Sunday, September 5, 2010

اللاشيء
(قصة قصيرة)

سقط جسده بقوة على الأرض،لكنه لم يشعر بأي ألم،،استند على كفيه وحملق في الأرض فرأى صورته واضحة فيها،،لم يفرك عينيه لأنه نسي أن له عينين،حملق جيداً فرأى صورة جسده من جهة الصدر والظهر تتكرر عشرات المرات إلى أن تغيب في اللانهاية،،نظر إلى الأعلى فرأى وجهه وخلفه امتدت صورة جسده من جهة الظهر والصدر تتكرر عشرات المرات إلى أن تغيب في اللانهاية،،أدرك أنه يجلس على مرآة وأن السقف هو مرآة أيضاً،،أدار وجهه في جميع الجهات فأدرك أنه قد سقط في فخ من المرايا،،مرايا تحاصره من جميع الجهات،وصورته من الأمام والخلف تتكرر عشرات بل ومئات المرات وفي جميع الجهات،،حاول أن ينهض فتبعته عشرات بل مئات صوره في كل المرايا،،في الزاوية العلوية لإحدى المرايا لمح ثقباً،تسلق المرآة الهائلة بصعوبة بالغة ومعه تسلقت عشرات بل ومئات صوره في كل المرايا،،وصل إلى الثقب ونظر من خلاله فلم يشاهد سوى وجهه،كان الثقب مرآة على شكل ثقب،جفل فانفلتت يداه على السطح الأملس وهوت معه صوره في جميع المرايا،،تشبثت أظافره بسطح المرآة،فخلفت وراءها لدى انزلاقه عشرة أخاديد على السطح الأملس،وظهرت الأخاديد على أسطح جميع المرايا التي تحاصره،فظن أنه ربما سيستطيع الإفلات من هذا المأزق من خلال أحد هذه الشقوق،لكن لم تكد قدماه تصلا الأرض حتى التأمت تلك الأخاديد،وعادت المرآة وكذلك باقي المرايا–إلى حالتها الأصلية سليمة من الخدوش.لم يعد يعرف الاتجاهات،بل امحى من ذاكرته كل ما كان فيها من معلومات،وفقد جميع مهاراته باستثناء القدرة على التحرك في جميع الاتجاهات،نسي تماماً كيف وصل إلى هذا المكان،وحسب أن جميع خيالاته التي تنعكس على أسطح المرايا تتهامس وهي تنظر إليه بريبة،،حاول أن يراوغ الجميع بإغماض عينيه حتى لا يراها،لكنه فشل في ذلك،لقد نسي تماماً كل شيء حتى كيف يغمض عينيه،ولم يتبق لديه سوى صورته تحاصره من جميع الجهات،،وقف في وسط المكان ثم اتجه إلى المرآة المواجهة له،فتبعته جميع خيالاته وجاءته من كل الجهات،، أراد أن يركض لكنه أدرك أنهم سيفعلون نفس الشيء،فجمد في مكانه،،ابتأس وشعر بالرغبة في البكاء،لكن الدموع خانته فلم تنفر من عينيه ولم تسل على خديه كما كان يأمل،،لقد نسي البكاء،،أراد أن يصرخ متوسلاً خيالاته أن ترحمه وترحل بسلام عن المكان،لكنه فشل في تحريك لسانه،،لقد نسي الكلام،،ما زال يحاول أن يتذكر كيف وصل إلى هنا فلم يفلح.صوت من بعيد ينادي:(سيدي هل أنت بخير؟،لقد دخلت منذ ساعة إلى غرفة قياس الملابس لكي تتأكد من أن البذلة التي اشتريتها تناسبك،،هل من مشكلة؟).أرتج عليه الأمر،فهو لا يعلم شيئاً عما يقوله ذلك الرجل،،أية غرفة ملابس؟،وأية بذلة؟بل وأي مكان يتحدث عنه هذا الرجل؟،فتش المكان فلم يجد أية ملابس،وحاول أن يرى غرفة القياس فلم يجد سوى جدران من المرايا،،،افتر ثغره عن ابتسامة،فوجدها تغطي أسطح جميع المرايا،وغمرت المكان آلاف الابتسامات،،فرح بما شاهد،وأدرك أنه قد نسي كل شيء سوى الابتسامة،فشعر بنشوة لم يكن يتوقعها،واقتربت روحه من أسطح المرايا حد الالتصاق،،تحولت الابتسامة إلى ضحكة امتصتها جميع المرايا بفرح غامر دفعه إلى القهقهة بصوت عالٍ رددت صداه كل المرايا الضاحكة،،الآن ولأول مرة منذ دخل هذه المصيدة يدرك تماماً ما يريد ، فعوضاً عن أن يسير باتجاه الصوت القادم من الخارج، وجد نفسه يدخل في إحدى المرايا كي يغيب فيها،ولا يخرج منها إلى الأبد.