Monday, October 27, 2014

جاري صاحب الكيف يكشف سر داعش

جاري صاحب الكيف يكشف سر داعش 
اشتركت معه في رحلة جماعية إلى مصر، وفي القاهرة قصدنا ذات بعد ظهيرة واحداً من أشهر معالمها: مسجد سيدنا الحسين، يقابله على الناحية الأخرى من الشارع الجامع الأزهرالذي يتجاوز عمره الألف عام. بعد أداء صلاة العصر في مسجد الحسين، كان لا بد من اكتساء كوب من الكركديه في واحد من أشهر المقاهي في العالم العربي: مقهى الفيشاوي المجاور لمسجد سيدنا الحسين، والذي يعتبر الملتقى المفضل لأدباء وفناني مصر. بعد أن اتخذنا مقعدينا، ذهب جاري إلى نادل المقهى، وتحادث الرجلان برهة من الزمن، ورأيت النادل يشير بيده كأنما يدل صاحبي على مكان ما سأل عنه، فلم أكترث للأمر، وانشغلت بتحريك كأس الكركديه الذي كان النادل قد أحضره لي قبل لحظات. استأذنني جاري  للغياب بضع دقائق، فاعتقدت أنه داخل إلى خان الخليلي القريب من المقهى لشراء بعض الهدايا التذكارية لعائلته وأصدقائه، فأذنت له. بعد فترة من الزمن طالت، إذا به يهل علي فجأة ويجلس متهالكاً على الكرسي المجاور، وبعد أن أخذ نفساً عميقاً وجفف عرقه، أخرج من جيبه قطعة من منديل ورقي يبدو أن شيئاً ما قد لف فيها على عَجَل،،، فتح اللفافة وأخرج منها قطعة حشيشة (لم أعرف أنها حشيشة قبل أن يدسها في رأس الأرجيلة فيما بعد)، وقبل أن أصرخ في وجهه، تأفف بضيق كأنما أصابه مس من الحنق قائلاً:
-         يا أخي والله لا أعرف كيف يستطيع الناس الفقراء العيش في هذه البلاد مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني،،، تصور: كنت أشتري قرش الحشيش هذا منذ عشرين عاماً بخمسة جنيهات، والآن أصبح سعره خمسة عشر جنيهاً، قل لي بالله عليك: ماذا يفعل الحشاشون أمثالي إن استبد بهم وازع الكيف؟، ومن أين لهم بشراء هذه السلعة الحيوية مع انخفاض دخولهم؟.
شعرت وكأن الرجل كان يمازحني أو ربما يستهزيء بي، فقد كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها الحشيشة ، إذ أنه عندما طلب الأرجيلة من الكرسون، ودس القطعة في رأسها، تأكدت من أنه يمارس إدمانه المعهود، وبعد سحبه عدة شفطات من خرطوم الأرجيلة ونفثِ دخانها في جو المقهى، قال بجدية مطلقة:
-        هل تعلم إلى أين ذهبتُ الليلة الماضية؟.
-        ولا إلى مكان، لقد نمنا سوية في نفس الغرفة حوالي الساعة العاشرة.
-        قال بنفس الجدية: هكذا تظن بسذاجتك المعهودة، لكنني في الواقع  لم أنم كما تظن، بل ذهبت إلى قصر الاتحادية مقر رئيس الجمهورية.
ضحكت من كل قلبي حتى كدت أن أسقط عن الكرسي، لكنه تابع دون الالتفات إلى قهقهتي.
