Saturday, July 27, 2013

الرقم الصعب

موقف النظام العربي الحالي من القضايا العربية والدولية، رقم صامد، لا يقبل  الانقسام والقسمة: لأنه صفر.

Friday, July 26, 2013

وداعاً يا عرب

وداعاً يا عرب
مما لا شك فيه أن رياح التغيير التي هبت على المنطقة العربية قد أثمرت في بعض بلدانها، بينما سقطت الثمار في بعضها الآخر قبل موعد قطافها، فبعد أن أزهرت وبرعمت، وقبل أن تتحول إلى ثمار ناضجة، طالتها عصى الإقطاعي الذي كان يتحكم بالأرض، فهوت قبل أن تصبح جاهزة للقطاف. هذا الأمر من طبيعة الأشياء، إذ كما أنه لكل فعل رد فعل، كذلك لا بد لكل ثورة من ثورة مضادة. إلا أن المذهل في جميع ما نمر به الآن، ليس قدرة الثورات المضادة على الفعل، بل  إنه في خلال عقد من الزمن سقط الجيش العراقي تحت ضربات الأمريكان، مدعومين بإيران والخليج، وتفكك الجيش السوري وترنح مع الدولة السورية تحت ضربات حاكم أرعن مدعوم بإيران وروسيا والصين، وها هو الانقلاب الذي قام به السيسي مدعوماً من الغرب ودول الخليج، يهدد وحدة وتماسك الجيش المصري.
لكن المرعب اليوم أن يترافق مع كل هذا السيء، ما هو أسوأ منه، فها نحن نرى للربيع العربي نتيجة كارثية تتمثل في سقوط مشروعي المقاومة الحقيقية في المنطقة العربية المحيطة بإسرائيل. فهذا حزب الله يطلق الرصاص على قدميه، ويدخل إلى سوريا مأموراً من مرشده الأعلى في "قم"، لكي يلغ في الدم السوري، ولكي يسقط في نظر الملايين من الجماهير التي أيدته ورفعت صور أمينه العام من جاكرتا إلى نواكشوط، فتسقط عن شخصية قائده هالة التبجيل والاحترام، ويصبح وجود الحزب موضع شك بعد أن أصبح موضع اتهام، يترافق ذلك مع تصنيف أوربا الحزب على أنه منظمة إرهابية.
أما في غزة، فها هي الاتهامات توجه إلى محمد مرسي، الرئيس المصري الذي خلعه انقلاب السيسي في 3 يوليو، بأنه تخابر مع حركة "حماس"، التي ساعدته وباقي سجناء حسني مبارك على الخروج من زنزاناتهم التي حشروا فيها ظلماً وعدواناً، وربما كان هذا مقدمة لكي يصنف انقلابيو مصر الجدد حركة حماس على أنها منظمة إرهابية، ولئن اختلف سيناريو سقوط حزب الله عن سيناريو إسقاط حركة حماس، إلا أن النتيجة واحدة، وهي سقوط مشروعي المقاومة شمال وجنوب إسرائيل، والتي كانت إسرائيل تحسب لهما ألف حساب.
فهل نتوجه بالتهاني إلى إسرائيل على أن العرب قد خدموها بأنفسهم، فأراحوها من هذا الصداع المزمن، أم نلعن العقلية العربية التافهة، تلك التي لم تستطع أن تثبت لنفسها والعالم أنها جديرة بالاحترام.
هل نقول إلى اللقاء؟، أم نقول وداعاً يا عرب؟.
26/7/2013

  

هزِلتِ يا أم الدنيا


  هزُلتِ يا أم الدنيا
مبارك: عفواً، لا تفهموني خطأ، أنا لا أقصد حسني، بل مبارك على مصر هذا القضاء النزيه!، الذي يتهم اليوم محمد مرسي، الرئيس المخطوف، ليس بإقفال محطات تلفزيونية معارضة تافهة، أو باعتقال مذيعين سفلة كعمرو أديب وهالة سرحان وباسم يوسف، ولا بإغلاق صحف كانت تتهكم عليه ليل نهار، لا هذا ولا هذه ولا تلك، بل بتهمة التخابر (لاحظ هذه التهمة الخطيرة) التخابر مع جهة معادية هي (حماس)، والخروج من سجون الرئيس المخلوع صاحب الضربة الجوية الأولى! أبو علاء مبارك، فهل يشكن أحد أن هذا القضاء هو نفسه قضاء نظام حسني مبارك؟، وألم يُصِب المتنبي عندما وصف مضحكات مصر بأنها مبكيات؟. والله هَزُلتِ يا أم الدنيا، وعلى السيسي السلام.

