Monday, June 1, 2009

حاولت جهدي أن أكون حماراً ... ونجحت
( وليد الحلبي )

مللت عيشتي لكثرة تبرمي من كل ما هو حولي:
1- يقفل أحدهم حدوده مع جاره لمدة سبعة عشر عاماً ، فيقطع أوصال الشعبين الجارين ، وتتفكك عرى الأخوة بينهما ، ومع أنه لا يطالني شيء من هذا الأذى والحمق ، غير أنني لا أنام الليل ، ولا أهدأ النهار ، أكيل الشتائم للقطرين ، فيرتفع ضغطي شبرين ، وينصحني طبيبي بأن أطنش المواضيع التي لا تعجبني ، ويوصيني بعدم مشاهدة أخبار الجزيرة ، والتي ينصح مرضاه من أصحاب الضغط المنخفض بمتابعتها باستمرار ، وأن أداوم على قنوات الهز والرقص ، والتي لا يطالها شطب الرقيب ولا بتر المقص ، غير أنني أرفض النصيحة وأتابع الانتحار.
2- يلتزم أحدهم بعهوده ومواثيقه مع قتلة أفراد جيشه دوساً بالدبابات ، فيقفل معبراً يمد أبناء جلدته ودمه ودينه بسبل الحياة ، وذلك دون أن يرف له جفن أو يحمر له خد ، فأبدأ بكيل الشتائم بأقذع العبارات ، وأحقر المفردات ، لكنني أنتبه إلى أن مفرداتي الساقطة وعباراتي المقذعة ، والتي قضيت العمر أجمعها من أرصفة السفالة ومواخير الدعارة ، لا تتناسب والمقام ، وأحسب أن هذه الألفاظ نفسها ترفض ، بل وتشمئز من إطلاقها على هكذا شيء ، فأصمت وأقسم بأغلظ الأيمان أنني سأقاضي مجامع اللغة العربية التي عجز علماؤها الأفاضل عن صياغة شتائم توفي المقام التافه حقه ، ومع أنني تحديتهم كثيراً للقيام بذلك ، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً . طلبت من مومس أن تصف لي الوضع الراهن بالتمام ، فاعتذرت بأدب واحتشام .
3- تتحالف قبائل يعرب العاربة منها والمستعربة والمتعربة مع راعي بقر أحمق لكي تغزو معه غزوة العمر ضد شقيق مجاور ، وتعود محملة بدماء الشهداء ودموع الأرامل وبكاء الأيتام وحفنة من رضى الراعي الحقير ، فتنتفض روحي ، ويغلي الدم في رأسي ، ويحذرني صحبي من الجنون الذي يوشك أن يضرب دماغي . فكرت باستخدام قاموس الشتائم وعجزت ، فطلبت من نفس المومس أن تستحضر الشتائم التي تلعن بها زبائنها الذين يتهربون من دفع المعلوم ، ، ، لم تجد المسكينة مفردات تناسب ما رأت ، فهزت رأسها بيأس ومضت.
4- واحد من متخلفي القرنين العشرين والحادي والعشرين وربما الثاني والعشرين – هذا لو قدر له أن يبقى عميداً للحكام العرب قرناً آخر - يفرغ خزينة شعبه وراء الحصول على تقنية متطورة ينتفخ بها ويتباهى كأنه دولة عظمى ، لكنه ، وفي لحظة ضعف وجبن وانهيار، يضع أبحاثه ومعداته وعلماءه على سطح سفينة تعبر المحيطات والبحار ، لكي تحط رحالها في مستودعات النسيان والسخرية ، فأقفز في الهواء من الغيظ ، وكأن والدي هو الذي تحمل نفقات البرنامج التعيس وحرمني وإخوتي من الإرث. غرقت في ضحكٍ باكٍ من تفاهة المشهد . فتشت عن المومس لكي أستعين بها في التوصيف لكنها لوحت لي من بعيد بابتسامة ساخرة ، واختفت.
5- حركة وطنية تمشي على سير متحرك في مكانه باتجاه الوطن منذ حوالي نصف القرن ، بسرعة صفر في السنة ، غير متنبهة إلى حقيقة أنها تضم عدداً من الفصائل والجبهات المتناقضة التطلعات والرؤى والبرامج ، يفوق عددها عدد أصابع اليدين والقدمين ، متجاهلة أن حركات التحرير على مر تاريخ المقاومة ضد الاحتلال لم تكن تتكون من أكثر من جبهة واحدة ( جبهة التحرير الجزائرية – جبهة تحرير فييتنام – السندنيستا – الكونترا – نمور التاميل - الماوماو ...) ، فأبدأ بالبحث عن الهواتف الجوالة لقادة هذه الفصائل في محاولة للفت انتباههم إلى هذه الحقيقة ، لكنني أفاجأ بأنهم جميعاً يستخدمون شبكة إسرائيل نت ، فيسقط في يدي وقدمي . نظرت في المرآة لكي أتذكر المثل الصيني القائل:( إذا ساءت الأحوال فانظر إلى وجهك في المرآة ) ، لكي أستمد منه حكمة وفلسفة ، فرأيت بدلاً من ذلك أكواماً من القمامة تغطي الوجه عاليه إلى أسفله ، وعجزت حتى عن أخذ رأي المومس فيما يجري ، ولنفترض أنها قالت شيئا ، فماذا كانت ستقول ؟ .
6- كيان عربي احتُلَّ جزءٌ من أرضه منذ حوالي نصف القرن ، يحضِّر لاستعادة الأرض عن طريق تصنيع أشهى أنواع العلكة والمعسّل ومساحيق الغسيل والشامبو وأجود أنواع البامبرز والكلينكس ، دون أن يتمكن من صنع مدفع يصل مداه إلى الكيلومتر الواحد. رغبت في الاستعانة بصديق من ذلك الكيان لكي يملي علي الشتائم المناسبة ، فوجدته أصماً أبكم ضريراً منذ نيف وأربعين سنة ، وأومأت لي المومس إياها بأن عذره مقبول وسعيه موصول وجبنه معقول ، فصمتّْ.
7- سمعت أن صحيفة يابانية تبيع عشرة ملايين نسخة في اليوم الواحد ، فتذكرت أن عشرات الملايين عندنا لا يقرأون جريدة واحدة في السنة الواحدة ، فلعنت الساعة التي اخترعت فيها أوغاريت أبجديتها الأولى منذ قديم الزمان لدرجة أنها نسيتها. وهل هناك أجمل من الأمية في عالم متعلم ؟ . إنه إنجاز اقتصادي لا يصدق أن ترى أمة الجهل تقتصد يومياً الملايين بامتناعها عن شراء الصحف اليومية التي لا تلزمها إلا لوضعها على الشبابيك بدل الستائر ، وعلى طاولات الطعام بدل الشراشف. أنعم بها وأكرم من أمة أكثر من نصفها أمي جاهل ، والباقي من أفرادها بالكاد يفك الخط. من يجد شتيمة مناسبة لهذه الحالة فليتكرم مشكوراً بنشرها في الجرائد الرسمية لدول زمن الانهيار.

