Thursday, December 29, 2011

?هل نحن أمة واحدة

لا نستطيع بسهولة أن نتهم أساتذتنا الأفاضل بأنهم قد ضحكوا علينا، (إذ ربما كانوا  هم أنفسهم مضحوكاً عليهم " ولكن لا يعلمون")، فقد علّمونا بأن الأمة العربية ترتبط بروابط من التاريخ واللغة والدين  والعادات والتقاليد والمصالح المشتركة، كما أن الوطن العربي يحتل موقعاً متميزاً بين قارات العالم، أعطاه ميزات استراتيجية تفرد فيها ، وتميز بها على جميع ما عداه من الأوطان، علاوة على تمتعه بتكامل اقتصادي تام ، بحيث لا يحتاج أبناؤه إلى شيء من غيرهم من الأمم. 
لكن عندما شببنا عن الطوق ، ونظرنا حولنا، صُعِقنا للحالة التي وجدنا عليها الوطن والأمة، تلك الحالة التي لا تُفرِح صديقاً ولا تُغيظ عدوّاً. فإذا ما تمكن العربي من زيارة بلد عربي آخر- هذا إذا مُنح التأشيرة ولم يكن من المسجلين على القائمة السوداء-، فإنه لا يستطيع التفاهم مع " أخيه العربي" باللهجة العامية"، إلاّ إذا استخدم اللغة الأولى "الفصحى" (مع ملاحظة أن معظم "المثقفين" العرب لا يجيدون التحدث باللغة العربية الفصحى).
 أما العادات والتقاليد فتختلف عندنا من قرية إلى أخرى، فما بالك من قطر إلى آخر، أما على المستوى الديني، فيندر أن تجد بيننا من يتجرأ على القول بأننا قد أصبحنا منقسمين عمودياً وأفقياً إلى مئات الملل والنحل حتى داخل المذهب الواحد، أما المصالح المشتركة فقد تحوَّلت لتصبح ثنائية بين القطر العربي والدولة العظمى التي كانت تستعمره، بحيث وصل التطابق في المصالح المشتركة حدّ طلب بعض الدول العربية الانضمام إلى تكتلات غربية كانت تعتبر معادية إلى فترة قريبة، أما الموقع المتميز الذي دُرِّسْنا عنه الكثير، فقد بدا أنه موقع متميز لمصلحة الدول الكبرى، فامتلأت الأرض العربية بالقواعد الأجنبية، وارتبطت أنظمتها السياسية بالمعاهدات الدفاعية، التي تعطي الدول الكبرى ميزة التحكم بموقعنا" المتميز".
 وفي الحديث عن التكامل الاقتصادي: كم هو مخجل أن نعلم أن التجارة البينية بين الدول العربية لا تتجاوز 10% من حجم التجارة العربية، والباقي مع الدول الأجنبية. نعم، الوطن العربي كتلة اقتصادية متكاملة، فقط بمعنى أن الدول الأجنبية تستطيع أن تحصل منه على جميع ما تحتاج إليه من بترول وغاز ومواد أولية ليس اليورانيوم أولها ولا الفوسفات آخرها، ولنا أن نتخيل" عظمة " اقتصادنا" عندما نعلم بأن الدخل القومي لبلد مثل إسبانيا (التي لا تُصنف على أنها من الدول العملاقة) لعام 1993 قد زاد عن الدخل القومي لجميع الدول العربية بحوالي 30 مليار دولار، أما العقول المهاجرة (وهي بالفعل مهجّرة)، فقد " فرَّت من قَسْوَرَة " وأعطت طاقات هائلة إلى الحضارة الغربية، التي عرفت كيف تستفيد منها إلى أقصى حد. 
لأساتذتنا علينا واجب التنبيه والتصحيح  كنوع من رد الجميل، إذ ربما ما زالوا مُضلَّلين، وعلى  قناعاتهم السابقة التي نشّأونا عليها مستمرين، إلاّ إذا كانوا يتحدثون عن الوطن العربي عندما سيصبح دولة واحدة، فإن كلامهم لا شك فيه، ولا يرقى الباطل إليه من خلفه ولا من بين يديه، ولكن هل بقي بيننا من يجرؤ على المطالبة بالوحدة العربية الحقيقية الفورية الاندماجية، بلا مواربة أو نفاق أو ازدواجية؟.

Tuesday, December 27, 2011

الفلسطينيون: هل هم عرب

في بلد عربي ( عريق ) تعيش مجموعات من الكائنات الحية في مخيمات وضيعة للاّجئين، بلا ماء "رُبع نظيف" أو هواء " نصف عليل" أو دورات مياه " ثلاثة أرباع المحتشمة "أو مجارٍ صحية" صحية !، يتكدسون كالذباب في علب صفيح أكثر راحة منها علب السردين. يُمنعون من العمل ومن توسيع منازلهم أو حتى صيانتها، ولا يُسمح لهم إلاّ بالتزاوج والتكاثر فقط، (بانتظار صدور قانون يحرم ذلك). باختصار: هم يحيون دون خط الكرامة الإنسانية، وتنفّذُ بحقهم جريمة كاملة الأركان عن سبق إصرار وترصُّد، لم ولا ولن يجرؤ أحد على إدانتها أو تجريم الذين يقومون بها. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لاتقوم هذه الكائنات الحية المحاصَرة بالهجرة إلى سريلانكا وبنغلاديش أو حتى زيمبابوي، فتحصل على جنسية إحدى تلك البلاد، ثم تعود على هيئة بشرٍ معززين مكرمين للعمل في بلد الأرز، الذي لم يعززهم أو يكرمهم في يوم من الأيام، رغم أن معظمهم كان قد وُلِد على أرضه " الطيبة "؟ . الأمم العريقة تحتمل المكاره والمصائب، وهل هنالك  مكروه أكبر أو مصيبة أسوأ من هذا الوضع؟، فَأَكْبِرْ بها من أمة عظيمة ! " تحتمل أن  تمارس بنفسها احتقار أبنائها، وامتهان كرامتهم الإنسانية إلى هذه الدرجة المخجلة ! ! 

