Monday, November 28, 2011

فلسطين التي أخشى أن تتحرر



    أضاع العرب فلسطين عام 48، ثم لما تنبهوا إلى هذا الخطأ الغير المقصود! قرروا استعادتها وتحريرها من أيدي اليهود، أولئك العرب الذين ارتبط زعماؤهم - قبل قيام إسرائيل - بعلاقات صداقة ومودة مع القادة الصهاينة قبل وبعد طرد المحتلين الأتراك!(اتفاق فيصل- وايزمن 1919). بعد عام النكبة بدأنا نحتاج إلى تناول أقراص الإسبرين ومهدئات الصداع لكثرة ما جعجع العرب وهددوا بإلقاء إسرائيل في البحر. أيامها كنا صغاراً، وكانت معلوماتنا الجغرافية تنتمي إلى عصر فكرة أن الأرض ليست كروية، فاعتقدنا أن حنث العرب بأيمانهم التي أقسموها لتحرير فلسطين إنما يعود: إما لأن فلسطين في أقصى أقاصي الأرض، أي على حافتها المنبسطة، أو ربما لأنها تقع على سطح كوكب خارج المجموعة الشمسية.
    بعد أن عرفنا أن الأرض كروية وأن فلسطين موجودة على سطحها، لم نجرؤ على إظهار تبرمنا من كذب حكامنا، فأيامها لم يكن ليخطر ببالنا أن الحاكم، والذي هو أكبر رأس في البلد، يمكن أن يكذب. قلنا: ربما يكون بعد الشقة، ووجود جبال ووديان وموانع طبيعية، هو الذي  يمنع حكامنا الأفاضل من إمكانية الوصول إلى حدودها لكي يبرّوا بأيمانهم.
    دارت جميع هذه الأفكار والذكريات في رأسي بينما كانت سيارة الأجرة، التي استقليتها من مطار الملكة علياء في عمان، تتهادى هابطة الطريق المؤدية إلى غور الأردن، وسائقها يشعل سيجارة من سابقتها، مدندناً بأغانٍ بدوية جميلة. عندما انتبهت إلى اللحظة التي أنا فيها، شاهدت عن بعد أضواء مدينة تتلألأ، فسألت السائق عن اسم المدينة الأردنية التي أرى أضواءها وأنا أشير باتجاهها. نفث السائق دخان سيجارته مطلقاً ضحكة قطعت صمتاً تواصل لأكثر من نصف ساعة.
-      هذه أضواء مدينة القدس يا عزيزي.
    لم أصدق ما قاله السائق، واعتقدت أنه يأتي إلى هذه المنطقة لأول مرة في حياته. ألا يمكن أن يكون هذا السائق ممازحاً عندما قال أن هذه الأضواء هي أضواء مدينة القدس؟ وهل يعقل أن تكون القدس قريبة إلى هذا الحد، يا إلهي إنها تكاد تلامس القلب،،، كررت السؤال عليه، فانتفض معاتباً:" وهل أخبرك أحد بأنني كذاب يا رجل؟". اعتذرت بشدة، مبرراً ذلك بجهلي بجغرافية المكان، وأنني أزور فلسطين لأول مرة منذ غادرتها عام48، ثم عدت إلى أفكاري:
"إذن هذه هي فلسطين التي كنا نعتقد أنها في كوكب آخر، هذه هي فلسطين التي من أجلها ضحك علينا قادة كذابون وعدونا بتحريرها منذ ستين عاماً،،، ستون عاماً لم يستطع هؤلاء الأشاوس! السير بجيوشهم الجرارة ولو كيلومتراً واحداً. " إذن فقد كذبوا علينا والقدس على مرمى حجر، فهل كنا أغبياء فصدقناهم؟ أم هل كانوا صادقين فكذبناهم؟ فها هي ذي القدس تلامس القلب على مرمى حجر.
