Monday, December 15, 2008

بمناسبة ضرب رئيس أقوى دولة في العالم بالحذاء ، وقياساً على مقولة ( الحمار والجزرة ) سنكتب اليوم عن

( الحذاء والرئيس )
(قدم الأهم على المهم)
1-لم يخطيء صاحب الحذاء مرماه ، بل إن الحذاء الذكي –بفردتيه- قد غير اتجاهه في آخر لحظة ، رافضاً تلويث سطحه بملامسة رأس قاتل الأطفال في فلسطين والعراق وأفغانستان
2-شركات تصنيع الأحذية ربما ستقوم فوراً بتصنيع أحذية غبية لا تفرق بين الأشياء ، إذ يتوقع ازدياد إقبال جماهير المعارضة في شتى أنحاء العالم على شراء الأحذية الغبية حتى تتمكن من إصابة رؤوس الكثيرين ممن يحتاجون الضرب بالنعال
3-مجلة تايم الأمريكية – التي تنشر مع نهاية كل عام وعلى صفحة الغلاف الأولى صورة أشهر شخصية للعام المنصرم- تفكر في نشر صورة حذاء منتظر الزيدي كأفضل شخصية للعام 2008
4-يفكر حذاء الزيدي في رفع دعوى قضائية ضد صاحبه بتهمة ( القذف ) ومحاولة تلويث السمعة، ويقول محامي الحذاء نقلاً عنه بأنه لو كان – لا سمح الله – قد لمس ولو شعرة من رأس الرئيس فإن ذلك كان سيجر العار والشنار على عائلة الحذاء حتى جده العاشر
5- يفكر الحذاؤون ( صناع الأحذية ) في جميع أنحاء العالم بتقديم طلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة باعتماد يوم 14 ديسمبر اليوم العالمي للحذاء
6-الرئيس بوش قال بأنه لو تمكن من التمديد لولاية ثالثة في البيت الأبيض فإنه لن يخاطب الجماهير بعد الآن إلا من وراء زجاج مضاد للأحذية
7-سئل الرئيس بوش عن أنواع الهدايا التي يفضل أن يتلقاها بمناسبة أعياد الميلاد فقال:أي شيء ، أي شيء باستثناء الأحذية
8-نظراً لفشله في صدها ، فإن رئيس الوزراء المالكي سوف ينتسب إلى فريق الجيش العراقي لكرة القدم كحارس مرمى للتدرب على التقاط الأحذية
9-منتظر الزيدي سيغير اسمه الأول إلى اسم مركب :(منتظر دحر الاحتلال، الزيدي )
10-بما أن الشيء بالشيء يذكر ، من الآن فصاعداً فإن كل إنسان في العالم ، يضع أو ينزع حذاءه ، سوف يتذكر بقرف وجه الرئيس وهو يفر من قذيفة الحذاء
11-في الختام : هل رأينا كيف لم يصب الحذاء – بفردتيه – علم العراق الذي يحمل كلمتي التكبير ، وأصاب العلم الذي بجواره . هل في ذلك عبرة وعظة ؟

Saturday, June 28, 2008




المحروسة
(قصة قصيرة)

في قريتنا الجبلية الوادعة،حيث الأرض كريمة معطاءة والإنسان كسول الهمة متخلف الوسائل،لم تكن الفاقة متفشية بيننا،كما لم يكن الغنى معروفاً عندنا،بل كنا نعيش حياة هي أقرب إلى الكفاية منها إلى الوفرة،،تناول اللحوم كان يتم فقط في الأعياد الدينية– وما أندرها–،أو في مناسبات الأفراح– وما أفقر أصحابها-،وجدتي واحدة من سكان القرية الذين يعتمدون في غذائهم على تناول البروتين النباتي المتمثل في الحبوب المطبوخة والمسلوقة، كالفول والعدس،أما البروتين الحيواني فكان يأتينا من حليب المواشي وبيض الدجاج .

جدتي هذه مربوعة القامة تميل إلى القِصَر،عيناها زرقاوتان صغيرتان،وأنفها مستدق يتوسط وجهاً مازال يحمل بعضاً من نضارة أيام الشباب،أصولها الشركسية تبدو جلية في لغتها العربية، تلك التي كان جدي يسميها(المكسَّرة)حيث كانت تستبدل التذكير بالتأنيث،وكان هذا باعثاً لنا على الضحك-المفضوح أحياناً،والذي كان يُغضبها،والمكتوم في معظم الأحيان،حتى لا يثير غضبها– خاصة في سهرات ليالي الشتاء الطويلة.

بين دجاجات جدتي كانت هناك(المحروسة):دجاجة لونها ناصع البياض،ماهرة في التقاط غذائها بمنقار وردي اللون،ثخينة الفخذين،تباعد ما بينهما حين المشي حتى لتحسبها ديكاً يتبختر،، ذيلها طويل مزدوج الانحناء،وجناحاها متينان كأنهما جناحي صقر شرس،يعلو رأسها عُرفٌ أنيق الشكل،رشيقة القفز،تسير بين بنات جيلها،فتبدو أعلى منهن قامة،وأكثرعنفواناً.(المحروسة) كانت هي الأقرب من بين جميع الدجاجات إلى قلب جدتي وكأنها لم تكن تملك سواها،،كانت تطعمها الحبوب من كفِّها،وتمسح برفق على عُرفها وذيلها،فكانت(المحروسة) تستكين لها وتهدأ بين يديها ، على عكس باقي الدجاجات الجموحة.كانت جدتي تجمع البيض صباحاً من أقنان الدجاج،وتقسم على أن بيض(المحروسة)ألذّ في طعمه من طعم بيض الأخريات،معللة ذلك بالدلال الذي تتمتع به المحروسة على يديها،والحُبوب التي كانت تغدقها عليها دون سائر الطيور.

في ذلك الصباح،لم يعلم أحد منا السر الكامن وراء صراع نشب بين الديك الوحيد في الحظيرة وبين(المحروسة)،فقد انهال ذلك الديك الشرس عليها ضرباً بجناحيه القويين،ونقراً بمنقاره المعقوف الجارح،وركلاً بساقيه الطويلتين،حتى أفقدها الوعي،وسال الدم من رأسها وشارفت على الهلاك،وهي تحاول الدفاع عن نفسها أو الفرار منه دون أن تتمكن من ذلك،والجميع ممن يراقبون المشهد يحاولون الفصل بينهما دون جدوى،إلى أن انهالت جدتي على الديك بعصى غليظة ففر هارباً إلى داخل القن ، تلاحقه توعُّدات جدتي له بالويل والثبور.

حملت جدتي(المحروسةَ)بين يديها والدموع تكاد تنفر من عينيها،والدجاجة تنظر إليها باستعطاف وكأنها تشكو إلى أمها العجوز قسوة ذلك الديك المجرم.وسَّدت جدتي الدجاجة في سلة قديمة،ثم وضعتها على رف في المطبخ،وبدأت تتفقدها مرة بعد أخرى للاطمئنان عليها،والدجاجة تغفو وتصحو ثم تغفو،ربما من شدة الألم.

صباح اليوم التالي،كانت جدتي تجلس في ساحة الدار الترابية وقد تربع على جبينها همٌّ مقيم، إذ يبدو أن الإصابات التي لحقت بالدجاجة بعد عراك الأمس مازالت مؤثرة في نفس جدتي،فقد لاحظنا أنها لم تتناول طعام الفطور كعادتها كل يوم،بل اكتفت باحتساء كوب من الشاي،ومن بعيد كنت جالساً أختلس النظر إلى وجهها،فأقرأ فيه علامات يأس بائس من شفاء(المحروسة) . أطرقت جدتي رأسها وأطالت،دمدمت وهمهمت بلغتها التي لا أفهمها،ثم فجأة،رفعت رأسها وسمعتها تنتهرني قائلة:(تعالي ياولد،خذيها في الحال واذبحيها عند جزّار القرية).إذن صدق ظني في يأس جدتي من شفاء(المحروسة)،وهاهي تريد إنهاء عذاباتها بذبحها على يد جزّار القرية،أما بالنسبة لي فقد كان هذا بشارة باقتراب تناول وجبة دسمة من لحم الدجاج،تلك التي لم نذق طعمها منذ أشهر. أصدرت جدتي أمرها ذاك وانطلقَت إلى الحقل لقطف بعض الخضروات من أجل تجهيز وجبة الغداء.

بفرح غامر قفزت إلى السلة التي ترقد فيها(المحروسة)،ولدهشتي وجدتُها وقد انتعشت قليلاً ، غير أنني خشيت أن أخبر جدتي بذلك فتعدل عن ذبحها،فأسرعت إلى كيس صغير من الخيش أدس فيه الدجاجة،وأنطلق إلى دكان الجزار،بسرعة طفل في العاشرة يحلم بوجبة شهية من لحم الدجاج.

من خلف كفَّي الصغيرتين اللتين غطيت بهما وجهي كنت أرى الدم يتدفق من عنق الدجاجة المسكينة وقد جزَّتها نصل السكين الحادة،والدجاجة انفلتت من بين يدي الجزار تضرب الأرض بجناحيها مثيرة غباراً عالياً في ساحة القرية،والجزار يضحك عليَّ أنا المختبيء خلف أصابعي المرتعشة،،وعدد من الأطفال يتابعون هذا المشهد بكثير من الفضول.

سكنت حركة الدجاجة تماماً،وكان عليّ أن أعيدها إلى كيس الخيش،فنفضت التراب عنها وأنا أرتعش أكثر من ارتعاشها هي بين يدي الجزار،ثم انطلقتُ عائداَ بها إلى البيت،مسرعاَ وكأن جميع شياطين العالم تلاحقنني،وثلة من الأطفال تتبعني مهتدية بخيط الدم الذي بدأ يرشح من أسفل الكيس ،وسحابة من الغبار المتناثر من قدميَّ السريعتين تفصلني عن المطارِدين الذين عجزوا عن اللحاق بي فعادوا أدراجهم،إلى أن وصلت الدار لاهثاً تعِباً.

وضعتُ الكيس أمام جدتي والدم مازال يقطر منه،،تحسَّسَته بلطف ثم فتحته ونظرت داخله. وجَمَتْ جدتي،،راوحت نظرها بيني وبين الكيس،،نظرت إليَّ نظرة كسيرة وتمتمت باللغة الشركسية التي لا أعرف منها حرفاَ،وعندما لم أجبها بشيء،صاحت بي بصوت جمع أهل الدار كلهم : " ياحمارة ، قلت لكِ أن تأخذي الديك لتذبحيها وليس الدجاجة".عندها فقط أدركت أن اللغة العربية(المكسّرة)التي كانت تتكلمها جدتي-وليس طمعي في وجبة شهية من لحم الدجاج-هي التي كانت السبب في إزهاق روح(المحروسة)المسكينة.

Saturday, June 14, 2008

صـــــلاة

أشرق الصبح وعهد الليل راح
يوقظ الفلّ وأزهارالأقـاح

جحفل الليل أمـام النور طاح
قد دنا الفجر فغنّي يابطاح

أشــرق الصبــح وعهـد الليل راح
========================

زهــرة غنّــت علــى غصـن رطيــب
صــوتهـا الشــادي كصـوت العنــدليب

تهمـس الحـــبّ وتهـــدي للحبـيـــــــب
مـن شــذى الذكـرى ومـن عطر يطيب

أنــت يـــــا زهــر لمرضـانـا طبيب
======================

لــؤلــؤ المــاء علــى خــد الـــــورود
عـــقــــد حسـنــــاء تـــدلّــى للنهـــــود

دمـعــه الهـــامي ينـابيــــع تجـــــــــود
كـــــــلّ إصبــــاح وإصــــباح تعـــود

ليــس يـــا دمــع لمجــــراك حــدود
========================

عــــانق النحــل صبــاحاً فـــي الحقول
أزهــــر الــروض بشــوق وذهــول

مــــن شِـفاهـا يـرشــف الشهـد العسول
مـــــن دواء يقتــــل الــداء القتــــــول

صنعــة البــاري متـاهـات العقول
=====================

صنــعة البـاري تجـلّت فــي الصبـاح
كــــــلّ ذي روح غـــــدوّ ورواح

نــقّــل الطّـــرف ودع عنــك النّــواح
لا تبـالـي قــــد مـضــى الليـــل وراح

وانجـــــلى الصبـــح فـغنّي يابطاح
====================

Sunday, May 18, 2008

ماسحو الأحذية

مقدمة:جميل أن تستذكر الماضي بعد أن تخلفه وراءك غير آبه بسلبياته أو إيجابيته،ببساطة لأنه أصبح ماضٍ،لكن الأجمل عندما تسقط جزءاً من الماضي على الحاضر فتجده مندمجاً معه بلا شذوذ،ملتصقاً به بلا نفور.
في ستينيات القرن الماضي،أي قبل عصر الجينز وتوابعه من الأحذية الرياضية والقبعات وقمصان التي شيرت (هو القميص الذي على شكل حرف تي،لا أدري لماذا أجد نفسي سخيفاً عندما أكتب بالعربية وأستخدم أحرفها في كتابة كلمة أجنبية)،المهم،في تلك الأيام لم نكن نذهب –نحن الشباب-إلى الجامعة أو المكتب،أو حتى إلى زيارة الأقارب،إلا ونرتدي البذلة والقميص الأبيض وربطة العنق(ونذكر جميعنا المشهد الذي ظهر فيه عبد الحليم حافظ في أحد أفلامه وهو يركب الدراجة الهوائية مرتدياً البذلة وربطة العنق)،لكن الأهم من كل هذا وذاك كان الحذاء،نعم،فقد كان من تمام الأناقة وحسن الهندام أن يلمع حذاؤنا كأنه قطعة بلور أو تحفة كريستال،لدرجة أنه افتتحت في تلك الأيام،وفي الشوارع الرئيسية في دمشق،صالونات لمسح الأحذية،مشابهة تماماً لصالونات الحلاقة،فبمجرد أن يبهت لمعان وجه الحذاء،كنا نهرع إلى صالون مسح الأحذية لتلميعه.على مدخل الصالون كنا ندفع 25 قرشاً سورياً (أي ربع ليرة سورية بينما كان الراتب اليومي خمس ليرات فقط)،ونأخذ رقم دورنا في المسح الذي ربما يتأخر كثيراً نظراً لكثرة الزبائن.جدران المحل الثلاثة-باستثناء الواجهة طبعاً-مغطاة بالمرايا الكبيرة التي تضفي على المكان رونقاً وأبهة واتساعاً،وصف من الكراسي المريحة وضع على امتداد الجدار لكي يستريح عليها الزبائن المنتظرون،وعلى الجدار المقابل يجلس صف من العمال ماسحي الأحذية،أمام كل منهم كرسي مريح مرتفع يشبه كراسي صالونات الحلاقة،وما أن يستقر الزبون على كرسيه أمام العامل،حتى يبدأ هذا بغسل الحذاء ،فردة بعد أخرى،بالصابون مستخدماً فرشاة،تماماً كتلك المستخدمة في حلاقة الذقن،ثم يطلي الحذاء بالبويا،ثم يضربه بحركات بهلوانية بالفرشاة،ثم يطليه بمادة الكيوي الملمعة،ويعود عليه ثانية بالفرشاة،ثم بقطع القماش الناعمة،فيلمع سطح الحذاء حتى لنكاد نرى أوجهنا لامعة على وجهه

صلب الموضوع:الرئيس الأمريكي بوش،المقبل على ترك البيت الأبيض-أكيد إلى غير رجعة وفي ستين داهية-وجد أن وجه حذائه قد أصبح كوجهه،ملوثاً بدماء الأبرياء في العراق وفلسطين وأفغانستان،وبما أنه قد علم بفطنته المعهودة! بوجود ماسحي أحذية مهرة في الشرق الأوسط،فقد حضرمؤخراً إلى المنطقة بغية تنظيف حذائه مما لوثه،فتسابق ماسحو الأحذية المهرة من العرب لتنظيف الحذاء المتسخ-وكان الأولى بهم تنظيف الوجه قبل الحذاء-،وقد سر الرئيس بهؤلاء الماسحين،وأثنى على مهارتهم،وتمنى عليهم أن يمارسوا نفس الأمر على حذاء خليفته(ماكين)،فوعدوه خيراً،لأنهم ببساطة لا يستطيعون كسب عيشهم إلا بمسح الأحذية.اللعنة على ماسحي الأحذية،أقصد اللعنة على الماسحين،والعذر،كل العذر،من الأحذية.