Saturday, December 24, 2011

لَيتَنا لَنا ليلى

أُعْجَبُ - رغماً عن أنفي - بتلك القِوى الكبرى التي استطاعت، وبكفاءة نادرة، أن تخلق كياناتٍ عربية لم يكن أحد يسمع بها قبل سنوات قليلة، وأن تمدها بوسائل الحياة والنمو التي تفتقر إليها أصلاً، وذلك لحاجتها إليها في تفتيت المنطقة العربية ، وترسيخ المصالح الغربية رغماً عن إرادة شعوبها، وفي الوقت نفسه تمكنت هذه القوى الكبرى نفسها من تفتيت وتهميش وإلغاء شخصية كيانات عريقة، تضرب بجذورها آلاف السنين في عمق التاريخ، وذلك عن طريق التدمير بالأسلحة المتطورة تارة ، والحصار الاقتصادي، والحظر الجوي تارة أخرى، والغزو العسكري أخيراً. وهكذا، ففي الوقت الذي يتجه فيه عالم الشَّمال إلى تكوين الكيانات الكبيرة والتجمعات الواسعة بين دُوَلِهِ، يتجه هذا الشمال نفسه إلى خلق ودعم وتنمية الكيانات المصطنعة، واختراع الدويلات الصغيرة في عالم الجنوب، خدمة لمآربه ومصالحه، وله في ذلك الحق كل الحق، لأن كُلاً يغني على لَيْلاه، وبالتالي فما هو ذنب أهل الشمال  إذا لم يكن لدينا، نحن أهل الجنوب، " ليلى" نغني عليها ولَهَا ..

Friday, December 23, 2011

من دفع "سيلفا كير" إلى زيارة إسرائيل


     للذاكرة قدرة عجيبة على القفز في الزمان والمكان، فربما أعادتك رائحة وردة إلى زمن الطفولة، أو أعادك منظر طبيعي إلى سن المراهقة، لكن لهذه القدرة نوبات ترح وجولات فرح، ومهما أوتي صاحبها من قوة الإرادة، فلا يمكن له أن يتجنب تداعياتها السلبية أو الإيجابية مهما فعل.
    فمشهد "سيلفا كير"، رئيس دولة جنوب السودان الفتية !!!، وهو ينزل سلم الطائرة في مطار اللد، في فلسطين المحتلة، يركل ذاكرتك كي تعود بك إلى الوراء لأكثر من ثلاثين عاماً، يوم أن هبط أنور السادات سلم الطائرة في نفس المطار في اليوم التاسع عشر من نوفمبر عام 1977. يومها شعر العرب بأنهم طعنوا في الظهر من قبل رئيس الدولة التي كانوا يعولون عليها في نهضة عربية تجمع شمل أمة ممزقة، تفتش عن نفسها في أدراج قوى غربية مزقت أرضها، وشتتت شعبها في دول متنازعة متناحرة.
    غير أن شعورنا تجاه الزائر الأفريقي الجديد، يختلف عن ذاك الذي شعرنا به تجاه الزائر العربي القديم، ففي الوقت الذي صُبَّت فيه اللعنات على أنور السادات، لم أجد ما أصبه على "سيلفا كير"، بل اتجهت مشاعري ضد من كان السبب في تفتيت السودان، ذاك الذي تسلط على حكم السودان منذ اثنين وعشرين عاماً، إنه عمر حسن البشير، ذاك العسكري الذي انقلب على نظام حكم ديمقراطي، فاغتصب السلطة، وتمحك بالإسلام مستغلاً مشاعر شعبه المشهور بتدينه.
    هذا "البشير" حاكم مرتشٍ، أخذ من أكبر دولة خليجية مبلغ 50 مليون دولار مقابل تسليمه المناضل العالمي "كارلوس" إلى فرنسا، ذاك الذي كان قد التجأ إلى السودان بعلم حكومته، لكن عندما خشخش الدولار، نسي البشير المتأسلم الآية الكريمة التي تحض على إجارة حتى المشرك، فضرب بها عرض الحائط، وسلم من استجار به إلى القضاء الفرنسي، الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة.
    هذا "النذير" قرر تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، فكانت النتيجة أن انتشرت في السودان جميع الموبقات التي يحرمها الإسلام من انتهاك لحقوق الإنسان وخمور ودعارة ورشوة، لكن مأساة نظام هذا الديكتاتور لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصل به الغباء إلى حد فرض تطبيق الشريعة الإسلامية على جنوب السودان، ذلك الإقليم الغني بثرواته المهملة، وتعدد الأعراق والأديان فيه، مما دفع الناس هناك إلى تكوين جماعات مقاتلة ترفض تطبيق شريعة لا تؤمن بها، وتدافع عن حقها في تطبيق شرائعها وعاداتها وتقاليدها،،، فعل النظام السوداني ذلك وهو يعلم تمام العلم أن النتيجة ستكون انفصال الجنوب، خاصة وأن نوايا إسرائيل والشركات الغربية الاحتكارية كانت تنتظر هذه الفرصة، فمنحها الديكتاتور إياها على طبق من ذهب، وبينما كنت أفكر في كتابة هذه الخواطر، طرأت على بالي فكرة تشبيه تطبيق الإسلام بسكين المطبخ، ، ، بها يمكنك أن تزهق حياة رجل، وبها يمكنك أن تقطع لحم عجل. 
    منذ مدة، شاهدت تقريراً تلفزيونياً كان يتحدث عن أكاديمية أمريكية من أصل عربي، كلفت طلابها بتحري تأثر الدستور الأمريكي بتعاليم الإسلام، وكانت المفاجأة التي توصل إليها الطلاب أن مكتبة "توماس جيفرسون"، رئيس اللجنة الخماسية التي كلفت بوضع الدستور الأمريكي، كانت تضم بين كتبها ترجمة دقيقة للقرآن الكريم، فكان من أهم بنود الدستور أن الناس متساوون بغض النظر عن اللون والعقيدة، إلى غير ذلك من القيم التي حض عليها الإسلام، ومع تقدير الباحثين إلى تأثر واضعي الدستور بالحركة الفكرية في أوربا، فإن المفاجيء كان أن الدستور الأمريكي نص على ضمان حق المواطنين في ذبح بعض أنواع الحيوانات إن كانت عقيدتهم تتطلب هذا النوع من الأضاحي، كجزء من عباداتهم، وفي هذا إشارة واضحة إلى أضاحي المسلمين في عيدهم الأكبر، والمراجع لبنود الدستور الأمريكي لا يستبعد هذا الاستنتاج الموثق علمياً، لذلك، ومنذ وضع الدستور الأمريكي، يتمتع كل من يعيش على الأرض الأمريكية بحقوق لا توجد حتى أقل منها بكثير في أكثر دولة إسلامية تدعي تطبيقها للإسلام. هذه هي السكين التي تقطع لحم العجل لكي تقيت الجوعى، أما السكين التي تقتل حتى الأوطان، فهي تلك التي استخدمها النظام السوداني لتقطيع أوصال الوطن السوداني، وذلك بتطبيق غبي لأحكام الشريعة على غير معتنقيها، وإن كان في الأمر عبرة، فهي إلى أولئك الذين لا يفرقون بين قتل الرجل، وتقطيع لحم العجل.
    لا أعتب على "سيلفا كير" أنه زار إسرائيل، بل أعتب على الغبي الذي دفعه إلى ذلك.
ملاحظة:  أنور السادات، الذي زار إسرائيل، وعمر حسن البشير،الذي دفع "سيلفا كير" إلى زيارة إسرائيل،  ضابطان عسكريان. ألا شاهت الوجوه.
23 ديسمبر 2011   

