Thursday, January 31, 2013

هل مصر مقبلة على 23 يوليو جديد؟


    ربما لا يستبعد كونها أن تكون حقيقية مقولة أن (التاريخ يعيد نفسه لأن الجغرافيا ثابتة)، ورغم أن بعض المؤرخين يجادلون لنفيها، غير أن تتبع الأحداث التاريخية في بقعة جغرافية ما يظهر ارتباطها بخيط يتميز جذرياً عن أحداث بقعة جغرافية أخرى، وتكرار التاريخ نفسه هو في الواقع عنوان عريض، لا يعنى بالتفاصيل بمقدار ما يركز على الخطوط العامة، فموقع مصر مثلاً حتم عليها التركيز على خط دفاعها الأول وهو فلسطين، لذا فإن جل أحداث التاريخ المصري، قديمه وحديثه، لا تنفك عن العلاقة بتاريخ فلسطين، وكون بريطانيا مثلاً دولة محصورة داخل جزيرة، فرض عليها التركيز على بناء أسطول ضخم، وجعل معظم جهودها الاستعمارية، بل والدفاعية، ترتكز على أسطول قوي ومعارك بحرية ناجحة، وموقع العراق الجغرافي الملاصق لإيران فرض على كلا البلدين علاقة تميزت عبر تاريخها الطويل بالاشتباك والصراع.

    واستكمالاً للحديث عن دور ثبات الجغرافيا في تكرار التاريخ نفسه، لا بد من الحديث عن نظرية البطل في صنع التاريخ، وهي نظرية ولدت مع ظهور الشخصيات العظيمة عبر تاريخ الأمم، كنبوخذ نصر الآشوري وكورش الفارسي وتحوتمس الثاني المصري والاسكندر المقدوني الإغريقي، هذا علاوة على عدد كبير من القادة العظام في العصور الوسطى والحديثة، تلك النظرية القديمة التي دعمها عدد من الفلاسفة المحدثين أمثال سبنسر وكارليل ونيتشة، غيرأن تحميل البطل عبء صياغة التاريخ فيه استهتار بقدرات الشعوب، واختصار لطبيعة الأحداث، إذ لا يمكن للبطل مهما أوتي من إعجاز أن ينجز بدون شعب كثير العدد، موفور الشجاعة، قوي الاقتصاد. هما قطبان متلازمان: شعب وبطل.

    ربما كانت هذه مقدمة ضرورية لفهم ما يدور في مصر الكنانة هذه الأيام، وربطه بما كان عليه الحال قبيل ثورة 23 يوليو 52، ولئن انطبقت على مصر اليوم مقولة أن التاريخ يعيد نفسه لأن الجغرافيا ثابتة، فإن نظرية البطل في صنع التاريخ لم تتكرر مع محمد مرسي كما كان الحال عليه مع عبد الناصر. ولكن المذهل في الأمر أن ما يجري في مصر حالياً من فوضى سياسية تساهم فيها الحكومة والمعارضة بنفس القدر- مما يهدد البلاد بدمار سياسي واقتصادي واجتماعي – هو وضع متطابق مع التقرير الذي أورده محمد حسنين هيكل في أحد كتبه القيمة1، والتقرير للسير (رالف ستيفنسون ) حيث يصف فيه الوضع المصري في يناير 1950 بصورة تتطابق مع ما هي عليه الحال الآن من انفلات أمني وفساد سياسي وتدهور اقتصادي، وفي حينه لم يكن من الممكن إصلاح الوضع المعوج سوى بثورة يقودها ضباط أحرار، وهذا ما حدث في الثالث والعشرين من يوليو 1952 بقيادة حقيقية من جمال عبد الناصر، وبغطاء قيادي – نظراً لعاملي السن والرتبة العسكرية – من اللواء محمد نجيب.

