Tuesday, July 17, 2012
Friday, July 13, 2012
(العتب على النظر (+ 40
40+العتب على النظر
كعادته بعيد ظهيرة كل يوم، يستلقي في الصالة على أريكته المفضلة، يتصفح الجريدتين الوحيدتين في المدينة، ونظراً لتشابه المواضيع ...
كعادته بعيد ظهيرة كل يوم، يستلقي في الصالة على أريكته المفضلة، يتصفح الجريدتين الوحيدتين في المدينة، ونظراً لتشابه المواضيع ...
Sunday, July 8, 2012
كليوباترا.. ليست ملكة فقط، بل هي باخرة أيضاً
(“كليوباترا” عنوان معركة سياسية واقتصادية مع أمريكا، يوم أن كان العرب عرباً)
لا يكاد اسم (كليوباترا) يذكر، حتى يتبادر إلى الذهن صورة تلك الملكة البطلمية، التي حكمت مصر ثمانية عشر عاماً مع نهاية القرن الأول قبل الميلاد، والتي اشتهرت بعلاقتها الغرامية مع مارك أنطونيو، أما عندما يُذكَرُ اسم (الباخرة كليوباترا)، فربما سيتذكرها البعض القليل من الناس، وربما يجهلها الكثيرون، فقد كانت حادثة تلك الباخرة واحدة من أهم الأحداث التي ميزت الصراع العنيف بين المد القومي العربي متمثلاً بقلب الأمة: مصر، والإمبريالية الغربية عموماً، والأمريكية بشكل خاص، خلال العقدين السادس والسابع من القرن الماضي، ولتفصيل الحديث عنها، لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء.
خلفية الأزمة:
مع قيام ثورة تموز – يوليو 1952 المصرية، بدأ الاحتكاك المباشر، خاصة بين الوطنية المصرية، والقومية العربية بشكل عام، مع المصالح الغربية في الوطن العربي بشكل عام، ومصر على وجه الخصوص، ومع أواخر صيف 1956، كانت سُحُبُ الحرب قد تجمعت في سماء مصر، فبعد نجاح عبد الناصر في كسر احتكار السلاح، فحصل عليه من الاتحاد السوفييتي عن طريق تشيكوسلوفاكيا، وعندما أمم قناة السويس بعد عدول البنك الدولي عن تمويل مشروع بناء السد العالي، فقد كان لكل دولة من دول العدوان الثلاثي مبرراتها لغزو مصر:
1- فبالنسبة لإسرائيل: كان الحصار البحري المفروض على ميناء إيلات عن طريق منع سفنها من الإبحار عبر مضائق تيران إلى البحر الأحمر، وحصول عبد الناصر على صفقة السلاح الروسي، وتشجيعه دخول الفدائيين الفلسطينيين من قطاع غزة لمهاجمة المستوطنات الإسرائيلية، كانت جميعها أسباباً كافية للعدوان على مصر، وقد اتخذت إسرائيل من ذريعة تحجيم وردع هجمات الفدائيين المنطلقة من قطاع غزة بدعم مصري، سبباً مباشراً للحرب. كل ذلك كان مبرراً “لديفيد بن غوريون” لكي يهاجم مصر.
2- بالنسبة لفرنسا: فقد حرمها تأميم قناة السويس من امتلاك حصتها المقدرة بـ 56% من أسهم القناة، وبعد هزيمة قواتها في معركة ديان بيان فو في فييتنام في الأسبوع الأول من مايو 1954، وقبل مضي ستة أشهر على تلك الهزيمة النكراء، قامت ثورة الجزائر في الأول من نوفمبر 1954، فحصلت على دعم مصري مطلق بالمال والسلاح، فكان رأي رئيس الوزراء”جي موليه” أنه لا بد من إيقاف مصر عند حدها.
3- بالنسبة لبريطانيا: فقد أذلتها مصر بتوقيع اتفاقية الجلاء عن قاعدتها العسكرية في خريف 1954، كما فقدت أسهمها في ملكية قناة السويس والمقدرة بـ 44% من عدد الأسهم الإجمالي، وأصبح طريقها إلى آسيا في يد الثورة المصرية، فتعززت لدى “أنطوني إيدن”، رئيس وزرائها، فكرة الحرب.
وهكذا، فقد عبرت القوات الإسرائيلية حدود سيناء يوم 29 أكتوبر 1956، فأنذرت بريطانيا وفرنسا كلا الجانبين الإسرائيلي والمصري بالانسحاب بضعة أميال عن قناة السويس، مما يعني الإيعاز إلى إسرائيل بالوصول إلى القناة، وحتى لا ينحصر الجيش المصري بين فكي كماشة، أُمِرَ بالانسحاب من سيناء، وقصة ما جرى من العدوان بعد ذلك معروفة، فكان من ضمن نتائج الحرب السماح لإسرائيل بالعبور من مضائق تيران إلى البحر الأحمر، وذلك بعد مرابطة القوات الدولية في سيناء.