-        نعم، ذهبت إلى مقر سكن رئيس الجمهورية، وخذ عندك هذا السر: الأمر الذي لا تعرفه أنت وباقي المجموعة التي جئنا معها أنني جئت معكم في هذه الرحلة الجماعية  كتغطية على استدعاء من جهاز المخابرات، وهم الذين جاؤوا إلى الفندق حوالي الساعة الحادية عشر ليلاً بينما أنت نائم، واصطحبوني إلى منزل الرئيس، وقد استقبلني سيادته بحفاوة بالغة، وقابلني وهو في ملابس النوم رفعاً للتكليف، وجلسنا ندردش بشكل ودي حتى ساعة متأخرة من الليل، وعندما أتيت إلى الفندق بعد أن أوصلتني سيارة الرئاسة، كنت أنت تغط في نوم عميق.
توقفت عن الضحك استعداداً لسماع قصة خيالية يختلقها كالعادة، وسألته بتهكم واضح.
-        ها، وهل كان اللقاء مثمراً وبناءً؟.
-        قال بتباه بعد أن نفخ الدخان ورشف من فنجان قهوته: هل تذكر قصتي مع الخليفة البغدادي التي حدثتك عنها سابقاً، وموضوع الخارطة التي رسمتها له وكادت تودي بحياتي؟.
-        قلت: نعم، وهل هي قصة تنسى، ولكن ما علاقة ذلك بمقابلتك مع الرئيس؟.
-        قال: يا أخي، والله العظيم لا يملك الإنسان سوى الإعجاب بجهاز المخابرات في هذا البلد، فلا أدري كيف علموا بقصتي مع البغدادي والخارطة التي رسمتها له وليست عليها حدود بين الشام والعراق، فاتصلوا بي ناقلين لي رغبة الرئيس بمقابلتي.
شعرت أن اللحظة مناسبة لسماع قصة خيالية أنقلها إلى قرائي، فشجعته على متابعة روايته، فقال:
-        تعلم أن الرئيس الحالي هنا يتباهى بأنه جمال عبد الناصر الثاني، ولذلك فقد درس بالتفصيل حياة الرئيس الراحل، والمتاعب التي واجهها من قِبَلِ بعض الحكام العرب، وخاصة قضية خيانة بعض الضباط له عندما قاموا بانقلاب فصموا به عرى الوحدة المصرية السورية عام 61، ومن ملاحظات عبد الناصر على أسباب فشل الوحدة، والتي درسها الرئيس الحالي باهتمام وتحليل عميقين، تبين للسيد الرئيس أنه لو كانت الوحدة قد قامت بين مصر من جهة، وبلاد الشام والعراق الموحدة من جهة ثانية، لما كان بإمكان ثلة من الضباط اغتيال الوحدة السورية المصرية، وبما أنه وحدوي كالرئيس الراحل الذي يتشبه به، لذا طلب من أجهزته الأمنية والاستخباراتية التمهيد لذلك، وذلك بتكوين مجموعات مسلحة من بقايا الجيش العراقي السابق والمنشقين من قيادات وجنود الجيش السوري، وبقيادة أبي بكر البغدادي، تقوم بإزالة الحدود بين العراق والشام، وضمهما كدولة واحدة تمهيداً لقيام الوحدة بين مصر من جهة، والشام والعراق من جهة ثانية، وبما أن الرئيس كان قد سمع من أجهزته الاستخباراتية عن الخريطة التي رسمتها للخليفة البغدادي دام ظله، فقد استدعاني من أجل تقديم بعض النصح والإرشاد بما يخدم هذه القضية.
-        قلت له مستهزئاً: حتى الآن هذا الفيلم محبوك بشكل جيد، لكن هل عندك دليل يقنعني ويقنع القراء بصدق روايتك؟.
اقترب مني أكثر، وأخرج من جيبه ورقة وقلماً،،، نظر حوله يمنة ويسرة وقال هامساً:
-        اكتب لو سمحت الأحرف الأولى المختصرة لاسم تنظيم "داعش" باللغة الإنكليزية.
كتبت على الورقة ISIS. نظر فيها وكأنه قد اصطادني محاولاً إحراجي وقال:
-        والآن اكتب تلك الأحرف، ولكن بشكل معكوس.

