Wednesday, January 23, 2008

تقدم إلى الخلف

لجهله - أو ربما لتجاهله - رأي الكتب السماوية في خلق الإنسان ( في أحسن تقويم ) ، فقد وضع داروين نظريته في النشوء والارتقاء في حوالي منتصف القرن التاسع عشر ، مقرراً أن الإنسان الحالي قد تشكل عبر حلقات معقدة من التطور ، مرجعاً أصله إلى فصيلة القردة التي كانت تمشي على أربع ، والتي تطورت بحيث بدأ بعضها يسير على قدمين ( كبعض أنواع الغوريلات الآن) ، وربما كان يدور في ذهن داروين بأن المرحلة اللاحقة من التطور ستكون مزيداً من الرقي والارتقاء ، بحيث يتطور الإنسان إلى مخلوق أكثر تحضراً وأقل وحشية ، لكن من المؤكد أنه لم يكن يدور في ذهنه احتمال أن يرتد الإنسان إلى مخلوق يشبه الحمار أو البغل أو الحصان ( تطور عكسي ) ، فالأخبار الواردة من كينيا تقول بأن بعض الأشخاص هناك قد ماتوا ( حرقاً أو رفساً !!) ، وبما أن تلك الأخبار لم تضع اللوم في جريمة الرفس على أي من الحيوانات الرافسة كالحمير والبغال والخيول ، فبذلك تكون هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها عن أناس يقتلون أناساً آخرين بالرفس ، فهل بعد هذا التطور من تطور ؟ ، وهل بعد هذا الإبداع من إبداع ؟ ، فهاهو قتل الإنسان (لأخيه!! الإنسان ) يشهد تطوراً يصل إلى حد استخدام أساليب الحيوانات ( وربما كان هذا إثباتاً وتدعيماً لنظرية داروين بأن الإنسان في الأصل حيوان ) . هنا تذكرت أن الله عز وجل بعد أن أنزل الآية الكريمة ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) قد أتبعها مباشرة بقوله ( ثم رددناه أسفل سافلين ) ، وبعد كل هذا ( فهل من مدّكر ). صدق الله العظيم.

Monday, January 21, 2008

إنا لله وإنا إليه راجعون
(شعر)
ما لهـذي الجامعةْ قـد تهاوت تابعة
هيكل من ورق ليس فيـها نـافعة
صوتها مجلجل والمآقي دامعة
رأسها مخبأ كالنعام الخانعة
فعلها مؤجل مثل يوم القارعة
تكتفي من فعلها بالوعود القاطعة
والوفاء بطبعه يقتضي المتابعة
أسكنوا عمالهـا في المباني الرائعةْ
واكتست أسماؤهم بالرموز الخادعةْ
أتخموا جيوبهم والكروش الجائعة
واستحالت مرتعاً للذقون اللامعـةْ
كبلوا أطرافها بـالقيود المانعةْ
أحرقوا ميثاقها وازدروها راكعةْ
حولوها مدفنـاً للأماني الضائعةْ
أصبحت مفـرقة حين ظُنَّتْ جامعةْ
واستفاضت روحها للسّماء السابعـةْ
ما لِجرحٍ مـيتٍ يشتكي من واجعةْ

Thursday, January 10, 2008


زهرتان في مقهى واحد
(قصة قصيرة)

" الغريب أن وزننا يخف عندما نحب ، والأكثر غرابة أنه يزداد خفة عندما نكون على
موعد مع الحب " . هكذا كانت تدندن روحها ، بينما سبقتها نظراتها بعشرات الأمتار وهي تسعى بشوق دافق وقلب خافق نحو موعد مع حب رتبت تفاصيله أسلاك الكهرباء ، نفس الكهرباء التي تملأ الشارع الذي تتهادى فيه الآن كأنها تمتطي بساط ريح سريع حمل عن قدميها عبء وزنها ، تتمايل من منعطف إلى آخر وعيناها تبحثان عن لافتة مكتوب عليها " مقهى الموعد " .

تعرفت عليه عن طريق التراسل الإلكتروني ، وقدم لها نفسه على الشاشة الزجاجية بأنه شاب يعاني من الوحدة بعد أن فشل في حبه الأول الذي توج بخطبته لتلك التي أحبها ، غير أن الفارق الكبير بينهما في التوجهات والاهتمامات والهوايات حال دون تمكنهما من إتمام مشوار الزواج ، فقررا طواعية التخلي عنه ، أما هي - هذه التي تلهث صوب المقهى - فقد أخذت دور الباحثة النفسية المتخصصة في شؤون العلاقات الأسرية .

بمرور الأيام وتوالي الرسائل الإلكترونية توطدت العلاقة بينهما ، وشعرا براحة نفسية لهذه العلاقة التي لم تصل إلى حد اللقاء الحسي ، بل استمرت عبر الأسلاك ، وعلى زجاج الشاشة الصغيرة . ما زاد في تعلقها به في تلك الفترة ، اضطراب العلاقة بين والديها ، فوالدتها الطبيبة شغلها الاهتمام بعيادتها ومرضاها عن الاهتمام بزوجها ، ووالدها الكاتب والصحفي المرموق ، لم يعد يحتمل إهمال زوجته الطبيبة له ، فدس ساعاته وأيامه بين الورق ، محاولاً أن يلغي وقته بشغل نفسه الأيام والليالي في عمله الذهني . لم يكن بين والديها خلاف جوهري حول أي من قضايا الحياة ، غير أن روتينها الجاف فرق بينهما ، حتى أضحى لقاؤهما على فنجان قهوة في مقهى هاديء حلماً بعيد المنال ، وبين الطبيبة والصحفي تاهت الابنة ذات الثمانية عشر ربيعاً ، فكان البريد الإلكتروني بالنسبة إليها عامل تسلية ، وممارسة لقتل وقت لزج في منزل علاقاته الأسرية ليست على ما يرام .