    ولأن الطريق هابطة متعرجة، فالسائق يتمهل في سيره، وأعود لأغرق في أفكاري: ماذا لو برَّ العرب بأيمانهم المغلظة فتقدموا لتحرير فلسطين؟، سوف يجتاح الجيش السوري الباسل مرتفعات الجولان، ثم ينحدر إلى الجليل الأعلى وسهل الحولة وبحيرة طبريا، كما ستصعد مدرعاته، مدعومة بالطوافات الحربية، مرتفعات الجليل لكي تسيطر على مدينة صفد، تلك التي كانت، أثناء ترسيم الحدود بين مناطق النفوذ البريطاني والنفوذ الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى، تقع داخل الحدود السورية، ثم، ولأنها واحدة من المدن الأربعة المقدسة عندهم إلى جانب الثلاث: طبريا، القدس، الخليل، فقد استطاع الصهاينة تحريك خط الحدود الفاصل بين فلسطين وسوريا لكي تدخل صفد في الأراضي الفلسطينية. وفي الجنوب من بحيرة طبريا ستجتاح القوات السورية مدينة بيسان لكي تقترب من طولكرم وتتوقف شمال حدود الضفة الغربية، وحتى تضمن حماية هذه المناطق التي احتلتها، سوف تتقدم باتجاه الناصرة وحيفا لكي ترابط هناك لدحر أي هجوم يجليها عن تلك المناطق. في الجنوب تتقدم القوات المصرية الباسلة لكي تجتاح الجبهة من قطاع غزة غرباً إلى ميناء أم الرشراش شرقاً، متقدمة شمالاً حتى تصل إلى شمال أسدود وترابط جنوب حدود الضفة الغربية. القوات المتقدمة من لبنان سوف تحتل مستعمرة نهاريا، وتتقدم مسرعة جنوباً لكي تصل إلى حيفا، ومنها شرقاً إلى  سهل مرج بن عامر (الذي باعه آل سرسق لليهود على مائدة قمار في باريس)، فتجد بأن السوريين قد سبقوهم إليهما، وبما أنه لاقدرة للجيش اللبناني على مواجهة الجيش السوري، فسيقنع اللبنانيون بما حصلوا عليه من مزارع الحمضيات في المنطقة الممتدة من رأس الناقورة إلى جنوب عكا بقليل، وهناك تثبت الحدود بين الجانبين. القوات الأردنية سوف تتقدم باتجاه القدس لكي تحتلها بسرعة منتشرة إلى الشمال حتى تصل إلى حدود الضفة الغربية حيث يرابط السوريون، وإلى الخليل جنوباً لكي تمنع المصريين من التقدم عبر الحدود الجنوبية للضفة الغربية، ثم تتقدم غرباً باتجاه ساحل البحر المتوسط محتلة المنطقة الممتدة بين جنوب حيفا شمالاً إلى شمال أسدود جنوباً، لكي تقف في مواجهة الجيش السوري في الشمال والجيش المصري في الجنوب. بعد هذا التحرير المجيد لفلسطين، وطرد ما تبقى من اليهود منها على سفن أوربية وأمريكية لكي يعودوا إلى الأوطان التي جاء منها آباؤهم وأجدادهم، بعد ذلك بأسابيع قليلة سوف تنشب معارك طاحنة بين هذه الدول الأربع للحفاظ على ما احتلته من أرض فلسطين كمرحلة أولى، لكي تتقدم في المرحلة الثانية من أجل بسط  سيطرتها على كامل تراب فلسطين.
    كنا قد أصبحنا على بعد أمتار قليلة من نقطة الحدود عندما أطلق السائق نوبات طويلة من السعال، فتنبهت من تخيلاتي،،، ألغيت رغبتي العارمة في عبور الحدود إلى القدس، وطلبت من السائق أن يعود بي من حيث أتيت، راجياً الله ألا يحقق للعرب حلمهم بأن يرووا تراب فلسطين بدمائهم الزكية.
    بعد أن استيقظت من نومي فزال عن قلبي كابوس تحرير فلسطين، عاهدت نفسي ألا أتناول عشاء دسماً قبل الذهاب إلى الفراش.
  

Sunday, November 27, 2011

في الطائفية ( Sectarianism)



    تعمل الطائفية في المجتمعات عمل النار في الهشيم، وتصبح نذير شؤم عندما تطل برأسها في فترة تاريخية ينعدم فيها الاعتراف بالآخر، وتسود الديكتاتورية بحمق وغباء شديدين.
    والشرق الأوسط، كونه مهبط الديانات السماوية بما تفرعت عنه من مذاهب فكرية ودينية متعددة، ولاختلاط الأعراق والأديان المتعددة فيه، فقد أصبح من بين أعقد المناطق في العالم من حيث التشابك الطائفي.
