Friday, September 28, 2012

ليلة القبض على الوحدة


بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين لجريمة الانفصال (1961-2012):

    لم تكن تلك الليلة من شهر سبتمبر1961 كباقي الليالي التي مرت على دمشق في تاريخها الوسيط والحديث، ففيها اجتمعت ثلة من سبعة وثلاثين ضابطاً سورياً، تتآمر لتنفيذ انقلاب قذر على دولة الوحدة، بترتيب من الخائن المقدم عبد الكريم النحلاوي والذي عمل مديراً لمكتب عبد الحكيم عامر، وكان في الثالثة والثلاثين من العمر، إذ أنه من مواليد حي قبر عاتكة في دمشق عام 1928)، ففي الصباح الباكر من ذلك اليوم تحركت فرقة من دبابات الجيش بقيادة حيدر الكزبري وموفق عصاصة وعبد الغني دهمان، لكي تنهي حلماً عمره عمر التاريخ العربي بأكمله.
وحدة مصر وسوريا: كان حلم الوحدة العربية يداعب خيال جميع الناطقين بلغة الضاد، لكن سقوط جميع الدول العربية في براثن الاستعمارين البريطاني والفرنسي، باستثناء السعودية واليمن، حال دون تحقيق ذلك الحلم،ومع ذلك، ورغم سيادة النفوذ الغربي على الأرض العربية، فقد تأسست جامعة الدول العربية في أوائل عام 1945، عندما وقِعَ بروتوكول الاسكندرية من قبل رؤساء سبع دول عربية، ست منها آسيوية، ومصر من الجناح الأفريقي، ورغم كل ما قيل عنها من أنها مشروع بريطاني يضمن السيطرة على الدول المنضوية تحته، إلا أن ميزة أن يجتمع المندوبون والرؤساء، ولو بصورة دورية، كانت أمراً لا بأس فيه. غير أن حلم الوحدة لم يقترب من التحقق إلا بعد قيام ثورة يوليو المصرية عام 1952، والانتصارات الباهرة التي حققتها بقيادة جمال عبد الناصر، والتي كانت العامل الحقيقي الذي جمع العرب من المحيط إلى الخليج خلف قيادته، ففي خلال أربع سنوات تولى عبد الناصر فيها القيادة، بعد عزل محمد نجيب عام 1954، كسب سلسلة من المعارك المبهرة، والتي بدأت بتوقيع اتفاقية جلاء البريطانيين عن قاعدتهم في قناة السويس في أكتوبر 1954، مروراً بكسر احتكار السلاح الغربي عن طريق صفقة الأسلحة التشيكية عام 1955، ثم تأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956 رداً على سحب الولايات المتحدة تمويل السد العالي، ثم الانتصار الذي حققته مصر بالصمود الأسطوري أمام العدوان الثلاثي (بريطانيا – فرنسا – إسرائيل ) مع نهاية عام 1956، وكان الحدث الأخير، أي العدوان الثلاثي، هو الذي رفع درجة حرارة توجه العرب إلى الوحدة مع مصر، وذلك عندما وقف الجميع معها ضد ذلك العدوان، خاصة في سوريا عندما قام الضباط السوريون بنسف خطوط نقل البترول إلى ميناء طرابلس اللبناني وميناء بانياس السوري، كما أن استشهاد الضابط البحري السوري (جول جمّال) خلال معركة بحرية مع البوارج الفرنسية، وإغراقه البارجة (جان دارك) قبالة الاسكندرية، كانت جميعها من العوامل التي قربت بين البلدين لتحقيق الوحدة، كذلك فإن الوضع داخل الجيش السوري بانقسام الولاءات فيه بين أحزاب متنافرة (البعث – الإخوان المسلمون – الشيوعيون – القوميون)، وازدياد التنافس الدولي على سوريا، خاصة من قبل حلف بغداد الذي تقوده بريطانيا، فعندما وجدت النخب الحاكمة وقيادات الجيش في سوريا نفسها محاصرة من الجنوب بالمملكة الهاشمية، ومن الغرب في لبنان بنظام كميل شمعون الموالي للغرب، وبالعراق وتركيا عضوي حلف بغداد من الشرق والشمال، عندها كان لا بد من اللجوء إلى مصر ممثلة بقيادة جمال عبد الناصر الظافرة للخلاص من الأزمتين الداخلية والخارجية، وبعد محادثات مطولة مع عبد الناصر، جلس فيها الضباط السوريون على الأرض، وأخبروا عبد الناصر أنهم لن ينهضوا عنها ما لم يوافق على الوحدة، تمت الموافقة عليها. كان رفض عبد الناصر للوحدة يقوم على أساس أن ظروفها لم تنضج بعد، وأنها ينبغي أن تكون متدرجة وليست اندماجية، لكن مع إصرار السوريين وافقت مصر على الوحدة مع سوريا، والتي أعلنت رسمياً يوم 22 فبراير 1958، وبهذا تحقق أمل راود نفوس وقلوب العرب مئات السنين، وشعرت إسرائيل بأن فكي الكماشة قد أطبقا عليها من الشمال والجنوب، واندحر حلف بغداد بسقوط النظام الملكي في العراق بعد أقل من خمسة أشهر من قيام الوحدة (ثورة 14 تموز 1958)، وسقط نظام كميل شمعون، وتضعضع النظام الأردني، ونهضت ذكرى صلاح الدين الأيوبي من ضريحه، وتلبست نفوس الناس وأرواحهم، أولئك الذين آمنوا بأن تحرير القدس لن يتم بدون توحيد مصر مع سوريا، تماماً كما فعل صلاح الدين، واستقبل عبد الناصر بعد يومين من إعلان الوحدة استقبالاً لم ولن تشهد دمشق مثيلاً له ( بعد ذلك أصبحت زيارات عبد الناصر إلى سوريا مفاجئة دون إعلان مسبق لأسباب أمنية، وأذكر أنني التقطت في إحدى المرات على موجة الراديو القصيرة مكالمة لاسلكية تقول بأن عبد الناصر سوف يصل مطار المزة بدمشق عصر ذلك اليوم).  
اليوم الأسود: في الساعات الأولى من صباح الخميس 28/9/1961، استيقظنا في دمشق على أنباء انقلاب عسكري، فاندفع الناس إلى الشوارع في بلبلة كبيرة، لا تصف حالهم سوى الآية الكريمة (مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء – سورة إبراهيم 43)، نتلفت حولنا فلا نرى سوى سيارات الجيب العسكرية تجوب الشوارع بسرعة كبيرة، وتجمعات متناثرة من الناس هنا هناك حول أشخاص يحمل كل منهم مذياع ترانزيستور،،، في الشارع الواصل بين جسر فكتوريا وساحة الحجاز، ومقابل سينما العباسية، كان هناك فندق يحمل اسم (فندق بردى). ما كدنا نصل تحت شرفة الفندق حتى توقف أمامه جيب عسكري يحمل أربعة من رجال الشرطة العسكرية دلفوا بسرعة بوابة الفندق، في هذه الأثناء كان هناك ثلاثة ضباط مصريين واقفين على الشرفة بملابس النوم، وما هي إلا لحظات حتى هبط الأربعة يقتادون الثلاثة إلى سيارة الجيب، وانطلقوا بهم بسرعة كبيرة،،، في شارع النصر كانت هناك مظاهرة معظم أفرادها من سكان حي الأكراد، كانوا ينددون بعبد الناصر والوحدة،،، في هذه اللحظات استمعنا إلى آخر بيان ( رقم 9 ) من مجلس قيادة الثورة، وفيه يتراجع الانقلابيون عن مطلب الانفصال، بل يتوجهون بطلب إلى الرئيس عبد الناصر لكي يقوم ببعض الإصلاحات، ومن ضمنها الحد من نفوذ الضباط المصريين في الإقليم الشمالي (والواقع يفيد بأن هذه الحجة باطلة، إذ لو كان للضباط المصريين نفوذ قوي، لما تمكن 37 ضابطاً سورياً، بترتيب من الخائن عبد الكريم النحلاوي، من تنفيذ الانقلاب). عندها، بعد سماع إذاعة البيان رقم 9 ، تحولت المظاهرة المذكورة خلال ثوانٍ إلى مظاهرة تأييد الوحدة والهتاف بحياة جمال عبد الناصر، لكن عندما أذيع البيان رقم 10 الذي أعلن فشل المفاوضات مع عبد الناصر،عادت المظاهرة المنافقة للتنديد بالوحدة وزعيمها، وأظن أن البلاغ رقم 9 كان مناورة مكشوفة لكي تلقى مسؤولية الانفصال أمام الجماهير العربية على كتف عبد الناصر.
الأسوأ الذي حدث في ذلك اليوم كان الإنذار الذي وجهه الانقلابيون إلى جميع المصريين المقيمين في كافة أنحاء سوريا طالبين منهم مغادرتها خلال 24 ساعة، وهؤلاء  كانوا مدرسين وموظفين وضباط وعمال، فكان على جميع هؤلاء التصرف بممتلكاتهم الشخصية وأثاث منازلهم ضمن هذه المهلة القصيرة عن طريق البيع بأبخس الأثمان، وفي اليوم التالي 29/9 اكتظ شارع النصر، الواصل بين ساحة الحجاز وسوق الحميدية، بمئات حافلات نقل الركاب الداخلي، والتي أقلت جميع المصريين إلى ميناء بيروت، حيث غادروها إلى مصر على ظهر البواخر المصرية.
ومنذ ذلك اليوم الأسود، دخلت سوريا في النفق الذي تحاول اليوم الخروج منه بلا جدوى، فقد مهد الانفصال إلى وصول البعثيين إلى السلطة، وكم كان من المذل لهذا الحزب الذي يدعي العمل من أجل الوحدة، أن اثنين من أهم مؤسسيه، وهما صلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني، وقعا على وثيقة الانفصال، أما ميشيل عفلق، فقد نقل عنه قوله: (الانفصال شر لا بد منه)، غير أن ما فعله هؤلاء الثلاثة لم ينتج عنه سقوط الوحدة فقط، بل كان ذلك إيذاناً بسقوط الحزب نفسه، وطردهم بصورة مذلة خارج سوريا، بل وخارج الذاكرة القومية العربية.
    إن تلك الجريمة التي ارتكبها الخائن المدعو عبد الكريم النحلاوي (وهو على ما أعتقد يعيش في الولايات المتحدة حالياً)، بصفقة تآمرٍ قبض ثمنها مسبقاً من دولة خليجية*، هي جريمة العصر العربي التعيس، والتي لولاها لكان الحال غير الحال. وفي هذه الذكرى البائسة، ألا يحق لنا أن نعيش لحظات سعيدة، وذلك بأن نتخيل أوضاعنا المعاصرة على طريقة (ماذا لو؟)؟.
فلو سألنا: ماذا لو فشل الانقلاب واستمرت الوحدة؟ : لكان العراق سينضم إليها عاجلاً أم آجلاً، وسوف تقوم الجمهورية العربية الأردنية مكان المملكة الأردنية لكي تنضم إلى دولة الوحدة، وسوف يعود لبنان إلى حضن سوريا، كما كان قبل فرض الانتداب الفرنسي عليه، فيحكم الطوق على إسرائيل من جهاتها جميعها، وسيكون البترول العربي تحت سيطرة ملكيات وإمارات تأتمر بأمر الجمهورية العربية المتحدة، ولن تقع حرب 67، أي لم تكن سيناء والجولان لتقع بيد إسرائيل، ولن يصل حزب البعث إلى حكم سوريا (ذلك أن قيام اثنين من مؤسسيه بالتوقيع على وثيقة الانفصال قد أثبت أنه لا يؤمن فعلياً بالوحدة، بل يسعى للوصول إلى الحكم)، وبمرور الأيام كانت دولة الوحدة ستتدحرج لتكبر ككرة الثلج، وسيسودها نظام لا مركزي يجعل من انفصال أي قطر بحكم المستحيل. عندئذ كيف كان سيكون عليه حال إسرائيل؟.
  هنا يبدو هذا التخيل كما لو أنه حلم ليلة صيف، كان يمكن أن يكون حقيقة فقط لو أن والدة النحلاوي قد أجهضت به وهو ما زال جنيناً، أو لو أنها لم تكن قد تزوجت أصلاً.
تلك الليلة، ليلة الثامن والعشرين من سبتمبر 1961 كانت بالفعل ليلة القبض على الوحدة، أمل العرب في مستقبل حر كريم، ضاع منهم على يد خائن وضيع.
لكن، ليت الثامن والعشرين من سبتمبر قد اكتفى بحمل ذكرى الانفصال البائسة فقط، بل شاءت الإرادة الإلهية أن ينتقل جمال عبد الناصر إلى جوار ربه في الساعة السادسة مساء من يوم الثامن والعشرين من سبتمبر 1970، وفي الذكرى التاسعة للانفصال، لكي يبقى هذا التاريخ عالقاً في قلوب وضمائر كل قومي عربي، يذكّره باسم من بنى الوحدة لكي يترحم عليه، وباسم من خانها لكي يصب اللعنات فوق رأسه.

