Tuesday, December 30, 2014

فشل محتّم

المطالب التي تضمنها مشروع القرار الفلسطيني - بلسان أردني - كان يمكن أن تكون قابلة للتحقق لو كان هناك جيش عربي موحد قوامه مليون جندي، وآلاف الدبابات، ومئات الطائرات يرابط على حدود فلسطين، مهدداً بتحريرها بالقوة إن استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو. أما في الوضع الحالي لدول (الطوق ،هههه) حيث دمر الدكتاتوريون العرب البلاد والعباد، وحيث وقعت الدول العربية معاهدات استسلام مع إسرائيل وتقيم معها علاقات دبلوماسية حميمة، ويطير طيران إسرائيل المدني من خلال معظم الأجواء العربية، فالمشروع الفلسطيني يصلح فقط لأنه يبلّه أبو مازن بالماء، ويعصر عليه ليمونة، ثم يشربه على الريق، عله يشحنه بقليل من الوطنية والشرف والحياء.
نقطة أخرى: طالما أن الفلسطينيين لا يتمكنون حتى الآن من تقديم المشروع إلى مجلس الأمن إلا من خلال المندوبة الأردنية في الأمم المتحدة، وذلك بعد عقود من التظاهر بكيان فلسطيني مستقل، فلماذا طالبت منظمة التحرير الفلسطينية - سابقاً - بأن تعتبر الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين وهي تعلم أنها أقل من ذلك بكثير؟، ولماذا لم تقبل قيادتها ببقاء الضفة الغربية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، ومن ضمن مسؤولياتها لاستعادتها؟.

Saturday, December 20, 2014

الثورة التي ليس فيها دم، ليست ثورة

صديق جزائري كان يقول لي: الثورة التي ليس فيها دم، ليست ثورة.
في ليبيا، فرغم أن القذافي المقبور قد سُحق، إلا أن أولاده الذين احتكروا ليبيا مع أبيهم الدكتاتور، ما يزالون بالأموال التي سرقوها من الشعب الليبي، يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فهم قد استقدموا التافه المتقاعد خليفة حفتر، الذي مكث في الولايات المتحدة عشرين عاماً، لأن يأتي اليوم بمساعدة نظام السيسي لكي يهاجم الثوار الليبيين من شرق ليبيا، أما أموال أبناء القذافي، فهي تحرك اليوم خمس دول أفريقية مما يطلق عليها (دول الساحل:موريتانيا، ومالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينافاسو) لكي تدعو إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة الثورة الليبية، ولا شك أن التحالف الذي يحارب داعش السنية في العراق هذه الأيام مستعد لكي يمد نشاطه إلى ليبيا لمحاربة السنة فيها كي يعود أبناء القذافي المقبور إلى حكمها، تماماً كما عاد رعيل مبارك والحزب الوطني في مصر بعد إجهاض ثورة يناير المصرية. 
صدق صديقي الجزائري عندما قال: الثورة التي ليس فيها دم، ليست ثورة. 

Thursday, December 18, 2014

المهزلة مستمرة

يبدو أن مهزلة أوسلو، التي أصابت القضية الفلسطينية في مقتل، والتي وقعت بليل، مازالت مستمرة إلى اليوم. فالمفاوضات حول مشروع طلب إنشاء الدولة والانسحاب الإسرائيلي إلى حدود أراضي 67 ما زالت بعيدة عن أنظار الشعب الفلسطيني، فهي حكر على الأربعة الذهبيين! من الشعب الفلسطيني، وكأنه ليس هناك سواهم: (محمود عباس الذي انتهت ولايته، ورياض المالكي وزير خارجية اللادولة، وصائب عريقات عرّاب التفاوض الفاشل لربع قرن، وماجد فرج مدير المخابرات الفلسطينية، ومفتاح التنسيق الأمني مع الإسرائيليين). أما باقي فصائل اليسار واليمين والوسط، فيبدو أنها رضيت برواتب سلطة أوسلو، فأقعت وخمدت أنفاسها، بينما أربعة فقط من الذين برعوا في التخابر مع الإسرائيليين، ومن الذين تكلست قلوبهم وعقولهم وإراداتهم، فباعوا أنفسهم لمؤامرة تنفي وجود الشعب الفلسطيني، هم الذين يقودون التفاوض، أي أن إسرائيل في المحصلة تفاوض نفسها بنفسها. مثلاً هل سيقبل هؤلاء بمنطقة أبو ديس عاصمة لفلسطين بديلاً عن القدس؟، لم لا، وهذا أقصى طموحهم، هذا إن استطاعوا أن يحققوه، وبعد أن يوقع هؤلاء الفرسان! على قيام دولة فلسطينية مسخ عاصمتها أبو ديس، هل سوف يطلق عليهم المؤرخون مصطلح (عصابة الأربعة)؟. لا شك في ذلك.
 أما من يراهن على انتفاضة فلسطينية ثالثة، فهو كمن يراهن على قيام الموتى من قبورهم. هل سيكون هذا القول حافزاً لقيام الانتفاضة الثالثة؟، هذا ما قصدته.

Wednesday, December 17, 2014

الأمر سيّان: أصحى، أم استمر في الشخير

هل صحيح القول:(أن تصحو متأخراً، خير من أن تبقى نائماً إلى الأبد؟):
الضمير الأمريكي صحى اليوم لكي يعترف بأن العقوبات التي فرضت على كوبا منذ نصف قرن لم تكن مجدية لأمريكا، بل إنها ساهمت في إيذاء الشعب الكوبي. وقياساً على ذلك، فإنه بعد نصف قرن من الآن سوف يصحو الضمير الأمريكي، فتعترف الإدارة الأمريكية بأن جرائمها في العراق، وتخليها عن إنصاف الشعب السوري - كونها عقيد الحارة وشرطي العالم - قد أدت إلى قتل ملايين السوريين والعراقيين، وتشريد ملايين أكثر منهم. إذن لا فائدة من الضمير الأمريكي أن يصحو  متأخراً، حيث لا تكون منه فائدة ترجى: أصحى، أم استمر ممعناً في الشخير.

مع الدكتور حسن نافعة

رسالة وضعتها على صفحة الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، تعليقاً على مقابلته اليوم على فضائية البي بي سي:

تحياتي: تابعت اليوم لقاءك مع البي بي سي العربي، وقد عجبت لذكرك سببين للانقلاب على الشرعية في مصر. أما بخصوص السبب الأول وهو تحصين الدكتور محمد مرسي لقراراته، فقد كان أمراً ضرورياً لتصويب الانحراف والفساد الذي ضرب مؤسسة القضاء المصري منذ حادثة دنشواي 1906 حتى اليوم (وهو التصويب الذي يقوم به أردوغان في تركيا)، وفي هذا الأمر لن أناقشك كثيراً.
 أما السبب الثاني الذي ذكرته سيادتك فهو تأييد الدكتور مرسي لـ (الإرهاب) في سوريا، أي أنك أدرجت الثورة السورية في خانة الإرهاب، وهذا لعمري ختل وخلل في أسلوب التفكير الذي ينم عن جهل مطبق بالوضع السوري، فقد تجاهلت سيادتك الوضع الذي كان يعيشه الشعب السوري لخمسة عقود منذ انقلاب البعث في مارس 1963تحت نظام دكتاتوري لم يشهد له التاريخ مثيلاً، خاصة في زمن الأب والابن، ولو كان لمحمد مرسي ميزة وفضل فهو تأييده الثورة السورية، لأنك بعلمك الغزير تعلم أن إسرائيل لم تتنفس الصعداء إلا عندما تم فصل الوحدة السورية المصرية عام 1961 بمال سعودي عفن، ولو أنك أنصفت لذكرت ما قاله الدكتور محمد مرسي في الاستاد الرياضي عندما قال: (ولا ننسى أننا كنا وسوريا دولة واحدة)، ولا شك أن سيادتك تدرك مدى وقع هذه العبارة على إسرائيل، لأنها بالتأكيد فهمت من هذه العبارة توجهاً وحدوياً من الرئيس مرسي مع سوريا، لذا كان بديهياً أن يتحرك الجيش المصري المحكوم بقيادة عميلة حافظت على اتفاقية كامب ديفيد 1979 لعقود طويلة - كما يحافظ الجاسوس محمود عباس على اتفاقية أوسلو 1993، وبشار الأسد على اتفاقية فصل القوات 1974، ومؤخراً حزب الله والقرار 1701 واليونيفيل 2006 -، لذا لطفاً: لا تحدثني عن إرهاب الإخوان المسلمين، وقد رأيت بنفسك مهاجمة قصر الاتحادية بالمولوتوف، وتخريب ونهب مقرات حزب الحرية والعدالة، ولو كان الإخوان إرهابيين لسلّحوا أتباعهم ولقتلوا آلاف المصريين، تماماً كما فعل البعثيون في سوريا عام 1964 عندما أنشأوا ميليشيا الحرس القومي. ألا ترى معي سيادتك بأن الهجمة على الإخوان من جميع الدكتاتوريات العربية، وخاصة تصنيفها من قبل السعودية وباقي دول الخليج على أنها حركة إرهابية، هي وسام على صدر هذه الحركة؟.
أنا أحترم علمك الغزير، لكن ربما غابت عنك أشياء كثيرة، خاصة فيما يتعلق بالشأن السوري، فإن أشكل عليك أمر، فدرجتك العلمية تدعوك إلى السؤال عما أشكل عليك.
جميع ما ذكرته سابقاً أدرجه ضمن الاحترام الكامل لشخصك الكريم، وعلمك الغزير. 
تحياتي.


