Saturday, July 30, 2011

على من تقرأ مزاميرك يا داوود

ذكر الله تعالى اختلاف ألسنة البشر وألوانهم، ووصفه بأنه من آياته:(ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين-الروم22) ، ومن يصغي بتمعن إلى اختلاف اللغات بين بني البشر، يوقن بأن ذلك من آيات الله بحق، وكون اللغة هي الوسيلة اللفظية لتفاهم الناس مع بعضهم البعض، وتبادل الأفكار بينهم، فإن رقي اللغة يتناسب مع رقي أصحابها الذين يستعملونها، بل لنقل بأن قدرة الناس على التقدم والتحضر تنعكس تقدماً وتحضراً على لغتهم، وهذا واضح في تطور اللغات من البدائية إلى ما هي عليه اليوم، خاصة لدى الشعوب التي أحرزت تقدماً أدبياً وعلمياً كما هو الحال مع اللغات الأوربية.

ويبدو أن اللغة العربية - كونها واحدة من أسرة اللغات السامية -، قد أحرزت تقدماً رائعاً منذ آلاف السنين عبر تداولها ضمن بيئات اجتماعية مختلفة بين عرب الجزيرة العربية، كالمجتمعات الحضرية كما في ممالك اليمن، والزراعية المتمثلة في الواحات، وبين قبائل البدو الرحل، مع الأخذ بعين الاعتبار تباين اللهجات، الذي لم يكن يمنع التفاهم التام بين الناطقين بها على اختلاف بيئاتهم، وربما كان الكمال الذي وصلت إليه اللغة العربية هو السبب الرئيس في أن الله تعالى قد اختارها على باقي اللغات لتكون لغة آخر الكتب السماوية ( القرآن الكريم ) ، ويحضرني في هذا السياق الصحابي عبد الله بن عباس "رض" عندما كان يستشهد بآية قرآنية، بحيث كان يستهل حديثه بقوله:( سمعت الله يقول ) ثم يذكر الآية الكريمة، وهذا في دلالته يوضح نظرة المسلمين الأوائل إلى لغتهم العربية، بحيث أخذت قداستها من أنها اللغة التي خاطب الله بها الناس جميعاً (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)، وقد أدركت الشعوب الغيرالعربية التي أسلمت، قداسة هذه اللغة، فأتقنتها تحدثاُ وقراءة وكتابة، فقد دَوَّنَ علماء وفقهاء وأدباء الفرس أعمالهم باللغة العربية، ومخطوطات ابن سينا والفارابي وغيرهما ما زالت محفوظة في الجامعات الغربية باللغة التي دونت بها:العربية. وفيما بعد، ومع أن عصور الانحطاط قد شملت معظم مناحي الدولة الإسلامية، بما في ذلك الأدب، غير أن الانحطاط لم يتناول ألفاظ اللغة بمقدار ما تناول مواضيع الأدب ذاتها.

ولو سمحنا لأنفسنا بقفزة زمية إلى منتصف القرن الماضي، لوجدنا بسرور وفخر تمسك المثقفين باللغة العربية سليمة من أي خلط أو تشويه، ففي ستينيات القرن الماضي كان مدرسونا في جامعة دمشق يعتبرون الخطأ النحوي خطاً علمياً، إذ لو كنت في امتحان في كلية العلوم وكتبت:( نضيف عشر غرامات من كلور الصوديوم ) مثلاً، لاعتبر المصحح هذه الغلطة النحوية ( عشر، حيث يجب أن تقول: عشرة )غلطة علمية، وخسرت علامة السؤال، كما عرفت صديقاً كان يعمل مصححاً لغوياً لمذيعي نشرات الأخبار في إذاعة دمشق، بحيث يكون جزء من عمله متابعة المذيع أثناء قراءة النشرة، فإذا أخطأ المذيع، ترتبت عليه غرامة مالية تحسم من راتبه مع نهاية الشهر. ذلك العهد بدأ يذوي، وتحللت ذمم المثقفين من تعهدهم صيانة لغة القرآن الكريم، وبدأ اللحن يغزو اللغة رويداً رويداً إلى أن حلت اللهجات العامية مكان الفصحى، فأصبحتَ ترى جوائز المليون تخصص لشعراء بالكاد يفهم جمهورهم الجالس في نفس القاعة ما يقولون، وبدأ مقدمو البرامج الإذاعية والتلفزيونية يستخدمون العامية بزعم أنهم يسايرون الجمهور، غير واعين إلى أنهم هم الذين يفسدون لغة الجمهور، تلك اللغة التي كان يقدمها المثقف المصري فاروق شوشة في برنامج إذاعي جميل حمل اسم ( لغتنا الجميلة )، كما بدأت مجلات - خليجية بالخصوص- تصدر باللهجات المحلية، وانتشرت بين الصحف العربية - خاصة الإلكترونية منها - عادة قبول رسائل القراء بلغة عامية أقل ما يقال فيها بأنها تافهة مضحكة.

في منتصف السبعينيات قابلت لأول مرة المرحوم الدكتور أحمد صدقي الدجاني في القاهرة، فوجدته يتحدث باللغة الفصحى، تعجبت لأول وهلة وابتسمت، لكنني أكبرت فيه هذه المبادرة وقوة الشخصية، وتابعت معه الحديث بالفصحى بمتعة لم أتذوقها منذ ذلك اليوم، وقد ذكّرني المرحوم الدجاني بذلك الصهيوني المدعو ( أحد هاعام - واحد من الشعب-) الذي قطع على نفسه عهداً ألا يتكلم إلا باللغة العبرية، وألزم بذلك أفراد أسرته، ثم سرت العدوى إلى المجتمع كله، مما أدى بالتالي إلى إحياء اللغة العبرية التي كادت أن تكون في حكم الميتة، وفي ثمانينيات القرن الماضي جمعتني صداقة ببعض كبار تجار الخليج، الذين كانوا يرسلون طلبات شراء بملايين الدولارات إلى اليابان وهونغ كونغ وتايوان، فاقترحت عليهم إرسال طلبات الشراء تلك باللغة العربية، مع بقاء رقم مبلغ الشراء بالأرقام العربية الأصلية، بحيث عندما يرى البائع هذه الأرقام، فإنه سيسارع إلى إحداث قسم للترجمة من اللغة العربية إلى لغته، وبذلك نعمل على الإعلاء من شأن لغتنا، ولكن( على من تقرأ مزاميرك يا داوود). الحفاظ على لغات الأمم هي مسؤولية الناطقين بها، وما لم تتحرك مجامع اللغة العربية لتدارك هذا الهدر في مكانة اللغة العربية، فسوف نجدها خلال فترة وجيزة محنطة فقط بين دفتي القرآن الكريم، هذا إذا لم تكن قد أصبحت كذلك منذ زمن.

