Tuesday, February 19, 2008


وِحــدة
(شعر)

كي أسعَدَ في جوف الغُربةِ

كيلا تقتلني حسراتــي

أقسمت بِكُلِّ الآهات

وكسرت جميع الهاءات

وأخذت على نفسي عهداً

أن تدنو ذاتي من ذاتي
====================
: في العزلة

أغــزِل أفكـــاري وأغازِل جُملــة أسراري

أتشرنَقُ فيهــا
أنسجهــا فلسفـــةً

ألْضِمُهـــا عِقــداً من صبـــــرٍ

لأُكمِّلَ فيهـــا مِشــــواري

==================
: فـي الوِحـدة

أحضن عـودي

أنفث في جَلَدٍ أفكاري

فتعود على عَجَلٍ حـوراً

تتمايل فـوق الأوتـارِ

أفتكِرُ اللغةَ الأولـى
أمضغُهــــا ... أهصرُهـا

أعــدو فيهـا كغـزال الروحِ

لأَسْبِـكَ منهـا أشعـاري
==================

: في صَـوْمعتي

أمْتَهِـن الصمـت

أقتـاتُ الوِحـدةَ في جلد ٍ

تتلاطم روحـي مع ذاتـي

لكنّي إذ أفتـحُ بـابي

وأَرى في كـلِّ زوايـا الدار

طُيوف جميـعِ الأحباب

تسقـطُ أوهام العزلة ، والوِحدةِ ، والغُربة

يتصالح ليلي ونهاري

Monday, February 18, 2008

قمة ، أم – عفواً جزيلاً – ، قمامة ؟
( مقالة بذيئة )

لفظة ( قمة ) تعني دائماً الاتجاه إلى الأعلى ، فجميع القمم تقع فوق ، باستثناء قمة واحدة تتجه إلى الأسفل هي : قمة المأساة

في يوم 27 سبتمبر من عام 1970 عقدت آخر قمة عربية شريفة محترمة .كانت قمة طارئة ، وكان هدفها إطفاء النار التي اشتعلت في الأردن بين الفلسطينيين والأردنيين ، ونجحت في ذلك بفضل روح الزعيم ، لكنها شهدت في ختامها مصيبة فقدِ الأمة زعيمها الراحل جمال عبد الناصر ، والقمم العربية الخمس التي سبقت تلك القمة الطارئة كانت تنعقد للتباحث حول التصدي لأطماع إسرائيل في المنطقة العربية ، والعمل على تحقيق تنسيق عربي يضمن استرداد الحقوق المغتصبة ، أما المؤتمرات التي تلت تلك القمة الطارئة ، فكانت – وما زالت – تنعقد للتباحث حول استجداء السلام من إسرائيل ، والتضييق على كل من ينادي بتحرير الأرض والكرامة من الامتهان الذي تتعرض له ليل نهار ، كما حفلت هذه المؤتمرات بطرح مشاريع الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية في فلسطين ، وأكدت على تجنب اللجوء إلى استخدام القوة مهما بلغ تعنت العدو ، وكلما تقدم العرب في طرحهم السلمي ، تمادت إسرائيل في تعنتها ورفضها كل المشاريع والمقترحات العربية الجبانة ، والأمر بديهي : فإذا كانت قيادات العرب قد طرحت الخيار المسلح جانباً ، فمن الطبيعي أن تطرح إسرائيل الخيار السلمي جانباً أيضاً ، فلماذا تعطي العرب شيئاً ، أي شيء ، ومنذا الذي سيلزمها بذلك ؟ : مجلس الأمن الدولي الذي أصبح مكتباً ملحقاً بالخارجية الأمريكية ؟ ، أم القانون الدولي الذي يبيح القضاء على بلد وشعبه بالقوة المسلحة ثم يعدم رئيسه ؟ ، أم المجتمع الدولي الذي يقفل الأفواه ويصم الآذان ويغمض الأعين عن جرائم لم يحدث مثيل لها من قبل على يد الفايكنغ والمغول والنازيين، بينما يصرخ ويندب ويلطم الخدود لو جرح طفل في مستوطنة في أراضي الغير؟ . أم حرية الرأي التي تسجن كل من يشكك في المحرقة اليهودية،وتصفق لكل من يسيء إلى أنبياء وأديان الآخرين؟ لماذا تستجيب إسرائيل لمجموعة من الجبناء الرعاديد ، الذين يفتحون السجون ويقفلون المدارس والجامعات، ويسرقون أقوات شعوبهم ليودعوها في البنوك الصهيونية ، ويشترون الأسلحة الفاسدة التي لا تستخدم فتصدأ وتلقى في ساحات الخردة ، لكي يُشترى غيرها وتدخل عمولاتها في حساباتهم المتخمة بالمال الحرام؟