    والطائفة تختلف باختلاف قاعدتها التي تقوم عليها، فهي إما دينية أو عرقية أو قومية، فالدينية منها أمرها واضح لا لبس فيه، بينما التداخل بين العرقية والقومية شديد بحيث يدفع إلى الالتباس بأنهما أمر واحد، لكن ما يميزأحدهما عن الآخر هو أن العرقية ترجع إلى الأصل الأنثروبولوجي، بينما القومية تتأثر بالجغرافيا  السياسية، والمطامح المشتركة لأمة حتى وإن تعددت فيها الطوائف، فالأولى (العرقية) لا تتغير ولا تتبدل لأنها تجري في الأفراد مجرى الدم والنفس (عرب،كرد، أتراك، شركس، فرس، مغول، إلخ)، بينما تتغير القومية بتغير الظرف السياسي، حتى وإن كانت خامدة تحت السطح، ومن ذلك ظهور القوميات الحديثة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، فالعرب (بطوائفهم المختلفة) خمدت قوميتهم تحت السطح خلال فترة الحكم العثماني، وكذلك سائر قوميات الاتحاد السوفييتي السابق في وسط آسيا وشرق أوربا، لكنها استفاقت بنشاط ملحوظ عقب سقوط الدولة العثمانية والاتحاد السوفييتي. بل ربما تكون هي قد ساهمت في سقوط تلكما الإمبراطوريتين.
    من ميزات الطائفية أنها تشمل عدداً محدداً من الأفراد داخل مجتمعات تسودها أغلبية من نوع ما (ديني-عرقي-قومي)، ولولا ذلك لما سميت "طائفة"، فهل اشتق اسمها من (الطواف)،أي الدوران حول مركز ما(ديني-عرقي)؟، أم أنه الطواف حول مواقف تتناسب مع مصلحة الطائفة، أي نقيض الثبات على المبدأ؟، لكن أياً كانت التفسيرات فإن المصطلح يدل على القلة العددية مقارنة مع المحيط المنتمي إلى مكون أو مكونات أخرى، وشهوة إثبات الذات تلازم الطائفية كتعويض عن القلة العددية، وربما أخذ هذا الميل شكل إنجازات فكرية أو فنية أو أدبية أو رياضية متميزة، وفي جميعها ترمي الطائفة إلى إثبات الذات أمام المكونات الأخرى، كما تميل الطائفة، كي تعزز من مكانتها، إلى تأييد النظام السياسي الذي تعيش تحت مظلته، ويبقى تقييم موقفها، هذا سلباً أو إيجاباً، متوقفاً على نظرة المجتمع لهذا النظام السياسي، فإن صلح صلحت النظرة، وإن ساء ساءت.
    ويبدو أن انعدام الديمقراطية في مجتمع ما يكون من المحرضات الأساسية على استقواء الطائفة على من حولها من الطوائف، إذ أن من صفات النظام الديكتاتوري أنه يخلق فوضى اجتماعية وسياسية تحرض الطوائف على الظهور والتبلور، لأن في ذلك مصلحة للديكتاتور من حيث أنه يستفيد من تحريض بعضها على البعض الآخر، أو يعمل على تجيير القوي منها لدعم نظامه أمام الآخرين، ذلك أن الديكتاتورية هي نوع من الطائفية، طائفية الحاكم والمقربين منه والمنتفعين من وجوده والتعامل معه، ونظراً لأن الطائفة تتمركز حول قياداتها التاريخية، فإنها تكون سهلة الانقياد والتوجيه، وربما حملت الطائفة في حناياها بذور شقائها وفشلها، وذلك عندما تتصدى لمهام وصعاب أكبر من حجمها، فتلجأ – خاصة في حالة ضعف النظام القائم – إلى الاستعانة بقوى أجنبية تعطيها فترة من القوة والازدهار، لكنها تجر عليها في نفس الوقت حقد وعداء المجتمع (تعاون الكتائب في لبنان مع الإسرائيليين )، وربما استمرت هذه الوصمة على جبينها عقوداً من الزمن تمنعها من العودة إلى الاندماج مع المحيط الذي هو أصلاً ملعبها وموطنها.
    وربما كان من اسوأ ما يصيب المجتمع من الطائفية هو تقارب الطوائف المختلفة في عدد أفرادها، عندها لا يكون هناك مناص من اقتسام كعكة السلطة - الدولة بين الجميع، وأوضح أمثلته الميثاق الوطني لعام 1943  في لبنان، والذي – نظراً لتقارب الطوائف العددي، فقد وزعت مناصب الدولة بين هذه الطوائف بالتراضي، ولكن، ونظراً لجمود الميثاق - والذي كان شفوياً توافقياً - فإنه مع مرور الزمن لم يأخذ بعين الاعتبار تفوق بعض الطوائف على البعض الآخر عددياً، والذي هو في العادة معيار الحصول على امتيازات أوسع، فاستمر الاستعصاء في أزمة الحكم في لبنان خامداً تحت السطح، تتناوب فعله جماعات التغريب(مثل الكتائب)وجماعات الوطنية اللبنانية(بعض المسيحيين والمسلمين) والجماعات  العروبية  القومية        (المرابطون ومن هم على شاكلتهم).