Wednesday, July 27, 2011

نلتقي،،، فقط إذا عاد الربيع


انخلع من نفسه مستشعراً رهبة سرت في كيانه، فها هو ذا يقف على حافتي جرف هار، يستند برجل على إرادة يحسبها صلبة، وبالأخرى على رغبة يعرفها جامحة، والهوة السحيقة من تحته تجذبه بعنف برّي متوحش، وهو نفسه ثالث بين اثنين: أحدهما يزين له الأمر، والثاني يشنّعه عليه .
( وماذا في ذلك ؟ ) قال في نفسه ( كل يوم تحدث مئات الملايين من مثل هذه العلاقة، وعلى مدار الساعة، وبين أصناف مختلفة من البشر: التقي والفاجر، الطيب والشرير، الغني والفقير، الكبير والصغير). توقف عند هذه العبارة الأخيرة : نصف قرن من السنين مسجلُ ديناً عليه من أصل رصيده السري الذي لا يعلمه إلاّ الله ، وهو يسحب من هذا الرصيد عاماً بعد عام ، أحياناً كان يتلف الوقت ، وأحياناً أخرى كان يدرك جيداً أصول استخدام زمنه ، كما أنه يعلم جيداً أن الربيع وحده هو الذي يملك الأزهار المتفتحة، وأن الخريف لا يأتي إلاّ بتساقط الورق الأصفر، فكيف تبشره بربيع قادم؟ وما الذي سيحرك النسغ في أغصانه من جديد؟.
يومها سألته إن كان يعرف شيئاً عن تفسير الأحلام. من لهجتها توجس خيفة، وأدرك أن وراء الأكمة ما وراءها. تماسك . . . شرح لها ببرود متصنع الأساس النفسي للأحلام، وحلق بعيداً عن الهدف الحقيقي من سؤالها، متجاهلاً ما اعتقد أنها مقبلة على البوح به، وقد أحس به قادماً، عاصفة من وجد محرق، لن يجد عنده أخضر ليحرقه، بل سيذهب بما تبقى من اليابس.
قالت بعد تردد مصطنع بأن رعشة لذيذة قد تملكتها عندما رأته في المنام ليلة أمس. ارتعش هو أيضاً في أعماقه، فهل من مثله ما زال يقتحم أحلام الصبايا؟ . . واستمر يمثل دور المتجاهل لكل ما يسمع. قالت له وقد تجرأت على صمته: رأيتك تقبلني ها هنا ثلاث مرات، ووضعت إصبعها على خدها الأيسر، تماماً في نفس مكان قبلات الحلم، ثم تنهدت كأنها مازالت تعيش لحظات حلمها اللذيذ، أو كأن الحلم نفسه قد تحول إلى حقيقة ما زالت تعيشها إلى الآن. ابتلع ريقه فلم يجد شيئاً يبتلعه سوى كلمات كان يود البوح بها لو استطاع، لكن المفاجأة كانت قد عقدت لسانه.
عندما ودعته، ضغطت على يده بنعومة قذفت في روحه ملايين الأخيلة، وولدت في دمه جرعات دافقة من رغبة جامحة عصفت بكيانه، وتركته في ذهول لا يدري كيف ولماذا حدث ما حدث .
ينظر بتوجس مكبوت إلى الساعة المعلقة على الجدار، فما بينه وبين أن تحضر إليه عشر من الدقائق فقط: " ما رأيك لو زرتك لأحتسي عندك فنجاناً من القهوة فقط؟ " أردفت " نعم فقط ". عندها تظاهر ببساطة العرض، ووافق عليه بثقة متصنعة. الآن ضربات قلبه تُرى بوضوح تدق قميصه من الداخل، فيهتز قماشه كما لو أن قلباً آخر قد نبت داخل القماش. جف حلقه فاندفع إلى الثلاجة كي يزدرد كأساً من العصير . . لم يجد للعصير في فمه طعماً، ولا لبرودته إحساساً. تبلدت أحاسيسه جميعها، وتركزت في عينين شاردتين تتابعان في قلق قاتل عقرب الثواني في الساعة الجدارية، يجر خلفه عقرب الدقائق في سباق مجنون نحو موعد أكثر جنوناً.
وقف أمام المرآة ليضبط ربطة عنقه ويسرح شعره، فرأى حمرة الدم وقد غطت وجنتيه، ورعشة تتراقص على شفتيه. وضع نظارته ليتأمل صفحة وجهه المنفعل حد الرهبة. يشعر الآن أنه مقدم على ورطة لا يعرف تفاصيلها . . كيف ستدخل عليه؟ وهل ستكون مجنونة في هذا اللقاء؟ أم أنها ستتظاهر بأن الزيارة - كما ادعت هي - ليست إلاّ لمجرد احتساء فنجان من القهوة ؟ وهل أعقمت جميع مقاهي المدينة من رحيق النبتة السمراء؟، وهو - وإن كان يضمن نفسه إلى حد ما - فهل يستطيع أن يضمنها هي أيضاً؟ وكيف له أن يكبح فرساً في مثل عنفوانها لو جمحت بها الرغبة فصرعتهما معاً؟ .
عقرب الثواني في الساعة الجدارية ما زال يجري بنشاط واضح، وعقرب الدقائق يهرول خلفه يحاول لاهثاً اللحاق به، ووجهها يطل عليه من خلال صفحة الساعة الفضية: وجه رائع البراءة زينته عينان نجلاوتان، علاهما حاجبان سيفيان، يحرسان حدقتين تشعان حلاوة وجمالاً، وأنف استدق نازلاً ليتقاطع مع شفتين مكتنزتين بلون الورد، تحيطان بمنجم من الألماس .
أحس بتوتر شديد يعصف بكيانه، فأخذ يذرع الغرفة بقلق واضح. شعر بضيق في صدره، فأرخى ربطة عنقه، وفك أزرار قبة قميصه، ثم توجه إلى النافذة المطلة على الشارع عله يلمحها عن بعد. لم يكن هناك أحد في الشارع المزدحم . . . لم ير فيه أحداً على الإطلاق رغم ازدحامه.