*- عندما لجأ الملك سعود بن عبد العزيز إلى عبد الناصر، بعد أن طردته أسرته، سأله عبد الناصر كيف يدفع سبعة ملايين جنيه لتدبير مؤامرة الانفصال، فرد عليه:( لا، طال عمرك، كانت اثنى عشر مليون جنيه، وليست سبعة ملايين). 
     

Thursday, September 27, 2012

أحسنت يا سماحة السيد، فقد نزعت الفتيل


    في مقابلة مع فضائية عربية، سَعِدَ جميع مشاهديها، على ما أعتقد، وعلى اختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم، بحديث سماحة السيد محمد حسن الأمين، العلامة الشيعي اللبناني المتميز، فكانت أراؤه وأفكاره التي طرحها غيثاً أصاب أرضاً عطشى فاهتزت وربت، وبلسماً داوى جرحاً غائراً، فكاد أن يبرأ ويشفى. فمنذ ثلاثة ثلاثين عاماً، أصاب المسلمين شرخٌ في مقتل، فباعد بين مذهبيهم الرئيسيين: السني والشيعي، ذلك الشرخ بدأ مع الثورة الإيرانية عام 1979، التي لم تتردد في أن تعلن نفسها دولة للمذهب الإثنى عشري. في ذلك الوقت، وقت قيام الثورة، التف شباب جيلنا حولها، فآزروها وشدوا من عضدها، خاصة وأنها جاءت بشعارات تلامس شغاف قلوب المظلومين، وخاصة منهم الفلسطينيين، الذين يساندون كل من يقربهم من فلسطين ولو ميليمتراً واحداً، فكان طرد الإسرائيليين من طهران، ومنح سفارتهم لمنظمة التحرير الفلسطينية، واحداً من محفزات تأييد الثورة الخمينية، لكن الأيام أبدت لك ما كنت جاهلاً، فما هي إلا سنة أو نحوها حتى نشبت الحرب مع العراق في سبتمبر 1980، ومع ذلك استمرينا في غينا دون أن ندري، وكنا بحاجة إلى مرور عشرات السنين لكي نكتشف أن الهدف الأسمى من السماح بعودة الخميني من باريس وسقوط نظام شاه إيران، كان العمل على تقويض، بل والقضاء على دولة العراق، ورفعها عن الخارطة العربية. فبعد خروج مصر من الصف العربي بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد المشؤومة (الأم الشرعية لسيئة الصيت ”اتفاقية أوسلو”) عام 1978، لم يعد في الساحة العربية من قوة يمكن أن تحل مكان مصر في التصدي للعدو الإسرائيلي سوى العراق بقدراته البشرية والاقتصادية والعسكرية الهائلة، ولما لم يكن لشاه إيران شعبية داخل وطنه قادرة على مساندته في تدمير العراق، لذا كان لا بد من السماح بزوال نظام الشاه لكي يحل مكانه نظام ثوري يفدي أفراد الشعب الإيراني قائده بأرواحهم، ويكونون طوع بنانه، وهكذا كان، فبعد أن انتقل الخميني إلى فرنسا من العراق، حيث كان لاجئاً مطارداً من نظام الشاه، بدأ من هناك التواصل مع الجماهير الإيرانية عن طريق أعوانه وتسجيلات الكاسيت، والتي كانت في تلك الأيام تقوم مقام الفيس بوك وأشباهه من أنظمة التواصل الاجتماعي هذه الأيام، وعندما حانت ساعة الخلاص من الشاه، نقلت طائرة الخطوط الجوية الفرنسية الإمام الخميني من باريس إلى مطار مهرباد في طهران (ولم يقل أحد يومها أنه كان – حاشى لله – عميلاً للغرب). ورغم كل الدعم الذي تلقته إيران الخميني من الغرب ومن إسرائيل، والذي كشفته فضيحة (إيران – كونترا*)، حيث زودت الولايات المتحدة إيران بالأسلحة المتطورة التي شحنت إليها من إسرائيل**، رغم ذلك لم تستطع إيران هزيمة العراق، فاضطر الخميني إلى توقيع وقف إطلاق النار مع جاره اللدود في 8-8-1988 بعد أن قال قولته المشهورة:(لتجرع كأس من السم أهون علي من توقيع هذا الاتفاق)، وخلال حرب الثماني سنوات انقسم العرب بين مؤيد ومعارض لطرفي القتال، ولم يكن هذا جوهر القضية، بل إن استعار الصراع، ولو كان خفياً، بين السنة والشيعة كان هو الجوهر الحقيقي للأزمة، وازداد الأمر تعقيداً ببروز المطامع الإيرانية في دول الساحل الغربي للخليج العربي، خاصة بوجود أقليات شيعية فيها، ونظراً لوقوف إيران موقف المتفرج من تدمير جنوب لبنان في حرب 2006، وقطاع غزة في 2008، فقد تبين للجماهير العربية أن الادعاء بتبني إيران قضية فلسطين ودعم المقاومة لم يكن سوى وهم، وستار تدثرت به الأطماع الفارسية لتحقيق مخططاتها في المنطقة العربية، وبدأنا نسمع كلمات سني وشيعي تتكرر في حياتنا اليومية، فتلبست قلوبنا غمة مخيفة، وبدا في الأفق أن الصراع العربي – الإسرائيلي قد خرج من المعادلة الشرق أوسطية، ولو مؤقتاً، ليحل مكانه الصراع السني – الشيعي.

    وعودة إلى مقابلة سماحة السيد محمد حسن الأمين، فقد أورد فيها جملة من الأفكار والآراء التي لا يمكن التغافل عن أي منها، فهو:

- ينكر مشروعية الدولة الدينية، وفي رأيه أن الحاكم في هذه الدولة هو ديكتاتور بامتياز، لأنه يحكم باسم الله على الأرض، وهذا ما يناقض مباديء الحرية والعدل والديمقراطية، فالعدل والذي هو أساس الملك والحكم، لا يمكن أن يتوفر في ظل هذه الدولة، مما يفسح المجال لنا للقول بأن سماحته ينفي مشروعية نظام الخلافة، وهذا طرح لم يسبق له مثيل من رجال الدين المسلمين، باستثناء قلة قليلة – على ما أعلم – كالشيخ علي عبد الرزاق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم- القاهرة 1925-).( ربما يذكرنا هذا الموقف لسماحة السيد من الدولة الدينية، بموقف بعض الحاخامات من قيام دولة إسرائيل على أنها تتعارض مع إرادة الرب).

- يقول سماحته بضرورة سحب الورقة الطائفية من يد أي نظام حكم يتستر بها، ذلك أنها تستعدي جزءاً من المجتمع على جزء آخر، وفي ذلك دمار للجميع.

- يميز سماحته، بإبداع ملفت ومبهر، بين الطائفية والمذهبية، فالشيعة عنده مذهب لا طائفة، وكذلك السنة، وهو يرى بأن كليهما يواجهان خطر فكرة الدولة الدينية، تلك التي لا مكان فيها للعدل.