    أما المثال الأكثر مأساوية فهو الوضع العراقي، الذي قننت فيه الطائفية بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وأدخل البلاد في مأزق خطير لن تنفك منه قبل عقود من السنين.
    أحياناً يشتبه على الكثيرين الخلط بين الطائفية والقبلية، لكن الواقع يقول بأنه لا علاقة لإحداهما بالأخرى، فالقبائل مهما تعددت أسماؤها، فإن انتماءها العرقي واحد، فهي تنتسب إلى جد أعلى (قحطان جنوب الجزيرة، وعدنان شمالها)، كما أن تفرع القبيلة إلى بطون وأفخاذ وعشائر لا يلغي انتسابها إلى أصل عرقي واحد، وأما التقاتل فيما بينها فلا يعني سوى نزاع بين أبناء عمومة على الكلأ والماء، أما الأحلاف التي تقوم بين القبائل، فهي مجرد تكتل لدرء خطر يهدد إحداها، وخدمات تقدم للآخرين للحصول على مثيلاتها في وقت الحاجة.
    بعد كل هذا: ما السبيل إلى درء خطر الطائفية؟. تخطيء الطائفية إن هي اعتقدت بأن انغلاقها على نفسها يحقق لها الدوام والاستمرارية بهدوء إلى الأبد، وهذا الاعتقاد هو الذي يدعوها إلى التأكيد على عدم جواز التزاوج مع الطوائف الأخرى، والواقع أن التزاوج لو تم بين الطائفة والطوائف الأخرى فإن هذا سيفيد المجتمع الذي تتوزعه طوائف مختلفة، بحيث يدعوه إلى التكتل والتلاحم، إذ سيتعذر على مدى جيلين من الزمن نشوب اقتال بين الطوائف، ذلك أن رابطة النسب والدم كفيلة بإجهاض أية نوازع طائفية قصيرة النظر، فاحترام العمومة والخؤولة عامل هام في سيادة السلم الأهلي داخل المجتمع، فعندما يتزواج الشيعة (مثلاً عددهم 10) مع السنة (مثلاً عددهم 15) تظهر طائفة جديدة من المنتمين إلى الطائفتين عددها 25، وعندما تتزاوج هذه الطائفة الجديدة (عددها 25) مع طائفة أخرى (عددها 20) تظهر طائفة جديدة عددها 45، وهكذا، بعد ذلك من البديهي أنه لا مجال لأن يحارب الإنسان – ولو سياسياً – أخواله وأبناء أخواله، أو أعمامه  وأبناء أعمامه ( وهذا ما كان حادثاً بالفعل في العراق قبل الغزو الأمريكي عام 2003).
    وفي المجتمع الذي لا تمارس فيه الديمقراطية لأسباب محلية وتاريخية، لو أرادت الزعامات الطائفية حماية طوائفها من الأخطار الدائمة، فما عليها سوى الاندماج بالطوائف الأخرى عن طريق التزاوج، وذلك برفع الحواجز بين قلوب الشبان من أبنائها، وبهذا تؤسس لحياة سعيدة هانئة يسودها السلم والمحبة بين الجميع، لكن طالما استمرت الطائفة في الإصرار على الانغلاق على نفسها، والتمحور حول ذاتها، فلتبشر بمستقبل لا يحمل إليها سوى الشؤم والمتاعب.  

Thursday, November 10, 2011

الأكراد والبليارد



    رغم اختلاف تسمياتها، وتنوع قواعدها، وبلاد منشئها، تبقى لعبة البلياردو متشابهة في كثير من تفاصيلها، وفي مقدمتها وجود منضدة، عليها كرات اختلفت أعدادها، وتنوعت المواد التي تصنع منها، وعصى لضرب الكرات ودفعها للاتجاه إلى جيوب مثبتة على جوانب المنضدة، ثم السقوط فيها، ولاعب أو أكثر يتناوب الإمساك بالعصا لضرب الكرات، لكن يبدو أن أهم الكرات التي على سطح المنضدة هي تلك التي يضربها اللاعب بالعصا لكي تصدم هي بدورها باقي الكرات، محاولة دفعها إلى الجيوب والسقوط فيها.