تراجع عن النافذة وجلس على كرسي هزّاز . . . أسند رأسه إلى الخلف، وضغط بقدميه على الأرض، فبدأ الكرسي حركته الرتيبة . . . حدق ملياً في السقف . . . لماذا لا يغادر المنزل الآن وفي هذه اللحظة بالذات، فينهي ما هو فيه من حرج قاتل؟، ولكن، ماذا لو حضرت فلم تجده؟، هل سيبدو في نظرها جباناً ناقص الرجولة؟، هل ستتهمه بأنه استهان بزيارتها وأنوثتها فوجه إليهما إهانة مباشرة؟، إذن لماذا وافقها على هذا الموعد؟ ولماذا لم يتراجع عنه قبل الآن بكثير؟، وهذا الجدار المنيع من الوقار واحترام الذات، والذي بناه وتمترس خلفه طيلة سنوات عمره الطويل،،، هل سينهار ببساطة عندما ستقتحم عليه عالمه الذي أقفله على نفسه بإحكام شديد، ومنذ أمد بعيد؟ . ( وماذا في ذلك ؟ ) عاد ليقول في نفسه: ( في كل يوم تحدث مئات الملايين من مثل هذه العلاقة، وعلى مدار الساعة، ومع ذلك لم يختل الميزان ). طرأت على باله فكرة أخرى: لماذا لا يتجاهل صوت جرس الباب إن هي قرعته الآن، وبذلك يجعل من هذا الحاجز الخشبي خط دفاع يفصله عن مصدر الخطر، خاصة أنه ليس لهذا الخشب الأصم قلب يرق لحال ولهانة تدق عليه بقوة عشق جارف. تخاذل أمام هذا الحل - أو هو أراد ذلك - إذ أنها ستكون متأكدة من وجوده، لأنها ستكون قد رأت سيارته متوقفة أمام مدخل العمارة . . . هكذا بدأ يخترع لنفسه الحجج حتى لا يهرب من هذا الموعد اللعين. أشعل سيجارة - مع أنه لم يدخن منذ مدة طويلة - . . أحس بمرارة تفري حلقه، فأطفأ السيجارة بعصبية ظاهرة.
في الموعد المحدد تماماً قرع جرس الباب، وها هي المصيبة المحبوبة تأتيه سائرة على قدميها. لم يقفز قلبه من صدره كما توقع، بل تجمد مكانه، وأحس بأن دقاته قد خفتت في رغبة ملحة للتوقف إلى الأبد. ما بينه وبين الباب أمتار أربعة، فكيف سيقطعها؟ قفزاً، مشياً، أم زحفاً؟ وهل ستستطيع قدماه حمله إلى الباب، هكذا بسهولة؟ .
تحرك باتجاه الباب، وأحس بأنه يتدحرج على سفح شديد الانحدار. حاول التعلق بأي شيء وجده في طريقه عله ينقذه من موقف لا يرغب التورط فيه، لكن الانحدار يزداد حدة، ويشعر أن بداخله شيئاً ما يدعوه إلى فتح الباب. قال في نفسه: ( وماذا في ذلك؟ كل يوم تحدث مئات الملايين من مثل هذه العلاقة، وعلى مدار الساعة، ومع ذلك لم يختل الميزان ) . . . الآن يحس وكأن دهراً قد انقضى منذ قرع الجرس، ولا بد أن يفتح الباب. أدار المفتاح بحركة شحنها بكل ما استطاع من مظاهر الجد والحزم. فاجأه وجه بائع الحليب محيياً: صباح الخير ياسيدي، هذا هو حليب الصباح. اضطرب بشدة، ثم هدأت نفسه فجأة. تناول الزجاجة البيضاء . . . نثر في وجه بائع الحليب بضع كلمات شكر باردة، ثم أغلق الباب بهدوء وتؤدة، وعاد إلى مقعده الهزاز من جديد.
لم تكن هي التي جاءت . . حسن، لكن هذا يعني أنها ما زالت ستأتي بعد قليل. دخل ثانية في انفعال هزّ كيانه بعنف أكبر هذه المرة . تمنى لو توقف الزمن وتغيرت علاقات الأشياء ببعضها البعض. ماذا لو بدأت عقارب الساعة حركة عكسية، فبدأ الزمن بالتراجع قبل أن تصل إلى بابه؟ . . . هل سيعود ربيعه من جديد؟ . . . وإن عاد، جدلاً ، فهل سيكون ذلك مشجعاً لها أكثر لاقتناصه في هذا الزمن الندي من العمر؟ وماذا لو عاد الربيع؟ قال في نفسه للمرة الألف:( وماذا في ذلك ؟ في كل يوم تحدث مئات الملايين من مثل هذه العلاقة، وعلى مدار الساعة، ومع ذلك لم يختل الميزان ) . . . انتبه إلى أنه أغرق في خياله، فعاوده التوتر من جديد، وبشكل أعنف من السابق، فلا بد أنها ستكون أول من سيقرع عليه الباب بعد بائع الحليب .
رن جرس الهاتف فتملكته رعشة خفيفة، ، رفع السماعة إلى محاذاة أذنه راجياً ألا تكون هي، فإذا بصوتها يأتيه قوياً واثقاً من الطرف الأخر: ( - آسفة على عدم الحضور في الموعد المحدد ياسيدي، فبعد تردد شديد، واضطراب في التفكير، وتشتت في الذهن، ورغم أن مئات الملايين من مثل هذه العلاقة تحدث كل يوم - ورغم ذلك لم يختل الميزان - فقد قررت عدم المجيء )، ، ، وقبل أن ينبس بحرف واحد تابعت تقول : ( ورغم ذلك ، آمل يا سيدي الحبيب أن نلتقي ذات يوم،،، ذات يوم فقط إذا عاد الربيع. .).
أعاد سماعة الهاتف إلى مكانها بكل تؤدة،،، أحس أن كل شيء من حوله يضحك - لا يهم له أم عليه،، لا يهم - ، ، ، تهاوى على المقعد الهزاز بتهالك واضح،،، وبينما غرق كل شيء حوله في ضحك مجنون اهتز له كيانه، انخرط هو في بكاء مرير من شدة الفرح .