    يميل بعض مؤرخي ومتابعي التاريخ المصري الحديث إلى الإشارة إلى أن عبد الناصر كان عضواً في حركة الإخوان المسلمين قبل قيام الثورة، لكنه انقلب عليها بعد وصوله إلى السلطة، خاصة بعد إقصاء محمد نجيب عنها في مارس 1954، وتولي عبد الناصر زمام أمور الثورة، فالقول بأن عبد الناصر كان ينتمي إلى حركة الإخوان المسلمين ليس بمستبعد، إذ في حينه كانت الحركة ما زالت دعوية تركز على بناء المجتمع المسلم، وهذا ما كان يتماشى مع شخصية عبد الناصر المؤمنة الورعة، وهو ما تنضح به رسائله إلى أصدقائه عندما كان ضابطاً في السودان، ثم بعد أن انتقل إلى مصر، فقد كانت مثله العليا تتمثل في شخصية الرسول محمد ص والقادة التاريخيين العظام، وكان في رسائله يكثر من الاستشهاد بالآيات القرآنية، مستنكراً الفساد الذي ساد صفوف العسكريين والسياسيين المصريين على حد سواء، لهذا ليس غريباً على ناصر أن يكون قد انتمى في مرحلة ما إلى حركة الإخوان من هذه الزاوية العقائدية فقط دون السياسية، أما عندما وصل الأمر إلى العمل السياسي، فقد أقصى الإخوان المسلمين عنه إدراكاً منه لخطورة الدولة الدينية في دولة تضم أقباطاً ومسلمين، واستقراء منه لتاريخ الدولة العثمانية عندما تدخلت الدول الغربية لحماية الأقليات الدينية، علاوة على إدراك عبد الناصر جوهر المشكلة في المملكة العربية السعودية، والتي كانت قد اعتمدت الدولة الدينية منذ قرنين من الزمن، مما حجب عن رعاياها إمكانية بناء دولة ديمقراطية حقيقية. وبسبب موقف عبد الناصر هذا الذي استطاع به الانفكاك عن مرجعية المرشد، الأمر الذي لم يستطع محمد مرسي القيام به – فقد كاد له الإخوان المسلمون إلى درجة محاول اغتياله في حادثة المنشية الشهيرة بالاسكندرية في 26 أكتوبر 1954، والتي كانت المقص الذي قطع شعرة معاوية بين عبد الناصر والإخوان المسلمين.

    وربما كانت من بين عبقريات عبد الناصر – إلى جانب رفض إقامة دولة الإخوان- رفضه إنشاء حزب سياسي بقيادته، فعندما طلب ذلك منه بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة، رفض الفكرة بشدة، مؤكداً على أن مثل هذا الحزب لو أسس، ونظراً لشعبية ناصر الكاسحة، فسوف يعج بكافة افراد الشعب، من مؤمنين بخط الثورة ومن المنتفعين منها على حد سواء، مما سيمنع وجود التنوع السياسي في البلاد، وبالتالي بناء الديمقراطية التي كانت ضمن البنود الستة2 التي قامت الثورة المصرية من أجل تحقيقها، حيث يلاحظ أن بند تحقيق الديمقراطية يأتي الأخير في قائمة المباديء الستة، بعد استكمال خطوات هامة تسبقها وعلى رأسها تحقيق العدالة الاجتماعية وبناء جيش قوي، لذا فقد اعتمد عبد الناصر على التنظيم الشعبي الذي تمثل في الاتحاد الاشتراكي، وعلى النقابات المهنية بكافة مجالاتها. وبالعودة إلى ما يجري حالياً في مصر من خراب وتخريب تقوم به جماعات مجهولة تحت عنوان معارضة حكم محمد مرسي ومرجعية المرشد، نتبين أنه هو نفس الوضع الذي اشار إليه السير ستيفنسون في تقريره حول الوضع المصري عام 1950، ويبقى أن القوى التي تدعي المعارضة الوطنية اليوم هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عما سيؤول إليه الوضع الداخلي المصري، وهي بين موقفين في كليهما هي خاسرة: فهي إما غير راغبة أو عاجزة عن مطالبة جماهيرها بالخروج من الشارع، والتوقف عن تدمير الممتلكات العامة بذريعة المطالبة بتحقيق أهداف الثورة!، وذلك من أجل كشف عصابات البلطجية وأعوان النظام السابق، أو أن ذلك دليل قاطع على أنها ليست هي القائدة الفعلية للحراك الجماهيري، ذاك الذي يبدو منفلتاً لا ضابط له ولا رابط، حيث تثبت الجماعات التي تعج بها شوارع مصر هذه الأيام أنه لا علاقة لها بأي نوع من أنواع الديمقراطية أو النشاط السياسي، بل هي تقود فوضى عارمة أعلنت عن نواياها بأنها تعمل على إسقاط النظام واستقالة الرئيس، وهي ذريعة وأسلوب عمل يمكن أن يستخدمه الإخوان مستقبلاً لو خرجوا من الحكم، وخير للقوى الوطنية، بدلاً من دفن رؤوسها في الرمال، أن تلجأ إلى الحوار والنضال السياسي، وتنظيم الجماهير لانتخابات مجلس الشعب القادم، وانتخابات الرئاسة التي ستجري بعد ثلاث سنوات، أما أن تعترف القوى غير الإسلامية بالانتخابات إن هي فازت بها، وتعمل ضد نتائجها إن هي خسرتها، فهو لي لعنق ما تدعيه من إيمانها بالحراك الديمقراطي، ولو استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن، فربما سيكون ذلك مقدمة لتغيير جذري في الحياة السياسية المصرية، بحيث يبدو الوضع الآن مؤهلاً تماماً لقيام أحد ضباط الجيش من الرتب المتوسطة، بقيادة انقلاب عسكري يدخل مصر من جديد في دوامة ربما لن تخرج منها بعد قرن من الزمان.