بعد اغتصاب إسرائيل حق العبور من مضيق شرم الشيخ بالقوة، التفتت إلى المطالبة بحق المرور عبر قناة السويس، ولذا فقد شن “بن غوريون”، رئيس وزرائها، في أوائل عام 1960 حملة داخل الولايات المتحدة الأمريكية للمطالبة بمقاطعة السفن المصرية للضغط على القاهرة من أجل السماح للسفن والبضائع الإسرائيلية بعبور القناة، وكانت مصر قد صادرت عدداً من السفن التي كانت تحمل بضائع من وإلى إسرائيل، وبعد تدخل الأمين العام للأمم المتحدة، ونظراً لحاجة مصر في ذلك الوقت إلى قرض من البنك الدولي لتوسيع وتعميق القناة، فقد أفرجت عن السفن المصادرة، مع الاحتفاظ بالبضائع التي كانت عليها.
في بداية شهر نيسان – إبريل 1960 آتت حملة بن جوريون أكلها، ففي الثالث عشر من ذلك الشهر رست الباخرة المصرية”كليوباترا” – التي تبلغ حمولتها 8 آلاف طن، وبطاقم عدده 103 بقيادة الكابتن أحمد بهاء الدين مندور(الأهرام 1960/4/17) – رست في ميناء نيويورك وهي تحمل شحنة من القطن المصري طويل التيلة، وكانت قد أبحرت من ميناء بيروت مارة ببعض الموانيء الإيطالية، حيث حملت مجموعة بضائع بزنة 2311 طن للتنزيل في ميناء نيويورك. والباخرة كليوباترا مملوكة لشركة”البوستة الخديوية” أي البريد الخديوي، وكانت البوستة الخديوية قد أسست في الإسكندرية في أوائل العقد الخامس من القرن التاسع عشر على يد رجل إيطالي كشركة صغيرة لنقل البريد داخل مصر، ثم توسعت أعمالها لإيصال البريد إلى استامبول وبعض الدول الأوربية، لذا اشترت عدداً من البواخر بلغ عددها 26 سفينة، والتي كانت تجوب موانيء البحر الأحمر انطلاقاً من ميناء السويس (قبل افتتاح القناة عام 1869)، ومن ميناء الاسكندرية وميناء بورسعيد، لكي تجوب موانيء شرق البحر المتوسط، ناقلة البريد والبضائع والركاب.
كانت حملة بن غوريون السياسية ضد مصر ترتكز على أن لسفن إسرائيل الحق في عبور قناة السويس، وأن هذا المنع يضر كثيراً بمصلحة السفن الأمريكية، التي تدخل أسماؤها في اللائحة السوداء للمقاطعة العربية بمجرد تعاملها مع إسرائيل، لذا توقف عمال الشحن والتفريغ في ميناء نيويورك عن التعامل مع الباخرة كليوباترا لدى وصولها ميناء نيويورك يوم 1960/4/13 ، بل وصل الأمر إلى حد منع تموين الطعام والشراب والدواء لركابها وطاقمها، وكان من المرجح أن تشمل المقاطعة فيما بعد جميع السفن العربية، ذلك أن اتحاد البحارة الأمريكيين كان قد أصدر بياناً فُهِمَ منه أن الحظر سوف يشمل سفن جميع الدول التي تفرض المقاطعة الاقتصادية على إسرائيل، وتوضح مقالات صحيفة النيويورك تايمز لتلك الفترة مدى تخبط الإدارة الأمريكية في تلك الأزمة، ففي بدايتها حاول (مصطفى كامل)، السفير المصري في واشنطن، مناشدة وزارة الخارجية الطلب من الرئيس (آيزنهاور) التدخل لحل الأزمة، لكن الخارجية الأمريكية رفضت ذلك بدعوى أنه لا يحق للرئيس القيام بذلك إلا في الحالات التي تؤدي إلى تهديد الأمن القومي ( سنرى بعد ذلك كيف أنها سوف تتدخل لإنهاء الأزمة بعد تهديد اتحادات العمال العربية بمقاطعة السفن الأمريكية).
ولمتابعة تطورات أزمة الباخرة كليوباترا، من المفيد استعراض أخبارها من خلال بعض المصادر، وخاصة صحيفتي الأهرام القاهرية ونيويورك تايمز*:
بداية الأزمة:
- نيويورك تايمز: في 4/14 ترد قضية الباخرة كليوباترا لأول مرة في هذه الصحيفة، حيث تنقل خبراً عن مظاهرة عمال الشحن والتفريغ في ميناء نيويورك ضد وصول الباخرة المصرية (كليوباترا)، وذلك احتجاجاً على المقاطعة العربية لإسرائيل.
- أما صحيفة الأهرام الصادرة يوم 4/15 فيتصدر صفحتها الأولى المانشيت الذي يقول (إسرائيل تحرض عمال الشحن في أمريكا ضدنا)، وتذكر أن نقابتين من نقابات العمال الأمريكيين قد قدمت احتجاجاً لدى الحكومة الأمريكية على إدراج السفن الأمريكية التي تتعامل مع إسرائيل في القائمة السوداء لمكتب المقاطعة العربية لإسرائيل، كما طالبت الحكومة الأمريكية بالإيعاز إلى سفن الأسطول الأمريكي في الشرق الأوسط بعدم شراء أية تموينات من أي ميناء عربي، كما تشير الأهرام إلى مقالات في الصحف الإسرائيلية في عددها ليوم الأمس 4/14 تحرض فيها الموانيء الأوربية على فعل نفس الشيء الذي قام به عمال نيويورك.
