Tuesday, September 27, 2016

الأكراد والبليارد

         (هذا المقال يتناول مواقف القيادات السياسية الكردية، وليس الشعب الكردي بالتأكيد)
    رغم اختلاف تسمياتها وتنوع قواعدها وبلاد منشئها، تبقى لعبة البلياردو متشابهة في كثير من تفاصيلها، وفي مقدمتها وجود منضدة، عليها كرات اختلفت أعدادها، وتنوعت المواد التي تصنع منها، وعصى لضرب الكرات ودفعها للاتجاه إلى جيوب مثبتة على جوانب المنضدة، ثم السقوط فيها، ولاعب أو أكثر يتناوبون الإمساك بالعصا لضرب الكرات، لكن يبدو أن الكرة البيضاء هي أهم الكرات التي على سطح المنضدة، تلك التي يضربها اللاعب بالعصا لكي تصدم هي بدورها باقي الكرات، محاولة دفعها إلى الجيوب والسقوط فيها.
    ربما تكون هذه المقدمة مناسبة للوصول إلى القول بأن الكرة التي تستهدفها العصا في لعبة البليارد، تشبه إلى حد بعيد القوى السياسية الكردية المتواجدة على أراضي أربعة كيانات سياسية قوية هي دول العراق وإيران وتركيا وسوريا، حيث تقوم هذه الدول باستخدام الكرة الكردية ضد بعضها البعض. وربما كان من سوء طالع قبائل الكرد أنها نشأت وتوضعت في بيئة جبلية قاسية في غرب آسيا منذ أزمنة سحيقة، ونظراً لقسوة الطبيعة هناك وانعزالها عن ساحل بحري، فقد أدى ذلك بالتالي إلى انعزال القبائل الكردية، وتشتتها في جبال شاهقة ووديان سحيقة، مما أدى إلى استحالة قيام دولة كردية متماسكة تجمع شملهم، وتثبت كيانهم سياسياً وقومياً، فاشتراكهم في لغة واحدة، وبتاريخ أقرب إلى الأساطير، وبتوجهات عامة باتجاه هدف مشترك، هذه جميعها لم تمكنهم من تحقيق حلمهم بقيام دولة كردية، فالطبيعة القاسية كانت أقوى من جميع تلك الروابط، مما اضطر القوم إلى الخضوع للكيانات السياسية التي اجتاحت مناطقهم منذ فترة ما قبل الغزو المغولي، إلى ما بعد سقوط الإمبراطوريتين: الروسية والعثمانية، والاتحاد السوفييتي. وبعد نشوء الكيانات السياسية التي يتوضعون على أراضيها (العراق - إيران - سوريا - تركيا) استمر الأكراد في مناطقهم، تفصلهم حدود تلك الدول، دون أن تلغي أحلامهم بقيام دولة واحدة تجمعهم.
    لكن الأخطر في حياة الأكراد كان تنافس الدول التي يقطنونها، وقيامها باستخدامهم ضد بعضها البعض، فباستثناء قيام دولة " مها آباد" الكردية شمال غرب إيران في أربعينيات القرن الماضي - ولمدة لم تزد على ستة أشهر بسبب غياب السلطة المركزية للدولة  الإيرانية -، لم يتمكن الأكراد من الاقتراب من حلمهم التاريخي، وبالتالي كانوا دوماً على استعداد لأن يكونوا الكرة التي تحركها العصا الخشبية لكي تطيح بالكرات الأخرى خدمة لمآرب حامل العصا، أو بعبارة أخرى أصبحوا " بندقية للإيجار"، وكلما ضعفت سلطة الدولة في أي من تلك الدول الأربع، ازدادت قدرة الأكراد على قضِّ مضجعها، وبالتالي خدمة من يريد إلحاق الضرر بها.
العراق: ففي ستينيات القرن الماضي، وبتجدد النزاع التاريخي بين العراق وإيران بسبب قيام حكم قومي في العراق بعد الإطاحة بالملكية عام 1958، وإسقاط حلف بغداد الذي كانت إيران أحد أهم مؤسسيه، دعمت إيران بقوة - معززة بالموساد الإسرائيلي - ثورة الملا مصطفى البرزاني في شمال العراق، وزودته بالمعدات وأجهزة الاتصال والمال والسلاح لكي يقض مضاجع الحكومة العراقية، وصور القادة الأكراد وزياراتهم المتكررة إلى إسرائيل تثبت هذه الوقائع بما لا يدع مجالاً للشك والريبة، ورغم التعاطف العربي مع العراق( حيث أرسلت سوريا عام 1963 لواء اليرموك بقيادة الضابط فهد الشاعر للقتال مع العراقيين)، فقد تواصلت ثورة الأكراد إلى أن توجت – وللمفارقة ليس بقيام دولة كردية -، بل بإجبار شاه إيران العراقيين على توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975، تلك التي خسر فيها العراق السيطرة على كامل مياه شط العرب – النهاية الجنوبية لحدود العراق الشرقية مع إيران – فتقدم خط الحدود الإيراني إلى منتصف مياه الشط. نتيجة لذلك توطد نفوذ البرزاني دون أن يصل إلى حد إعلان قيام دولة، وخلال نشوب الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988) وما بعدها، توطد الكيان السياسي لإقليم كردستان العراق، وفي فترة التسعينيات، في أعقاب حرب الخليج الثانية وفرض الحصار الدولي على العراق ورفع الإقليم علمه الخاص به، انحسر النفوذ الإيراني عنه، مع تصاعد واضح للنفوذين الأمريكي والإسرائيلي، كما شهدت تلك الفترة صراعاً مريراً بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم، وهما حزب مسعود البرزاني ( الديمقراطي الكردستاني )، وحزب جلال طالباني ( الاتحاد الوطني الكردستاني )، وكلاهما زعيمان تقليديان للأكراد، مارسا النفوذ القبلي من أجل الاستئثار بحكم الإقليم والسيطرة على موارده المتأتية أصلاً من رسوم الترانزيت وعمليات التهريب (أسلحة – بضائع - مخدرات)، ووصل الصراع بينهما حداً استقوى به الطالباني بإيران والبرزاني بحكومة بغداد ، ولم ينته هذا الصراع إلا بدخول المخابرات المركزية فعلياً أراضي الإقليم، لكي تنطلق منه باتجاه العاصمة بغداد، مستفيدة من حظر الطيران الذي حرم العراق من إمكانيات سلاحه الجوي لصد توجهات الأكراد وحلفائهم من القوى الغربية، وبعد احتلال بغداد عام 2003، يبدو أن نزع فتيل الصراع بين مسعود البرزاني وجلال الطالباني قد حسمه الأمريكيون بفرض هذا الأخير رئيساً لجمهورية العراق.  
تركيا: نظراً لتركز غالبية الأكراد في جزئها الجنوبي الشرقي، وبسبب الطبيعة الجبلية القاسية الوعرة، فقد كانوا كذلك أدوات تحركهم دولتا إيران وإقليم كردستان العراق، وربما سوريا في بعض الأحيان. فخلال فترة انحسار نفوذ بغداد عن إقليمها الشمالي، كردستان، نشط فيه حزب العمال الكردستاني التركي، الذي اتخذ من جباله المنيعة منطلقاً لمهاجمة القوات التركية، التي اتخذت من سياسة الهجوم على شمال العراق لمهاجمة قوات الحزب هناك سياسة ثابتة خلال تسعينيات القرن الماضي، كما أن سوريا حافظ الأسد قد ساهمت في دعم ذلك الحزب الكردي باستضافتها زعيمه عبد الله أوجلان، الذي انشأ معسكرات تدريب لرجاله في سهل البقاع اللبناني تحت إشراف سوري، واستمر إلى أن أجبرت تركيا الرئيس حافظ الأسد على التخلي عن أوجلان وطرده من سوريا ولبنان عام 1998، ثم ألقي القبض عليه في نيروبي بكينيا عام 1999. تبدو تركيا وكأنها الطرف الوحيد من منظومة الدول التي يقيم فيها الأكراد، والتي لم تستفد من تحريكهم داخل البلدان المجاورة، بل لعلها تكون الدولة الأكثر تضرراً من محاولات دول الجوار الاستفادة من" الكرة الكردية "، واقتصر الدور التركي على الدفاع عن حدودها الجنوبية الشرقية، وتصديها لسياسات كل من العراق وسوريا وإيران الرامية إلى الاستفادة من الوجود الكردي داخل الأراضي التركية.
سوريا: ربما كانت طبيعة الأرض السهلية التي يقيم فيها الأكراد شمال شرق سورية، من بين المعوقات أمام قيام حركة كردية سورية مسلحة، على عكس ما هو عليه الحال في المناطق الجبلية في كل من العراق وإيران وتركيا، فجبال شمال شرق سورية في أعلى قممها ( 550 متراً عن سطح البحر) هي أقل ارتفاعاً من مدينة دمشق ( 740 متراً عن سطح البحر ) وهذا ما ميز ميل أكراد سوريا إلى النضال الثقافي، وربما السياسي السلمي، والابتعاد عن ترسُّم خطى أقرانهم في العراق وتركيا، وربما في إيران، علاوة على تمدد الأكراد على كامل مساحة الأرض السورية، مما أوجد بينهم نوعاً من ضعف الشعور القومي (ضعف وليس زوال)، فالكثير من أكراد سورية لا يتقنون التحدث باللغة الكردية، ويجهلون تاريخهم، كل ذلك علاوة على القبضة الأمنية الحديدية لنظام البعث في دمشق حيال كل ما كان يمكن أن يصدر من أكراد شمالها الشرقي.
إيران: يتوضع الأكراد في جهاتها الشمالية الغربية مع حدود تركيا والعراق، وكانت أولى محاولاتهم السياسية هي استغلال انشغال طهران بمجريات الحرب العالمية الثانية، فأعلنوا عام 1945 دولة "مها آباد" التي استمرت لمدة لم تزد على الستة أشهر قبل أن تعود القوات الإيرانية لكي تلغيها وتعدم قادتها. وفيما بعد، نجحت دبلوماسية شاه إيران في تدجين القيادات الكردية وتحييدها في صراعات دول المنطقة، بل إن دعمه لأكراد العراق قد جعله أقرب إلى قلوب أكراد إيران، والأكراد بشكل عام، فقد تعاون جهازا السافاك الإيراني والموساد الإسرائيلي في إيصال المساعدات إلى الملا مصطفى البرزاني لتدعيم ثورته ضد الحكومة المركزية في بغداد، ونتيجة لذلك، وبدم ضحايا الصراع من الأكراد والعرب العراقيين، كتبت "اتفاقية الجزائر" لعام 1975، التي وقعها العراق مرغماً بفعل التمرد الكردي، والتي خسر بموجبها – كما أسلفت – نصف شط العرب لصالح إيران، وبعد قيام ثورة الخميني عام 1979، كان طرحها الإسلامي نوعاً من مسكن هدأ من جموح الأكراد عموماً، والإيرانيين منهم بشكل خاص، علاوة على أن استمرار العداء الإيراني للعراق - ربما أشد مما كان عليه الحال زمن الشاه، متمثلاً في حرب الثماني سنوات (22/9/1980-8/8/1988) - والتي اتهم العراق زوراً ببدئها والإصرار عليها* - قد أرضى الأكراد إلى حدٍّ ما، وحال بينهم وبين اللجوء إلى القوة المسلحة للمطالبة بحقوقهم القومية.
    في جميع الحالات، ومهما تغيرت العصا واللاعبون، تبقى الكرة المستخدمة في ضرب باقي الكرات هي الكرة الكردية: تُضرب هي بالعصا، وتَضرِبُ هي غيرها من الكرات في نفس الوقت تقريباً.          
_______________________________________
*- صرح عبد الأمير الأنباري، مندوب العراق في الأمم المتحدة، بأن العراق وافق على وقف القتال بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 479 بتاريخ 28 سبتمبر 1980 بعد ستة أيام من بدئه، لكن إيران رفضت. وعندما اضطر الخميني إلى الموافقة على وقف القتال مع العراق في 8/8/1988، قال قولته المشهورة:"إن تجرع السم أهون عليَّ من توقيع هذا الاتفاق".