Saturday, December 17, 2011

نبوءة تحققت

في كتابي ( كلمات لها ظلال ) المنشور عام 2000 في القاهرة، كتبت الخاطرة التالية، فهل كانت نبوءة تحققت، أم قراءة جيدة للواقع السياسي؟؟؟:
((من مهازل القدر والسياسة ( علم المصالح )، أن شهدت بدايات القرن العشرين تحالفاً بين القومية العربية والحركة الصهيونية لضرب القومية التركية (اتفاق فيصل - وايزمان 1919 )، بينما تشهد نهاية القرن نفسه تحالفاً بين القومية التركية والحركة الصهيونية لضرب القومية العربية (الاتفاق التركي-الإسرائيلي ). هل يمكن أن يكتمل مثلث المصالح هذا، فنشهد مع بدايات القرن  الحالي ، الحادي والعشرين ، تحالفاً بين القومية العربية والقومية التركية ، لضرب الحركة الصهيونية ؟... هذا هو النموذج الحقيقي لعلم المصالح)).

Thursday, December 15, 2011

"مفهوم "الوسطية


    لمذهب "الوسطية" بالمطلق بريق خداع لا ينبغي لأحد الوقوع في شراكه دون تمحيص وتدقيق، فربما كان الفلاسفة اليونانيون هم أول من توصل إلى استنتاج أن الفضيلة هي وسط بين رذيلتين (إذ أن الشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والكرم وسط بين الإسراف والتقتير، والصدق وسط بين الكذب والصراحة المطلقة)، غير أن هذه "الوسطية" تبدو هزيلة متهافتة أمام قيم وأفكار كثيرة نؤمن بها، وتصطدم بممارسات درجنا عليها وآمنا بها، فهل هناك وسطية في حب الله ورسوله والصلاة والعدل؟، وهل هناك وسطية في العطف على من يستحقونه من الفقراء والمساكين وابن السبيل؟، وهل هناك وسطية في فعل الخير؟ وهل هناك وسطية في الأمانة وإغاثة الملهوف؟، إلى آخر ما هنالك من الأمثلة التي تبدو الوسطية فيها تقصيراً، والتطرف فيها مستحباً، بل وواجباً في معظم الأحيان. أيضاً، فكما أنه ليس للخير وسطية، فكذلك ليس للشر وسطية، إذ لا وسطية في القتل أو الكذب أو السرقة.
    وربما كان من بين دوافع المسلمين إلى تبني مذهب "الوسطية" - دون تدبر -، الآية الكريمة التي تقول "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " دون أن يكملوا الآية، والتي تقول: " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا – البقرة 143"، فالوسطية هنا تعني أن الدين الخاتم، دين الإسلام، قد احتوى الشرع الذي ارتضاه الله للبشرية حتى قيام الساعة، لذلك وُكِّلَ المسلمون - الحقيقيون منهم فقط - أن يشهدوا على الناس التزامهم بتعاليم السماء، واتباعهم شرع الله، ويوم القيامة يكون الرسول – كما في نص الآية – شهيداً على المسلمين، فيما إذا التزموا بهذه المهمة أم لا، فالوسطية هنا هي موقع زمني بين: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا – المائدة 3 –"، وبين مشهد يوم القيامة " ويكون الرسول عليكم شهيدا – البقرة 143 -"، ولا يبدو في هذه الوسطية أنها تتعلق بممارسات المسلمين العبادية ، بمقدار ما تتعلق بقياس ممارسات الآخرين على ما يعتنقه المسلمون من دين سماوي حنيف، ومن البديهي أن ذلك لا يعني الوصاية على الآخرين فيما يفعلونه، بقدر ما يعني أن يكون المسلم الحق أمثولة ومثلاً يقتدي به الآخرون.
    " الوسطية "، بمعناها الشرعي، مهمة شاقة ملقاة على عاتق المسلمين، وردت في النص المقدس، ومراعاتها بدقة من أوجب واجبات المسلم الحق. 