- يؤيد سماحته بشدة ثورات الربيع العربي، لأنها ببساطة ترمي إلى تحقيق الحرية والعدالة وإقامة نظام ديمقراطي يتساوى فيه الجميع أمام القانون.

- عن الشيعة في لبنان، يقول بأنهم أقلية من ضمن الأقليات، وهم المتضررون – مثل غيرهم – من غياب الدولة، ولا مصلحة للشيعة في معاداة محيطهم العربي الإسلامي، لأن ذلك في جوهره معاداة للعقيدة الشيعية.

- من أجمل الأفكار وأكثرها تواضعاً، تلك التي وردت على لسان سماحته بأن تيار رجال الدين والمفكرين والمثقفين ممن يحملون نفس أفكاره، هم أضعف من أولئك الذين يمسكون بأيديهم زمام السلطة، لكنه يدعو إلى تحكيم العقل والمنطق في الحكم على الأمور، ويعتقد بأن انحياز هذه النخب إلى شعوب الربيع العربي سوف يقوي موقفها.

- بذكاء واضح، لم يبدر عن سماحته أي تصادم مع الدولة الدينية الإيرانية، غير أنه أكد بأن مثل هذه الدولة لا يمكن أن تكون ديمقراطية، وإن كانت تحاول التمسح بأذيالها من حيث وجود الانتخابات وغيرها من مظاهر النظام الديمقراطي.

- يتهم سماحته الأصوليات الدينية من سنية وشيعية على أنها عناصر الثورة المضادة، التي تعارض النهضة الثالثة للعالم الإسلامي، تلك التي بدأت أولاها في العصر العباسي، وثانيتها مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وثالثتها مع ثورات الربيع العربي المعاصرة، ويصف تلك الأصوليات بأنها تعبير عن الضحالة والانكماش والرؤية البائسة لمفاهيم وقيم الإسلام، لأنها عنصرية دينية وطائفية، والدين ليس مجالاً لها لكي ترتع فيه.

- أخيراً: أبدع سماحته عندما قال بأن الشيعة هم سنة، وذلك لإيمانهم بأن سنة الرسول محمد (ص) هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، وأن السنة هم شيعة، لاصطفافهم إلى جانب الإمام علي بن أبي طالب، وتأييدهم له في مواجهة معاوية بن أبي سفيان في معركة صفين (وهذه النقطة بالذات هي التي كنا نحاجج بها إخوتنا من المذهب الشيعي، ونزيد عليها أن المذهب الشيعي بأصله الديني، والذي يفترض أنه صواب بالجملة، لا يجوز له أن يتحمل وزر أخطاء الدولة، من حيث أن السياسة قابلة للخطأ كما هي قابلة للصواب). فكرة سماحة السيد، هذه الأخيرة بالذات، هي التي يحتاجها مسلمو هذه الأيام من كلي المذهبين حتى ننتهي من هذا الصراع السخيف، وهي الفكرة التي يبحث الناس عنها منذ عصور طويلة، فجاءت اليوم على لسان رجل دين ذي قيمة كبيرة، هو سماحة السيد محمد حسن الأمين.

عند انتهاء المقابلة مع سماحة هذا السيد المحترم، شعرت بأن فتيل القنبلة، تلك التي توشك أن تنفجر لكي تدمر المسلمين جميعاً سنة وشيعة، في طريقه إلى التفكيك والإبطال، لذا كم كان بودي لو استطاع سماحته أن يسمعني وأنا أقول له: أحسنت يا سماحة السيد، فقد نزعت الفتيل.

----------------------------------------------------------------- 
*- (إيران – كونترا): مصطلح أطلق في الثمانينيات من القرن الماضي، زمن الرئيس ريغان، على فضيحة بيع الولايات المتحدة أسلحة لإيران، نقلت إليها عن طريق إسرائيل، واستخدم ريعها في دعم منظمة (الكونترا) اليمينية في نضالها ضد حكومة (السندنيستا) اليسارية في نيكاراغوا.
**- وتبين الوثائق أن السلاح الإسرائيلي كان يرسل إلى إيران منذ بداية الحرب العراقية  الإيرانية. للمزيد من الاطلاع على هذا الموضوع، يمكن مراجعة الروابط المثبتة في نهاية المقال المرفق رابطه أدناه:            
         http://www.albasrah.net/ar_articles_2010/1210/iran_jeet_231210.htm

Monday, September 24, 2012

دور الجغرافيا في تطور الإسلام السياسي المعاصر


مما لا شك فيه أن التوثيق في الكتابة عنصر هام من عناصر مصداقيتها، وبإشارته إلى مراجع البحث المستخدمة في تحرير موضوع ما، يرفع الكاتب عن نفسه شبهة الرأي الشخصي في ما يكتب، وهو ما يضعف من مصداقيته، ويشكك في صدق نواياه، لكن هناك مواقف فكرية يمكن لها أن تستغني عن المراجع، ولو استثناء، من ذلك مثلاً الشهادة في المحاكم، حيث يكتفى بها بحلف اليمين لكي تصبح الشهادة معتبرة قانونياً وأدبياً، كما أن كتابة تقرير عن الأحوال الجوية، وتطور حالة الطقس خلال أسبوع قادم، لا يستدعي من كاتبه الرجوع سوى إلى أرقام تتعلق بدرجات الحرارة والضغط الجوي وسرعة الرياح واتجاهاتها، ومراجعة الدرجات المسجلة عبر سنوات سابقة، وهذه الأرقام جميعها لا يترتب على كاتب التقرير ذكرها، وهنا لا يشكك أحد في نوايا راصد الأحوال الجوية، لأنه ليس للنوايا أي دور في صدور تقرير التنبؤ بحالة الجو. والتقرير التالي هو رصد للحالة الإسلامية التي كانت سائدة في العالم العربي في مراحل تاريخية سابقة، وصولاً إلى استنتاج ما يمكن أن يكون عليه حاله بعد ربيعه، يعتمد الاستقراء والاستنتاج وربط الأحداث فيما عايشه المرء، إن بتجربة شخصية مباشرة، أو بمراقبة ما يجري، أو بتحصيل المعلومة من مصادرها العامة (كتب، مقابلات شخصية، وسائل إعلام).

إن متابعة التطور الاجتماعي والسياسي والفكري في جناحي الوطن العربي، الآسيوي والإفريقي، هي من الأمور الممتعة في دراسة وفهم تطور العالم العربي خلال القرن الماضي، وبخاصة أثر الجغرافية في التطور الذي طرأ على الإسلام السياسي. ولعل البدء بموضوع الخشية من وصول الإسلاميين إلى الحكم يكون هاماً وحساساً في هذه المرحلة بالذات. فلو تمعنتَ في مظاهر التخوف من الإسلاميين، لوجدتَها منصبة على مفاصل محددة من الحياة العامة، يتصدرها الخشية من اضطهاد المرأة، بعزلها عن المشاركة في الحياة العامة بحجة عدم الاختلاط (وظائف – مناصب – تعليم – مشاركة سياسية)، أو فرض زي معين، عليها ارتداؤه خارج البيت، أما في المجال الفكري من أدب وفن، فيضع أصحاب هذه المجالات أيديهم على قلوبهم خشية التضييق عليهم في ميادين الإنتاج الفكري والفني، مما يهدد بالقضاء على موهبة الإبداع عندهم، أما الحديث عن مواقف الإسلاميين من الاقتصاد، والسياسة، ونظافة اليد، والحرص على القيم الأخلاقية، ومحاربة مظاهر التحلل والفساد، وحرية الوطن أمام الهيمنة الخارجية، فلا يتكلم عنها أحد، وكأنه لا يجوز الاقتراب من إيجابيات ربما يأتي بها الإسلاميون إذا ما تمكنوا من الوصول إلى الحكم، ولربما يصلح هذا التقديم كمدخل لاستبيان الفوارق بين الإسلاميين العرب في جناحي الوطن العربي الكبير، والتي كان للإقليم الجغرافي يد طولى في صياغتها، بل والتحكم بمخرجاتها، والتنبؤ بما يمكن أن يكون عليه حالهم إن هم وصلوا إلى الحكم.