القمة القادمة في شهر مارس المقبل : ماذا نتوقع منها أن تكون سوى قمة للقمامة العربية التي تتربع على رؤوس الشعوب الخانعة المستسلمة ، وخاصة على رؤوس النخبة المثقفة التي باع قسم منها نفسه بثمن بخس ، وقسم آخر سكنه الخوف فشل لسانه وارتجفت يداه فسقط قلمه ، وعسكريون حنثوا بقسمهم العسكري ، فالتفتوا إلى بناء المزارع وإنشاء الشركات
ماذا تتوقع شعوب خانعة مسكينة مستكينة من ( قمة المأساة ) القادمة سوى أن تُباع وتشترى كالعبيد ، وُيقَرَّرُ مصيرها بأيدي حفنة من الجبناء الرعاديد والمتخلفين الجهلة الذين يجيدون طرح مشاريع الاستسلام والخنوع أكثر من إجادتهم القراءة والكتابة

متوسطو الذكاء يستطيعون منذ الآن توقع ما سوف يرد في البيان الختامي لقمة القمامة القادمة ، فالتكرار يعلم الحمار ، والحمار العربي الذي عاصر جميع القمم قد فهم كل ما يدور في ذهن راكبه ، فالراكب يا صديقي ليس أذكى من المركوب
فرح على أعتاب القلب
(شعر)
أقبع في عمق زوايا قلبي العابس
أسمع طرقات الفرح على باب موصد ، وهي تنام مباشرة خلفه
الفرح يحاول – مثلي - فتح الباب
لكن جسدها يأبى أن يتحرك
فهي تنام بعمق ، دون الرغبة حتى في فرح ينعشها
وأنا في جوف القلب أحاول فتح الباب لضيفي الموعود
أحاول أن أجذبها نحوي
حتى تتسلل قطرات الفرح الرائع نحو الداخل
وبلا جدوى ، فهي تنام بعمق ، تهرب من فرح قد يزعجها
=================
فكرت قليلاً وتساءلت : لماذا لم تقبل أن تتمدد في عمق القلب
وآثرت النوم على بابه ؟
فتشت ورائي ،، لا يوجد باب آخر للقلب لأفتحه ،،
أدركت سلامة وضعي : فقلوب العشاق لها باب واحد لا أكثر
=================
يا فرحي الأخضر : لا تحلم أن تتسلل من نافذة موصدة في أعلا الباب
فلقد سدتها بغراء الغفوة ،،
غفوتها يا فرحي دامت خلف الباب طويلاً ،،
لكن الباب يظل عنيداً في وجه الفرح المصلوب على باب موصد
وأغط قليلاً في نومي ،، أحلم بالسعد يدغدغني ،،،
إن هي جاءت نحوي فانفتح الباب
ستزهر كل شراييني
وستورق أوردتي
وسيثمر عود جف على حلم حلو
وستبزغ شمسي في ليل قطبي موحش
كي تقتل كل البرد الناخر في عظمي ، ولتوقظ في روحي
أشياءً ماتت
===================
: يا فرحي
أعلم أنك لن تقضي العمر على باب
تستجدي ثقباً يمكنها أن تتسلل منه
هي ، في يوم قد ترحل يا فرحي
لأظل وحيداً يقتلني عشقان:
الأول نام طويلاً خلف الباب ، والآخر ملَّ الوقفة ، فمضى
==================
حين استيقظت صباحاً ، يئست نفسي
أحسست بأن خيالاتي ذهبت أدراج الريح
فلقد كنت أفكر في تدوين الأوهام الحلوة
علّي في يوم أن أغدُوَ كاتب شعر أو قصة
لكني أبصرت على طاولة كانت بجواري
قلماً وقصاصة ورق دونت عليها هذي الأسطر
وأنا مابين الصحوة والنوم
سعدت روحي ،، رقصت طرباً ،
أيقنت تماماً أن الفرح الأخضر في يوم
لابد سيأتي ،،، وبلا موعد
من باب آخر لا يرقد أحد ُخلفه
=================

