Saturday, January 21, 2012

قصة قصيرة جداً: بعد ساعتين فقط



الساعة الثامنة مساء، ومنذ الصباح لم يدخل جوفه أي طعام. يلمح من بعيد مطعمه المفضل للوجبات السريعة .
 يقول في نفسه:  لن أصل إلى البيت قبل ساعتين. يدخل إلى المطعم. يرى أنواع الطعام، فتنضح عصارة معدته بقوة، يستعرض لائحة الأسعار، ويبحث في محفظته فلا يجد فيها سوى ثمن وجبة واحدة لاأكثر ولا أقل، لا بأس:
"الخبز أسمر من فضلك، شرائح لحم بقري، جبن، طماطم، خس، زيتون، مخلل، مايونيز،،، شكراً".
 يخرج حاملاً الوجبة السريعة في كيس، وقبل أن يُخرِجَها لكي يقضمها بشراهة، يرى على مقربة من الباب رجلاً يبدو عليه كما لو أنه لم يأكل منذ الأمس،،، يناوله الوجبة ويمضي في طريقه مردداً: لا يهم، سأصل إلى البيت بعد ساعتين. 

Friday, January 20, 2012

قصة قصيرة جداً: تَـوتُّـــــــــر



لأول مرة يرى في وجهها شيطاناً مَريداً وهي تصرخ: إِمّا أنا في هذا المنزل، وإِمّا أمك.
اهتزت روحه بشدة، فاهتزت كل الأشياء من حوله، سقطت الكتب عن الرفوف، تشظت أواني الكرستال الفاخرة، اهتزت الثريا وبدأت أطرافها بالتساقط، تشققت الجدران حتى انهار البعض منها.
صوت ارتطام في الشارع،،، امرأة تصرخ في العمارة المقابلة: كلا ليست سيارة، إنما هي التي ألقت نفسها من الشرفة.
  