    ربما تكون هذه المقدمة طويلة مملة للوصول إلى القول بأن الكرة التي تستهدفها العصا في لعبة البليارد، تشبه إلى حد بعيد القوى الكردية المتواجدة على أراضي أربعة كيانات سياسية قوية هي العراق وإيران وتركيا وسوريا، حيث تقوم هذه القوى باستخدام الكرة الكردية ضد بعضها البعض. وربما كان من سوء طالع قبائل الكرد أنها نشأت وتوضعت في بيئة جبلية قاسية في غرب آسيا منذ أزمنة سحيقة، ونظراً لقسوة الطبيعة هناك، وانعزالها عن ساحل بحري، فقد أدى ذلك إلى انعزال القبائل الكردية، وتشتتها في جبال شاهقة ووديان سحيقة، مما أدى بالتالي إلى استحالة قيام دولة متماسكة تجمع شملهم، وتثبت كيانهم سياسياً وقومياً، فاشتراكهم في لغة واحدة، وبتاريخ أقرب إلى الأساطير، وبتوجهات عامة باتجاه هدف مشترك، هذه جميعها لم تمكنهم من تحقيق حلمهم بقيام دولة كردية، فالطبيعة القاسية كانت أقوى من جميع تلك الروابط، مما اضطر القوم إلى الخضوع للكيانات السياسية التي اجتاحت مناطقهم منذ فترة ما قبل الغزو المغولي، إلى ما بعد سقوط الإمبراطورية الروسية، والإمبراطورية العثمانية، والاتحاد السوفييتي، وبعد نشوء الكيانات السياسية التي يتوضعون على أراضيها(العراق إيران - سوريا - تركيا) استمر الأكراد في مناطقهم، تفصلهم حدود تلك الدول، دون أن تلغي أحلامهم بقيام دولة واحدة تجمعهم.
    لكن الأخطر في حياة الأكراد كان تنافس الدول التي يقطنونها، وقيامها باستخدامهم ضد بعضها البعض، وباستثناء قيام دولة " مها آباد" الكردية شمال غرب إيران في أربعينيات القرن الماضي، ولمدة لم تزد على ستة أشهر، بسبب غياب السلطة المركزية للدولة الإيرانية، لم يتمكن الأكراد من الاقتراب من حلمهم التاريخي، وبالتالي كانوا دوماً على استعداد لأن يكونوا الكرة التي تحركها العصا الخشبية لكي تطيح بالكرات الأخرى خدمة لمآرب حامل العصا، أو بعبارة أخرى " بندقية للإيجار"، وكلما ضعفت سلطة الدولة في أي من تلك الدول الأربع، ازدادت قدرة الأكراد على قضِّ مضجعها، وبالتالي خدمة من يريد إلحاق الضرر بها.
    ففي ستينيات القرن الماضي، وبتجدد النزاع التاريخي بين العراق وإيران بسبب قيام حكم قومي في العراق بعد الإطاحة بالملكية عام 1958، دعمت إيران بقوة - معززة بالموساد الإسرائيلي - ثورة الملا مصطفى البرزاني في شمال العراق، وزودته بالمعدات وأجهزة الاتصال والمال والسلاح لكي يقض مضاجع الحكومة العراقية، وصور القادة الأكراد وزياراتهم  المتكررة إلى إسرائيل تثبت هذه الوقائع بما لا يدع مجالاً للشك أو الريبة، ورغم التعاطف العربي مع العراق( حيث أرسلت سوريا كتيبة عسكرية رمزية بقيادة اللواء فهد الشاعر للقتال مع العراقيين )، فقد تواصلت ثورة الأكراد إلى أن توجت – وللمفارقة- ليس بقيام دولة كردية، بل بإجبار شاه إيران العراقيين على توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975، تلك التي خسر فيها العراق السيطرة على كامل مياه شط العرب – النهاية الجنوبية لحدود العراق الشرقية مع إيران – فتقدم خط الحدود الإيراني إلى منتصف مياه الشط. نتيجة لذلك توطد نفوذ البرزاني دون أن يصل إلى حد إعلان قيام دولة، وبعد وخلال الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988)، توطد الكيان السياسي لإقليم كردستان العراق، وفي فترة التسعينيات، وفي أعقاب حرب الخليج الثانية وفرض الحصار الدولي على العراق ورفع الإقليم علمه الخاص به، انحسر النفوذ الإيراني عنه، مع تصاعد واضح للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي، كما شهدت تلك الفترة صراعاً مريراً بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم، وهما حزب مسعود البرزاني ( الديمقراطي الكردستاني )، وحزب جلال طالباني ( الاتحاد الوطني الكردستاني )، وكلاهما زعيمان تقليديان للأكراد، مارسا النفوذ القبلي من أجل الاستئثار بحكم الإقليم والسيطرة على موارده المتأتية أصلاً من رسوم الترانزيت وعمليات التهريب (أسلحة – بضائع - مخدرات)، ووصل الصراع بينهما حداً استقوى به الطالباني بإيران والبرزاني بصدام حسين العراق، ولم ينته هذا الصراع إلا بدخول المخابرات المركزية فعلياً أراضي الإقليم، لكي تنطلق منه باتجاه العاصمة بغداد، مستفيدة من حظر الطيران الذي حرم العراق من إمكانيات سلاحه الجوي لصد توجهات الأكراد وحلفائهم من القوى الغربية. وبعد سقوط النظام العراقي عام 2003، يبدو لي أن نزع فتيل الصراع بين البرزاني وطالباني قد حسمه الأمريكيون - ولو مؤقتاً - بفرض هذا الأخير رئيساً لجمهورية العراق.   
