Friday, February 10, 2012

المندوب العبقري


                                                                                      
    جرت العادة في السلك الدبلوماسي أن يأتي وزير الخارجية إلى منصبه بعد أن يكون قد عمل نائباً لوزير الخارجية، وقبل ذلك يكون هو ذاته قد شغل منصب سفير لبلاده في دولة غالباً ما تكون دولة غربية، أما ما بين منصب وزير الخارجية أو نائبه، فيكون هذا الدبلوماسي قد عمل مندوباً  لبلاده في الأمم المتحدة، ولتسهيل الصورة، يكون تدرجه في مناصبه على التوالي: سفيراً في دولة غربية – مندوباً لبلاده في الأمم المتحدة – مساعداً لوزير الخارجية – وزيراً للخارجية، وبعد ذلك يكون الطريق إلى رئاسة الوزراء معبداً.
    في الدول المحترمة يكون ترقي الدبلوماسي في مناصبه بحسب عدد الشهادات التي يحصل عليها، والدورات المكثفة التي يحضرها، والإنجازات التي يحرزها لبلاده على المستوى الدولي، ناهيك عن حجم مؤلفاته في علم الدبلوماسية والسياسة. في دول العالم الثالث وما بعده من عوالم! (ليست باللهجة المصرية)، يكون الترقي بحسب عدد المرات التي ينحني فيها ذلك الدبلوماسي أمام رئيس بلاده، وعدد الكذبات التي يصدقها هو أولاً، ثم يتلوها على أسماع الغير (خاصة في جلسات مجلس الأمن الدولي) معتقداً أنهم سيصدقونها، كل ذلك إلى جانب الشكل الجذاب من ملابس وقمصان وربطات عنق وتسريحة شعر.
    من إبداعات أستاذنا الكبير، المندوب بشار الجعفري، مندوب سوريا في الأمم المتحدة، إظهاره النظام السوري كقوة عظمى، حتى كدت أظن أنه سيطالب بمقعد دائم لسوريا في مجلس الأمن، ففي بداية كلمته الرائعة التي قال فيها بأنه هنا مندوب للياسمين – وبالطبع لم يفهم عليه أحد لماذا أقحم الياسمين في السياسة - ، وبعد أن استحضر روح الشاعر الكبير نزار القباني واشتكى العرب بحرقة، وجه كلامه إلى المندوب الفرنسي (الذي كان قد تورط في الحديث عن انتقال شهوة القتل من الأب إلى الابن بشكل وراثي)، فتحدث عن قصف القوات الفرنسية حياً دمشقياً في أربعينيات القرن الماضي، مما تسبب في نشوب حريق كبير فيه إلى حد أنه سمي باسم (حي الحريقة)، الاسم  الذي ما زال يحمله حتى الآن. ولأن ما وراء كلمات بشار الجعفري كلمات أقوى منها، فقد كان يقصد بإشارته إلى حي الحريقة أن يذكر المندوب الفرنسي بأن قوة النظام السوري قد بلغت أضعاف أضعاف قوة فرنسا، إذ جعلت قواتها المسلحة الباسلة في كل قرية وبلدة ومدينة سورية حياً يحمل اسم (الحريقة)، فمن هو أقوى يا ترى:فرنسا، أم النظام السوري؟؟؟.طبعاً لم يجد المندوب الفرنسي ما يرد به على المفوه الجعفري، فلملم أوراقه، واستأذن من رئيس الجلسة، وولى هارباً لا يلوي على شيء.
    بهذا الإنجاز التاريخي، ضمن بشار الجعفري أن يعود قريباً إلى عاصمة بلاده لتولي منصب نائب وزير الخارجية، ولو كانت المنايا أسرع فخدمته، سيصبح الوزير القادم للخارجية السورية..
ملاحظة: أدناه مقتطف من السيرة الذاتية لوليد المعلم، وزير الخارجية الحالي، تثبت ما ورد في النص أعلاه من التدرج الوظيفي لوزير الخارجية:
وليد المعلم :
§         عام 1990 عين سفيراً لدى الولايات المتحدة وذلك لغاية 1999. وهي الفترة التي شهدت مفاوضات السلام العربية السورية مع إسرائيل , حيث لفت الأداء المتميز للسيد المعلم أنظار المراقبين الدوليين.
§         في مطلع العام 2000 عين معاوناً لوزير الخارجية فاروق الشرع.( أثناء ذلك كان يعمل كذلك مندوباً لسوريا في الأمم المتحدة ).
§         في تاريخ 9 يناير 2005 سمي نائباً لوزير الخارجية. وتم تكليفه بإدارة ملف العلاقات السورية - اللبنانية. في فترة بالغة الصعوبة.
§         كلفه الرئيس بشار الأسد بجولات دبلوماسية زار خلالها غالبية العواصم العربية وإلتقى الكثير من الزعماء العرب.
§         شارك في محادثات السلام السورية - الإسرائيلية منذ العام 1991 ولغاية 1999..( هذا ما يقصد به إنجازات هامة على المستوى الدولي ).
§         عيّن وزيراً للخارجية بتاريخ 11 شباط 2006.