Friday, May 9, 2008

الـقــادم حتـــمــاً
(شعر)

مـن ينفضْ عـن عينـيَّ غـبـار الأحـزان البـريّـةَ

أو يسـحـبْ عـن قلـبــي

أسـتـار الخـوف المـتـوشّــح بالـشــؤمِ

مــن يفــتحْ للـفـجـرِ القـادمِ نـافـذتــي

مــن يـزرعْ فــي قلبــي عشـب الفـرح الأخضــرِ

مــن يـنـســلْ أوهــام الـيـأس الشّـائكِ

مــــن ذاكـرتي

من يكفلْ لـي آخرتـي

سيكون الفارسَ معشـوقَ الـشّمـسِ

صـديقَ الفقـراءِ

أنـيــسَ الـــغــــربــاءِ

صــــدى أغــنيــتــــــي

=====================

قــــالــوا:لــــــن يــــولــدَ

قــلـت:عــــلامـــاتُ الحـمــل تـبـدّتْ

هــذا الـيـأس الـجــاثــم فـوق الـقـلـبِ

والـذلُّ المــسـتـورد مـــن أحـذيــة القـهـرِ

هــذا الـشّبـق الفــطــري اللاهـبُ

مــابـين الخـيمــة والـثّـأرِ

هـــذا الــوَحَــمُ الـجـارف للـفــجــرِ

كـــلّ الآهـــاتِ تـبـشّـــر بـالـقـادم حــتمــاً

وســيــأتــــي ... لابـدّ سـيــأتـي

=====================

قـــالــوا: يـتــأخــرُ

قـلـت:ســأبـقــى مـنـتـظـراً

أســنــد رأسـي لـلريـحِ

أتـــوضّــأ بـالصّــــبــرِ

وأحــرق بـخـــور الهـنــدِ

أنثر مـلــحـــاً دفــعــاً للعـــين الـحــاسـدةِ

وأرتـــــــل آيــاتِ الـعــودةِ

حتّــى يــأتـي

=======================

قــالــوا: بـالـشّـكّ يجيء غــداً أو بعـد غـدٍ

أو لا يــأتــي

ســأبـشّـــرُ- قـلت- بـمـقـدمـِــهِ

و ســأكـرِزُ فــي الـبـريّــة

أتــمـنـْــطَـقُ زنّـــار الـثّــورةِ

أجــتـثُّ الـشّـــوك مــن الـدّربِ

وأكـثِّـــرُ أنـصــارَ القــادمِ

حــتّـــــى يــأتــي

========================

قـــالــوا:أَنـصِــتْ...

هــل تـسـمــع وشــوشــةً...همـســاً

أو شــيـئـاً مــن هـــذا؟

حــضــنتنــي رعـشــة حُــلُمٍ ورديٍّ

و شــعــاعٌ يتـسـلـل للقـلب المـظلمِ

قــلـت:زئــيراً أسـمع.. رعـداً .. زمجرةً

قـــد جــاء عشـيــقُ الـشّمـسِ

تتـلاشــى كــلُّ الأشيــاءِ بمـقـدمــه

إلاّ صــوتــاً يـعــلو كـالـمــوج الـهــادرِ

صـرخ الـقـادم والـكـلّ جـثـا تحـت الـكلمات الوعـدِ:

"ثــورتــي مــن ذلّ منفــي

عــن الـوطـن المضمــخ بالشــقـاءْ

جــذوتــي مــن عيــن طفــلٍ

عـشّـش اليُتْـمُ علــى أهـدابهــا

غضبـتــي مــن بـؤس أرمـلة تغضّـن وجهـهـا

و انـهـدّ مــن جــور الـزّمــان إهــابُهــا

ومضتــي مــن صــرخـة المـقـهـور مكتـوم النّـداءْ

فــأنـا دعـاءْ ، وأنــا رجــــاءْ

فــامـشـــي ورائـي يا براكيناً تلاشـى صـبـرهـا

و ابشــري بالـفـارس المـوعـود

لا تحنــي الجـبــــاهْ

و لئــن تأخّـر مولـدي

فـغـداً سـأولـد عــاصـفــةْ

فــي وجــه أعـداءِ الحيــاةْ
بمناسبة استضافة البرازيل والتشيلي،وغيرها من الدول الشقيقة،المئات من اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا عالقين على حدود العراق مع أشباه الدول،أرسل البرقية التالية إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسمو المخنثين من حكام العرب:
تفو ووووووووو

Tuesday, April 1, 2008

صفيحة الزبالة
(قصة قصيرة)


شاب في منتصف عشرينياته،معتدل القامة،رقيق العود- ربما لنقص في التغذية –قليل الكلام،خفيض الصوت لو تحدث،على ملامح وجهه تبدو علامات هم وغم لا يبدو عليه أنه قد اعتادهما رغم طول تربعهما في عمق قلبه.وعى (سعدو) على هذه الدنيا ووالده يعمل كناساً في هذه الحارة،وبعد أن منحه المختار حق السكن تحت دَرَجِ مدخل بيته،بادر إلى الزواج من ابنة عمه التي أنجبت له صبياً واحداً فقط.عندما بلغ (سعدو)سنته الثامنة توفيت والدته بعد أن أصيبت بمرض كان من أعراضه السعال الشديد،متبوعاً بخروج الدم من فمها،،أخذوها إلى مستشفى(ابن النفيس) حيث توفيت بعد أسبوع من دخولها المستشفى،،يذكرها الآن صورة باهتة تعبر خياله،،من طفولته لا يذكرالشيء الكثير سوى أنه حرم من الذهاب إلى المدرسة مع باقي أبناء الحارة،فقد كان عليه مساعدة الأسرة بالعمل في بيع بعض الحلوى التي كانت تصنعها والدته في المنزل،كالتفاح المغروس بأعواد والمغموس بسائل السكر،أوالمهلبية المغطاة بذرات جوز الهند،أو ببيع المثلجات صيفاً،ومنذ سن الثامنة إلى السادسة عشرة كان عليه العمل في تنظيف الحارة،مساعدةً لوالده الذي أنهكه المرض إلى أن قضى عليه ولما يكمل (سعدو) السادسة عشرة. بعد وفاة والده سعى له المختار لدى مكتب البلدية لكي يستمر في مكان والده،ورغم عدم بلوغه السن القانونية لقبوله كموظف، فإن وساطة المختار قد نجحت،فوافق المسؤولون على استمراره في العمل الذي كان يقوم به والده،وبالغ المختار في كرمه،فسمح له بالبقاء في نفس البيت:تحت الدرج.

بعد يوم عمل مضن كالمعتاد،ها هو (سعدو) يستلقي بجسده المنهك على بقايا فراش قديم ، ينظر إلى السقف محاولاً النوم بنفس الطريقة التي درج عليها منذ زمن بعيد:سقف غرفته هو درج بيت المختار المكون من أربع وعشرين درجة ،وعلى بقايا أشعة ضوء الشارع المتسربة من شقوق في باب غرفته المتهاوي ،يعد الدرجات الاثنتى عشرة الأولى،ثم يدير رأسه ليستكمل عد الدرجات الباقية،،يعدها صعوداً من الأولى إلى الرابعة والعشرين،ثم نزولاً من الرابعة والعشرين إلى الأولى. يعد الدرجات مرات ومرات إلى أن يدخل في سبات عميق .هذا هو نظام حياته اليومي:يستيقظ في الخامسة صباحاً، يجمع القمامة من الصفائح المعدنية التي كان سكان الحارة قد وضعوها على أبواب بيوتهم عشية الأمس،،يضعها في برميلين معدنيين صدئين،مثبتين على عربة ذات عجلتين،يدفعها أمامه نزولاً ليضعها في حاوية كبيرة موضوعة على بوابة الحارة،إلى أن تأتي شاحنة البلدية فتفرغها وتنقل القمامة إلى خارج المدينة،،يدفع باب غرفته إلى الخارج ليتأكد من وجود العربة،فيراها في مكانها مربوطة إلى عمود الكهرباء بالجنزير والقفل اللذين ضحى ببعض النقود لشرائهما،وذلك بعد أن سرقها بعض الصبية ذات يوم وركبوا فيها مسرعين نزولاً،إلى أن ارتطمت بحجر كبير،مما أدى إلى اعوجاج في العجلة اليمنى،فبدأت تعرج عند دفعها،،فكر أن يأخذها إلى البلدية لاستبدالها،لكنه خاف أن يطلبوا منه غرامة مقابل إصلاح العجلة،فاحتمل عرج العربة على أن يدفع الغرامة.بعد جمع الزبالة باكراً،كان يحمل على كتفه قربة من الجلد،يملؤها من صنبور ماء البلدية،ثم يبدأ برش الماء يمنة ويسرة،فتعانق قطرات الماء النشيطة ذرات التراب الناعسة،مانعة إياها من الانفلات في الهواء،وبعد أن ينتهي من الرش،يبدأ بكنس الزقاق بادئاً من أعلى نقطة فيه،نزولاً إلى آخر مكان تتوقف عنده مسؤوليته لكي تبدأ مسؤولية كناس آخر.منذ شهرين أهدى رئيس البلدية سكان الحي صفائح زبالة كبيرة،ربما تقرباً منهم لإعادة انتخابه،فتقلص عدد مرات جمع القمامة،إذ أن الصفيحة الجديدة أصبحت تكفي لاستيعاب نفايات ثلاثة أيام،ولم تعد هناك حاجة لكي يجمع نفايات جميع السكان كل يوم،فشعر (سعدو) بقليل من الراحة مكنته من ارتياد مقهى الحي مساء،حيث يجود عليه بعض روادها بفنجان من القهوة أو كأس من الشاي .كان هذا هو نظام عمله اليومي،يبدأ قبل انصداع عمود الفجر،وينتهي بعد انتحار الشمس خلف الجبل.

رغم أنه عد الدرجات صعوداً ونزولاً مرات ومرات هذه الليلة،غير أنه لم يدخل في سبات عميق كما اعتاد كل يوم،،انتبه إلى صوت وقع أقدام على الدرج،ففهم من الهمهمات التي طرقت سمعه أن شقيق زوجة المختار قد جاء لاصطحابها إلى بيت أهلها لتنام عندهم ،حيث أن وجهاء الحارة مدعوون للعشاء هذه الليلة على مائدة مختار الحي،،انتبه إلى أن سبب أرقه هذه الليلة يعود إلى إحساس بالجوع يفري معدته،تذكر أنه لم يتناول شيئاً منذ الصباح باستثناء كأس من الشاي وقطعة من الخبز،وليس له الآن سوى أن يدعو الله أن يتذكره المختار،فيرسل له مع ابنه طبقاً من الطعام،،لا يهم نوع الطعام،المهم أن يشبع معدته لكي يستطيع النوم حتى ينهض في الصباح الباكر لاستئناف رحلة الشقاء.ويمر الوقت لزجاً والجوع تزداد وطأته،والمدعوون قد تناولوا العشاء والحلويات- كما خمن- وها هم يغادرون بيت المختار،وطبق الطعام لم يأت بعد،،انتظر وانتظر وبلا جدوى،،البرد والجوع عدوّا الراغب في النوم،فكيف السبيل إلى السبات وهو على هذه الحالة،،فكر أن يخرج لكي يشتري شيئاً يأكله،فانتبه إلى أن الليل يكاد أن ينتصف، وأن المحلات التجارية قد أقفلت،،فجأة يفتح باب بيت المختار،،صوت ابنه يهبط الدرج،،تفاءل خيراً،فها هو الطعام على وشك الوصول،سيأكل أي شيء يأتيه،وبعدها سوف ينام نوماً عميقاً حتى بدون عد الدرجات،،هذا المختار طيب القلب،ولم يشك(سعدو) لحظة في تلقيه طبق طعام ومعه بعض الحلويات،،فتش عن قارورة الماء،فوجدها موضوعة قرب الجدار،فاطمأنت نفسه ،فربما لن يحضر له ابن المختار بعض الماء،وهو لا يستطيع تناول الحلويات بدون إتباعها بشربة ماء تروي عروقه،وتطفيء الظمأ المتزامن مع تناول أي شيء حلو،،لكن ما بال هذا الولد لم يطرق بابه ،،وقع خطوات الغلام لا يتوقف عند أسفل الدرج،من شق في الباب يرى الصبي يحمل صفيحة الزبالة ويتابع سيره إلى المكان الذي اعتاد أن يضعها فيه،ثم يعود مسرعاً،متسلقاً الدرج بهمة وخفة.أمر غريب !! دور صفيحة المختار بعد غد،فقد أفرغها صباح اليوم في العربة،ولكن لا بأس،فربما كانت نفايات وليمة اليوم قد أدت إلى امتلائها،ويحتمل أن الغلام قد صعد لإحضار صحن الطعام،فمن المستحيل أن ينساه المختار،لكن الصبي يقفل الباب وراءه،ويحكم إغلاق المزلاج.إذن فعلها المختار ونسيه هذه الليلة،،،رائحة الطعام المتسللة من الصفيحة تخترق الشارع،وتصل إلى خياشيمه،وتتسرب إلى دماغه،فتتوتر أعصاب معدته ويتضاعف جوعه،،فتح بابه،،نظر يمنة ويسرة فلم ير أحداً،،لم يعد يقاوم رائحة الطعام،فانسل باتجاه صفيحة الزبالة،، سحبها بخفة وأدخلها غرفته وأقفل الباب،،أسرع في نبش الصفيحة،،تناثرت أكياس البلاستيك المليئة ببقايا الطعام،،التهم بعضه بيد بينما استمرت يده الأخرى في الغوص داخل الصفيحة عله يعثر على بعض الفاكهة في قاعها، لكن آخر كيس أمسكه– والذي كان في قاع الصفيحة– كان ثقيلاً بشكل لفت انتباهه،وقبل أن يتابع التهام بقية بقايا الطعام،فتح الكيس الثقيل،فإذا به أمام ثروة لم يحلم برؤيتها من قبل،،رمى في جوفه بضع لقيمات،وطار النوم من جفونه،،فكر في التسلل من غرفته ومغادرة الحارة،لكنه خشي أن يضبطه الحارس في هذه الساعة المتأخرة،فينكشف أمره،،تكاثفت أحلامه إلى درجة شلت ذهنه وعطلت تفكيره،،حضن الكيس في صدره وحاول النوم دون جدوى،،كيف انقلبت حاله خلال ثوانٍ معدودة؟.لم يكن يرى في حياته الماضية شيئاً يستحق الذكر،أما مستقبله فكان مجهولاً لا يرى فيه إلا ما يراه عابر صحراء في ليل بهيم،لا يرى شيئاً ولا حتى السراب،أما الآن فها هو المستقبل يبدو واعداً،ضاجاً بألوان من السعادة لا وصف لها،،استمرت أحلامه في الرقص داخل مخيلته إلى أن صرعه النوم قبل شقشقة الفجر بدقائق.