Saturday, February 16, 2008

وطــنــــــي
(شعر)
غزالٌ تربّع في قلبـنــا
وأسرف في أسرنـا وارتحلْ
له من صفات الفصـول خصالٌ
تحيّر في فهـمها ذو الحِجَلْ
غزيرالعطاء ِ كفصل الشّتـاءِ
جوادٌ كطلّ هـمـى وانهطلْ
كوجه الربيع إذا ما استفـاق
يفتّح أزهاره فـــي خجلْ
من الصّيف نورٌ وصحوٌ ودفء
وخيرٌ وفيرٌ إذا ما اقـتبلْ
وفيه جمال هدوء الخـريف
سجـود نبيّ دعـا وابتهـلْ
ألا فاعذرونـي إذا ما ارتميت
أقبّل أعـتابـه بــالمُقَـَلْ
وأسقي ثراه بوهج دمـائي
تنير الطريق لجـيل الأملْ

Sunday, February 10, 2008

وهل بين النساء مثلك من تقول ...أنا امرأة؟؟؟
(شعر)

ذابت عيناي وأنا أبحث عن أنثى تشبهك

ولو في الحلم

ضيَّعت ليالٍ من عمري وأنا أحلم

بامرأة تأخذني

تطويني بين جوانحها

تأسرني ، تنعش ذاكرتي ، تؤويني

في عينيها ،

تقنعني أنك واحدة مثل نساء الأرض

واحدة منهن .. لا أكثر

حتى أرتاح قليلاً من بُعدِك
فوق وسادة زمني
===============
ساحرةٌ - ذات مساء - زارتني في نومي

نفشت ذاكرتي ، حملتني فوق جناحيها

أخذتني معها عبر بحار من عسلٍ

وزنابِقَ بِيضٍ

وسحائِبَ من بخورٍ وقنانِيَ عطر مختومة

ما فيها ذكرني بالعطر المتفوِّحِ من خِّدك

يا آسِرَتي

حين سرقنا أول قبلة

و أنا - واللهفة تُغريني -

ما زال الأمل يناغيني

أن تقدر ساحرتي أن تهديني

من تنسيني

غصة شوق في صدري

وتعلق في عنقي أطواق رجاءٍ

تنقذني من لجة ذاكرتي ... تحييني

===================

ساحرتي قالت : إن الله يحبك يا ولدي

و دعاؤك لم يهمله الرب

و لكي تتحقق أمنيتك

اخلع نعليك ووافيني تحت الماء

فهناك ستأخذ مُنْيَتَكَ ، و سترجع تحمل

بين يديكَ

من تقنعكَ

أن جميع نساء الأرض سواءْ

فإذا ما ضاعت واحدة ٌ.. تأخذ ُ أخرى

لا فرقَ كبيرٌ .. هنَّ سواءْ

لا فارِقَ إلاّ في الأسماءْ

والأمر سواءْ

إن كانت سوسنُ أو علياءْ

أو كانت ليلى أو نجلاء
هيا وافيني ، لا تتردد ، جرب حظك

و اعلم أنك أول من سوف يغوص

إلى هذا العمق

والبحر هناك مليء بالأصداف

وبالحور وبالشبق

هيا اغطس .. لا تتأخر أو يُرديك الشوق

" قتيلَ العشق "

==================

ساحرتي تبحر مسرعة وأنا ما زلت ألاحقها

أتبعها في الماء الضحل ،

أجتاز صخوراً مسنونة

أعدو ... ألهث .. حتى دَمِيَتْ قدماي
جفَّتْ شفتايْ

وماء البحر يقطِّع حلقي

و نداء الساحرة يجلجل في رأسي

هيا اغطس لا تتأخر

" أو يُرديك الشوق قتيل العشق "