Thursday, September 22, 2016

الصديق فخري البارودي: صاحب "بلاد العرب أوطاني"

    مما لا شك فيه أن معظم المثقفين العرب قد قرأوا الأبيات الشعرية التي عُدَّت من أفضل ما قيل في التعبير عن الحس القومي العربي:
بلاد العرب أوطاني      من  الشام  لبغدان
ومن  نجد إلى  يمن      إلى مصر فتطوان
    كما مما لا شك فيه أيضاً أن قلة من هؤلاء المثقفين يعرفون قائلها، وهو المناضل السوري الكبير، والرجل الذي يقترن اسمه بالحركة الوطنية السورية على مدار القرن العشرين ( فخري البارودي 1887-1966)، وبما أن الوصول إلى المعلومة، أية معلومة، هذه الأيام لا يكلف صاحبها سوى الضغط على زر البحث في أي محرك بحث على الشبكة العنكبوتية، فإن هذا المقال لا يهدف إلى سرد سيرة حياة هذا الرجل العظيم، بل إلى إلقاء الضوء على بعض ما تميزت به شخصيته من سعة علم، واتساع أفق، ووطنية وعروبة متدفقة، وقبل ذلك وبعده، التواضع الذي لا مثيل له في هذا المستوى من الرجال، وذلك عن قرب بحكم صداقتي معه، ولو لفترة قصيرة.
    ولد البارودي في حي القنوات بدمشق لأسرة ترجع أصولها إلى الشيخ ضاهر العمر، حاكم الجليل شمال فلسطين في النصف الثاني من القرن الثامن عشر زمن الدولة العثمانية، وقد أنهى فخري تعليمه في مكتب عنبر بدمشق، وانخرط في الحركة الوطنية التي تألبت على الدولة العثمانية كنتيجة لسياسة التتريك التي اتبعها حكام تركيا الجدد بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني، وكان معظم هؤلاء الحكام من يهود سالونيك، الذين عزلوا السلطان عبد الحميد بسبب رفضه منح فلسطين لليهود في مقابلته الشهيرة مع هيرتزل.
    بعد طرد الأتراك من سوريا كنتيجة مباشرة للحرب العالمية الأولى، وفرض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، بدأ نضال الحركة الوطنية السورية ضد سلطات الانتداب الفرنسي، وقد كان البارودي في طليعة رجالات هذه الحركة، فنفي وسجن عدة مرات، لكنه لم يساوم على قضية وطنه وشعبه، وبعد الاستقلال استمر وجوده في المجتمع الدمشقي كأبرز وجوهه، وتفرغ في هذه الأثناء للمطالعة والتأليف، فكتب في التاريخ والأدب والشعر والموسيقى، وغيرها من فنون الكتابة، وكم كانت سعادته غامرة بقيام الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير عام 1958، حيث،-  وكما أخبرني فيما بعد – بأن أحلامه في الوحدة العربية قد بدأت تتحقق.  
    بعد العدوان الثلاثي على مصر في خريف 1956، وقفت سوريا إلى جانب مصر، وأذكر أنه تشكلت في تلك الأيام كتائب المقاومة الشعبية في كافة المدن السورية، ووزعت عليها الأسلحة، وبدأت التدريب في ملاعب كرة القدم وغيرها من المرافق ( أذكر أننا كنا أولاداً نتفرج على الشباب وهم يتدربون على إطلاق النار في ملعب الميسات بدمشق )، وربما كان تشكيل هذه المقاومة الشعبية رداً سوريا للجميل على إرسال عبد الناصر فرقة مصرية لكي ترابط على الحدود السورية التركية بعد أن حشدت أنقرة قواتها العسكرية على الحدود السورية الشمالية عام 1955 ( كما ستفعل سوريا فيما بعد عام 1963 عندما أرسلت كتيبة اليرموك بقيادة العقيد فهد الشاعر للقتال إلى جانب حكومة بغداد ضد الأكراد المدعومين من شاه إيران وإسرائيل )، وبعد قيام الوحدة السورية المصرية، منح فخري البارودي رتبة عقيد فخري، وأصبح قائداً لكتائب المقاومة الشعبية.
    وربما أسمح لنفسي بالتميز في هذه المقالة لكي أقول بأنني سعدت بلقاء الرجل وصداقته – رغم الفارق في السن بيني وبينه -، ذلك أنني، وفي بداية حياتي العملية عام 1964، استأجرت داراً في حي ركن الدين بدمشق، صادف أن كان منزل البارودي ملاصقاً لمنزلي، وذات مساء طرق باب منزلي شاب وسيم قدم نفسه لي على أنه مساعد فخري بك (كما كان يطلق عليه )، وقال بأن البيك قد علم بقدومي إلى هذا الحي، وهو يدعوني لشرب فنجان قهوة معه. عجبت لهذه المبادرة، فأين أنا من هذا الرجل العظيم الذي كان اسمه وشخصه في تلك الأيام ملء السمع والبصر، لذا لم يكن بإمكاني سوى تلبية الدعوة، وبالفعل لم يكد مساعده يفتح لي الباب حتى رأيت (البيك )، على كبر سنه، يتقدم مني بصعوبة مصافحاً باشاً مرحباً بي بحرارة كما لو كان يعرفني منذ زمن طويل. منذ تلك المقابلة الأولى بدأت علاقتي الدائمة بالرجل، تلك العلاقة التي استمرت لمدة سنتين حتى وفاته، رحمه الله، في مايو 1966.
    خلال جلساتي المطولة معه، لمست بحق مدى شفافية روح هذا الإنسان العظيم، فإلى جانب علمه الغزير، ووطنيته الدافقة، تواضع جم ينم عن تربية وسمو خلق لم أجد لهما مثيلاً في حياتي، وفي داره المؤلفة من خمس غرف، أفرد البيك غرفتين ملأهما بالأرفف الخشبية من الأرض إلى السقف على مدار الجدران الأربعة، وعليها كدس كمية هائلة من الكتب، وضعت على كل كتاب أختام توضح أنها مقدمة هدية إلى المكتبة الظاهرية بدمشق بعد وفاة صاحبها، ولم تكن هذه الأعداد الهائلة من الكتب فقط هي التي اقتناها البارودي، ولكن لمكتبته الأصلية قصة محزنة. كان للبارودي – قبل هذا المنزل المجاور لمنزلي – فيلا من طابقين تقع في بستان يطل على ساحة الأمويين (حيث حديقة تشرين الآن )، في منطقة الحواكير، وقد كانت عامرة بالكتب من كل فن ولون، وفي يوم 18 تموز من عام 1963 قام العقيد جاسم علوان (ذو التوجه الناصري) بتمرد عسكري هدف إلى الاستيلاء على مقر الإذاعة والتلفزيون والأركان العامة للجيش الواقعة في ساحة الأمويين، ونتيجة للمعارك الشرسة بين المهاجمين والمدافعين، سقطت قذيفة مدفعية على منزل فخري بك فأحرقته بما فيه، وذهبت مكتبته هباء خلال دقائق، وفي هذا الوقت كان صاحب الفيلا يقضي إجازة الصيف في مصيف الزبداني ( وقيل بلودان، ولا بأس في ذلك فهما متجاوران)، وكان كلما تذكر الحادثة، تفر الدموع من عينيه حزناً لا على شيء سوى على المكتبة. كان رحمه الله سخي الدمعة، تسيل من عينيه بسهولة، سهولة ضحكته التي كان يطلقها عند سماع أو قول نكتة، وأذكر أنه – لشغفه بالموسيقى –  كان يطلب من مساعده "فهد المرشد" أن يضع له شريط التسجيل لموسيقى الكلارينيت التركية، وعندما كان يستبد به الطرب، يطلب من فهد أن يناوله الرق، فيبدأ بالضرب عليه والدموع تسيل من عينيه وهو يهز رأسه حبوراً وطرباً، وعندما تتوقف الموسيقى، كان يمسح دموعه ويدعوني، مع صديقين آخرين، إلى شرفة منزله المطلة على غوطة دمشق (يوم أن كانت هناك غوطة)، ثم يطلب من "فهد" إحضار أوراق اللعب لتزجية الوقت والتسلية. كان البارودي شاعراً مجيداً، مرهف الحس إلى درجة كبيرة، ذواق للموسيقى والشعر بشكل يدعو إلى العجب والإعجاب، وربما كانت قلة من الناس تعرف بأن المطرب السوري صاحب القدود الحلبية هو من اكتشاف وتشجيع البارودي، وهو الذي قدمه إلى الإذاعة السورية، وكان اسمه (صبحي أبو قوس) لكنه اتخذ اسماً فنياً هو صباح (تحريف صبحي) وفخري نسبة لفخري البارودي، كما يعود الفضل إلى البارودي في تشجيع وتطوير رقصة السماح، والتي تعود أصولها إلى بلدة "منبج" القريبة من حلب، والتي تؤدى من قبل العنصر النسائي على وقع غناء الموشحات.  
    لم أرَ البارودي يوماً يجلس في بيته وحيداً دون أن يكون عنده زوار من أصدقاء قدامى أو جدد، فقد كان – رحمه الله – يجد نفسه في الناس، وكان يقول لي هامساً: (الناس بالنسبة لي مثل الماء بالنسبة للسمك، بدونهم أموت)، فقلما كان يتناول الغداء أو العشاء وحيداً، بل كانت موائده عامرة بالضيوف في جميع الأوقات، ونظراً للمودة التي جمعتنا، فقد أهداني ديوانين من شعره وبتوقيعه، قلب يحترق، وتاريخ يتكلم، ربما كانا أغلى ما أملك من كتب.
     في أواخر سني حياته، كان يبدو قصير القامة بشكل لافت، بينما كانت صوره في شبابه، والتي كان يعتز بها عندما كان يعرضها علي في ألبوماته الكثيرة، كان يبدو طويل القامة بشكل لافت أيضاً، ولسوء حظي، فقد غادر البارودي هذه الدنيا في أوائل أيار – مايو – 1966، بينما كنت خارج دمشق، فلم أتشرف بمواكبة جثمانه إلى مثواه الأخير في مقبرة الباب الصغير، الواقعة على أول الطريق إلى حي الميدان بعد حي الشاغور، وقيل بأن دمشق بكافة رجالاتها من أدباء ومفكرين وقدماء المجاهدين وما تبقى من السياسيين - بعد أن شتت نظام ثورة! آذار شملهم، فلجأوا إلى دول مجاورة – جميعهم شاركوا في التشييع.
 وحتى هذا اليوم، وكلما ابتعدت ذكراه زمنياً عن ذهني، كلما شعرت بحنين جارف إلى حضوره.
رحم الله فخري بك البارودي فقد كان من نوع الرجال الذين لا يجود بهم الزمان إلا نادراً.    
  