لم يصحُ إلا وضربات قوية تطرق بابه،وصوت المختار يستفسر عن سبب تأخره في النوم على غير عادته،،دس الكيس تحت الفراش،ورد بصوت خفيض متظاهراً بالمرض،،المختار يتابع خطواته باتجاه مكتبه المقابل لمدخل بيته،يفتحه ويجلس خلف طاولته لاستكمال بعض المهام،فكيف سيستطيع(سعدو) الخروج من الحارة تحت نظر المختار ومعه الكيس؟، اطمأن إلى أنه أخفى الكيس في غرفته تحت كومة ملابسه،،خرج متجهاً إلى عربته،،فتح القفل ثم دفع العربة أمامه مسرعاً لجمع القمامة من الصفائح المعدنية،وعيناه معلقتان على باب غرفته،،قرر أن يستمر في عمله كالمعتاد،متحاشياً إبداء ما يمكن أن يوحي بنيته ترك الحارة،،من عادة المختار أن يغلق مكتبه ويصعد إلى منزله لتناول طعام الغداء وأخذ قيلولته اليومية،،يبقى (سعدو)على مقربة من مكتب المختار،متظاهراً بكنس المنطقة بعناية فائقة،،زوجة المختار تأتي من بيت أهلها بصحبة أخيها وترتقي الدرج،،عينا (سعدو) تراقبان بدقة،،المختار يقفل دُرْجَ مكتبه،،يخطو على مهل باتجاه الباب، يقفل محله،يلقي التحية على (سعدو)،، ويصعد إلى بيته بتثاقل.

بينما كان(سعدو) يخفي الكيس الثقيل تحت ثيابه ويغادر الحارة على عجل،كان صوت المختار يلعلع من فوق،مطلقاً في وجه زوجته صرخة جمعت كل أهل الحارة:(ألم تجدي يا غبية سوى صفيحة الزبالة لكي تخبئي فيها حليك الذهبية؟).




كذبة إبريل
(بمناسبة أول يوم فيه)

تأتي مناسبتها مرة واحدة في السنة،في أول يوم من هذا الشهر،ولأنها تقليد غربي طرأ علينا في فترة التأثر الحضاري بكل ما هو غربي،ولأن الغربيين اعتادوا الصدق في حياتهم العامة (لأسباب لا مجال لذكرها هنا وبعضها اقتصادي) فقد أفردوا للكذب يوماً واحداً في السنة، يكذبون فيه كذبة واحدة فقط ،أما نحن،فبما أننا لا نجد كلمة(صِدقة - قياساً على كِذبة ) مشتقة من كلمة الصدق-لأن الأساس في القول هو الصدق- وبما أن الكذب،وللأسف،قد أصبح سمة مميزة لأقوال وحتى أفعال بعضنا،والعملة الرائجة في التعامل بين الناس،فمن المناسب في هذه الحالة-وقياساً على"كذبة إبريل"-أن نخصص يوماً واحداً في السنة يكون عيداً للصدق،كأن نسميه مثلاً(صِدقَة مايو)،أو أي شهر آخر نختاره للصدق فيه مع أنفسنا ومع الآخرين ولو لمرة واحدة،كأن يكون شهر رمضان المبارك،(ماذا لو أسمينا هذه المناسبة "صِدقة رمضان" تيمناً بالشهر الكريم).المشكلة الهامة التي ربما تعترض البعض"الكثير"منا،والتي لا يصادفون مثلها عادة في مناسبة كذبة إبريل-لأن الكذب متوفر وبغزارة-،هي أنهم لن يستطيعوا العثور أي صدق يقولونه في هذه المناسبة العطرة،سوى أسمائهم ،بل وحتى هذه،،يمكن أن تكون مستعارة ! .
(يقول الله تعالى في الآية الثانية من سورة الصف معاتباً المؤمنين:"ياأيها الذين آمنوا لِم تقولون ما لا تفعلون كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"صدق الله العظيم)

Thursday, March 27, 2008

لقاء
(قصيدة قصيرة)
أخشى عليَّ إذا لقيتك
أن أموت من الفرح
وأخاف أن تبلى عيوني
حين ألقاك بدمع منسفح
حلم اللقاء حبيبتي
قوس قزح

Tuesday, March 25, 2008

سائق القطار
(قصة قصيرة)
قاطرة قديمة عمرها أكثر من مئة عام ، تسير بتثاقل على سكة حديد أقدم منها،تجر خلفها مجموعة عربات للركاب،متبوعة بمجموعة أخرى من عربات الشحن.ثلاثون عاماً أو يزيد قضاها (طلبة) سائقاً لهذا القطار الذي يربط العاصمة بجنوب البلاد، تلك السنوات الطويلة مرت على العائلة بدون منغصات تذكر،باستثناء ما وقع لها من أحداث عكرت صفو حياتها على مدى العامين الماضيين.يضعف ضغط البخار على المكابس،وتتضاءل سرعة القطار،فينحني (طلبة) لتناول المجرفة،ويبدأ بقذف كتل الفحم الحجري في جوف الموقد،،يحدق في ألسنة النيران المتماوجة،فتلفح وجهه حرارتها الشديدة،لكنه يحس بنيران قلبه أكثر اتقاداًً وأشد لفحاً من نيران الموقد،،،يزداد ضغط المكابس بالتدريج،فتزداد معها سرعة القاطرة،وتزداد معهما نبضات قلبه ، فيمسك بتوتر حبل الصافرة ويشده بعنف إلى الأسفل،فتزمجر محدثة ضجيجاً لا يغطي،رغم شدته ،على الضجيج الذي يلعلع داخل رأسه.يمسك دافع الحركة بيد،بينما يمسك بالأخرى دافع الفرملة ،مطرقاً رأسه،ناظراً بين قدميه،،ينتبه إلى أن الشاي في الإبريق المعدني القديم يغلي على مدخل الموقد،،يتناوله ويصب الشاي في كأس نصف نظيفة ، فينسكب بعضه على حواف الكأس بسبب اهتزاز القاطرة لدى عبورها منعطفاً حاداً،لكن الاهتزاز يتوقف عندما تستقيم في سيرها،بينما يستمر هو سارحاً في هواجسه.ينظر في زاوية المكان،فيرى مساعده (محمدين) وقد تهاوى على كرسي صغير،داخلاً في سبات عميق بعد يوم كامل من عمل مضن.

لماذا لم يغادر قريته إلى العاصمة كما فعل بعض أبنائها؟،أولئك الذين اندمجوا في مجتمع المدينة العملاقة،وذابوا بين ملايينها،ونسوا تقاليد الريف بما فيها من محاسن وويلات،،بعضهم عمل في التجارة،بينما استوظف البعض في دوائر الحكومة،بل إن البعض منهم قد بالغ في الابتعاد عن تقاليد العائلة المحافظة ، فعمل حتى في مجالات فنية مختلفة كالتمثيل والموسيقى والرقص،أما كان الأولى به أن يفعل مثل ما فعلوا؟،إذن ما كان ما وقع قد وقع،،،يرشف الشاي ويغالب نفسه كي لا يحسد أولئك الذين انفلتوا من قبضة العادات والتقاليد البالية،خاصة عادة الأخذ بالثأر التي تفسد علاقات العائلة الواحدة،وتفتتها إلى عدد من العائلات المتناحرة المتنافرة،لكنه يثوب إلى وعيه،فيستنكر ما فعله أولئك الخارجون عن روح العائلة،ويقنع بما هو فيه رغم قسوته ومرارته،،،ينظر أمامه عبر زجاج القاطرة مراقباً خطي سكة الحديد اللذين تبتلعهما قاطرته بنهم شديد،يتمايلان قبل الدخول في فمها تحت ضوئها الجديد الساطع،،،زجاج الضوء القديم صدمه الشهر الماضي طائر كبير أدى إلى تحطمه،فقامت ورشة المصلحة باستبداله،وها هو الضوء الجديد يكشف السكة أمام (طلبة) إلى مسافة تمكنه من تفادي قطعان المواشي التي قد تعبر خطي السكة ليلاً،ما جعله يشعر بالأمان الآن أكثر من ذي قبل،هذا بينما تراقصت قامات أشجار اصطفت على جانبي السكة،كأنها رؤوس أشباح تتمايل محتفلة بعرس واحد منها،وخلف صفوف الأشجار ترامت حقول قصب السكر والقطن والأرز والخضروات،والتي خمَّن أنها تمتد حتى خط الأفق الذي لا يستطيع رؤيته بوضوح بسبب الظلام الدامس الذي يلف المكان.

كان ذلك منذ ما يزيد على العامين عندما تقدم أحد أفراد عائلته لخطبة ابنته.(حسنين) كان أحد أبناء عمومة (طلبة) وينتمي لفرع صغير من العائلة الكبيرة،والذي انسلخ عنها بسبب قضية ثأر قديم،وفشلت جميع الوساطات لعودة ذلك الفرع إلى أصله،وبالتالي لم يعد ممكناً الموافقة على (حسنين) عندما تقدم لطلب يد (فاطمة) من أبيها بعد قصة حب نمت ترعرعت منذ أيام الطفولة ،،بتوالي توسلات (حسنين) ازداد رفض (طلبة)،إلى أن أقسم ذات يوم على قتله إن هو استمر في إزعاجه، فاختفى (حسنين) من المنطقة،ثم سرت أخبار عن تطوعه في القوات المسلحة.يقذف (طلبة) كميات من الفحم في جوف موقد القاطرة يستحثها على زيادة السرعة،فما زالت أمامه ثلاث ساعات للوصول إلى المحطة النهائية،وتزداد سرعة القاطرة أكثر فأكثر،ويسكب كأساً ثانية وثالثة من الشاي،ويسرح ببصره في اللاشيء،في الظلام الدامس.هل أخطأ أم أصاب في تعامله مع (حسنين)؟،وهل لو أحسن التصرف معه لكان قد منع وقوع المصيبة التي حلت به وبعائلته؟ كيف انفلت عقال الأمور من يديه،فسارت على هواها بالطريقة الكارثية التي أصابت كرامته في مقتل؟ذات صباح استيقظ أهل الدار على صوت زوجته تولول معلنة هروب (فاطمة) من البيت،، سألوا عنها الأقارب،،بحثوا عنها في كل مكان،دون جدوى،وشاع النبأ في البلدة،فاتجهت الأصابع متهمة (حسنين) باختطافها،خاصة وأن اختفاءها قد تزامن مع سفر ابن عمها،وظن الجميع أنه قد اصطحبها معه-سواء برغبتها أو رغماً عنها لكي يواريا فضيحة ربما تورطا فيها- للسكن في إحدى مدن القنال،بالقرب من خط الجبهة التي كانت ترابط فيها كتيبته.صبايا البلدة وشبانها ربما صفقوا لهما في السر،بينما صبت العجائز اللعنات على رأسيهما،أما (طلبة) فقد أقسم على قتل الاثنين لو استطاع،أقسم على ذلك بشرفه أمام الجميع،وازداد الشرخ في العائلة إلى أن أصبح انفصالاً لا رجعة عنه.

تستمر القاطرة في التهام القضبان الحديدية،،بينما يدفع البخار بعنف مكابس القاطرة التي تخترق الحقول بهمة ونشاط،فيزداد تمايل رؤوس الأشجار على جانبي الخط بفعل تيار الهواء الذي يسحبه القطار خلفه،ومدخنة الموقد تنفث في الجو سحابة سوداء تغطي القطار من مقدمته إلى آخر عربة فيه،وكأس الشاي تفرغ وتمتلئ مرات ومرات ،وعينا (طلبة) تتناوبان بين خط السكة والظلام على جانبيه. ذات يوم سرت في البلدة أخبار عن استشهاد (حسنين)،،يومها هز(طلبة) رأسه مستنكراً:كيف يصبح الخائن شهيداً،وكيف يجمع رجل في شخصه صفتين متناقضتين:الإخلاص والخيانة.لم تسلم قيادة الجيش جثة (حسنين) إلى عائلته،ربما لأنهم لم يجدوا جثته أو بقايا منها بسبب سقوط قذيفة مباشرة على موقعه،فتلاشت أعضاؤه أو تبخرت بفعل حرارة الانفجار،،عائلته لم تفتح له مجلس عزاء،استنكاراً منها لفعلته التي نكست رأس العائلة بين أهل البلدة،وقبل أن يبدأ التساؤل عن مصير فاطمة بعد وفاة خاطفها،كان أحد الغجر يقرع باب عائلة فاطمة ليخبرها بأن ابنتها قد لحقت بإحدى مجموعات الغجر الذين يجوبون القرى ، متكسبين من بيع منتجات مواشيهم،أو من قراءة البخت والرقص في الساحات العامة،أو من تركيب الأسنان الذهبية في أفواه الفلاحين.هنا عادت الفضيحة تضرب العائلة من جديد بعد أن توارى شبحها حيناً من الزمن.وتضاعف حجم الكارثة بعد أيام عندما عاد ذلك الغجري المشؤوم ليخبر العائلة بأن ابنتها حامل على وشك الوضع.إذن فعلها الخائن ومضى،فبعد أن اعتدى على شرف فاطمة وحملت منه ، فر بجلده من العقاب ، وتركها وحدها فريسة التشرد والضياع ، ثم لقي حتفه على الجبهة. يشد (طلبة) حبل الصافرة ليحذر بعض الفلاحين من عبور خط السكة مع مواشيهم ، فتمر بهم القاطرة مسرعة ، تماماً كما تمر في خياله تلك الأحداث بسرعة وكأنها تحاول أن تهرب منه وإلى الأبد.

يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم،،يمسح وجهه بقليل من الماء البارد،ويحاول أن يركز أكثر على قيادة القاطرة،فيفشل،ويبقى ذهنه أسير عذاباته.بعد ربع ساعة سيعبر القطار تخوم بلدته، حيث يقع منزله على بعد عشرات الأمتار من الخط الحديدي. يستعيد ذكرياته التي كانت حلوة كالعسل فأصبحت أمرّ من العلقم،فمنذ أيام طفولتها الأولى،كانت فاطمة تنتظر مرور القطار بلهفة وشوق،وبمجرد أن تراه من بعيد،كانت ترفع بيدها الصغيرة منديلاً أحمر- إن كان الوقت نهاراً– ،أو مصباحاً زيتياً – إن كان الوقت ليلاً–،تلوّح بها لكي يراها أبوها،سائق القطار. كانت تلك اللحظات التي يرى فيها فاطمة عن بعد هي أسعد لحظات الرحلة،ولكثرة تكرارها،فقد حفظت فاطمة مواعيد مرور القطار عن ظهر قلب.بعد ربع ساعة عندما سيمر القطار أمام بيته،سوف يدير وجهه إلى الناحية الأخرى،،يحس بدموعه حارة تسقط على خديه،فيمسحها بكم قميصه المتسخ ،، بعد ربع ساعة ستعود الساعة به إلى الوراء سنوات وسنوات ،، ربما سيلمح خيال طفلة تلوح له من بعيد بضوء سراج باهت،،لن يصدق أنها فاطمة،لأن فاطمة الآن مشردة بين القرى والنجوع،تحمل في أحشائها دليل خيانتها،ورمز خسة ابن عمها.

فجأة ينتبه إلى أن هناك كتلة سوداء مكومة على الخط الحديدي،فها هو مصباح القاطرة الجديد يقوم بدوره خير قيام،ويكشف له الخطر في الوقت المناسب قبل وقوعه،،،سحب مقبض الفرملة بشدة،فتوقفت العجلات عن الدوران،وانزلقت القاطرة على القضبان،ثم وبسرعة فائقة جذب مقبض عكس حركة المكابس،فبدأت العجلات بالدوران إلى الخلف،وتطاير الشرر بشدة على جانبي القطار الذي ما زال مندفعاً بسرعة كبيرة- وكأنه سهم من لهب- نحو الجسم المكوم على الخط الحديدي. نتيجة لهذا التوقف المفاجئ،انقلب الكرسي الذي كان يجلس عليه (محمدين) فصحا من سباته العميق،وارتطمت رؤوس جميع الركاب بظهور المقاعد التي أمامهم،وسقطت بعض حقائبهم،التي كانت على الأرفف ، فوق رؤوس بعضهم،،زحفت القاطرة فوق السكة وزحفت، بينما عينا سائقها معلقتين بين مقدمتها والجسم الغريب،إلى أن استقرت على بعد أمتار منه. تنفس (طلبة) الصعداء بعد أن كاد نفسه أن يتوقف،،ترجل من القاطرة على عجل وتوجه نحو الجسم الغريب لاستجلاء كنهه،بينما استمر الركاب في هرج ومرج من هول الصدمة.هذا الشيء الأسود:هل هو كيس حنطة سقط عن ظهر دابة أثناء عبورها الخط الحديدي دون أن يشعر صاحبه به فتركه عن غير قصد في مكانه؟أم هو عثرة وضعها قطاع طرق على السكة لتعطيل سير القطار،ثم مهاجمته والسطو على ركابه؟نظر حوله فأحس بالهدوء يلف المكان لولا هدير غليان الماء في مرجل القاطرة،،اقترب أكثر فأكثر إلى أن أصبح على بعد خطوات من الجسم الغريب،،هنا تسمر في مكانه،وشعر بأن ركبتيه تخونانه،فركع على ركبة وأسند رأسه على يده المرتكزة على الركبة الثانية،،نظر إليها،كانت فاطمة أمامه بشحمها ولحمها تنظر إليه من خلف عباءة سوداء صارخة باكية:(لماذا توقفت يا أبي؟لماذا توقفت؟لقد جئت بنفسي إلى هنا لكي أجعلك تفي بقسمك وتقتلني ،،هيا يا أبي،عد إلى القاطرة ودعها تمر على جسدي كي تطهر شرفك الذي أقسم لك أنه لم تكن لي يد في تلويثه)،،لم يصدق ما تراه عيناه،،حملق فيها متأكداً:نعم هي اللعينة فاطمة،التي مرغت شرف العائلة،وقلبت حياتها جحيماً وذلاً،تابعت فاطمة:( أرجوك يا أبي،اصعد إلى القاطرة قبل أن يتجمع الركاب حولنا،واجعل الأمر يبدو وكأنه حادث قضاء وقدر)،،أصغى إليها باهتمام،فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ينال بها منها دون أن يطاله أي عقاب،،بعض الركاب بدأوا بالنزول من القاطرة،متوجهين إليه لاستجلاء الأمر،،نهض على قدميه واستدار لكي يعود إلى قيادة القاطرة،،لوح للركاب آمراً إياهم بالعودة إلى القطار فاستجابوا له،لكنه لم يكد يضع رجله على الدرجة الأولى لسلم القاطرة حتى سمع صراخ مولود قادم من جهة فاطمة،،تسمر في مكانه والتفت إليها،فإذا بها تحاول جاهدة تكميم فم المولود الذي خبأته في عباءتها حتى لا يعلو صراخه ،، نفرت الدموع من عيني (طلبة) بغزارة ،، هجم على ابنته وانتزع من بين يديها حفيده،،،ركع على الأرض مجهشاً بالبكاء،،قالت فاطمة بلسان متلعثم:ابن عمي الشهيد(حسنين) مظلوم يا أبي ،،المجرم الحقيقي هو ابن العمدة.

بينما تحرك القطار بقيادة المساعد(محمدين)،كان الركاب المتجمعون على نوافذ عرباته يرقبون (طلبة) ميمماً شطر الحقول،حاضناً حفيده بحنان غامر،وفاطمة تحث الخطى خلفهما،، وفي لحظات اختفى الثلاثة في جوف الظلام الدامس بين أعواد قصب السكر.

Sunday, March 23, 2008





جــــزيــــرة الأحـــلام
(شعر)

مـن شعري العابق بـالـعـطـر
أهـدي أشعاري للقمـر

لحبيب همت بصحبتــــه
كهيام الكأس مع الوتـر

نقتات الحبّ و نمضغـه
ونعيد المضغ بلا ضجر

نسـعى فـي الروض ونسعده
فيميــس الـورد مـع الشجـر

ونطوف الحقل تدغـدغـنـا
نظرات النّرجس و الزهـر

وأصيـغ لهــــا عقداً ورداً
ليغطّي النّحر مع الصّدر

فـتردّ الـشّكر بنظرتهـا
فيذوب القلب مع النّظر

نفنى في بعض يحملنـا
زورق أحلام في السّحر

نـسـبح في بحر من حلم
فيشيع الدفء بـلا شـرر

مـن حول الـزورق تحرسنـا
أفـواج مـن حور البحر

وأهـيم بـزرقة عـينـيهـا
فـيجنّ اليمّ مـن الحـسر

ونجدف لا نألوا جهداً
نتوارى عـن عين البشر

لجزيرة حلم رائعة
يكـسوهــا الورد مع الثّمر

فـإذا ما الشاطيء عانقنا
والزورق كلّ مـن السّفر

ورست أرجلنا فـي رمل
كالفـضّـة لا بـل كالـدّرر

أشعلـنا الزورق نـيراناً
تـفنيه فـناء لا تـذر

فلقد أصبحنا بلا عقلٍ
وغدت عينانا بلا نظـر

يا أروع أرض ضمّتـنا
لتكون لنا مهبط سـحر

لتخلد ذكرى قصتنا
فتعيش إلى أبد الدهـر

Friday, March 21, 2008

مؤتمر (موسكو) للسلام
بمناسبة اقتراح روسيا استضافة مؤتمر جديد لإقرار السلام في الشرق الأوسط ،يسر أبطال مسرحية (العصى والجزرة والحمار) تقديمها على خشبة مسرح (البولشوي) في موسكو،وذلك بعد النجاح الكبير الذي أحرزته من خلال عرضها على مدى الخمسين سنة الماضية في عدد من عواصم العالم
(للاستعلام والحجز يرجى الاتصال بالخارجية الروسية)
(ملاحظة:هذا الإعلان مدفوع الأجر من قبل حمار لم يفصح عن اسمه)

Saturday, March 15, 2008


مـهـــــزلـة
(شعر)

مـن عادة روّاد المسرح

أن يقفوا دومـاً مشـدوهين

أمام براعات التمثـيلْ

وخصوصاً إن كـان المـوضوع غـراميّـاً

فتسيل دمـوعْ

لتبـلّ الوجنـة والمنـديـلْ

أمّـا لو كـان المشهـــدُ

يتعلّق بمـذابـح شعبي

وصراع الشّـاة مــع الذّئبِ

فيغوص الجمهـور الرّاقي

بالضّـحك المفـرط والصّـخبِ

كالخنجر يسـحق أعماقـي

لكـن...إن كان لنـا سنـدٌ

فـي الجزء الباقـي من الجمهور

فالبعض ينام بلا كلفٍ

والآخـر يـهذي كـالمخمـور

أ لهذا صرتم يـا نـاس

زيّفتم حتـى الإحساسْ

Wednesday, March 12, 2008

سرب البالونات الحمراء
(قصة قصيرة)

كانت صرخته مدوية إلى درجة صُعِق لها كل من كان حوله.دار حول نفسه عدة مرات وعيناه تأكلان وجوه المحيطين به،يفتش بينهم عن أعز ما يملكه في هذه الحياة.قرفص على ركبتيه ودار حول نفسه عدة مرات علَّه يرى ضالته بين أقدام العشرات من الناس الذين جمعتهم صرخته المجنونة.لم يرَ شيئاً.نهض متثاقلاً،ثم،وقبل أن يكتمل انتصابه على قدميه، انهار جسده على الأرض محدثاً ارتطاماً ظن معه الجميع أنه قد فارق الحياة .

الآن يغوص في لجة ذاكرته،فيمر أمام عينيه شريط سريع من الصور التي اختزنها عقله الباطن،منذ تعرف على زوجته، مروراً بأحلامه أن يرزق منها بولد يرث عنه أمواله الطائلة التي درّتها عليه تجارة ناجحة. تتقطع الذكريات برهة،ثم يعود ليرى نفسه وإياها خارجين من عيادة الطبيب الذي بارك لهما حملاً تأخر خمسة عشر عاماً بالتمام والكمال. رُزِقَ مولوداً ذكراً جاء أجمل من كل أبناء الأرض (أو هكذا كان يراه)، فتجمعت فيه كل آماله وأحلامه.تقترب ذاكرته كثيراً من أحداث هذا اليوم، فقبل قليل كان يمسكه بيده،وأحياناً كان الصغير يتشبث بثياب أبيه،وهما يتجولان داخل حديقة للملاهي،ثم فجأة اختفى الولد.

رشَّةٌ من الماء البارد وبضع صفعات على خديه أيقظته من غيبوبته. يحملق في الوجوه الغريبة التي تحلَّقت حوله بعيون متلهفة فاحصة.أحدهم يقول:الحمد لله،لقد صحا أخيراً.عاد للنظر عند أقدامهم ودموع ساخنة تقفز من عينيه:أين ولدي؟أين هو؟أرجوكم أين هو؟.صوت امرأة تنادي من بعيد: لمن هذا الطفل؟.عندئذ تتجمع في جسده قوة مائة حصان فيهبُّ واقفاً:إنه ابني يا سيدتي،نعم إنه ابني.المرأة تدفع الطفل إلى أبيه وهي تتمتم مؤنبة مُعاتبة:إذا لم تكونوا قادرين على رعايتهم ، فلماذا تنجبونهم؟،ثم تمضي مسرعة.

جلس على ركبتيه محتضناً وحيده الذي لا تعادله في القيمة كل كنوز الأرض.الأب يمسح دموعه والصغيرلا يعلم سبب بكاء أبيه،وهو رفض أن ُيؤنبه على انفلاته من يده واختفائه بين المئات من الناس.قال في نفسه:لا يهم.. الحمد لله عاد بالسلامة،محاولاً أن يُقنع نفسه بأن شيئاً لم يحدث،فهو،بعد انفصاله عن زوجته أصبح بالنسبة لابنه الأب والأم والصديق،ونزهة اليوم لا يجب أن يعكر صفوها ضياع الطفل بضع دقائق-وإن كان قد أحسها دهوراً طويلة-والحمد لله فقد عاد بالسلامة.

يستمران في جولتهما،ولكي يضمن عدم ضياع ابنه ثانية،يحمله على رقبته،ممسكاً ساقي الطفل،قابضاً عليهما بقوة،،يشتري له بعض المثلجات،،يلعقها الطفل بنهم،فيسقط قسم منها على رأس الأب،وتسيل قطراتها الباردة على وجهه،فيمسحها بفرح غامر،وهما يضحكان ويلهوان وكأن شيئاً لم يحدث على الإطلاق.على سور الحديقة بائع للبالونات،نفخ بعضها وعلقها بخيوط وأطلقها في الهواء،فتهادت كأنها سرب حمام ملون.الطفل يوجه رأس أبيه باتجاه بائع البالونات طالباً شراء البالونات الحمراء جميعها،والأب لا يمكن أن يرفض هكذا طلب،متأثراً بالموقف الصعب الذي مر به قبل دقائق.يطلب من بائع البالونات أن يفك له البالونات الحمراء من المجموعة المحلقة في الهواء.البائع- لِقِصر قامته- يعتذر عن عدم تمكنه من تناول المشبك الذي عُلِّقَتْ به خيوط البالونات، طالباً المساعدة من زبونه.يتناول الرجل ابنه من على كتفه ثم ينزله أرضاً والطفل متشبث بثياب أبيه.الأب يحاول التطاول على رؤوس أصابعه لكي ينزل البالونات من المكان العالي الذي عُلِّقت فيه.يقترب من مكان البالونات أكثر فأكثر،ودون أن يشعر الأب،يبتعد الصغير عنه أكثر فأكثر.يمسك الرجل بمشبك البالونات بعد جهد،ثم يناولها للبائع،،يفك البائع كتلة الخيوط على مهلٍ،ويجمع بين أصابعه خيوط البالونات الحمراء فقط،ثم يناولها للرجل الذي ينقده ثمنها ثم يلفها حول أصابعه.
يلتفت الأب إلى الخلف،ثم يدور حول نفسه مرات ومرات،والبالونات تدور معه محلقة في الهواء كسرب حمام أحمر.الآن يقف الرجل في مكانه خائر القوى، عاجزاً عن الصراخ،متمتماً بيأس قاتل:(أين أنت يا بني؟هل ضعت مني ثانية يا ولدي لأنك أحببت البالونات الحمراء؟أم أنني ضيعتك لأنني كنت أطول قامة من بائعها؟).
تدور به الدنيا بسرعة مذهلة.يحس بانضغاط في الحنجرة ،وبألم شديد في الجهة اليسرى من الصدر،يحاول أن يفك أزرار قميصه فيفشل.تنهمر دموعه بغزارة ثم يسقط على الأرض جثة هامدة بلا حراك .
بينما كانت نفسه تصعد إلى السماء،كانت خيوط البالونات الحمراء تنفلت من بين أصابعه وهي تصعد في نفس الاتجاه،محلقة كسرب حمام ملون.صبيٌّ يبكي منادياً على سرب البالونات الحمراء طالباً منها أن تعود،وصوت امرأة تنادي من بعيد:لمن هذا الطفل؟.

