Monday, September 26, 2011

في ذكرى وفاة الزعيم 
2010-09-21نشرت في القدس العربي

في الساعة الخامسة وعشر دقائق مساءً، وفي اليوم الثامن والعشرين من شهر ايلول/سبتمبر من كل عام، ومنذ أربعين سنة، أنظر في ساعة يدي، فيتوقف الزمن هنيهة تكفي لارجاع ذاكرتي إلى ذلك المساء المشؤوم الذي نفذت فيه مشيئة الخالق باستيفاء روح الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وتتلبس روحي كآبة موحشة تتناسب مع هول هذه النكبة التي أصابت أكباد العرب بمقتل، مما جعل القلوب المرهفة لبعض محبيه يومها تتوقف عن النبض، فتزهق أرواحهم كمداً وحسرة على الراحل العظيم. وبعد التخفف من ذكرى تلك الكارثة بالحوقلة والاسترجاع وقراءة الفاتحة على روحه الطاهرة، تتحول بي الذاكرة إلى تلك الأيام التي كنا فيها نتحلق حول المذياع في دمشق انتظاراً لخطاب يلقيه الزعيم، كانت الشوارع تخلو من الناس، وتفقد البطاريات من الأسواق، حيث كان المذياع، وخاصة الترانزستور، وسيلة الاستماع الوحيدة (قبل مجيء التلفاز عام 1960)، فإذا تزامن الخطاب مع حدث عالمي، كنا نتساءل عما سيقوله الزعيم بخصوص ذلك الحدث الذي يكون للناس فيه رأي عام، ولا أذكر ولو لمرة واحدة أن خالف رأي الزعيم في خطبه رأي ومشاعر جماهيره الواسعة، كان يحس بغريزة وطنية مخلصة مشاعر الناس واهتماماتهم وهواجسهم، فينطق بأحاسيسهم، ويتكلم بألسنتهم، لذا منحته الجماهير تلك المكانة التي لن يتسنمها أحد بعده ولو بعد طول زمن. هذه المكانة التي اكتسبها الرجل في قلوب العرب من المحيط إلى الخليج، بل وفي قلوب شعوب العالم الثالث، انعكست عليه كرهاً وحقداً في قلوب معظم حكام العرب، الذين كانوا يرون فيه منافساً لا يُنازع، وزعيماً لا يُنافس، فبكلمة واحدة منه كان هؤلاء الحكام يهرولون جميعاً لحضور مؤتمر قمة عربي دعاهم إليه لمناقشة أمر مهم، ولم يكن أحد منهم يجرؤ على التخلف خوفاً من غضبة شعبه عليه - هذه المؤتمرات التي تؤجل مواعيد انعقادها هذه الأيام أشهراً بل وسنوات، وإن عقدت، يكتفي بعض الحكام بإنابة آخرين عنهم لحضورها - وكم من مرة حملت الجماهير العربية ـ حتى في أحلك الظروف كما في مؤتمر قمة الخرطوم بعد حرب 1967 - سيارة عبد الناصر على الأكف، وسارت بها هازجة في الشوارع، فكيف نطلب من حكام كهؤلاء أن يحبوا ذلك الرجل الذي طغى اسمه على كل الأسماء؟
توفي عبد الناصر، واعتقدنا أن جماهيره سوف تحافظ على تلك الشعلة التي أوقدها في قلوبهم وهاجة متقدة، لكن الأمل خاب، والبطش استشرى على يد بعض الحكام، الذين أثلج صدورهم غياب سيدهم وزعيم شعوبهم، وبدأوا بتشويه صورته، وشككوا في سيرته، فما أفلحوا. وفي كل عام، وفي ذكرى وفاته، أكتب مناشداً كل الذين آمنوا بالنهج الناصري طريقاً للعزة والكرامة والحرية، وأولادهم، وأحفادهم، أن يرفعوا كل سنة مرتين، في ذكرى ميلاد وفي ذكرى وفاة الزعيم الذي أحبهم وأحبوه، أن يرفعوا صورته على سياراتهم وشرفاتهم وصدورهم، وأعود لأكرر هذه المناشدة هذه السنة كذلك، علَّ صورته تحيي في قلوب العرب وعقولهم ذكرى رجل عظيم عاش ومات من أجل أمته.