كتبت على الورقة دون أن أنتبه SISI ، عندها ضرب المسطول على الطاولة بيده صائحاً بصوت دوى في أرجاء المقهى: هل رأيت؟ (سيسي)، وقبل أن يكمل صاحبنا صياحه، إذ برجلين ضخمين كل منهما بحجم عِجْلٍ كانا يجلسان في زاوية المقهى، يحملانه مع الكرسي الذي كان يجلس عليه، ويقذفانه في جوف سيارة انطلقت به لا أدري إلى أين.

Friday, October 24, 2014

(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)

في الوقت الذي يتجه فيه العالم إلى تكوين وحدات سياسية لا يجمعها دين أو لغة أو عرق بل تجمعها المصلحة، يقوم المتظاهرون في عدن، وبعد أدائهم صلاة الجمعة!!! بمظاهرات تطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله. يبدو أن هؤلاء المصلين المسلمين! لم يسمعوا بالآية الكريمة (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، وسنبقى نردد بأن سبب تخلفنا هما الاستعمار والصهيونية، بينما الواقع أن تخلفنا يأتي من داخلنا. أمتنا لم تخرج من متن التاريخ فحسب، بل خرجت من حاشيته أيضاً. 

Wednesday, October 22, 2014

روديو أنغولا

روديو أنغولا
وأنا جالس على مدرج حلبة الروديو، كان نظري يراوح بين مشهدين: واحد أمامي أتمعن فيه، والآخر في الذاكرة أحاول أن أستدعيه. الذي أمامي هو سيارة إسعاف في "سجن أنغولا"، مفتوح بابها الخلفي، والنقالة مبسوطة أمامه مع طاقم طبي متأهب استعداداً لنقل أي مصاب، أما الذي في الذاكرة، فهو مشهد عربة تجرها أربعة خيول مطهمة، تدخل من بوابة حلبة مصارعة الثيران في "مدريد" لكي تجر إلى خارج الحلبة ثوراً قتل للتو طعناً بسيف مصارع. العربة الأولى مخصصة لمساعدة رجل قد يصيبه أذى، والثانية مخصصة لنقل ثور قتيل.
عندما دعاني إلى مرافقته لحضور عرض للروديو في أنغولا، اعتقدت بأن صديقي هذا مخبول يغامر بالذهاب إلى أفريقيا دون أن يكترث بخطر انتشار وباء إيبولا، فلفتُّ نظره إلى أنه ذاهب إلى الموت بقدميه، غير أنه قابل  تحفظي بضحكة مجلجلة: أنغولا يا صديقي اسم سجن في ولاية لويزيانا، يبعد عن خليج المكسيك شمالاً مسيرة حوالي ساعتين بالسيارة، وقد أطلق عليه هذا الاسم لأن معظم السود الذين استقدموا كعبيد للعمل هذه المنطقة كانوا من أنغولا الأفريقية. حَرَمُ السجن عبارة عن ثمانية عشر هكتاراً من الأرض المنبسطة، تغطيها طبقة من عشب أخضر يانع، وعليها تقوم مرافق السجن من مبانٍ للسجناء، وملاعب رياضية، وورش للحرف اليدوية من نجارة وصياغة، إلى جانب مسرح للنشاطات الفنية بأنواعها كالموسيقى والتمثيل والخطابة، وكذلك مساكن ومرافق لعائلات الموظفين (عدد السجناء حوالي 6300 سجين، وعدد الموظفين حوالي 1800 عنصر، أي بواقع عنصر لكل أربعة سجناء تقريباً)، تحيط بالسجن – كباقي سجون الدنيا -  أسلاك شائكة وأبراج عالية للمراقبة ، ويحده نهر الميسيسيبي من جهات ثلاث، أما من الجهة الشرقية فتحده أراضي ولاية الميسيسبي، وقد بدأ استخدام مرافق هذه الأرض كسجن للمحكوم عليهم في هذه الولاية منذ عام 1901، وبعد احتجاجات واسعة على سوء معاملة السجناء، وبحصول السود على حقوقهم المدنية – إذ أن غالبية السجناء منهم - ، تغيرت معاملة إدارة السجن لنزلائه، فبدأت تقيم لهم أنشطة رياضية وفنية ومهنية، وتقدم لهم برامج تعليمية وتربوية، حتى أنه أصبح للسجن الآن قناة تلفزيونية ومحطة إذاعة محلية ومجلة تصدر كل شهرين، جميع تلك الأنشطة يقوم بها السجناء أنفسهم. غير أن اللطيف في الأمر أن سجن أنغولا هذا كان قد بدأ منذ العام 1964، وفي أيام الأحد في شهر أكتوبر من كل سنة، بإقامة واحد من أشهر عروض الروديو في الولايات المتحدة، وهي الرياضة – إن جازت تسميتها رياضة – التي يقوم فيها اللاعبون بامتطاء الخيول والثيران الغير المروضة، وكذلك استعراض مهاراتهم في صيد العجول وتكتيفها، إلى غيرها من مسابقات الفروسية والعروض الهزلية، ويحضر هواة مشاهدة هذه الرياضة من جميع الولايات الأمريكية، وربما من الخارج أيضاً. هنا على مدرج هذه الحلبة أجلس متأملاً سيارة الاسعاف التي تستعد بطاقمها لإسعاف من قد يصيبه مكروه من اللاعبين نتيجة سقوطه عن ظهر حصان أو جرحه بقرن ثور، مع أن اللاعبين يرتدون أثناء قيامهم بالألعاب سترات واقية، وخوذات على الرأس تحميهم من أي أذى قد يصيبهم، والذي إن حصل، فسيتم إسعاف المصاب به خلال لحظات.
لكن الألطف في الموضوع أن معظم المشاركين في هذا النشاط – إن لم يكونوا جميعهم - هم السجناء أنفسهم، وقد ارتدوا بدلات السجن المميزة بخطوطها البيضاء والسوداء، والتي تحمل أسماءهم وأرقامهم على ظهورهم، وبين الجمهور الذي يصل عدده إلى عشرة آلاف متفرج، يجلس أقارب هؤلاء السجناء، يشاهدون أحباءهم من المساجين وهم يلهون ويضحكون أثناء ممارسة هذه الألعاب الممتعة،،، يشجعون أحدهم عندما يمكث فترة طويلة على ظهر ثور أو حصان هائج، أو يهتفون لآخر تمكن من بطح ثور وإمساكه من قرونه، وكذلك التصفيق بحرارة لمن يفشل في محاولته، تشجيعاً له ورفعاً لمعنوياته، وحراس السجن من ضباط وأفراد يمازحون اللاعبين من المساجين ويختلطون بهم اختلاط الصديق بصديقه دون تمييز بين سجين وحارسه،،، هو مهرجان من مشاعر المحبة والتعاطف والإلفة يستدعي دموع الفرح والإعجاب، قل أن ترى نظيراً له في غير هذا المكان. خارج الحلبة وعلى محيطها اصطفت عشرات المطاعم والمحلات التي يقوم بالإشراف عليها السجناء أنفسهم، وفيها يبيعون المأكولات والمشروبات، إلى جانب عدد هائل من المصنوعات الخشبية من كراسٍ وطاولات وقطع أثاث مختلفة، وقطع حلي صنعت من الفضة أو سواها من المعادن، إلى جانب لوحات ورسومات رغم بدائيتها، إلا أنها تعبر عن مكنونات السجناء، خاصة توقهم إلى الحرية وشوقهم إلى الأحبة، وفرق لموسيقى الجاز أو البلوز تعزف وتغني أغانٍ تثير إعجاب الزوار، فيصفقون للفنانين المساجين بحرارة منقطعة النظير،،، جميع هذه المشغولات والمحلات والمهرجانات الموسيقية تتربع على مساحة هائلة من الأرض المحيطة بحلبة الروديو، يتجول فيها الزوار بالآلاف قبل وبعد عرض الروديو، ويدفعون فيها عشرات آلاف الدولارات ثمناً لما قد يشترونه طعام ومشروبات، أو مما صنعه السجناء في الورش الملحقة بالسجن، أما ريع المهرجان (والذي قدر في العام الماضي بأربعمئة وخمسين ألف دولار) فيذهب إلى صندوق تعليم ورعاية السجناء، والإنفاق على تحسين ظروف معيشتهم داخل السجن.
كان واحداً من أجمل الأيام في حياتي، هذا الذي قضيته في ذلك السجن!، ليس لما فيه من بهاء الطقس والاستمتاع بمشاهدة هذا المهرجان الرائع، بل للتعرف على ما يمكن للعقل البشري أن يفعله في سبيل تحسين وتطوير الحياة الإنسانية، خاصة بالنسبة للسجناء، ولا يملك الذهن سوى الشرود إلى الحالة البائسة  في سجون البلاد العربية والعالم الثالث، حيث ليست للسجين أية حقوق أو قيمة إنسانية تذكر، ناهيك عن التعذيب لانتزاع الاعترافات، خاصة من المساجين السياسيين، – هذا إن حفظت حياة السجين من الهلاك على أيدي سجانيه -، حيث يعتبر من يدخل تلك السجون مفقوداً، ومن يخرج منها مولوداً.
هناك، في إسبانيا، يفتك المصارع بالثور، فتجر الخيول الثور القتيل خارجها، وهنا في أمريكا، لا تصاب الخيول والثيران بأي أذى، بل يقف رجال الإسعاف على قدم وساق استعداداً لإسعاف أي مصاب،،، حتى ولو كان سجيناً،،، هما عالمان مختلفان: عالم قديم، وعالم جديد.