Friday, March 7, 2008


زمن أبي السبع
(قصة قصيرة)

متبختراً يسير بين صفوف الأدراج المغلقة،في يدٍ سيجارة يوسع بدخانها رئتيه، وفي الأخرى كأس من الشاي الغامق يعدل بها دماغه التي أرهقها عمل نهار طويل.كان يوماً شاقاً استقبل خلاله،وعلى فترات متقاربة،عدداً كبيراً من أبناء البلدة،وهو – وإن لم يكن يشعر بالسرور لرؤية زوار هذا اليوم،وكل يوم، لأنه يعرف معظمهم معرفة شخصية – إلا أن شعوراً بالزهو يغمره لأنه الوحيد في البلدة القادر على القيام بهذا العمل منذ سنوات ،منذ بدء الانتفاضة الأولى،ثم اغتيالها بيد أهلها،إلى قيام الانتفاضة الحالية ومحاولات تصفيتها بيد أصدقائها. ببطء ينقل بصره في أرجاء القاعة الواسعة من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ، ثم يبدأ في عَدِّ الأدراج:عموداً واحداً من الأعلى إلى الأسفل،ثم صفاً واحداً من اليمين إلى الشمال،حاصل الضرب سيكون العدد الكلي للأدراج،أحياناً كان يتصور أنه ربما أخطأ في عملية العد، فيعود ليكررها مرة ثانية،وعندما يحصل على ناتج ضرب مرضٍ كان يردد ( ما شاء الله ) مع أنه يدرك يقيناً أن هذه ( المشألة ) تصلح في أي مكان إلا هنا،في هذا المكان،ولئلا يضطر إلى تكرار عملية العد والضرب في كل مرة تزوده فيها إدارة المستشفى بأدراج جديدة تلبية لحفظ العدد المتزايد من الموتى،فقد قرر ترقيم الأدراج باستخدام قلمٍ خطاطٍ عريض الشفة .

يد بدايات الشتاء تدق أبواب البلدة برفق،،هبة ريح ناعمة تهز باب القاعة فيتجه على مهل لإغلاقه،لكن حنان الدفء القادم من الداخل،ونعومة البرودة الزاحفة من الخارج، يغريانه بوضع كرسي صغير قرب الباب ليستريح عليه.انتبه إلى عتبة الباب،،لاحظ أنها تشكل الخط الفاصل بين عالمين متناقضين:عالم الأموات داخل القاعة،وعالم الأحياء خارجه ، ولكي يكون عادلاً بين هذين العالمين،كان عليه أن يضع كرسيه الصغير فوق خط العتبة تماماً:قائمتان خارج الباب والقائمتان الأخريان داخل القاعة.جلس مستشعراً غبطة كبيرة، وأحس بأن رأسه بدأت تنضح فلسفة وحكمة:نظر إلى قدميه فرأى اليمنى خارج القاعة واليسرى داخلها،فاطمأن إلى إنه يقبع الآن بين عالمين يشعر بينهما بالحياد،فمن أين له بالدموع لو بكى على كل شهيد أتى ليستريح في أحد أدراج ثلاجة الموتى قبل بدء رحلته الأخيرة،ومن أين تأتيه البسمات إن كانت رائحة الموت والحزن تعبث في كل البيوت والأزقة والساحات،لذا فقد قرر منذ زمن ألا يبكي وألا يبتسم،أن يكون محايداً-أو متظاهراً بالحياد- في مشاعره،وجلوسُه فوق كرسي تجثم قوائمه الأربعة مناصفة بين عالمي الحياة والموت هو خير تجسيد لما وقر في نفسه.سيجارة ثانية وكأس أخرى من الشاي لن تضرا في هذه الأمسية المتأخرة،،،وترتفع نفثات الدخان،،تتوالى رشفات الشاي على صوت أغنيات قادمة همساً من مذياع قديم،وعندما كانت تدهمه لحظات طرب وفرح،كان ينظر إلى الداخل فيصطدم نظره بأدراج ثلاجة الموتى،وعندما يستشعر يأساً وكمداً،كان يدير وجهه إلى الخارج فيرى الأمل مرتسماً على وجوه فتية تضج بالحياة وجناتهم،يمرون مسرعين أمام الباب خوفاً من رؤية ما لا يرغبون رؤيته،هنا كان يرتدُّ إلى حياده الذي صمم على التزامه، تماماً كموقع الكرسي الذي يجلس عليه الآن .

أسلوب تعاملِ الناس معه كان يقوده إلى تكريس مبدأ الحياد:عندما كانوا يأتونه بجثة شهيد،كان يتولى أمره منذ دخولهم من الباب:يتوقف برهة ليستذكر أي الأدراج هو الفارغ،ثم يحمل الجثة بمساعدة الآخرين موسداً إياها برفق،مغطياً الوجه بجزء من الكفن، معيداً إغلاق الدرج بإحكام حفاظاً على درجة حرارته المنخفضة،وبصوت جهوري كان يطلب من الجميع سرعة المغادرة بعد أن يعطيهم رقم الدرج الذي أودع شهيدهم فيه،ففي هذه القاعة يتحول الشهداء إلى أرقام...مجرد أرقام.كان يستجلي في عيون الناس ووجوههم توقيراً واحتراماً لما يقوم به من عمل يعجز معظمهم عن القيام به،حتى أنهم لقبوه ومنذ زمن ( أبو السبع ) والذي حل بسرعة مكان اسمه الحقيقي ( عبد الرحمن )،إِذ مَن غير أبو السبع يستطيع التعامل مع جثث الموتى،،يأكل بقربهم،،ينام معهم،،،بل ويقلبهم أمام ذويهم ذات اليمين وذات الشمال،،كان في نظر الناس يقوم بما لا يمكن أن يقوم به سوى الجبابرة،،أمام أدراج الموتى كان الناس يعتبرونه أفضل منهم،يشعرون أنه أقدر على القيام بما يعجزون عنه،يأتمنونه على شهدائهم،وتوصيه الأمهات الثكالى والزوجات الأرامل أن يترفق بأحبائهم،،أن يفتح الأدراج ويغلقها بهدوء حتى لا يعكر على الأموات صفو صمتهم،وأن يحرص على استمرار التيار الكهربائي حفاظاً على الجثث من التعفن–رغم قناعتهم أن أجساد الشهداء لا تتعفن-،أما خارج الثلاجة فقد كانوا يرهبونه–خاصة الصغار منهم-،بل ويترددون في مصافحته إن هم رأوه في السوق عند خباز أو بقال،،كانوا يتحاشونه كما لو أنهم تبرأوا منه،وهذا ما عزز في نفسه الفلسفة الحيادية،وهاهو الآن محايدٌ،يجلس مرتاحاً فوق كرسيه بين العالَمين:قدم في الدنيا وقدم في الآخرة.
استشعر في نفسه عظمة ورفعة لم تخطر له على بال من قبل،فرغم أن والده كان قد توفي دون أن يتمكن من تحقيق حلمه بالعمل ولو حارساً ليلياً في هذا المستشفى،فقد استطاع هو أن يترقى من مجرد موظف صغير في قسم الاستقبال،إلى مساعدٍ في قسم التشريح،إلى مديرٍ لثلاجة الموتى،أليست هذه قفزات عجز عن إنجازها حتى أكثر موظفي المستشفى علماً وكفاءة مع أنه لم يحصل إلا على مستوى التعليم الابتدائي؟.أيقظه من تأملاته صوت أنين قادم من الداخل،تشكك في ما سمعه،غير أن الأنين عاود الانسياب ثانية بشكل أوضح.نفس الشيء حدث منذ شهرين،يومها سارع إلى الدرج الذي صدر منه الأنين،فتحه على عجل،أزاح طرف الكفن عن الوجه،فوجد عينين ترمشان،وشفتين تحاولان الحراك تشبثاً بالحياة،،يومها أسرع في أخذ المسكين إلى غرفة الإنعاش،وما لبث أهل العائد من الموت أن علموا بالأمر فأسرعوا إلى المستشفى،غير أن فرحتم بابنهم لم تكتمل حيث فارق الحياة بعد دقائق من حضورهم،فكان الفراق فراقين والحزن حزنين والمأتم مأتمين،فكيف له أن يكرر مثل تلك المأساة الآن،،بقسوة تامة يتجاهل ( أبو السبع ) الأنين القادم من أحد الأدراج–دون أن يكلف نفسه مشقة معرفة رقم الدرج مصدر الصوت- مكتفياً بنصح صاحب الأنين أن يمعن في الموت،ببساطة،(لأن هذا أحسن للجميع)،وبدأ الأنين بالتلاشي رويداً رويداً .

كل هذا كوم،وأن تبلغه إدارة المستشفى قرار نقله إلى قسم المشتريات كوم آخر، ،بعد كل هذا التوازن الذي توصل إليه بين عالمي الحياة والموت،وبعد كل هذه الجرأة التي أبداها في التعامل مع جثث لا حصر لها مرت بين يديه،وهذا اللقب الذي منحه إياه أبناء بلدته (أبو السبع)،بعد كل هذا يأتي قرار الإدارة بنقله إلى قسم المشتريات،هل هي مزحة من الإدارة أم هو الأمر الواقع يصفعونه به بحجة المصلحة العامة؟،(وأين هي المصلحة العامة في حرمان الأموات من رعايتي وحرماني من هدوئهم،ومن ذا الذي سيقدر على التأقلم مع هذا الوضع والجلوس محايداً،تماماً على الخط الفاصل بين الحياة والموت،كما أفعل الآن؟).

الآن خمد الأنين القادم من الدرج تماماً،،فهدأت نفس أبي السبع،وقام ليملأ كأس الشاي للمرة العاشرة،وليشعل سيجارة للمرة العشرين،،الفجر يشارف على البزوغ وأبو السبع مازال يفكر في كيفية مواجهة إدارة المستشفى فيما يتعلق بقرار نقله من الثلاجة:لن ينام هذه الليلة بل سينتظر بداية الدوام،،عندما يصل المدير سوف يطرق باب مكتبه فوراً،ثم سوف يشرح له موقفه من قرار النقل(يسحب نفساً من السيجارة)،،إذا تراجع المدير عن قراره فسوف يشكره بل وسيقبل جبينه،أما إذا أصم أذنيه وصمم على القرار(يأخذ رشفة من الشاي)،فسوف يضرب بقبضته على سطح مكتبه حتى ترتفع كل الأشياء التي عليه في الهواء،ربما فزع المدير فتراجع عن قراره،وربما أصر عليه،عندها سيتخلى عن حياده الذي أنفق جُلَّ عمره في بنائه،وسيقذف في وجه المدير كتاب استقالته من العمل،وسيغادر المكتب عائداً إلى عالم الأحياء،،ربما كان الخيار الأخير هذا قاسياً على القلب،غير أنه أمر لابد منه ، فهو أفضل من العمل في قسم المشتريات،حيث سيستمر في رؤية غرفة الموتى من بعيد دون أن يتمكن من دخولها،وهذا ما لن يرضيه أو يرضى به الأموات،،هنا راق له أن يتخيل مظاهرة يخرج فيها عشرات الشهداء من أدراجهم ملتحفين أكفانهم،حاملينه على أكتافهم، متوجهين به إلى مكتب المدير مطالبين ببقاء حبيبهم أبي السبع في موقعه،وإلا فسوف يأخذونه معهم،،ترتاح نفسُه لرؤية نفسِه على أكتاف الشهداء ،ويشعر أن حياده قد وصل إلى طريق مسدود،فيتمنى أن يرفض المدير طلبه لكي يذهب مع أصدقائه-أشرفِ الناس-بدل الذهاب إلى قسم المشتريات الشهير بالسرقات والمال الحرام.فجأة يتوقف ذهنه عن التخيل،ويحس بضيق في صدره،فيغبُّ نفساً عميقاً من السيجارة،ويأخذ رشفة أخيرة من كأس الشاي.

في الصباح الباكر جاؤوا ونزعوا من يد أبي السبع بقايا السيجارة التي أحرقت جلد إصبعي السبابة والوسطى،،أخذوا كأس الشاي الفارغة من اليد الأخرى،،قذفوا الكرسي المحايد داخل القاعة،وبينما ضج المكان بأصوات همهمات تتعالى من جميع الأدراج المغلقة،وضعوا جثة أبي السبع في الدرج المجاور لذاك الذي كان ينساب منه الأنين الخافت في الليلة الماضية.





Wednesday, March 5, 2008

ملعوبة يا...حودة
(قصة قصيرة)

كان الجلوس في تلك المقهى عصر كل يوم ومراقبة الشمس قبل أن تغطس في البحر ، واحداً من أهم أنشطة إجازتي التي صممت أن أقضيها بالكامل في ذلك المصيف الجميل ، الذي يتكيء بدلال وغنج على شاطيء البحر الأبيض المتوسط .لم تكن الواجهة الحديثة للمقهى متناسبة مع تصميمها الداخلي الشعبي،فقد لجأ صاحبها (المعلم) إلى تزيين جدرانها بأنواع رخيصة من السجاد،بينما علقت خلف مكتبه في صدر القاعة صورة جمال عبد الناصر إلى جانب صور أبي زيد الهلالي والزير سالم وجساس وجليلة وغيرهم من أبطال التغريبة الهلالية،أما الطاولات والكراسي وباقي الأثاث فيبدو أن(المعلم)صاحب القهوة قد اشتراها مستعملة(ولكن بحالة ممتازة!)،،وباقات الورد الاصطناعي الرخيصة قد انتشرت بألوان متنافرة وشكل مضحك على أرفف خشبية قديمة،حتى بدت وكأنها الحدائق المعلقة.كان منظر الشمس عند غروبها بقدرته على استفزاز مشاعر حتى غير الشعراء لنظم القصائد،ورشف فنجان من القهوة الطازجة خلال الاستمتاع بهذا المنظر الخلاب برائحتها التي تدغدغ أنفك وكأنك تجوب مزارع البن في الحبشة،وقرب هذه المقهى من الفندق الذي أنزل فيه دون الحاجة إلى استخدام وسيلة مواصلات،هذه كلها كانت مميزات جذبتني إلى تلك المقهى،لكن ما زاد في تعلقي بها،والمداومة على الجلوس فيها،كان شخصية ذلك النادل الوحيد الذي كان يعمل فيها، والذي كان يخدم الزبائن برشاقة ودماثة ندر أن رأيت مثيلا ً لهما من قبل.
منذ زيارتي الأولى للمقهى عرفت أن اسمه (حمادة)،بينما كان يحلو للزبائن أن يطلقوا عليه اسم الدلع (حودة)،وكان هذا الاسم البديل هو المفضل عنده.عندماً كان يلمحني قادماً من بعيد ،كان (حودة) يسارع إلى تحضير أفضل طاولة لديه،،يمسحها بعناية فائقة،ثم يسحب كرسياً ويدعوني بترحيب كبير إلى الجلوس عليه،وبمجرد أن يتلقى بعض الطلبات من الزبائن،كان (حودة) يصرخ بأعلى صوته طالباً من العامل الواقف في المطبخ تحضيرها،مستخدماً أسلوباً يجد فيه الرد المناسب على تحية الزبائن بأحسن منها،فمرة تسمعه يصرخ (أحسن كباية شاي لأحسن معلم حسنين)أو(واحد يانسون عال العال لأحلى أستاذ كمال) وقد ينادي بأعلى صوته(واحد شيشة مجهجهة لسيد المعلمين المنجهة)،أما أنا فلا أدري لماذا اختصني بلقب (سعادة الباشا)،هل كان لأدب شديد في تربيته،أم بسبب الإكرامية التي كنت أنفحه إياها كل مرة أغادر فيها المقهى؟،لا أدري،إنما الذي أعلمه جيداً أن الشاب كان مثال التهذيب والأدب.عندما كان (حودة) يضع الطلبات الجاهزة على صينية نحاسية يحملها فوق كفه،كان يطير بها بين الطاولات،يوزعها على الزبائن يمنة ويسرة،والجميع ينظر إلى براعته بإعجاب مشوب بالخوف من أن يسقط ما بيده على الأرض أو على رؤوسهم،غير أن تمرسه في عمله،والمهارة التي اكتسبها نتيجة خبرته الطويلة،قد ساعدته على القيام بحركاته تلك دون حوادث أو ارتطامات تذكر،وقد اعتاد الزبائن وجود نادلهم البهلوان حتى غدا وكأنه قطعة من قطع أثاث المقهى.