Monday, September 19, 2011


مرحباً بالشتاء
    شرفتي ذات نافذة عريضة، تطل على منظر يغوص بعيداً حتى يختفي خط الأفق في حضن السماء،،، في الخارج حفلة صاخبة أصغي إليها وأراقبها بفرح طفولي. من خلال زجاج النافذة يطل عليَّ وجه "إيليا أبو ماضي" شاعر المهجر العتيد، وقد كانت آخر مرة رأيته فيها على صفحات كتاب الأدب عندما كنت يافعاً في مرحلة الدراسة الإعدادية. يومها أطنب أستاذ الأدب وبالغ في كيل المديح لبيت أبي ماضي الذي عاتب فيه من اكفهر وجهه حتى بدا كالطبيعة عندما تتجهم:
قال السماء كئيبة وتجهما   قلت ابتسم يكفي التجهم في السما
    لم أشارك مدرسي إعجابه بذلك البيت، ولكن منذا الذي كان يجرؤ في ذلك الزمان على مخالفة رأي أستاذه ... جميع التلاميذ جاروا مدرسنا في رأيه، وبالغوا في إبراز عبقرية الشاعر عندما حذر المكتئب من محاكاة سماء الشتاء في اكتئابها. أشفقت على فصل الشتاء من كراهية الشاعر له، ذلك أنني كنت – وما زلت – معجباً بهذا الفصل الذي تنطق فيه الطبيعة بمئة لسان ولسان، وهاأنذا أزيح صورة أبي ماضي عن زجاج نافذتي كي أستمتع بهذا المهرجان الذي يجري على مد النظر:
     رب الطبيعة وزع الأدوار بإبداع على أبطال مسرحها، فقام كل منها بدوره على أكمل وجه: الرياح تنفخ أبواقها، فيتردد صداها في أرجاء المسرح،،، نقاط المطر الغزير تصرخ بجلاء مبشرة بأن موسم الخير قادم لا محالة، وقطراتها تنقر الأسطح والنوافذ بإيقاع رتيب عجيب، أو تسقط في حفرة امتلأت بسابقاتها، فأضفت على اللحن لحناً أعذب منه،،، الرعد – ضابط الإيقاع - يناوب طرقاته في أرجاء السماء، والبرق – مدير الإضاءة - يضيء أرجاء مسرح الطبيعة بومضاته الباهرة، فيبدو الراقصون، من أشجار وأعشاب طويلة، يتمايلون راقصين طربين فرحين بما يسمعون، كأنهم أشباح تتقافز،،، حفيف أوراق الأشجار يعلن طربه وحبوره هو الآخر، فيهمس في آذان الأشجار: أنْ هذا هو يوم الفرح المجيد،،، بضعة نوافذ وأبواب غير محكمة الإغلاق تصفق طربة بما ترى وتسمع ،،، فجأة تحاول الشمس إزاحة ستائر الغيم الكثيفة متسللة منها كي تتفرج على المشهد، لكن الرياح تنشط لإغلاق ستائر السحاب في وجهها، فترتد فاشلة خائبة، ويستمر العرض.
     هي حضرة مديح صوفية، تُقرع فيها الدفوف، وتتمايل أجساد الزهاد، وتعلو الأوراد من حناجرهم تمجد الخالق وتراه في كل ما خلق،،، إنه عيد الطبيعة، يوم تنطق عناصرها وتبوح مكوناتها بمكنونات أنفسها، علَّ ابن آدم يرى فيها قدرة الخالق وضعف المخلوق. هو فصل الشتاء الرائع ذي المئة لسان ولسان، فكيف ألام على عشقي له دون كل الفصول؟.