يقول صحفي وسياسي عربي مخضرم:( إذا أردت الحديث في السياسة، فضع أمامك خارطة)، وهذا القول الموجز يختصر شرحاً مطولاً عن أثر الجغرافية في صنع التاريخ البشري، فمن أهم مظاهر تأثير الجغرافيا في الحياة العامة هو فعلها في تطور الإسلام السياسي في مشرق الوطن العربي ومغربه. وباديء ذي بدء، ربما يميز الحركة الإسلامية في المشرق العربي اقترانها بالوهابية المتزمتة، المذهب الذي تبنته الدولة السعودية منذ بداية نشوئها في منتصف القرن الثامن عشر (1744م)، وفي عاصمتها الدرعية، وهي الدولة التي خاضت صراعاً مريراً مع الدولة العثمانية المتمثلة في والي مصر محمد علي باشا، فاقترن السعودي السياسي، بالوهابي الديني. وفيما بعد، وعندما توحدت المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود في بداية ثلاثينيات القرن الماضي (سبتمبر 1932)، أُعطيت الدعوة الوهابية مكانة الصدارة في الدولة السعودية، تلك الدولة التي استعانت برجالات السياسة الشوام (من بلاد الشام الأربعة) لبناء أسسها الإدارية والسياسية والاقتصادية، فبرز من بين هؤلاء رشاد فرعون ومنير العجلاني وأحمد الشقيري على سبيل المثال، وآخرون كثر، وقد كان للوجود الفرنسي والبريطاني في بلاد الشام بعد طرد العثمانيين منها أثر في هجرة السياسيين إلى السعودية، حتى قبل أن يتم استخراج البترول مع بدايات الحرب العالمية الثانية، فيطمع في فيضه الآخرون، ورغم نشوء حركة الإخوان المسلمين السورية في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي متتبعة خطى إخوان مصر، إلا أنه لم يكن لها شأن يذكر في النضال ضد الوجود الفرنسي، ولا تأثر بالخط الفكري الوهابي. وفي ما بعد الاستقلال عن فرنسا، هجر الزعماء السوريون، وبالخصوص الإخوان المسلمون، بلدهم نتيجة الانقلابات العسكرية المتتالية، وتسلط الجيش على الدولة، فكان هؤلاء سنداً وعوناً للملك عبد العزيز وأولاده من بعده، فتأسست في السعودية قاعدة شامية قوية، حصل معظم أفرادها على الجنسية السعودية، والتي كان الحصول عليها سهلاً حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين، هذه القاعدة الاجتماعية السورية أصبحت موئلاً للسوريين الذين اضطروا إلى مغادرة بلدهم هرباً من الاضطهاد السياسي، خاصة بعد ثورة 8 آذار 1963، وتولي حزب البعث السلطة، حيث امتُهِنَ التيار الديني، ومنعت الصلاة وتربية اللحية في الجيش، وانتشر بين أفراده موبقات لا يمكن قبولها في جيش دولة نص دستورها على أن دين الدولة هو الإسلام، ففي شهادته على العصر، اعترف أمين الحافظ، رئيس الدولة السورية في منتصف ستينيات القرن الماضي، بأن ضباط الجيش السوري في جبهة الجولان قبيل حرب 67 ، كانوا يعاقرون الخمر ويلعبون القمار، لكنه برأهم من معاشرة النساء!، وأصبحت محاربة مظاهر التدين، بما فيها الحجاب – الذي يستر شعر المرأة فقط دون وجهها -، ممارسة معروفة لجميع السوريين، وانتشرت الرشوة والفساد الإداري، وقد كان من المتعارف عليه في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين أن من يضطر إلى مغادرة سوريا تحت ضغط وملاحقة الدولة السورية، كان يستقر في السعودية، وخاصة من شباب الإخوان المسلمين في أقطار الشام، وهناك كان لابد لهؤلاء من التأثر بالتيار الديني للحركة الوهابية، فاعتنقوا أفكارها، وانصهروا في طروحاتها، ونقلوا ما تبنوه إلى عائلاتهم وأصدقائهم في بلدهم الأصلي، خاصة في سوريا والأردن. ونظراً لتزمت الفكر الوهابي، وتكفيره غيره من المسلمين، فقد نظر القوميون والعلمانيون، بل وحتى المعتدلون من المسلمين، إلى هؤلاء على أنهم رجعيون، يريدون فرض مذهبهم بالقوة إن هم وصلوا إلى الحكم، وقد كانت نقطة الافتراق الرئيسية بينهم وبين الدولة السورية في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، والتي تميزت بمجزرة حماة وتدميرها على رؤوس سكانها بحجة القضاء على حركة الإخوان المسلمين، والذين كانت أجهزة الدولة تسميهم (إخوان الشياطين)، وقد توج ذلك بصدور القانون رقم 49 لعام 1980 والقاضي بإعدام كل سوري يثبت انتسابه إلى حركة الإخوان المسلمين. وهكذا فإن التقارب الجغرافي، ووحدة اللغة، ووجود جالية سورية لا بأس بها، كانت من العوامل التي جذبت السوريين إلى دول الخليج العربي وخاصة السعودية، وبذلك اختلط الديني بالسياسي بالاقتصادي في هذه الهجرة، كما أن التخوف من وصول الإسلاميين إلى السلطة في البلدان العربية الآسيوية، يمكن أن يعزى إلى وجود طوائف عرقية من أرمن وآشوريين وسريان وكلدان وأكراد وشركس وتركمان، إلى جانب المسيحيين العرب من جميع مذاهبهم (روم، كاثوليك، أرثودوكس، موارنة إلخ)، وهي الفئات التي يلعب النظام الديكتاتوري على وترها بإثارة مخاوفها إن وصل الإسلاميون إلى الحكم. أما سواحل الجزيرة العربية الشرقية، فقد عرفت الوجود الأوربي منذ القرن السادس عشر عندما احتلها البرتغاليون لوقوعها على الطريق إلى الهند، ثم ورثها البريطانيون فيما بعد، وربما لهذا الأمر يعزى عدم انتشار الوهابية في إمارات ومشيخات الخليج العربي، حيث لا يوجد في تاريخ الوهابية ما يشير إلى حملها السلاح ضد أية قوة أجنبية، ولم تصطدم مع أية قوة استعمارية، ذلك بسبب نشوئها وسط بحر من الرمال عزلها عن محيطها الجغرافي، مما نتج عنه عدم وجود قوات احتلال أجنبي على أراضي المملكة، وبسبب التقارب المبكر بين مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز مع بريطانيا إبان نشوب الحرب العالمية الأولى وتوقيعه معها معاهدة* تعاون وصداقة، كما وصل الأمر بالمرحوم الشيخ عبد العزيز بن باز، مفتي السعودية أثناء حرب الخليج الثانية، أن أفتى ”بجواز الاستعانة بالكفار والمسيحيين للدفاع عن أرض الإسلام!”. غير أن القشة التي قصمت ظهر بعير الحركة الإسلامية بشكل عام، كان دعم السعودية، وفي ركابها الحركة الوهابية، لحكومة حركة طالبان – الحاضنة العقائدية والسياسية لتنظيم القاعدة – حيث لم يكن يعترف بحكومة طالبان سوى دول ثلاث: السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وباكستان.

يبقى أن العراق، وبسبب وجود أغلبية مسلمة شيعية، والعديد من الأقليات العرقية والدينية، وانتشار أفكار الحزب الشيوعي منذ فترة مبكرة ( بدأت أفكاره بالتشكل منذ بداية عشرينيات القرن الماضي وأعلن تأسيسه رسمياً عام 1935)، فقد انعدمت فيها التيارات الدينية السياسية، أما حركة الإخوان المسلمين العراقية فقد تأخر ظهورها حتى عام 1960 تحت اسم (الحزب الإسلامي العراقي)، لكن تم حله بعد سنتين فقط من إعلانه.

أما مصر، الرابط الطبيعي بين الجناحين الآسيوي والأفريقي، فإن النمو السكاني المطرد، وتدني فرص العمل، قد دفعت بعشرات الآلاف من المصريين إلى البحث عن فرص عمل لهم في السعودية وباقي دول الخليج، ورغم أنه لم يكن للمصريين باع كالذي كان للشوام في تأسيس وإدارة الدولة السعودية، إلا أن وضع بعض خبراء الحقوق والاقتصاد إمكاناتهم في خدمة الدولة السعودية كان أمراً ملحوظاً، وإن لم يكن بحجم المساهمة الشامية، وكما حدث للشوام وقع للمصريين من حيث التأثر بالفكر الوهابي، الذي بدأ هو الآخر بالتسلل إلى الديار المصرية، وبدأ المصريون كذلك في الشك بالإسلاميين إن هم استولوا على الحكم من أن يطبقوا ما كانوا اعتادوا عليه عندما كانوا في السعودية، إلا أن وجود الأزهر بوسطيته، وافتراقه المبكر عن المذهب الوهابي، قد عدل الكفة مع المتطرفين المصريين، حتى وصل الأمر ببعض الأزهريين إلى انتقاد المذهب الوهابي علناً، وعلى وسائل الإعلام، ناهيك عن أن الصراع المصري – السعودي الوهابي منذ غزا محمد علي باشا بلاد نجد والحجاز، ودمر الدولة السعودية الأولى بدخول عاصمتها الدرعية في سبتمبر 1818م، وإرسال إمامها عبد الله بن سعود لكي يعدم في الأستانة، هذه الخلفية التاريخية لا شك حملت، وما زالت تحمل بصماتها على العلاقات السعودية – المصرية، ربما حتى يومنا هذا، كما أن من بين العوامل التي حمت مصر من تغلغل الفكر الوهابي فيها كان نشوء حركة الإخوان المسلمين – ربما كردة فعل على إلغاء أتاتورك الخلافة – ، ومساهمتها في العمل العسكري ضد الوجود البريطاني في قناة السويس، والقتال على أرض فلسطين ضد العصابات اليهودية، مما أعطاها وجهاً وطنياً ونضالياً ميزها عن الحركة الوهابية.

نخلص إلى القول أن ارتباط الإسلاميين السوريين والمصريين بالحركة الوهابية عن قصد، أو لأن الظروف ألجأتهم إليه، كان سبباً مباشراً لبث الخوف في نفوس المصريين، إلى حد ما، والسوريين، إلى حد كبير، من نتائج وصول إسلاميي بلادهم إلى السلطة، وهو بطبيعة الحال نتيجة للتقارب الجغرافي بين هذه الأقاليم.

أما في شمال أفريقيا فالقصة مختلفة تماماً عن المشرق العربي، إذ أن كياناتها السياسية الحالية كانت قد تأسست منذ فترة مبكرة، ففي الوقت الذي كان فيه المشرق العربي مقسماً شذر مذر بين أمراء من الفرس والترك استقلوا عن مركز الخلافة في بغداد، ثم وقوع المنطقة تحت مطارق الغزو المغولي والتتاري، ثم الغزو الصليبي، في هذا الوقت كانت حركات الأغالبة والأدارسة والموحدين والمرابطين والفاطميين الإسلامية ترسم خرائط دول ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، أما السيطرة العثمانية على هذه البلدان، فكانت قد انحسرت عنها في فترة مبكرة من القرن التاسع عشر بسبب بعدها الجغرافي عن الأستانة حاضرة الخلافة، ولم يتبق للخليفة العثماني سوى الشكل الإسمي فقط عن طريق مباركة تعيين دايات الجزائر (جمع داي) وبايات تونس (جمع باي)، وبقيت قلوب المغاربة معلقة بالباب العالي عاطفياً كونه يمثل دولة الخلافة. وقد قامت مساجد بلدان المغرب العربي مقام الجامعات الدينية، كمسجد القرويين في فاس، والزيتونة في تونس، وجامع عقبة في القيروان، وزوايا الحركة السنوسية في ليبيا، هذه المساجد والزوايا التي خرَّجت مجموعة من رجال الدين المعتدلين، الذين لم يتسموا بسمة تطرف الحركة الوهابية، رغم أن معظم شيوخ وطلاب هذه المساجد كانوا قد وفدوا الديار المقدسة للحج والعمرة، وربما مكثوا فيها سنوات يقرأون على مشايخ الحرمين في مكة والمدينة، ولا شك أنهم اطلعوا على المذهب الوهابي إلى جانب المذاهب الأخرى، ولأن الوهابيين لم يكونوا بعد قد وسعوا نفوذهم السياسي لكي يضموا المدينتين المقدستين (تم ذلك حوالي العام 1925م)، لذا كان المذهب الوهابي يُدرَّسُ في الحرمين الشريفين أسوة بباقي المذاهب، دون تفضيله على غيره كما هو واقع الآن، لذا لا يُعرف أن أحداً من هؤلاء قد عمل على نشر الوهابية في شمال أفريقيا.