نظرت حولي فلم أجد أكثر هدوءاً من الحمار: يقضي عمره يعمل بجد وكد تحت أقسى الظروف والأحوال ، دون أن يتذمر أو ينبس ببنت شفة ، أو يشعر بأي خوف أو سخط . يرى قذارة طبع صاحبه وظلمه له ، فيتقبل ذلك بصدر رحب ، مع أن الحمل ثقيل والطريق صعب . يسير طيلة حياته خلف الجزرة دون أن يظفر بها ، لكنه أبداً لا يكل ولا يسأم ، لا يمل ولا يشتم ، ولذلك فإن ضغط دمه على الدوام ، وعلى مر السنين والأيام ، ثابت على 80/120 ، أي أنه أفضل من ضغط دمي بدرجات ، مع أنه لا يتناول أي دواء ، بينما أتناول أنا من الدواء أكثر مما أتناول من الغذاء ، ولسانه أنظف من لساني بكثير ، إذ لا شتائم في عالم الحمير.

ولذا ، وبعد أن فكرت في مصلحتي ، ورغبت في الحفاظ على ضغطي وبالتالي صحتي
وبما أن العمر ليس بـ( بعزقة ) ، ومتابعة تفاهات الأسياد مهلكة ومحرقة ، لذا قررت
أن أكون حماراً بجدارة ، فأنأى بلساني عن البذاءة والقذارة ، وأحافظ على ضغط دمي
على نفس درجة ضغطه 80/120 ، ونجحت في ذلك أيما نجاح ، وأشعر أنني سعيد
ومرتاح ، ومن يصدق ما جربت ، فلينهج ما نهجت ، ومن يفشل في مسعاه ، فليبق
على حاله إياه ، فهل هناك في هذا الزمن الحقير ، أسعد وأهنأ من طائفة الحمير؟.