في نفس هذا اليوم 4/15 تذكر صحيفة جيروزاليم بوست أن سكرتير عام الهستدروت (اتحاد العمال الإسرائيليين) قد أبرق إلى رئيس الاتحاد العالمي لعمال الشحن يشكره على موقفه من الباخرة كليوباترا، كما تشير نيويورك تايمز إلى دعوى قضائية تقدم بها أصحاب الباخرة لرفع المقاطعة عنها، وتضيف الأهرام في عدد 4/16 بأن أصحاب السفينة يطالبون بتعويض عطل وضرر مقداره 10 آلاف دولار.
تصاعد الأزمة:
- وفي يوم 4/17 تذكر الأهرام بأن حادث الباخرة في طريقه إلى أن يتحول إلى أزمة سياسية كبرى، وأن المحكمة الفدرالية في نيويورك قد أجلت النظر في الدعوى.
- وفي عدد 4/18 يتصدر الصفحة الأولى في الأهرام عنوان رئيسي (إنذار إلى البواخر الأمريكية)، وتشير إلى أن عمال ميناء اللاذقية قد بدأوا المقاطعة بالفعل، وأن عدد السفن الأمريكية التي تدخل موانيء الجمهورية العربية المتحدة (ج.ع.م.)يصل إلى حوالي الخمسين سفينة يومياً. وتشير نيويورك تايمز إلى توجه العمال العرب لمقاطعة السفن الأمريكية وذلك في عددها ليوم 4/19.
- ابتداء من يوم 4/20 تبدأ الأهرام في إيلاء موضوع الباخرة أولوية في التغطية الصحفية، فالصفحة الأولى تخلو من أي خبر باستثناء أخبار كليوباترا، فيقول المانشيت الرئيسي (محاولات في واشنطن لتفادي الأزمة العنيفة)، وتستنتج من تأجيل المحكمة النظر في دعوى أصحاب الباخرة، تنصل الإدارة الأمريكية من تصرف عمال ميناء نيويورك، موضحة أنه لا علاقة بين الإدارة وتصرف النقابات العمالية، كما تشير الأهرام بأنه قد تم تزويد السفينة باحتياجاتها التموينية من طعام وشراب وأدوية، كما طلب مكتب البريد الأمريكي من العمال السماح بتنزيل 185 كيس بريد، و302 طرد بريدي مرسلة من بيروت والاسكندرية.
- في4/21 تذكر الأهرام في عددها بأن عمال النقل الجوي العرب قد هددوا بمقاطعة الطائرات الأمريكية، أما نيويورك تايمز فتذكر أن اتحاد البحارة الأمريكيين قد أبلغ الرئيس عبد الناصر بأن موقف العمال كان بسبب تقييد مصر حرية السفن الأمريكية التي تتعامل مع إسرائيل بعبور قناة السويس، كما تنقل عن الإدارة الأمريكية قولها بأن مقاطعة الباخرة يسبب حرجاً للعلاقات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
- يوم4/22 تذكر الأهرام استعداد جميع اتحادات العمال العرب للتضامن مع مصر، وتشير إلى أن الأمر سوف يعرض على اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم4/30، كما تقول بأن السفير الأمريكي في القاهرة (فريدريك رينهارت) قد أرسل إلى إدارته محذراً من عواقب هذه الحادثة على العلاقات مع ج.ع.م. ، وتشير إلى رسالة السفير المصري (مصطفى كامل) حول الأثر الإيجابي لرسالة السفير الأمريكي، وتأثيره على مواقف الإدارة الأمريكية من مقاطعة كليوباترا. وفي نفس اليوم تنقل نيويورك تايمز تهديد اتحادات العمال العرب بالمقاطعة خلال أسبوع إن لم تحل القضية.
تفجر الأزمة:
- يوم 4/23 تصدر الأهرام بعنوان رئيسي يقول:( إنذار حاسم يوجهه العمال العرب: مهلة 7 أيام وبعدها المقاطعة الكاملة) التي حددت مع بداية يوم4/30. ومن سياق أخبار الأهرام لهذا اليوم يفهم بأن الحظر عن نزول البحارة إلى البر قد رفع، حيث تنقل خبر طعن البحار (عز الدين محمود) خلال عودته ليلاً إلى السفينة من قبل بحار أمريكي، فأصيب بجروح خطيرة في رأسه وعينه اليسرى ( وفي عددها ليوم 4/24 تقول بأن البحار المصري مهدد بفقد بصره)، كما تقول الأهرام بأن برقية من العمال الأمريكيين تنفي أن تصرفهم تجاه الباخرة المصرية نابع عن ضغط صهيوني، وتنقل عن الخارجية الأمريكية قولها بأنها، مع أخذها بعين الاعتبار عدم مشروعية مقاطعة إسرائيل، إلا أنها ترى أن موقف عمال نيويورك يحرج موقف الإدارة نظراً للخشية من إجراء عمالي عربي مضاد.