Friday, July 22, 2011

علبة البودرة

أومأ لها برأسه، ففهمت الرسالة وبدأت بالتثاؤب. يأتيها اليوم بعد غيبة سفر طويلة، واليوم الذي سبق سفره كان دور ضرتها لكي ينام عندها، ، تزوج الثانية طلباً للذرية ففشل معها في إنجاب طفل منذ ثلاث سنوات، ومع أنه تزوجها هي بعد قصة حب طويلة، إلا أن عجزها عن إنجاب طفل لأكثر من سبع سنوات دفع والدته إلى إقناعه بالزواج بثانية، وماذا يعني ذلك ؟، لا يهم طالما أنها هي حبه الأول وقُبلته الأولى وفراشه الأول، معها فقط – كما كان يعترف لها – عرف طعم العشق والسعادة، ولكن هكذا هو الرجل: له عينان زائغتان، بينما يحمل في صدره قلباً واحداً، وطالما أن قلبه لها فليتزوج حتى باثنتين أخريين، أما أنها تعيش منذ تزوجا في بيت أهله، فذلك أيضاً لا يهم، فمهما كانت مشاعر أمه تجاهها، فهي في النهاية والدته التي أنجبته، وتعبت في تنشئته لكي تأخذه هي فتهنأ به، وهذا ما كان يهوِّن عليها كل الإساءات التي تتعرض لها أثناء غيابه عنها .

تمطى وتثاءب، نظر في ساعة يده، ثم استأذن العائلة للذهاب إلى الفراش، وصعد إلى غرفة النوم في الدور العلوي، أما هي فقد تذرعت بترتيب الصحون في خزانة المطبخ، وفي طريق عودتها ألقت تحية المساء على العائلة التي تقضي بقية السهرة في صحن الدار، وصعدت - يسبقها قلبها - إلى غرفة النوم. لمحته يرش وجهه وصدره بعطرهما المفضل، ارتدى ثياب النوم وتمدد في سريره يتصفح مجلة وينتظر. أسرعت إلى الجلوس على الكرسي أمام المرآة وبدأت في طلي شفتيها بأحمر الشفاه، قليل من عطره المفضل ترشه على صدرها وخلف أذنيها. لفرط وجدها، كلما دخل معها غرفة النوم تتخيل نفسها كأنها في ليلتها الأولى، ليلة الدخلة. في إحدى زياراته لفرنسا أحضر لها علبة بودرة فرنسية، يومها قال لها ممازحاً بأن بنات فرنسا يجذبن الرجال من مسافات بعيدة عندما يتضمخن بهذه البودرة، ومنذ ذلك اليوم تقتصد في استخدامها طمعاً في إطالة مدة استعمالها طالما أنه يحب رائحتها إلى هذا الحد، وهل هناك أنسب من هذه الليلة لِلتَّضَمُّخِ بتلك البودرة.

تفتش عن العلبة فلا تجدها في أدراج خزانة التجميل، تعبث أصابعها بعصبية بين كافة مواد التجميل وبلا جدوى، بينما تتابعه عيناها من خلال المرآة، ، مازال يتصفح المجلة وينتظر، وما زالت أصابعها تقفز من درج إلى آخر ومن خزانة إلى أخرى، آه ، تذكرت، ، شقيقته كانت قد تبرعت لها بتنظيف غرفة نومها قبل أيام، فهل كانت بتلك البادرة النادرة ترمي إلى سرقة العلبة؟ ، ، ألحت عليها الفكرة، فهبطت درجات السلم مسرعة بحجة أخذ بعض الماء من الثلاجة، وبخفة وسرعة ولجت باب غرفة شقيقته تفتش أدراج خزانتها درجاً درجاً، لا شيء، لا شيء البتة، " يا إلهي أين ذهبت علبة البودرة، ربما وضعتُها بالخطأ في أحد أدراج خزانات المطبخ ، ربما ".. انطلقت إلى المطبخ تمعن في أدراجه وخزائنه بحثاً وتنقيباً، ، عندما ستجدها سوف تضمخ رقبتها وخديها بتلك البودرة التي يحبها، وعندما سيتعانقان سوف يندمج معها وبها حد الذوبان، ، في أول زيارة له إلى فرنسا سوف تطلب منه أن يأتيها بعلبة جديدة، ومن باب الاحتياط ربما أحضر لها أكثر من علبة طالما أن عبقها يحيي فيه نشوة اللقاء، ويسعّر في حناياه لواعج الشوق، ، هل بدأوا يصنعون في فرنسا نوعيات أفضل من البودرة ؟، لتدع ذلك إلى ذوقه وتقديره.

فتشت في كافة أرجاء المطبخ بلهفة وتوتر، ، أثناء ذلك تتابع بترقب ضوء مصباح غرفة النوم،، كلا لم يطفئه بعد، فهو سينتظرها ولو حتى إلى الصباح، ، ألم يقل لها إنه يعد الساعات والدقائق لكي يلقاها وحيدين في غرفة النوم . . " يا ألله، ، أين هي تلك العلبة اللعينة؟"، لا جدوى من التفتيش في المطبخ، ويستحيل أن تكون العلبة إلا في غرفة النوم، ، تصعد بخفة قِطٍّ درجات السلم، ، تتسلل بهدوء داخل الغرفة . . تتجه إلى الدرج المجاور لجهتها من السرير، ، تفتحه، وللهفتها تجد العلبة المطلوبة، - :" آه كم أنا غبية ، كيف نسيت أنني وضعتها هنا بعد أن استعملتها آخر مرة" .