Thursday, July 25, 2013

القداسة المزيفة

القداسة المزيفة
منذ فترة قصيرة كتبت مقالاً عن طوطم مقدس لدى المصريين، يحلونه منزلة القداسة بعد قداسة الأديان والأنبياء والرسل. هو توأم سيامي، رأساه الجيش والقضاء، فهما مقدسان لا يجوز تناولهما سوى بالتبجيل والاحترام الشديدين، وبالانحناء عند اللزوم، ومنذ بدأت الكتابة عن فترة حكم الإخوان المسلمين، الذي ابتدأ فعلياً بتولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية، كنت أحاول بجميع ما أوتيت من أدب الخطاب، ولباقة العبارة، أن أؤكد أنني لست من الإخوان، وأنني لا أؤيد تدخل الدين في السياسة، ولست في صدد الدفاع عن أخطائهم، لكن بلا جدوى، فكلما تفوهت بعبارة يشتم منها دفاعي عن الشرعية التي جاءت عن طريق صناديق الانتخاب، تنطح لي من يخطئني ويتهمني بالانحياز إلى تلك الجماعة، ويشهر في وجهي توأمه المقدس: القضاء والجيش، اللذان قل نظيرهما في التاريخ البشري!، والذي يحرم الاقتراب منهما من قريب أو بعيد، سوى بإحراق البخور والشموع أمام مذبحيهما المقدسين، لكن ما جرى ويجري في مصر منذ فترة وجيزة، يجعل الحصوة تقفز خارج الفم، فأتوكل على الله وأغامر بتلقي الاتهامات واللعنات والشكوك بأنني أعمل لصالح جهات أجنبية، إلى آخر القائمة من التهم التي يسهل على العربي توجيهها إلى من يختلف معه في الرأي، حتى ولو كان أخيه، ابن أمه وأبيه. فلنبدأ بالقضاء أولاً:
أولاً: القضاء المصري: لا شك أن السلطة القضائية في أي مكان في الدنيا، شأنها شأن السلطتين الأخريين في الدولة: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، هي سلطة يسيرها بشر ممن خلق، وليسوا ملائكة يمشون في الأرض مطمئنين، هم يصيبون ويخطئون، ينجحون ويفشلون، يرتشون ويعفّون، كباقي خلق الله، غير أنهم في مصر يرتفعون إلى درجة أنصاف الآلهة، ويدأب المصريون على التفنن في توصيف السلطة القضائية عندهم، منزهين إياها عن أية أخطاء أو انحرافات، ملبسينها لباس العدل المطلق، والنزاهة المتناهية، مع أن تاريخ القضاء المصري، بتوثيق تاريخي، ليس كله بالمطلق بهذا البهاء، ففي حادثة دنشواي عام 1906، حكم القضاء المصري ظلماً وعدواناً، برئاسة بطرس غالي باشا، على أربعة فلاحين بالإعدام، وعلى اثني عشر آخرين بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدد مختلفة، وذلك بتهمة قتل ضابط بريطاني سقط ميتاً نتيجة ضربة شمس، ولو قفزنا في الزمن مئة سنة إلى الأمام، لوجدنا المدعي العام المصري عبد المجيد محمود، يطمس جميع الأدلة التي تدين المتورطين في موقعة الجمل من رجالات نظام حسني مبارك، وبالتالي بدأ القضاء المصري يلعب لعبة الثلاث ورقات، فيؤجل المحاكمات إلى مدد طويلة، ويطلب الاستماع إلى شهادة الآلاف من الشهود بغية تمييع القضية، إلى أن انتهى الحال بشبه تبرئة لجميع المتهمين من رأس النظام السابق، إلى أصغر ضابط في وزارة الداخلية، فضاع دم الشهداء المصريين الذين قتلهم رجال حبيب العدلي. وهكذا، وبكل بساطة، خرج الرئيس وأنجاله ووزراؤه - بعد ثلاثين عاماً من ارتكاب الجرائم بحق الشعب المصري - من جميع التهم كما تخرج الشعرة من العجين، بينما نفس هذا القضاء المصري يتهم اليوم الرئيس المعزول محمد مرسي بتهم غريبة، كتهمة الهروب من سجون حسني مبارك في أعقاب ثورة يناير، وتهمة التخابر. أما تهمة الهرب من السجن في أعقاب الثورة، فهي مضحكة مبكية، إذ تحمل تأييداً ضمنياً لحق النظام السابق في اعتقال خصومه السياسيين، ونحن نفهم أنه لو عاد حسني مبارك، أو ابنه جمال، إلى حكم مصر، فلا شك أن لهما الحق بمحاكمة جميع من فر من السجن، بمن فيهم محمد مرسي، أما أن يوجه قضاء الثورة لمرسي تهمة الهروب من سجون مبارك، ففي ذلك إهانة لأبسط قواعد المنطق، ثم، ألم يكن القضاء المصري يعلم بهروب مرسي من سجون مبارك عندما ترشح لانتخابات الرئاسة، فلماذا لم يتهمه حينها، فيمنعه من الترشح لها؟. أما تهمة التخابر، فلم يذكر لنا من أطلق هذه التهمة على مرسي مع من تم التخابر، فالمعتاد أن تطلق هذه التهمة على التخابر مع العدو بشكل خاص، وهي التهمة التي لم نسمع عنها شيئاً في محاكمة "كنز إسرائيل الاستراتيجي"، أما مع محمد مرسي فيبدو أن المقصود بالجهة التي تخابر معها هي حماس، إذ تحولت حماس، في نظر جهاز قضاء الحكم الجديد بعد الانقلاب الأخير، إلى عدو بديلاً عن إسرائيل، كما أن جميع أزمات المجتمع المصري من انقطاع الكهرباء والمحروقات والدقيق، جميعها اتهمت حماس بالتسبب فيها، والمتابع لأحوال الدول التي حكمتها الدكتاتوريات عبر تاريخها الطويل، يدرك إلى أي حد يكون القضاء متهافتاً ومخترقاً من أصحاب المصالح حلفاء الدكتاتور، والقضاء المصري لم يشذ عن هذه القاعدة مهما نثرت حول سمعته هالات التقديس والعذرية.   
ثانياً: الجيش المصري: بداية لا بد من التحفظ في إطلاق الأحكام على الجيش المصري، فالجنود وضباط الصف والرتب المتوسطة في أي جيش، تعبر عن الشريحة من الجنود والضباط التي تؤمر فتطيع، لذا لا يجوز التشكيك بصدقيتها ووطنيتها، أما القيادات العليا، فهي التي يمكن لها أن تتلاعب بمقدرات البلاد، فتكون إما متورطة في التعامل مع الأجنبي، فتقوم بانقلاب عسكري، وهذا هو حال معظم بلدان العالم الثالث، أو تدعم نظام حكم دكتاتوري، جاء رئيسه أصلاً من بين صفوف القوات المسلحة، وعلى الأرجح بانقلاب عسكري، أما الحديث عن عذرية ونقاء قيادات الجيش المصري، فيمكن أن تناقش بموضوعية من خلال تاريخ مصر المعاصر، فالجيش المصري منذ ثورة يوليو 52، سيطر على رئاسة الدولة، فكان من بين صفوفه رئيس الجمهورية، وإذا كان بريق عبد الناصر المحلي والدولي قد برر التزام الجيش بالخضوع لرئاسته نظراً لشعبيته الكاسحة، إلا أن من جاء بعد عبد الناصر من بين صفوف القوات المسلحة، السادات ومبارك، فلم يكن مدعاة فخر لقيادة الجيش المصري تأييد نظامهما. فالسادات انقلب على الخط الناصري الوطني بعد أقل من ثمانية أشهر على توليه الرئاسة بعد وفاة عبد الناصر، فاعتقل رفاقه من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وحول وجهة مصر إلى الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً، وبدأ عملية الانفتاح التي أودت بمنجزات الثورة المصرية الاقتصادية، فازداد الفقراء فقراً وازداد الأغنياء غنى، كل ذلك والجيش يتفرج على انهيار مصر دون أن يحرك ساكناً، وعندما أعلن السادات عزمه على زيارة القدس، كان الأولى بالجيش المصري أن يعتقله قبل ركوبه الطائرة، أو بعد عودته من إسرائيل، ولو تجاوزنا عن كل ذلك، لكان الأولى بالجيش لمصري عزل أنور السادات عندما وقع اتفاقية كمب ديفيد، تلك التي أخرجت سيناء من سيادة الدولة المصرية، وقسمتها إلى مناطق أ،ب،ج حيث حددت فيها أعداد وتجهيزات القوات المصرية بشكل يضمن أمن إسرائيل، واليوم يتباكى الجيش المصري على انفلات الأمن في سيناء، فماذا كانوا يتوقعون عندما تركها السادات خدمة لأمن إسرائيل؟