=================

في عمق العمق .. مدت ساحرتي يُمناها

وضعت صدفات فضيةْ

في كل منها حوريةْ

قالت : من عندكَ ، لا تدنو أكثرْ .. لا تنظرْ

ماذا تأخذ ؟ هيا اسأل قلبكَ ، لا عينيكْ

هيا اختَرْ ... لا تتأخـرْ

لم أتردد
قلت - ووجهك يلمع في صدري - :

سيدتي ساحرتي..أعلم أني محظوظ ٌ طيلة عمري

و لهذا أعطيني الصَّدَفَةْ الأولى

قالت ساحرتي : يا ولدي هذا حظكَ ..

فاقبل شَرْطي

واحدةً تأخذُ لا أكثرْ

واحدة تأخذ .. أو ترحلْ

هل تسمعُ شَرْطي يا ولدي

لن تقدرَ أن تأخذ أخرى ... أو تستبدلْ

هل تقبلْ ؟

قلتُ : قبلتُ بِقَدَري ..

قالت : خذها حالاً واغرب عن نظري

---------------

و لأني محظوظٌ - يا عمري -

ولأنك في الدنيا قدري

لم أعجبْ أنك داخِلهَا

... أنتِ ...قد كنتِ بداخِلِها

... جــوفَ الصدفةْ

و أنا في صدري أحضنها

أحملها بين ذراعيَّ الآنَ

أقبلها ... أرفعها صَوْبَ السطحِ ... وأطفو

===============

Thursday, February 7, 2008

صـــحـافـة ... أهلاً
(شعر)

نشــــــرات الأخبــــار

سيـــــاط تجـلـدنــــي كـــلّ صـبـــاح

تصـفـعـنــــي ... تبـصــق فــي وجـهــي

تصـلـبنــي فــوق حقيـقـة ذاتـي المهتـزّة

تُنشِـبُ فـي سمعــي مخـلبـهــا

ترتـكـب الفـحـش - علــى مـرأىً مــن ذاكـرتـي -

فـــي أذنــــيّ

فـقــد خـلعــت كــلّ ثـيـاب الخجـل

بــاعتـنــي للشّـــؤم رقيـقـــــــاً

وتجلّــت للسـلطــان

بـــأبهـــــى الـحـلـل
===================
شــــاشــــات الـرائــــي

بــدأت تعــرض أنــواع اللـحــم العـربــيّ

بـأبخـس ثمــن

بـالألــوان ... علــى كـلّ الأنـظمـة المعـروفة فـي البثّ

أصـبـحنــا أفضـل لقطـات شـريــط الأنـبـاء

لانخجـل مـن رؤيـة أيـدينــا المبتـورة

تُعــَرضُ فــي كـلّ الـدّنــيـا

تستـجـدي عطـف وكـالات الغـوث الـدوليّـةِ

تـدهمنـا أشــلاء الأطفــال

ونحــن كســالــى نتثـاءب فــي غـرف النّـوم الـورديّـةِ

تغتـال كـرامتنــا ... - إن وجــدت شيــئــاً منهـــا -

نصطــنــع الحــزن ... أعينـنـا تـــدمـــع

نتعــاطف مـــع أســـر الشّـــهـداءِ

نستنكـــر تلـك الهـمـجـيّــةِ

أو نشجــب صمــت الكــرة الأرضيّــةِ

ونـؤيـّـد أكــــوام القتـــلى

لكنّـــا نـأمــل أن نسعـد هـذي الليلـةَ بلقـاء كـرويٍّ

ينسـيـنـا كتــل اللحــم المتنــاثـر

فـــي صـدر الشــاشـة الفضّــيّةْ
===================
أعمــــدة الصّـــحـف الصّــــفــراء

رمــــاح تغــــرزهـــا فــي عينيّ

وكــالات الأنبــــاءِ

تتـآمــــر ســـرّاً أو علنـــاً

كـــي تمســح مــن رأســـي

أحــــــلام غـدي المـوعــودِ

تستهــدف قتــل الأمـــل المعشــوشــب فــي قلبــي

تستغبيـــنــي ...