Tuesday, December 13, 2011

شرفُ السياسي


  
عندما يُخِلُّ عسكري بواجباته، نطعن في شرفه العسكري، وكما للعسكري شرف يُطعن فيه، فكذلك للسياسي شرف عليه أن يحافظ عليه من الطعن، واليافطة التي حملها أحد متظاهري الثورة السورية السلمية الحالية كانت تقول: (لا هو نبيل ولا هو عربي)، وفي هذا توصيف بليغ لموقف الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي يحرص على راتبه بالدولار أكثر من حرصه على الدم السوري، فلو كانت لديه ذرة من نبل أو عروبة لقدم استقالته من منصبه، فكسب حب واحترام الجماهير العربية، ولسجل موقفاً تاريخياً يكتب له بحروف من فخار، ولكنّها الدنيا بزخرفها، التي تُخضع رقاب القلة من الذين يدعون الوطنية والشهامة. استمرار نبيل العربي في منصبه كأمين عام لجامعة الدول العربية، خطيئة سوف يحاسبه عليها التاريخ، وانصياعه لإملاءات النظام السوري، وتجاهله شلال الدم النازف من السوريين، هو خنوع مذل مهين لرجل عُرِف - سابقاً - بتاريخه النظيف، لكنا هو الدولار الذي لا يُعِز، بل يذل من يشاء أن يُذَلَّ بمحض إرادته. 
الجامعة العربية كانت، وستبقى، مقبرة وزراء الخارجية المصريين، فلا رحمة عليهم، ولا غفران لهم

Monday, December 12, 2011

نصف الكلام




هو: - آلو . .  مساء الخير . .
هي: - .......................................
هو: - خمّني من المتكلم . .
هي: -  ................................
هو: - هل عجزتِ ؟
هي: -  .................................
هو: - وهل سوف تعرفينني لو قلت لك يا ملكة الكلية ؟ .
هي: -  .............................................
هو: - نعم أنا بشحمه ولحمه ، وهل تغير صوتي إلى درجة أنك لم تستطيعي التعرف عليّ ؟ .
هي:.....................................................................
هو: - ذلك ليس صعباً ، فقد حصلت على رقم هاتفك من صديق مشترك ، واحد من أفراد   الشلة ، سقى الله تلك الأيام .
هي: -  ...........................................
هو: - نعم هي عشر سنوات بحالها منذ افترقنا ، إنه الزمن يا صديقتي يلعب بنا كما يشاء . .
هي: -  .....................................................
هو: - نعم أنا معك ، إرادتنا حرة ولكن إلى حد ما ، وبعدها يكون للمقادير اليد الطولى في تحديد مساراتنا ، ألم يقل الشاعر، - وأعتقد أن اسمه ابن فارس اللغوي -:
     مشيناها خُطىً كُتبت علينا     ومن كُتبت عليه خُطىً مشاها
هي: - ..................................................
هو: - كنت أظن ذلك ، كنت أعتقد أن لا شيء يحدُّ الإرادة ، لكن الأيام والليالي علمتني غير  ذلك . هذا ليس مهماً ، المهم ما هي أخبارك وأحوالك ؟.
هي:.................................................................................
هو: - عظيم . .
هي:....................................................................................
هو: - عظيم ثم ماذا بعد ذلك . .
هي:................................................................................................................................................................................................................................................................
هو: - مستحيل ، لا تقولي هذا . .
هي: ............................................................
هو: - ببساطة لأننا تواعدنا أن نكون لبعضنا مهما طال الزمن.
هي:..........................................................................
هو: - كلا ، والله لم أهرب من وعودي لك ، فأنت تعلمين أن عمي كان قد توفي يومها في   كندا ، وكنت وريثه الوحيد ، وكان لابد أن أسافر إلى هناك على عجل لكي أنهي معاملات الإرث ، لقد كان رحمه الله غنياً إلى الحد الذي استغرق حصر تركته وقتاً طويلاً ، شركات وأملاك تعب في جمعها على مدار ثلاثين سنة أو يزيد ، دون أن يرزق بولد يرث عنه كل ذلك ، فآل كل شيء إليّ بإرادة الله ، ألم أقل لك إنه الزمن الذي يلعب لعبته بمهارة وحذق  . .
هي:......................................
هو: - كلا ، أكيد لم يستغرق ذلك كل تلك السنوات العشر ، ولكنه الزمن يا عزيزتي أصبح يأكل أعمارنا بالجملة ، أصبح يغرف منها بالشهور والسنوات بعد أن كان يقنع منها بالأيام  والأسابيع ، العمر فقد البركة يا عزيزتي ، فقد البركة كباقي الأشياء، ولكن كيف هي عائلتك ؟
هي:......................................................................................
هو: - رائع ، ربنا يحميهم لك لتقر عينك بهم ، والوضع المادي ، ، فهمت أنه جيد والحمد لله .
هي:..............................................................................................................................
هو: - وهل تشاركين زوجك في إدارة أعماله ؟
هي:......................................................................................
هو: - يا الله ، ومتى كان ذلك ؟
هي:....................................
هو: - رحمة الله عليه والبقية في حياتك وحياة الأولاد ، ، وكل هذه الفترة وأنت تخوضين هذا النضال المرير لجعل أعماله التي تعب في تأسيسها تستمر بنفس النشاط والنجاح ؟ .
هي:.................................................................................................................................................