Monday, January 9, 2012

هل يمكن للاقتراح الحلم أن يتحقق؟



    هل أجمل للقيط من أن يجد أباه بعد طول تشرد؟، وهل أحب إلى قلب قبطان سفينة، تقاذفتها العواصف والأمواج، من أن يرى منارة على الشاطيء؟ . في هذا المقال أستطيع أن أدعي بأنني أحاول إعادة الأب إلى ابنه، وأَهْدي الربان إلى منارته،وذلك بإعادة التذكير بالدعوة التي تبنتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سبعينيات القرن الماضي- ومعها فصائل اليسار الفلسطيني،ثم تبعتها فتح - الدعوة إلى قيام دولة ديمقراطية في فلسطين، يتمتع فيها الفلسطينيون (مسلمون ومسيحيون) بحقوق متساوية مع العنصر الآخر في الدولة (اليهود)، خاصة وأن عدد  الفلسطينيين داخل حدود فلسطين التاريخية قد أصبح الآن مساوياً لعدد اليهود فيها، مع ملاحظة أنه علينا ليس فقط عدم الاستقواء بميزة أن الفلسطينيين سوف يكونون الأكثر عدداً بعد ردح من الزمن، بل بالتركيز على عدم أهمية ذلك على الإطلاق، نظراً إلى أن الدولة الديمقراطية في جوهرها تعتمد في إدارتها على كفاءات مواطنيها، بغض النظر عن لونهم أو عرقهم أو عقيدتهم، وفي هذه الحالة سوف يكون للاجئين الفلسطينيين واليهود، أينما كانوا، حق العودة إلى البلاد، أما اسم الدولة، فلا يهم، مستهدين بالمثل الصيني الذي لا يهتم بلون القط طالما أنه يقتل الفئران.
    في ستينيات القرن الماضي، وبالنظر لتصاعد الحركة القومية العربية بعد الثورة المصرية 1952، والتفاف الجماهير العربية حولها، لم يكن بالإمكان طرح مثل هذا التصور حول القبول بوجود اليهود ضمن دولة ديمقراطية تجمعهم مع الفلسطينيين، خاصة أن الفارق التسليحي لم يكن شاسعاً جداً بين الطرفين العربي والإسرائيلي، ويكاد المتمعن في هذا الأمر يقترب من الجزم بأن الإسرائيليين كانوا سوف يقبلون بهذا العرض فيما لو طرحه العرب في حينه، ذلك أن الفصائل الفلسطينيية ودول الجوار كانت تصر على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وتعمل على حشد القوى الاقتصادية والعسكرية من أجل ذلك، لذلك ارتفع صوت دعاة السلام في إسرائيل عالياً، وكلنا يذكر محاولات ناشط السلام (إيفي ناتان)، الطيار السابق في سلاح الجو الإسرائيلي، الذي هبط بطائرته الخاصة مرتين في مصر، الأولى في 28 فبراير 1966 والثانية بعد حرب حزيران، في 28 تموز 1967، آملاً مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر، لكن طلبه في المرتين قوبل بالرفض، ومن ثم الترحيل من مصر، لكنه لم ييأس، بل استمر بعد ذلك في اتصالاته مع ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية، وحوكم بسبب ذلك في إسرائيل وحكم عليه بالسجن مرات عديدة.
    بمرور الزمن بعد حرب حزيران 1967، وبعد تصدع الصمود العربي بزيارة السادات القدس وتوقيعه معاهدة كمب ديفيد، وبعدها توقيع اتفاق أوسلو واتفاقية وادي عربة، بعد كل ذلك انعدم صوت دعاة السلام في إسرائيل، وارتفعت نبرة الداعين إلى استمرار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل وحتى الدعوة العلنية إلى طرد فلسطينيي 48، مما يجعل الادعاء بإمكانية قيام دولة فلسطينية مسخٍ في الضفة والقطاع ادعاءً سخيفاً، لا يوجد له سند يدعمه، إن في جغرافية الأرض التي امتلأت بالمستوطنات، أو في ضعف سلطة رام الله والانقسام الحاصل بينها وبين حماس في غزة، أو في تصلب اليمين الإسرائيلي الذي يمثل ذروة سنامه وزير الخارجية (أفيغدور ليبرمان). والمتابع لتاريخ الاستعمار الاستيطاني يدرك بأن تقسيم البلاد بين المستعمرين الجدد والسكان الأصليين لم يُطرَح إلا في فلسطين، وخير الأمثلة على ذلك استيطان أمريكا الشمالية وأستراليا وجنوب أفريقيا والجزائر، فقد تراجع وضع سكان البلاد الأصليين حد الإبادة في كل من الولايات المتحدة (الهنود الحمر)، وسكان أستراليا الأصليين (الأبوريجينيلز)، بينما حصل السكان في جنوب أفريقيا على حقوق تكاد تكون متساوية مع الرجل الأبيض في بلدهم، ولم يكن لهذا أن يتم لولا نضال الأفارقة أنفسهم، والمقاطعة العالمية لدولة جنوب أفريقيا العنصرية، تلك المقاطعة التي لم تكن ممكنة زمن استعمار أمريكا وأستراليا، وتكاد الجزائر أن تكون الوحيدة التي تخلصت من الاحتلال الاستيطاني بالكفاح المسلح.
    ربما كانت من الطرق الناجعة التي يتبناها علماء النجاة من الخطر قولهم: "إذا أردت النجاة من الأسد، فاختبيء في عرينه"، فالهروب من البطش الإسرائيلي لا يكون سوى بالدخول في دولة ديمقراطية، أما الاعتراض على ضيق المساحة، ففلسطين التي تبلغ مساحتها أكثر من 27 ألف كم مربع، هي في المساحة مساوية تقريباً لمساحة "رواندا"التي يقطنها حوالي 10 ملايين نسمة، تحت ظروف الصراع الأزلي مع المصاعب الطبيعية في أفريقيا، كما أن مساحة "هونغ كونغ" التي لا تزيد مساحتها عن 1100 كم مربع يقطنها حوالي 7 ملايين نسمة، بينما تعتبر طبيعة ومناخ فلسطين من أفضل تضاريس ومناخات العالم، فهي بالتالي أكثر قدرة على استيعاب ما لا يقل عن 20 مليون نسمة. بعد ذلك يبقى التساؤل حول قدرة الفلسطينيين على حشد الدعم الدولي اللازم لقيام دولة ديمقراطية ضمن حدود فلسطين التاريخية، إذ أن هذا الحل سوف يكون طوق النجاة الوحيد لهذه المنطقة، وربما العالم بأسره، من نتائج وخيمة لهذا الصراع الذي طال أمده، دون أن يظهر في الأفق ما يمكن له أن ينهيه.
    ندرك تماماً الصعوبات التي سوف تواجه اقتراح إقامة دولة ديمقراطية في فلسطين من قِبَلِ الصهيونية بأذرعها العالمية من جهة، وبسبب هزالة الموقف العربي المتصدع والمتردي على جميع المستويات من جهة ثانية، لكننا نفهم تماماً أن العالم بأسره قد ملَّ التعنت الإسرائيلي، وينظر بشوق ولهفة إلى حلٍّ لهذه المعضلة التي طال أمدها، والتي تتموضع في واحدة من أهم المناطق استراتيجية في العالم، والتي يمكن لها أن تتسبب في حرب قد ينتج عنها فناء البشرية، بمعنى أن الدفاع عن فكرة قيام دولة ديمقراطية على أرض فلسطين، والتي على العالم أجمع أن يَعِيَها ويؤيدها، ليس دفاعاً عن مستقبل الفلسطينيين، بمقدار ما هو دفاع عن مستقبل البشرية بأسرها.    