تغتــال حشــاشـة تفكيــري الموؤود

رؤسـاء التــــحــريـر مصــرّون علـى أن أركــعَ

عنـد مكـاتبهــمْ

أن أقــرأ دون نقـاش يزعجهــمْ

أن أمشي بيـن الأسطــر معصــوب العينيــنِ

تتقـاذفنــي كلمــات الأخبــار المـوبـوءةِ

لكنّـــي أسـقـط مغشــيّــاً

أتمـــالـَـكُ

أتعكّـــز فــوق زوايــا الأحــرف

تــرفعنــي ...

أسقــط ثــانيــة ...

أتمــاسـكُ ... تسنـدنـي جـدران الجمـل المرصــوفــة

أتلفّــت حــولــي ...

لا أحــــداً يــرقبنــي ...

أقـذف نفـســي خـارج أعمـدة الـزّيـف البـرّاقــةِ

أهــرب حتّــى أرتــاح قليـلا مـن سحــل قناعـاتـي

لأعــيــد الكـــرَّةَ

فــي صبـح اليوم الآتــي
==================

Friday, February 1, 2008

ربطة خبز
(قصة قصيرة)

بقلم متهالك متقطع الخط يكتب على ورقة صغيرة الحاجيات التي يود شراءها من السوق هذا اليوم.هو ليس كغيره من الذين يقصدون السوق لشراء عشر حاجيات ثم لا يتذكرون منها في السوق سوى ثلاث،فلقد تعود على تنظيم شؤونه–سواء الصغيرة منها أو الكبيرة–منذ كان يعمل في شركة أجنبية،ومن إدارتها المنظمة الحازمة تعلم أشياء كثيرة مفيدة،ولولا الراتب التقاعدي الذي ما زال يتقاضاه من تلك الشركة التي عمل فيها خمس عشرة سنة-قبل أن تغادر البلاد بفعل الحصار–لما تمكن من تأمين حاجيات أسرته في زمن عزَّت فيه الحاجيات الأساسية،ناهيك عن الكمالية،ولوقف مع غيره من الفقراء على أبواب المساجد والحسينيات يطلب الصدقة.يتابع كتابة ما يخطر على باله من احتياجات اليوم،بينما يأخذ نفساً عميقاً من سيجارته،ونظرُه سارح عبر نافذة مشروخة الزجاج بفعل انفجار هز المنطقة بأكملها قبل أشهر،فالحي الذي يسكنه شمال العاصمة لم يشهد منذ الاحتلال – إلا نادراً - ما يشهده الوطن بأكمله من أهوال،لذا استمرت الحياة في هذا الحي تسير على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