بعد احتلال بلدان المغرب العربي من قبل فرنسا (الجزائر 1830 – تونس 1881 – المغرب 1912 – مع إسبانيا – موريتانيا 1902 ) وإيطاليا ( ليبيا 1912) قويت شوكة الحركة الدينية في هذه البلدان كردة فعل طبيعية على حركة التغريب، وخاصة الفرنسة في كل من الجزائر وتونس، ففي ليبيا نشطت السنوسية في تعليمها الديني ومحاربة الإيطاليين، وكان أحد أبرز وجوهها شيخ المجاهدين عمر المختار، ونهض في الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس في قسنطينة، وكان قد تخرج من جامعة الزيتونة بتونس، والذي زار الأماكن المقدسة وقابل هناك البشير الإبراهيمي، الذي سيكون شريكه في وضع أسس الثورة الجزائرية ضد الوجود الفرنسي، أما في المغرب فقد كان عبد الكريم الخطابي، زعيم المقاومة ضد الوجود الإسباني، من خريجي جامعة القرويين بفاس، أما في تونس فقد خرجت جامعة الزيتونة رواد الحركة الوطنية التونسية أمثال عبد العزيز الثعالبي والطاهر الحداد وأبو القاسم الشابي، وهكذا نرى بوضوح دور رجال الدين المغاربة في قيادة الحركة الوطنية ضد الاستعمار الغربي. أما في موريتانيا، فقد ساد فيها المذهب المالكي بتأثير علمائه في مسجد عقبة بالقيروان، ونتج عن ذلك بروز دولة المرابطين التي امتد نفوذها شمالاً، وازدادت قوة إلى حد نجدة حكام الأندلس ضد هجمات الإسبان، وكان من نتيجة ذلك إطالة الحكم العربي هناك لمدة أربعة قرون، ولم يعرف عن المالكية الموريتانية أي تعصب أو تحجر في تطبيق الإسلام، ربما لعدم وجود أقليات دينية غير مسلمة.

ونظراً لطول مدة الاحتلال الأوربي للبر المغربي العربي (الجزائر 1830-1962/ تونس 1881-1956/ المغرب 1912 – 1956 / موريتانيا 1902 – 1960 / ليبيا 1912 – 1951 )، لذا فقد قصد الكثير من العمال المغاربة أوربا، واستقروا في الدول التي استعمرتهم، فنشأت جاليات جزائرية وتونسية في فرنسا، ومغربية في فرنسا وإسبانيا، وليبية في إيطاليا، واختلطت هذه الجاليات بمجتمعات بلاد المهجر وأصبحت جزءاً منها، مع تمسكها بتراثها الإسلامي، وإن تكن قد فقدت لغتها الأم – تلك التي حافظ عليها المسجد -، وكون هؤلاء قد أصبحوا، بحكم امتداد الفترة الاستعمارية جزءاً من مجتمعات مستعمريهم، فقد خاضوا مع الأوربيين حروبهم التي شنت عليهم، أو التي شنوها هم (الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحروب المستعمرات). في مرحلة ما بعد الاستقلال ونشوء حكومات دكتاتورية المسلك في دول الشمال الأفريقي، فقد كان من الطبيعي أن يلجأ المطاردون من السياسيين العلمانيين والإسلاميين المغاربة إلى الدول الأوربية، لقربها الجغرافي، ولوجود حاضنة اجتماعية من أبناء بلدهم، فاستقروا هناك فترات طويلة، وكان لا بد لهم أن يتأثروا بالمناخ الديمقراطي السائد في كل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا وغيرها من الدول الأوربية، ومن هنا كان تبلور الشخصية الإسلامية المغاربية، المعتدة بدينها، والمتأثرة بعمق بالروح الديمقراطية وتقاليدها، والمعتدلة في طرحها، ومن ذلك رأينا حركة النهضة تفوز بالانتخابات التونسية مشاركة مع باقي القوى الديمقراطية، بينما لم تتمكن الحركة الإسلامية الليبية، التي عانت كثيراً من بطش القذافي، أن تثبت وجودها الشعبي في الانتخابات العامة، والمغرب الذي له خصوصية الاعتزاز بالنظام الملكي، تمكن الإسلاميون فيه بطرق سلمية، من الوصول إلى مراكز متقدمة للمشاركة في الحكم.

بعد هذا التقديم المطول، يمكننا استخلاص دور الجغرافية في تطوير وبلورة نقاط الاختلاف بين إسلاميي جناحي الوطن العربي الكبير: الأفريقي والآسيوي، وتطور الإسلام السياسي فيهما، وفهم مبررات مواقف الجماهير من وصول الإسلاميين إلى الحكم:

1- لجوء إسلاميي المشرق إلى دول الخليج، وخاصة السعودية، لقربهم الجغرافي منها، هرباً من بطش حكامهم، وتأثرهم بالمذهب الرسمي للسعودية وهو المذهب الوهابي، بينما استقر الإسلاميون المغاربة في دول أوربية ديمقراطية، لقربهم الجغرافي منها، فانصهروا معها فكرياً، وعادوا إلى بلدانهم بتقاليد المجتمعات الغربية التي أقاموا فيها.

2- وجود عدد كبير من الأقليات الدينية والعرقية في المشرق العربي، وذلك بسبب الجوار الجغرافي بين بلدان المشرق العربي وشعوب غرب آسيا، ولتسامح العثمانيين مع الأقليات والديانات الأخرى**، بينما لعب البحر الأبيض المتوسط حاجزاً طبيعياً حمى بلدان المغرب العربي من تسرب الأقليات الدينية والعرقية إليه، فانصهر سكان شمال إفريقيا بعنصريهم العربي والبربري (الأمازيغ) منذ فترة مبكرة.

3- تجاور الإسلام في الشام والعراق ومصر مع المسيحية الشرقية منذ عهد الفتوحات الإسلامية الأولى، هذه المسيحية التي ينبغي – كونها أصيلة في الوطن – أن يكون لها رأي ومشاركة في نظام الحكم، بينما لم يعرف المغرب العربي وجود أقليات مسيحية، رغم الصراع الذي دار بين المسجد والبعثات التبشيرية للكنيسة الغربية في المغرب العربي، ذلك الصراع الذي حسمه المسجد لصالحه.

4- قامت دول المغرب العربي، وربما بحدودها الحالية، على حركات سياسية إسلامية، كالأغالبة والأدارسة والموحدين والمرابطين والفاطميين، بينما بقيت دول المشرق، نظراً لقربها الجغرافي من حاضرة الخلافة، خالية من مثل هذه الحركات.

5- لعب المسجد والجامعات الدينية دوراً كبيراً في تطور المغرب العربي من جهة الحفاظ على اللغة العربية والتراث الإسلامي وتأجيج الشعور الوطني وقيادة حروب التحرير، بينما لم يكن هنالك أي دور سياسي أو وطني يذكر للمساجد في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية – باستثناء دور الجامع الأزهر في مصر -، لهذا لم ير الناس أية إمكانية لقيام المسجد – بما يمثله من رمزية دينية – بدور سياسي ونضالي فعال.

6- لسبب جغرافي واضح، لم يتح لإسلاميي المشرق الاطلاع على الحضارة الغربية، بينما أتقن المغاربة لغات مستعمريهم الأوربيين، واختلطوا بهم، سواء عندما كان المستوطنون الأوربيون مقيمين في بلاد المغرب، أوعندما انتقل المغاربة إليهم، فتفتحت أذهانهم على تراث وحضارة الغرب، إلى درجة أن كثيراً من الأدباء المغاربة كتبوا أعمالهم باللغات الأوربية، مع اعتزازهم بلغتهم العربية الأم، وبدينهم الإسلام.

7- أخيراً: بهذا يبدو أن الجغرافية، ذلك العنصر الذي يَقهر لا يُقهر، هي المسؤولة إلى حد كبير– من بين عناصر أخرى – عن جميع النقاط المذكورة أعلاه.

والخلاصة: لعبت الجغرافية دوراً لا ينكر في تطور الإسلام السياسي المعاصر، فاستمر في بعض الجهات سلفياً متزمتاً منغلقاً على نفسه، وفي جهات أخرى تجلى بحلة حضارية انفتح بها على الآخر، واقتبس منه الكثير من أساليب الحياة العصرية، ومع ذلك، فما زالت الجماهير العربية، خاصة الأقليات الدينية والعرقية منها، تتخوف من وصول الإسلاميين إلى الحكم خشية سيادة نظام لا يعترف بالآخر، ولا يسمح بتداول السلطة، ويتعنت في تطبيق الإسلام على الطريقة السلفية المتزمتة، بينما يبرر الإسلاميون أحقيتهم بالحكم على أساس أن القوميين قد أخذوا فرصتهم لما يزيد على الستة عقود من الزمن في السلطة، دون أن يحققوا سوى فشل بعد فشل، وحكم الشيوعيون كذلك، فلم يكونوا أحسن حالاً من القوميين، لذا: أفلا يحق للإسلاميين أن يأخذوا دورهم؟، ومن ثم ليحكم الناس على تجربتهم، فإن أحسنوا، استمروا في الحكم، وإن فشلوا، فإن للجماهير قوة أدركت كنهها مؤخراً، هي التي ستكون قادرة على الإطاحة بمن لا يطابق فعله قوله، مهما علا شأنه.