، وأين كانت قيادة الجيش المصري من موبقات السادات تلك؟، الجواب أنه طالما كانت رئاسة الدولة المصرية بيد ضابط من الجيش، فإن قيادة الجيش المصري تبلع له الزلط، وعندما جاء حسني مبارك إلى رئاسة الدولة من صفوف الجيش، بلع قادة الجيش المصري لسانهم طيلة ثلاثين سنة، وهم يرون البلاد تباع بالمزاد العلني، فبيعت المصانع، حتى الرابحة منها، إلى مستثمرين أجانب (نتذكر إضراب عمال النسيج في المحلة الكبرى احتجاجاً على عدم دفع رواتبهم من قبل المستثمر الهندي الذي اشترى مصنعهم)، والسماح بتصدير الغاز إلى إسرائيل، ووصول رئيسهم إلى مرتبة (كنز إسرائيل الاستراتيجي)، وهم يرون المسؤولين الإسرائيليين بدبلوماسييهم وأجهزة مخابراتهم يسرحون ويمرحون في مصر، فأين كانت مواقفهم الوطنية وحرصهم على سلامة الوطن التي يتشدقون بها الآن؟. ولكن مهلاً: أليس الرئيس واحداً من ضباط الجيش المصري؟، إذن ليفعل ما يشاء طالما أن الرئاسة المصرية قادمة من الجيش. والأمر المؤكد أن كبار الضباط في القوات المسلحة المصرية قد تمتعوا بامتيازات وحوافز قيمة في ظل نظام مبارك، فسيطرة الجيش المصري على قطاع واسع من الاقتصاد (ما بين 10-40% من الاقتصاد المصري)، وطالما أن القيادات العسكرية التي تشرف عليه بشر ممن خلق، فلنا أن نتصور حجم المنافع والامتيازات التي يحصلون عليها، سواء من فوق الطاولة أو من تحتها.
لم يرتفع دعم الجيش عن تأييد حسني مبارك إلا تحت عاملين فقط: زحف الملايين لإسقاط دكتاتور أحمق، ونيته توريث ابنه جمال رئاسة مصر. هنا ثارت حمية الضباط الكبار الذين وجدوا في تسلم جمال مبارك السلطة خروجاً للرئاسة من قبضة الجيش، لكن ما باليد حيلة، فقد كانت مصر على فوهة بركان في نهاية يناير 2011، فتخلى الجيش عن مبارك، وكَمَنَ ينتظر فرصته للقفز على الرئاسة من جديد، لكن رغم ذلك، وبعد تخلي مبارك عن السلطة، فقد استمر يحظى بعطف الجيش وحنانه الفياض، فمكث في شرم الشيخ داخل استراحته تحت حراسة الحرس الجمهوري، وتم تقديم أرفع مستويات العناية الطبية إليه، وكان ينتقل مع أولاده بالهليوكبتر من شرم الشيخ إلى المحكمة وبالعكس، حتى عندما نقل إلى القاهرة، فقد استمر يحظى بالعناية من قبل القوات المسلحة، كيف لا وهو صاحب (الضربة الجوية لأولى)، تلك الأيقونة التي اختبأ خلفها وهو يسرق مصر مع عائلته، تماماً كما اختبأ السادات وهو يخون مصر والعرب خلف أيقونة (بطل العبور)، ولو قارنا العناية بمبارك، صاحب ثلاثين سنة جرائم وخيانة، بالاختطاف الذي تعرض له مرسي، صاحب سنة أخطاء، دون أن تعلم أسرته أو طبيبه مكان احتجازه إلا بالتخمين، ندرك الفارق في أسلوب الجيش المصري بالتعامل مع رئيس قادم من صفوف القوات المسلحة، أو رئيس مدني قادم عبر صندوق الانتخابات.
عن طريق موافقة المجلس العسكري على ترشيح الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، كان الجيش المصري يطمح إلى استعادة عرش مصر، لكن زخم ثورة يناير، وتفكك أعضاء من يسمون أنفسهم اليوم (جبهة الإنقاذ)، دفع  الشعب المصري للهروب إلى الأمام بانتخابه محمد مرسي رئيساً للجمهورية.
انقلاب السيسي: من شاهد عبد الفتاح السيسي في خطابه يوم أمس، ببذته العسكرية، ومن خلف نظارة شمس سوداء، ولم ير في وجهه وجه حسني مبارك أو الجنرال بينوشيه أو الجنرال سيموزا أو شاوشيسكو أو هتلر، فهو بحاجة إلى فحص نظر فوري، فبعد انقلابه على شرعية مرسي (سواء أحببناه هذا أم كرهناه)، ورغم ادعاء البعض ممن أيدوا الانقلاب بعذرية قائده، فقد انغمس السيسي – عكس ما ادعى هو وأنصار انقلابه – في السياسة إلى أذنيه، فهو إلى جانب وزارة الدفاع، حصل على منصب نائب رئيس الوزراء، هذا المنصب الذي ربما أهَّله لكي يطلب من الشعب الخروج يوم الجمعة إلى الميادين والشوارع، لكي يعطيه تفويضاً بمحاربة الإرهاب، وعندما بدأ بالقول أنه (يطلب من جماهير الشعب المصري) اعتقدت أنه سيكمل بالقول (العودة إلى بيوتهم والتفرغ لأعمالهم في سبيل إنقاذ البلاد من وضع اقتصادي متدهور)، لكنني، كما الكثيرين، لم أصدق أذني عندما وجدته يحرض نصف الشعب المصري على النصف الآخر، وكأنني به ينظر إلى مؤيدي عودة الشرعية ((بالمناسبة هم ليسوا من الإخوان المسلمين فقط كما يروج إعلام الانقلاب)، ينظر إليهم على أنهم خارجون عن القانون، وهذا لعمرك خطاب هزيل متهافت، يوحي بأن هذا الرجل يخطط لإعلان حالة الطواريء والحكم العسكري، تمهيداً لترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، إنقاذاً للوطن!، وهو المنصب الذي لا يمكن للجيش لمصري أن يتركه لمدني حتى ولو أفنى نصف الشعب، أما تغليظ الأيمان الذي حفل به خطاب السيسي، وتمحكه بالدين الإسلامي، فلا يمكن أن يكون سوى تمحك ديني لهدف سياسي، وبهذا فهو لا يختلف عن جماعة الإخوان المسلمين في شيء.. وبالعودة إلى الانقلاب، فمن الغريب أن تلك الأزمات التي رُمِيَ نظام مرسي بالتسبب فيها من نقص في المحروقات والغاز والكهرباء والدقيق، قد حلت خلال أربع وعشرين ساعة من الإطاحة بنظام الإخوان، لكن يعلم المختصون في علم السياسة بأن الدولة الحقيقية ليست هي الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء، بل هي في الأمناء العامين، والمدراء وكبار الموظفين ثم صغارهم، وجميع أولئك في الدولة المصرية التي رئسها مرسي هم ربائب نظام استمر ثلاثين عاماً يمعن في الفساد والإفساد، وهؤلاء هم المسؤولون عن جميع الأزمات التي اصطنعت لتفشيل حكم مرسي، وإلا فما تفسير انتهاء هذه الأزمات بمجرد إسقاط حكم الإخوان المسلمين، وألم تكن رسالة العاهل السعودي لتهنئة الرئيس المؤقت عدلي منصور، وهي الوحيدة التي تلقاها من رئيس أجنبي، والعشرة مليارات دولار التي تدفقت على مصر خلال أيام من انقلاب السيسي، أليست مؤشراً ارتباط الانقلابيين بالخارج؟، أما تعيين محمد البرادعي نائباً للرئيس، وهو الذي حصل على 1,5% من أصوات الناخبين، وهو الذي طالب الغرب بالتدخل في الشأن المصري، وهو الذي حاز على حنق العرب جميعاً خلال أزمة العراق مع المفتشين الدوليين، هذا التعيين هو مهزلة مخجلة للنظام العسكري الحاكم في مصر اليوم.
انقلاب عبد الفتاح السيسي (لا مشكلة حتى ولو أسموه ثورة، فقد يُطلق اسم جميلة على فتاة قبيحة الوجه)، هذا الانقلاب ما هو إلا خطوة على طريق استعادة الجيش المصري رئاسة الدولة من المجتمع المدني، ولكن هل سيتسبب ذلك بتصدع الجيش المصري في سبيل إنهاء وجوده كما حدث لجيوش العراق وسوريا وليبيا، وهو الأمر الذي أكد السيسي في خطابه على نفيه؟، أم ستنشب حرب أهلية؟، أم أن الأزمة ستمر على خير، ويستعيد الجيش رئاسة الجمهورية؟. الأيام حبالى يلدن كل عجيب، (وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا)، على حد قول صديقنا العزيز المتنبي، طيب الله ثراه.