بينما كانت تفتح العلبة بلهفة غامرة، كان صوت شخير يأتي من الجانب الآخر للسرير يؤكد بأن صاحبه كان قد دخل منذ دقائق في سبات عميق .

Tuesday, July 19, 2011

نحن من نصنع إله التمر، ثم نأكله

2010-09-26

http://www.alquds.co.uk/images/empty.gif

لم تتردد كلمتا (الديكتاتورية والدكتاتور) قبل التاسع من نيسان/ أبريل 2003، كما ترددتا بعده، وكأن المثقفين والإعلاميين العرب كانوا قبل ذلك اليوم يرون في الوطن العربي واحة مريحة للديمقراطية وحقوق البشر، ولكن بعد ذلك اليوم، بدأت الإشارة إلى الديكتاتورية بسبب وبدون سبب، فإذا تحدث مثقف عن علاقته بحماته وصفها بالديكتاتورة، ولو منع رجل زوجته من تركه أثناء مرضه والذهاب لزيارة والدتها، لوصفته زوجته بالديكتاتور، ولو طلبت الأم من ابنها أن ينام مبكراً، لوصف الولد أمه بالديكتاتورة، حتى أصبحت آذاننا أسيرة لهذه الأحرف التي تؤلف تلك الكلمة، وكأن أحرف اللغة العربية كلها انحصرت فيها، ومناقشة مختصرة ومتأنية لقصة النظام الديكتاتوري، وكيف يُصنع، توحي للكثيرين بأنها نوع من الدفاع عنه، وهي بالقطع ليست كذلك.
فلو تمعنا في قراءة القصة من بدايتها، لوجدناها تتلخص في أن الديكتاتور ورعاياه هم صناعة عربية - عالم ثالثية بامتياز. فالأسرة القامعة المتحكمة في أفرادها على يد الكبير فيها، جداً وأباً وأماً وعماً وخالاً وحتى الأخ الأكبر، ناهيك عن احتمال نشوء الغلام في كنف زوجة أب أو زوج أم، هذه الأسرة هي التي تشكل الخامة المناسبة لتشكيل القامع والمقموع .فما أن يدخل الفتى عالم مجتمعه الكبير، حتى يجد في نفسه الرغبة في الاستئثار بالسلطة التي حرم منها في أسرته الضيقة، وبمجرد أن تتاح له الفرصة للاستيلاء على السلطة، يأخذ الدور الذي أهله له البيت القامع الذي نشأ فيه، فيقسو على من هم دونه، الذين سرعان ما يرتدون إلى أخذ دورهم الذي كانوا قد أعدوا له أيضاّ (المقموعين)، الذين يخضعون للديكتاتور، حقداً وخوفاً ورهبة وطمعاً في المغانم من الداخل، وإعجاباً ونفاقاً وتملقاً ورياءً من الخارج، ولذا ترى أنه سرعان ما يأخذ الديكتاتور شعبية ربما غير مسبوقة، ويتحول إلى ما يشبه إله التمر الذي كان البدوي يصنعه ويصلي له، بينما في سره إذا جاع سيأكله، ولذا، فحينما تسنح الفرصة لأحد المقموعين الوصول إلى السلطة، لن يوفرها، وسيعتلي سدة من كان ينتقده بالأمس سراً، ويتصرف ربما أسوأ منه بآلاف المرات، وهكذا تستمرعجلة تداول السلطة على هذا المنوال. أما ما يقال عن صلاحيات الديكتاتور المطلقة، فإن في الأنظمة الديمقراطية صلاحيات تمنح لرئيس الدولة، قد يفاجأ البعض بأنها ربما تتساوى إلى حد ما مع صلاحيات الديكتاتور (غزا صدام حسين الكويت باستخدام صلاحياته كرئيس للدولة من دون الرجوع للشعب، وكذلك فعل بوش عندما غزا العراق)، غير أن الفارق الجوهري بين الاثنين هو أن عنف الرئيس الديكتاتور يكون موجهاً عادة نحو أبناء شعبه، بينما يتوجه عنف الرئيس الديمقراطي نحو أبناء الشعوب الأخرى، والتاريخ الدامي للديمقراطيات الغربية في بلدان العالم الثالث غني عن البيان، لدرجة أن هذه الديمقراطيات ترفض حتى الاعتذار عن جرائمها السابقة (كما في حالة فرنسا مع الجزائر، وتوني بلير وبوش مع العراق)، وبما أنه (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ) فقد تساوى رأسا هذين النظامين في أفعالهما، وبالتالي في تقييمنا لهما. بعد كل هذا من شاء أن يقول بأن هذا الكلام هو دفاع عن الديكتاتورية، فليكن.

Sunday, July 17, 2011

لطفاً: حاذروا أن تبتلعوا الطعم

ما يطلق عليه اصطلاح ( المؤامرة ) ربما يكون موغلاً في القدم بأكثر مما يتوقعه الكثيرون، فمنذ أن فكر ودبَّر ابن آدم " قابيل " قتل أخيه " هابيل " بدأت المؤامرة بالتشكل في العقل البشري، وهي في تعريفها المبسط لا تخرج عن كونها تخطيط بالسر يهدف إلى تحقيق مصلحة طرف على حساب طرف آخر مستخدماً جميع الوسائل، ومن البديهي أن يتم التخطيط في السر حتى تكون مباغتة المستهدِف للمستهدَف ناجعة ناجحة، فنجاح أية خطة عسكرية يعتمد بالدرجة الأولى على سريتها، بل ربما يكشف المخطِّطُ خططاً وهمية لا علاقة لها بالخطة الأصلية من أجل خداع الطرف الآخر، وما ينطبق على الخطة العسكرية في سريتها ينطبق على وضع باقي الخطط من سياسية واقتصادية واجتماعية، إلخ... ورغم ما لها من أنصار مؤيدين مدافعين، أو أعداء منكرين مماحكين، فإن " المؤامرة " تبقى واقعاً فكرياً يعيشه المجتمع البشري منذ تفتحت أعينه، مما يحتم علينا بالتالي الاعتراف بوجودها، بل ربما حتى بشرعيتها.