في آخر يوم من إجازتي،ذهبت إلى المقهى لآخر مرة كي أودع منظر الغروب،وأستمتع برشف آخر فنجان قهوة قبل السفر،والأهم من ذلك لكي أودع (حودة).لم يصدق المسكين أذنيه عندما أخبرته أنني مسافر من الغد،وأنني جئت خصيصاً لوداعه،واغرورقت عيناه بالدموع،فأشفقت عليه.أقسم بالله أن يقدم لي آخر فنجان قهوة على حسابه الخاص،وقبل أن أرفض،كان يكرر القسم ويهب صارخاً (أحلى فنجان قهوة لأحلى سعادة الباشا)،وغاب خلف الستارة لإحضار باقي الطلبات.طالت غيبته هذه المرة أكثر من المعتاد،لكنه ما لبث أن ظهر من خلف الستارة وهو يحمل على كفه صينيته النحاسية وعليها فقط -على غير عادته -: فنجان من القهوة وكأس من الماء،بينما كان يحمل في العادة أكثر عدد من الطلبات يمكن أن تتسع له الصينية،مما زاد في ثقتي بحجم الأثر الذي تركه نبأ سفري في نفسه،وخلت أنه أراد أن يشعرني بأنه يحرص على خدمتي منفرداً بصورة شخصية.تمايل (حودة) كعادته وهو يرفع الصينية بما عليها على كفه إلى أعلى من المعتاد،متحاشياً اصطدامها برؤوس الزبائن . وحلقت الصينية إلى الأعلى منحرفة تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار،مرة إلى الأعلى كثيراً،ومرة إلى الأسفل قليلاً،حتى خال كل من يراه بأن الصينية وما عليها سوف تهوي على رأس أحد لا محالة،لكن ذلك لم يحدث،وازدادت سرعة(حودة)،وارتفعت وتيرة تمايله بين الزبائن،وتصاعد خوف الجميع من سقوطه،إلى أن وصل على بعد خطوات مني وانزلقت قدمه.

سقط (حودة)وسقطت الصينية بما عليها على أرض المقهى،فتناثر الماء والقهوة في جميع الجهات، دون أن يصيبني من رذاذها شيء يذكر،،نهضت مسرعاً لكي أرفعه عن الأرض،فلم يوفر الصبي شيئاً من كلمات الاعتذار لكي يخفف ما وقع لي من انزعاج ورعشة،وشرع فوراً في التأكد من أن شيئاً لم يسقط على ملابسي،وبعد أن لملم نفسه،وجمع شظايا الزجاج المكسور، وحالما هدأت الضجة التي أعقبت سقوطه،اقترب مني هامساً :-(اسمعني يا سعادة الباشا ولا تنظر إلى الرجل الجالس خلفي مباشرة إلى جانب المعلم،ذلك الرجل صاحب الشنب الكث،، حاول أن تراه دون أن يشعر بك،،هل رأيته؟هذا الرجل يا سعادة الباشا طلب مني أن أسقط فنجان القهوة على بذلتك الجميلة مقابل أن يعطيني عشرة جنيهات،،عشرة جنيهات بحالها يا سعادة الباشا،،هو هكذا حسود لا يحب أن يرى أثر النعمة على أحد،وهو كما ترى بلطجي يمكن أن يؤذيني لو رفضت طلبه،لذا تظاهرت بالقبول ثم تعمدت السقوط،لأتفادى اندلاق القهوة على بذلتك الثمينة).كان المسكين يرتجف بينما يهمس بكلماته،متظاهراً بمسح ما سقط على الأرض.أضاف(استر عليَّ يا سعادة الباشا ولا تكلمه ربنا يخليك،وإلا فسوف يعاقبني على خيانتي له،،).ازداد إعجابي بابن البلد هذا،وأيقنت بأن الزمن الجميل الذي لوثه صاحب الشنب المؤذي وأمثاله،ما زال يضم في جوانحه مثل هذا العامل الفقير المخلص النزيه.مددت يدي إلى جيبي وأخرجت منها ورقتين من فئة الخمسة والعشرين جنيهاً ودسستها في يده،،أقسم الرجل أنه لن يأخذ مني شيئاً،فما فعله كان أقل من الواجب (خيرك سابق يا سعادة الباشا) . كان المبلغ الذي وعده به صاحب الشنب يعادل راتب يوم يتقاضاه (حودة) من صاحب المقهى،وكان ما عرضته عليه كمكافأة على إخلاصه أقل من واحد بالمئة من قيمة البذلة التي أرتديها،وبين إلحاح مني وتمنع منه،أفلحت في جعله يقبل المكافأة،لكنه مال عليَّ هامساً (لكن لو سمحت يا سعادة الباشا،من أجل خاطري،لا تخبر ذلك الشرير شيئاً عما دار بيننا،لأنه سوف يؤذيني،أما أنا فسوف أتدبر أمري معه،سوف أقول له:أرأيت كيف أن من يحفر حفرة لأخيه يقع فيها؟،،لا تشغل بالك يا سعادة الباشا،سوف أتدبر أمري بنفسي،تروح وترجع لنا السنة القادمة بالسلامة) .
ودعت صديقي النادل،وخرجت من المقهى،ملقياً على صاحب الشنب الكث نظرة تهكم واستهزاء،فها أنذا أخرج وبذلتي نظيفة رغم كيده وخبثه،بفضل رجولة (حودة) الشهم، وشجاعته التي أفسدت الخطة الشريرة،لكنني عندما ابتعدت خطوات عن المقهى،ونظرت خلفي لألقي عليها وعلى (حودة) تحية وداع،إذا بي أرى الرجلين:(حودة) وصاحب الشنب الكث،يقتسمان مبلغ الخمسين جنيهاً مناصفة.

Sunday, March 2, 2008

أبــــطـال الـصمت
(شعر)

مـا عادت أعـمدة الشّعــر تـقـيّد قافـيتي

أو تلغي خارطتي

لن تقوى كل بيانات الشجب المتملق

أن تخرسني ، ، ، أن تدني آخرتي

أو تخنـق فــي صدري

صـوت الكـلمات المجنـونـةِ

لـن أعـرف بعـد اليـوم حـدوداً للشكــوى

ها أنذا أصرخ ، أنفخ في قرب مثقوبة
في نخوة من كل مناصبهم
صارت في أيدي الخسة ...ألعوبة
في سحنة من كل مواقفهم
أضحت مهزلة...أكذوبة
أبطال الصمت

أصحاب الرتب الهدامة

ملك وأمير وفخامة

قد ولى زمن تسلطكم

وانكشفت عورة موقفكم

ولذا لـن أجثو حـيـن أخـاطبكــم

أو أرجف حين أناشدكم

لن أتأدب في حضرتكم

أو أستجدي عونا ً منكم

بل أفضحكم وأعريكم

وسأهتكها كلّ الحجبِ

وسـأكـشـف عـورات العهـرِ

المتقمّـص ثـوب الـطّهـرِ

فقـد وصلت أنيـاب السّـكّـيــنِ

حـدود الـرّقبـةْ
=====================
إخـوة يـوسـف

يـا رمـز الـغدر المتواطـيءِ

لـن أستر أبــداً فعـلتـكـمْ

أو أشــرب نخـب جـرائمكــمْ
وسأسدي للذئـب نصـيـحـةَْ

أن يـأتي قدام أبـيـكـمْ

يعلـن أنّ جــذور الحقـد السّــاكـن فـي دمكـمْ

والغـيـرة والخـوف المتـأصّــلَ

فــي أعمـاق خـلايـاكــمْ

كادت أن تجعلـه متّهـمـاً بجريمـة قتـل

لكـنّ الـوحـي يبـرّئـهُ

فالذئب بريء ...

أمّـا أنتـم ...

فاللّعنة دوماً تتبعـكـمْ

والخوف سيـغـدو هاجسكــمْ

والـخزي طـعـام ٌ يُتخمكم

وعلى أنقـاض ضـمائـركـمْ ،،، وأمام نذالة موقفكم

يقـف العجز الصّـامت محنـيّ الجـبـهـة
======================

يعقـوب ،،، أبا الصدّيق تـجمّلْ

لا تحمـل أوزار بنيـك ،،، ولا تخجـلْ

فالغـدر سجـلّ معـروفٌ

سـطّـره قـابيـل الأولْ

وارحـم عينيــك وكحّلـهـا

بالسّــوسـن ... بالحلــم الأجمل

يــوسـفُ سيعــودُ وفـي فمـهِ

أنشــودة نصـر لا تذبلْ

وعلى أعتـاب نبـوّتـهِ

ينتحـر الشّــرف المتناثر

في جوف الصّمـت المتآمر

ومن الأعضاء المبتورة ْ،،، ومن الأشلاء المطمورة

من عمق جراحك يا غزة
من فوق قبابك يا أقصى
من نوح نخيلك يا بصرة
:تعـلو صرخات نارية

إخوة يـوسف ، جبناء العصر ، حكام القهر

سحقـاً للصّمـت المتـواطيءِ

سحقـاً للجبهة المحنيّـةْ

Tuesday, February 19, 2008


وِحــدة
(شعر)

كي أسعَدَ في جوف الغُربةِ

كيلا تقتلني حسراتــي

أقسمت بِكُلِّ الآهات

وكسرت جميع الهاءات

وأخذت على نفسي عهداً

أن تدنو ذاتي من ذاتي
====================
: في العزلة

أغــزِل أفكـــاري وأغازِل جُملــة أسراري

أتشرنَقُ فيهــا
أنسجهــا فلسفـــةً

ألْضِمُهـــا عِقــداً من صبـــــرٍ

لأُكمِّلَ فيهـــا مِشــــواري

==================
: فـي الوِحـدة

أحضن عـودي

أنفث في جَلَدٍ أفكاري

فتعود على عَجَلٍ حـوراً

تتمايل فـوق الأوتـارِ

أفتكِرُ اللغةَ الأولـى
أمضغُهــــا ... أهصرُهـا

أعــدو فيهـا كغـزال الروحِ

لأَسْبِـكَ منهـا أشعـاري
==================

: في صَـوْمعتي

أمْتَهِـن الصمـت

أقتـاتُ الوِحـدةَ في جلد ٍ

تتلاطم روحـي مع ذاتـي

لكنّي إذ أفتـحُ بـابي

وأَرى في كـلِّ زوايـا الدار

طُيوف جميـعِ الأحباب

تسقـطُ أوهام العزلة ، والوِحدةِ ، والغُربة

يتصالح ليلي ونهاري

Monday, February 18, 2008

قمة ، أم – عفواً جزيلاً – ، قمامة ؟
( مقالة بذيئة )

لفظة ( قمة ) تعني دائماً الاتجاه إلى الأعلى ، فجميع القمم تقع فوق ، باستثناء قمة واحدة تتجه إلى الأسفل هي : قمة المأساة

في يوم 27 سبتمبر من عام 1970 عقدت آخر قمة عربية شريفة محترمة .كانت قمة طارئة ، وكان هدفها إطفاء النار التي اشتعلت في الأردن بين الفلسطينيين والأردنيين ، ونجحت في ذلك بفضل روح الزعيم ، لكنها شهدت في ختامها مصيبة فقدِ الأمة زعيمها الراحل جمال عبد الناصر ، والقمم العربية الخمس التي سبقت تلك القمة الطارئة كانت تنعقد للتباحث حول التصدي لأطماع إسرائيل في المنطقة العربية ، والعمل على تحقيق تنسيق عربي يضمن استرداد الحقوق المغتصبة ، أما المؤتمرات التي تلت تلك القمة الطارئة ، فكانت – وما زالت – تنعقد للتباحث حول استجداء السلام من إسرائيل ، والتضييق على كل من ينادي بتحرير الأرض والكرامة من الامتهان الذي تتعرض له ليل نهار ، كما حفلت هذه المؤتمرات بطرح مشاريع الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية في فلسطين ، وأكدت على تجنب اللجوء إلى استخدام القوة مهما بلغ تعنت العدو ، وكلما تقدم العرب في طرحهم السلمي ، تمادت إسرائيل في تعنتها ورفضها كل المشاريع والمقترحات العربية الجبانة ، والأمر بديهي : فإذا كانت قيادات العرب قد طرحت الخيار المسلح جانباً ، فمن الطبيعي أن تطرح إسرائيل الخيار السلمي جانباً أيضاً ، فلماذا تعطي العرب شيئاً ، أي شيء ، ومنذا الذي سيلزمها بذلك ؟ : مجلس الأمن الدولي الذي أصبح مكتباً ملحقاً بالخارجية الأمريكية ؟ ، أم القانون الدولي الذي يبيح القضاء على بلد وشعبه بالقوة المسلحة ثم يعدم رئيسه ؟ ، أم المجتمع الدولي الذي يقفل الأفواه ويصم الآذان ويغمض الأعين عن جرائم لم يحدث مثيل لها من قبل على يد الفايكنغ والمغول والنازيين، بينما يصرخ ويندب ويلطم الخدود لو جرح طفل في مستوطنة في أراضي الغير؟ . أم حرية الرأي التي تسجن كل من يشكك في المحرقة اليهودية،وتصفق لكل من يسيء إلى أنبياء وأديان الآخرين؟ لماذا تستجيب إسرائيل لمجموعة من الجبناء الرعاديد ، الذين يفتحون السجون ويقفلون المدارس والجامعات، ويسرقون أقوات شعوبهم ليودعوها في البنوك الصهيونية ، ويشترون الأسلحة الفاسدة التي لا تستخدم فتصدأ وتلقى في ساحات الخردة ، لكي يُشترى غيرها وتدخل عمولاتها في حساباتهم المتخمة بالمال الحرام؟