وليد الحلبي - الصديق فخري البارودي صاحب -بلاد العرب أوطاني-

وليد الحلبي - الصديق فخري البارودي صاحب -بلاد العرب أوطاني-

Tuesday, August 9, 2016

الثابت والمتحرك في القضية السورية

يعيب الغربيون على أبناء العالم الثالث  – ونحن منهم - جملة من الممارسات السلبية، بعضها يرونها حكراً على  العرب دون غيرهم، كالاستبداد واختلال الذمة والواسطة، غير أنهم في قرارة أنفسهم يتمنون لو كانت لديهم هذه المواصفات، لكنهم، ولسوء حظهم، قد نشأوا في مجتمعات تطورت وترقت إلى الحد الذي انعدمت عندهم سلبيات، إلى حد كبير، بينما استمرت عند الآخرين:
فمن حيث الاستبداد: لنا أن نتخيل أحلام الرؤساء الغربيين وتمنياتهم لو أنهم كانوا رؤساء جمهوريات عربية، إذن لامتدت سنوات حكمهم إلى عقود طوال من السنين، بدلاً من طردهم صاغرين من قصور الرئاسة بعد دورتين رئاسيتين على أقصى حد. أفلم يكن  جورج بوش يتمنى لو كان رئيساً لجمهورية مصر العربية؟، وألم يكن ساركوزي يتوق إلى ترؤس الجمهورية العربية السورية؟، وهل كان أقرب إلى أحلام طوني بلير من أن يكون رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية؟ أليسوا بشراً مثل رؤساء مصر وسوريا ومنظمة التحرير، فتكون لديهم نفس تمنيات أؤلئك الرؤساء وطموحاتهم؟، لكن دساتير بلدانهم ونظامهم السياسي كبلت أيديهم، فخرجوا من قصور الرئاسة صاغرين.
ومن حيث اختلال الذمة: فحدث ولا حرج عن السرقات التي تقوم بها شخصيات عامة في الغرب كما في الشرق، وهل مثال برلسكوني الإيطالي غائب عن الأذهان؟، وألا يقدم لنا نموذجاً متطابقاً مع رفيق الحريري؟، فكلاهما قد جمع المال والسلطة بشكل مشبوه، وكلاهما سيطر على القضاء، فنجى من تهم بالفساد. المهم أن يسرق المسؤول بشكل مهني محترف يحول دون القبض عليه بالجرم المشهود.
أما الواسطة: فقد برع العرب في استخدامها وتطبيقها بشكل فاق الآخرين، الذين عجزوا عن مجاراتهم فيها. ففي الواسطة يحصل المرء - نتيجة واسطة ودعم من قريب أو نسيب، أو لتنفيذ مصلحة مشتركة - على مواقع وظيفية لا تمت إلى تخصصه بصلة من قريب أو بعيد، وذلك تحقيقاً لمنفعة مادية محضة، أو للتخلص من بعض العناصر الغير مرغوب فيها، أو للسيطرة على موقع معين عن طريق التعيين القسري، فوضع الرجل في غير مكانه المناسب يعتبر خيانة عظمى في الدول المحترمة، يعاقب عليها القانون، أما عندنا فهي أمر واقع، اعتاده الناس كأنه هو الجوهر وما عداه هو الزيف. غير أن المؤيدين لفكرة الواسطة عندنا يرون إيجابياتها دون السلبيات، فهم يصرون على أن عمل المرء في غير مجال تخصصه هو دليل قدرات خارقة، وإرادة صلبة، حيث يكون عليه بذل جهد كبير لإثبات وجوده، كما أنه يُقبِلُ على تعلم مهارات جديدة أكثر من الموظف الذي يعمل في مجال تخصصه فحسب، فمثلاً: هذا المتخصص في الزراعة المدارية يعمل مديراً لمصنع نسيج لأن وزير الصناعة والد زوجته، وذاك الألمعي في الفيزياء النووية يعمل مديراً لإحدى شركات البناءالحكومية لأن رئيس الوزراء خاله، أما الطبيب البيطري المختص بمعالجة البعوض من الملاريا!!!، فيرأس لجنة حكماء للفصل في النزاعات الحدودية العربية – العربية لأنه شقيق وزير الداخلية،،، هؤلاء جميعهم اكتسبوا إلى جانب تخصصاتهم الرئيسية مجالات تخصص أخرى، ولئن لم يبرعوا فيها على الفور، فإن الزمن كفيل بمنحهم فرصة للتعلم، لكن  الإبداع يبدو بشكل أوضح عندما ينتقل الطبيب البيطري للعمل كمدير لمصنع النسيج، وإخصائي الفيزياء النووية لكي يرأس لجنة حكماء الحدود، وصاحب الدكتوراة في الزراعات المدارية لكي يرأس شركة البناء الحكومية. هذه أمثلة واضحة على الجَيَشان والتحدي الإيجابي الذي يسود بين الأخصائيين العرب!، أما في الغرب، وخاصة في اليابان - مع أنها في أقصى الشرق - فيبدأ  الأخصائي العمل في مجال تخصصه ويبقى فيه حتى آخر يوم في حياته العملية قبل الإحالة على التقاعد، دون أن تكون أمامه فرصة الاطلاع على مجالات أخرى سوى مجاله، وفي هذا قتل لمواهبه الدفينة!.
جميع التخصصات المذكورة يستطيع المرء الربط بينها بطريقة ما، حتى بليّ عنق الحقيقة، غير أن المجال الذي لا يمكن للمرء أن يتصور تنوع العمل فيه، فهو طب الأسنان، فطبيب الأسنان - وقد أهمل سائر الجسد وركز اهتمامه على هذا الجزء المليء بالأسنان في أسفل الوجه - لو أسندت إليه مهمة معالجة اللسان أو اللوزتين أو الأنف أو حتى الرئتين، لقلنا نعم، ولحمدنا الله على أن الذي أسندت إليه هذه المهمة قد اطلع على هذه الأعضاء ولو عن بعد وبشكل سريع، أما أن تسند إلى طبيب الأسنان مهمة دبلوماسية، يمثل فيها قضية شعب سلبت أرضه، وتشتت أبناؤه في قارات العالم جميعها، فهو أمر خاضع للنقاش، فما بالك لو كان هذا الطبيب قد أصبح عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني ولما يتجاوز عمره الاثنين والعشرين عاماً، ثم عين مساعداً لمدير البعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة وعمره 33 سنة، ثم رئيساً لها وعمره 38 سنة. نحن نفهم أن الدبلوماسي المحنك، والذي يمكن ائتمانه على قضية شعب، ينبغي أن يكون دارساً لعلم السياسة والدبلوماسية، وله فيها من المؤلفات ما تعد مراجع هامة في كبرى الجامعات العالمية، أما أن يكون طبيب أسنان، فلا بد في هذه الحالة أن يكون: إما عبقرياً فلتة عصره، أو ابن شقيقة المرحوم ياسر عرفات، وهنا ينجلي السر في تسلم المذكور هذا المنصب الهام والحساس، ولكن الأروع من كل هذا أن تسند لنفس الدكتور ناصر القدوة - بعد أن نجح في حل مشاكل القضية الفلسطينية ونجح في مفاوضات الحل النهائي وأقام الدولة الفلسطينية العتيدة على أقل من 20% من أرض فلسطين التاريخية – أن تسند له مهمة مساعد لكوفي عنان، المبعوث الدولي والعربي! للقضية السورية.
    ولعل من إبداعات الدكتور القدوة، في منصبه هذا، أنه صرح من مكتبه في الأمم المتحدة، وقبل أن يرى سوريا سوى على الخارطة، وبعد أقل من شهر من تسلمه منصبه، بأن هناك عناصر من تنظيم القاعدة تتواجد على الأراضي السورية، وتحارب ضد كتائب الأسد، ولعل هذا التصريح يذكرنا بتصريح مماثل لرئيس السلطة المنتهية صلاحيته (وصلاحية سلطته) محمود عباس، عندما استعدى العالم بأجمعه على قطاع غزة بقوله أن هناك عناصر من تنظيم القاعدة في القطاع. لو كان عرفات ما زال حياً وأعلن نفس تصريح عباس، لقلنا إن هذا الشبل (ناصر)من خاله الأسد (عرفات)، أما أن يتطوع القدوة لاستعداء العالم ضد الثوار السوريين، فأمر مستهجن ومستغرب، إلا إذا كان عذره أنه صادر عن دبلوماسي هاوٍ وطبيب أسنان محترف. سعادة مساعد المبعوث الدولي للقضية السورية لم يزر سوريا ولا مرة حتى الآن، وأتمنى على مسؤول أي في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أن ينير أذهاننا بتوضيح مهمة هذا المساعد المحترم.