==========================
*- معاهدة دارين: وقعها الملك عبد العزيز آل سعود مع بيرسي 
كوكس ممثل الحكومة البريطانية عام 1915 في جزيرة دارين
 المقابلة لبلدة تاروت في المنطقة الشرقية بالسعودية، وقد نصت 
على اعتراف بريطانيا بسلطة السعوديين على الأراضي التي 
استولوا عليها في المنطقة الشرقية ونجد، مقابل تعهد الملك عبد 
العزيز بمحاربة ابن رشيد، أمير حائل الموالي للعثمانيين، لمنعه 
من تهديد الجيش البريطاني في جنوب العراق أثناء الحرب 
العالمية الأولى.
**- وأوضح مثال على ذلك كان موافقة الباب العالي على إقامة 
كيان مسيحي في جبل لبنان عام 1860، وتعيين مسيحي عثماني 
غير تركي عليه، حسب شروط الدول الأوربية، وقد كان داوود 
باشا أول متصرف على جبل لبنان، وهو عثماني من أصل 
أرمني.

Saturday, September 22, 2012

كنوز سور الأزبكية




     دأبت كلما هبطت مصر صيفاً أن أقضي أوقات بعض العصاري في قديمها من الأحياء، وهل كان أجمل من قضاء ساعات ما بعد الظهيرة في مركز المدينة القديم، فالحديث من البناء تراه في جميع المدن، أما القديمة منها، فلكل واحدة شخصية لاتماثلها أخرى على سطح الأرض، غير أن الفرادة التاريخية للقاهرة تكمن في حداثة عهدها بين المدن ، ولئن ضربت جداتها دمشق وأثينا وروما عميقاً في ذاكرة التاريخ، فإن عاصمة المعز قد ولدت قبل ما يزيد قليلاً على الألف وأربعين سنة     (بناها جوهر الصقلي، واكتملت بدخول المعز لدين الله الفاطمي إليها عام ٩٦٩ للميلاد)، فهي مقارنة مع جداتها - تلك المدن القديمة - ما زالت طفلة مدللة، تجلس في حضن التاريخ، تداعب لحيته بأصابعها الناعمة.
     الجلوس على قارعة مقهى الفيشاوي واحد من أهم الطقوس التي على المرء الالتزام بها إن هو زار القاهرة، حيث من أمامه تمر حضارات وشعوب، فمن جماعة من السياح  تدلف إلى خان الخليلي يقودها دليل سياحي حفظ ما يقوله - لكثرة ما كرره - عن ظهر قلب، وبعض الحضور في المقهى تبادلوا عاداتهم وأزياءهم، فأجانب يضعون على رؤسهم طرابيش عثمانية، يدخنون الشيشة ويحتسون القهوة العربية، وشباب مصريون يرتدون سراويل الجينز، انشغل بعضهم بهواتفهم النقالة، يرسلون رسائل قصيرة، أو يتراسلون مع أصدقاء في قارات بعيدة،،، بعض الفلاحين يدخلون مسجد سيدنا الحسين للصلاة وقراءة الفاتحة عنهم ونيابة عن جار لهم أوصاهم بها، وفلاحة جلست بانتظار خروج المصلين، تنادي على زوج من ذكر البط، ومطعم الكشري على الجهة المقابلة من الشارع يعج بعشاق مطبخه،،، مهرجان بشري ندر أن تراه إلا في هذا المكان، وأحسب أنه في هذا المكان فقط هتف ذلك الصعيدي الذي زار القاهرة لأول مرة في حياته:"مصر أم الدنيا". كل ذلك بينما تحتسي فنجاناً من مشروب الكركدية الساخنة، تخفض ضغط الدم، وتكافح الكوليسترول، كما يقول أنصاره. بعد العصر، وعندما تستعد الشمس للنوم في حضنٍ بعيدٍ خلف هضبة الهرم، تقودك قدماك إلى سور الأزبكية، ذي الشهرة الذائعة ببيع الكتب القديمة المستعملة، ذاك الذي زيارته والتبضع منه ضرب لازم على كل من يحترم كلمة ( اقرأ).
    كتب مكدسة على الرصيف، اصفرَّتْ أوراق بعضها، فعزف عنها من لا يقيم للقديم وزناً، بينما انهمك في تصفحها بعضٌ ممن أُغرِموا بها،،، مجلات معلقة بملاقط الغسيل على أسلاك ثبتت على سور الحديقة، بعضها يتفرج بكسل على المارة، والبعض الآخر يبدو وكأنه يتوسلهم لشرائه،،، باعة كثر يبدو عليهم أنهم خريجو جامعات فشلوا في الحصول على وظيفة، وحيث لم تنفعهم ثقافتهم في الحصول عليها، لجأوا إلى شراء وبيع مصدر الثقافة نفسها: الكتب والمجلات المستعملة.
    في هذه الجلبة، أنحني على إحدى البسطات لكي ألتقط بعض الكتب القديمة، وفي إحدى تلك الجولات حول سور الأزبكية، حصلت على مجموعة كتب، منها ثلاثة لكل واحد منها قصة طريفة تستحق أن تروى:

1 -  الكتاب الأول: يقع في 348 صفحة، وهو أقدمها، ويحمل العنوان ( الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر ): من تأليف الفيلسوف الفرنسي فولتير، وقد طبع مترجماً من الفرنسية إلى العربية في مطبعة بولاق، أول مطبعة أميرية (حكومية) أنشئت في مصر، (أنشأها محمد علي باشا عام 1820)، ويعود تاريخ الانتهاء من طباعة هذا الكتاب المترجم إلى العام 1850م، وهو يتحدث عن تاريخ روسيا في فترة حكم إمبراطورها بطرس الأكبر (حكم من 1682 إلى 1725)، ترجمه عن الفرنسية إلى العربية (أحمد بن محمد عبيد الطهطاوي)، وهو أحد تلاميذ بعثة مدرسة الألسن (الترجمة) - التي أنشأها محمد علي باشا، والي مصر - إلى فرنسا لتعلم اللغة الفرنسية والترجمة، وكان على رأس هذه المدرسة  رفاعة الطهطاوي. والطريف الذي لفت نظري في الكتاب هو التقديم الذي يتصدر صفحاته، وهو على شكل إهداء من المترجم إلى والي مصر حينذاك "محمد علي باشا" (هذا يعني أن المقدمة قد كتبت قبل، أو في النصف الأول من عام 1848، عام وفاة محمد علي باشا، ودفعت إلى المطبعة، ولم يتم الانتهاء من الطباعة إلا عام 1850)، ويشابه تقديمه ما كان دارجا على أقلام مؤلفي العصور الوسطى في بيان صفات وفضل معاصريهم من الخلفاء والأمراء. يقول المترجم في مقدمة الكتاب:
(اما بعد فيقول راجى غفر المساوى، احمد بن محمد عبيد الطهطاوى، انى لما اغتنمت يد الفخار والعز، من الزمان فرصة منتهز، الِفتنى بمدرسة الالسن التى انشأها صاحب السعادة، قطب دائرة اهل السماحة والسيادة، الذى ملك رقابنا بآلائه، واسر قلوبنا بتفضله ونعمائه، فخر ولاة الامور الاواخر والاوائل، واسطة عقد نظام ارباب الفضائل والفواضل، من ثبت له المجد وعن غيره تلاشى، افندينا الحاج محمد على باشا، لا زال يرفل في حلل المفاخر، ويسمو على الافلاك السبعة الزواهر)،،، ثم يتابع المترجم في مقدمته لكي يكيل المديح لرئيس مدرسة الألسن فيقول:(فكنت تحت ارشاد مدير اشغالها، وناسج منوالها، حضرة المولى الذي شهدت برفعته الكواكب، ونطقت بوافر فضله السنة المناقب، المؤيد برعاية الملك المبدى، السيد رفاعة بدوى رافع أفندى"الطهطاوي"، لا برحت أيامه بسعوده مبتهجة، وقلوب العدا النحوس بصولته مختلجة). (الكلمات التي تحتها خط نقلتها كما هي بأخطائها الإملائية، كما سيتم شرحه لاحقاً).

    في خاتمة الكتاب، كان لا بد من كلمة ينهي بها المترجم كتابه، وإذا كان قد توجه في المقدمة إلى محمد علي باشا قبل وفاته، فإنه الآن (1850) يوجه كلامه إلى الخديوي عباس باشا ابن طوسون، الذي خلف جده عقب وفاته عام 1848، وأثناء وقبل الانتهاء من طباعة الكتاب في مطبعة بولاق، فنراه يقول:
(والحمد لله قد تم على اكمل حال، واعظم منوال، في ايام الاصفى الاكرم، الصدر الأعظم، ولي النعمة، ورب الهمم الجمة، من انجلا "خطأ نحوي مطبعي" بطلعته ظلام الظلم وتلاشى، سعادة افندينا الحاج عباس باشا، بلغه الله تعالى ما يشا وما شا "يقصد ما يشاء وما شاء"، وانعش بفائض جوده وجود المعارف انتعاشا، فهو جدير بأن يمثل عند ذكر جنابه الشريف، وتلاوة اسمه المنيف، بقول الشاعر ،،،،،)
ثم ينهي خاتمة الكتاب بالجمل التالية، وفيها ذكر لتاريخ الانتهاء من طباعة الكتاب، وشكر لمدير المطبعة "علي جودة أفندي":
(وقد اكمل اتمامه بالطبع الجميل، وحسن الرسم والتمثيل، بدار الطباعة العامرة، الكائنة ببولاق مصر القاهرة، في اول العشر الاواخر، من شهر ربيع الآخر، سنة ست وستين ومائتين بعد الالف، من هجرة من كان يرى من الامام كما يرى من الخلف، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله واصحابه المنتمين اليه في مدة ناظرها المتوكل على مولاه المعيد المبدى، على جودة افندى، فرحم الله من نظر فيه واليه، وستر على ما عثر عليه، تم)   
فنياً: يلاحظ على تقنية مطبعة بولاق أن مصفف الحروف فيها لم تكن لديه همزات القطع على الألف المفصولة أو المقترنة بأل التعريف (موضح حسب الكلمات الموسومة بخط أسفلها في المقطع الأول)، بينما كان يمتلك فقط الهمزة على الألف الموصولة كما في كلمة (أنشأها)، كذلك لم يكن لديه حرف الياء (ي) حيث استخدم نيابة عنه حرف الألف المقصورة - وربما كان هذا، أو أصبح - تقليداً في الكتابة عند إخوتنا المصريين، حيث يندر عندهم استخدام حرف (ي)، بل يكتبونه (ى). وقد نقلتُ المتون بأخطائها التي وردت فيها من حيث عدم وجود الهمزات وحرف (ي)، كما حرصت في نقل النص عن الكتاب على أصله، وبأخطائه الإملائية.  