أما آخر تجليات المؤامرة، والتي حَذَّرْتُ من ابتلاع طُعْمِها في عنوان هذه المقالة، فهي ظهور الفيلسوف الفرنسي الصهيوني " برنار ليفي " في وسط ثوار ليبيا وتونس ومصر وسوريا ( في مؤتمر المعارضة في باريس )، محاولاً أن يسوق بشكل مُضلِّلٍ فكرة أن ثورات الربيع العربي التي تعيشها الشعوب العربية هذه الأيام إنما هي مدعومة بالكامل من الصهيونية العالمية وبتحريك منها، وربما انطلت هذه الحيلة البارعة على البعض، فأعاد تقييم تلك الثورات، بل وشكك فيها، غير أنها لا يجب أن تتغلغل في عقول الآخرين كالوسواس الخناس، ذلك أن معرفتنا بالدهاء الصهيوني تدعونا بإلحاح إلى الحذر من هكذا ألاعيب تبدو حقيقية مقنعة، بينما هي في واقع الأمر سطحية ساذجة، يمكن كشفها بالقليل من التدبر والنباهة، فمنذ أن أتحف " ميكيافيللي 1469-1527" الإنسانية بكتابه " الأمير "، والذي اشتهر بتسويقه أقذر حكمة سياسية وهي " الغاية تبرر الوسيلة "، منذ ذلك الحين والمؤامرة تأخذ أبعاداً أقرب إلى القذارة منها إلى الذكاء، وربما كانت الحركة الصهيونية من أبرع الذين استخدموا هذه الحكمة السياسية اللعينة " الغاية تبرر الوسيلة". ورغم تظاهره بتأييده الخبيث لثورات الربيع العربي، فعندما سئل هذا " البرنار" عن موقفه من الحصار المفروض على شعب غزة، قال بأن الوضع مختلف!!!. " برنار" هذا لم يأخذ صوراً مع حكام عرب خدموا الصهيونية بأكثر مما خدمها بعض اليهود، وذلك حتى لا يشوه صورهم – المشوهة أصلاً – في نظر شعوبهم، بينما حرص على التقاط الصور مع الثوار العرب، وهو قد استغل الموقف بخبث ودهاء كونه يحمل جواز سفر فرنسياً، فدخل جميع بلاد العرب، التي لو منعته إحدى سلطاتها من دخولها لاتهمت بمعاداة السامية، ولجُرْجِرَتْ إلى محاكم دولية تعمل أحذية لدى إسرائيل، فكم وكم من صهيوني يعمل ضمن حاشيات حكام العرب وهو متخفٍّ وراء جواز سفر أجنبي.

للمرة الثانية: حاذروا أن تبتلعوا الطعم، وتيقنوا أن المؤامرة التي بدأت عندما قتل قابيل هابيلاً سوف تستمر حتى قيام الساعة.

Wednesday, July 13, 2011

ترانيم قلب

عشقتـك قبـل ابتـداء الزمـان وقبـل اختـراع اللغـة الأبجديـة

وقبـل ظهور النجـوم اللآلـي وقبـل نمـو الزهـور النـديـــــة

عشقـتك ظلاً وروحاً وهمساً وكنت لروحي الحبيبـةالـوفيــة

فـفي مقلتـيـك ألملم نـفســــــي وفـي شفتيــك ألاقـي الهـويــــة

وأرشف منـك حـنانا عـطـوفــاً يــجـدد فـيّ الـحيـاة الزكيـــــــة

أحسك نوراً يطـوف بروحي ويـنـفـث فيـها رؤىً عبقـريــــة

وأنـت بفكـري ملاك جميـــل أقــدس فيـه الجـلال الـبهــــــيّ

وأنت الوجود وأنت الخـلود وأنـت لعمري السعـادة الرضّية

مـلأت حياتِيَ نـوراً وعطراً وكــنت النجاة لروحـي الشقيــة

فكل الذي فيك قد جاء مني وكــل الذي منك قد صـار فِــياّ

فنحـن كلانـا خلقـنا لبعض ونـحـن لبعـض مـرايا نقيـــّـــة

وكـيف تقولين أنــي بعيــد وأنـي نــسيـت الليـالي الهنيـّــة

فـلا تتـركيني وحيـداً أعاني بـعــادك عنـي ووجـداً قـسـيــّـا

فان جئت أهلاً بقُرّةِ عينــي فــؤادي لـحبـك دوماً وفــيـــّـا

وإن شئت هجراً فمرحى لهجر ويـبـقـى ودادك رطـبـاً نـديــّـا

جـوى القلب إنـي سأبقى وفيّا إلـى بـعـد موتي، لـبـعد المنيّة

فأنـت بكـل حنـايـا فــــؤادي تـعـيشين نـبـضاً سـخيـّاً سـخيـّا

==================

جهل المسلمين بالذكر الحكيم

من المؤكد أنه لا اشتباه ولا تشابه بين رسالة سماوية من لدن حكيم خبير، ومبدأ وضعه بشر ممن خلق، ولكن الأمثلة المطروقة التالية ما هي إلا لتقريب الموضوع إلى الأذهان، فليس شيوعياً من لم يقرأ كتابات ماركس وأنجلز ولينين، بل ويناقشها ويحاجج بها، وليس بعثياً من لم يطلع على كتابات الأرسوزي وعفلق والبيطار والحوراني ويهضمها بشكل يكفي لمقارعة خصوم البعث بها، أما القرآن الكريم، كتاب الله الذي أنزل على عبده النبي الأمي، فقد عزف عنه المسلمون بشكل أصبح معه مهجوراً، ( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا – الفرقان 30)لا يقترب منه المسلمون بالشكل الذي ينبغي، ولا أدري من أين جاءت مقولة أن كل من شهد الشهادتين فقد كتبت له الجنة، فأين ذهب العمل الصالح، واجتناب النواهي والمنكرات، والقيام بالفروض والواجبات، تلك التي لا يمكن إتقانها إلا من خلال تدبر أيات الذكر الحكيم. أنا أفهم أن الشهادتين هما بوابة الدخول إلى الإسلام، يتبعها الوصول إلى فهم حقيقي له من مرجعه الرئيسي: القرآن الكريم، الذي لو عدنا إلى نصه المقدس، لوجدنا كماً كبيراً من الآيات التي تحض المسلم على تلاوة القرآن وتدبره: ( اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة – وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا – إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة )، إلى غيرها من الآيات الكريمة. والمؤسف أن أمر معظم المسلمين لم يقف عند حد عدم قراءة القرآن الكريم وتدبره، بل وصل الجهل بالغالبية منهم إلى افتراء ما لم ينزل به الله سلطاناً، والأمثلة التالية تكفي للدلالة على ذلك:

1- يتهم هؤلاء المسلمون أمَّنا الأولى، حوّاءَ، بأنها هي التي أغرت آدم عليه السلام بأكل التفاحة، ومن ثم استجلاب غضب الله عليهما، الذي أخرجهما من الجنة: وفي هذا جهل فاضح بالرواية القرآنية التي تقول بأن الشيطان هو الذي أغراهما بأن يأكلا من الشجرة المحرمة(ولم يقل بأنها التفاح)، فيقول: ( فدلاهما بغرور فأكلا منها)، ويقول: ( وعصى آدم ربه فغوى )، فحواء بريئة بالنص، علاوة على أنه لم يرد ذكرحواء بالاسم، بل وصفها بقوله ( زوجه )، وبذا لا تقترب رواية الجاهلين بالقرآن الكريم من الرواية الأصلية بحال من الأحوال.

2- عند ذكر كلمة النساء، يهب الجهلة بقرآنهم الكريم ليقولوا: ( كما يقول الله تعالى: إن كيدهن عظيم). وهنا أيضاً جهل فاضح بالنص، فقد ورد ذلك في القرآن الكريم على لسان شاهد من أهل امرأة عزيز مصر التي راودت يوسف عن نفسه، تماماً كما يقول القرآن الكريم نقلاً عن لسان إبليس ( أأسجد لبشر خلقتني من نار وخلقته من طين)، فهذا القول ليس حكماً إلهياً على النساء بأن كيدهن عظيم، بقدر ما هو نقل عن لسان بشر، أو عن لسان إبليس.

3- يجمع الجهلة بالقرآن الكريم من المسلمين الذين لم يقرأوا كتابهم المقدس ولو لمرة واحدة، يجمعون على أن إبراهيم هو جد اليهود، مع أنهم كانوا سيجدون في القرآن الكريم، لو قرأوه، قوله تعالى ( ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين)، ومن ذلك قولهم إن فلسطين هي أرض الميعاد لليهود أعطاها الله لهم، لأنهم لم يقرأوا ( فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الكافرين).

4- يخلط الذين لم يقرأوا القرآن الكريم بين آياته، وبين ما يسمعون من بعض الوعاظ والمشايخ، من ذلك ما يقولون بأن عذاب القبر مذكور في القرآن الكريم، وهذا ليس صحيحاً بالمطلق.

5- تشتبه بعض الحكم والأمثلة في أذهان هؤلاء بأنها وردت على شكل آيات في القرآن الكريم، مثل ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) التي يظنها أولئك الجهلة آية قرآنية.

6- لكن المضحك والمحزن في نفس الوقت، وأكثر من أي شيء آخر، أن تسمع أحدهم يستنكر مجاهرة صديق له بالمعصية، فيعظه بالقول: ألم يقل الله في القرآن الكريم: (إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا)، أي أن الله تعالى - جل عن ذلك -، يرضى لنا اقتراف المعاصي، لكنه يشترط علينا الاستتار بها عن أعين الناس.

هذا غيض من فيض على جهل المسلمين بقرآنهم الذي لم يقرأوه في حياتهم ولو مرة واحدة.

Tuesday, July 12, 2011

اقتراح مجنون

هذه ليست ردة فعل على ما يجري – وسيجري – في المنطقة العربية ، وهي ليست فكرة عابرة نابعة من نزق عاطفي لن يلبث أن يهدأ ثم يخمد ويتبلد ، كلا ليست هذا ولا ذاك ، بل هي نظرة استنتاجية استقرائية استشرافية لما كانت وما هي عليه وما ستكون عليه حالة هذه المجموعة البشرية المدعوة بـ ( الأمة العربية ).

إذا كان المقصود بالأمة هو الاشتراك في اللغة والدين والعادات والتقاليد فقط فإن دول أمريكا اللاتينية تشترك فيها جميعها كون لغتها الإسبانية وديانتها المسيحية الكاثوليكية وتكاد تكون عاداتها وتقاليدها مشتركة مع وجود اختلافات فرضتها طبيعة الإقليم الجغرافية ، كل ذلك لم يجعل شعوب أمريكا الجنوبية تدعي بأنها أمة واحدة ، الأمر الذي تصر عليه الدول العربية على اعتبار نفسها تنتمي إلى أمة واحدة ، بينما واقعها الملموس يناقض ذلك وينفيه بشدة ، فلا المصالح واحدة ولا الطموحات مشتركة ولا الأهداف موحَّدة وبالتالي موحِّدة ، ويبدو من استقراء التاريخ العربي الإسلامي بأن العرب لم يظهروا على مسرح التاريخ العالمي – باستثناء الفتوحات الأولى والتي كانت مدعومة بزخم إيماني غير منزه عن طمع اقتصادي – لم يظهروا إلا في ركاب قوميات عريقة كالفارسية والعثمانية والقوقازية بل والإسبانية ، ولا أدل على ذلك من أن العرب لم يستطيعوا منذ حوالي المئة السنة الأخيرة – أي منذ انفصالهم عن الدولة العثمانية – لم يستطيعوا أن يثبتوا أنهم أمة واحدة جديرة بالعيش بكرامة ضمن المنظومة العالمية.