Sunday, September 18, 2011


   كتب عادل عبد الرحمن مقالاً يتحدث فيه عن تفاؤله بالتهديد الذي أطلقه الأمير تركي الفيصل  
محذراً الولايات المتحدة من مغبة استخدام حق النقض ضد قيام دولة فلسطينية
وكالعادة - ولا يآخذني أحد - لا أمل من مماحكة ما لايعجبني من الآراء.
تذكرني معارضة أمريكا وإسرائيل قيام دولة فلسطينية بمعارضة أمريكا وإسرائيل ( زمن شارون ) لترشح حركة حماس للانتخابات التشريعية الفلسطينية، حيث كانت تلك المعارضة من أهم أسباب فوز حركة حماس بالانتخابات النيابية الفلسطينية، إذ أن الإنسان بطبعه يميل دائماً إلى معارضة رأي عدوه ( وهذا موقف نفسي مبرر )، ولكن عندما أدرك العدو سر اللعبة، بدأ يتقن استخدامها، فيؤيد ظاهرياً ما لا يريده، ويعارض ظاهرياً ما يريده، ولولا فوز حماس ( وأنا بالطبع لست ضد ترشحها ) لم يحدث الانشقاق بين غزة والضفة.
المقال حول الموقف السعودي مقال جاهل بالجملة، خاصة فيما يتعلق بتهديد !!!!! السعودية لأمريكا إن هي استخدمت الفيتو ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية المزمع قيامها، خاصة أن محمود عباس - المنتهية ولايته - قد وعد إسرائيل بعدم استخدام أية وسائل غير التفاوض، ذاك الذي فشل على مدار 20 سنة، والآن سيستمر التفاوض بعد الاعتراف بالدولة التي لن يكون لها حدود ولا سيادة ولا مياه مع بقاء المستوطنات واحتلال القدس، وسيكون الأمر مجرد استبدال طاقم أوسلو بطاقم الدولة الجديدة مع نفس الوجوه البائسة ( عباس - قريع - عريقات - شعث إلخ...)، أما المكسب الإسرائيلي الحقيقي فهو:1-إسقاط حق العودة -2- شرعنة الاعتراف بيهودية إسرائيل -3- اعتراف الدول العربية جميعها بإسرائيل - 4 - تهجير عرب 48 إلى أراضي الضفة وغزة، التي لن تحتمل هذه الزيادة السكانية، وعندها تكون السعودية - بعد أن توقع مع غيرها من أغنام العربان اتفاقية سلام واعتراف بإسرائيل - تقوم مع "دول مدن" الخليج بفتح أراضيها للعمالة الفلسطينية، طبعاً بضغط الحذاء الأمريكي على رؤوسها، ثم تبدأ رؤوس أموال وشركات إسرائيل بالبرطعة في دول الخليج علناً، وهي الآن سراً، ولسان حال أصحاب العقل والشماخ يردد ( وكفى الله المؤمنين القتال ) متناسين الآية التي سبقتها ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا )، مستخدمين آيات الذكر الحكيم في غير مواضعها كأن يستشهدوا بالآية ( وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) متجاهلين الآية التي تليها ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول ). إسرائيل بعد تفتح أزهار الربيع العربي بحاجة ماسة إلى وجود دولة فلسطينية مسخ تكون مبرراً للعرب للاعتراف بها، وهذه الدولة توشك أن تقوم فقط في الأمم المتحدة، فلا هي بالدولة ولا هي بمنظمة التحرير، والاثنتان أكثر خيبة من بعضهما.
هذا المشهد الكوميدي الذي يرسمه "عادل عبد الرحمن" من خلال رسالة تركي الفيصل هو مشهد مضحك مبك في نفس الوقت، لكنه بالتأكيد يخاطب عقول الذين لم يقرأوا التاريخ، حتى القريب منه. 
 

Wednesday, September 14, 2011



مــابيـن  الـحــلـم  ،،،  ومطـرقـة  الأحـزان
 (في ذكرى مذابح  صبرا  وشاتيلا يوم 16 سبتمبر)


قــال  الــراوي  :
 يـاســادةُ
فـــي  تلـك  الـليـــلة  مــن  شهــر الأحـــزانِ  الأســودِ