--   

Tuesday, December 16, 2014

الفصل بين الهواء والهواء

قطعاً لا أخالف الرأي حباً في المناكفة، بل لأنني أرى من زاويتي ما لا يرى غيري، فالاشتباك الوهمي الحاصل الآن بين نتنياهو والإدارة الأمريكية ليس سوى للضحك على ذقون العرب، خاصة منهم الفلسطينيين، خاصة منهم سلطة رام الله. فالتوجه الأمريكي للوقوف على الحياد في مجلس الأمن الدولي عند التصويت على مشروع الدولة الفلسطينية، وذلك بالامتناع عن التصويت وعدم استخدام حق الفيتو، ليس سوى إعطاء الذريعة لنتنياهو لكي يضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى إسرائيل، ويجعل العالم كله تحت الأمر الواقع، وبذلك يحول جغرافياً دون إقامة دولة فلسطينية، وما الوسطية التي يظهرها اليميني جداً ليبرمان، سوى استكمال لهذه اللعبة المتفق عليها بين نتنياهو والإدارة الأمريكية. وهكذا تبقى القضية الفلسطينية كرة تتقاذفها أقدام الأمريكان والإسرائيليين، ويبقى العرب والفلسطينيون في مقاعد المتفرجين. من يتصور إمكانية الفصل بين السياسة الأمريكية والسياسة الإسرائيلية، هو نفسه الذي يتصور إمكانية الفصل بين الهواء والهواء.

Monday, December 15, 2014

 شروط إقامة حفل زواج في السعودية:
الترجمة الحرفية لوثيقة حُفِرَت منذ 15 ألف سنة (القرن 150 قبل الميلاد) بيد رجل الكهف الأول على جدران كهفه، وجدت في أحد كهوف منطقة جدة بالسعودية، وقد اعتمدت التوصيات الواردة فيها كشروط ملزمة لكل من يريد إقامة حفلات زواج في بلاد الحرمين الشريفين - أعزها الله - في القرن الحادي والعشرين للميلاد، ههههههههههههههه.
ملاحظة هامة: تم حذف بعض العبارات لدواعٍ أمنية.هههه.

Friday, December 12, 2014

صداقة وهمية

الاستكثار من الخير فيه خير أكثر، لكنها ليست قاعدة، ففي ذلك أحياناً محاذير، فمثلاً أصبح استكثار الأصدقاء عند الفيسبوكيين أمراً أقرب إلى المهزلة منه إلى أي شيء آخر، فقد وقر في ذهن البعض أن عدد الأصدقاء على الفيسبوك هو مؤشر على نوع من التميز، فكلما زاد عدد الأصدقاء عند أحدهم، كلما شعر صاحب الصفحة بأهمية أكثر، دون أن ينتبه إلى أن المستفيد الوحيد من هذا العدد هو شركة الفيس بوك نفسها، وليس أي أحد آخر. ومع كامل الاحترام للأصدقاء الخلّص الذين يساهمون بالتواصل معك على صفحتك سواء بالنقد الإيجابي أو السلبي - لا فرق - فذلك مؤشر على أنهم بالفعل أصدقاؤك الذين لا ينسونك مع مرور الزمن، وتقلب الأيام، أما الكثرة الغالبة ممن تعتبرهم أصدقاء، فهم للأسف مجرد عدد يتباهى به من يتباهى، لكنني لا يمكن أن أقتنع أن اسماً ما في قائمة أصدقائي هو صديق بالفعل ما لم يثبت أنه صديق، فالصداقة ليست مرتبة شرفية تخلعها على من تشاء لكي يصبح صديقاً،،، الصديق الحقيقي هو من يتفاعل معك، فيشعرك أنه بقربك حتى وإن نأت المسافات، فبعدت الشقة، وتطاول العهد.
 ونظراً لأنني - للأسف هنا فقط - قد تخلقت بخلق حسن يمنعني من الإقدام على حذف اسم أي صديق طلب صداقتي، وذلك احتراماً مني لمشاعره، ولأن هذا يعتبر من باب قلة الأدب وضعف الشخصية - في رأيي على الأقل - ، لكن إن كان هناك أي أحد من أصدقائي يشعر بثقل ظلي عليه، وأنني عدد مكمل في قائمة أصدقائه، وأنا لا أقبل لنفسي بذلك، فأرجو من هذا الصديق أن يتكرم عليّ برفع اسمي من قائمته، واعداً إياه أنني لن أعتب عليه أو أتذمر من فعلته، لأنه بهذا يكون قد خدمني خدمة العمر، أنه أزاح عن قلبي وذهني خديعة أنني أملك من الأصدقاء المزيفين أضعاف ما كان يملك قارون من كنوز. 
فضلاً: لا يعتبن أحد علي، فصراحتي قاتلة وقحة في بعض الأحيان.

Wednesday, December 10, 2014

الرئيس البعير

حادثة اغتيال الوزير زياد أبو عين اليوم هي القشة التي قصمت ظهر البعير محمود عباس، فدفعته لكي يوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، بينما لم يكن لمقتل الفلسطينيين بالآلاف، وتدمير منازلهم بعشرات الآلاف في العدوان على غزة، أي وزن على ظهر البعير الرئيس، وها هو اليوم يضحك على ذقون الفلسطينيين بإعلانه أنه أوقف التنسيق الأمني معها، وقد نسي أن يقول أنه أوقف التنسيق الأمني العلني، بينما سيستمر بالتنسيق معها سراً، على عادة الخونة والجواسيس. الفلسطينيون مدعوون منذ زمن بعيد، واليوم على وجه الخصوص، لكي يظهروا للعالم خيارهم: أن يركبهم الرئيس البعير؟، أو يركبوه هم، بل وأن يقطعوا رأسه، فالعالم ينتظر، والتاريخ جاهز لكي يسجل.

ليس عيباً أن يكون حافياً عارياً، لكن العيب أن يكون سفيهاً

الحفاة العراة، الذين تطاولوا في البنيان بعد أن جنوا المليارات من تهريب المخدرات وغسيل الأموال ورعاية الدعارة، يحتفلون في دبي الآن بمهرجان سينمائي للممثلين المصريين بالخصوص، بينما الملايين من اللاجئين السوريين يموتون من الجوع والبرد دون أن نرى موقفاً إنسانياً من هؤلاء السفهاء المتخلفون عقلياً وجسدياً، ومع ذلك ما زلنا نتغنى بكذب صريح بأننا أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة!!!. بالمناسبة: أيضاً أمة القردة أمة واحدة.

    

Monday, December 8, 2014

اتقوا الله في استخدام مفردات القرآن الكريم

درج بعض حكام المسلمين على استخدام آيات قرآنية لتبرير تصرفاتهم المشينة، منها على الخصوص ما كان يتم تداوله زمن أنور السادات عندما صالح إسرائيل، فقد وجد من المشايخ من يردد الآية القرآنية التي تقول (وإن جنحوا للسَّلم فاجنح لها وتوكل على الله - الأنفال 61 -) دون أن يكلف من استخدمها نفسه عناء فهم معنى كلمة (السَّلم) هنا، أو هو تقصد ذلك لكي يبرر للحاكم خيانته. فكلمة (السَّلم) هنا بالسين المشددة بالفتحة تعني الاستسلام، أي إن استسلم لكم العدو فسالموه، وهي تختلف عن كلمة (السِّلم) والتي تعني السلام:(يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلم كافة -البقرة 208 -) أي اتخذوا السلام منهجاً لكم. هذا مثال واحد من أمثلة كثيرة على الاستخدام الخاطيء لمفردات القرآن الكريم.

