكري واستولى على السلطة في غضون 24 ساعة ، كما سيكون لهذه الدولة محطة تلفزيون فضائية تبث برامجها - التي تدور حول تدريبات على استخدام الحنجرة وفتح الفم ، ونداءات إلى الدول " الشقيقة " لاحترام حرية التعبير عند مواطنيها ، بل وتشجيعهم على استخدامها في الصالح العام - وذلك على مدار الساعة . آخر مشكلة قد تعترض إنشاء هذه الدولة تتمثل في استحالة العثور على قطعة أرض هائلة المساحة ، يمكن لها أن تتسع لـ 270 مليون زائر عربي ، ربما ينوي معظمهم الإقامة فيها على الدوام .
(* يمكن لأصحاب الأراضي الشاسعة ، و الراغبين في البيع، الاتصال مباشرة بدائرة الإعلام والثقافة بجامعة الدول العربية - قسم العقارات - عناية مدير عام
مشروع " دولة هايد بارك العربية" - ملاحظة هامة : الوسطاء يمتنعون)
e.mail: hydpapro @ arableague.com ( العنوان وهمي وغير حقيقي )
- نشرة عن تطور التعليم في الوطن العربي العظيم خلال الستين سنة الماضية :
عام 1947 :
1 - الطالب يخجل من النظر في وجه أستاذه تأدُّباً واحتراماً .
2 - يُطرَدُ الطالبُ من المدرسة إذا أخلَّ بنظام المدرسة أو باحترام مدرِّسيهِ .
3 - أعلى معدّل للطلاب 75% من الدرجة النهائية .
4 - معلِّم واحد لكل 50 طالباً .
5 - يعرف الطالب كتابة اسمه في مستوى الأول الابتدائي .
6 - الناجحون من الطلاب في حياتهم العملية بعد التخرُّج أكثر من 99% من الخريجين.
7 - الدولة تدفع رواتب المدرسين .
عام 2007 :
1 - الأستاذ يخجل من النظر في وجه تلميذه لأن راتبه الشهري لا يكاد يكفي تلميذه مصروفاً ليومين .
2 - يُطرَدُ الأستاذ من سلك التعليم إذا جرح شعور تلميذه ، حتى ولو في حالة الدفاع عن الكرامة .
3 - أقل معدّل للطلاب 98% من الدرجة النهائية .
4 - خمسة معلمين لكل طالب ( باحتساب المدرسين الخصوصيين ) .
5 - لا يعرف الطالب كتابة اسمه في مستوى الثانوية العامة .
6 - الناجحون من الطلاب في حياتهم العملية بعد التخرُّج أقل من 1% من الخريجين .
7-أولياء الأمور يدفعون رواتب المدرسين.
( والقصة تختصر في البندين رقمي 7 أعلاه )