Tuesday, January 3, 2012

مرحباً بعودة اليهود العرب



    ربما كان تجميع اليهود من كافة أنحاء العالم، هو الهدف الأسمى الذي سعت إليه الحركة الصهيونية قبل قيام إسرائيل عام 48 وما بعده، ومما نقل عن "بن غوريون" قوله بأن فرقة من رجال استخباراته، تضع قنابل في معابد يهودية في كافة أنحاء العالم تقتل بعض اليهود، خير لدولة إسرائيل من لواء عسكري مسلح. وقد تم هذا الأمر بالفعل، فدب الرعب في قلوب اليهود، فغادروا بلادهم الأصلية ظناً منهم أنهم سيعيشون في ملجأٍ يقيهم شر الاضطهاد. وبما أن الوثائق التاريخية* قد تحدثت عن اتصالات قيادات عربية وُصِفَتْ بالوطنية (– منذ اتفاق فيصل – وايزمن 1919 إلى ما قبل حصول الدول العربية على استقلالها في أعقاب الحرب العالمية الثانية -)، مع حاييم وايزمن، أول رئيس لإسرائيل، ومع غيره من القيادات الصهيونية، وعلى أمل دعم هذه القيادات في الوصول إلى حكم بلادها إن هي ساعدت في إقامة دولة إسرائيل، وبما أن سير حرب 1948، قد انتهى بقيام إسرائيل، فإن ذلك يُحوِّلُ الشكوك إلى حقائق ومسلمات، فهؤلاء الحكام العرب الذين دعمتهم الصهيونية لتولي حكم بلدانهم بعد خروج الاستعمار الغربي منها، هؤلاء الحكام أنفسهم ساهموا في دعم المشروع الصهيوني في فلسطين عندما أقدموا على طرد اليهود العرب من بلدانهم العربية إلى إسرائيل، مع الأخذ بعين الاعتبار اندهاش اليهود العرب بقيام دولة تمثلهم على أرض فلسطين ذات القداسة المعروفة عندهم. وهكذا تحقق للصهيونية حلم إنشاء دولة تمثل المكان الشرعي الوحيد لجميع يهود العالم.
    قبل سنوات، عرض اليمن على يهوده المهاجرين إلى فلسطين العودة إلى بلدهم اليمن، وبعد انتصار الثورة في كل من ليبيا وتونس، قام هذان البلدان بتوجيه نفس الدعوة لليهود العرب، الذين غادروهما، للعودة إليهما، وهذا ما نتمنى أن يتم في مصر، بعد استتباب الثورة فيها، وفي سوريا بعد انتصار ثورتها، وفي العراق بعد استتباب الأمن فيه.
    ما زال يهود العراق يحنون إلى بلدهم العراق، ويهود تونس وليبيا والمغرب واليمن ومصر وسوريا يتوقون شوقاً إلى البلدان التي ترعرعوا فيها، والتي شعروا فيها بالأمان والاحترام، فقد كانوا – قبل لعنة إسرائيل – مواطنين مسالمين، يعملون في التجارة والحرف اليدوية وفي الأدب والفن، لا فرق بينهم وبين أي مسلم أو مسيحي. تلك أيام افتقدوها واستبدلوا بها العيش ضمن مجتمع لا يشعر بالأمان، ، ، يميز بين اليهودي الغربي واليهودي الشرقي، ويحتكر الثروة والسلطة فيه أولئك الذين وفدوا من أوربا وأمريكا (الأشكينازيم)، وليس لغيرهم من اليهود الشرقيين (السفارديم) سوى القتال والموت على الجبهات، وتكنيس الشوارع والعمل في الحانات والمهن القذرة**.
        ربما كان الموقف من هذا الأمر واحداً مما يميز الشخصية العربية المتناقضة، فعندما هجَّر الحكامُ يهودَ بلادهم إلى فلسطين، قامت القيامة على رؤوسهم، - ولمن أقام القيامة الحق في ذلك -، وهذه الأيام تقوم القيامة أيضاً على حكام ليبيا وتونس الجدد، الذين يرحبون بعودة اليهود من فلسطين إلى بلادهم التي هاجروا منها. هنا لا أدري كيف يتحمل البعض منا هذا التناقض.
    الترحيب بعودة اليهود العرب - الذين هاجروا إلى إسرائيل - إلى بلدانهم العربية، هو المسمار الحقيقي الذي سوف يُدق في نعش الحركة الصهيونية وإسرائيل، وعن طريقه سوف تتهاوى دعاوى الصهيونية بأن إسرائيل هي الوطن الوحيد ليهود العالم.
    وأخيراً: ألا يمكن لهذا الأمر– عودة اليهود العرب إلى بلدانهم العربية التي هاجروا منها – أن يكون مدخلاً منطقياً للوصول إلى تحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم؟

*بهذا الخصوص: راجع مثلاً كتاب أمين مصطفى (الاتصالات السرية العربية–الصهيونية 1918-1993) http://www.scribd.com/doc/19158452/-
** بشأن تلك التناقضات: راجع كتاب (إسرائيل الآن: صورة بلد مضطرب) تأليف لورانس ماير، ترجمة مصطفى الرز.