هو: - أنت تستحقين كل شيء جميل في هذه الحياة لأنك تشعين جمالاً على كل ما يحيط بك ، هكذا كنت ، وهكذا سوف تبقين .
هي:.............................................
هو: - والله ليست مجاملة ، ، لك أن تعلمي أنك كنت معي في غربتي على الدوام ، طيلة تلك السنوات لم يكن لي سوى عملي طوال النهار ، والتفكير بك طوال الليل ، طيفك هو الذي كان يؤنس قسوة غربتي ويخفف وحشة وحدتي ، والله لقد كنت معي على الدوام طيلة تلك السنوات الطوال .
هي:..................................................
هو: - كلا بل أنا في رحلة استجمام ، ، ولا أُخفيكِ ، قصدت منها قبل كل شيء البحث عنك بعد الوجد والتعب الذي عانيت منه منذ غيابك عني ، ، غير أن الأمور لم تسر على ما يرام ، ، فبعد وصولي بأيام شعرت بآلام شديدة في أسفل الظهر، فراجعت طبيباً حوّلني إلى مستشفىً تخصصي ، ، وأرجو ألا يشغل هذا بالك ، فأنا أكلمك الآن من هناك ، من المستشفى .
هي:........................................................
هو: - لا ، لا ، لا بأس لا بأس ، رجاء لا تشغلي بالك بهذا الأمر ، فأنا على ما يرام ، ( يتابع بيأس ) على الأقل حتى الآن .
هي:.........................................................
هو: - لا ، لا أعتقد أن العلاج بالأدوية سوف يؤدي إلى الشفاء ، لا بد من العملية الجراحية وهي كما يقول الأطباء معقدة إلى حد ما ، عن إذنك لحظة واحدة ، ، ( لا يغلق لاقط الهاتف ) ويتابع : أهلاً دكتور مساء الخير، هل حُلَّتْ مشكلة ترتيب دفع أجرة العملية والمستشفى ؟ . . . ولكن يا دكتور أنا دَرَجتُ على استعمال هذه البطاقة حول العالم دون أية مشاكل ، فلماذا ترفضون قبولها ، وكيف لي أن أنتظر تحويل مبلغ العشرين ألف دولار من كندا متحملاً مخاطر الانهيار الصحي ، هل حياة الناس مزحة في بلدكم  يا دكتور ، ، ألا ترى أنك تهدد حياتي بالإصرار على استلام المبلغ قبل إجراء العملية ، يا أخي إجرِ لِيَ العملية  واحتجزني في المستشفى إلى حين وصول المبلغ ، ، هذا ليس بالمبلغ الباهظ لقاء إنقاذ حياة إنسان . .
هي:.........................................................................
هو: - كلا ، كلا ، لا تشغلي بالك دعيني أحاول إقناع الدكتور ، ، أرجوك يا دكتور حاول مع إدارة المستشفى . . . . . . . . إذاً لا حل سوى بدفع المبلغ ، شكراً جزيلاً لكم يا دكتور على هذا الاستهتار بحياة الناس . ( بانكسار واضح يتابع . . ) لا عليكِ ، لا عليكِ ، سوف أتدبر أمري وأحاول تأمين المبلغ ، ولكن من أين ؟ من أين ؟ .
هي:.................................................................
هو: - مستحيل ، مستحيل ، بعد كل هذا البِعاد أجيء إليك اليوم لكي أحمّلك دفع هذا المبلغ من أجلي ، ، لا ، أبداً لن أرضى بذلك
هي:....................................................................
هو: - مستحيل ، مستحيل ، ،
هي:...................................................................
هو: - حَسَنٌ إذاً ، ، لكن بشرط أن تأخذي مني شيكاً بالمبلغ أو إيصال أمانة أيهما تفضلين .
هي:..................................................................
هو: - عفواً سيدتي ، هكذا يقول الشرع والقانون والمنطق ، هذه حقوق الناس ولا يمكن الاستهتار بها أبداً ، أنا أفترض أسوأ النتائج : ما ذا لو مت أثناء العملية الجراحية ، ما الذي سيحفظ لك حقك ؟ إن لم تقبلي بأخذ الشيك أو إيصال الأمانة فأنا أعتذر بشدة عن قبول المبلغ منك مهما تكن النتيجة .
هي:................................................................
هو: - حسن ، لأجل عينيك سوف أقبل أن أستدين مبلغ العشرين ألف دولار منك ، فقط لأنني أريد أن يكون هذا مؤشراً حقيقياً على عودة علاقتنا الرائعة التي حكم عليها الزمن بالقطيعة عشر سنوات كاملة ، عشر سنوات كانت قاسية على قلبي ، يا ملكة قلبي قبل أن تكوني ملكة الكلية . 
هي:..................................................................
هو: - حاضر سيدتي ، فقط لمكانتك الكبيرة عندي ، واعذري صراحتي ، ، بسبب الحب الكبير الذي ما زلت أحمله لك في قلبي ، لأجمل ملكة في الكلية ، ، ، ولكن أين هو عنوانك حتى أحضر إليك فوراً لاستلام المبلغ ، إن كان متوفراً معك الآن ؟ .
هي: - انظر إلى الطاولة التي خلفك ، فإن استقر نظرك مكانه فسوف تراني ، ، يا نصّاب .