Friday, October 17, 2014

جاري صاحب الكيف ينضم إلى مشاة البحرية

جاري صاحب الكيف ينضم إلى مشاة البحرية 
ذات مساء بحثت عنه فلم أجده، فقد مضى أسبوع دون أن أراه في مقهى الحي الذي يجمعني به كل مساء. سألت عنه بعض الأصدقاء، فقالوا بأنه أرسل إليهم رسالة نصية من هاتفه الجوال يقول فيها أنه انضم إلى مشاة البحرية. ضربت كفاً بكف، فكيف ترك  هذا المسطول عائلته وانضم إلى فرقة أمريكية ربما يصدر إليها الأمر بالقتال في بلاد العرب والمسلمين، فهل سيقتل إخوانه في الدين والعروبة؟، والأهم من ذلك: كيف قبلوا هم بانضمامه إلى هذا الفصيل من الجيش الأمريكي وهو المواطن العربي الذي ليس لديه خبرة قتالية، ولا حتى إقامة مؤقتة في الولايات المتحدة؟. هنا بدأت الوساوس تراودني من أنه ربما كان جاسوساً يعمل لصالح المخابرات المركزية أو الإف بي آي أو أي جهاز أمريكي أمني آخر؟، ولكن هل يعقل أنهم كانوا غافلين عن إدمانه الذي أوصله إلى حد الهبل؟، لا، هذا مستحيل، بل الأرجح أنه كان يمثل علينا، نحن أصدقاؤه، دور المدمن حتى يغطي على عمله القذر؟، فهل يمكن أن يكون قد نقل عنا معلومات إلى أسياده؟، وهل يمكن أن تتسبب لنا تلك المعلومات بأي أذى من قبل حكوماتنا العميلة لأمريكا، تلك التي استقبلت المعتقلين الذين أرسلتهم أمريكا إليهم لاستجوابهم تحت التعذيب والإكراه؟، ومع أننا نعرف أنفسنا أبرياء، بل جبناء، من الخوض في أية أحاديث سياسية حساسة على قاعدة (إن الحيطان لها آذان)، ألا يمكن أن يكون هذا الوغد قد زور علينا ما يحلو له لكي يحصل على المال ورضى أسياده ومشغليه؟. مليون فكرة سلبية طرأت على بالي قبل أن أراه صبيحة اليوم التالي. سألته بتردد وخوف واضحين: تردد خشية أن يغضب عليّ، وتودد كسباً لرضاه حتى لا يورطني فيما يمكن أن يؤذيني:
-        افتقدتك بالأمس يا رفيق العمر، فسألت عنك بعض الأصدقاء، فقالوا بأنك انضممت إلى مشاة البحرية، مبروك، لكن هل هذا الخبر صحيح؟.
-        قال: طبعاً صحيح.
 هنا أدركت بأن جميع وساوسي كانت في محلها، فبدأت أحسب ألف حساب أن يأتيني زوار الفجر قبل الفجر بكثير، ثم يصطحبوني بالقوة إلى مركز التحقيق، حيث سأُواجه بتهم اختلقها هذا الأفاك الخائن، الذي اعتقدنا أنه حشاش، فإذا به جاسوس قذر، يتظاهر بالهبل والسذاجة، لكنه أثبت أنه أذكى منا جميعاً نحن أصدقاؤه البلهاء الذين كنا نسخر منه، فإذا به يسخر منا الآن، ويكاد أن يودي بنا في ستين داهية .
 لكنني فوجئت به يتابع:
-        فقد شعرت بأن وزني قد زاد كثيراً في الآونة الأخيرة، فقررت الانضمام إلى مجموعة من أمثالي الذين يريدون إنقاص وزنهم، وقررنا أن نمشي كل يوم خمسة كيلومترات على شاطيء البحر، لذا، ولكي ترتفع معنوياتنا ونثابر على المشي يومياً، فقد بحثنا عن اسم يحمل معاني الشجاعة والإصرار على تحقيق الهدف، فأطلقنا على مجموعتنا اسم (مشاة البحرية) تشبهاً بها في الشجاعة والتصميم، فهل في ذلك أي مشكل؟.
-        قلت له بعصبية وقد تجرأت عليه: ولماذا يا محترم لم ترسل لي نفس الرسالة النصية التي أرسلتها إلى باقي أفراد الشلة؟.
-        قال الخبيث وكأنه يقرأ أفكاري: ببساطة، لأنني أعرفك شكاكاً في جميع تصرفاتي، فلربما اعتبرتني أتظاهر بأنني صاحب كيف، بينما في الحقيقة أعمل جاسوساً أو عميلاً لجهة استخباراتية أمريكية، أو أنني سأقاتل إلى جانب مشاة البحرية الأمريكية ضد العرب والمسلمين، أليس كذلك؟.
-        قلت متلعثماً وأنا أتنفس الصعداء: (لا لا، أبداً. قل لي لو سمحت: من هم أفراد فرقتكم؟، كم عددهم؟، وأين تمشون كل يوم؟، وما هو الوقت المفضل لديكم للمشي؟، وكم ساعة تمشون؟)، وقبل أن أتابع قاطعني قائلاً:
-        بعد كل هذه الأسئلة، من هو عميل المخابرات؟، أنا أم أنت؟، وألا يحق لي أن أسألك بدوري: لصالح من تعمل، لحساب فرع المخابرات الجوية؟، أم لفرع فلسطين؟، أم لفرع 298؟، أم لأي فرع أمني آخر؟.
قلت له، وقد شعرت أنه قد ضبطني مشتبهاً بي: لا والله ولا شيء من ذلك، بل لأنني أرغب في الانضمام إلى فرقتكم، فرقة (مشاة البحرية).     