Wednesday, December 3, 2014

الحمائم والصقور في إسرائيل صناعة عربية بامتياز

يتباكى العرب من صعود اليمين الإسرائيلي بقيادة ليبرمان وأمثاله، ومنذ زمن :"شارون"، وبتهاوي قوة العرب بعد تدمير العراق، كنت أقول بأن القادم أعظم، ومن سيأتي إلى الحكم في إسرائيل سوف يجعلنا نتذكر أيام شارون وبيريس وبن غوريون بالخير والبركة. الحمائم والصقور في إسرائيل هم صناعة عربية وليست إسرائيلية، والعلاقة النسبية بين العرب قوة أو ضعفاً، وبين من يحكم في إسرائيل هي كالتالي: كلما قوي العرب، قوي جناح الحمائم في إسرائيل، وكلما خنع العرب، كما هم اليوم، قوي جناح الصقور في إسرائيل، ومرة ثانية وأخيرة: الحمائم والصقور في إسرائيل صناعة عربية بامتياز، وليست إسرائيلية.

Monday, December 1, 2014

الحمار الفلسطيني، وجزرة الدولة الوهمية

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=443718

الحمار الفلسطيني، وجزرة الدولة الوهمية
وسط غبار المعركة الدبلوماسية الجارية الآن على الساحة الدولية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أقل من عشرين بالمئة من أرض فلسطين التاريخية، وفي هذا الجو المتأزم، لا يسع المرء أن يتخذ موقفاً واضحاً من هذا الأمر، فإن هو عارض قيام هذه الدولة، وجد نفسه أمام تيار جارف لا يتردد في وصف المعارض على أنه في أقل حالاته جاهل، وفي أقصاها عميل للصهيونية والإمبريالية، وهي التهمة الجاهزة لوصف كل من يعارض حتى ولو امتلك الدليل. وإن هو وافق تيار تأييد قيام الدولة، كان كمن يخون نفسه وقضيته، إذ أن هذه الدولة الوهمية سوف تقوم – إن هي قامت – على ما لا يزيد عن عشرين بالمئة من أرض فلسطين التاريخية، بلا حدود واضحة، وبدون جيش وطني، ليست لها سيطرة على الأجواء، ولا على الحدود - والتي هي مع الأردن فقط - كما أنه ليست لها مياه إقليمية ولا موانيء بحرية ولا مطارات، تقوم على أرضها ما لا يقل عن مئة وستين مستوطنة، تلتهم 10% من أراضي الضفة الغربية، تأوي ما يزيد على الثمانمئة ألف مستوطن مسلحين حتى أسنانهم. هذه الدولة المسخ سوف يكون عليها التنازل عن حق عودة اللاجئين الذين طردوا من فلسطين عام 48، ليس ذلك فحسب، بل إن قيام هذا الكيان الوهمي المسمى "دولة" سوف يهدد مستقبل ومصير فلسطينيي الداخل، فمن ذا الذي سيضمن عدم ترحيلهم إلى دولتهم الوهمية؟، بل إن هناك مئات الأسئلة حول هذا الأمر والتي لن تستطيع سلطة رام الله الإجابة على أي منها، لأنها ببساطة لا تملك فعلاً حقيقياً، بل هي محكومة – شأنها شأن النظام العربي برمته – برد الفعل فحسب. وفي الواقع، لا يعرف المرء إلى أية شرعية تستند السلطة الفلسطينية في قبولها دولة مسخ كالتي يجري الحديث عنها هذه الأيام، ففي البلاد التي تحترم فيها الحكومات شعوبها، تُجرى استفتاءات على بناء مطار أو شق طريق دولية، أما مصير شعب عريق وأرض تاريخية، فلا أحسب أن السلطة مقدمة على إجراء أي استفتاء في هذا الشأن، إذ هي تعلم مسبقاً بأنها لن تستطيع تنفيذ رغبات الشعب الفلسطيني إن هو رفض مشروع الدولة، ثم إن توقع إجراء مثل هذا الاستفتاء هو وهم وسراب، فتوقيع اتفاق أوسلو المهزلة قد تم بليل دون أخذ رأي الشارع الفلسطيني فيه. وإذا كنا قد فقدنا الأمل منذ مدة طويلة بإنجاز محترم تقوم به حركة فتح، صلب سلطة رام الله، والتي تدعي بالقوة تمثيل الشعب الفلسطيني رغماً عن أنفه، فماذا عن اليسار الفلسطيني الذي كان سباقاً في طرح حل الدولة الديمقراطية منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، لكنه تخلى عنه الآن، أو خفت صوته، فتناغم مع القيادة الموصوفة بـ "التاريخية" للشعب الفلسطيني، والتي حل الدمار بالفلسطينيين في ركابها أينما حلت وحيثما وطأت، هذا اليسار الذي مالأ سياسات منظمة التحرير الفلسطينية، فخنع لها، إما ضعفاً لأن التيار الإسلامي قام بتجريف أنصار هذا اليسار، فأفقده شارعه الذي كان يعتمد عليه، وإما لأن المكاسب المادية والرواتب التي يتقاضاها رموزه من اللجنة الرباعية قد اشترت موقفه بأبخس ثمن.
ولعل في مقدمة محاذير الاعتراف بدولة فلسطينية بالشكل الذي يتم الحديث عنه الآن، اعتراف جميع الدول العربية بإسرائيل وفق المبادرة العربية التي أعلنت في مؤتمر القمة في بيروت عام 2002، والتي نصت على اعتراف كامل بإسرائيل في حال انسحابها من الأراضي العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية، غير أن التطورات التي حدثت في دول الجوار مع إسرائيل خلال العقد الماضي من دمار شامل، وتفتيت للدولة المركزية بأجهزتها وجيوشها، يجعل لإسرائيل اليد الطولى في قبول ما يحلو لها، ورفض ما لا يعجبها، أضف إلى ذلك أن النظام العربي المتهالك لا يملك من أمره شيئاً سوى الخلاص من عبء القضية الفلسطينية، وهو العبء الذي تخلص منه جزئياً منذ عام 1974 عندما أقر مؤتمر القمة العربية في الرباط – بدفع هائل من الملك الحسن الثاني - أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مما منح إجازة للنظام العربي من دوره في القضية الفلسطينية، ثم - وعلى يد قيادة فلسطينية منحرفة - تم توقيع اتفاق أوسلو الكارثي، والذي لا يقل في كارثيته عن اتفاق كامب ديفيد،،، "أوسلو" الذي رفع العبء بكامله عن عاتق النظام العربي تجاه ما كان يعرف بـ "قضية العرب الأولى".
أما غبار اعترافات البرلمانات الأوربية الحالية بالدولة الفلسطينية، فأحسب أنه ليس ذا قيمة تذكر، وأنه ليس أكثر من زوبعة في فنجان، ذلك أنه اعتراف من البرلمانات، وغير ملزم للحكومات، ومن جهة ثانية، لا أدري ماذا أفاد اعتراف أكثر من ثمانين دولة بالدولة الفلسطينية في نفس العام الذي أعلنتها فيه منظمة التحرير في الجزائر عام 1988، واعتراف الأربعين دولة الأخرى في الأعوام التي تلت، مما رفع عدد تلك الدول إلى حوالي المئة والثلاثين، فماذا غيَّر ذلك في موقف والولايات المتحدة وإسرائيل، وهي التي ما زالت ترفض الانصياع للقرارات الدولية التي اتخذها مجلس الأمن عبر عشرات السنين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟، أما موقف الإسرائيليين الرافض لموجة الاعترافات الدولية الحالية والسابقة، فأحسب أنه موقف تكتيكي يضحكون به على ذقون العرب والفلسطينيين، يعرفه كل من تابع أساليب الحركة الصهيونية منذ نشأتها، وغالباً ما كنت أردد بأن أقوى أسلحة إسرائيل، حتى من الجيش، هو سلاح علم النفس، إذ أن التوصية باتخاذ مواقف سياسية بناء على آراء مختصين إسرائيليين في علم النفس، خاصة علم نفس العرب، هو الذي منح إسرائيل التفوق دائماً، سواء في المجال السياسي أو العسكري، من ذلك نذكر جيداً أنه عندما أعلنت حركة حماس نيتها الترشح للانتخابات التشريعية، كان موقف شارون الرفض التام لهذا الأمر، مما دفع بالفلسطينيين إلى إعطاء حركة حماس غالبية الأصوات، فانشق الصف الفلسطيني، والآن يعيد الإسرائيليون علينا نفس التمثيلية، فهم يرفضون الاعتراف بدولة فلسطينية، بينما هم في سرهم يرغبون في رؤية الفلسطينيين أنفسهم يلهثون وراء جزرة هذه الدولة الكرتونية، وربما سوف يسمحون لهم بالتهامها في أية لحظة، لأن ذلك ببساطة سوف يكون جواز مرورهم إلى عالم عربي غني بالثروات، غبي بالقيادات.
عند الحديث عن حل الدولتين، غالباً ما كنت أطرح التساؤل التالي: ماذا كان سيتبقى من الجزائر وشعبها لو وافق الجزائريون على حل الدولتين باقتسام بلادهم مع المستوطنين الفرنسيين، بدل الاستقلال التام؟، طبعاً كانت سوف تقوم دولة فرنسية على ساحل البحر المتوسط، تتمتع بخيرات البلاد من أراضٍ خصبة، وموانيء استراتيجية، بينما سينحصر الجزائريون في الجنوب الصحراوي، ويتحولون إلى رعاة أغنام وإبل، أما ثرواتهم من المعادن والنفط والغاز، فلن يكون بإمكانهم استغلالها وتصديرها إلا عبر شركات فرنسية، وعندها كان الجزائريون سيرددون ( وكأنك يا بو زيد ما غزيت)، ولكانت تضحياتهم وتضحيات أجدادهم على مدى أقل قليلاً من القرن والنصف، ستذهب أدراج الرياح: هذا هو مصير الفلسطينيين إن هم قبلوا بحل الدولتين. ولعل هناك سائل يسأل: إذن ما هو الحل الآن؟، أقول: قيام دولة واحدة ديمقراطية للشعبين، يتمتع فيها الجميع بنفس الحقوق والواجبات، أما تسمية الدولة، فلا أعتقد أنه يشكل فرقاً على المولود العبقري إن كان اسمه عبد الله أو كان اسمه كوهين، وأحسب أن ما لاقاه الفلسطينيون من إهمال العرب لهم ولقضيتهم على مدى العقود الستة الماضية، كفيل بأن يدفعهم إلى التعايش مع الإسرائيليين، هذا إن كان لدى الإسرائيليين القدرة على اغتنام الفرصة بتحقيق مصالحة تاريخية حقيقية، لكن الواقع اليوم يؤكد عدم وجود نية لدى الإسرائيليين لتحقيق هذه المصالحة، فالمشروع الذي وافق عليه مجلس الوزراء الإسرائيلي بشأن يهودية الدولة، والذي سوف يقدم إلى الكنيست لإقراره، هدفه الأساسي ليس تأكيد يهودية الدولة، فهذا ما أكده بيان إعلان استقلال الدولة! يوم 14 مايو 1948، وأعيد تأكيده في قانون الهجرة، بل إن هدفه الرئيسي على ما يبدو هو استباق المطالبة بدولة واحدة للشعبين على غرار دولة جنوب أفريقيا، والذي هو الحل الوحيد الباقي في يد الفلسطينيين، لكن بإقرار قانون يهودية الدولة الآن، يتبخر هذا الحل، وتستقل دولة فلسطين على الورق، بدون أرضٍ فلسطينية.
كتبت ذات مرة أن لذكاء الحمير مستويات، فهنالك من الحمير من هو ذكي، ومن هو متوسط الذكاء، ومن هو غبي، وأحسب أن الحمار الفلسطيني الذي يلهث الآن وراء جزرة الدولة هو من النوع الأخير، لكنني، وحتى لا أجر عليَّ غضب أنصار ذلك الحمار، ولأنه حتى الحمار الغبي يمكن أن يدرك في لحظة ما حيلة من ضحك عليه إذا طال المسير، لذا علي أن أعتذر عن وصفه بالحمار، وأستبدله بوصفه على أنه كثور الساقية، ذاك الذي يدور في مكانه دون كلل أو ملل، في حلقة مفرغة ليس لها آخر.