الإبداع الآخر في قضية طبيب الأسنان د.ناصر القدوة أنه هو الثابت الوحيد في مجال دبلوماسية الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية السورية، والباقون متحركون، فهو قد عين مساعداً لعنان، ولكن رغم أن مديره عنان قد استقال من مهمته في معالجة القضية السورية بعد فشله في حلحلة عقدتها، إلا أن الاستقالة لم تنسحب على المساعد د. ناصر، بل استمر في منصبه كمساعد للمبعوث الجديد، والمتوقع فشله قريباً بالتأكيد، الأخضر الإبراهيمي، وسيكون إنشاء الله مساعداً للمبعوث الذي سيعين بعد الأخضر الإبراهيمي، بعد فشله هو الآخر،  وبعد الذي يليه أيضاً،،، بالطبع لأنه الثابت الوحيد، والباقون متحركون. هل هناك إبداع وعبقرية في الإنجاز الدبلوماسي لطبيب الأسنان الدكتور ناصر قصرت أفهامنا عن إدراكها، فساورنا الشك فيها؟، أم أن واسطته كونه ابن شقيقة الراحل عرفات، ما زالت صالحة حتى الآن؟، أم أن أنسباءه، أهل زوجته - سكرتيرته الفرنسية - لهم دور في ذلك؟، الله وحده يعلم، أما نحن، غلابى ومساكين الشعب الفلسطيني المشرد، فعلينا الإقرار، إلى أن يثبت العكس، بأن عبقرية الرجل هي التي تقف وراء كل ما أنعم الله به عليه، ومنها نجاحه الباهر منذ أصبح في سن الثانية والعشرين عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني الموقر، ولغاية بلوغه عامه الستين وقد عين مساعداً لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. نعم هي العبقرية، وليست الواسطة، التي نتوهمها نحن الخبثاء، كونه ابن شقيقة الراحل عرفات، أو أنه صهر مقرب من أهل زوجته الفرنسية.لا شك يا سادة أن بعض الظن إثم، نعم، فقط بعضه إثم، ولكن ليس كله.

وليد الحلبي - الثابت والمتحرك في القضية السورية

وليد الحلبي - الثابت والمتحرك في القضية السورية

Saturday, August 6, 2016

عاصفة رعدية وبرق في باتون روج، لويزيانا

اقتراح جدي:

عدد مشتركي الفيس بوك الآن هو مليار و 540 مليون مشترك، تحصد شركة فيس بوك عنهم وبسببهم أرباحاً سنوية وصلت عام 2015 إلى ثلاثة مليارات و670 مليون دولار كصافي أرباح، وهذا يعني بحسبة بسيطة أن الموقع يتقاضى عن كل مشترك مبلغ دولارين و 38 سنتاً في السنة، وهذه المبالغ بطبيعة الحال تاتي من الشركات التي تنشر دعاياتها على موقع فيس بوك، وبديهي أن أسعار الإعلانات يزداد طرداً بازدياد أعداد المشتركين في هذا الموقع، وينخفض بانخفاضها. لو افترضنا أن هناك 100 مليون عربي مشتركون فيه، فهذا يعني أن الفيس بوك يحصد عن هؤلاء مبلغ 238 مليون دولار سنوياً.
والسؤال: ماذا لو هدد هؤلاء العرب بإغلاق حساباتهم على الفيس بوك ما لم تقم شركته بتمويل جمعيات في البلاد العربية لرعاية لأيتام والمكفوفين ومعاهد التدريب المهني والإنفاق على تعليم الفقراء المتفوقين لاستكمال دراستهم العليا في الجامعات الأجنبية، وغير هذا من وجوه خدمة المجتمع، فلو قدمت هذه الشركة 10% فقط من أرباحها السنوية التي تتقاضاها نسبة إلى عدد المشتركين العرب، فهذا يعني حوالي 24 مليون دولار في السنة، وهو مبلغ يفيد على كل حال في تطويرالأوجه المذكورة، ومع علمي أنها تقوم برعاية مشاريع مماثلة، لكنني لم أسمع عن أي منها في المنطقة العربية.
جميع هذا يحتاج إلى تشكيل لجنة من الأخصائيين والمثقفين النافذين كالكتاب والشعراء والفنانين لكي يقودوا هذه الحملة التي تصب في النهاية في صالح المجتمع العربي.
أعلم تماماً أنه من الصعب على العرب أن يلتفوا حول هدف أسهل من هذا بكثير، لكنني اقترحت ما فيه الفائدة والنفع، اللهم هل بلَّغت.
ختاماً ليس لي سوى أن أردد دعوة نبي الله شعيب عليه السلام: (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).


Tuesday, August 2, 2016

هل هي بالفعل أدوات تواصل؟

ليس مفيداً ولا ضرورياً في مطلع هذا المقال الحديث عن بدايات تكون المجتمع الإنساني بدءاً من تكوُّن الأسرة وصولاً إلى عصر الفضاء، لكن البديهي في الموضوع أن الأسرة، الخلية الأولى المكونة للمجتمع، هي التي عليها تتقرر نوعية المجتمعات، قوة أو ضعفاً، تماسكاً أو تشتتاً. وقوة الأسرة، وبالتالي قوة المجتمع، تتناسب طرداً مع نوعية العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، ومن غرائب الأمور أن التطور الحضاري الذي أحرزه الإنسان عبر تاريخه الطويل، بدا كما لو أنه في سباق محموم مع الزمن لإضعاف العلاقات الأُسَرية وتقطيع أواصرها، بحيث وصلت اليوم إلى حد من الهلهلة لا يخفف من وطأتها سوى المظاهر الأخرى من التطور العلمي ومنجزاته.
فقبل عصر النهضة الصناعية والكهرباء، كان الترابط الأسري غير محل جدل، فعَمَلُ كافة أفراد الأسرة، سواء في الحقول أو في المراكز الحرفية، كان دافعاً رئيسياً لتوطيد العلاقات بينهم بشكل لا يقارن مع ما نراه هذه الأيام، فكانت الأمسيات تجمع العائلة من كبيرها إلى أصغر حفيد فيها حول مائدة واحدة، يتجاذبون الحديث، ويتذاكرون ما مر بهم في أوقات عملهم، أو ما يبتكرونه من طرق لتطوير إنتاجهم وزيادة دخلهم، واستمر حال الأسر على هذا المنوال إلى أن جاء عصر المذياع (الراديو)- والذي قبله كانت حكايات الجدات في الأمسيات الطويلة تقوم مقامه - ، فانصرف قسم من وقت العائلة للإصغاء إلى ما تذيعه محطاتها المختلفة، ومع ذلك فقد بقي لتواصل الأفراد متسع الوقت لكي يستمر. بعد ظهور التلفاز، أصيبت وحدة الأسرة وتواصلها في مقتل، وأصبح أفرادها يتسمرون أمام شاشته معظم وقت أمسياتهم، ولئن تكلم أحدهم، فلن يجد أذناً صاغية من الآخرين إلا من باب التظاهر بالتبجيل والاحترام، ناهيك عن تحكم التلفاز بالآراء السياسية والاجتماعية للأفراد، مما أوجد التنافر بين من ساد التواؤم بينهم سنين طِوالاً، بحيث وصل أثر مشاهدة التلفاز في تقطيع أواصرالعلاقات الأسرية حداً دفع بإحدى البلدات الأمريكية منذ عدة سنوات – قبل ظهور الشبكة العنكبوتية -، إلى أن تطلب من سكانها تخصيص أسبوعٍ معينٍ لا يشغِّلون فيه أجهزة التلفاز، ثم ليجتمعوا بعد ذلك الأسبوع في قاعة مسرح البلدة لمناقشة النتائج. وبالفعل وفَّى جميع السكان بالوعد، فأقفلوا أجهزتهم لمدة أسبوع كامل، ويوم مناقشة النتيجة، كان الأمر مفاجئاً للحضور، فقد أجمعوا على أن ذلك الأسبوع كان واحداً من أسعد الأوقات التي قضتها الأسرة منذ بدأ البث التلفزيوني، فقد جلس جميع أفرادها يتناقشون في أمورهم العامة والخاصة: الأب تحدث عن خططه لتطوير مصنعه الصغير والعقبات التي تواجه والإنجازات التي حققها، وناقش الأبناءَ في خططهم المستقبلية للدراسة، والأبناء تحدثوا عن الصعوبات التي يلاقونها في مدارسهم من حيث مواد الدراسة ومكامن القوة والضعف فيها، وعلاقتهم بالإدارة والمدرسين، ونبهت قلة منهم إلى وجود البعض من مروجي المخدرات بين الطلاب، وأسرَّت الفتيات إلى أمهاتهن بعلاقاتهن مع أصدقائهن من الإناث والذكور، وباحت الأمهات بما يشتكين من سلوك أبنائهن واقتراحاتهن لتعديل ذلك، وغير هذا الكثير الكثير من الإيجابيات التي حصدها سكان البلدة نتيجة قيامهم بإقفال أجهزة التلفاز لمدة أسبوع واحد فقط، وكما علقت إحدى الأمهات: (شعرنا أن أسرتنا قد وُلِدت من جديد).
بطبيعة الحال، لا ينكرنَّ أحد حجم المعلومات التي قدمتها الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، والتي بدت كأي وسيلة أخرى، تٌستخدم بوجهيها السلبي والإيجابي، واليوم لن يفكر عاقل، مهما بلغ من الجرأة، أن يقترح إقفال هذه الشبكة كما أقفل سكان البلدة المذكورة أجهزة التلفاز، لكن الطمع في الربح المادي الصرف، والذي تجاهل – كما هو متوقع منه – أية أضرار جانبية، دفع الطامعين فيه إلى ابتكار مواقع على الإنترنت تغري مميزاتها وفوائدها – التي لاينكرها أحد - إلى اشتراك أكبر عدد من الناس فيها، وكلما ازداد عدد مشتركيها، ازداد تدفق الدعايات التي تنشرها الشركات عبر تلك المواقع، وبالتالي حصد المليارات من الدولارات. ولئن قربت تلك المواقع البعيدَ من الأصدقاء، غير أنها أبعدت القريب من العائلة، فالفردية التي أفرزتها هذه المواقع بابتعاد روادها عن الاختلاط المباشر بالآخر، أفرزت شخصية انعزالية لا تشعر بأنها تَمُتُّ إلى وسطها المحيط بصلة، والطريف هنا أنك قد تراسل صديقاً لك في قارة نائية، بينما لا تعرف اسم جارك، وندر أن تبادلتما التحية، كما يندر أن تجد أفراد أسرة واحدة يجلسون في صالة واحدة دون أن تجد في يد كل واحد منهم هاتفه الجوال الذي يحلق من خلاله عبر آلاف الأميال، بينما لا يتبادل ولو عبارة واحد مع أي من أفراد أسرته، أما أن يصل الإدمان على تلك المواقع إلى الحد الذي يطلب أحد الزوجين الطلاق من الآخر، فهذه قمة مأساة هذا الإدمان. وبمناسبة الحديث عن الإدمان، فقد افتُتِحتْ حتى الآن أربع عيادات على مستوى العالم للعلاج من الإدمان على النت – إحداها في الجزائر – على غرار تلك التي تعالج الإدمان على التدخين والمخدرات والمشروبات الكحولية، حيث يجري تحذيرطالبي العلاج من مخاطر الأمراض النفسية والجسدية والاجتماعية الناجمة عن هذا الإدمان، مع وضع برامج زمنية لفترات التفرغ للنت، يتم التدرج في تقصيرها إلى الحد المعقول الذي يسمح للمُعالَج الشعور بأنه قد أقلع عن إدمانه ذاك.
أما عن مستوى العلاقات العامة مع الآخرين، فالخلاف والاختلاف الذي يقع على صفحات تلك المواقع قد يصل أحياناً إلى حد تبادل الشتائم والألفاظ النابية، والتي طبعاً لم توجد تلك الصفحات من أجلها.
جميع ما ذكر لا يلغي المميزات الهامة للشبكة العنكبوتية، والتي ليس أولها أنك تعثر على قريب أو صديق بعد افتراقكما بعشرات السنين، أو صديق طفولة باعد الزمن بينكما، وليس آخرها أنك تحصل على أية معلومة خلال ثوانٍ، مروراً بمواصلة التعلم في جامعات تبعد عنك آلاف الأميال، أما قدرتها على تحريك الملايين من الناس للمطالبة بحقوقها المهضومة، وانتزاعها من قبضة مغتصبيها، فهي قدرة تقترب من حد الإعجاز، ويبقى بعد ذلك حسن استخدام هذه الوسائط، التي أحياناً ما تكون وسائط تواصل اجتماعي، وأحياناً أخرى تتحول إلى وسائط تنافر اجتماعي، وهما احتمالان قائمان مع الصديق البعيد، أما مع القريب القريب وداخل الأسرة الواحدة، فالمؤكد الثابت هو أنها ألغت التواصل بين أفرادها، واقتصرت على أن تصبح وسيلة لتحنيط تلك العلاقات الأسرية، وتكريس الانعزالية المقيتة بين أفرادها، لا شك عندي في ذلك.
وأخيراً، بما أنني لست خبيراً نفسياً ولا عالماً اجتماعياً، فعلى أولئك المختصين في هذين المجالين توصيف هذه الحالة بأحسن مما فعلت، ووضع حلول لها بأفضل مما أستطيع.