لــم  يـسـطــع  قمــــرٌ

لــم  تـظــهـر  نـجمــةْ

والـريــــح  تــوارتْ

وكـــلاب  الـسّـــاحة  مــاعـادت  تنبــحُ

والـدّيــك  المعـــلن  أنـبــاء  قــدوم  الفجــرِ

يـقــرّر  أن  يلغـي  هـذي  العـادة  الأزليّـةْ

بعـض  النّـســوة  يجـمعــن  بقـايـا  أثـوابٍ

عـــن  حبــل  غسيــل  متـراخٍ

وهنــا  وهنــاك  تـراكـض  بعـض  الأطفــالِ

وامــرأة  تــدفـع  طفلتهــا  نحــو  الـداخــلِ

فـالشّــمس  انطفـأت  فــي  البحـرِ

وظـلام  اللـيـل  يشجّــع  كـلّ  خفافيـش  الغــدرِ

والغــول  ،  كمــا  يُحــكـى ،  يأتـي  فـي  العتمـةِ

يغتــالُ  الفـرحـة  فــي  الســــــرِّ

=====================

صــمت  مشحــونٌ  بالحـــذرِ

خُطـــوات  تُســمَـعُ  عــن  بعــدٍ

والجـــوّ  خـــلا  إلاّ  مـــن  رائحــة  طعــام  قـرويٍّ

همســات  تمســح  وجـه  الـلّيــلِ

وتـوقـظ  فـي  النّـفـس  صنـوف  الفـزعِ

وعلــى  غـرّةْ ،،،

يمتـلـــيء  المســـرح  بالحـركـــةْ

جثـث  تهـوي  فــوق  الجثـثِ

ورصـاص  الحقــد  عـديــم  النّــظــرِ

طفــلٌ  ،  امـرأةٌ ،  شيــخٌ ... قتـل بالـجمـلةِ

حتّـــى  قــطّ  لايـعــلـم  مــاذا  يجـري

فيــمـــوء  لآخـــر  مــــرّةْ

جنـــديّ  مـرتـجـف .. محتقــن  الـوجـــهِ

يصــرخ  فــي  رعـب  بـريٍّ ، ، ،يـنـدب في صـمت فعلته:

((هــذا  المتمــرّغ  فــي  دمـــه  يشبـــه  ابنــي

ربّـــاه  امنحنــي  مغفــرةً

أتمنّــــى  أن  يخــطـيء  ظنّــي

هـــل  أقتــل  يـاربّــي  ابنــي؟ ))

" صــيّــاد "  آخـــر  فــي  نـزقٍ

يقتــل  حبــــلى

فجنــود  الـرّبّ  العـبـريّ  تخــاف  الأرحــامَ

وتعــلم  أنّ  الأطفـــال  نـواقيـس  الفجــرِ

ومـزاميــر  الـرّبّ  العبـريِّ

لهــا  رأي  آخــر  فـي  النّسـلِ

فيـــا  كــلّ  الأحــزان  تعـالـَيْ

فـالـيـوم  تقـرّر  عيــد  القتـلِ

====================

سبتمبـــرُ  ،،، يــا شهــرَ  الأحـزانِ  الأســودَ

مــاعـادت  ذاكــرة  الخيبــة  تسعفنــا

والنّكســة  لا تُخـلـف  مـوعـدنــا

هــل  نبقــى  دومـــاً  نتـألّـم؟؟؟

والمأتــمُ  يتـلـوه  المـأتــمْ؟؟؟

كــوم  الأهـــوال  تـربّــع  فــوق  القـلـب  الصّـــديءِ

ومــواعيـدُ  الحلـمِ  الـورديّ  متـاهـاتٌ

وأنـا  مــازلـت  أراوح  بينهــمـــا

سندان  الحلــم  الـورديِّ

ومطــرقـة  الأحــزانْ

أتــوارى  بيـن  جفـون  الخجـل  الـسّــاكنِ

فــي  وجــه  الـشّــرف  العربــيِّ

أتــساءل  ،،، مـن  أيـن  يجـيء  الحـزنُ

بهــذا  الشّـكـل  الهمجـيّ؟؟؟

يفــرّخ  فــي  النّـفـس  جــراداً

يستهـدف  كــلّ  حقــول  البهجــة  فينــا

وزواحـف  أسـطــوريّـةْ

تلقــي  فـي  قلـب  الفـرح  الأخضــرِ

كــلّ  صنـوف  الـرّعـبِ

فيغــادرنـا ، أقــداحَ  بـلا  قطـرة  مــرحٍ

وأوانــيَ  حــبٍّ  مكســـورةْ

====================

ومــن  القهــر  أتســاءلُ  :

هــل  دومــاً  مطـلـوب  منّــــا

أن  نــروي  ظـمــــأ  الحقـــدِ؟؟

وشــراييـن  الأطفــالِ

ينـابيــعٌ  لا تخلـف  مــوعـدهــا

فيســوعٌ  مـنّـا  ،  وجــراح  يســوع  فينــا

ولهـذا  تكـثــر  فــي  ظهري  الـصّلـبــانْ

ولهـــذا  أجـبــر  أن  أتســـوّل  منكــمْ

يــاسعـداء  العـالـم  حفنـــة  ضـحــــكٍ

فالضّــــحك  لـديـنــا يا ســــادة

قد أضحى  ترفـاً   عبثــياً

وكمـاليّــات  محظــــورةْ

أصـبـحنــا  نضحــك  بالـصّـدفــةِ

واذا  مِتنــا ،،، متنــا  صـــدفـــــةْ
====================
لكنّـــي  رغــم  الألـم ،،، ولأنّـــي  أبـــداً  لــم  أهــزمْ