25/7/2013   

كفٌّ حنون

كفٌّ حنون
(قصة قصيرة)
منذ سنتين، يوم أن فقدت والديها في حادث سير ونجت هي بأعجوبة، ما زالت "سلوى" تعيش مع عمتها التي لم تتزوج، بل اختارت العمل التطوعي مع عدد من الجمعيات الخيرية التي تكثر في المنطقة. العطلة الصيفية بدأت منذ أسبوع، ومعها بدأت سلوى تقضي أوقاتاً طويلة في فترة ما بعد الظهيرة على هذه الشرفة التي تطل على الشارع العام. شجرة باسقة تسكن في الرصيف المقابل للشرفة، والذي يفصلها عن الشارع، عليها اكتظت مئات أعشاش العصافير،،، بعضها، وعندما تميل الشمس باتجاه الغرب، تبدأ بالتحليق على شكل أسراب، مالئة الجو بأصوات زقزقاتها ورفرفة أجنحتها التي تملأ المكان، وبعضها يحط على حافة الشرفة، تحك مناقيرها بسطحها الخرساني، أو تلتقط عنها حبوباً قد تكون تناثرت عليها.
اعتادت سلوى أن تجلس على كرسيها وقد أمسكت بيدها اليسرى كتاباً تقرأ فيه، بينما أسندت ذراعها اليمنى على الشرفة وكفها متجهة إلى الأعلى. مع مرور الأسبوع الثاني من الإجازة، ونظراً لثبات سلوى على كرسيها مدة طويلة كل يوم، وثبات ذراعها على حالها نفس تلك المدة، فقد أنِسَتْ العصافير إليها، وبدأت تقترب منها رويداً رويداً، لكن  بحذر حسب عادتها المعروفة. فكرت سلوى أن تتودد إلى العصافير وتهديء من روعها، فاشترت كمية من الحبوب التي تحبها تلك المخلوقات الجميلة، وفي كل يوم، وقبل فتح الكتاب والبدء بالقراءة، كانت الفتاة تشرع في ملء كفها، المتجهة إلى الأعلى دائماً، بالحبوب، بينما تنصرف بكليتها إلى القراءة، دون أن تحرك يدها على الإطلاق، حرصاً منها على سكينة العصافير وهدوئها.
بمرور الأيام، وثقت العصافير بصاحبة الكف المفتوحة المليئة بالحبوب، فأصبحت تقترب منها أكثر فأكثر، لكن بتردد ووجل، باستثناء عصفورة صغيرة كانت أجرأ من الجميع، إذ بدأت تتقافز على كف سلوى، تنقر الحب على عجل، ثم تتوقف على نهاية حافة الشرفة لكي تراقب حركة صاحبة الكف،،، تطير مبتعدة، ثم تعود لكي تستأنف نقر الحب من جديد، وسلوى مستغرقة في القراءة، متظاهرة بتجاهل العصفورة الجريئة، تاركة كفها مرتعاً لها.
بعيد ظهيرة أحد الأيام، شهد الشارع جلبة وضوضاء، فقد قدمت إليه شاحنة ضخمة ترافقها آلية ثقيلة تستخدمها بلدية المنطقة في خلع الأشجار المتهالكة، أو تلك التي ينبغي إزالتها لأغراض تجميلية وتحسينية للمنطقة. كانت جذور الشجرة قد امتدت تحت إسفلت الشارع فشققته، وأصبح لا بد من إزالتها حتى يمكن تسوية الشارع وسفلتته من جديد، وما أن بدأ العمال باستخدام منشار ضخم لقطع الشجرة، وبمجرد أن مالت بحدة على جانبها، وقبل أن تسقط على الأرض،   انطلقت مئات العصافير في الجو، تاركة أعشاشها لكي تسقط مع الشجرة، وتتهشم على إسفلت الشارع. فزعت جميع العصافير، فحلقت في الجو هاربة، باستثناء تلك العصفورة الجريئة، فقد طارت عن الشجرة وحطت على شرفة سلوى. نظرت سلوى في عيني العصفورة، فقرأت فيهما توسلاً ورجاء أن تبقي الفتاة كفها مبسوطة كي تتخذ منها مرتعاً لها بعد أن ضاعت الشجرة وانفض الصحاب. في اليوم التالي جاءت العصفورة وقد أحضرت معها صديقاً أكبر منها حجماً، وبدأ الاثنان بنقر الحب عن الكف المفتوحة أمام ناظري صاحبتها، والتي ملأ قلبها سرور فياض أن كفها قد أصبحت مرتعاً حميمياً لهذين الصديقين الصغيرين، بعد أن فقدا موطنهما على الشجرة.
ذات بعيد ظهيرة، غاب العصفوران عن كفها ولم يظهرا في موعدهما، فاعتقدت أنهما قد وجدا لهما ملجأ بديلاً عن كفها وعن الشجرة، وقبل أن تدخل سلوى إلى غرفتها، فوجئت بالعصفورة وقد حطت على كفها حاملة قشة طويلة، وبعد ثوان حطَّ صديقها العصفور وهو يحمل قشة أيضاً، وأمام ناظري الفتاة المندهشة بما ترى، بدأ العصفوران في ترتيب القشتين على شكل دائري،، طارا مرة ثانية ثم عادا بقشتين أخرتين ثبتاها، مع القشتين السابقتين، في كف الفتاة، فأيقنت أنهما ينويان بناء عش لهما في كفها بديلاً عن العش الذي تهشم مع الشجرة، وكي لا تزعج العصفورين فيفرا عن كفها، انسحبت بهدوء تاركة لهما يدها كي يبنيا فيها عشهما بسلام، ودخلت غرفتها.
في صباح اليوم التالي، كانت سلوى عند فني صُنْعِ الأطراف الصناعية، طالبة منه أن يصنع لها ذراعاً جديدة، غير تلك التي تركتها على الشرفة مسكناً للعصافير الصغيرة.

24/7/2013   

Wednesday, July 24, 2013

كلمة عبد الفتاح السيسي

 كلمة عبد الفتاح السيسي هذا اليوم تؤكد أنه هو الرئيس القادم لمصر، فالرئاسة المصرية منذ ثورة يوليو 52 هي ملك للجيش ولن يتنازل عنها، ودعوته الشعب للخروج إلى الشوارع دعوة خاطئة تقسم الشعب المصري إلى فسطاطين متناقضين، وتمهيد لإعلان حالة الطواريء وحكم الجيش، وكأنك يا بو زيد ما غزيت. وإذا لم يكن حديث السيسي سياسياً، فماذا يكون؟، إذ لم يكن ينقصه سوى الظهور بملابس مدنية.

Monday, July 22, 2013

وأخيراً استشهد

رغم أنه كان قد توفي في حمص منذ 1400 سنة ، وبعد أن مات على الفراش وهو يتمنى لو أنه استشهد في ساح الوغى، فها هو اليوم ينال أمنيته ويستشهد في صفوف الثورة السورية، فرغم القصف المتواصل حول ضريحه، لم يفكر سيف الله المسلول خالد بن الوليد أن يغادر ضريحه ويعود إلى مسقط رأسه مكة المكرمة، بل بقي صامداً مع سكان حمص،وبقيت أمنيته بنيل الشهادة راسخة في قلبه، إلى أن نالها هذا اليوم، ليس بطعنة من سيف أو ضربة من رمح، بل بالقنابل والصواريخ التي انهالت على ضريحه الذي صمد أربعة عشر قرناً، كان المؤمنون خلالها يقرأون الفاتحة على روحه الطاهرة ليل نهار. أتوقع أن ينشر ما تبقى من سكان حمص صورة شهيدهم الكبير سيف الله المسلول، ويضعوها إلى جانب صور شهدائهم الذين قضوا على مدار سنتين من القتال في سبيل الكرامة.    

Tuesday, July 16, 2013

إعلام مهلهل، وإعلاميون سفلة

  
إعلام مهلهل، وإعلاميون سفلة
مهما كانت نوايا حكام مصر الجدد نزيهة ونقية وطاهرة، لكنها بقبولها وجود إعلاميين سفلة أمثال توفيق عكاشة ولميس الحديدي وعمرو أديب وغيرهم من الطبالين، تضع رأسها وسمعتها في أقذر مزابل الدنيا. الإعلام هو وجه من أوجه المجتمع، يعبر عن طموحاته، ويشرح أفكاره، ويلهمه ويستلهم منه، وقبول نظام السيسي وعدلي منصور هكذا إعلاميين منفلتين سفلة، يؤشر على حقيقة نظام جاء ليصحح وجه مصر، فزاده قبحاً وحقارة. لي صديق جزائري كثيراً ما كان يردد: (الثورة التي لا يسيل فيها دم، ليست ثورة)، فالثورة عادة تأتي لكي تكنس أعداءها، ولكي تبني نظاماً جديداً يناقض النظام الذي هدمته، أما الثورة التي تأتي بلا ملامح وبلا تصفيات حقيقية لأعدائها، محتضنة نفس رموز النظام السابق وأعمدته، فهي بلا مؤاخذة: ثورة نصف كُمْ، وهكذا كانت ثورة 25 يناير 2011: ثورة نصف كم، أما ما يسمى بالثورة الأخيرة، ثورة 3 يوليو، فهي للأسف: ربع كم.