    أما من يوصفون بـ (شباب الثورة)، فعليهم وعلى من يحركونهم لإشعال الأوضاع داخل مصر أن يعلموا أن الثورات – على مر العصور – قامت على عنصرين رئيسيين هما: الوقود والقادة، فالشباب بحماسهم واندفاعهم وقدراتهم الجسدية هم وقود الثورات، أما القادة، فلثقافتهم وخبرتهم، فهم أصحاب الفكر والرأي الذين على عاتقهم تقع مسؤولية استلام الحكم بعد نجاح الثورة، مستندين إلى أصوات الشباب في صناديق الانتخاب، وليس إلى أصوات التهديد بإسقاط النظام القائم، أما أن يوحى إلى مراهقين قليلي الخبرة بأنهم هم الذين على عواتقهم يقع تحديد المسار السياسي للبلاد، وأنهم هم أصحاب القرار في الشارع، يحطمون المرافق العامة ويعتدون على رجال الأمن، فهو أساس البلاء الذي سيعود على مصر بالدمار والفشل، ومن البديهي أن رفض الحوار مع النظام – حتى ولو لم نكن نحن ولا المعارضة راضين عنه – سوف يدفع بالمشكلة إلى الشارع أكثر مما هي عليه الآن لكي تفتح الأزمة الأبواب على جميع الاحتمالات، وفي مقدمتها احتمال قيام ثورة عسكرية كثورة يوليو – أو أي شهر غيره – مرة ثانية.


Friday, January 25, 2013

هل نستحق الديمقراطية



رغم تضحياتها الجسيمة، تأبى شعوب العالم الثالث، وفي مقدمتها الشعوب العربية، إلا أن تثبت أنها لا تستحق النظام الديمقراطي، مثبتة بشكل لا يدع مجالاً للشك رأي حكامها الديكتاتوريين فيها، والمتابع لتطورات الحياة السياسية المصرية بعد عامين من سقوط نظام حسني مبارك، يرى بصورة واضحة أن القوى اليسارية والعلمانية والقومية لم تستطع تقبل نتائج صناديق الانتخاب والاقتراع، فسواء كنت مع الإخوان المسلمين أم ضدهم، فإن مشهد تحفيز الجماهير على الخروج إلى الشوارع والتظاهر ضد نظام – شئنا أم أبينا – جاء نتيجة انتخابات لم تشبها شائبة التزوير كما كان الحال عليه أيام السادات ومبارك، ولا يدرك المرء سبب انخداع شخصيات وطنية كحمدين صباحي ومصطفى بكري وعبد الحليم قنديل وغيرهم، انخداعهم بدعاوي شخصيات تافهة كعمرو موسى، أحد أعمدة نظام المخلوع مبارك، ومحمد البرادعي، المشبوه في خضوعه للإملاءات الأمريكية، ولا يعرف المرء سبب جهل هؤلاء بحتمية اندساس الآلاف من أعوان نظام مبارك مبارك بين المتظاهرين وتشويههم صورة التظاهر السلمي، ولو اتبع هؤلاء سيرة عبد المنعم أبو الفتوح ولجأوا إلى الصراع سياسياً مع النظام الذي يعارضونه لكان خيراً لهم. إذا كان التطرف الإسلامي يعني تصحيح صورة مصر في أذهان العالم من أنها بلاد الأهرامات وأبي الهول والنيل، بعد أن صورها إعلام الأربعين سنة الماضية على أنها بلاد الدعارة والمخدرات، فأهلاً وسهلاً بالتطرف.
ما يجري حالياً في مصر لا يفرح سوى الجار الإسرائيلي اللدود، وأعوان نظام مبارك، وما تبقى من الديكتاتوريين العرب وفي مقدمتهم بشار الجبان، قاتل الأطفال والنساء والشيوخ، مدمر المدن والقرى على رؤوس أصحابها.