Saturday, October 11, 2014

جائرة نوبل للسلام

منحت جائرة نوبل للسلام جائزتها للسلام هذا العام للفتاة الأفغانية (ملالا)، التي منعتها طالبان من متابعة تعليمها. أتساءل: لماذا لم تذهب جائزة السلام هذه إلى تلك السيدة الفلسطينية من غزة، والتي قتل جميع أفراد أسرتها من أبناء وأحفاد في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، ومع ذلك قالت: (أريد أن أعيش بسلام حتى مع الذين قتلوا أسرتي بالكامل). يبدو أننا نعيش في عالم غبي، بما فيه لجنة نوبل للسلام.

Wednesday, October 8, 2014

تمخض الجمل فولد فأراً

تقلبات السياسة والزمن لا يمكن لأحد المراهنة عليها، فمن ذا الذي كان يتصور أن القوات الجوية الإماراتية سوف تساند بقوة عمليات القوة الجوية الأمريكية وحلف الأطلسي في سماء سوريا. يذكرني ذلك بأمير البحرين الشيخ عيسى بن حمد آل خليفة عندما زار الولايات المتحدة في عهد الرئيس ريغان، ولا أنسى كيف انتفخ سمو الأمير عندما سمع الرئيس الأمريكي يقول: (إن التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة والبحرين إلخ....). هذه الأيام ينتفخ شيوخ أمارة الدعارة وغسيل الأموال عندما يعتذر إليهم وزير الخارجية الأمريكي عما ادعاه (زلة لسان)، وكذلك عندما تقوم طائراتهم بقصف مواقع في سوريا، لكن الكذبة الكبرى التي لم ينتبه إليها أحد، أن ما يسمى (طائرات الإمارات العربية المتحدة) ما هي إلا طائرات فرنسية، بطيارين فرنسيين، وإنما رسم علم الإمارات على ذيلها، فأصبحت إماراتية، فهل نسينا أن في دولة الإمارات قاعدة فرنسية؟. وقديماً قيل في المثل (تمخض الجمل فولد فأراً)، والخوف على هؤلاء المساكين في الإمارات أن ينتفخوا كالضفضع التي أرادت أن تصبح بحجم البقرة، فانفجرت.