23 نوفمبر 2014 

المواطن السوري: مجرد رقم.

عندما يتحول السوري إلى رقم، مجرد رقم، تشعر بأن الإنسانية قد انحطت إلى درك أسفل من الوحشية والتخلف البربري. العميد مدير فرع المخابرات 215 يأمر بقتل 131 معتقلاً سورياً بعد تفشي وباء الطاعون المعوي بينهم، والذي تتسبب فيه الجرذان نظراً لقذارة السجن واكتظاظه بالمعتقلين، ولم يرد في التقرير ذكر لأسماء المغدورين، فيكفي أن يصبحوا أرقاماً تضاف إلى أرقام مئات آلاف القتلى السوريين في سجون الأسدين. نفهم أن يكون بشار الأسد مجرماً حتى ولو قتل نفساً واحدة فكأنما قتل الناس جميعاً، لكن من غير المفهوم أن يستمر البعض الجاهل في تأييد جرائم هكذا نظام تتضاءل أمامه جرائم النازية والفاشية، هؤلاء لا شك أنهم أكثر حقارة وإجراماً من بشار الأسد المجرم، وأبيه من قبله الخائن المجرم. مهزلة وأية مهزلة: أن يصبح السوريون مجرد أرقام فقط في نظر نظام حقير.

Friday, November 28, 2014

ولكنه ضحك كالبكا

تزامناً مع محاكمة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بتهمة التخابر مع حماس، أود أن أقترح على النظام المصري محاكمة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر - طبعاً غيابياً، أو يمثله نجله عبد الحكيم - على تخابره مع الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي عبر رسائل تبادلاها بدءاً من عام 1961، والتي كانت تدور حول حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي طردوا منها عام 1948، وقضايا الوطن العربي والوحدة العربية. عبد الناصر هو الذي وصف وعد بلفور في إحدى تلك الرسائل بأنه {(من لا يملك (أي بلفور) أعطى وعداً لمن لا يستحق (أي اليهود)}. لا شك أن النائب العام  للنظام القضائي المصري الشامخ!!! في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، سوف يبادر إلى رفع دعوى التخابر مع أمريكا ضد الرئيس جمال عبد الناصر. لماذا نستغرب لو حدث ذلك؟، أليس في مصر الكثير من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا.ِ

Tuesday, November 11, 2014

وفي فلسطين غار حراء أيضاً

في الذكرى العاشرة لوفاة الحسين الفلسطيني ياسر عرفات، تكشف لنا حركة فتح سراً مضى عليه نصف قرن دون أن يدري به أحد، وهو كهف في منطقة بيت فوريك في شرق فلسطين، لجأ إليه الحسين الفلسطيني مع بداية الثورة الفلسطينية، واختبأ فيه متخذاً الكهف مقراً لقيادته التي كانت تنطلق منها العمليات الفدائية. الرجل الذي دل عرفات على هذا الكهف يتذكر أن أبو محمد (عرفات) كان يكلمه باللهجة المصرية، وهو السر الذي لا ولم ولن يجرؤ أي فتحاوي على تفسيره، ناهيك عن التفكير فيه، إذ لو كان هناك كوبي يقاتل إلى جانب الثورة الفلسطينية لمدة ثلاثين عاماً، لأصبح يتقن اللهجة الفلسطينية بجميع تنوعاتها، أما أبو محمد فكان يكلم دليله باللهجة المصرية!!!. أمام غار حراء الفلسطيني الذي كان يتعبد فيه الحسين الفلسطيني من أصل مصري، رفعت الأعلام الفلسطينية وأعلام فتح وصور الحسين المصري، وقريباً ربما ستعتبر السلطة التافهة في رام لله هذا الغار موقعاً أثرياً تحج إليه الوفود من جميع أنحاء فلسطين، وكذلك رؤساء الدول على غرار ضريح أتاتورك التركي، وربما طلبوا من اليونسكو حمايته كمعلم تاريخي عالمي. 
الجنون فنون، والكذب ملح الرجال.

انتهت صلاحيته، ففاحت رائحته

في مجلس عزاء ولطم حسيني بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الحسين الفلسطيني ياسر عرفات، تحدث رجل انتهت صلاحية رئاسته منذ سنوات، لكنه - لغبائه - يظن أنه ما زال رئيساً للشعب الفلسطيني، فتناثرت البذاءات من فمه بأقذر مما تناثرت من فم شارون ونتنياهو، وتساءل ذلك الشيء المسمى (محمود - وهو ليس كذلك - عباس) عن عبقرية حماس في خطف المستوطنين الثلاثة (الأبرياء)، مما تسبب في العدوان على غزة، ولو كان هؤلاء الثلاثة من أولاده لما كرر الندب عليهم بهذه الطريقة التافهة الرخيصة، لكن أحداً من النادبين اللاطمين أمامه لم يجرؤ أن يسأله عن عبقريته وعبقرية الحسين الفلسطيني عندما وقعوا اتفاقية الذل (أوسلو) التي أضاعت الأرض والشعب، وما زالت تتبجح بانتصاراتها الوهمية، وطالما أن الذي انتهت صلاحيته ففاحت رائحته لا يريد مقاومة فلسطينية مسلحة، ولا يريد انتفاضة شعبية سلمية ضد الاحتلال، فما الذي يريده إذن من أجل الحصول على الاستقلال الموهوم؟، لكن بما أن مصر قد أطبقت الحصار على غزة وأهلها، وطالما أن كلبه وصديقه دحلان يعيث فساداً في القضية عبر مصر، فلا أجد ما أقوله له سوى:
 خلا لك الجو فبيضي واصفري،،،،،ونقري ما شاء لك أن تنقري  
ولكن: من سيمنع هذا المعتوه عن المضي هو وباقي الرداحين في غيهم طالما أن فصل شتاء الشعب الفلسطيني قد غطى على الفصول الأربعة، فطالت مدة بياته الشتوي حتى ظننا أنه قد تصلب. إذن: لماذا أعتب على شيء انتهت صلاحيته كرئيس؟، وألا يستدعي ذلك اعتذاراً من القراء على أنني أضعت وقتهم في قراءة موضوع تافه؟، لذا أعتذر بشدة أنني أضعت وقتكم، وعن ورود بعض الكلمات النابية في النص أعلاه مثل (عباس- أوسلو ).