مضى على تعارفهما أكثر من ستة أشهر دون أن يطلب أحدهما رؤية الآخر ، ورغم أن كليهما كان يحاول جاهداً أن يتقمص شخصية مغايرة لواقعه ، إلا أن شعوراً مشتركاً كان ينبيء بأنهما يعرفان بعضهما البعض . ربما كان أسلوبهما في التفكير ، ونظرتهما إلى الحياة ، قد أوحى إليهما بأنهما من طينة واحدة ، إلا أن كل هذه المصادفات كانت غير ذات أهمية في علاقة بين خطيب فاشل وأخصائية في الشؤون العائلية .

تسرع الخطى ، وتدور عيناها بين اللافتات منقبة عن " مقهى الموعد " ، تبهر عينيها الزائغتين أضواءُ السيارات ، فتتوقف لحظات لتتبين معالم لافتة عبر الشارع ، " كلا ، هذا ليس مقهى الموعد ، ولا هذا ، ولا ذاك . . . يا الله لماذا نحن هكذا : نمر أمام المكان عشرات المرات ، وعندما نحتاج إليه تلف رؤوسنا وتدور ونحن نفتش عنه بلا جدوى ، هل يا ترى يفقد الشيء قيمته عند عدم الحاجة إليه ؟ وهل في الحاجة تكمن القيمة ؟ " ، واستمرت في الدوران في نفس مربع المباني الذي يفترض أن يكون فيه ( مقهى الموعد ) .

بعد ستة أشهر من الانتظار قال لها بأنه سوف ينتظرها في مقهى الموعد ، على الطاولة الثانية إلى يسار المدخل ، تلك الطاولة التي تطل على الشارع ، وسيضع على صدره قرنفلة حمراء حتى تميزه عن الآخرين ، مع أنه - كما قال - متأكد من أن عينيها سوف لن تخطئا عينيه اللتين تشعان تألقاً وحباً ، أما هي فقد أخبرته بأنها سوف تأتيه حاملة بيدها زهرة بنفسج ، وها هي ذي تحمل بين أصابعها المرتعشة زهرة ندية قطفتها من حديقة المنزل قبل دقائق معدودة ، وها هما - هي وزهرة البنفسج - تائهتان تفتشان عن المكان : مقهى الموعد .

هل يعقل أن تأتي متأخرة إلى موعد طال انتظاره ستة أشهر بحالها . . تجدُّ في البحث بين لافتات من جميع الألوان ، وتتناوب عيناها بين واجهات المحلات التجارية وبين ساعة يدها التي بدأت سريعاً الاقتراب من الخامسة ، وقد مضى عليها الآن أكثر من عشرين دقيقة وهي تبحث عن المقهى دون أن تعثر عليه . هل يمكن أن يكون حازماً في مواعيده فيغادر المقهى بعد الخامسة بدقيقة ، أم هل سيتمسك بالموعد معها كما تتمسك هي بزهرة البنفسج ، لكن فجأة يباغتها المشهد ، فتتسمر في مكانها . كانت أمام الواجهة الزجاجية للمقهى ، وكان هو هناك - على الطاولة الثانية إلى يسار المدخل - يتصفح جريدة . كان يرتدي سترة أنيقة ، وعلى صدرها تسلقت قرنفلة حمراء زادت من أناقة السترة . تراجعت إلى الخلف خطوات حتى تتأكد من أنه يضع قرنفلة حمراء ، نظرت بتركيز شديد كغزال شارد باغته ضوء ساطع فضاقت حدقتا عينيه وارتدّت رقبته إلى الوراء . نعم إنه يضع قرنفلة حمراء . والطاولة : هي الطاولة نفسها ، الثانية إلى يسار المدخل . والمقهى : هو المقهى نفسه ، تنظر إلى الأعلى وتتأكد : مقهى الموعد . بسرعة ترمي يدها خلف ظهرها لتخفي زهرة البنفسج . حمداً لله ، لم يرها ، تتراجع على عجل ، ثم تنفلت إلى أقرب هاتف عمومي في الشارع :
- أمي أمي ، أرجوك ، اصغي إليّ ، أنا بحاجة ماسة إليك ، أرجو أن تأتي إلي وأنت تحملين بيدك زهرة بنفسج . أنا في مقهى الموعد ، الطاولة الثانية إلى يسار المدخل ، لا تنسي : الطاولة الثانية على يسار المدخل .
- ابنتي ما بك تكلمي ، ما قصة زهرة البنفسج ؟.
- أمي ، لا وقت للحديث ، احضري حالاً ولا تنسَيْ زهرة البنفسج ، إنها
قضية حياة أو موت . لا تنسي : مقهى الموعد ، الطاولة الثانية إلى
يسار المدخل .
وقبل أن تنطق أمها بكلمة أخرى ، كانت هي تعيد سماعة الهاتف إلى
مكانها بنشوة عارمة لم تشعر بمثلها من قبل .