- أيضاً يأتي مانشيت الأهرام ليوم 4/24 الرئيسي: (أزمة كليوباترا تشتد بعد أن رفضت محكمة نيويورك إصدار حكم بتفريغ شحنتها)، حيث رفض القاضي (توماس ميرفي) إصدار أمر لعمال الميناء بمباشرة تفريغ الباخرة اعتماداً على ادعاء العمال بأن بعضهم كان قد فقد وظيفته نتيجة مقاطعة ج.ع.م. للسفن الأمريكية التي تتعامل مع إسرائيل، كما تذكر بأن عمال النرويج والسويد والدانمارك قد رفضوا الإذعان لطلب مقاطعة السفن العربية.
وربما كان من الطريف الإشارة إلى أن اتحاد العمال السويديين كان قد قرر مقاطعة سفن ج.ع.م. منذ يوم 4/7، أي قبل البدء بمقاطعة عمال نيويورك، وذلك رداً على مصادرة السفينة الدانمركية (أنجي توفت) في مايو 1959، والتي كانت تحمل إسمنت وبوتاسيوم إسرائيلي إلى شرق آسيا، لكن السلطات المصرية صادرت حمولتها وأوقفت السفينة، ولكن بعد إطلاق سراحها وعودتها إلى حيفا، فقد تراجعت السويد عن قرارها، وكذلك إفراج مصر عن السفينة اليونانية (استباليا) التي كانت تحمل الاسمنت الإسرائيلي إلى جيبوتي. هنا تجدر الإشارة إلى أن معظم هذه
المصادرات للبضائع الإسرائيلية تمت خاصة بعد خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في حلب فبراير 1959، شمال سوريا، والذي قال فيه بأن البضائع الإسرائيلية المصادرة سوف تستخدم في تحسين أحوال اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم.
- يوم4/25 يقول مانشيت الأهرام (المؤامرة تظهر على حقيقتها)، وتفسر ذلك بأنها مؤامرة إسرائيلية للضغط على ج.ع.م. لوقف المقاطعة العربية، مسرحها نيويورك، كما تشير إلى هجوم الصحافة الإسرائيلية على الأمين العام للأمم المتحدة (داغ همرشولد) الذي كان لتصريحاته دور في توقف اتحاد عمال السويد عن مقاطعة السفن العربية، كما تنشر الأهرام في عدد هذا اليوم لأول مرة صورة كابتن الباخرة كليوباترا (أحمد بهاء الدين مندور) وصورة العامل المصري الذي طعن وهو (عز الدين محمود).
- عدد الأهرام يوم 4/26 يتصدره عنوان ذو أهمية كبرى: ( عبد الناصر يتحدث عن أزمة كليوباترا)، ففي حديثه إلى تلفزيون كولومبيا في برنامج (واجه الأمة)، يتحدث عبد الناصر عن عدم حق إسرائيل في المرور عبر خليج العقبة – والذي حصلت عليه بعد العدوان الثلاثي عام 1956 – ولا عبر قناة السويس، مؤكداً على أن منع إسرائيل من استخدام هذين الممرين لا يرتبط بحرية الملاحة، ولكن بحقوق شعب فلسطين، وقد ربط السماح بمرور إسرائيل من قناة السويس بتطبيقها القرارات الدولية المتعلقة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم، وتعويضهم – وليس “أو تعويضهم” – عما لحق بهم من خسائر جراء العدوان على بلادهم، وقال: { إننا نعتبر كل ممتلكات إسرائيل هي ممتلكات عرب فلسطين، الذين حرموا من أراضيهم وممتلكاتهم }. وعندما سأله المذيع عن صحة اتفاقه مع همرشولد على السماح بمرور بضائع إسرائيلية على سفن محايدة، نفى عبد الناصر ذلك تماماً.
وفي نفس هذا اليوم 4/26 تذكر نيويورك تايمز بأن المحكمة الفدرالية قد رفضت للمرة الثالثة الدعوى القضائية المقدمة من قبل أصحاب الباخرة لرفع المقاطعة عنها.
- عدد الأهرام ليوم 4/27 ينشر تعليقاً لرئيس تحريرها محمد حسنين هيكل يتهم فيه بن غوريون بتدبير هذا الأمر، وفشله في تحريض عمال موانيء السويد والنرويج والدانمرك، ويصف المعركة الحالية بأنها (حلقة أخرى من نفس السلسلة الطويلة في الصراع بين القومية العربية وبين أعدائها وفي مقدمة صفهم إسرائيل والصهيونية العالمية)، كما ينقل الأهرام خبراً عن برقية أرسلها اتحاد العمال العرب إلى الرئيس الأمريكي آيزنهاور يطالبه فيها استخدام الحكمة، والتدخل لإنهاء الأزمة.
أما نيويورك تايمز لعدد هذا اليوم، فتنقل عن مراسلها في القاهرة بأن اتحاد العمال العرب سوف يبدأ مقاطعة السفن الأمريكية مع الدقائق الأولى ليوم الجمعة 4/30، وأن هناك تهديداً بتوسيع المقاطعة لتشمل المطارات العربية.