Saturday, July 30, 2016

دردشة في السياسة السعودية

هناك مثل بدوي يقول، عندما يطول الحديث في موضوع ما، يصبح (مثل سيرة الحية)، أي عندما يبدأ سرد قصص الأفاعي، يطول الحديث بسبب كثرة القصص التي يرويها الناس عنها. كذلك الحديث عن السياسة السعودية، فهو كالحديث عن سيرة الحية، يطول ويتشعب بسبب كثرة التجارب التي عانتها الشعوب العربية والإسلامية جراء السياسة السعودية، تلك التي يعجب المرء من تناقضاتها المذهلة، ففي الحديث عن الوحدة العربية والإسلامية، تتظاهر السعودية بالحث عليهما بترديد الآية (واعتصموا)، بينما تشهد مواقفها العملية على عكس ذلك، فوقوفها ضد الوحدة السورية – المصرية عام 1958، وعملها الدؤوب على فك عراها ونجاحها في ذلك عام 1961، وحرصها على تقريب حافظ الأسد منها برشوته بمليارات الدولارات، ودعمه في دخول لبنان عام 1976 تحت مظلة قوات الردع العربية، كان فقط لمنعه من التقارب مع العراق، وتشجيعها اليمن الجنوبي "الشيوعي" للانفصال عن اليمن الشمالي كان لإضعاف الجار اليمني كذلك أمر لا جدال فيه، أما فتح أراضيها لمئات الآلاف من الجيوش الأجنبية لقتال العراق في عامي 1991 / 2003 فدليل لا يمكن دحضه لبيان حرص السعودية على دمار أية قوة صاعدة في الجوار، كما أن موقف السعودية من رفض مشروع الهلال الخصيب مثال آخر على ذلك، حيث رفضته مع مصر، ولشخصية عبد الناصر الطاغية منتصف خمسينيات القرن الماضي، فقد وقفت الجماهير العربية ضد ذلك المشروع، مع أنه كان لمصلحتها. فدأب سياسة الدولة السعودية منذ نشأتها هو منع التقارب بين أية دولتين عربيتين – خاصة من دول المشرق العربي –، لشعورها بأن ذلك يهدد نظام الحكم فيها، حتى أنها – وهي زعيمة مجلس التعاون الخليجي منذ العام 1981- لم تُقْدِمْ على أية خطوة وحدوية مع أية دولة من دوله، ولا حتى مع البحرين التي تبعد عنها ثلاثين كيلومتراً فقط، وربما كان هذا الإحجام استمراراً للوفاء بالعهد الذي قطعه المؤسس الملك عبد العزيز، لبريطانيا، بعدم مد حكمه إلى أي من دول الجوار.

 أما في المجال الإسلامي، فإن دول منظمة التعاون الإسلامي، التي تشكلت بدعوة من السعودية كردة فعل على حرق المسجد الأقصى عام 1969، لم تكن سوى لامتصاص غضب المسلمين، ولتأكيد أن السعودية هي زعيمة العالم الإسلامي بلا منازع، أما ما عدا ذلك، فلم يحقق هذا المؤتمر سوى تشكيل أمانة عامة مقرها جدة – بانتظار نقله إلى القدس بعد تحريرها!-، وبعض الموظفين العاطلين عن العمل سوى قبض رواتبهم فقط، والتحضير للمؤتمرات السنوية للمجلس، والتي ينتج عنها دائماً "اللاشيء" المعهود، ومن البديهي أن يكون للسعودية نفوذ في معظم الدول الإسلامية، حيث تسود الدكتاتورية معظم دولها، وبالتالي يسهل شراء مواقف أصحاب القرار فيها بالمال، قلَّ أو كثُر.
ويبدو أن هذا الهوس السعودي في الابتعاد عن الآخرين، والحرص على تشتتهم، مرده حرصها على التفرد بادعاء تمثيل العالم الإسلامي كون أراضيها تضم الأماكن المقدسة للمسلمين في مكة والمدينة، وليس ينافسها في ذلك سوى تركيا ومصر، وهي وإن رضيت بتمثيل إيران للمسلمين من المذهب  الشيعي – لاختلال توازن القوى معها –،غير أنها تتمسك بشدة بادعاء تمثيل المسلمين السنة، وادعاؤها بهذا التفرد في التمثيل هو الذي كان وراء تصنيفها الإخوان المسلمين السنة على أنها جماعة إرهابية - تماماً كما تصنفها إسرائيل - ودعمها نظام الانقلاب في مصر بمليارات الدولارات، رغم القتل الذي مارسه الانقلابيون، هو تماماً كما تم دعم حافظ الأسد بمليارت الدولارات رغم إفنائه مدينة حماة عام 1982، أما الادعاء بأنها احتضنت الإخوان المسلمين الذين هربوا من بطش حافظ الأسد، فهو ادعاء مضحك، لأن هؤلاء كانوا محتجزين لديها، ولم يكن لهم الحق في ممارسة أي نشاط سياسي ضد النظام السوري، على عكس الإخوان الذين لجأوا إلى أوربا، والذين استمروا في نشاطهم السياسي.
ما يهمني هنا هو موقف السعودية من الانقلاب الفاشل الذي وقع مؤخراً في تركيا، والذي بإمكاني الجزم بأن السعودية كانت ستكون أول دولة تعترف به لو نجح،ذلك أن شبح الدولة العثمانية،وولايتها مصر، ما زال – ومنذ مئتي سنة – يؤرق الساسة السعوديين، الذين لا ينسون أن تدمير دولتهم الأولى تمَّ على يد جيش الوالي العثماني على مصر محمد علي باشا، والذين يدركون بأنه لولا سقوط الدولة العثمانية وخروجها من البلاد العربية، لم يكونوا ليستطيعون ضم مكة والمدينة إلى دولتهم وتحت حكمهم، وبالتالي ادعاء تمثيل العالم الإسلامي، وبمراجعة مواقف أجهزة الإعلام السعودي، الإم بي سي وأخواتها، والعربية وأخواتها، يتبين لنا تحسر هذه القنوات الفضائية على فشل الانقلاب في تركيا، وتشهيرها بكم الاعتقالات التي تجري في صفوف الجيش والصحفيين وغيرهم من وسائل الإعلام التركية الموالية لفتح الله غولن، وأسفها! على تضرر الديمقراطية التركية، إلا أن هذه الأدوات الإعلامية السعودية صممت بحيث لا تقيم على الأرض السعودية، بل اتخذت من "دبي" ضاحي خلفان ومحمد بن راشد، وكراً لها، وذلك كي تتظاهر السعودية بعدم تبنيها آراء تلك الفضائيات، والتي يملك معظم أسهمها – إلى جانب أصحابها السعوديين - إمبراطور الإعلام الاسترالي اليهودي "مردوخ"، وعندما دعى مجلس النواب التركي السفراء العرب لحضور جلسته بعد فشل الانقلاب، لم يحضر السفير السعودي ولا أي من السفراء العرب، بل كانت قطر هي الدولة الوحيدة التي لبت الدعوة. أما موقف المملكة من الثورة السورية، فلم يزد عن الدعم اللفظي، فهي لم تستقبل اللاجئين السوريين الذين ابتلعت مياه المتوسط الآلاف منهم وهم في طريقهم إلى أوربا، أما الذين تدعي أنها استضافتهم من السوريين، فهم العاملون فيها بإقامات نظامية، أو أقاربهم الذين وفدوا بتأشيرات زيارة ويقيمون على نفقة أقاربهم، أما تهديدات المرحوم سعود الفيصل وبعده عادل الجبير، بطرد بشار الأسد بالسياسة، وإن لم تنفع فبالقوة، فقد أصبحت محل تندر من السياسيين ورواد المقاهي على حد سواء.
واليوم، بعد أن تدمر محيط السعودية دماراً شبه كامل، بل كامل، في العراق وسوريا ومصر واليمن، وارتُهِنَ لبنان لإيران، تجد السعودية نفسها بألف خير، وتدرك الآن أنها هي الأقدر – بما تملك من ثروة – على أن تبقى المهيمن الوحيد على الجيران، وهي التي بقوتها المالية تلك، سوف تسيطر على القرار السياسي لهذه الدول إلى أجل غير مسمى، طبعاً باستثناء القرار الإسرائيلي، والذي يمكن التعامل معه بطرق شتى، لن تعجز السياسة السعودية الذكية عن ابتكار أشكالها.
28 يوليو 2016