هل قتلوا محمد مرسي؟

ماذا يعني إخفاء الرئيس المعزول محمد مرسي واختفاؤه عن الأنظار هذه المدة الطويلة، حتى لدرجة أن زوجته لا تعرف مكان إقامته؟، وبالمقابل، هل نتذكر أين كانت إقامة الرئيس المخلوع حسني مبارك بعد خلعه؟، كانت إقامته في منتجع شرم الشيخ، بحراسة القوات المسلحة، يزوره أطباؤه وتحت عناية ورعاية مشددة منهم. هل هي مفارقة من مفارقات مصر التي الضحك فيها كالبكا (على رأي المتنبي)؟، أليست دراما سوداء هذه التي تجعل رئيساً منتخباً يختفي بقدرة قادر، دون توجيه تهمة له، ودون السماح لطبيبه بالكشف عليه؟ بينما رئيس دكتاتور مخلوع مزور للانتخابات يحظى بعد خلعه بالتبجيل والعناية؟. هل يمكن أن يكون الجيش قد قتل مرسي، وهو لا يجرؤ على البوح بذلك؟، أم أنه سيبوح به قريباً، فيؤدي ذلك إلى إحراق مصر، فتستريح إسرائيل؟. وإلى الذين لا يؤيدون الإخوان: أنا معكم لا أؤيدهم، وأتمنى أن يخرجوا من الحكم حالاً لأنهم رسبوا في امتحانه، لكن الخلاف عندي أن هذه الطريقة التي أنهي بها حكم مرسي هي طريقة البلطجية وقطاع الطرق، وليست طريقة تجعلنا نرفع القبعة للجيش المصري العظيم. انقطاع أخبار الرئيس المعزول تماماً عن العالم تثير في نفسي الشك والريبة حول مصيره.  . 

Sunday, July 14, 2013

اعرف عدوك

اعرف عدوك
ربما كان عنوان هذا المقال واحداً من أهم المباديء التي كانت تحرص وسائل الإعلام العربية التأكيد عليها - يوم أن كانت إسرائيل هي العدو الأساسي، وكان الصراع معها له الأولوية - إذ ليس أخطر على المقاتل من الجهل بقدرات عدوه، مما يؤدي إلى الاستهانة به، وفي ذلك يكمن مقتله، فمن جهة يهون ذلك عليه أمر عدوه، فيستهين بإمكانياته، مما يؤدي بالضرورة إلى عدم اتخاذ الاستعدادات اللازمة لدحره، وبالتالي تطول المعركة في أحسن الحالات، وفي أسوئها تكون الهزيمة أمراً محتوماً.
وهذا هو الحال مع جانبي الثورة السورية: النظام والثوار، فمنذ الأشهر الأولى لبداية الثورة مسلحة، كان النظام يعلن بثقة:(خلصت)، بينما كان الثوار يرددون بيقين:(أسبوعان ويسقط)، لكن لا هذا حدث، ولا ذاك تحقق، واستمر القتال مدة عامين، ولا أحد يعرف له نهاية في المدى المنظور. سوء التقدير من قبل النظام ربما نتج عن غرور القوة، وشعوره بأنه يقاتل مجموعة عصابات مسلحة تسهل هزيمتها، مدعوماً بمدد هائل من السلاح الفتاك القادم إليه من روسيا، وبعون مالي يتدفق عليه من الدول الداعمة له في إيران والعراق، ومن دعم سياسي في مجلس الأمن الدولي، مما منحه الطمأنينة والحصانة ضد أي قرار يصدر عن ذلك المجلس، وفاته أن الشعب السوري محتقن منذ نصف قرن تحت وطأة نظام قمعي طائفي، يرى شعوباً من حوله تتحرر من رقبة أنظمة دكتاتورية لا تقل شراسة عن نظامه. أما على الجانب الآخر، فقد تصور الثوار أن نَفَسَ النظام قصير، وأن الانشقاقات لا بد ضاربة أطنابها في صفوفه عمودياً وأفقياً، وأن الثورة، مع مرور الأيام، سوف تنتظم جميع فئات الشعب السوري، وأنها مدعومة من الأشقاء العرب، ومن المجتمع الدولي الذي لن يرضى ببقاء النظام بعد كل الذي فعله ويفعله في الشعب السوري، وفي الحالتين، كان كلا الجانبين على خطأ بيّن في حساباتهما، فلا هي (خلصت)، ولم يحدث ( أسبوعان ويسقط).
وإذا كانت عوامل الفشل وعناصر القوة بادية في الجانبين، إلا أن هذا المقال سوف يركز على الخطيئة الكبرى التي ارتكبها الثوار عندما تجاهلوا القوة الاستخبارية للنظام الذي ثاروا ضده. فمن المعروف أن النظام السوري، الذي اتكأ عبر تاريخه الطويل على ما يزيد على سبعة عشر جهازاً أمنياً، قد استفاد إلى حد كبير من الخبرة التي تراكمت لنظام البعث عبر خمسين سنة من حكم الحزب الواحد وقانون الطواريء، منها أربعون سنة من نظام الأسرة الواحدة، وكذلك استفاد النظام من خبرة أضخم أجهزة الاستخبارات في المنطقة والعالم: الـ كي جي بي الروسي، والسافاك ووريثه جهاز الاستخبارات الإيراني. ولذوي الذاكرة حتى الضعيفة منها، نذكر أن نوري المالكي كان قد تقدم بشكوى إلى الأمم المتحدة ضد الرئيس السوري بتهمة رعاية وإرسال افراد من تنظيم القاعدة إلى العراق كي يقوموا بعمليات إرهابية على أرضه،  ففي خريف عام 2009 نشبت أزمة سياسية عاتية بين البلدين، اتهم فيها نوري المالكي بشار الأسد بتدريب وإرسال إرهابيين للقيام بعمليات تفجيرية في العراق، مما أدى إلى مقتل 340 عراقياً في بغداد وحدها، وتم في سياق تلك الاتهامات الاستشهاد بأقوال سعودي كان من بين أولئك الإرهابيين الذين تم التحقيق معهم، وطالب المالكي الأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق بهذا الشأن، ورد بشار الأسد واصفاً تصريحات المالكي تلك بأنها (غير أخلاقية). تلك كانت صورة النظام السوري قبل بداية الثورة: يحتضن جماعات إرهابية من جنسيات عربية مختلفة، ويرسلها إلى دول الجوار للقيام بما يأمرها به، ولنا أن نتخيل أن ما حدث قد تم بناء على أوامر إيرانية للنظام السوري عندما حاول المالكي العمل باستقلالية عن إملاءات طهران، فكان لا بد من إعادته إلى بيت الطاعة، فاستخدمت إيران عصا بشار لكي تأدب نوري، وتم تأديبه بالفعل، مقتنعاً أن سقوط النظام لسوري سوف يستتبعه حتماً سقوط نظامه في بغداد.  
مع بداية الثورة السورية، لجأ النظام إلى اتهام جماعات إرهابية قادمة عبر الحدود بإثارة القلاقل لنظامه (وللمفارقة هي نفس اتهامات المالكي لسوريا)، متجاهلاً أن صلب هذه الثورة هو الشعب السوري، وقد كان من ضمن ما أهملته الثورة أيضاً ولم تلق بالاً إليه، هي قدرة النظام – بمرور الوقت - على اختراقها بتنظيمات إسلامية، هي في الأساس تلك التي كان يرسلها إلى العراق، وكانت بدايات ذلك الاختراق ظهور ما يعرف باسم (جبهة النصرة)، تلك التي رفعت شعارات متطرفة ضد النظام، وقاتلت جيشه بشراسة محققة انتصارات باهرة، وفات الثوار الحقيقيين أن تلك الانتصارات كانت مجانية وكاذبة، منحها النظام إياها لكي يرسخها في عمق الثورة، فكان يعطي الأمر لقواته بالانسحاب من المواقع التي تستهدفها تلك الجبهة، مخلفة وراءها بعض الآليات المدمرة التي تصلح للتصوير مع صرخات (الله أكبر)، ومن ثم البث على الفضائيات، وقد فات المجاهدين أيضاً أن عمليات "جبهة النصرة" تلك قد تركزت في شمال سوريا وشمالها الشرقي، بينما لم يكن لها تواجد حقيقي حول العاصمة، المنطقة التي كان يجب أن تتواجد فيها بسبب أهميتها الاستراتيجية، بل اكتفت هناك برفع بعض أعلام الجبهة كدليل على تواجدها المزيف، ويبدو أن الثوار الحقيقيون قد ابتلعوا الطعم. ولكي تكتمل المسرحية، سارعت الولايات المتحدة مبكراً إلى اعتبار جبهة النصرة تنظيماً إرهابياً، وذلك ذراً للرماد في العيون، وسعياً إلى ترسيخ وجودها بين صفوف الثوار، وعلى نفس خطى جبهة النصرة، سار تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وبإعلان أبو محمد الجولاني عن ولائه التام للظواهري، تلقفت الولايات المتحدة وأوربا هذه الهدية لكي تبرر عدم تزويدها الجيش الحر بالأسلحة الفتاكة لقتال النظام، وهكذا تمكن النظام الاستخباراتي المتطور في دمشق من تلغيم الثورة من داخلها، وقطع المساعدات الغربية عنها، فهل كان ذلك خافياً على الولايات المتحدة والغرب؟، بالتأكيد لا، فاستخباراتهم متغلغلة داخل سوريا ربما أكثر من النظام نفسه، لكن طالما أن المصلحة الإسرائيلية تقضي ببقاء النظام المسالم! قائماً، فليس بإمكان الغرب وأمريكا سوى السمع والطاعة، كما أنه من الغريب حقاً أن يتجاهل المحللون السياسيون وقادة الرأي الدور الإسرائيلي في المشهد السياسي، ذلك الدور الداعم لبقاء نظام الأسد. 
ما ورد أعلاه كان بمناسبة ما قام به تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية من استدراجٍ لكمال الحمامي، أحد قادة الجيش الحر في ريف اللاذقية، وقتله غدراً وبدم بارد، مما يوحي بشكل لا لبس فيه أن هذه التنظيمات التي ترفع شعارات إسلامية ما هي إلا صناعة استخباراتية سورية بامتياز، وهذا ما أشرت إليه في مطلع هذا المقال بأن ثوار الجيش الحر لم يقدروا قدرات النظام الاستخباراتية حق قدرها، وها هم يدفعون الثمن، لذا، فمن الآن وصاعداً على الثوار دفع ثمن هذا الخطأ غالياً، إذ عليهم القتال ضد هذه التنظيمات، بنفس الحماس والعنف الذي يقاتلون فيه جيش النظام. 
14 يوليو 2013     