- في 4/28 يأتي المانشيت الرئيسي للأهرام: (اللحظة الحاسمة تقترب)، يقصد اقتراب موعد بدء المقاطعة العربية، ويشير إلى إرسال الخارجية الأمريكية اثنين من مندوبيها لمقابلة زعماء العمال، وإبلاغهم بالضرر الذي سوف يلحق بالسفن الأمريكية لو استمروا في مقاطعة الباخرة المصرية، كما تتحدث الصحيفة بالتفصيل عن وقائع جلسة المحكمة في نيويورك حيث فشلت الدعوى للمرة الثالثة، إذ أجل القاضي النطق بالحكم.
- يوم 4/29 يتصدر الأهرام المانشيت:( الليلة تبدأ المقاطعة)، ويكتب هيكل مقاله بعنوان (الرجل الذي أفلتت منه الفرصة)، ويقصد به الرئيس آيزنهاور، الذي يقول عنه بأنه فشل في تفكيك الأزمة، ويتساءل هيكل: (لماذا لم يتدخل آيزنهاور من أجل وطنه لا من أجلنا؟)، ثم يختتم مقالته بالقول:( ولكن الفرصة في كفه راحت، وتسربت كحفنة من الرمال الناعمة).
وفي هذا العدد نجد أيضاً تهديداً بامتداد المقاطعة العربية إلى السفن الكندية، حيث أن عمال ميناء مونتريال امتنعوا عن التعامل مع باخرة مصرية أخرى هي (نجمة أسوان)، التي تبلغ حمولتها 5000 طن، وكانت تحمل كميات من القطن والأرز وزيت الزيتون والفلين، بقيادة الكابتن اليوغسلافي (شولتش)، وذلك بحجة عدم وجود مكان لها على رصيف الميناء، كما تنقل عن عمال كليوباترا أن الماء والغذاء قد منع عنهم، وأن أحد العمال قد فقئت عينه اليسرى.
وفي نفس اليوم 4/29 تقول نيويورك تايمز بأن وزارة الخارجية في واشنطن أعربت عن قلقها بشأن تداعيات موضوع الباخرة المصرية.
- عدد الأهرام ليوم 4/30 تصدره المانشيت:( 21 ميناء بدأت المقاطعة)، حيث توقف عند منتصف الليل العمل في إصلاح وتفريغ السفن الأمريكية، ورفعت في الموانيء لافتات كتب عليها ( لا ماء – لا طعام – لا وقود – لا شحن – لا تفريغ)، كما ذكرت الصحيفة أن عمال مونتريال قد توقفوا عن مقاطعة الباخرة (نجمة أسوان). كما تنشر الأهرام خبر تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي على وقف تزويد مصر بمساعدات القمح الأمريكي**.
- أما عدد يوم 5/1 من الأهرام، فقد تصدره المانشيت:( من المحيط إلى الخليج)، يقصد امتداد مقاطعة السفن الأمريكية في جميع الموانيء العربية، وعنوان آخر عن تحذير عبد الناصر للدول الأفريقية والآسيوية من مخاطر السياسة الإسرائيلية، كما ينتقد دفاع الرئيس الأمريكي عن حق إسرائيل في عبور سفنها وبضائعها قناة السويس، بينما ينسى الحديث عن حقوق الشعب الفلسطيني، أما نيويورك تايمز فتشير إلى المقاطعة العربية للسفن الأمريكية.
- يوم 5/2 يبشر مانشيت الأهرام بتهديد العمال السود في ميناء نيويورك بتفريغ الباخرة كليوباترا بالقوة إن لم يتدخل الرئيس.
- مانشيت يوم 5/3 في الأهرام:(تطورات خطيرة في أزمة كليوباترا)، وتقول بأن وزير الخارجية الأمريكي يحذر الكونغرس من ربط المساعدات إلى مصر بموضوع الحظر المفروض على مرور إسرائيل من قناة السويس، وتشير إلى أن عمال ميناء (بومباي) الهندي قد هددوا بالاشتراك في الإضراب ضد السفن الأمريكية، أما نيويورك تايمز فتتحدث عن مناشدة البيت الأبيض للعمال بالبحث عن حل للأزمة.
- مع مرور الأيام، تبدأ مضاعفات مقاطعة السفينة تصل إلى صراع بين الخارجية الأمريكية ومجلس الشيوخ، وبينها وبين نقابة العمال، فيظهر عدد الأهرام ليوم 5/4 بمانشيت عريض يقول:(انقسام في الكونغرس بسبب الجمهورية العربية)- هكذا، ربما لأن السطر لم يتسع لإضافة كلمة”المتحدة” – ومؤدى الخبر أن السيناتور فولبرايت فشل في منع الكونغرس من التصويت على قرار يرفع إلى الرئيس يقضي بمناشدته وقف المساعدات الاقتصادية لمصر بسبب أزمة القنال مع إسرائيل، أما نيويورك تايمز فتذكر بأن نقابة العمال رفضت طلب الإدارة رفع المقاطعة عن كليوباترا، والإدارة ترد بأنه من الخطورة بمكان أن يأخذ بعض الناس تسيير الشؤون الخارجية للبلاد بأيديهم، وتعيد الطلب من العمال برفع المقاطعة فوراً.