Monday, July 25, 2016

الفارسيون سبقوا الفرنسيين

يخطيء من يعتقد أن الوعي القومي قد بدأ مع قيام ثورة 14 تموز / يوليو الفرنسية عام 1789، كما درج على تأكيده المؤرخون والسياسيون، ولكنني أرى أن الفرس قد سبقوا الفرنسيين إلى إثارة النزعة القومية، والتي عرفت بـ (الشعوبية)، بما لا يقل عن ألف سنة أو يزيد، وذلك عندما اغتال أحدهم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عام 644 م، انتقاماً منه لتدميره عرش كسرى أنو شروان عقب موقعتي القادسية والنهوند، وقد استمر الفرس في تشبثهم بقوميتهم المعادية للعرب، ولم يكونوا قد تشيعوا بعد، إلى أن استغلوا الفرقة العربية والتناحر بين بني أمية وبني العباس، لكي يساندوا العباسيين ضد الأمويين عن طريق أبي مسلم الخراساني، عصب التمرد، والذي قاد الثورة على الأمويين من بلاد فارس، إلى أن أسقط دولتهم عام 132 هـ / 750 م بعد أن عمّرت تسعين سنة، امتدت الدولة الإسلامية خلالها من حدود الصين إلى إسبانيا، ثم تسلل الفرس إلى صلب الدولة العباسية عن طريق تزويج بناتهم من الخلفاء، ومنهم هارون الرشيد، الذي في عهده علا شأن البرامكة الفرس وتعاظم نفوذهم في قصره إلى أن تمكن من القضاء عليهم فيما عرف في التاريخ بـ (نكبة البرامكة)، لكن النفوذ الفارسي عاد ثانية في عهد المأمون، ابن الفارسية "مراجل"، بعد أن نازع المُلكَ أخاه الأمين، ابن العربية "زبيدة بنت جعفر بن المنصور" ، وقتله وتولى هو الملك.
إنه الصراع العربي - العربي الأزلي الذي من خلاله ينفِّذُ أعداؤهم المؤامرات ضدهم، والمذهل في الأمر أنها تنفذ بأيديهم هم، فهل من يعتبر؟..


Monday, June 27, 2016

إذا بان السبب بطل العجب

 ألا يحق لنا أن نستنتج أن واحداً من بين أسباب عودة العلاقات التركية - الإسرائيليلة، وحجم التنازل الإسرائيلي في هذه الصفقة ( 21 مليون دولار تعويضات لضحايا ماوي مرمرة الأتراك - اعتذار إسرائيلي صريح - مساعدات كبيرة لقطاع غزة)، هو موافقة تركيا على عدم التدخل في الشأن السوري، وعدم العمل على إسقاط نظام الأسد، الحليف الحقيقي لإسرائيل، وذلك بعد أن جربت تركيا ذلك، لكنها ووجهت بالعالم بأسره ضدها، علاوة على محاولات دول الجوار (العراق وسوريا) مدعومة بالولايات المتحدة وروسيا، إقامة كيان كردي على طول حدود تركيا الجنوبية - شمال سوريا - ونقل الإرهاب إلى داخل تركيا؟.

عاهرة نعم، ولكن بأكمام طويلة

الضجة التي يقوم بها العرب على تركيا بسبب عودتها إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل تشبه ضجة العاهرة التي تعيب على حرة أنها تلبس قميصاً بأكمام قصيرة، ويتجاهلون تماماً تطبيع الأنظمة العربية مع إسرائيل والسفارات المتبادلة مع تل أبيب. تركيا بهذا الاتفاق ستقوم بتزويد غزة بكافة احتياجاتها، وستبني محطة كهرباء ومحطة تحلية مياه البحر ومستشفى. لو كنت مكان أهل القطاع لرفعت العلم التركي على جميع المباني المدنية والحكومية شكرًا وعرفاناً لإخوتنا الأتراك. مصري ظريف سألوه عن هذا الاتفاق فقال: يا ريت تركيا تبني في مصر محطة تحلية مياه قبل أن نموت من العطش.

Saturday, June 25, 2016

زميرة إيرانية على أرض عربية

العالم بأجمعه، كالنظام العربي، يقوم ويقعد بسبب وبلا سبب. العالم اليوم يقوم ويقعد لأن الشبيح حسن نصر لله قد قالها صراحة بأن تمويل عصابته يأتي من إيران بالكامل، وكأن حسن زميرة كان يقول بأن تمويله كان يأتي من جامعة الدول العربية ثم تراجع عن ذلك في خطابه اليوم. لا أحد يدري ماذا أضاف نصر الله باعترافه بتمويل إيران لحزبه، وكأن العالم لم يكن يعرف بذلك منذ تأسيس ذلك الفصيل الإيراني على أرض عربية وبدماء عربية.

Wednesday, June 15, 2016

كوميديا دبلوماسية سوداء

عوداً على أنشطة فرسان الخارجية الفلسطينية: فطالما أنهم فشلوا في مجال تخصصهم "الدبلوماسية"، فلماذا لا ينتقلون إلى العمل في مجال "الدبلوماسية الكوميدية" مثلاً، كأن يطلبوا من المندوب الإسرائيلي "داني أرنون" رئيس لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة، أن ينشق عن الحكومة الإسرائيلية، فيعلن أن احتلال إسرائيل للأراضي العربية في حرب 67 هو عمل منافٍ للقانون الدولي، وأن عليها الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وتفكيك المستوطنات التي أقامتها على الأراضي الفلسطينية، وتقديم تعويضات عن خسائر العرب في جميع حروبهم مع إسرائيل - طبعاً باستثناء الكرامة تلك التي لا يمكن التعويض عنها -، ويستحسن كذلك أن يطلب من الإسرائيليين العودة إلى البلدان التي جاء منها آباؤهم وأجدادهم. ومقابل هذه الخدمات، يمكن لفرسان الدبلوماسية الفلسطينية أن يعِدوا السفيرالإسرائيلي المنشق "أرنون" بمنحه حق اللجوء السياسي في رام الله، وأن يصبح عضواً في المجلس الوطني، وتزويده بجواز سفر دبلوماسي فلسطيني.
الدبلوماسيون الفلسطينيون الفاشلون فقط هم الجديرون بهذا المقطع السخيف من فيلم هندي سخيف.


خد سلطة رام الله: وردي

منظمة التحرير الفلسطينية (غريب احتفاظها بهذا الاسم إلى الآن)، التي صدعت رؤوسنا بمهارة دبلوماسييها وحنكتهم - من وزير الخارجية رياض المالكي إلى المندوب في الأمم المتحدة رياض منصور إلى ناصر القدوة إلى فرسان التفاوض في أوسلو- هذه المنظمة قد فشلت فشلاً دبلوماسياً تاريخياً ذريعاً عندما صوَّت 109 من أصل 193 دولة لصالح ترؤس إسرائيل لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة، وبحسبة بسيطة نجد أن هذه الدبلوماسية العتيدة لم تكسب إلى جانبها باستثناء 57 دولة التي تشكل المؤتمر الإسلامي، لم تكسب إلى جانبها سوى 27 دولة فقط على مستوى العالم، مع أن سلطة رام الله كانت تتوعد مجلس الأمن أنها سوف تلجأ للجمعية العامة إن فشل في تحقيق التطلعات الفلسطينية.
حتى في الفشل هناك إبداع، وهل أكثر من هذا الفشل الدبلوماسي الفلسطيني إبداعاً في تاريخ الدبلوماسية، وهل يعتقد أحد بأن خد السلطة في رام الله سوف يحمر، وأن جبينها سوف يعرق، فتُفقد المناديل الورقية من الأسواق، أو أن جفنها سوف يرف؟، أبداً، فالفشل يلازم المنظمة والسلطة على السواء منذ ربع قرن، ورغم ذلك فالأمورماشية عال العال.


Friday, June 10, 2016

(فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)

لستَ بحاجة لأن تكون محلللاً عسكرياً أو خبيراً استراتيجياً، لكي تدرك العلاقة الوثيقة بين النظام السوري وحلفائه مع تنظيم الدولة - داعش -، فعندما كانت داعش في مخيم اليرموك والحجر الأسود لم تكن تقاتل جيش النظام، بل كانت تشتبك مع فصائل الجيش الحر وباقي الفصائل الثائرة على نظام الأسد، ويومها لم يكن بين مواقع تواجد داعش وقصر بشار الأسد سوى مسافة 8 كم (راجع خريطة دمشق على غوغل)، أي أنه كان في مرمى الأسلحة المتوسطة، ورغم ذلك لم تطلق داعش على القصر ولا حتى قذيفة هاون، ثم بعد إرهاقها فصائل أعداء النظام، تم نقل مقاتليها وعائلاتهم، على متن باصات جيت مكيفة أمنتها الدولة السورية، إلى الرقة تحت حراسة الطيران الروسي (الفيديو المرفق). أما أسلوب داعش، فلم نر التنظيم يحتل بلدة موالية للنظام في ريف حمص الغربي، أو في ريف حلب ككفريا أوالفوعة مثلاً، بل اقتصر احتلاله على المدن والبلدات السنية في شمال العراق وشمال سوريا، فقط لكي يشكل ذريعة لتدمير تلك المدن والبلدات، ومن الغريب أنه في كل مرة تُحاصَرُ قوات داعش، يتم حصارها من ثلاث جهات فقط، بينما تترك الجهة الرابعة مفتوحة لكي ينسحب التنظيم منها بعد أن تكون قد دمرت. في الفلوجة استمر احتجاز داعش للسكان المدنيين قبل إحكام حصار الجيش العراقي والميليشيات الطائفية لها، وبعد إحكام الحصار - من ثلاث جهات فقط طبعاً - سمح داعش للمدنيين السنة بمغادرة المدينة، لكي تعتقلهم الميليشيات الطائفية وتنكل بهم.
المشكلة ليست في داعش، فهي مكشوفة كفصيل سوري - عراقي - إيراني شُكِّلَ بهدف التطهير العرقي ضد السنة، لكن المشكلة في أن الكثيرين لم يدركوا هذه الحقيقة حتى الآن، وهم الذي قال الله تعالى فيهم: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) صدق الله العظيم.
https://youtu.be/1rmFipFW7Ig


Thursday, June 2, 2016

بيننا وبينهم،،، مئة سنة ضوئية

سويسرا تشق نفقا في جبال الألب بطول ٥٧ كم لمرور السيارات والقطارات السريعة جدا(٢٥٠كم/ساعة)، ليربط وسط وشمال أوربا بجنوبها، واستغرق بناؤه ١٧ سنة بتكلفة ٢٣ مليار دولار، ومع ذلك لم نسمع باحتفالات سويسرية وطنية وهتافات (تحيا سويسرا)، وصور رئيس وزرائها، بينما شق قناة بطول ٣٥ كم، وبكلفة تكاد تقترب من نصف تكلفة إنشاء النفق المذكور، وبزمن أقل من ٥٪ من زمن إنشاء النفق، فتقام الاحتفالات والأفراح، والليالي الملاح بمناسبة افتتاح القناة واعتبارها إنجازا هندسيا فذا، وإضافة مذهلة لاقتصاد الوطن التعيس، وترتفع صيحات (تحيا مصر). بيننا وبين العالم المتمدن مسافة لا تقل عن مئة سنة ضوئية (السنة الضوئية = ٩ ترليون كم،،،فقط).