Tuesday, October 7, 2014

التخبط هو الصفة الأبرز للسياسة السعودية

يبدو التخبط واضحاً في السياسة السعودية تجاه جميع قضايا المنطقة، وقصر النظر فيها لا تخطئه عين، فالنفوذ الحوثي في اليمن سوف يعقبه تمدد للنفوذ الإيراني في البحرين وربما في الكويت، وعندي أن السعوديين يعتقدون أنهم بأموالهم الطائلة يستطيعون استئجار البندقية من الغرب، واستئجار من يحملها من دول الجوار ذات الفائض السكاني كمصر، وما تأييد السعودية ودول الخليج عموماً - لأنها تابعة للسعودية - تأييدها للانقلاب في مصر، سوى التمهيد للاستعانة بالجيش المصري الواقع في قبضة السيسي، والذي يحكم مصر حكماً فردياً مطلقاً بدون مجلس للشعب. هي من مفارقات السياسة، فبعد أن حارب الجيش المصري السعودية انطلاقاً من اليمن في ستينيات القرن الماضي، سوف يحارب نفس الجيش اليمن انطلاقاً من السعودية في المستقبل القريب من القرن الحالي، والأيام حبلى يلدن كل عجيب.

Friday, October 3, 2014

جاري صاحب الكيف: علاقة آثمة مع الخليفة البغدادي

 جاري صاحب الكيف: علاقة آثمة مع الخليفة البغدادي 
بعد غيبة طالت أكثر من شهر، لمحت جاري صاحب الكيف يجلس في المقهى الذي اعتدنا أن نلتقي فيه، فاقتربت منه محيياً متسائلاً عن سبب غيبته الطويلة تلك، وبعد أن سحب نفساً عميقاً، قال مع ابتسامة غمرت وجهه:
-        ولا شيء، كنت في ضيافة فرع المخابرات المحلي لبضعة أيام.
-        قلت: وتضحك أيضاً؟.
-        قال: اسمع القصة من الأول إلى الآخر، وبعدها ستعرف لماذا أضحك. هل تعرف أن أبا بكر البغدادي، خليفة المسلمين دام ظله، قد اتصل بي؟.
وقبل أن يكمل جملته، أطبقت بكفيَّ على فمه كما يطبق فكا الأسد على عنق الفريسة: يخرب بيتك، وطّي صوتك، ألا تعلم أن الرجل مطلوب من جميع أجهزة المخابرات في العالم؟، هل تريد أن تلقي بنا وراء الشمس؟.
أزاح يدي عن وجهه، وتابع بثقة:
-        نظراً لخدمتي الطويلة في دائرة المساحة في وزارة التخطيط، فقد اتصل بي الخليفة، نصره الله، طالباً مني أن أرسم له خارطة بلاد الشام والعراق بطريقة فذة لكي يعممها على جميع الدول والأمم المتحدة. وبينما كنت جالساً هنا في هذه المقهى، رسمت له ما طلب وزيادة، فلم أمسح الحدود بين العراق والشام فقط كما اقترح سابقاً، بل مسحت الحدود بين بلاد الشام الأربعة كذلك، فظهرت على الخارطة دولة تمتد حدودها من شاطيء البحر المتوسط غرباً إلى حدود إيران والخليج العربي شرقاً، غير أنني لم أنتبه إلى أن جرسون المقهى كان يتلصص علي ويراقب ما أرسم، وما هي إلا دقائق معدودات حتى وجدتني مرفوعاً عن الأرض عدة سنتيمترات بقبضتي رجلين كأن كلاً منهما أبو الهول في ضخامته،،، ألقوا بي في صندوق سيارة، ومنه في زنزانة إنفرادية تحت الأرض.
-        قلت: والله تستاهل قطع رأسك،،، هل أنت مجنون لكي تقيم علاقة مع مجرم مثل البغدادي رأسه مطلوبة من جميع دول العالم حياً أو ميتاً؟.