          وانسلَّت صحبة صديقتها من المقهى غاضبة ثائرة ، بينما دفن هو رأسه في غياهب  خيبته .

Tuesday, December 6, 2011

احذر، أمامك حقل اتهامات دينية



    ذاك الذي يتجاوز حدود لافتة كتب عليها ( احذر، أمامك حقل ألغام ) هو واحد من ثلاثة: إما أمي لا يقرأ، أو يائس يبغي الانتحار، أو أحمق، وبما أنني لست واحداً من هؤلاء الثلاثة، فسوف أتجاوز تلك اللافتة التي كتب عليها (احذر، أمامك حقل اتهامات دينية)، هذه الاتهامات التي يسهل على الكثيرين توجيهها، دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة التمحيص والتدقيق والتحقق مما هم بصدد صياغته وتوجيهه كتهمة.
    لا شك أن للدين – أي دين - عند أصحابه قداسة تصل بأتباعه إلى حد تحريم الاقتراب منه بالنقد أو التجريح، حتى ولو كان اقتراباً لا يمس الجوهر بحال من الأحوال، إذ لا يحق لأي كان أن يناقش نصوصاً يؤمن أصحابها بقدسيتها وكمالها، وهذا ليس بمستنكر على المتدينين، فحتى أصحاب العقائد السياسية والاقتصادية والاجتماعية يقيمون سوراً من التحريم حول مناقشة آراء زعمائهم التي صاغوها في نظريات وعقائد مختلفة، فمن ذا الذي يناقض الشيوعيين في مقولات ماركس وأنجلز ولينين؟، ومن ذا الذي يجرؤ على الخوض في مشروعية شعار البعث (وحدة، حرية، اشتراكية)؟، هذا مع الوضعي، فما بالك بالديني ذي القداسة.
    الموضوع الذي أطرقه الآن لا يتعلق بالدين، بل بالتديّن والمتدينين، فإذا كان الدين منة إلهية على البشر - يمتاز في جوهره بالكمال والتمامية، غير قابل للنقاش والجدل –، فإن التدين  صناعة بشرية بامتياز، يجهد المرء من خلالها إلى الاقتراب من المثل الديني الأعلى، وأنّى له ذلك،وبهذا فإن التدين(الذي هو صناعة بشرية قابلة للخطأ والصواب) هو مسألة شخصية بحتة، ينبغي ألا تكون قابلة للنقد والتجريح، لذا فإن ما أرمي إليه هنا ببساطة يدور حول فكرة أن المسافة الضيقة جداً، التي تفصل بين الحرية الدينية والديمقراطية الدينية، تسمح بتماهيهما بحيث يختلط الأمر على الناس، فيحسبونهما أمراً واحداً، وهما ليستا كذلك، ولذا تحتاج هذه الفكرة إلى مدخل يوضحها.
    لا شك أن هناك خلطاً مريعاً بين (الحرية الدينية) و(الديمقراطية الدينية)، فالأولى تعني حرية المرء في اختيار دينه، حتى لأولئك الذين ورثوا دينهم بالولادة، هذه الحرية التي كفلها الله تعالى بنصوص لا تقبل الجدل ( قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر- الكهف 29)، (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة – هود 119)، (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسَكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم – المائدة 105)، هذه وغيرها من الآيات الكريمة تمنح المرء ملء الحرية لكي يختار، فالحرية الدينية بهذا المعنى هي مسألة شخصية بحتة، كفلها رب العباد للعباد، وبالتالي لا يحق لأحد التدخل فيها، ولا إنكارها على المتدين، ولا نقد أسلوبه في تديُّنه، فهي مسألة تتميز بالخصوصية بكل معنى الكلمة.
    أما (الديمقراطية الدينية) التي أقصدها هنا فلا تعني استفتاء الناس حول التزامهم بالنصوص الشرعية أو تغييرها إذا اقتضت الضرورة، فالنصوص ثابتة لا مجال للنقاش فيها أو حولها، وهنا تكمن الهنة التي يأخذها دعاة الدولة المدنية على المتدينين، الذين وضعوا أنفسهم في قارب الديكتاتورية عندما رفضوا قبولهم بالديمقراطية بحجة أنه لا ديمقراطية مع النص، وبذلك خلطوا خلطاً مريعاً بين الديمقراطية تجاه النص وتلك التي تجاه الناس، وهم بهذا قد وقعوا في حرج كانوا في غنى عنه، ولو تنبهوا إليه لشرحوا أنفسهم بشكل أوضح وأكثر إقناعاً ومصداقية، فإلزامية النصوص (أي ديكتاتوريتها) أمر منطقي ومشروع ولا خلاف عليه، إنما الخلاف على الذين يتجاهلون الآخرين، ويجعلون من رأيهم فيهم سيفاً مسلطاً على إراداتهم وقناعاتهم. 
    الديمقراطية التي أعنيها هنا هي وجوب التزام الناس باحترام بعضهم البعض في اختيار دينهم من جهة - وهذا أمر مقرر شرعاً وبالنص -، وأسلوب التدين الذي يتبعونه من جهة ثانية، وهي بالتالي تعني توقف البعض عن التدخل في ممارسة الآخرين دينهم التزاماً كان أم تفريطاً، إذ أنه يحلو للبعض التدخل في هذه الممارسات ومناقشتها ونقدها وتسخيفها، أو تصل إلى درجة تكفيرها، بل وحتى معاداة من يخالف بعض أحكامها، فهناك متنطح يسأل الآخرين:(هل تصلي؟)،(هل تذهب إلى المسجد في جميع صلواتك؟)، (لماذا لا تصوم  رمضان ؟) (هل تستطيع أن تنكر مشروعية تعدد الزوجات؟)، (هل تنفي أن الشرع يجيز ضرب الزوجة؟) (هل تدفع زكاة أموالك؟)  ( لماذا لم تذهب إلى الحج وأنت في هذه السن المتقدمة؟)، ( لماذا لا ترتدين الحجاب؟)، (هل تنكر مشروعية زواج المتعة؟)، وغيرها من الأسئلة ذات الطابع الاستفزازي، بحيث يضع السائل نفسه في منصب المسؤول عن تدين الآخرين وأسلوب ممارستهم هذا التدين، متذرعاً بحجة مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذلك المبدأ الذي يمكن أن يكون مقبولاً مع الطفل أو الجاهل، أما أن ينصب أحد نفسه مسؤولاً عن سلوك الآخرين البالغين العاقلين الراشدين وممارساتهم، فهو نقيض الديمقراطية التي أدعو إليها، والتي أدعي لنفسي ملء الحق بأن أسميها ( الديمقراطية الدينية).
    باختصار: اختيار الدين والتزام التدين وأسلوبه، قضيتان شخصيتان بالمطلق، لا يجوز لأحد أن يتدخل فيهما، ويجب أن يكون شعار المؤمن الحق الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسَكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )، فإذا كان رب العالمين لم يأمر المؤمنين بالتدخل في شؤون الآخرين، حتى الضالين منهم، لحثهم على الإيمان (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر- الكهف 29)، فما بالك بالتدخل في شؤون المؤمنين الذين اختاروا أسلوبهم الذي اقتنعوا به في التدين؟. الحرية الدينية والديمقراطية الدينية منتجان بشريان، يتعامل بهما الناس، ولا لزوم للتمحك بالخلط بينهما وبين النص المقدس من قريب أو بعيد.
    والآن، أنا متأكد من أنني قد لا أنجو سالماً من تهمة قد تنفجر بي في أية لحظة، بعد أن تجاوزت بكثير تلك اللافتة التي تقول: ( احذر، أمامك حقل اتهامات دينية ).
  ديسمبر 5-2011