Thursday, February 2, 2012

إن هذا المندوب من ذاك الوزير



    عندما يُصدَمُ المرء بظاهرة قميئة يحار في توصيفها، لا يجد بداً من أن يحلق بين عدة مفردات، لا يكاد يستقر على إحداها حتى يدرك قصورها عن القيام بالمهمة، فيقفز إلى أخرى علها تخدم التوصيف الذي يعتمل في الصدر. ومشهد المندوب السوري بسام الجعفري وهو يحاضر أمام مجلس الأمن الدولي في معرض رده على خطابي كل من الأمين العام للجامعة العربية ووزير خارجية قطر، هو مشهد سيريالي بكل معنى الكلمة، لا أجد لصاحبه وصفاً يتناسب مع تفاهته، لذا أعفي نفسي من هذه المهمة الشاقة. رجل يتلفت يمنة ويسرة، محاولاً أسر قلوب المندوبين وعقولهم ببلاغة لغته العربية التي لا يفقه سوى قلة قليلة من الحضور قيمتها وعمقها.
    يبدأ صاحبنا حديثه باسترجاع تاريخه النضالي عندما كان تلميذاً في المرحلة الابتدائية، وكيف كان يتبرع بـ (الخرجية)، أي مصروف الجيب، لثورة الجزائر . حتى الآن هذا الكلام معروف ولا غبار عليه ويتذكره جيلنا تماماً -، لكن البلاغة والفصاحة وعمق المعلومات التاريخية يطفح كيلها عند سيادة المندوب العتيد، فيضيف بأن تلك التبرعات كانت تذهب كذلك " إلى ثورات دول الخليج العربي ضد الاستعمار، وقبل ظهور النفط فيها". هنا تنفجر الكذبة كأنها صاروخ مدوٍّ في القاعة الأممية، وينظر المندوبون في وجوه بعضهم بدهشة صاعقة، فهم أمام أستاذ في التاريخ المعاصر لا يشق له غبار، لكن دهشتهم تزول عندما يخبرهم مندوب "التوغو" في المجلس بأن حفيده الكسول في المدرسة الابتدائية يعرف بأنه لم تقم في أية دولة خليجية ثورة مسلحة على الوجود البريطاني، كما أن السعودية لم تعرف في تاريخها أي نوع من أنواع الاستعمار، أما باقي دول الخليج فقد حصلت على منحة الاستقلال عن بريطانيا دون أن تكون مضطرة للتضحية بأي شهيد من أجل تسمية أكبر ميادينها باسم ميدان الشهداء، ولعل الثورة الوحيدة التي نعرفها، والتي قامت في سنوات الستينيات من القرن الماضي، كانت ثورة الجبل الأخضر في عُمان، والتي ساهمت في القضاء عليها قوات بريطانية وسعودية وأردنية وإيرانية. وعليه فإذا كان سعادة المندوب السوري قد بدأ بهذه المعلومات المزيفة والمغلوطة، والتي يعرف زيفها الحفيد الكسول لمندوب جمهورية التوغو، فكيف سيصدق المندوبون المحترمون كل ما جاء بعد ذلك من تهريج وتطاول على باقي العرب، مثل أن الجامعة العربية لا تساوي شيئاً بدون سوريا، مع ملاحظة أن المندوب المسكين لم تكن لديه الجرأة الكافية لكي يقول (بدون بشار الأسد).
    ربما كان من المفيد التذكير ببعض إبداعات هذا المندوب العبقري، ومن ذلك أنه صرح في قاعة الصحفيين في مبنى الأمم المتحدة منذ أشهر، وبعد بداية الثورة السورية بأشهر، صرح بأن سماحة الرئيس المؤمن بشار الأسد قد قرر منح القتلى السوريين صفة (شهيد)، وتابع الجعفري معلقاً على ذلك: بأن هذه هي المرة الأولى في التاريخ السياسي العالمي التي  يقوم فيها رئيس دولة بإطلاق هذه الصفة على أبناء شعبه (يقصد أعداءه من أبناء شعبه)،،، وكان يلزم بشار المندوب أن يضيف: " وعلى الفور انطلقت مظاهرات عارمة في كافة شوارع وأزقة المدن السورية، تضم آباء وأمهات ونساء وأطفال من قتلهم النظام بالأسلحة التي دفعوا ثمنها، انطلقت هذه المظاهرات وهي تحمل لافتات الشكر والتحية لتَكَرُّمِ سماحة الرئيس المؤمن بمنح صفة الشهادة للذين قتلتهم قواته بدم بارد، وهذه مكرمة لن ينساها الشعب السوري، وسيتحدث عنها الآباء والأحفاد ما بقيت سوريا على الخارطة".
لكنني أستدرك فأقول: إذا كان وليد المعلم هو وزير الخارجية السوري، فكيف نستغرب أن يكون هكذا هو المندوب السوري، فهذا المندوب من ذاك الوزير.