القمة القادمة في شهر مارس المقبل : ماذا نتوقع منها أن تكون سوى قمة للقمامة العربية التي تتربع على رؤوس الشعوب الخانعة المستسلمة ، وخاصة على رؤوس النخبة المثقفة التي باع قسم منها نفسه بثمن بخس ، وقسم آخر سكنه الخوف فشل لسانه وارتجفت يداه فسقط قلمه ، وعسكريون حنثوا بقسمهم العسكري ، فالتفتوا إلى بناء المزارع وإنشاء الشركات
ماذا تتوقع شعوب خانعة مسكينة مستكينة من ( قمة المأساة ) القادمة سوى أن تُباع وتشترى كالعبيد ، وُيقَرَّرُ مصيرها بأيدي حفنة من الجبناء الرعاديد والمتخلفين الجهلة الذين يجيدون طرح مشاريع الاستسلام والخنوع أكثر من إجادتهم القراءة والكتابة

متوسطو الذكاء يستطيعون منذ الآن توقع ما سوف يرد في البيان الختامي لقمة القمامة القادمة ، فالتكرار يعلم الحمار ، والحمار العربي الذي عاصر جميع القمم قد فهم كل ما يدور في ذهن راكبه ، فالراكب يا صديقي ليس أذكى من المركوب
فرح على أعتاب القلب
(شعر)
أقبع في عمق زوايا قلبي العابس
أسمع طرقات الفرح على باب موصد ، وهي تنام مباشرة خلفه
الفرح يحاول – مثلي - فتح الباب
لكن جسدها يأبى أن يتحرك
فهي تنام بعمق ، دون الرغبة حتى في فرح ينعشها
وأنا في جوف القلب أحاول فتح الباب لضيفي الموعود
أحاول أن أجذبها نحوي
حتى تتسلل قطرات الفرح الرائع نحو الداخل
وبلا جدوى ، فهي تنام بعمق ، تهرب من فرح قد يزعجها
=================
فكرت قليلاً وتساءلت : لماذا لم تقبل أن تتمدد في عمق القلب
وآثرت النوم على بابه ؟
فتشت ورائي ،، لا يوجد باب آخر للقلب لأفتحه ،،
أدركت سلامة وضعي : فقلوب العشاق لها باب واحد لا أكثر
=================
يا فرحي الأخضر : لا تحلم أن تتسلل من نافذة موصدة في أعلا الباب
فلقد سدتها بغراء الغفوة ،،
غفوتها يا فرحي دامت خلف الباب طويلاً ،،
لكن الباب يظل عنيداً في وجه الفرح المصلوب على باب موصد
وأغط قليلاً في نومي ،، أحلم بالسعد يدغدغني ،،،
إن هي جاءت نحوي فانفتح الباب
ستزهر كل شراييني
وستورق أوردتي
وسيثمر عود جف على حلم حلو
وستبزغ شمسي في ليل قطبي موحش
كي تقتل كل البرد الناخر في عظمي ، ولتوقظ في روحي
أشياءً ماتت
===================
: يا فرحي
أعلم أنك لن تقضي العمر على باب
تستجدي ثقباً يمكنها أن تتسلل منه
هي ، في يوم قد ترحل يا فرحي
لأظل وحيداً يقتلني عشقان:
الأول نام طويلاً خلف الباب ، والآخر ملَّ الوقفة ، فمضى
==================
حين استيقظت صباحاً ، يئست نفسي
أحسست بأن خيالاتي ذهبت أدراج الريح
فلقد كنت أفكر في تدوين الأوهام الحلوة
علّي في يوم أن أغدُوَ كاتب شعر أو قصة
لكني أبصرت على طاولة كانت بجواري
قلماً وقصاصة ورق دونت عليها هذي الأسطر
وأنا مابين الصحوة والنوم
سعدت روحي ،، رقصت طرباً ،
أيقنت تماماً أن الفرح الأخضر في يوم
لابد سيأتي ،،، وبلا موعد
من باب آخر لا يرقد أحد ُخلفه
=================

Saturday, February 16, 2008

وطــنــــــي
(شعر)
غزالٌ تربّع في قلبـنــا
وأسرف في أسرنـا وارتحلْ
له من صفات الفصـول خصالٌ
تحيّر في فهـمها ذو الحِجَلْ
غزيرالعطاء ِ كفصل الشّتـاءِ
جوادٌ كطلّ هـمـى وانهطلْ
كوجه الربيع إذا ما استفـاق
يفتّح أزهاره فـــي خجلْ
من الصّيف نورٌ وصحوٌ ودفء
وخيرٌ وفيرٌ إذا ما اقـتبلْ
وفيه جمال هدوء الخـريف
سجـود نبيّ دعـا وابتهـلْ
ألا فاعذرونـي إذا ما ارتميت
أقبّل أعـتابـه بــالمُقَـَلْ
وأسقي ثراه بوهج دمـائي
تنير الطريق لجـيل الأملْ

Sunday, February 10, 2008

وهل بين النساء مثلك من تقول ...أنا امرأة؟؟؟
(شعر)

ذابت عيناي وأنا أبحث عن أنثى تشبهك

ولو في الحلم

ضيَّعت ليالٍ من عمري وأنا أحلم

بامرأة تأخذني

تطويني بين جوانحها

تأسرني ، تنعش ذاكرتي ، تؤويني

في عينيها ،

تقنعني أنك واحدة مثل نساء الأرض

واحدة منهن .. لا أكثر

حتى أرتاح قليلاً من بُعدِك
فوق وسادة زمني
===============
ساحرةٌ - ذات مساء - زارتني في نومي

نفشت ذاكرتي ، حملتني فوق جناحيها

أخذتني معها عبر بحار من عسلٍ

وزنابِقَ بِيضٍ

وسحائِبَ من بخورٍ وقنانِيَ عطر مختومة

ما فيها ذكرني بالعطر المتفوِّحِ من خِّدك

يا آسِرَتي

حين سرقنا أول قبلة

و أنا - واللهفة تُغريني -

ما زال الأمل يناغيني

أن تقدر ساحرتي أن تهديني

من تنسيني

غصة شوق في صدري

وتعلق في عنقي أطواق رجاءٍ

تنقذني من لجة ذاكرتي ... تحييني

===================

ساحرتي قالت : إن الله يحبك يا ولدي

و دعاؤك لم يهمله الرب

و لكي تتحقق أمنيتك

اخلع نعليك ووافيني تحت الماء

فهناك ستأخذ مُنْيَتَكَ ، و سترجع تحمل

بين يديكَ

من تقنعكَ

أن جميع نساء الأرض سواءْ

فإذا ما ضاعت واحدة ٌ.. تأخذ ُ أخرى

لا فرقَ كبيرٌ .. هنَّ سواءْ

لا فارِقَ إلاّ في الأسماءْ

والأمر سواءْ

إن كانت سوسنُ أو علياءْ

أو كانت ليلى أو نجلاء
هيا وافيني ، لا تتردد ، جرب حظك

و اعلم أنك أول من سوف يغوص

إلى هذا العمق

والبحر هناك مليء بالأصداف

وبالحور وبالشبق

هيا اغطس .. لا تتأخر أو يُرديك الشوق

" قتيلَ العشق "

==================

ساحرتي تبحر مسرعة وأنا ما زلت ألاحقها

أتبعها في الماء الضحل ،

أجتاز صخوراً مسنونة

أعدو ... ألهث .. حتى دَمِيَتْ قدماي
جفَّتْ شفتايْ

وماء البحر يقطِّع حلقي

و نداء الساحرة يجلجل في رأسي

هيا اغطس لا تتأخر

" أو يُرديك الشوق قتيل العشق "

=================

في عمق العمق .. مدت ساحرتي يُمناها

وضعت صدفات فضيةْ

في كل منها حوريةْ

قالت : من عندكَ ، لا تدنو أكثرْ .. لا تنظرْ

ماذا تأخذ ؟ هيا اسأل قلبكَ ، لا عينيكْ

هيا اختَرْ ... لا تتأخـرْ

لم أتردد
قلت - ووجهك يلمع في صدري - :

سيدتي ساحرتي..أعلم أني محظوظ ٌ طيلة عمري

و لهذا أعطيني الصَّدَفَةْ الأولى

قالت ساحرتي : يا ولدي هذا حظكَ ..

فاقبل شَرْطي

واحدةً تأخذُ لا أكثرْ

واحدة تأخذ .. أو ترحلْ

هل تسمعُ شَرْطي يا ولدي

لن تقدرَ أن تأخذ أخرى ... أو تستبدلْ

هل تقبلْ ؟

قلتُ : قبلتُ بِقَدَري ..

قالت : خذها حالاً واغرب عن نظري

---------------

و لأني محظوظٌ - يا عمري -

ولأنك في الدنيا قدري

لم أعجبْ أنك داخِلهَا

... أنتِ ...قد كنتِ بداخِلِها

... جــوفَ الصدفةْ

و أنا في صدري أحضنها

أحملها بين ذراعيَّ الآنَ

أقبلها ... أرفعها صَوْبَ السطحِ ... وأطفو

===============

Thursday, February 7, 2008

صـــحـافـة ... أهلاً
(شعر)

نشــــــرات الأخبــــار

سيـــــاط تجـلـدنــــي كـــلّ صـبـــاح

تصـفـعـنــــي ... تبـصــق فــي وجـهــي

تصـلـبنــي فــوق حقيـقـة ذاتـي المهتـزّة

تُنشِـبُ فـي سمعــي مخـلبـهــا

ترتـكـب الفـحـش - علــى مـرأىً مــن ذاكـرتـي -

فـــي أذنــــيّ

فـقــد خـلعــت كــلّ ثـيـاب الخجـل

بــاعتـنــي للشّـــؤم رقيـقـــــــاً

وتجلّــت للسـلطــان

بـــأبهـــــى الـحـلـل
===================
شــــاشــــات الـرائــــي

بــدأت تعــرض أنــواع اللـحــم العـربــيّ

بـأبخـس ثمــن

بـالألــوان ... علــى كـلّ الأنـظمـة المعـروفة فـي البثّ

أصـبـحنــا أفضـل لقطـات شـريــط الأنـبـاء

لانخجـل مـن رؤيـة أيـدينــا المبتـورة

تُعــَرضُ فــي كـلّ الـدّنــيـا

تستـجـدي عطـف وكـالات الغـوث الـدوليّـةِ

تـدهمنـا أشــلاء الأطفــال

ونحــن كســالــى نتثـاءب فــي غـرف النّـوم الـورديّـةِ

تغتـال كـرامتنــا ... - إن وجــدت شيــئــاً منهـــا -

نصطــنــع الحــزن ... أعينـنـا تـــدمـــع

نتعــاطف مـــع أســـر الشّـــهـداءِ

نستنكـــر تلـك الهـمـجـيّــةِ

أو نشجــب صمــت الكــرة الأرضيّــةِ

ونـؤيـّـد أكــــوام القتـــلى

لكنّـــا نـأمــل أن نسعـد هـذي الليلـةَ بلقـاء كـرويٍّ

ينسـيـنـا كتــل اللحــم المتنــاثـر

فـــي صـدر الشــاشـة الفضّــيّةْ
===================
أعمــــدة الصّـــحـف الصّــــفــراء

رمــــاح تغــــرزهـــا فــي عينيّ

وكــالات الأنبــــاءِ

تتـآمــــر ســـرّاً أو علنـــاً

كـــي تمســح مــن رأســـي

أحــــــلام غـدي المـوعــودِ

تستهــدف قتــل الأمـــل المعشــوشــب فــي قلبــي

تستغبيـــنــي ...

تغتــال حشــاشـة تفكيــري الموؤود

رؤسـاء التــــحــريـر مصــرّون علـى أن أركــعَ

عنـد مكـاتبهــمْ

أن أقــرأ دون نقـاش يزعجهــمْ

أن أمشي بيـن الأسطــر معصــوب العينيــنِ

تتقـاذفنــي كلمــات الأخبــار المـوبـوءةِ

لكنّـــي أسـقـط مغشــيّــاً

أتمـــالـَـكُ

أتعكّـــز فــوق زوايــا الأحــرف

تــرفعنــي ...

أسقــط ثــانيــة ...

أتمــاسـكُ ... تسنـدنـي جـدران الجمـل المرصــوفــة

أتلفّــت حــولــي ...

لا أحــــداً يــرقبنــي ...

أقـذف نفـســي خـارج أعمـدة الـزّيـف البـرّاقــةِ

أهــرب حتّــى أرتــاح قليـلا مـن سحــل قناعـاتـي

لأعــيــد الكـــرَّةَ

فــي صبـح اليوم الآتــي
==================

Friday, February 1, 2008

ربطة خبز
(قصة قصيرة)

بقلم متهالك متقطع الخط يكتب على ورقة صغيرة الحاجيات التي يود شراءها من السوق هذا اليوم.هو ليس كغيره من الذين يقصدون السوق لشراء عشر حاجيات ثم لا يتذكرون منها في السوق سوى ثلاث،فلقد تعود على تنظيم شؤونه–سواء الصغيرة منها أو الكبيرة–منذ كان يعمل في شركة أجنبية،ومن إدارتها المنظمة الحازمة تعلم أشياء كثيرة مفيدة،ولولا الراتب التقاعدي الذي ما زال يتقاضاه من تلك الشركة التي عمل فيها خمس عشرة سنة-قبل أن تغادر البلاد بفعل الحصار–لما تمكن من تأمين حاجيات أسرته في زمن عزَّت فيه الحاجيات الأساسية،ناهيك عن الكمالية،ولوقف مع غيره من الفقراء على أبواب المساجد والحسينيات يطلب الصدقة.يتابع كتابة ما يخطر على باله من احتياجات اليوم،بينما يأخذ نفساً عميقاً من سيجارته،ونظرُه سارح عبر نافذة مشروخة الزجاج بفعل انفجار هز المنطقة بأكملها قبل أشهر،فالحي الذي يسكنه شمال العاصمة لم يشهد منذ الاحتلال – إلا نادراً - ما يشهده الوطن بأكمله من أهوال،لذا استمرت الحياة في هذا الحي تسير على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