ينتبه إلى أن الورقة التي يكتب عليها قد حفلت بأشياء كثيرة ربما لن يمكنه الحصول عليها كلها دفعة واحدة،،يخرج محفظته التي كدس فيها آلاف الدنانير،مطمئناً إلى أن هذه الآلاف قادرة على تسديد متطلبات اليوم،،يهز رأسه أسفاً ، فمثل هذا المبلغ قبل سنوات ليست بالطويلة،كان يكفي لشراء منزل وسيارة ويضمن مستقبلا ً آمنا ً،أما الآن فهو بالكاد يكفي لزيارة السوق ولو لمرة واحدة،ولكن هكذا هي الحياة–قال في نفسه-كنقطة على محيط دولاب عربة:مرة ٌ فوق،ومرة ٌ تحت،طالما كان على العربة أن تسير.يتمعن في الورقة: الخضروات والفواكه تبدو كثيرة هذا اليوم،وسعرها في السوق-لشح الوقود وارتفاع تكاليف النقل-قد أصبح يضاهي سعر اللحوم،،يلغي بعضها ويبقي على صنفين فقط.أنواع الزيوت وغيرها من مستلزمات الطبخ تبدو كذلك مبالغاً فيه ،،يلغيها جميعها آملاً في سلق بعض البطاطا كوجبة غداء للعائلة،،الخبز لابد منه،فهو سيد المائدة،لذا يبقي عليه في القائمة،ولكي يضمن شراءه،لا ينسى أن يضع خطاً تحت عبارة:(ربطة خبز)،،ولكن،لعن الله الشيطان، فقد كاد أن ينسى تدوين اللعبة التي طلبتها منه دلال بمناسبة عيد ميلادها الذي يصادف اليوم ،،كانت غلطة كبيرة لم يكن ليسامح نفسه لو ارتكبها فنسي إحضار اللعبة،،(دلال) أجمل اسم نطقته البشرية في تاريخها. جاءته بعد زواجه من ابنة خالته،،يحاول تذكر سنة ولادة دلال: هو تزوج قبل الاحتلال بسنتين،وتأخر حمل زوجته سنة ونصف،أي أن زوجته قد حملت بدلال قبل الاحتلال بستة أشهر،مما يعني أن دلال قد جاءت إلى هذه الدنيا بعد الاحتلال بثلاثة أشهر وأربعة أيام.أخذ من سيجارته نفساً عميقاً آخر وسرح بنظره عبر زجاج النافذة المشروخ:يا ألله،كيف يتحول تاريخ يوم ثقيل على الروح والعقل والجسد إلى علامة فارقة نؤرخ بها الأحداث التي تمر بنا (أو نمر بها،،لا يهم): (عمه ذهب إلى الحج قبل الاحتلال بثلاث سنوات،وأمه سافرت للعلاج قبل الاحتلال بسنتين،وأخوه عاد من الخارج بعد الاحتلال بشهرين،وزوج شقيقته قتل في انفجار بعد الاحتلال بسنة ونصف،وهو تزوج قبل سفر والدته للعلاج بيوم واحد،أي قبل الاحتلال بسنتين،ودلال ولدت بعد الاحتلال بثلاثة أشهر وأربعة أيام):الاحتلال،الاحتلال،الاحتلال،،عجباً لهذه الكلمة الكئيبة،كيف احتلت مكانها:فاصلة بين الجمل،ونقطة مع نهاياتها؟.يدرك أنه قد سرح بعيداً عن الورقة والقلم، فيبادر إلى تسجيل(لعبة لدلال) مباشرة بعد(ربطة خبز) مع وضع خطين،وليس خطاً واحداً ، تحتها.

يجول في السوق بين أصوات الباعة الكثيرين والمتسوقين القلائل،،يمر أمام بائع الفاكهة والخضار،فيناوب نظره بين الأسعار المعلنة والقائمة التي في يده،فيشطب النوعين اللذين أبقى عليهما من الفاكهة والخضروات،فأسعارها لا تطاق،،يمر من أمام حانوت اللحّام، فيسارع إلى إلغاء اللحم من القائمة،،يتوالى تجواله بين المحلات،ويتوالى شطبه الحاجيات التي كان يأمل في شرائها.

الآن،،بعد الاحتلال بأربع سنوات وثلاثة أشهر وأربعة أيام،وفي يوم عيد ميلاد (دلال) الرابع ، يرى لآخر مرة في حياته ضوءاً شديد اللمعان،وينتهي كل شيء،،تغرق السوق في بحر من الدماء والفوضى،،أجساد البعض تتناثر لتلتصق بالجدران القريبة،،جرحى وجثث بالعشرات تتناثر على امتداد الساحة الواسعة،،صوت سيارات الشرطة والإسعاف تملأ المكان،ويبدأ أولاً نقل الجرحى إلى المستشفيات،بينما يبقى الأموات في أماكنهم بانتظار عدّهم ونقلهم إلى ثلاجات الموتى،فهم الآن قد أصبحوا أرقاماً فحسب،وهم بعد الآن ليسوا بحاجة سوى إلى التبريد،،رجال بثياب بيضاء يفتشون جيوب الضحايا قبل نقلهم،،أحدهم يخرج من جيب أبي دلال محفظة فيها آلاف الدنانير،وورقة حاجيات مشطوب على كل ما فيها باستثناء:(ربطة خبز،،لعبة لدلال).