2-الكتاب الثاني:كتاب(الكنز–"המטמוך" "همَّطمون"بالعبرية - )، لتعليم اللغة العبرية، ويقع في 270 صفحة، وأهمية هذا الكتاب تكمن في أنه من تأليف محمد بدر، أحد خريجي جامعة إدنبرج، وقد طبع في المطبعة التجارية الكبرى بعابدين بمصر، دون ذكر تاريخ الطبع، ولكن رسالة الحاخام الأكبر في مصر، والتي بعث بها لشكر المؤلف، والمؤرخة في 13 أكتوبر 1926، تعطينا فكرة عن تاريخ طباعة الكتاب، كما أنه من اللافت للنظر - وكما ذكر على الصفحة الداخلية التي تحمل عنوان الكتاب - أن (قررت وزارة المعارف العمومية تدريس هذا الكتاب بالقسم العالي بدار العلوم)، وتتصدر الكتاب، كما أسلفت، رسالة من حايم ناحوم، الحاخام الأكبر بالقاهرة، مكتوبة بخط اليد، وبلغة عربية سليمة جداً، نشرت بنفس الحروف التي كتبت بها (أي صورة زنكوغرافية)، ومما يلاحظ عليها خلوها من علامات الترقيم (نقاط، فواصل)، ونقلتها كما هي، جاء فيها:
  الحاخام الأكبر بالقاهرة                      تحريراً بمصر في 13 أكتوبر 1926

حضرة صاحب العزة المفضال محمد بك حيدر        المحترم
بعد التحية  تناولت أمس تاريخه  بيد الممنونية مؤلفكم الجديد المسمى "الكنز" فألفيته بعد تصفحه وافياً بالغرض المقصود منه خصوصاً وأنه أول سفر ظهر من نوعه لأنه صدر من كاتب فاضل متدين بالديانة الإسلامية ومتجنس بالجنسية المصرية ولقد وجدت عبارته سهلة وأسلوبه متين لأنه يؤدي النتيجة المطلوبة منه من غير كبير عناء لمن يريد تعلم اللغة العبرية على القواعد الأصلية من أبناء العرب كي يطلعوا على المؤلفات العبرية في الفلسفة والأخلاق وغيرهما كي يروا بأنفسهم ما بذله علماء الجنسين من خدمة العلم والأدب حتى تتوثق عرى الرابطة والمحبة بين الجنسين لأنهما ينتسبان إلى أصل واحد – فبلسان الطائفة أشكركم والله أسأله أن ينفع بكم وبه النشء الحديث في ظل حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك فؤاد وأن يوفقنا جميعاً إلى ما فيه الخير والنفع للبلاد
                                                                الحاخام الأكبر بالقاهرة
                                                                      حايم ناحوم
     هذا النص مثال حي على مدى التعايش الإيجابي الذي تمتع به اليهود في الدول العربية، والفارق عن المعاملة التي لقوها من محاكم التفتيش الإسبانية بعد سقوط غرناطة، آخر معاقل المسلمين هناك (1492م)، حيث لم يجدوا ملاذاً يحتمون به سوى ديار الدولة العثمانية المسلمة، وقبل ذلك، ألم يتخذ نور الدين علي، أكبرأبناء صلاح الدين الأيوبي، اليهودي موسى بن ميمون طبيباً خاصاً له؟ ، كما تدحض رسالة الحاخام الأكبر في مصر الدعاوى الصهيونية حول اضطهاد اليهود العرب، كما أن تأليف الكتاب من قبل عربي مسلم، وتقرير وزارة المعارف العمومية تدريسه في القسم العالي بدار العلوم، هو انفتاح ذهني يحتاجه أي مجتمع لكي يرتقي، كذلك يلاحظ في رسالة الحاخام تنويهه بأن المؤلف مسلم ومن الجنسية المصرية، وسبب ذلك أن عدد الأجانب الذين كانوا يقيمون ويعملون في مصر في تلك الأيام، مع احتفاظهم بجنسياتهم اليونانية والإنجليزية والإيطالية والفرنسية، كان كبيراً جداً.   
    وبعد الفهرس الذي جاء في الصفحات الأولى من الكتاب، يقدم مؤلفه (بيان واعتذار) عن وجود بعض الأخطاء، والتي ذكر لها تصحيحاً في الصفحة التالية، وذلك بسبب: " قلة الحروف العبرية بمصر دعتنا إلى العمل في أكثر من مطبعة واحدة، وعدم وجود عمال يعرفون اللغتين العربية و العبرية ".
الكتاب جيد جداً، ولمعرفتي المتواضعة بهذه اللغة، ألمس أنه مستوفٍ لشروط الكتاب الناجح في تعليم اللغة العبرية.   
3-   الكتاب الثالث* هو :(النثر العربي في المهجر) : وأحسب أنه قد طبع لإطلاع القراء اليهود بالخصوص على النثر العربي في بلاد المهجر، ذلك أن صفحة الغلاف الأولى تتضمن عنوانه باللغتين العربية والعبرية، لكنه لا يحتوي على مقدمة أو فهرس بالمواضيع أو تعريف بمن جمع مادته، بل يبدأ ببعض كتابات جبران خليل جبران، ثم مقاطع من كتاب "النسمات" لسلمى صائغ، ثم مقاطع نثرية لميخائيل نعيمة، ثم مقاطع أخرى للبيبة هاشم، وإلياس الأيوبي، وأمين الريحاني، وأمين مشرق، ووليم كاتسفليس، وعبد المسيح حداد، وشكري الخوري.
   الغريب في هذا الكتاب أن مؤلفه قرر أن يطبع الصفحة التي على جهة الشمال، ويبقي على الأخرى المقابلة لها بيضاء فارغة، ربما لكي يتيح للقاريء فرصة التعليق على ما يقرأ، أو لتدوين خاطرة تتعلق بذلك الموضوع، والأطرف مع النسخة التي بين يدي، أن مشتريها قد أثار عجبي وإعجابي بالجلد والمثابرة اللتين أبداهما في استخدام وقراءة هذا الكتاب، فقد أحصيت له نيفاً وسبعمئة كلمة بالعربية، كتب مقابلها معانيها بالإنكليزية، ويبدو أنه قد انتقى تلك الكلمات من الموضوع الذي كان يقرأ فيه على الصفحة اليسرى،  فمن أسلوبه في الكتابة، وشكل الخط العربي الذي يكتب به، أستطيع القول بثقة بأن لغته الأصلية هي العبرية وليست العربية، إذ ربما كان يهودياً مصرياً يحاول الاطلاع على النثر العربي في المهجر، وفي نفس الوقت يكتسب المعاني بالإنكليزية لما يختار من مفردات عربية.
    أطرف ما في هذا الكتاب على طارفته بالجملة، هو ما كتبه "وليم كاتسفليس"    (من مواليد طرابلس بلبنان ومن أصل يوناني)عام 1920 بعنوان (البترون عام 2520م)، حول اجتماع وهمي افتراضي، ينعقد في شهر مايو من عام 2520 م  في البترون بلبنان، أي بعد ستمئة سنة من زمن المؤلف، حيث: ( يجتمع في بناية في جوار البترون جماهير جاءت من مصر وفلسطين ودمشق والعراق وحلب وحماة وحمص وطرابلس، في المناطيد السريعة التي تمر في الجو مر البرق) ربما يقصد الطائرات النفاثة، وفي ( النقالات العمومية المرتفعة عن الأرض نحو مئتي ذراع والتي تسير على دولاب واحد فوق شريط من الفولاذ بسرعة المناطيد تقريباً) وفي هذا مشابهة دقيقة للقطار العالي السرعة المستخدم في اليابان وغيرها من الدول الأوربية هذه الأيام، وهو يتخيل حكومة عالمية واحدة، إذ أن هذه الجماهير قد توافدت إلى تلك البناية العظيمة ( لسماع محاضرة الأستاذ محمد جمال العلم الزهاوي. فالمحاضرات التي تقام على نفقة حكومة العالم المتحد تجري في تلك البناية في شهر أيار، وفي دمشق في شهر آب، وفي القاهرة في كانون ثاني، هذا لأبناء اللغة العربية الخالدة)، ثم يسهب الكاتب في وصف البناية التي يعقد فيها ذلك الاجتماع، بحيث تبدو وكأنها أعجوبة عصرها، فهي مجهزة بتجهيزات لا تمت إلى عصر كاتبها بصلة، إذ أن فيها لوحة إلكترونية كبيرة:( فلما احتشد الناس في القاعة وامتلأت المقاعد والقوم بين حديث وضحك ولعب وهرج ومرج، إذ ظهر نور أحمر في وسط القاعة من جهة السقف، وكان هذا النور لوحاً كبيراً ظهرت عليه كتابة بالكهرباء مآلها:"فتحت الجلسة فعليكم بالسكون والصمت") وكأني به يصف أضواء الليزر. بعد أن هدأت القاعة ( انتصبت رئيسة الجامعة القحطانية المرشدة استير ليفي وقالت...)، هنا تظهر ملامح هذا الاجتماع على أنه يجري على أرض العالم الموحدة تحت حكومة عالمية واحدة، بحيث تترأس الجمعية القحطانية سيدة يهودية. ولكي يضعنا في أجواء عام 2520م، يتابع في وصف فقرات الحفل: ( ثم عدد من الفتيات فأنشدن نشيداً متقناً مطرباً وهي قصيدة قديمة جداً لشاعر عاش في الجيل(القرن) العشرين كان يسكن القارة الأمريكية وينظم في العربية) أي لأحد شعراء المهجر. ثم تبدأ كلمة الأستاذ محمد، فيبدأ بنقد أسلوب القدماء – جيل القرن العشرين – ( الذين يبالغون في كتاباتهم بشكل سخيف، ويطرون أنفسهم، ويكثرون من الحشو الرنان) ....ثم يعرج على نقد الأديان في تلك العصور الغابرة! التي كانت ( شديدة التحفظ بحرفية تعاليمها لا ترتاح إلى البحث وتحرم الجدال)، لكن أغرب وأروع ما كتبه كان عندما قال: (في الجيل العشرين ظهر في البلاد الروسية مذهب البلشفة الذي هو أقرب إلى الإخاء العمومي)، وحتى الآن ليست هنالك أية غرابة في معرفته بقيام تلك الثورة، ذلك أن الثورة البلشفية كانت قد قامت قبل ثلاث سنوات من تاريخ كتابته ذلك المقال، لكن الغريب حقاً أنه قد توقع سقوط الدولة البلشفية، مع استمرار البعض في اعتناق أفكارها بعد تنقيتها، فيقول على لسان المتحدث محمد جمال العلم الزهاوي : (ولكنه لم يلبث طويلاً حتى مات(يقصد المذهب البلشفي)، ذلك لأنه أخطأ في استعمال الوسائل، فامتطى سيف الظلم لإبادة الظلم ،،،، على أنه لم يندثر تماماً، إذ ترك آثاراً في عقول المفكرين، الذين فحصوه وعرفوا مواضع الضعف فيها فنبذوها، واقتبسوا منه ما كان مفيداً ومطابقاً لحاجات الإنسانية، فصارت العقول تتمخض به جيلاً بعد جيل حتى ولدته كاملاً).  ثم يتحدث المحاضر كيف ارتفع متوسط حياة الإنسان إلى فوق المئة عام، وذلك بفضل اعتماد الناس على تناول الخضروات والفواكه، والأجمل هنا أن المحاضر يتابع في وصف الإنجازات العلمية، والتي منها طائراتنا النفاثة هذه الأيام: (وأوجدنا الشروط الجوية والطقسية الملائمة ضمن جدران نقالاتنا – يقصد تكييف الضغط الجوي داخل الطائرات – فسَخِرْنا بالسرعة وصرنا نجتاز من الخمسمئة إلى الألف ميل في الساعة دون خطر أو انزعاج)،،،
 ولولا خشيتي من إزعاج القراء بالمزيد، لزدته من هذه المقالة النادرة، التي تخيل كاتبها أن الإنجاز الحضاري الحالي، والذي أحرزته البشرية في أقل من مئة سنة، تخيل أنه سيأخذ منها ستة قرون من السنين.
    بعد هذا الاستعراض السريع لبعضٍ من كتب سور الأزبكية، هل ما زال هناك أحد يشك في حقيقة وجود كنوز مدفونة على أرصفتها، لا تكلف المنقب عنها سوى المشي أمتاراً معدودة، بعد شرب كوب من الكركدية الساخنة في مقهى يطل على مقام سيدنا الحسين؟....
------------------------------------- 