استمر العرب جزءاً من الدولة العثمانية مدة 400 سنة اعتورتهم فيها فترات ازدهار كما واجهتهم فيها فترات نكوص ، وهم في جميع الحالات مشتركون مع أبناء الأمبراطورية جميعاً في السراء والضراء ، فلم تكن النكسات تنصب على رؤوسهم دون سائر شعوب الأمبراطورية ، كما لم يكن الازدهار حكراً على شعب دون آخر من شعوب الدولة العثمانية ، فقد استمر العثمانيون في حماية البلاد العربية مدة 400 سنة من طموحات الدول الغربية التي كانت تبلور سياستها الاستعمارية خاصة بعد ظهور النهضة الصناعية ، ويبدو أنه ما كان للغرب أن يسقط الدولة العلية بدون الخيانة العربية التي أقدمت عليها أسرة كان يفترض فيها أن تكون مخلصة لرسالة جدها الرسول محمد (ص) ، غير أن الطمع في تأسيس ملك لأبناء الأسرة قد دفع كبيرها شريف مكة !!! لكي يراسل مكماهون في القاهرة حتى يقوم بالثورة ضد دولته التي ائتمنته على خدمة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة ، ثم ليتفق ابنه فيصل الأول مع وايزمن في مؤتمر الصلح بباريس (1919) على قيام تعاون بين الدولة العربية الموعودة والدولة اليهودية التي ستقوم في فلسطين ، وإنه لمثير للضحك والشفقة أن يكون الحديث عن أن المظالم العثمانية هي التي دفعت الشريف للثورة على سلطة الأستانة ، فهذا الأمر ربما كان مقبولاً من عرب الشام الذين وقع عليهم ظلم جمال باشا السفاح ( مع أن جمال باشا كان قد أعدم العرب الذين عثرت السلطات العثمانية على أسمائهم مسجلة في السفارتين البريطانية والفرنسية كعملاء )، بينما كان أبناء الشريف !!حسين بن علي نواباً في مجلس المبعوثان العثماني في الأستانة ، ولهم بالضرورة امتيازات تحميهم بالطبع عن أي عسف عثماني – إن وقع - . لم يستطع العرب أن يتبينوا اللعبة الماكرة التي قام بها يهود سالونيك من خلال تأسيس جمعية الاتحاد والترقي ، ثم عزل السلطان عبد الحميد عام 1909 ( وهو الذي أخبر هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية أنه مستعد للتنازل عن قطعة من جسده وغير مستعد للتنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين ) وتنشيط الحركة الطورانية وحملة التتريك ، كما أن قيادة الثورة العربية !! لم تصغ لكشف الروس بعد قيام الثورة البلشفية النقاب عن اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت بلاد الشام بين بريطانيا وفرنسا . وبعد نجاح الثورة المهزلة سقطت البلاد العربية المشرقية في قبضة النفوذ الغربي ، والذي ترك عملاءه من الحكام العرب عقب انسحابه من المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية لكي يجعلوا هذه المنطقة في الحالة التي هي عليها الآن.

أعلم تماماً الأطوار التي مرت بها الدولة التركية الحديثة من انتصارها على الحلفاء بقيادة مصطفى كمال أتاتورك في معركة غاليبولي إلى استردادها لواء اسكندرون قبيل الحرب العالمية الثانية ( لا ننسى أن لواء الاسكندرون كان أرضاً عثمانية لمدة أربعة قرون إلى أن احتله الحلفاء عام 1918 في نهاية الحرب العالمية الأولى ) ، كما نعرف ضلوع تركيا في حلف شمال الأطلسي ثم في حلف بغداد اللذين كانا معاديين لحركة القومية العربية ، كذلك نعرف الحال التي هي عليها تركيا الآن من أهمية الموقع ، وإرادة التطور ، والديمقراطية التي تنم عن شعب مؤهل لكي يثبت نفسه أمام نفسه وأمام العالم.

الأحداث التي نشهدها الآن في غزة كشفت عن معدن الدولة التركية ، وفاجأنا رئيس وزرائها أردوغان بأنه ما زال يعتز بانتمائه إلى أجداده العثمانيين ، ويتحدث إلى المعتدين بلهجة خشنة ليس لها علاقة بالدبلوماسية الناعمة التي يتقنها أمين عام الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب – بأنواعهم العاربة والمستعربة والمتعرّبة - .

بعد كل هذا التقديم المختصر - والذي يمكن أن يشرح على صدر آلاف الصفحات - أقترح ما يلي:

اعتبار أرض فلسطين ، بل وبلاد المشرق العربي كلها ( بلاد الشام والعراق وأرض الجزيرة العربية ) أراضٍ تركية – عثمانية محتلة ، ومطالبة تركيا الحديثة بالدخول على خط المطالبة بتحرير هذه الأراضي ، من الصهاينة أولاً ، ثم في مرحلة لاحقة من الأنظمة العربية الحاكمة وريثة الدول الاستعمارية : بريطانيا وفرنسا ، وحالياً الولايات المتحدة الأمريكية.

اقتراح أجد جانب الهزل فيه ( من وجهة نظر القراء ) طاغياً على جانب الجد ، غير أني أجد نفسي مقتنعاً به قناعة مطلقة ، وإن كان هناك أحد يجد أن هذا الأمر مستحيل التحقيق ومجنون، فليسمح لي بأن أسأله : هل كان مشروع الثورة العربية وطرد العثمانيين من بلاد الشام والاستيلاء على فلسطين بعد طرد سكانها وقيام إسرائيل ، مشروعاً ممكناً وعاقلاً في حينه ؟.

بعضنا آباؤهم عثمانيون ، ومعظمنا أجدادهم عثمانيون ، فكيف نتنكر لجنسية آبائنا وأجدادنا؟ فقط لأن الزمن قد تقادم ؟

وبناء على ما سبق : أقترح أيضاً أن نتقدم للدولة التركية بطلبات جماعية لاسترداد جنسيتنا العثمانية ، ومن ثم نمزق جوازات سفرنا العربية ونرسلها إلى حكامنا لكي ينقعوها ويشربوا ماءها عله ينقيهم من الدنس الذي هم فيه.

أخيراً ، ملاحظة هامة:

إذا كنت توافق على هذا الاقتراح المجنون ، فأرجو أن ترسله إلى أكبر عدد ممكن من الأصدقاء عله يشكل تياراً فكرياً جديداً ( مجنوناً ) إذ ثبت لنا بالتجربة عدم جدوى الواقعية والأفكار العاقلة.