- يوم 5/5 يتزايد تشابك تأثيرات حادثة السفينة، فيأتي عنوان الأهرام:(أمريكا تعلن فجأة عقد صفقة أسلحة مع إسرائيل)، (أزمة الباخرة تزداد تعقيداً)، ثم عنوان فرعي يتحدث عن رسالة من الرئيس الأمريكي إلى العمال لفك الإضراب، لكنهم يرفضون الاستجابة، كما تقرر محكمة استئناف نيويورك تأييد الحكم السابق بعدم تنزيل الباخرة.
- أما يوم 5/6 فيظهر مانشيت الأهرام نبرة تحدٍّ عندما يقول: (لن تحكمنا نقابات البحر الأمريكية)، ويكتب هيكل مقاله الأسبوعي بعنوان:(ليست مهزلة،،،بل هي مأساة)، ويقصد بذلك المسؤولين الأمريكيين الذين التقاهم، والذين يطالبون جميعهم العرب بالتروي وإعطاء الفرصة لرئيسهم لحلحلة الموقف، ثم – كما يقول هيكل – نفاجأ بصفقة أسلحة إلى إسرائيل، كما تذكر الأهرام أن الأمين العام للأمم المتحدة “داغ همرشولد” يؤكد بأن مقاطعة السفينة المصرية لن يؤدي إلى فتح قناة السويس أمام الملاحة الإسرائيلية، ونيويورك تايمز تتحدث عن مشاورات بين وزير الخارجية جيمس ديلون مع رئيس اتحاد نقابات العمال ومجلس المنظمات الصناعية لإنهاء الأزمة.
انفراج الأزمة:
- أما مانشيت الأهرام ليوم 5/7 فكان كلمة واحدة (انتصرنا) – بدأ تفريغ كليوباترا عند منتصف الليل في ميناء نيويورك، وذلك بناء على برقية من “جون ميني” رئيس اتحاد نقابات العمال الأمريكيين إلى رئيس عمال البحر في نيويورك، واعداً العمال بالسهر على متابعة مصالحهم التجارية، كما تذكر الصحيفة أن الباخرة (نجمة أسوان) قد اتجهت إلى كويبك في كندا، وأن أمور شحنها وتفريغها تسير بصورة منتظمة.
وهكذا، بعد أزمة امتدت على مدى أكثر من ثلاثة أسابيع، أظهرت فيها الأمة العربية جمعاء وقوفها خلف الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر، وأرغمت فيها عمال أمريكا على وقف مقاطعة البواخر العربية، وذلك عندما وقفت جميع اتحادات العمال العرب خلف ج.ع.م. فأرغمت عمال ميناء نيويورك رغم أنفهم، والإدارة الأمريكية رغم أنف رئيسها آيزنهاور، على الرضوخ للإرادة العربية،، بعد هذه الأسابيع الثلاثة أسدل الستار على واحدة من أشرس المعارك بين الحركة القومية العربية الناهضة وأمريكا، بتحريض من الصهيونية العالمية وإسرائيل. تلك صفحة مجيدة من التاريخ العربي المعاصر لا ينبغي أن تُنسى.
-------------------------------------------------------
*نظراً لندرة المؤلفات التي وضعت حول حادثة الباخرة كليوباترا، فقد اعتمدت في هذا البحث على أرشيف صحيفتي الأهرام المصرية، ونيويورك تايمز الأمريكية، الصادرتين في تلك الفترة، ذلك لأن الأولى صحيفة مصرية رسمية تعكس الرأي الحكومي، بينما الثانية تصدر في نفس المدينة موطن الحدث، فهي – ونظراً لوسائل الاتصال في ذلك الوقت – أقرب من غيرها لتغطيته. كما تم الاعتماد على مؤلفات محمد حسنين هيكل المتعلقة بنفس الفترة، وعلى عدد من المقالات المتناثرة على الشبكة العنكبوتية.
**- بدأت مساعدات القمح الأمريكي لمصر منذ عام 1953، وكما في غيرها من السياسات الدولية، تهدف هذه المساعدات إلى كسب ود الحكومات التي تتلقاها، كما يبني بواسطتها رأي عام يمكنه التصدي لحكومته عند تحديها السياسة الأمريكية، إضافة إلى أنها تبعد الزراعة المحلية عن الاهتمام بزراعة القمح، لكي يتحول فيما بعد إلى سلاح استراتيجي تستخدمه السياسة الأمريكية لإخضاع الدول التي تعارض مصالحها وسياساتها. ومثال إهمال زراعة القمح في مصر خلال العقود الأربعة الأخيرة أوضح مثال على خطر الاعتماد على مساعدات القمح الأمريكي.
Thursday, July 5, 2012
دجاجة جدتـي
في قريتنا الجبلية الوادعة، حيث الأرض كريمة معطاءة، والإنسان كسول الهمة متخلف الوسائل،لم تكن الفاقة متفشية بيننا، كما لم يكن الغنى معروفاً عندنا، بل كنا نعيش حياة هي أقرب إلى الكفاية منها إلى الوفرة، فتناول اللحوم كان يتم فقط في الأعياد الدينية – وما أندرها – ، أو في مناسبات الأفراح – وما أفقر أصحابها – ، وجدتي واحدة من سكان القرية الذين يعتمدون في غذائهم على تناول البروتين النباتي المتمثل في الحبوب المطبوخة والمسلوقة، كالفول والعدس، أما البروتين الحيواني، فكان يأتينا من حليب المواشي وبيض الدجاج .