Monday, May 16, 2016

بين الدكتاتور والطاغوت



بسبب قسوته وظلمه، يحسب الناس أن النظام الدكتاتوري هو أسوأ نظام يمكن أن يحكم شعباً ما، لكن مراجعة سريعة للتاريخ السياسي، القديم والحديث والمعاصر، توضح بأن النظام الدكتاتوري هو واحد من الأنظمة السياسية المعترف بها، كالملكي والجمهوري والأميري والديمقراطي، إذ أن الظروف السياسية، سواء المحلية أو الدولية، هي التي تعمل على ظهور الدكتاتورية، فقد يأتي الدكتاتور على أنقاض نظام ديمقراطي فاشل، كهتلر الذي تمرد على الديمقراطية الألمانية المهلهلة التي سيطر عليها اليهود، أو يظهر الدكتاتور متمرداً على نظام ديمقراطي حقيقي وذلك بتآمر مع طرف خارجي، كالدكتاتور التشيلي الجنرال بينوشيه الذي انقلب بالتآمر مع CIA على حكم سيلفادور أليندي، أو يأتي الدكتاتور نتيجة خطر خارجي داهم يهدد وجود الدولة برمته، كستالين السوفييتي الذي أنتجه الغزو الألماني لبلاده في الحرب العالمية الثانية، وحتى في الدول الديمقراطية، قد تمنح الظروف الطارئة، كالحروب والكوارث، رأس الدولة سلطات وصلاحيات الدكتاتور، كتشرشل في بريطانيا وروزفلت وترومان في الولايات المتحدة. ومن البديهي أن الدكتاتور لا يحكم بمفرده حكماً مطلقاً، بل تساعده نخبة من المؤمنين بأفكار، أو المنافقين له لمصالح شخصية، أو خوفاً من سطوته، وربما كان هذا الدكتاتور صالحاً في فترة ما، كمثال ستالين، الذي لولا دكتاتوريته لسقط الاتحاد السوفييتي أمام الغزو الألماني، أو كعبد الناصر في مصر، وصدام حسين في العراق، لكن السمعة الشائعة عن الدكتاتورية والدكتاتور هي سلبية بالتأكيد.
هذا التقديم لا يهدف سوى إلى التنبيه إلى مفارقة أن النظام الدكتاتوري ليس هو الأسوأ بين الأنظمة، لكن الأسوأ منه هو نظام (الطاغية)، ومن اسمه تشعر بحجم الظلم والسحق الذي يتعرض له الشعب على يد رأس هذا النظام (الطاغية)، الذي يبدو اسمه قريباً جداً من لفظة (طاغوت)، وهو اللفظ القرآني الذي يدل على الشيطان، وبما أنه لا توجد في اللغة العربية مفردة تدل على جمع كلمة (الطاغية) حيث لفظة (طغاة) غير قريبة من الأذن، فالأقرب أن تجمع في كلمة (طواغيت)، وما يسود هذه الأيام في بعض البلاد العربية ليس هو الحكم الدكتاتوري، بل هو الحكم (الطاغوتي). تخيل ماذا يحل بالناس عندما يحكمهم طاغوت.


Tuesday, May 3, 2016

لغة عاجزة عن التوصيف الدقيق

مُذ وعيت، شغفت باللغة العربية شغفا مكنني من كتابة الشعر والقصة القصيرة والمقالة بها، وكنت أحسبها كافية وافية للتعبير عن الأحاسيس آلتي يشعر بها المرء، لكنني منذ بضع سنوات، وبعد الخراب الذي حل بالنفوس قبل الرؤوس، والدمار الذي حطم الإنسان قبل تحطيم البنيان، أدركت أن لغتنا العربية - تحت وطأة الأحداث - تقف عاجزة متهالكة أمام توصيف أخلاقيات وممارسات بضعة أزواج من الأحذية أخذت على عاتقها تدمير البشر والحجر في البلدان التي ائتمنهم الله على صيانتها. لكل ما ذكر:
١- من يستطيع إيجاد كلمات تصف سلوك شخص وصل إلى قمة السلطة، فاستعمل جيشه لتدمير من يفترض أنه رئيسهم: حقير؟، تافه؟، منحط؟، حيوان؟. أكيد تعجز اللغة العربية عن وصفه.
٢- رجل دين يأتمر عشرات الملايين بأمره، يرسل عصاباته المسلحة لكي تقتل شعبا بريئا كل ذنبه أنه يطلب العيش بكرامة. ما هي العبارات التي يمكن أن تصف هذا المعمم.؟.مستحيل توصيفه بالقطع.
٣- رئيس أكبر دولة عربية، يتبرع بجزيرتين من بلاده إلى دولة مجاورة، عمرها لا يتجاوز عمر رجل طاعن في السن. كيف تصف هذا العبيط الذي يقول أنه فعل ما فعل بناء على وثائق سرية في المخابرات العامة ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية؟. لا وصف يليق بحقارته.
٤- رئيس انتهت صلاحيته حتى فاحت رائحته، كأكياس زبالة بيروت، ينسق أمنيا مع من يفترض أنه العدو ضد أبناء شعبه. هل من وصف؟، طبعا لا.
هذه أمثلة غيض من فيض على عجز لغتنا الجميلة عن التعبير عما يدور في أنفسنا، ويكاد يقفز على ألسنتنا، فخففوا يرحمكم الله من الاعتزاز بلغة ثبت عجزها عن التعبير عما يدور في خلد الناطقين بها.

Tuesday, April 12, 2016

قليل من العقل يرحمكم الله أيها الحكام العرب


بشأن جزيرتي صنافير وتيران المتنازع عليهما بين السعودية ومصر
  مطالبة السعودية باسترداد جزيرتي تيران والصنافير ربما سيفتح عليها باباً لا ترغب فيه، فماذا لو طالب اليمن باسترداد منطقتي تهامة وعسير التي احتلتهما قوات الملك عبد العزيز في ثلاثينيات القرن الماضي عندما كان يعمل على بناء مملكته على حساب أراضي الجوار؟، والأنكى من ذلك لو طالب الهاشميون في الأردن برد مكة والمدينة إليهم كذلك، هل سيتنازل السعوديون برد تهامة وعسير إلى اليمن ومكة والمدينة إلى الأردن كما يطالبون مصر اليوم بالتنازل عن تلك الجزيرتين؟. هي مطالبات سعودية تضع الأساس لحروب عربية - عربية بعد أن اصبحت إسرائيل كياناً راسخاً في هذه المنطقة..
من حيث المبدأ الوحدة العربية - التي يرفضها جميع الحكام العرب بدون استثناء - هي السبيل الوحيد لإنهاء نزاعات الحدود بين الدول، ونظراً للرفض القاطع من جميع المثقفين وأصحاب الرأي المصريين - بما فيهم أنصار انقلاب السيسي - لقرار حكومته بشأن الجزر، فأعتقد أن أفضل حل لهذا الإشكال اعتبار الجزر منطقة محايدة بين البلدين، كما هو الحال في واحة البريمي بين الإمارات وعُمان، أو بين السعودية والكويت في المنطقة المحايدة، ووضع قوة سعودية - مصرية مشتركة على هذه الجزر، أما اعتبار هذه الجزر سعودية، فذلك سيثير مشاكل مستقبلية بين البلدين، فماذا لو تغير نظام السيسي وجاء نظام وطني يطالب باستعادة هذه الجزر إلى مصر، هل نرضى بأن تقوم حرب بين السعودية ومصر عليها؟ قليل من العقل يرحمكم الله أيها الحكام العرب.

Sunday, March 27, 2016

سوريا ملكية دستورية،،،جداً

اقتراح ربما يكون وجيها لحل القضية السورية: بما أن شهوة الحكم قد استبدت ببشار الأسد حد الجنون، أقترح على وفد المعارضة في جنيف أن يقدم له اقتراحا بإعلان سورية ملكية دستورية، يورثها لأبنائه وأحفاده، ولا ضير في ذلك، فأكثر الدول رقيا وتقدماً في العالم تحكمها نظم ملكية دستورية: السويد والنرويج وهولندا وبلجيكا وبريطانيا، جميعها ذات نظام ملكي دستوري، فليأخذ بشار الأسد حكم سوريا، وليعد سوريا لأصحابها السوريين.، حتى ولو كانت مدمرة.

داعش صنيعة النظام

ربما يكون وراء النصر! الذي حققه الجيش السوري في تدمر - طبعا بقوة حلفائه من الروس والطائفيين - ربما يكون دليلا آخر على التنسيق الأكيد بين النظام وداعش، إذ أن النظام سيجري انتخابات برلمانية في الثالث عشر من الشهر القادم، لذا فهو بحاجة إلى انتصار شكلي، وهذا ما منحه إياه تنظيم الدولة، علاوة على أن وجود داعش في هذه المنطقة قد أعطى الذريعة للنظام والروس أن يجعلا مدينة تدمر خالية من السكان بعد تدميرها بشكل كامل، وهنا تكمن مصلحة الشركات الروسية التي سوف تقوم باستغلال آبار النفط والغاز في منطقة تدمر، فالروس لن يكونوا بحاجة إلى حراسات مشددة لمشاريعهم بعد أن أخليت المنطقة من سكانها إن بتدمير المنازل أو القتل أو التهجير. الآن أصبحت ذريعة تدمير مدن وادي الفرات (البوكمال - دير الزُّور - الرّقة) جاهزة بانسحاب تنظيم داعش من تدمر إلى تلك المدن.