          
*- الكُتّابُ الذين اقتبس من كتاباتهم ذلك الجامعُ المجهولُ لمقاطع كتاب (النثر العربي في المهجر)، مرتبون حسب تسلسل ورود مقاطعهم في الكتاب، ومعظمهم كانوا أعضاء في الرابطة القلمية في نيويورك:
1-جبران خليل جبران: (لبنان ،6 يناير 1883 - نيويورك ، 10 ابريل 1931)  شاعر و رسام و كاتب لبنانى كبير ،   ،  درس فن الرسم في باريس، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة و مارس هناك الرسم و انتج فيها معظم شعره و وكتاباته. انتخب عميداً   للرابط’ القلمية  فى نيويورك سنة 1920 .تعبر كتاباته عن الإيمان بالعدل و الخير و الحرية و الثورة على التقاليد. بيجمع أسلوبه بين الوجدانية و التأثير الخطابى الإنجيلي. كتب قصصاً نالت شهرة عالمية مثل " الاجنحه المتكسرة " و " الأرواح المتمردة " و شعر نثرى مثل " عرائس المروج " و "رمل و زبد ".  وأشهر كتبه التي نالت شهرة عالمية و ترجم للغات كتيرة هو "  النبي ".
2-سلمى صايغ: ( بيروت 1989 – البرازيل 1953): برعت في الكتابة النثرية والعمل على ترقية المرأة الشرقية،،، رفضت الطائفية التي تمزق بلدها لبنان، وكانت صاحبة نظرة صائبة في شكل الوطن الذي يجمع كل أبنائه بلا تفرقة، ومن دعاة الحفاظ على اللغة العربية وترقيتها، وفي قصتها "النسمات" كانت متأثرة بتجربتها الفاشلة في الزواج.    
 3-ميخائيل نعيمة:(17 اكتوبر 1889 -  بيروت، لبنان ، 1 مارس 1988 ) ، شاعر و كاتب و مؤلف   و درس فى روسيا و زارفرنسا و عاش فى امريكا. من الشعراء اللبنانيين اللذين عرفوا باسم " شعراء المهجر" و من رواد التجديد فى الشعر اللبنانى الحديث بأفكاره النقدية التي دونها فى كتابه " الغربال " (1923). له دواوين شعريه من الشعر المنظوم و المنثور " همس الجفون "  بالانجليزية و ترجم ، و مؤلفات  " كرم على درب " ، و له قصص قصيرة ضمها فى كتاب " كان ياما كان " ، و ترجم كتباً عن صاحبه الشاعر اللبنانى المهجرى الكبير " جبران خليل جبران ". ساهم ميخائيل نعيمه فى تأسيس " الرابطة القلمية " فى نيويورك  وشارك فى تحرير مجلات وصحف مثل " الفنون "  و " السائح ."
4-لبيبة هاشم : ( لبنان 1880- البرازيل 1947): أديبة وصحفية لبنانية دافعت مبكراً عن حقوق المرأة، أسست في مصر مجلة (فتاة الشرق)، وحاضرت في القسم النسائي في الجامعة الأهلية المصرية، هاجرت إلى البرازيل عام 1939 وبقيت فيها حتى وفاتها عام 1947 – وفي بعض المصادر عام 1953.
5-الياس الأيوبي: ولد عكا سنة ١٨٧٤م، وتعلم فيها، ثم انتقل 
إلى مصر ليأخذ عن المدارس الفرنسية والإيطالية الموجودة بها آنذاك، اشتغل الأيوبي مدة بالتدريس، وما لبث أثناءها أن انكب على دراسة التاريخ فبرز في هذا المجال، وقد ألَّف الأيوبي عدة مؤلفات تاريخية منها: كتاب تاريخ مصر في عهد الخديوي إسماعيل باشا من سنة ١٨٦٣م إلى ١٨٧٩م، وطبع بدار الكتب المصرية سنة ١٩٣٢م، في مجلدين كبيرين، وكتاب "قطف الأزهار في أهم حوادث الأمصار"، طُبع منه الجزء الأول بالإسكندرية، وتوفي إلياس الأيوبي بمصر سنة ١٩٢٧م.
6-أمين الريحاني: أديب لبناني من مواليد عام 1876، هاجر إلى أمريكا وعمره 12 سنة، درس الحقوق ثم عاد إلى لبنان عام 1898، واستمر في التنقل بينهما. ألف في السعر والنثر والتاريخ والسياسة، وفي 1922 قام بجولة في معظم البلاد العربية، وقابل ملوكها وأمراءها. توفي في لبنان عام 1940.
7-أمين مشرق:( 1898- 1934): ولد في لبنان وتوفي في الإكوادور، له بعض الكتابات في الشعر والنثر، كان مع جبران وآخرون عضواً في الرابطة القلمية بنيويورك.
8-وليم كاتسفليس: أديب من أصل لبناني، ومن مواليد طرابلس، أبدع في الكتابة التخيلية عن المستقبل البشري، وكان عضواً في الرابطة القلمية التي تراسها جبران خليل جبران في نيويورك.
9-عبد المسيح حداد: ولد في حمص سنة 1888 وتلقّى علومـه الابتدائية في المدرسة الأرثوذكسية، ثم انتقل إلى دار المعلّمين الروسية في الناصرة بالقرب من حمص عام 1904 وتخرّج منها ثم عاد إلى حمص وتابع دراسته في المدرسة الإنجيلية ودرس اللغة الإنجليزية ثم عمل في تدريس اللغة الإنجليزية في مدارس حمص هاجر من سوريا إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1907  . وفي عام 1912 أصدر جريدة "السائح" باللغة العربية التي أصبحت لسان الرابطة القلمية التي أسّسها عام 1920 في نيو يورك واستمرّ في إصدارها حتى عام 1959 مع زملائه أعضاء الرابطة القلمية. توفي مساء الخميس في 17 كانون الثاني سنة 1963 ودفن في نيويورك.
10-شكري الخوري: ولد في لبنان عام 1902 هاجر إلى البرازيل، ونشط في مجال الصحافة والكتابة، وقد أسس مجلة (الأصمعي) في ساو باولو، و (الصبح) في الأرجنتين، وكذلك مجلة (أبو الهول)، وقد اقتبس مؤلف كتاب النثر العربي في المهجر قصة (التحفة العامية قصة فنيانوس) لتكون نموذجاً من النثر المهجري باللهجة العامية اللبنانية.