جدتي هذه مربوعة القامة تميل إلى القِصَر، عيناها زرقاوان صغيرتان، وأنفها مستدق يتوسط وجهاً مازال يحمل بعضاً من نضارة أيام الشباب،، أصولها الشركسية تبدو جلية في لغتها العربية، تلك التي كان جدي يسميها (المكسَّرة)، حيث كانت تستبدل التذكير بالتأنيث وبالعكس، وكان هذا باعثاً لنا على الضحك – المفضوح أحياناً، والذي كان يُغضبها ، والمكتوم في معظم الأحيان، حتى لا يثير غضبها – ، خاصة في أحاديث سهرات ليالي الشتاء الطويلة.
بين دجاجات جدتي كانت هناك(المحروسة): دجاجة لونها ناصع البياض،، ماهرة في التقاط غذائها بمنقار وردي اللون،، ثخينة الفخذين،، تباعد ما بينهما حين المشي حتى لتحسبها ديكاً يتبختر،، ذيلها طويل مزدوج الانحناء، وجناحاها متينان كأنهما جناحا صقر شرس، يعلو رأسها عُرفٌ أنيق الشكل،، رشيقة القفز،، تسير بين بنات جيلها، فتبدو أعلى منهن قامة، وأكثر عنفواناً. (المحروسة) هذه كانت هي الأقرب من بين جميع الدجاجات إلى قلب جدتي، وكأنها لم تكن تملك سواها،، كانت تطعمها الحبوب من كفِّها، وتمسح برفق على عُرفها وذيلها، فكانت (المحروسة) تستكين لها وتهدأ بين يديها، على عكس باقي الدجاجات الجموحة. كانت جدتي تجمع البيض صباحاً من أقنان الدجاج، وتقسم على أن بيض (المحروسة) ألذّ في طعمه من طعم بيض الأخريات، معللة ذلك بالدلال الذي تتمتع به المحروسة على يديها، والحُبوب التي كانت تغدقها عليها دون سائر الطيور.
في ذلك الصباح، لم يعلم أحد من العائلة السر الكامن وراء صراع نشب بين الديك الوحيد في الحظيرة وبين (المحروسة)، فقد انهال الديك الشرس عليها ضرباً بجناحيه القويين، ونقراً بمنقاره المعقوف الجارح، وركلاً بساقيه الطويلتين، حتى أفقدها الوعي، وسال الدم من رأسها وشارفت على الهلاك، وهي تحاول الدفاع عن نفسها أو الفرار منه دون أن تتمكن من ذلك، والجميع ممن يراقبون المشهد يحاولون الفصل بينهما دون جدوى، إلى أن انهالت جدتي على الديك بعصى غليظة، ففر هارباً إلى داخل القن، تلاحقه توعُّدات جدتي له بالويل والثبور. حملت جدتي (المحروسةَ) بين يديها والدموع تكاد تنفر من عينيها، والدجاجة تنظر إليها باستعطاف وكأنها تشكو إلى أمها العجوز قسوة ذلك الديك المجرم. وسَّدت جدتي الدجاجة في سلة قديمة، ثم وضعتها على رف في المطبخ، وبدأت تتفقدها مرة بعد أخرى للاطمئنان عليها، والدجاجة تغفو وتصحو، ثم تغفو، ربما من شدة الألم .
صباح اليوم التالي، كانت جدتي تجلس في ساحة الدار الترابية وقد تربع على جبينها همٌّ مقيم، إذ يبدو أن الإصابات التي لحقت بالدجاجة بعد عراك الأمس مازالت مؤثرة في نفس جدتي، فقد لاحظنا أنها لم تتناول طعام الفطور كعادتها في كل يوم، بل اكتفت باحتساء كوب من الشاي، ومن بعيد كنت جالساً أختلس النظر إلى وجهها، فأقرأ فيه علامات يأس بائس من شفاء (المحروسة). أطرقت جدتي رأسها وأطالت ، دمدمت وهمهمت بلغتها التي لا أفهم منها شيئاً، ثم فجأة، رفعت رأسها وسمعتها تنتهرني قائلة: ( تعالي ياولد، خذيها في الحال واذبحيها عند جزّار القرية). إذن صدق ظني في يأس جدتي من شفاء (المحروسة)، وهاهي ذي تريد إنهاء عذاباتها بذبحها على يد جزّار القرية، أما بالنسبة لي فقد كان هذا بشارة باقتراب تناول وجبة دسمة من لحم الدجاج، تلك التي لم نتذوق طعمها منذ أشهر. أصدرت جدتي أمرها ذاك، وانطلقَت إلى الحقل لقطف بعض الخضروات من أجل تجهيز وجبة الغداء .
بفرح غامر قفزت إلى السلة التي ترقد فيها (المحروسة)، ولدهشتي وجدتُها وقد انتعشت قليلاً، غير أنني خشيت أن أخبر جدتي بذلك فتعدل عن ذبحها، فأسرعت إلى كيس صغير من الخيش أدس فيه الدجاجة، وأنطلق بها إلى دكان الجزار، بسرعة طفل في العاشرة يحلم بوجبة شهية من لحم الدجاج .