Thursday, March 17, 2016

عدو ما من صداقته بدُّ

 ربما يكون نظام بشار الأسد مقبلاً على كارثة سياسية تطيح به، فبعد الانسحاب العسكري الروسي من سوريا، قد يعقب ذلك انسحاب سياسي روسي من تأييد الأسد في محادثات جنيف الحالية، فبعد أن يئس الروس من تحقيق انتصار على الثورة السورية، والتي ضمنها لهم بشار الأسد في خلال شهرين من تدخلهم العسكري،تبين لهم بعد خمسة أشهر ونصف الشهر بالتمام أن ذلك النصر وهم في وهم، وربما سيفاوضون مندوبي المعارضة في جنيف على ضمان امتيازاتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية بعد رحيل النظام، وهو ما سيحصلون عليه بالتأكيد، إذ أن السوريين - رغم العلاقة الوطيدة بين الروس وإسرائيل - سيكونون بحاجة لروسيا في محاولة لإعادة إعمار ما دمرته خمس سنوات من الحرب، وستكون روسيا بحاجة لتعويض ما خسرته في حملتها العسكرية لدعم النظام.
المصلحة الروسية - السورية قضاء وقدر على الجانبين مهما شحن التدخل الروسي من ذكريات مؤلمة في ذهن المواطن السوري.



Tuesday, March 15, 2016

عصابة فلسطينية عميلة فاشلة

في الأخبار:( مفاوضات سرية بين السلطة وإسرائيل لتسليمها رام الله وأريحا، مع السماح للقوات الإسرائيلية بدخولهما لاعتقال المشتبه بهم التخطيط لعمليات إرهابية).
يعني البساط الأحمر والنشيد الوطني والتبجح بالاستقلال بعد أوسلو كان جميعه كذباً في كذب؟، طبعاً، لكنه كان كذباً لخداع الجهلة، أما من كانوا يعرفون طينة عصابة أوسلو، فلم تنطل عليهم سفاهات وكذب عصابة فلسطينية عميلة فاشلة.


Sunday, February 28, 2016

حاولت جهدي أن أكون حماراً ... ونجحت



  مللت عيشتي لكثرة تبرمي من كل ما هو حولي:
1- يقفل أحدهم حدوده مع جاره لمدة خمسة وعشرين عاماً ، فيقطع أوصال الشعبين الجارين ، وتتفكك عرى الأخوة بينهما ، ومع أنه لا يطالني شيء من هذا الأذى والحمق ، غير أنني لا أنام الليل مصاباً بالقلق ، ولا أهدأ النهار ، أكيل الشتائم للقطرين ، فيرتفع ضغطي شبرين ، وينصحني طبيبي بأن أطنش المواضيع الحقيرة ، ويوصيني بعدم مشاهدة أخبار الجزيرة ، والتي ينصح مرضاه من أصحاب الضغط المنخفض بمتابعتها باستمرار ، بل أن أداوم على قنوات الهز والرقص ، والتي لا يطالها شطب الرقيب ولا بتر المقص ، غير أنني أرفض النصيحة وأتابع الانتحار، مومس عابرة أشاحت عني متمتمة بلهجة الحرائر: من فضلك لا تتدخل في شؤون المغرب والجزائر.

2- يلتزم أحدهم بعهوده ومواثيقه مع قتلة أفراد جيشه دوساً بالدبابات ، فيقفل معبراً يمد أبناء جلدته ودمه ودينه بسبل الحياة ، وذلك دون أن يرف له جفن أو يحمر له خد ، فأبدأ بكيل الشتائم بأقذع العبارات ، وأحقر المفردات ، لكنني أنتبه إلى أن مفرداتي الساقطة وعباراتي المقذعة ، والتي قضيت العمر أجمعها من أرصفة السفالة ومواخير الدعارة ، لا تتناسب والمقام ، وأحسب أن هذه الألفاظ نفسها ترفض ، بل وتشمئز، من إطلاقها على هكذا شيء ، فأصمت وأقسم بأغلظ الأيمان أنني سأقاضي مجامع اللغة العربية لعجز علماؤها الأفاضل عن صياغة شتائم توفي المقام التافه حقه ، ومع أنني تحديتهم كثيراً للقيام بذلك سريعاً، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً . طلبت من مومس أن تصف لي الوضع الراهن بالتمام ، فاعتذرت بأدب واحتشام قائلة: وهل أنت فرعون لكي تحتج على ذلك.
   
3-  تتحالف قبائل يعرب العاربة منها والمستعربة والمتعربة مع راعي بقر أحمق لكي تغزو معه غزوة العمر ضد شقيق مجاور ، وتعود محملة بدماء الشهداء ودموع الأرامل وبكاء الأيتام وحفنة من رضى الراعي الحقير ، فتنتفض روحي ، ويغلي الدم في رأسي ، ويحذرني صحبي من الجنون الذي يوشك أن يضرب دماغي . فكرت باستخدام قاموس الشتائم وعجزت ، فطلبت من نفس المومس أن تستحضر الشتائم التي تلعن بها زبائنها الذين يتهربون من دفع المعلوم ، ، ، لم تجد المسكينة مفردات تناسب ما رأت ، فهزت رأسها بيأس وقالت: ما لك والعراق، ومضت.

4- واحد من متخلفي القرنين العشرين والحادي والعشرين وربما الثاني والعشرين – هذا لو قدر له أن يبقى عميداً للحكام العرب قرناً آخر - يفرغ خزينة شعبه وراء الحصول على تقنية متطورة ينتفخ بها ويتباهى كأنه دولة عظمى ، لكنه ، وفي لحظة ضعف وجبن وانهيار، يضع أبحاثه ومعداته وعلماءه على سطح سفينة تعبر المحيطات والبحار ، لكي تحط رحالها في مستودعات النسيان والسخرية ، فأقفز في الهواء من الغيظ ، وكأن والدي هو الذي تحمل نفقات البرنامج التعيس وحرمني وإخوتي من الإرث. غرقت في ضحكٍ باكٍ من تفاهة المشهد . فتشت عن المومس لكي أستعين بها في التوصيف، لكنها لوحت لي من بعيد بابتسامة ساخرة ، واختفت مرددة محاولة تأنيبي: دع المجنون للشعب الليبي.

5-  حركة وطنية تمشي على سير متحرك في مكانه باتجاه الوطن منذ أكثر من نصف قرن ، بسرعة صفر في السنة ، غير متنبهة إلى حقيقة أنها تضم عدداً من الفصائل والجبهات المتناقضة التطلعات والرؤى والبرامج ، يفوق عددها عدد أصابع اليدين والقدمين ، متجاهلة أن حركات التحرير على مر تاريخ المقاومة ضد الاحتلال لم تكن تضم أكثر من جبهة واحدة ( جبهة التحرير الجزائرية – جبهة تحرير فييتنام – السندنيستا – الكونترا – نمور التاميل - الماوماو ...) ، فأبدأ بالبحث عن الهواتف الجوالة لقادة هذه الفصائل في محاولة للفت انتباههم إلى هذه الحقيقة ، لكنني أفاجأ بأنهم جميعاً يستخدمون شبكة إسرائيل نت ، فيسقط في يدي وقدمي . نظرت في المرآة متذكراً المثل الصيني القائل:( إذا ساءت الأحوال فانظر إلى وجهك في المرآة ) ، كي أستمد منه حكمة وفلسفة ، فرأيت بدلاً من ذلك أكواماً من القمامة تغطي الوجه عاليه إلى أسفله، وعجزت حتى عن أخذ رأي المومس فيما يجري، ولنفترض أنها قالت شيئاً، فماذا كانت ستقول ؟ربما: ألم تعلم أنها ممثل شرعي ووحيد للشعب؟.
 
6- كيان عربي احتُلَّ جزءٌ من أرضه منذ حوالي نصف القرن ، يحضِّر لاستعادة الأرض عن طريق تصنيع أشهى أنواع العلكة والمعسّل ومساحيق الغسيل والشامبو وأجود أنواع البامبرز والكلينكس ، دون أن يتمكن من صنع مدفع يصل مداه إلى الكيلومتر الواحد. رغبت في الاستعانة بصديق من ذلك الكيان لكي يملي علي الشتائم المناسبة ، فوجدته أصماً أبكم ضريراً منذ نيف وأربعين سنة ، وأومأت لي المومس إياها بأن عذره مقبول وسعيه موصول وجبنه معقول، لأنه هو الذي يحدد زمان ومكان الرد ، فصمتّْ.

7-  سمعت أن صحيفة يابانية تبيع عشرة ملايين نسخة في اليوم الواحد ، فتذكرت أن عشرات الملايين عندنا لا يقرأون جريدة واحدة في السنة الواحدة ، فلعنت الساعة التي اخترعت فيها أوغاريت أبجديتها الأولى منذ قديم الزمان لدرجة أنها نسيتها. وهل هناك أجمل من الأمية في عالم متعلم ؟ . إنه إنجاز اقتصادي لا يصدق أن ترى أمة الجهل تقتصد يومياً الملايين بامتناعها عن شراء الصحف اليومية التي لا تلزمها إلا لوضعها على الشبابيك بدل الستائر ، وعلى طاولات الطعام بدل الشراشف. أنعم بها وأكرم من أمة أكثر من نصفها أمي جاهل ، والباقي من أفرادها بالكاد يفك الخط. من يجد شتيمة مناسبة لهذه الحالة فليتكرم مشكوراً بنشرها في الجرائد الرسمية لدول زمن الانهيار.

نظرت حولي فلم أجد أكثر هدوءاً من الحمار: يقضي عمره يعمل بجد وكد تحت أقسى الظروف والأقدار ، دون أن يتذمر أو ينبس ببنت شفة ، أو يشعر بأي خوف أو سخط أو يبدي أسفه. يرى قذارة طبع صاحبه وظلمه له ، فيتقبل ذلك بصدر رحب ، مع أن الحمل ثقيل والطريق صعب . يسير طيلة حياته خلف الجزرة دون أن يظفر بها ، لكنه أبداً لا يكل ولا يسأم ، لا يمل ولا يشتم ، ولذلك فإن ضغط دمه على الدوام ، وعلى مر السنين والأيام ، ثابت على 80/120 ، أي أنه أفضل من ضغط دمي بدرجات ، مع أنه لا يتناول أي دواء أو فيتامينات، بينما أتناول أنا من الدواء أكثر مما أتناول من الغذاء ، ولسانه أنظف من لساني بكثير ، إذ لا شتائم في عالم الحمير.

لذا ، وبعد أن فكرت في مصلحتي ، ورغبت في الحفاظ على ضغطي وبالتالي صحتي، وبما أن العمر ليس ( بعزقة ) ، ومتابعة تفاهات الأسياد مهلكة ومحرقة ، لذا قررت أن أكون حماراً بجدارة ، فأنأى بلساني عن البذاءة والقذارة ، وأحافظ على ضغط دمي على نفس درجة ضغط دمه 80/120 ، ونجحت في ذلك أيما نجاح ، وأشعر الآن أنني سعيد ومرتاح ، ومن يصدق ما جربت ، فلينهج ما نهجت ، ومن يفشل في مسعاه ، فليبق على حاله إياه ، فهل هناك في هذا الزمن الحقير ، أسعد وأهنأ من طائفة الحمير؟.