Sunday, December 4, 2011



في أعقاب الحرب العالمية الأولى، دخلت القوات البريطانية مدينة القدس بقيادة الجنرال اللينبي، فكتب أحمد شوقي قصيدة بدأها بمناشدة اللينبي عدم استخدام العنف بحق أبناء المدينة وقال:
يا فاتح القدس خلِّ السيف ناحية     ليس الصليب حديداً كان بل خشبا
فقلت من وحي هذا البيت:
                             صرخة القـدس

          الجرح  ينزف والآهات تنفجر       والقدس تصرخ أين السيف ياعمـرُ
          مهابطُ  الوحي ما ذلّت مرابعها        عبر الزمان وما حلّت بها نـــذر
          بالمجد تفخر والأقصى يزينها         مسرى محمد والمعـراج والـذكـر
         عاش الهلال مع الصلبان في دعة   ترضـي الجميع وفيها الكنس تنتشر
          الديـن للّه والأوطان واحـدة             والكلّ يعبد لا جـور ولا ضــــرر
          حتى استفاقت وقد داست مساجدَها   جحافلُ الغزو لا تبقي ولا تــذر
          زانوا الصليب شعاراً فوق جحفلهم    بالحقد جاؤوا فطار الشرّ والشرر
          سبعون ألفاً قضوا فانهار كوكبهـا    قـد كان شمساً بـه الأديان تفتخر
          كم طفلة ذبحت فارتاع والدهــا         بين الدمار فزاغ  العقل والبصر
          أو حرمـة دنسـت فارتدّ راهبها          نحو السّماء لعون الربّ  يفتقـر
          قـد كبّلوها فلا حول يحرّرهــا             بغي الغـزاة عجيب ماكر خطر
          حتّى أتاهـا(صلاح الدين)في لجب     من مسلمـين شديد العنف ينفجر
          طلائع النّصر يا أهلاً بمقدمهــا         بالعــزم تزحـف  بالإقدام تنتصـر
          حلّت  كتائبهـا بالقدس فارتعدت        فرائص الروم وارتاعت لها الفكـر
          فحرروها وقد بانت نواجـذهـا               اللّه أكبر والأسـياف تـشـتهـر
          فـانزاح غمّ عن الإسـلام زعزعه          عـزم الرجال من الإيمان ينفطـر
          والآن عادت إلى الأغـلال تحرسها   مشاعل الظلم من صهيون تستعر
          ظلّت على الدهر ترفل في قداستها     واليوم ترسف في الأغلال تنتظر
          هانت عليكـم وكانت في تألّقهــا              كدرّة التاج للإسـلام تعـتـمر
           لو كان ينجـز*الاستسلام مطلبنـا     ما مات منّا شهيـد وانقضى الخبر
           ليس الكفاح شعاراً قط نرفعــه             إنّ الكفاح طريق شائك وعــر
           بالدمِّ  نكتب تاريخاً لعزّتــنـا             بالدّمع نمسح مأسـاة لهـا  عبر
           إنّ الشّهادة جسر سوف نعبره           للدّار يوماً فلا  تغتمّ  يـا قـمر
           يا منقذ القدس خلّ اللين نـاحية     فالقدس تصرخ أين السيف يا عمر
 *- تُقرأ موصولة مع لام ( الاستسلام ) هكذا: ينجزُ لِستسلام.