Friday, November 7, 2014

كالعادة: غباء عربي بامتياز

في الوقت الذي تبرطع فيه إسرائيل في القدس والمسجد الأقصى بعد أن استكملت استيطان الأراضي الفلسطينية، ينشغل العرب بالعرب وكأنهم يعيشون على كوكب آخر، وليست لهم علاقة بمشاكلهم على كوكب الأرض. وفي هذا السياق العفن، من الطبيعي أن تُفشِلَ الأنظمة العربية الخانعة لإسرائيل أي تقارب فلسطيني - فلسطيني، والانفجارات التي وقعت اليوم أمام منازل قياديين من فتح في قطاع غزة، لا تخرج عن كونها فعلاً عربياً وليس فلسطينياً، أو عربياً بأيدٍ فلسطينية قذرة، ولن نكون مخطئين عندما نوجه أصابع الاتهام إلى محمد دحلان المقيم في مصر، والضيف المقرب من قلب وعقل الإعلام المصري. تدمير الأنفاق والمنازل في رفح الفلسطينية هو المرحلة التالية بعد تدميرها في رفح المصرية، ولا بد من ذريعة. 
إذن هو نظام عربي مهتريء تافه، من الغريب أن يحرص على بقائه بعض العرب من ذوي النظر القصير، الذين يعتقدون أن الوضع الحالي أفضل من ذاك المدعو {الشرق الأوسط الجديد}،  مع أن كلاً منهما أسوأ من الآخر، متناسين: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

Sunday, November 2, 2014

نضال القرود والشمبانزي


في قاعة مليئة بالقرود والشمبانزي، ضجت القاعة بالتصفيق والهتاف عندما أعلن رئيس الجلسة أن الدول العربية تستنكر وتشجب وتدين بأشد العبارات ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتطلب من المجتمع الدولي التدخل لوقف ما تقوم به إسرائيل من تهويد للقدس وامتهان لحرمة المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، بينما رفعت وراء المنصة الرئيسية لافتة كبيرة كتب عليها بالخط الكوفي الجميل:
(عاش نضال القردة والشمبانزي من أجل تحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية والمسيحية).

Saturday, November 1, 2014

جاري صاحب الكيف يتاجر بالمسؤولين العرب

جاري صاحب الكيف يتاجر بالمسؤولين العرب 
كان آ خر عمل له، على ما أعرف، بواباً في مدرسة ابتدائية، فرجل مثله يحمل مؤهلاً دراسياً لا يتعدى مرحلة الدراسة الإعدادية، لا يمكن له أن يحلم بعمل أفضل من هذا، حتى هذا العمل الذي لا يكفي دخله حد الكفاف، فقده بسبب إدمانه السخيف، فطرد من عمله شر طردة، وما زال عاطلاً عن العمل منذ شهرين، غير أنني رأيته بالأمس منشرح الصدر على غير عادة من طرد من عمله، واعتقدت أنه وجد عملاً آخر، فبادرت إلى سؤاله:
-        أراك سعيداً هذا اليوم، فهل من أخبار سارة بشأن عمل جديد.
سحب نفَساً من أركيلته وقال باطمئنان:
-        الحمد لله، ربك فرجها، وأنا الآن أدير عملاً حراً لحسابي الخاص في المتحف الوطني.
عجبت لأمره، فهذا الرجل لا يملك من المعارف المتعلقة بالمتاحف أي شيء، علاوة على أن المتاحف – كونها قطاعاً عاماً تشرف عليه الدولة – لا يمكن أن يكون لأحد أن يعمل فيها عملاً حراً لحسابه الخاص، وهذا ما حفزني على متابعة الحديث معه.
-        هل يمكن شرح ما قصدته بقولك عمل حر لحسابك الخاص في متحف تديره وزارة الثقافة؟.
-        اسمع يا صديقي: أنتم الرجال الذين لم تعرفوا حلاوة الكيف، وبالتالي الأجواء التي يمكن أن يجعلكم تحلقوا فيها بتعاطيه، لا تستطيعون ابتكار أفكار جديدة مثمرة لكم ولمجتمعكم، فتبقون محنطين داخل معلومات حشاها نظام التعليم الفاشل في عقولكم، فأنتم أسرى تفكير تقليدي لا يرى سوى ما أمامه، ولا يقدر على التفكير في ما سواه، تماماً كالبغال التي يضعون على جانبي أعينها أقنعة حاجبة تمنع عنها رؤية ما على الجانبين.
استفزني تشبيهه  لغير المتعاطين – وأنا واحد منهم – بالبغال، وقبل أن أثور في وجهه، أشار بيده لي أن اصبر، وأتبعها بـ "طوِّل بالك علي".
-        المشكلة معكم أنكم، كالعادة، تتسرعون في الحكم على الأمور، فاسمع القصة حتى نهايتها: تعلم أن قطاع السياحة يعاني من مشاكل جمة، على رأسها عزوف السياح الأجانب عن القدوم إلى البلد، فانعكس ذلك بالتالي على ندرة الإقبال على المتاحف، أما المواطنون، فآخر همهم التفرج على جثث المومياءات، أو الحجارة الصماء، أو التماثيل الخرساء، ناهيك عن عدم قدرتهم على دفع رسوم دخولها، على رُخْصِهِ، لأن همَّ الحصول على الرغيف يفوق الرغبة في زيارة المتاحف، حتى من عندهم الرغبة في زيارتها ملوا مشاهدة المعروضات التقليدية، وحفظوا أشكالها عن ظهر قلب، فعزفوا عن زيارتها،  فانخفضت بذلك دخول المتاحف حتى أوشكت الدولة على إقفالها، أو بيع محتوياتها إلى المتاحف الأجنبية، وفي هذا ضياع لتاريخ أمتنا العظيمة، فوجدت الحل الذي يعيد الحياة إلى هذا المرفق الهام من مرافق بلدنا الحبيب.
ثم تابع بعد عدة سحبات من جوف أركيلته:
-        أنت تعلم أن للعرب جيوشاً كثيرة، وهذه الجيوش عاطلة عن العمل والإنتاج منذ عقود طويلة من الزمن، ربما حتى منذ تأسيسها،  ناهيك عن أن ضباطها يستهلكون نسبة كبيرة من ميزانيات الدول العربية دون أن يكون لذلك مردود بالمقابل، فلا هم يحاربون فيحققون الانتصارات التي تبرر الإنفاق عليهم، ولا هم يموتون فيريحون ميزانياتنا من رواتبهم المرتفعة، لذا فقد أصبح متوسط العمر بين أصحاب الرتب العليا من رتبة لواء فما فوق، حوالي 87 سنة، أي أنهم أصبحوا عاجزين عن المشي، بل ربما حتى عن الكلام، ناهيك عن أن أعدادهم قد أصبحت بعشرات الآلاف، لذا، فقد طلبتُ الاجتماع بوزير الثقافة، وعرضت عليه أن ننقذ المتحف من الإغلاق بأن ندخل تجديداًعلى المعروضات التي ملَّ الناس مشاهدتها، وذلك بأن ننشيء في المتحف الوطني جناحاً خاصاً بالقيادات العسكرية الهرمة في الدول العربية، بحيث تستطيع كل دولة عربية تريد التخلص من  ضباطها الكبار، الذين استهلكم عامل السن بعد أن استهلكوا ميزانيات الجيوش، أن ترسلهم إلينا لعرضهم في جناح خاص بهم في المتحف الوطني نسميه "جناح الضباط القدامى"، والذي لن يُسمح بالدخول إليه للفرجة على أولئك الضباط إلا برسم إضافي، علاوة على رسم الدخول إلى المتحف، حيث سيُعرَضُ أولئك الضباط الذين شارفوا على الفناء، مع أوسمتهم التي يحملونها وما أكثرها، وهم جالسين على كراسٍ مريحة في خزائن زجاجية ذات ألواح مثقبة لتسهيل التنفس، وأمام كل واحد منهم لوحة كتب عليها اسمه ورتبته، والدولة التي ينتمي إليها، والدورات العسكرية التي حضرها، والمبالغ التي أنفقتها عليه دولته دون أن يكون لها أي مردود، بحيث يستطيع زوار هذا الجناح التعرف على قيادات جيوشهم العظيمة قبل انتقالها إلى الرفيق الأعلى. أما الريع الذي سوف نجنيه من الجماهير الغفيرة التي سوف تزور هذا الجناح، والتي نتوقع أن تكون أعدادها بالملايين، فسوف يذهب جزء منه إلى إدارة المتحف لدعم ميزانيته، وجزء آخر كنفقات للعناية بتلك الأشياء - أي كبار الضباط  - من حيث التغذية والعناية الطبية والنظافة الشخصية، أما الجزء الأكبر من الريع فسيكون مكافأة لي على هذه الفكرة العبقرية، وكذلك نظير متابعتي المشروع وتطويره من حيث الحصول على كم متواصل من هذه المعروضات من كافة الجيوش العربية لتعويض النقص المتوقع نتيجة وفاة بعضها، كما أن الذين يموتون من هذه المعروضات، يمكن الاستفادة من جثثهم بإعادة تدويرها لصالح المتحف، والاستفادة منها حتى بعد موتهم، وذلك بتحنيطها وعرضها في قسم مومياءات الفراعنة.
-        قلت مستهزئاً : وفي أية مرحلة أنت الآن من هذا المشروع؟.
-        قال: قاعة "جناح الضباط القدامى" في المتحف أصبحت جاهزة الآن لاستقبال المعروضات، وليس أمامي سوى انتظار مكتب الشحن والتخليص الجمركي لإخراجها  من الميناء، ونقلها إلى قاعة العرض في أسرع وقت ممكن.
أعجبتني فكرته، فأردت أن أضيف عليها فكرة أخرى، فليس هو وحده القادر على التحليق في أجواء الأفكار الجديدة، فقلت له:
-        ما رأيك لو أضفنا إلى المتحف الوطني جناحاً آخر لوزراء الخارجية العرب القدامى، أولئك الذين يمكثون في مناصبهم خمسين سنة فأكثر؟.
-        قال: وهذا هو التطوير الذي سوف أنفذه ابتداء من العام القادم.
-        قلت: وماذا تعطيني لو أسررت لك بفكرة تساوي ذهباً؟، هل تعدني بمكافأة مجزية؟: ما رأيك لو أفردنا في العام الذي يليه جناحاً خاصاً بالرؤساء العرب السابقين؟، فهو سيجتذب بالتأكيد عدداً أكبر من الزوار.
انقلب على ظهره من شدة الضحك، واستغرق وقتاً لكي يصحو من نوبة القهقهة والسعال، فاعتبرت ذلك إهانة لفكرتي الخلاقة، وعندما تماسك قال باستهزاء:
-        ومن قال لك بأن عندنا نحن العرب رؤساء سابقين مثل باقي خلق الله، فالرئيس عندنا يا صديقي لا يغادر  كرسيه إلا  في حالتين: إما  لقضاء الحاجة، أو إلى القبر.
تركته وأنا واثق من أنني لا يمكن أن أجاريه في يوم من الأيام في سرعة البديهة ولا في غرابة الأفكار.