ينتبه إلى أن الورقة التي يكتب عليها قد حفلت بأشياء كثيرة ربما لن يمكنه الحصول عليها كلها دفعة واحدة،،يخرج محفظته التي كدس فيها آلاف الدنانير،مطمئناً إلى أن هذه الآلاف قادرة على تسديد متطلبات اليوم،،يهز رأسه أسفاً ، فمثل هذا المبلغ قبل سنوات ليست بالطويلة،كان يكفي لشراء منزل وسيارة ويضمن مستقبلا ً آمنا ً،أما الآن فهو بالكاد يكفي لزيارة السوق ولو لمرة واحدة،ولكن هكذا هي الحياة–قال في نفسه-كنقطة على محيط دولاب عربة:مرة ٌ فوق،ومرة ٌ تحت،طالما كان على العربة أن تسير.يتمعن في الورقة: الخضروات والفواكه تبدو كثيرة هذا اليوم،وسعرها في السوق-لشح الوقود وارتفاع تكاليف النقل-قد أصبح يضاهي سعر اللحوم،،يلغي بعضها ويبقي على صنفين فقط.أنواع الزيوت وغيرها من مستلزمات الطبخ تبدو كذلك مبالغاً فيه ،،يلغيها جميعها آملاً في سلق بعض البطاطا كوجبة غداء للعائلة،،الخبز لابد منه،فهو سيد المائدة،لذا يبقي عليه في القائمة،ولكي يضمن شراءه،لا ينسى أن يضع خطاً تحت عبارة:(ربطة خبز)،،ولكن،لعن الله الشيطان، فقد كاد أن ينسى تدوين اللعبة التي طلبتها منه دلال بمناسبة عيد ميلادها الذي يصادف اليوم ،،كانت غلطة كبيرة لم يكن ليسامح نفسه لو ارتكبها فنسي إحضار اللعبة،،(دلال) أجمل اسم نطقته البشرية في تاريخها. جاءته بعد زواجه من ابنة خالته،،يحاول تذكر سنة ولادة دلال: هو تزوج قبل الاحتلال بسنتين،وتأخر حمل زوجته سنة ونصف،أي أن زوجته قد حملت بدلال قبل الاحتلال بستة أشهر،مما يعني أن دلال قد جاءت إلى هذه الدنيا بعد الاحتلال بثلاثة أشهر وأربعة أيام.أخذ من سيجارته نفساً عميقاً آخر وسرح بنظره عبر زجاج النافذة المشروخ:يا ألله،كيف يتحول تاريخ يوم ثقيل على الروح والعقل والجسد إلى علامة فارقة نؤرخ بها الأحداث التي تمر بنا (أو نمر بها،،لا يهم): (عمه ذهب إلى الحج قبل الاحتلال بثلاث سنوات،وأمه سافرت للعلاج قبل الاحتلال بسنتين،وأخوه عاد من الخارج بعد الاحتلال بشهرين،وزوج شقيقته قتل في انفجار بعد الاحتلال بسنة ونصف،وهو تزوج قبل سفر والدته للعلاج بيوم واحد،أي قبل الاحتلال بسنتين،ودلال ولدت بعد الاحتلال بثلاثة أشهر وأربعة أيام):الاحتلال،الاحتلال،الاحتلال،،عجباً لهذه الكلمة الكئيبة،كيف احتلت مكانها:فاصلة بين الجمل،ونقطة مع نهاياتها؟.يدرك أنه قد سرح بعيداً عن الورقة والقلم، فيبادر إلى تسجيل(لعبة لدلال) مباشرة بعد(ربطة خبز) مع وضع خطين،وليس خطاً واحداً ، تحتها.

يجول في السوق بين أصوات الباعة الكثيرين والمتسوقين القلائل،،يمر أمام بائع الفاكهة والخضار،فيناوب نظره بين الأسعار المعلنة والقائمة التي في يده،فيشطب النوعين اللذين أبقى عليهما من الفاكهة والخضروات،فأسعارها لا تطاق،،يمر من أمام حانوت اللحّام، فيسارع إلى إلغاء اللحم من القائمة،،يتوالى تجواله بين المحلات،ويتوالى شطبه الحاجيات التي كان يأمل في شرائها.

الآن،،بعد الاحتلال بأربع سنوات وثلاثة أشهر وأربعة أيام،وفي يوم عيد ميلاد (دلال) الرابع ، يرى لآخر مرة في حياته ضوءاً شديد اللمعان،وينتهي كل شيء،،تغرق السوق في بحر من الدماء والفوضى،،أجساد البعض تتناثر لتلتصق بالجدران القريبة،،جرحى وجثث بالعشرات تتناثر على امتداد الساحة الواسعة،،صوت سيارات الشرطة والإسعاف تملأ المكان،ويبدأ أولاً نقل الجرحى إلى المستشفيات،بينما يبقى الأموات في أماكنهم بانتظار عدّهم ونقلهم إلى ثلاجات الموتى،فهم الآن قد أصبحوا أرقاماً فحسب،وهم بعد الآن ليسوا بحاجة سوى إلى التبريد،،رجال بثياب بيضاء يفتشون جيوب الضحايا قبل نقلهم،،أحدهم يخرج من جيب أبي دلال محفظة فيها آلاف الدنانير،وورقة حاجيات مشطوب على كل ما فيها باستثناء:(ربطة خبز،،لعبة لدلال).

Wednesday, January 23, 2008

تقدم إلى الخلف

لجهله - أو ربما لتجاهله - رأي الكتب السماوية في خلق الإنسان ( في أحسن تقويم ) ، فقد وضع داروين نظريته في النشوء والارتقاء في حوالي منتصف القرن التاسع عشر ، مقرراً أن الإنسان الحالي قد تشكل عبر حلقات معقدة من التطور ، مرجعاً أصله إلى فصيلة القردة التي كانت تمشي على أربع ، والتي تطورت بحيث بدأ بعضها يسير على قدمين ( كبعض أنواع الغوريلات الآن) ، وربما كان يدور في ذهن داروين بأن المرحلة اللاحقة من التطور ستكون مزيداً من الرقي والارتقاء ، بحيث يتطور الإنسان إلى مخلوق أكثر تحضراً وأقل وحشية ، لكن من المؤكد أنه لم يكن يدور في ذهنه احتمال أن يرتد الإنسان إلى مخلوق يشبه الحمار أو البغل أو الحصان ( تطور عكسي ) ، فالأخبار الواردة من كينيا تقول بأن بعض الأشخاص هناك قد ماتوا ( حرقاً أو رفساً !!) ، وبما أن تلك الأخبار لم تضع اللوم في جريمة الرفس على أي من الحيوانات الرافسة كالحمير والبغال والخيول ، فبذلك تكون هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها عن أناس يقتلون أناساً آخرين بالرفس ، فهل بعد هذا التطور من تطور ؟ ، وهل بعد هذا الإبداع من إبداع ؟ ، فهاهو قتل الإنسان (لأخيه!! الإنسان ) يشهد تطوراً يصل إلى حد استخدام أساليب الحيوانات ( وربما كان هذا إثباتاً وتدعيماً لنظرية داروين بأن الإنسان في الأصل حيوان ) . هنا تذكرت أن الله عز وجل بعد أن أنزل الآية الكريمة ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) قد أتبعها مباشرة بقوله ( ثم رددناه أسفل سافلين ) ، وبعد كل هذا ( فهل من مدّكر ). صدق الله العظيم.

Monday, January 21, 2008

إنا لله وإنا إليه راجعون
(شعر)
ما لهـذي الجامعةْ قـد تهاوت تابعة
هيكل من ورق ليس فيـها نـافعة
صوتها مجلجل والمآقي دامعة
رأسها مخبأ كالنعام الخانعة
فعلها مؤجل مثل يوم القارعة
تكتفي من فعلها بالوعود القاطعة
والوفاء بطبعه يقتضي المتابعة
أسكنوا عمالهـا في المباني الرائعةْ
واكتست أسماؤهم بالرموز الخادعةْ
أتخموا جيوبهم والكروش الجائعة
واستحالت مرتعاً للذقون اللامعـةْ
كبلوا أطرافها بـالقيود المانعةْ
أحرقوا ميثاقها وازدروها راكعةْ
حولوها مدفنـاً للأماني الضائعةْ
أصبحت مفـرقة حين ظُنَّتْ جامعةْ
واستفاضت روحها للسّماء السابعـةْ
ما لِجرحٍ مـيتٍ يشتكي من واجعةْ

Thursday, January 10, 2008


زهرتان في مقهى واحد
(قصة قصيرة)

" الغريب أن وزننا يخف عندما نحب ، والأكثر غرابة أنه يزداد خفة عندما نكون على
موعد مع الحب " . هكذا كانت تدندن روحها ، بينما سبقتها نظراتها بعشرات الأمتار وهي تسعى بشوق دافق وقلب خافق نحو موعد مع حب رتبت تفاصيله أسلاك الكهرباء ، نفس الكهرباء التي تملأ الشارع الذي تتهادى فيه الآن كأنها تمتطي بساط ريح سريع حمل عن قدميها عبء وزنها ، تتمايل من منعطف إلى آخر وعيناها تبحثان عن لافتة مكتوب عليها " مقهى الموعد " .

تعرفت عليه عن طريق التراسل الإلكتروني ، وقدم لها نفسه على الشاشة الزجاجية بأنه شاب يعاني من الوحدة بعد أن فشل في حبه الأول الذي توج بخطبته لتلك التي أحبها ، غير أن الفارق الكبير بينهما في التوجهات والاهتمامات والهوايات حال دون تمكنهما من إتمام مشوار الزواج ، فقررا طواعية التخلي عنه ، أما هي - هذه التي تلهث صوب المقهى - فقد أخذت دور الباحثة النفسية المتخصصة في شؤون العلاقات الأسرية .

بمرور الأيام وتوالي الرسائل الإلكترونية توطدت العلاقة بينهما ، وشعرا براحة نفسية لهذه العلاقة التي لم تصل إلى حد اللقاء الحسي ، بل استمرت عبر الأسلاك ، وعلى زجاج الشاشة الصغيرة . ما زاد في تعلقها به في تلك الفترة ، اضطراب العلاقة بين والديها ، فوالدتها الطبيبة شغلها الاهتمام بعيادتها ومرضاها عن الاهتمام بزوجها ، ووالدها الكاتب والصحفي المرموق ، لم يعد يحتمل إهمال زوجته الطبيبة له ، فدس ساعاته وأيامه بين الورق ، محاولاً أن يلغي وقته بشغل نفسه الأيام والليالي في عمله الذهني . لم يكن بين والديها خلاف جوهري حول أي من قضايا الحياة ، غير أن روتينها الجاف فرق بينهما ، حتى أضحى لقاؤهما على فنجان قهوة في مقهى هاديء حلماً بعيد المنال ، وبين الطبيبة والصحفي تاهت الابنة ذات الثمانية عشر ربيعاً ، فكان البريد الإلكتروني بالنسبة إليها عامل تسلية ، وممارسة لقتل وقت لزج في منزل علاقاته الأسرية ليست على ما يرام .

مضى على تعارفهما أكثر من ستة أشهر دون أن يطلب أحدهما رؤية الآخر ، ورغم أن كليهما كان يحاول جاهداً أن يتقمص شخصية مغايرة لواقعه ، إلا أن شعوراً مشتركاً كان ينبيء بأنهما يعرفان بعضهما البعض . ربما كان أسلوبهما في التفكير ، ونظرتهما إلى الحياة ، قد أوحى إليهما بأنهما من طينة واحدة ، إلا أن كل هذه المصادفات كانت غير ذات أهمية في علاقة بين خطيب فاشل وأخصائية في الشؤون العائلية .

تسرع الخطى ، وتدور عيناها بين اللافتات منقبة عن " مقهى الموعد " ، تبهر عينيها الزائغتين أضواءُ السيارات ، فتتوقف لحظات لتتبين معالم لافتة عبر الشارع ، " كلا ، هذا ليس مقهى الموعد ، ولا هذا ، ولا ذاك . . . يا الله لماذا نحن هكذا : نمر أمام المكان عشرات المرات ، وعندما نحتاج إليه تلف رؤوسنا وتدور ونحن نفتش عنه بلا جدوى ، هل يا ترى يفقد الشيء قيمته عند عدم الحاجة إليه ؟ وهل في الحاجة تكمن القيمة ؟ " ، واستمرت في الدوران في نفس مربع المباني الذي يفترض أن يكون فيه ( مقهى الموعد ) .

بعد ستة أشهر من الانتظار قال لها بأنه سوف ينتظرها في مقهى الموعد ، على الطاولة الثانية إلى يسار المدخل ، تلك الطاولة التي تطل على الشارع ، وسيضع على صدره قرنفلة حمراء حتى تميزه عن الآخرين ، مع أنه - كما قال - متأكد من أن عينيها سوف لن تخطئا عينيه اللتين تشعان تألقاً وحباً ، أما هي فقد أخبرته بأنها سوف تأتيه حاملة بيدها زهرة بنفسج ، وها هي ذي تحمل بين أصابعها المرتعشة زهرة ندية قطفتها من حديقة المنزل قبل دقائق معدودة ، وها هما - هي وزهرة البنفسج - تائهتان تفتشان عن المكان : مقهى الموعد .

هل يعقل أن تأتي متأخرة إلى موعد طال انتظاره ستة أشهر بحالها . . تجدُّ في البحث بين لافتات من جميع الألوان ، وتتناوب عيناها بين واجهات المحلات التجارية وبين ساعة يدها التي بدأت سريعاً الاقتراب من الخامسة ، وقد مضى عليها الآن أكثر من عشرين دقيقة وهي تبحث عن المقهى دون أن تعثر عليه . هل يمكن أن يكون حازماً في مواعيده فيغادر المقهى بعد الخامسة بدقيقة ، أم هل سيتمسك بالموعد معها كما تتمسك هي بزهرة البنفسج ، لكن فجأة يباغتها المشهد ، فتتسمر في مكانها . كانت أمام الواجهة الزجاجية للمقهى ، وكان هو هناك - على الطاولة الثانية إلى يسار المدخل - يتصفح جريدة . كان يرتدي سترة أنيقة ، وعلى صدرها تسلقت قرنفلة حمراء زادت من أناقة السترة . تراجعت إلى الخلف خطوات حتى تتأكد من أنه يضع قرنفلة حمراء ، نظرت بتركيز شديد كغزال شارد باغته ضوء ساطع فضاقت حدقتا عينيه وارتدّت رقبته إلى الوراء . نعم إنه يضع قرنفلة حمراء . والطاولة : هي الطاولة نفسها ، الثانية إلى يسار المدخل . والمقهى : هو المقهى نفسه ، تنظر إلى الأعلى وتتأكد : مقهى الموعد . بسرعة ترمي يدها خلف ظهرها لتخفي زهرة البنفسج . حمداً لله ، لم يرها ، تتراجع على عجل ، ثم تنفلت إلى أقرب هاتف عمومي في الشارع :
- أمي أمي ، أرجوك ، اصغي إليّ ، أنا بحاجة ماسة إليك ، أرجو أن تأتي إلي وأنت تحملين بيدك زهرة بنفسج . أنا في مقهى الموعد ، الطاولة الثانية إلى يسار المدخل ، لا تنسي : الطاولة الثانية على يسار المدخل .
- ابنتي ما بك تكلمي ، ما قصة زهرة البنفسج ؟.
- أمي ، لا وقت للحديث ، احضري حالاً ولا تنسَيْ زهرة البنفسج ، إنها
قضية حياة أو موت . لا تنسي : مقهى الموعد ، الطاولة الثانية إلى
يسار المدخل .
وقبل أن تنطق أمها بكلمة أخرى ، كانت هي تعيد سماعة الهاتف إلى
مكانها بنشوة عارمة لم تشعر بمثلها من قبل .