Wednesday, July 10, 2013

حرمة شهر رمضان


بما أن سيادة الرئيس السوري بشار الأسد شديد التمسك بأهداب الدين الإسلامي الحنيف، وبما أن شهر رمضان ليس من الأشهر الأربعة الحرم التي لا يسفك فيها مسلم دم مسلم، لذا لا يجد سيادته مبرراً لوقف القتال ضد المدنيين السوريين في شهر رمضان المبارك. وبما أن أولئك المدنيين قد أصبحوا يفضلون الموت على الحياة في ظل حكمه السديد الرشيد!، لذا فهو يلبي رغبتهم في الموت بشرف، بدل الحياة بذل. هكذا يكون الرؤساء، وإلا فلا.
ملاحظة هامة: المقصود بما ورد أعلاه هو تصحيح الخطأ الشائع بأن شهر رمضان المبارك هو أحد الأشهر الأربعة الحرم، أما من يريد أن يفهم الأمر على غير ذلك، فهو حر.
-- 
 Walid,

Monday, July 8, 2013

هل عُزِلَ محمد مرسي؟


معلومة للنقاش: في بيان وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، لم ترد أية عبارة تدل على عزل محمد مرسي من منصبه كرئيس للجمهورية، وهذا يعني قانونياً أن لمصر رئيسين الآن: محمد مرسي المنتخب، وعدلي منصور الرئيس المؤقت. فهل كان في بيان السيسي خطأ قانوني بعدم ذكر عزل مرسي صراحة، وبالتالي يكون مرسي ما زال رئيساً شرعياً؟ أم أن تكليف رئيس المحكمة الدستورية يعني ضمناً عزل محمد مرسي من منصبه كرئيس لمصر؟، أم أنه خطأ متعمد، يمكن أن يستخدم كخط رجعة فيما لو اضطر الجيش إلى إعادة مرسي إلى السلطة؟ هناك أسئلة كثيرة لتوضيح الوضع المصري الملتبس.  
الموقف هنا ليس عاطفياً، مع أو ضد، بل هو استفسار قانوني.
أدناه مرفق خطاب عبد الفتاح السيسي المذكور، وتوفيراً للوقت، تبدأ تلاوة القرارات على الدقيقة 5:26 من مقطع الفيديو

الفتنة الثانية: عزل مرسي.


ما يدور حالياً في مصر، يذكرنا بالفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان بن عفان، يومها، وعندما شربت سيوف المسلمين من دماء بعضهم البعض، اعتكف سعد بن أبي وقاص، خال الرسول ص، في منزله، وعندما دعاه الناس إلى الخروج وتحديد موقفه من الطرفين، قال قولته المشهورة:( لا أقاتل حتى تأتوني بسيف يقول هذا مؤمن وهذا كافر). اليوم شيخ الأزهر يهدد بالاعتكاف في منزله - كما فعل سعد من قبل - إن لم تحل المشكلة. الفارق بين موقفي الرجلين أن سعداً لم يشترك في قتل عثمان، بينما ساهم شيخ الأزهر في (قتل!) مرسي. هذا الكلام خوفاً على مصر،  فقط لا غير.

Sunday, July 7, 2013

بغل أبي فيصل


                                     بغل أبي فيصل
                                                
    (طـريق الطنابر)  درب  ترابية  تنحدر  من  سفح  جبل  قاسيون  متغلغلة  في  أحشاء  غوطة  دمشق ،  وعلى  جانبيها أسوار من الطين  تحمي  المزروعات  من  عبث العابثين  وعيون المتطفلين ، وأشجار جوز  ضخمة  انتصبت  على  الجانبين  مشكلة  بأغصانها  الحانية وأوراقها  اليانعة  سقفاً أخضر أعطى  الطريق  شكل  سوق الحميدية  .

    الوقت  بُعَيْدَ  ظهيرة  يوم  من  أيام  أوائل  الصيف  ،  وموكب  من  عشرات الأطفال يندفع  على  الطريق  الترابية  باتجاه  البساتين. أقدام  الصغار  تثير  الغبار  الناعم،  فترتفع  غلالته  الخانقة  إلى  ما يقرب  من  نصف  قامة  أشجار الجوز  ،  والشمس  قد حَمِيَ  شعاعها،  فاختلط  عرق  الأطفال  اللاهثين  بالغبار  المتناثر  على  وجوههم ، مشكلاً طبقة  من الطين الأصفر  حيناً والأبيض في معظم الأحيان.

      بدت  لي  الشمس ، وأنا  في هذا الجمع  الزاحف  من أبناء  حارتنا ، وكأنها تحاول استجلاء ما يجري  على  هذه  الدرب  الترابية  .  تنجح  أشعتها  أحياناً  في  التسلل  بينهم  حين تتصلب  الأرض  تحت  الأقدام  الصغيرة  ،  فينعدم  الغبار  ،  وتفشل  أحياناً  أخرى  عندما تخترق  أقدام  الجموع  طبقة  من  التراب  الناعم  فتثيره  مشكلة  سحابة  كثيفة  .  نعم  هي الشمس  نفسها  التي  كانت  أمهاتنا  توصينا  أن  نقذف  إليها  بأسناننا  اللبنية  حين  تسقط ، طالبين  منها  أن  تأخذ  منا أسنان الحمير وتعطينا أسنان الغزلان ،  ،  ، نعم هكذا كنا نفكر أيام البراءة .

      جموع  الأطفال  تتراكض  دون  أن  تدري  لماذا ، مع  أنها  كانت تعلم  إلى أين  .  بعض الأولاد  لبس  حذاءً  أو انتعل  صندلاً ،  والبعض  الآخر  لم  يسعفه  الوقت  -  عندما   مر الموكب  من  أمام  بيته  -  فقرر  اللحاق  بالجمع  حافياً، ظاناً  أن  المسافة  لن  تطول ، لكنه، وعندما  طال  المسير، لم  يعد  بإمكانه  الرجوع  لإحضار  حذائه  حتى  لا تفوته فرصة  مرافقة الموكب .