Monday, October 27, 2014

جاري صاحب الكيف يكشف سر داعش

جاري صاحب الكيف يكشف سر داعش 
اشتركت معه في رحلة جماعية إلى مصر، وفي القاهرة قصدنا ذات بعد ظهيرة واحداً من أشهر معالمها: مسجد سيدنا الحسين، يقابله على الناحية الأخرى من الشارع الجامع الأزهرالذي يتجاوز عمره الألف عام. بعد أداء صلاة العصر في مسجد الحسين، كان لا بد من اكتساء كوب من الكركديه في واحد من أشهر المقاهي في العالم العربي: مقهى الفيشاوي المجاور لمسجد سيدنا الحسين، والذي يعتبر الملتقى المفضل لأدباء وفناني مصر. بعد أن اتخذنا مقعدينا، ذهب جاري إلى نادل المقهى، وتحادث الرجلان برهة من الزمن، ورأيت النادل يشير بيده كأنما يدل صاحبي على مكان ما سأل عنه، فلم أكترث للأمر، وانشغلت بتحريك كأس الكركديه الذي كان النادل قد أحضره لي قبل لحظات. استأذنني جاري  للغياب بضع دقائق، فاعتقدت أنه داخل إلى خان الخليلي القريب من المقهى لشراء بعض الهدايا التذكارية لعائلته وأصدقائه، فأذنت له. بعد فترة من الزمن طالت، إذا به يهل علي فجأة ويجلس متهالكاً على الكرسي المجاور، وبعد أن أخذ نفساً عميقاً وجفف عرقه، أخرج من جيبه قطعة من منديل ورقي يبدو أن شيئاً ما قد لف فيها على عَجَل،،، فتح اللفافة وأخرج منها قطعة حشيشة (لم أعرف أنها حشيشة قبل أن يدسها في رأس الأرجيلة فيما بعد)، وقبل أن أصرخ في وجهه، تأفف بضيق كأنما أصابه مس من الحنق قائلاً:
-         يا أخي والله لا أعرف كيف يستطيع الناس الفقراء العيش في هذه البلاد مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني،،، تصور: كنت أشتري قرش الحشيش هذا منذ عشرين عاماً بخمسة جنيهات، والآن أصبح سعره خمسة عشر جنيهاً، قل لي بالله عليك: ماذا يفعل الحشاشون أمثالي إن استبد بهم وازع الكيف؟، ومن أين لهم بشراء هذه السلعة الحيوية مع انخفاض دخولهم؟.
شعرت وكأن الرجل كان يمازحني أو ربما يستهزيء بي، فقد كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها الحشيشة ، إذ أنه عندما طلب الأرجيلة من الكرسون، ودس القطعة في رأسها، تأكدت من أنه يمارس إدمانه المعهود، وبعد سحبه عدة شفطات من خرطوم الأرجيلة ونفثِ دخانها في جو المقهى، قال بجدية مطلقة:
-        هل تعلم إلى أين ذهبتُ الليلة الماضية؟.
-        ولا إلى مكان، لقد نمنا سوية في نفس الغرفة حوالي الساعة العاشرة.
-        قال بنفس الجدية: هكذا تظن بسذاجتك المعهودة، لكنني في الواقع  لم أنم كما تظن، بل ذهبت إلى قصر الاتحادية مقر رئيس الجمهورية.
ضحكت من كل قلبي حتى كدت أن أسقط عن الكرسي، لكنه تابع دون الالتفات إلى قهقهتي.
-        نعم، ذهبت إلى مقر سكن رئيس الجمهورية، وخذ عندك هذا السر: الأمر الذي لا تعرفه أنت وباقي المجموعة التي جئنا معها أنني جئت معكم في هذه الرحلة الجماعية  كتغطية على استدعاء من جهاز المخابرات، وهم الذين جاؤوا إلى الفندق حوالي الساعة الحادية عشر ليلاً بينما أنت نائم، واصطحبوني إلى منزل الرئيس، وقد استقبلني سيادته بحفاوة بالغة، وقابلني وهو في ملابس النوم رفعاً للتكليف، وجلسنا ندردش بشكل ودي حتى ساعة متأخرة من الليل، وعندما أتيت إلى الفندق بعد أن أوصلتني سيارة الرئاسة، كنت أنت تغط في نوم عميق.
توقفت عن الضحك استعداداً لسماع قصة خيالية يختلقها كالعادة، وسألته بتهكم واضح.
-        ها، وهل كان اللقاء مثمراً وبناءً؟.
-        قال بتباه بعد أن نفخ الدخان ورشف من فنجان قهوته: هل تذكر قصتي مع الخليفة البغدادي التي حدثتك عنها سابقاً، وموضوع الخارطة التي رسمتها له وكادت تودي بحياتي؟.
-        قلت: نعم، وهل هي قصة تنسى، ولكن ما علاقة ذلك بمقابلتك مع الرئيس؟.
-        قال: يا أخي، والله العظيم لا يملك الإنسان سوى الإعجاب بجهاز المخابرات في هذا البلد، فلا أدري كيف علموا بقصتي مع البغدادي والخارطة التي رسمتها له وليست عليها حدود بين الشام والعراق، فاتصلوا بي ناقلين لي رغبة الرئيس بمقابلتي.
شعرت أن اللحظة مناسبة لسماع قصة خيالية أنقلها إلى قرائي، فشجعته على متابعة روايته، فقال:
-        تعلم أن الرئيس الحالي هنا يتباهى بأنه جمال عبد الناصر الثاني، ولذلك فقد درس بالتفصيل حياة الرئيس الراحل، والمتاعب التي واجهها من قِبَلِ بعض الحكام العرب، وخاصة قضية خيانة بعض الضباط له عندما قاموا بانقلاب فصموا به عرى الوحدة المصرية السورية عام 61، ومن ملاحظات عبد الناصر على أسباب فشل الوحدة، والتي درسها الرئيس الحالي باهتمام وتحليل عميقين، تبين للسيد الرئيس أنه لو كانت الوحدة قد قامت بين مصر من جهة، وبلاد الشام والعراق الموحدة من جهة ثانية، لما كان بإمكان ثلة من الضباط اغتيال الوحدة السورية المصرية، وبما أنه وحدوي كالرئيس الراحل الذي يتشبه به، لذا طلب من أجهزته الأمنية والاستخباراتية التمهيد لذلك، وذلك بتكوين مجموعات مسلحة من بقايا الجيش العراقي السابق والمنشقين من قيادات وجنود الجيش السوري، وبقيادة أبي بكر البغدادي، تقوم بإزالة الحدود بين العراق والشام، وضمهما كدولة واحدة تمهيداً لقيام الوحدة بين مصر من جهة، والشام والعراق من جهة ثانية، وبما أن الرئيس كان قد سمع من أجهزته الاستخباراتية عن الخريطة التي رسمتها للخليفة البغدادي دام ظله، فقد استدعاني من أجل تقديم بعض النصح والإرشاد بما يخدم هذه القضية.
-        قلت له مستهزئاً: حتى الآن هذا الفيلم محبوك بشكل جيد، لكن هل عندك دليل يقنعني ويقنع القراء بصدق روايتك؟.
اقترب مني أكثر، وأخرج من جيبه ورقة وقلماً،،، نظر حوله يمنة ويسرة وقال هامساً:
-        اكتب لو سمحت الأحرف الأولى المختصرة لاسم تنظيم "داعش" باللغة الإنكليزية.
كتبت على الورقة ISIS. نظر فيها وكأنه قد اصطادني محاولاً إحراجي وقال:
-        والآن اكتب تلك الأحرف، ولكن بشكل معكوس.