Friday, December 2, 2011

لماذا أخشى على فلسطين أن تتحرر



      لا يساورني الشك ولو للحظة واحدة بأن مقالتي السابقة المعنونة بـ (فلسطين التي أخشى أن تتحرر) قد سببت لي الكثير من العتب والملامة، فهل يعقل بعد هذه السنين من الغربة والعذاب والنضال أن يرفض عاقل تحرير فلسطين؟، وأنا هنا لست في معرض الاعتذار – لأنني لم أخطيء – ، ولا التبرير – لأنني غير متهم - ، ولا للتراجع عما كتبت – لأنني مقتنع به، بل إنني هنا لكي أثبت بالأدلة القاطعة – على الأقل في رأيي - بأنه لا يجب على عرب هذه الأيام (والمقصود بهم الأنظمة العربية الحالية) أن يحرروا فلسطين.
    بعد حرب 48 وهزيمة الجيوش العربية فيها وقيام دولة إسرائيل على أكثر من نصف أرض فلسطين، سُئِلَ ضابط عربي اشترك في تلك الحرب: "كيف هزم اليهود العرب مع أنهم سبعة جيوش عربية؟"، فأجاب: "هزموهم لأنهم كانوا سبعة جيوش عربية". وفي هذا السؤال وذلك الجواب توضيح رائع للموضوع الذي أنا بصدده. فالوضع العربي المتشرذم، والخلافات العربية – العربية، ومشاكل الحدود بين الدول العربية، لا يمكن لها بحال من الأحوال أن تنتج جبهة عربية متماسكة يمكن لها أن تتصدى لمهمة كبيرة كمهمة تحرير فلسطين. فكم من حرب قامت بين الدول العربية سفكت فيها دماء العرب بأيدي بعضهم البعض، ناهيك عن الخلافات الحدودية بين الدول العربية جميعها. كل ذلك لا بد أمر طبيعي، لأن الدول الاستعمارية الغربية هي التي خططت الحدود بين هذه الدول، وبدل أن تقوم الدول العربية بعد استقلالها! بمسح هذه الحدود عن الخارطة، فإنها تبنتها وحافظت عليها ودافعت عنها بشراسة.
    إذن رفضي لتحرير فلسطين هذه الأيام يستند بقوة إلى عدة أسباب:
1-            الدول العربية بوضعها الحالي مشلولة سياسياً، متنافرة فيما بينها، بل ومتناحرة، فهي أعجز من المشلول عن القيام بهذه المهمة.
2-             الوضع الحالي للدول العربية، والعاجز من جميع النواحي الاقتصادية والعسكرية، لا يؤهلها للتنطح لمثل هذه المهمة.
3-            لو قامت هذه الدول، أو إحداها، بمحاولة لتحقيق هذا الهدف وهي على هذه الحال من الضعف، فسوف تصاب بنكبة لا تقل عن حرب 1967، لذلك شكراً ولا داعي للمحاولة.
4-            لو حدث ضعف داخل الكيان الصهيوني لسبب ما، فرجحت كفة الدول العربية بوضعها الحالي وأشعلت الحرب منتصرة كلٌّ على جبهتها، فالنتيجة ستكون حتماً – كما أسلفت في المقال السابق – صراعاً عربياً – عربياً للاستحواذ على أرض فلسطين. ربما يقول أحدهم:" لكن استعادة فلسطين هي الأمر المهم مهما كانت النتائج"، هنا أذكِّرُ من يقول ذلك بأن سيوف العرب أمضى على رقاب بعضهم البعض منها على رقاب الآخرين، ولو أراد الدليل لقلت له: " هل ينسى أحد تهديد عبد الكريم قاسم بضم الكويت عام 1961، والضم الفعلي لها عام 1990، والذي انتهى بدمار الدولة العراقية، والحرب بين السعودية واليمن بعد قيام الثورة اليمنية عام 1962، والتي شاركت فيها قوى محلية ودولية، والمناوشات بين سوريا والأردن 1970، والحرب الليبية – المصرية عام 1977، وخلافات الجزائر مع المغرب بشأن الصحراء الغربية منذ عام 1975( الحدود الجزائرية – المغربية مقفلة منذ عقدين من الزمن، لكن الطريف في الأمر أن النقطة الحدودية بينهما تدعى" زوج بغال" وفي هذا توصيف لا بأس به!!!). هذا ما يتعلق بالعلاقات البينية بين الدول العربية، أما داخل كل دولة  فارجع إلى مذابح أيلول- سبتمبر الأسود 1970 في الأردن، حين اضطر الفلسطينيون إلى عبور نهر الأردن باتجاه فلسطين هرباً من الجيش الأردني، وتذكر – رعاك الله - حرب المخيمات في لبنان أعوام 1976(تل الزعتر تحت القصف السوري) وحرب المخيمات أعوام 1985-1986   ( مخيمات صبرا وشاتيلا والمية ومية والبداوي وبرج البراجنة تحت قصف مدفعية ومقاتلي حركة أمل المدعومة بالجيش السوري)، والحرب الداخلية بين الدولة الجزائرية والحركة الإسلامية في أعوام التسعينيات من القرن الماضي والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من الجزائريين)، وراجع خلافات العرب على الحدود بينهم في ملفات العراق والكويت، والمغرب والجزائر،وليبيا ومصر، والسعودية مع دول جوارها: الإمارات واليمن وعمان وقطر، إلخ.
5-             بدون قيام دولة الوحدة العربية ذات القيادة السياسية والعسكرية الموحدة، لا سبيل إلى الحديث عن تحرير أو محاولة تحرير فلسطين.
لا أشك بأن كل قاريء يستطيع أن يورد عشرات الأدلة المقنعة، والتي تدعم رأيه - المتفق معي - بخصوص: " فلسطين التي يخشى أن تتحرر".
 ديسمبر 2011.2