من خلف كفَّيِّ الصغيرتين اللتين غطيت بهما وجهي، كنت أرى الدم يتدفق من عنق الدجاجة المسكينة وقد جزَّتها نصل السكين الحادة، والدجاجة انفلتت من بين يدي الجزار تضرب الأرض بجناحيها مثيرة غباراً عالياً في ساحة القرية، والجزار يضحك عليَّ أنا المختبيء خلف أصابعي المرتعشة، ، وعدد من الأطفال يتابعون هذا المشهد بكثير من الفضول. سكنت حركة الدجاجة تماماً، وكان عليّ أن أعيدها إلى كيس الخيش، فنفضتُ التراب عنها وأنا أرتعش أكثر من ارتعاشها هي بين يدي الجزار، ثم انطلقتُ عائداَ بها إلى البيت، مسرعاَ وكأن جميع شياطين العالم تلاحقني، وثلة من الأطفال تتبعني مهتدية بخيط الدم الذي بدأ يرشح من أسفل الكيس، وسحابة من الغبار المتناثر من قدميَّ السريعتين تفصلني عن المطارِدين الذين عجزوا عن اللحاق بي، فعادوا أدراجهم ، إلى أن وصلت الدار لاهثاً تعِباً.
وضعتُ الكيس أمام جدتي – فرحاً بإتمام المهمة -،- والدم مازال يقطر منه، ، تحسَّسَت جدتي الكيس بلطف، ثم فتحَتْهُ ونظرتْ داخله. وجمت جدتي،، راوَحَتْ نظرها بيني وبين الكيس،، نظرت إليَّ نظرة كسيرة ودمعتان تقفزان من عينيها، ثم تمتمت بلغتها الشركسية التي لا أعرف منها حرفاَ واحداً، وأطالت التمتمة، وعندما لم أجبها بشيء، صاحت بي بصوت عالٍ جمع أهل الدار كلهم: ” يا حمارة، ألا تفهمين، قلت لكِ أن تأخذي الديك لتذبحيها وليس الدجاجة “. عندها فقط أدركتُ أن اللغة العربية (المكسّرة) التي تتكلمها جدتي – وليس فقط طمعي في وجبة شهية من لحم الدجاج – هي التي كانت السبب في إزهاق روح (المحروسة) المسكينة.
Sunday, July 1, 2012
زمن العجبِ
في زمن العجبِ
أتسكّعُ فوق الأرصفةِ المسكونةِ بالوَهَنِ
أعرض عقلي وكتاباتي للبيعِ
بأبخس ثمنِ
أخجل أن أتذكّر عمّن ولمن كنت أسطّرُ
(أكوامَ الأدبِ ( العفِنِ
أتأبَّطُ ممحاتي، أمسح من ذاكرتي كلماتِ الوهمِ
وعهرَ الزمنِ
(أخشى أن تضبطني في حالة ( وعيٍ وطنيٍّ
(أزلامُ ( السِّلمِ
وأفرادُ الأمنِ
(أتمرّغ في حلّ ( سلميٍّ
أحلم بالطّلقة والكفنِ
=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+
انقلبتْ كلُّ الأشياءْ
فالواحد منّا يفعل ما شاءْ
ولهذا يا هذا ، ، ، افعل ما شئتَ
ولا تخش حُكمَ الأيامْ
اعملْ سمساراً بعمولةْ ، اسرق قوتَ الأطفالِ
وأرزاق الأيتامْ
شرّق ، غرّب ، عش في الأحلامِ
وقطّع في الأرحامْ
اعمل قوّاداً في ماخورٍ
كُنْ زير نساءٍ مُتَصَعْلِكْ
هرّبْ ما شئت من الأموالٍ المسلوبةْ
كنْ ألعوبةْ
اسرقْ وانهبْ ، حشّشْ واكذبْ
اقتلْ وافتكْ ، افعلْ واتركْ
لكن … لا تُشهرْ قلماً مجنوناً
يفضحُ خوّاناً متهتّكْ
واقطع عهداً: ألاّ تكتبَ للوطنِ قصيدةَ شِعرْ
واركعْ يا هذا … اركعْ واحنِ الرأسَ
ومرّغْ أنفكَ … وارهِنْ نفسكَ
عند طواغيت العصرْ
+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=+=
كلُّ الأشياء انقلبتْ
قِيَمٌ ظهرتْ ، أخرى انقرضتْ
أضحى إرهابياً من يتحدّثُ عن زمن الثورةْ
صارت صُوَرُ الشهداء بقايا ذكرى
وُئِدَتْ أحلامُ الأسرى
وزهورُ الفرحةِ … لم تزهرْ
وتوارى قمرٌ… لم يقمرْ
فتحسّ بكابوسٍ وحشيّ يغزو عقلكْ
ينهش قلبكْ
وحشٌ أحمقْ
والطوقُ على عنقكَ
يصبحُ أضيقْ ، أضيقَ أضيقْ
فاسألْ نفسكْ
ماذا تملكْ ؟
وانظر حولكْ
ماذا تبصرُ إلاّ الظلمةْ ؟
فاقرأ فاتحة الرحمةْ
واحزمْ أمركْ ، واخترْ قدركْ
أو بيديكَ … تحفرُ قبركْ
Subscribe to:
Posts (Atom)