كتبت على الورقة دون أن أنتبه SISI ، عندها ضرب المسطول على الطاولة بيده صائحاً بصوت دوى في أرجاء المقهى: هل رأيت؟ (سيسي)، وقبل أن يكمل صاحبنا صياحه، إذ برجلين ضخمين كل منهما بحجم عِجْلٍ كانا يجلسان في زاوية المقهى، يحملانه مع الكرسي الذي كان يجلس عليه، ويقذفانه في جوف سيارة انطلقت به لا أدري إلى أين.

Friday, October 24, 2014

(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)

في الوقت الذي يتجه فيه العالم إلى تكوين وحدات سياسية لا يجمعها دين أو لغة أو عرق بل تجمعها المصلحة، يقوم المتظاهرون في عدن، وبعد أدائهم صلاة الجمعة!!! بمظاهرات تطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله. يبدو أن هؤلاء المصلين المسلمين! لم يسمعوا بالآية الكريمة (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، وسنبقى نردد بأن سبب تخلفنا هما الاستعمار والصهيونية، بينما الواقع أن تخلفنا يأتي من داخلنا. أمتنا لم تخرج من متن التاريخ فحسب، بل خرجت من حاشيته أيضاً. 

Wednesday, October 22, 2014

روديو أنغولا

روديو أنغولا
وأنا جالس على مدرج حلبة الروديو، كان نظري يراوح بين مشهدين: واحد أمامي أتمعن فيه، والآخر في الذاكرة أحاول أن أستدعيه. الذي أمامي هو سيارة إسعاف في "سجن أنغولا"، مفتوح بابها الخلفي، والنقالة مبسوطة أمامه مع طاقم طبي متأهب استعداداً لنقل أي مصاب، أما الذي في الذاكرة، فهو مشهد عربة تجرها أربعة خيول مطهمة، تدخل من بوابة حلبة مصارعة الثيران في "مدريد" لكي تجر إلى خارج الحلبة ثوراً قتل للتو طعناً بسيف مصارع. العربة الأولى مخصصة لمساعدة رجل قد يصيبه أذى، والثانية مخصصة لنقل ثور قتيل.
عندما دعاني إلى مرافقته لحضور عرض للروديو في أنغولا، اعتقدت بأن صديقي هذا مخبول يغامر بالذهاب إلى أفريقيا دون أن يكترث بخطر انتشار وباء إيبولا، فلفتُّ نظره إلى أنه ذاهب إلى الموت بقدميه، غير أنه قابل  تحفظي بضحكة مجلجلة: أنغولا يا صديقي اسم سجن في ولاية لويزيانا، يبعد عن خليج المكسيك شمالاً مسيرة حوالي ساعتين بالسيارة، وقد أطلق عليه هذا الاسم لأن معظم السود الذين استقدموا كعبيد للعمل هذه المنطقة كانوا من أنغولا الأفريقية. حَرَمُ السجن عبارة عن ثمانية عشر هكتاراً من الأرض المنبسطة، تغطيها طبقة من عشب أخضر يانع، وعليها تقوم مرافق السجن من مبانٍ للسجناء، وملاعب رياضية، وورش للحرف اليدوية من نجارة وصياغة، إلى جانب مسرح للنشاطات الفنية بأنواعها كالموسيقى والتمثيل والخطابة، وكذلك مساكن ومرافق لعائلات الموظفين (عدد السجناء حوالي 6300 سجين، وعدد الموظفين حوالي 1800 عنصر، أي بواقع عنصر لكل أربعة سجناء تقريباً)، تحيط بالسجن – كباقي سجون الدنيا -  أسلاك شائكة وأبراج عالية للمراقبة ، ويحده نهر الميسيسيبي من جهات ثلاث، أما من الجهة الشرقية فتحده أراضي ولاية الميسيسبي، وقد بدأ استخدام مرافق هذه الأرض كسجن للمحكوم عليهم في هذه الولاية منذ عام 1901، وبعد احتجاجات واسعة على سوء معاملة السجناء، وبحصول السود على حقوقهم المدنية – إذ أن غالبية السجناء منهم - ، تغيرت معاملة إدارة السجن لنزلائه، فبدأت تقيم لهم أنشطة رياضية وفنية ومهنية، وتقدم لهم برامج تعليمية وتربوية، حتى أنه أصبح للسجن الآن قناة تلفزيونية ومحطة إذاعة محلية ومجلة تصدر كل شهرين، جميع تلك الأنشطة يقوم بها السجناء أنفسهم. غير أن اللطيف في الأمر أن سجن أنغولا هذا كان قد بدأ منذ العام 1964، وفي أيام الأحد في شهر أكتوبر من كل سنة، بإقامة واحد من أشهر عروض الروديو في الولايات المتحدة، وهي الرياضة – إن جازت تسميتها رياضة – التي يقوم فيها اللاعبون بامتطاء الخيول والثيران الغير المروضة، وكذلك استعراض مهاراتهم في صيد العجول وتكتيفها، إلى غيرها من مسابقات الفروسية والعروض الهزلية، ويحضر هواة مشاهدة هذه الرياضة من جميع الولايات الأمريكية، وربما من الخارج أيضاً. هنا على مدرج هذه الحلبة أجلس متأملاً سيارة الاسعاف التي تستعد بطاقمها لإسعاف من قد يصيبه مكروه من اللاعبين نتيجة سقوطه عن ظهر حصان أو جرحه بقرن ثور، مع أن اللاعبين يرتدون أثناء قيامهم بالألعاب سترات واقية، وخوذات على الرأس تحميهم من أي أذى قد يصيبهم، والذي إن حصل، فسيتم إسعاف المصاب به خلال لحظات.
لكن الألطف في الموضوع أن معظم المشاركين في هذا النشاط – إن لم يكونوا جميعهم - هم السجناء أنفسهم، وقد ارتدوا بدلات السجن المميزة بخطوطها البيضاء والسوداء، والتي تحمل أسماءهم وأرقامهم على ظهورهم، وبين الجمهور الذي يصل عدده إلى عشرة آلاف متفرج، يجلس أقارب هؤلاء السجناء، يشاهدون أحباءهم من المساجين وهم يلهون ويضحكون أثناء ممارسة هذه الألعاب الممتعة،،، يشجعون أحدهم عندما يمكث فترة طويلة على ظهر ثور أو حصان هائج، أو يهتفون لآخر تمكن من بطح ثور وإمساكه من قرونه، وكذلك التصفيق بحرارة لمن يفشل في محاولته، تشجيعاً له ورفعاً لمعنوياته، وحراس السجن من ضباط وأفراد يمازحون اللاعبين من المساجين ويختلطون بهم اختلاط الصديق بصديقه دون تمييز بين سجين وحارسه،،، هو مهرجان من مشاعر المحبة والتعاطف والإلفة يستدعي دموع الفرح والإعجاب، قل أن ترى نظيراً له في غير هذا المكان. خارج الحلبة وعلى محيطها اصطفت عشرات المطاعم والمحلات التي يقوم بالإشراف عليها السجناء أنفسهم، وفيها يبيعون المأكولات والمشروبات، إلى جانب عدد هائل من المصنوعات الخشبية من كراسٍ وطاولات وقطع أثاث مختلفة، وقطع حلي صنعت من الفضة أو سواها من المعادن، إلى جانب لوحات ورسومات رغم بدائيتها، إلا أنها تعبر عن مكنونات السجناء، خاصة توقهم إلى الحرية وشوقهم إلى الأحبة، وفرق لموسيقى الجاز أو البلوز تعزف وتغني أغانٍ تثير إعجاب الزوار، فيصفقون للفنانين المساجين بحرارة منقطعة النظير،،، جميع هذه المشغولات والمحلات والمهرجانات الموسيقية تتربع على مساحة هائلة من الأرض المحيطة بحلبة الروديو، يتجول فيها الزوار بالآلاف قبل وبعد عرض الروديو، ويدفعون فيها عشرات آلاف الدولارات ثمناً لما قد يشترونه طعام ومشروبات، أو مما صنعه السجناء في الورش الملحقة بالسجن، أما ريع المهرجان (والذي قدر في العام الماضي بأربعمئة وخمسين ألف دولار) فيذهب إلى صندوق تعليم ورعاية السجناء، والإنفاق على تحسين ظروف معيشتهم داخل السجن.
كان واحداً من أجمل الأيام في حياتي، هذا الذي قضيته في ذلك السجن!، ليس لما فيه من بهاء الطقس والاستمتاع بمشاهدة هذا المهرجان الرائع، بل للتعرف على ما يمكن للعقل البشري أن يفعله في سبيل تحسين وتطوير الحياة الإنسانية، خاصة بالنسبة للسجناء، ولا يملك الذهن سوى الشرود إلى الحالة البائسة  في سجون البلاد العربية والعالم الثالث، حيث ليست للسجين أية حقوق أو قيمة إنسانية تذكر، ناهيك عن التعذيب لانتزاع الاعترافات، خاصة من المساجين السياسيين، – هذا إن حفظت حياة السجين من الهلاك على أيدي سجانيه -، حيث يعتبر من يدخل تلك السجون مفقوداً، ومن يخرج منها مولوداً.
هناك، في إسبانيا، يفتك المصارع بالثور، فتجر الخيول الثور القتيل خارجها، وهنا في أمريكا، لا تصاب الخيول والثيران بأي أذى، بل يقف رجال الإسعاف على قدم وساق استعداداً لإسعاف أي مصاب،،، حتى ولو كان سجيناً،،، هما عالمان مختلفان: عالم قديم، وعالم جديد.