    ولكن  أيُّ  موكب  هذا ؟ . . قلة من الأطفال  - وعلى  الأرجح  من هم في الصفوف الأمامية  فقط - كانت  تعلم  طبيعة  وسبب  هذه  المسيرة  ،  أما  الباقون  فيبدو  أنهم  كانوا  متطوعين  في  مهمة  لا يعرفون  عنها  شيئاً  ،  باستثناء  سماعهم  وقع  خطوات حصان  يسير  في  المقدمة  ،  ساحباً  وراءه  شيئاً  ثقيلاً  ظهرت  أثار  جره  واضحة  على وجه الطريق .

     طال  المسير  -  أو  هكذا  لصغر  سِنِّنا  كنا  نحسب  -  وبدأت  الأعناق  الصغيرة تتلفت  إلى  الخلف  مراقبة  بتوجس  مكبوت  بيوت  الحي  ، الملتصقة  ببراعة على حضن الجبل ، تبتعد  أكثر  فأكثر.  بعض  الأولاد  تخلف  عن  الركب  وآثر  العودة   حتى لا ينشغل  أهله  عليه  فيكون  حسابه  عسيراً  إن  هو  عاد  متأخراً  ،  والبعض  الآخر صمم على الاستمرار في  المسير، رغم  أن  المسافة  بدأت  تتسع  بينه  وبين  مقدمة  الركب  ، فجدّ  للحاق به  .

    عندما  كانت  الطريق  تنحرف  يمنة أو  يسرة،  كانت  أسوار  البساتين  وأغصان أشجار  الجوز  تظلل  رؤوسنا  نحن  الصغار  فنجدُّ  في  المسير  ،  أما  عندما  كانت الطريق  تتوازى  مع  أشعة  الشمس،  فقد  كانت  حرارتها  تلسع  الرؤوس،  فيسيل العرق  على  الجباه  من  جديد ، ويعلو الطين  الوجوه  البريئة  المتعبة ، فيمسحه  الأطفال  بالكم الأيمن  تارة  وبالأيسر  تارة  أخرى ، فتنظف  الوجوه  ولو  مؤقتاً، وتتوسخ  الأكمام  إلى  أن  يحين موعد  غسيلها الأسبوعي  .

     بعد  جهد  وعناء  كبيرين  وصل  الموكب  إلى  بوابة  أحد  البساتين  ،  وانعطف   يميناً عابراً  تحت  قنطرة  لقِدَمِها حَسِبَ  كل  من  مر ّمن  تحتها  أنها  سوف   تسقط   عليه  . توقف الركب  ،  وتوزع  الصغار  يمنة  ويسرة  مشكلين  حلقة  بشرية  ، الآن  شاهد الجميع  الحصان  الذي  كان  يجر  الشيء  الثقيل  . الآن  فقط  علمنا  أن  هذا  الشيء  الثقيل لم  يكن  سوى  جثة  بغل  ضخم  . على  جانب  الحلقة  البشرية  وقف  ثلاثة رجال غرباء  عن  الحي  لم  يتعرف الأولاد على أي منهم ، أما  ذلك  الرجل  الرابع  فقد فوجيء  الجميع  بأنه ( أبو  فيصل )  ، بائع  المحروقات  الوحيد  في  الحي  .

    ( أبو  فيصل  )، رجل  في  خريف  العمر  ،  حنطي  البشرة  ،  طويل  القامة ، أحنت  ظهره  هموم  السنين  ،  عيناه  غائرتان  وأنفه  مستدق  ، لا تسمع  له  صوتاً ، يتكلم  همساً  ويسير  هوناً  ،  طيب  وساذج  إلى  حدّ  يبعث  على  الشفقة  ،  يعمل منذ ما يزيد  على  العشرين  عاماً  في  بيع  المحروقات  إلى  أهل  الحي  : في الصيف   يبيعهم زيت  الكاز  للاستعمالات المنزلية  ،  وفي  الشتاء  يبيعهم  المازوت (  الديزل ) للتدفئة واغتيال البرد. زوجته  عجوز  طيبة  مثله  تصرّ  نساء  الحي  على  أنها  تكبره  بخمس سنوات ،  وابنه شاب  مقعد  أصيب  بالشلل  عندما  كان معنا في الصف  الأول  الابتدائي ، فانقطع  عن  الدراسة ولزم البيت .

    - : ( بغل أبي فيصل مات يا أولاد  ) . صرخ  أحد  الصبية ، فران  على  الجمع  صمت  ثقيلٌ ثقيلْ . الآن وضحت لنا القصة ، وسرت همسات بين الأطفال بأن هذه الكومة  من  اللحم  الموشك على التعفن  ليست  سوى  جثة بغل أبي فيصل .

    كان  بغلاً  ودوداً  كصاحبه  ،  ضخم  الجثة  على  عكسه  ،  بني  لون  الجلد  ، له لطخة  بيضاء  في  جبهته  ،  كثيف  شعر  الرقبة  ،  ولولا  ضخامة  ظاهرة  في  فخذيه لحسبه  الناظر  إليه  حصاناً  أصيلاً ، شهد  أهل  الحيّ   بذكائه  .  كان  لا يكاد  يلمح  زبوناً واقفاً  على  الرصيف  حاملاً  صفيحة  التنك،  حتى  يقف  بعده  بأمتار  قليلة  ،  موازياً الزبون  مع  مؤخرة   عربة  المحروقات  دون  تقديم   أو  تأخير  ،  فيشرع   أبو  فيصل  في تعليق  مكيال  المحروقات  على  الصنبور النحاسي  ويملؤه  بالسائل  ،  ثم  يقلبه   في قمع  كبير  ثبته  على  فتحة  الصفيحة المعدنية   ،  والبغل  واقف  في  مكانه  لا يبرحه  ،  وبمجرد  أن ينتهي  (  أبو  فيصل  )  من  مهمته  ،  وبينما  هو  يقبض  النقود  من  زبونه  ،   يتحرك البغل  دون ما  حاجة  إلى  أية  أوامر  من  صاحبه  ،  ويتقدم  بانتظار  رؤية  زبون  آخر. كان  بغلاً  ذكياً  هادئاً  استمد  دماثة  طبعه  من طبع  صاحبه  العجوز  .

    وسط  الحلقة  كانت  هناك  حفرة  كبيرة  في  الأرض  صممت  بحيث تكفي لابتلاع  جثة  البغل الضخمة  ،  وتحت  أنظارنا نحن  الأطفال، المرتعشين  رهبة  واستغراباً،  دفع  الرجال  الثلاثة جثة  البغل  إلى  الحفرة  بصعوبة  بالغة ، فسقطت  فيها  محدثة  صوتاً  مكتوماً  ،  وعلت سحابة  من  الغبار  حاول  الصغار  إبعادها  بأكفهم  عن  وجوههم  المتعبة  ،  حينذاك سُمِعَت  شهقات  من  بعض  الصبية  الواقفين  في  الصف  الأول  من الحلقة  البشرية  ، أعقبتها  دموع   غزيرة  تناثرت  من  أعين  الجميع  تأثراً  بهذا  المشهد  الحزين. كان بغل أبي فيصل جزءاً أصيلاً من معالم حارتنا، فكيف لا نبكي عليه؟. بحرقة  بكى الجميع  دون  استثناء، وحده ( أبو  فيصل )  لم  تسقط  من عينيه ولو دمعة  واحدة  ،  وبدا  وكأن دموعه  قد  تراجعت  إلى  داخل  مقلتيه  ،  وانحدرت  إلى  حلقه  فابتلعها  بتجمُّلٍ  واضح . 
   