سيـكــون  غــدي  ثــأرَ  الحــزنِ

وستعـلم أسنــاِنُ المنشــارِ

بـأنّــي أبـدا  لــن  أُقـطــــعْ

وِســأحـمــل  جــرحـي  فــي  صــدري

بــركـانـا  يحمــل  بـركـانــاُ

فــي  زمــن  يتنفّـس  ثــورةْ

فــي  شعـب  أبـداً  لـن  يـركــعْ




Saturday, September 10, 2011


حق العودة: لماذا لا نعود إليه

 

حتى لا نُفهم خطأً في انتقادنا لأسلوب ونتائج تصرفات رجالات أوسلو، علينا بحب وأخوية أن نقرر أننا نتحدث عن مجموعة من أبناء شعبنا الذين اجتهدوا في إيجاد حل لقضيتنا فأصابوا في مواضع فلهم أجران، وأخطأوا في مواضع أخرى فلهم أجر واحد، لكن الغريب الذي لا يمكن فهمه أو إيجاد تبرير له هوعدم إدراك القيادات الفلسطينية المختلفة ( وهي بحمد الله بعدد نجوم السماء ) أهمية المطالبة بحق العودة للاجئي الشتات، وهي الحل الوحيد العملي أمام الفلسطينيين، خاصة بعد تلاشي القوة العسكرية منذ الخروج من بيروت عام 82، بل واعتراف المنظمة الرسمي بعدم جدوى تلك المقاومة، ومن ثم اعتمادها التوجه إلى الحل السياسي عن طريق المفاوضات. وكم كان بودي لو كانت المفاوضات قد بدأت أصلاً مع الأمم المتحدة - التي تعود إليها القيادة الآن متأخرة نصف قرن من الزمان - وذلك للإصرار على تطبيق قرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بحق العودة، إذ أن الموسوعة البريطانية وكافة وثائق الأمم المتحدة تعرف اللاجيء على أنه: ( الشخص الذي أجبر على مغادرة وطنه الأصلي رغماً عن إرادته )، وبما أن وكالة الغوث قد أنشئت لرعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين، فقد كان هذا تأكيدأً على صفة الفلسطيني القانونية المذكورة على أنه الشخص الذي طرد من موطنه الأصلي بالقوة خوفاً من التطهير العرقي أو الديني إلخ..، وبالتالي فإن إنهاء مشكلته تكمن بشكل بديهي في عودته إلى موطنه، إذ تحمل وكالة الغوث اسم   (United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees in the Near East)، فذكر كلمة ( اللاجئين ) واضحة جلية في اسم الوكالة، وهذا ما يشكل اعترافاً صريحاً من المنظمة الدولية يؤكد على أن الفلسطيني قد أخرج بالقوة من موطنه الأصلي.

تصادفنا أحياناً بعض المشاكل التي تبدو عصية على الحل، لكننا بعد فترة من التأمل والتبصر نرى أن الحل أسهل مما كنا نتوقع، لذلك نَصِفُ الحل أنه كان (مغطى بقشة). وعلى افتراض أن كل شيء في الساحة الفلسطينية مفهوم ومبرر، إلا أن الذي لا أفهمه حتى الآن هو استمرار وجود هيكل يسمى زوراً وبهتاناً:        ( منظمة التحرير الفلسطينية )، فهل بعد هذه التسمية خداع أكثر للذات وضحك على الذقون، بل وعلى اللحى أيضاً؟. عندما تصر قيادة المنظمة على تجاهل جميع الأسلحة القانونية التي يمتلكها الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل تحقيق حريته والعودة إلى أرضه، فإنها بذلك تقف في صف أعدائه، بينما هي محسوبة عليه على أنها قيادته، وفي قرار محكمة العدل الدولية بعدم شرعية جدار الفصل العنصري خير دليل على فشل هذه القيادة، حيث لم تتابع ذلك القرار الهام، ولم تعمل على تفعيله في المحافل الدولية لكي تثبت بطلان وجوده على الأرض الفلسطينية، فهذا الجدار قد مزق المجتمع الفلسطيني إنساناً وأرضاً في المناطق التي عبر منها، ومع ذلك نستمر في اتهام القوى الغربية في العمل ضدنا، ونتباكى أمام أبواب المحافل الدولية أنها لا تستمع لأصوات استغاثتنا، بينما آذان السلطة الفلسطينية صماء وألسنتها بكماء، تنفذ طموحات ومطامع الاحتلال بصورة طوعية أو مجبرة.

لا بد لجماهير الشعب الفلسطين التي تتظاهر مطالبة بزيادة الرواتب، أن تخرج مطالبة باسترداد الكرامة.