-        قال: لا تستعجل الأمور، واستمع إلى تتمة القصة. مكثت في الزنزانة أسبوعاً كاملاً دون أن يستدعيني رئيس الفرع لأنه كان مشغولاً بالتحقيق مع بعض المعتقلين، وخلال هذه الفترة انتبهت إلى حجم الجريمة التي ارتكبتها، فسارعت إلى إدخال تعديلات هامة على الخارطة. في نهاية الأسبوع استدعاني المدير، فوقفت أمامه واثقاً من براءتي، فسألني عن موضوع الخارطة التي قمت برسمها، فأجبته بثقة مطلقة: وماذا في ذلك ياسيدي؟، فهي الخارطة التي يجب أن تكون عليها دول المنطقة، والتي يفضلها جميع الرؤساء ووزراء الداخلية والخارجية في العالم بأسره. طلب مني المدير أن أعطيه الخريطة،،، أخرجتها من جيبي، فتناولها مني وبسطها أمامه على مكتبه الفخم، فارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة، وقبل أن يكلمني، استدعى الموظفين اللذين قاما باعتقالي، ومسح بكرامتهما بلاط المكتب:(كيف تعتقلون هذا الرجل المحترم، وما هي الجريمة التي ارتكبها؟،،،ألا تتحققون من الأمر قبل اعتقال الأبرياء؟).
على الخارطة التي عدّلتها بينما كنت في الزنزانة، والتي تتمدد الآن على مكتب المدير، رسمت الحدود بين العراق وسوريا بخط أحمر عريض، أما دول العراق وبلاد الشام الأربعة، فقد قسمتها نفسها إلى عدة دول: العراق أصبح ثلاث دول: شيعية في الجنوب قسمتها إلى عدة دويلات حسب عدد المرجعيات، وسنية في الوسط مكونة من عدة دويلات حسب المذاهب الأربعة (الشافعي والمالكي والحنفي والحنبلي)، وكردية في الشمال ضمت دويلتان: واحدة للحزب الوطني الكردستاني والثانية للحزب الديمقراطي الكردستاني ، أما سوريا الحالية، فقد رسمت فيها حدوداً لخمس دول: واحدة للسنة فيها أربعة دويلات حسب المذاهب السنية الأربعة، وأخرى  للعلويين بقسمين: واحدة لآل مخلوف والثانية لآل الأسد، وثالثة  للأكراد، ورابعة للدروز وهي قسمان: واحدة لآل جنبلاط والثانية لآل أرسلان، وخامسة للإسماعيليين، أما لبنان فقد رسمت فيه حدود ثلاث دول: شيعية وهي قسمان: واحدة لحسن نصر الله، والثانية لصبحي الطفيلي، وسنية بدويلات حسب المذاهب الأربعة، ومسيحية ودويلاتها بعدد المذاهب (كاثوليك – موارنة – أرمن) إلخ، وفي الأردن رسمت حدود دولتين: أردنية في الجنوب وهي قسمان: واحدة للبدو، وواحدة للحضر، وفلسطينية في الشمال، واحدة لليسار الفلسطيني، وواحدة لفتح، أما فلسطين، فقد محوت اسمها تماماً عن الخارطة وكتبت عوضاً عنه (إسرائيل) بالخط الكوفي العريض. عاد المدير لكي يتأمل الخارطة المعدلة، واتسعت ابتسامته قائلاً: هكذا تكون الخرائط الصحيحة وإلا فلا، ثم أمر لي بفنجان قهوة، وعرض عليَّ العمل مديراً لقسم الخرائط السياسية في جامعة الدول العربية للعمل على تعديل خرائط باقي الدول العربية كما فعلت في العراق والشام، فاعتذرت عن قبول هذا العرض بأدب، حيث لا يمكن لي أن أسيء إلى سمعة عائلتي بالعمل مع مثل هذه الهيئة التافهة، لكنه مع ذلك أصر على مكافأتي، فأعطاني بطاقته التي تحمل اسمه ومنصبه وأرقام هواتفه، وكتب على خلفها توصية:(إلى جميع تجار الحشيش وغيره من أنواع الكيف في كافة أنحاء البلاد، بضرورة تسهيل مهمة حاملها، وتزويده بكافة أنواع المخدرات التي يطلبها دون تأخير وبأفضل الأسعار، تحت طائلة المسؤولية)، ثم منحني هذه الكأس الذهبية.
بالفعل، أخرج جاري المجنون من جيبه كأساً صغيرة من ذهب، نقش عليها عبارة (كأس المواطن العربي الأول).
-        سألته: وماذا تريد أن تفعل بهذه الكأس الآن؟.
-        قال: يعني هل تتصور أنني سوف أفتخر بها وأضعها في خزانة زجاجية لكي يشاهدها كل من يزورني؟، بالطبع لا، بل سوف أبيعها، وأشتري بثمنها كمية من الحشيش لا بد ستكفيني إلى آخر يوم في حياتي.

لم أنطق بأية كلمة، فالموقف كان أكبر وأجل من أن يحتاج إلى تعليق.