    كان  قلب ( أبي  فيصل ) يعتصر  ألماً  ،  فموت  بغله  يعني  انقطاع  دخله، ذاك الذي لم  يكن يكفي  لتسديد  نفقات  معيشته  وثمن  دواء  ابنه  ،  وبدون  البغل  لن  يأتيه  دخل  ،  وليس في  اليد  من  المال  ما  يمكنه  من  شراء  بغل  جديد ،  والأرجح  أنه  لم  يحتط  لهذه الحالة  ،  حيث   لم  يخطر  على  باله  قط  أن  يموت  بغلُه  قبله   ،  ويبدو  أن   الدموع التي انهمرت من  عيون  الأطفال  -  والتي  كان  أبو  فيصل  يرقبها  باستغراب  وسعادة  مكتومة  - قد خففت  ، إلى حدٍّ ما ، من  مصابه  في  بغله .
                
    بدأ  الرجال  الثلاثة  في  إهالة  التراب  على  جثة   البغل ،  وما  أن  صرخ  أحدهم طالباً  المساعدة  حتى  بدأنا  جرف  التراب  بأصابعنا  الصغيرة  وأظافرنا  الطرية، وما هي إلاّ  دقائق  حتى  كانت  الحفرة  قد  رُدِمَت  تماماً،  وبدأ  الجمع  بالانسحاب  التدريجي   من  السّاحة  الحزينة  .
  
    بعد أن  قفل  الجمع  عائداً  إلى  الحيّ ،  وبينما  اختفت  الشمس  خلف  جبل قاسيون مخلفة  وراءها  شفقاً أحمر - أضفى  على المشهد  جلالاً  ومهابة  بحجم  مصاب  صاحب  البغل - لم  يبق  عند  الحفرة  سوى  أبو  فيصل  وقد أشعل  سيجارة  أخذ  منها  نفساً  عميقاً  ،  واضعاً  يده  في  جيبه  ،  مطرقاً  في   يأس واضح    .
     
    مضى فصل الصيف، وحلّ فصل الخريف وبعده الشتاء،  وجاء  معه  موسم  بيع  المازوت وأبو فيصل  لم  يظهر  بعد  .  إشاعات سرت  في  الحي  تقول  بأنه  ذهب  إلى  ابن عم له في سهول ( حوران )  لكي يحصل  منه  على بغل   جديد،  وانقطعت  أخباره  هناك . 
بعد  سنوات  ،  وعندما  شارفنا  على  الانتهاء  من  مرحلة  الدراسة  المتوسطة  ، جاءت  الأخبار  بأن  أبا  فيصل  كان  قد  توفي   في  مستشفى  المواساة  منذ  سنتين  - بعد بغله  بأشهر ، وربما  كمداً  عليه  -   ،  ولما  لم  تكن  عائلته   تملك  من  المال ما يكفي  لدفع  نفقات  جنازته  ،  فقد  تبرعت  بجثته  إلى  قسم  التشريح  في  كلية  الطب .

           معظم  أولاد  حيِّنا، الذين  شاركوا  في  جنازة  بغل  أبي  فيصل،  يعرفون  موقع  دفن جثة البغل  ، أما أبو  فيصل،  فلم  تُقَمْ أية مراسم  دفن  ،  ولا يعرف  أحدٌ  له  قبراً  حتى الآن .
                                    
                                                       

A tour in the swamps of River Mississippi,Louisiana State, USA جولة في مستنقعات حوض الميسيسيبي - ولاية لويزيانا - الولايات المتحدة



















Saturday, July 6, 2013

كوميديا سوداء

أليست كوميديا سوداء أنه عشية تبرئة معظم رموز مبارك، كنز إسرائيل الاستراتيجي، صاحب 30 سنة أخطاء وجرائم، يعتقل رئيس مصر المنتخب محمد مرسي؟. لا مشكلة، الكوميديا السوداء تصبغ التاريخ العربي المعاصر اللا مجيد، أما تكليف البرادعي - الموظف السابق في الإدارة الأمريكية بمنصب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية - بتشكيل الوزارة المصرية، فهو من أبرز ملامح هذه الكوميديا البائسة. كل ذلك يشي بأن هناك اختلالاً عقلياً لدى القيادة المصرية الجديدة.

Friday, July 5, 2013

استنتاجات خنفشارية، من المظاهرات المليونية

استنتاجات خنفشارية، من المظاهرات المليونية
المظاهرات المليونية التي سبقت الإطاحة بحكم الإخوان في مصر، يقرؤها الخبراء والمختصون، ويستنتجون منها ما يستنتجون، كل حسب تخصصه واهتمامه، وحسب ما يرون ويرتأون:
1- علماء الاقتصاد يتحققون من صدق إحصائياتهم حول نسبة البطالة المرتفعة بين جماهير الشعب المصري، كدليل على إنجاز الرئيس المزري، (مع أن المسكين لم يكد يفرح بها). (الرئيس المعزول رد بالقول بأن تعلم قيادة السيارة ربما يحتاج عاماً كاملاً لإتقانه، فكيف بقيادة مصر)!.
2- علماء الاجتماع يستنتجون، من ضخامة أعداد المتظاهرين والمتظاهرات، تفكك العلاقات الأسرية في مصر بين المتزوجين والمتزوجات، بحيث (طفش) معظم الأزواج من زوجاتهم، وطفشت معظم النساء من أزواجهن، وخرج الجميع إلى الميادين العامة قصراً للشر، وحرصاً على مستقبل مصر!.
3- هواة التصوير استطاعوا التقاط صور يستحيل التقاطها في أي مكان آخر، إلا في مكة أيام الحج!.، فكيف وأن معظم هؤلاء من الإخوة الأقباط.
4- العانسات خرجن بالملايين، للتفتيش عن عريس بين المتظاهرين ، حتى ولو كان عريس غفلة، والعانسون خرجوا بالملايين، للتفتيش عن عروس بين المتظاهرين، حتى ولو كانت عروسة المولد، والطرفان اجتمعا في الميدان، بذريعة الإطاحة بحكم الإخوان!.
5- العاشقون والعاشقات حصلوا على بطاقة خضراء للقاءٍ حميم سريع، ليس لساعات، بل لأيام، أو حتى أسابيع، بحجة أن إسقاط النظام يقتضي المشاركة من الجميع!.
6-  الباعة المتجولون الذين كانوا على الحديدة، راجت بضائعهم بشكل تمنوا معه لو تستمر المظاهرات لسنوات عديدة، بحجة الحرص على مستقبل مصر المحروسة، وبدأوا بالتفكير، منذ الآن، في كيفية تهييج الجماهير ضد النظام القادم بثورة مدروسة.!.أليس التغيير هو سنة الحياة؟!.
7- علماء المناخ استنتجوا أن درجات الحرارة كانت معقولة، بدليل وجود ملايين المصريين تحت أشعة الشمس لعدة أيام، رغم الفوضى وشدة الزحام، من أجل اجتذاب أكبر عدد من السياح، كي ينمو الاقتصاد المصري ويرتاح!.
8- مكاتب السياحة استغلت المناسبة لدعوة السياح من كافة أنحاء العالم للتعرف على نصف الشعب المصري في يوم واحد، والتقاط الصور التذكارية معهم، بل ومصافحتهم فرداً فرداً، تبرُّكاً بعظمة الشعب المصري!.
9- مروجو المخدرات راجت تجارتهم، فجنوا الأرباح الطائلة، خاصة لعدم وجود رجال أمن داخل الحشود المليونية، حرصاً على تكييف! المتظاهرين، من أجل صمود أطول، وإنقاذاً لمصر، في سبيل غدٍ أفضل!.
10-  مراسلو وكالات الأنباء العالمية والفضائيات، حصلوا على ساعات عمل إضافية بالمئات، لم يكونوا ليحلموا بها لولا هذه الانتفاضة المباركة، والرزق على الله!.
11- البلطجية بدأوا يحصلون على أجورهم بالساعة، وذلك نظراً لصعوبة العمل بين الحشود المليونية، بعد أن كانوا يحصلون عليها أيام مبارك باليومية!.
12- ضباط وجنود الجيش المصري وجدوا أن مواجهة المظاهرات المؤيدة لمرسي أسهل وأقل خطراً من مواجهة الجيش الإسرائيلي، حرصاً على حياتهم، من أجل السهر على رعاية أولادهم!.
13- أنا شخصياً استنتجت جميع ما ورد أعلاه، بحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه!.

5 يوليو 2013