Friday, October 17, 2014

جاري صاحب الكيف ينضم إلى مشاة البحرية

جاري صاحب الكيف ينضم إلى مشاة البحرية 
ذات مساء بحثت عنه فلم أجده، فقد مضى أسبوع دون أن أراه في مقهى الحي الذي يجمعني به كل مساء. سألت عنه بعض الأصدقاء، فقالوا بأنه أرسل إليهم رسالة نصية من هاتفه الجوال يقول فيها أنه انضم إلى مشاة البحرية. ضربت كفاً بكف، فكيف ترك  هذا المسطول عائلته وانضم إلى فرقة أمريكية ربما يصدر إليها الأمر بالقتال في بلاد العرب والمسلمين، فهل سيقتل إخوانه في الدين والعروبة؟، والأهم من ذلك: كيف قبلوا هم بانضمامه إلى هذا الفصيل من الجيش الأمريكي وهو المواطن العربي الذي ليس لديه خبرة قتالية، ولا حتى إقامة مؤقتة في الولايات المتحدة؟. هنا بدأت الوساوس تراودني من أنه ربما كان جاسوساً يعمل لصالح المخابرات المركزية أو الإف بي آي أو أي جهاز أمريكي أمني آخر؟، ولكن هل يعقل أنهم كانوا غافلين عن إدمانه الذي أوصله إلى حد الهبل؟، لا، هذا مستحيل، بل الأرجح أنه كان يمثل علينا، نحن أصدقاؤه، دور المدمن حتى يغطي على عمله القذر؟، فهل يمكن أن يكون قد نقل عنا معلومات إلى أسياده؟، وهل يمكن أن تتسبب لنا تلك المعلومات بأي أذى من قبل حكوماتنا العميلة لأمريكا، تلك التي استقبلت المعتقلين الذين أرسلتهم أمريكا إليهم لاستجوابهم تحت التعذيب والإكراه؟، ومع أننا نعرف أنفسنا أبرياء، بل جبناء، من الخوض في أية أحاديث سياسية حساسة على قاعدة (إن الحيطان لها آذان)، ألا يمكن أن يكون هذا الوغد قد زور علينا ما يحلو له لكي يحصل على المال ورضى أسياده ومشغليه؟. مليون فكرة سلبية طرأت على بالي قبل أن أراه صبيحة اليوم التالي. سألته بتردد وخوف واضحين: تردد خشية أن يغضب عليّ، وتودد كسباً لرضاه حتى لا يورطني فيما يمكن أن يؤذيني:
-        افتقدتك بالأمس يا رفيق العمر، فسألت عنك بعض الأصدقاء، فقالوا بأنك انضممت إلى مشاة البحرية، مبروك، لكن هل هذا الخبر صحيح؟.
-        قال: طبعاً صحيح.
 هنا أدركت بأن جميع وساوسي كانت في محلها، فبدأت أحسب ألف حساب أن يأتيني زوار الفجر قبل الفجر بكثير، ثم يصطحبوني بالقوة إلى مركز التحقيق، حيث سأُواجه بتهم اختلقها هذا الأفاك الخائن، الذي اعتقدنا أنه حشاش، فإذا به جاسوس قذر، يتظاهر بالهبل والسذاجة، لكنه أثبت أنه أذكى منا جميعاً نحن أصدقاؤه البلهاء الذين كنا نسخر منه، فإذا به يسخر منا الآن، ويكاد أن يودي بنا في ستين داهية .
 لكنني فوجئت به يتابع:
-        فقد شعرت بأن وزني قد زاد كثيراً في الآونة الأخيرة، فقررت الانضمام إلى مجموعة من أمثالي الذين يريدون إنقاص وزنهم، وقررنا أن نمشي كل يوم خمسة كيلومترات على شاطيء البحر، لذا، ولكي ترتفع معنوياتنا ونثابر على المشي يومياً، فقد بحثنا عن اسم يحمل معاني الشجاعة والإصرار على تحقيق الهدف، فأطلقنا على مجموعتنا اسم (مشاة البحرية) تشبهاً بها في الشجاعة والتصميم، فهل في ذلك أي مشكل؟.
-        قلت له بعصبية وقد تجرأت عليه: ولماذا يا محترم لم ترسل لي نفس الرسالة النصية التي أرسلتها إلى باقي أفراد الشلة؟.
-        قال الخبيث وكأنه يقرأ أفكاري: ببساطة، لأنني أعرفك شكاكاً في جميع تصرفاتي، فلربما اعتبرتني أتظاهر بأنني صاحب كيف، بينما في الحقيقة أعمل جاسوساً أو عميلاً لجهة استخباراتية أمريكية، أو أنني سأقاتل إلى جانب مشاة البحرية الأمريكية ضد العرب والمسلمين، أليس كذلك؟.
-        قلت متلعثماً وأنا أتنفس الصعداء: (لا لا، أبداً. قل لي لو سمحت: من هم أفراد فرقتكم؟، كم عددهم؟، وأين تمشون كل يوم؟، وما هو الوقت المفضل لديكم للمشي؟، وكم ساعة تمشون؟)، وقبل أن أتابع قاطعني قائلاً:
-        بعد كل هذه الأسئلة، من هو عميل المخابرات؟، أنا أم أنت؟، وألا يحق لي أن أسألك بدوري: لصالح من تعمل، لحساب فرع المخابرات الجوية؟، أم لفرع فلسطين؟، أم لفرع 298؟، أم لأي فرع أمني آخر؟.
قلت له، وقد شعرت أنه قد ضبطني مشتبهاً بي: لا والله ولا شيء من ذلك، بل لأنني أرغب في الانضمام إلى فرقتكم، فرقة (مشاة البحرية).