    في تركيا، ونظراً لتركز غالبية الأكراد في جزئها الجنوبي الشرقي، وبسبب الطبيعة الجبلية القاسية الوعرة،  فقد كانوا كذلك أدوات تحركهم دولتا إيران والعراق، وربما سوريا في بعض الأحيان. فخلال فترة انحسار نفوذ بغداد عن إقليمها الشمالي، كردستان، فقد نشط فيه حزب العمال الكردستاني التركي، الذي اتخذ من جباله المنيعة منطلقاً لمهاجمة القوات التركية، التي اتخذت من سياسة الهجوم على شمال العراق لمهاجمة قوات الحزب هناك سياسة ثابتة خلال تسعينيات القرن الماضي، كما أن سوريا حافظ الأسد قد ساهمت في دعم ذلك الحزب الكردي باستضافتها زعيمه عبد الله أوجلان، الذي انشأ معسكرات تدريب لرجاله في سهل البقاع اللبناني تحت إشراف سوري، واستمر إلى أن أجبرت تركيا الرئيس حافظ الأسد على التخلي عن أوجلان وطرده من سوريا ولبنان عام 1998، ثم ألقي القبض عليه في نيروبي بكينيا عام 1999.
    في سوريا: ربما كانت طبيعة الأرض السهلية، التي يقيم فيها الأكراد شمال شرق سورية، من المعوقات أمام قيام حركة كردية سورية مسلحة، على عكس ما هو عليه الحال في المناطق الجبلية في كل من العراق وإيران وتركيا، فجبال شمال شرق سورية في أعلى قممها( 550 متراً عن سطح البحر) هي أقل ارتفاعاً من مدينة دمشق ( 740 متراً عن سطح البحر ) وهذا مما ميز ميل أكراد سوريا إلى النضال الثقافي، وربما السياسي السلمي، والابتعاد عن خطى أقرانهم في العراق وتركيا وربما في إيران، علاوة على تمدد الأكراد على كامل مساحة الأرض السورية، مما أوجد بينهم نوعاً من الضعف القومي، فالكثير من أكراد سورية لا يتقنون التحدث باللغة الكردية، ويجهلون تاريخهم، كل ذلك علاوة على أن القبضة الأمنية الحديدية لنظام البعث في دمشق قد حالت دون قيام ما كان يمكن أن يصدر من أكراد الشمال الشرقي.
    في إيران، نجحت دبلوماسية شاه إيران في تدجين القيادات الكردية وتحييدها في صراعات دول المنطقة، بل إن دعمه لأكراد العراق قد جعله أقرب إلى قلوب أكراد إيران، والأكراد بشكل عام، وبعد قيام الثورة الإسلامية عام 79 كان طرحها الإسلامي نوعاً من مسكن هدأ من نفوس الأكراد الإيرانيين، علاوة على أن استمرار العداء الإيراني للعراق، كما كان عليه الحال زمن الشاه، قد أرضى الأكراد إلى حدٍّ ما، وحال بينهم وبين اللجوء إلى القوة المسلحة للمطالبة بحقوقهم القومية في إيران.
    تبدو تركيا وكأنها الطرف الوحيد من منظومة الدول التي يقيم فيها الأكراد، والتي لم تستفد من تحريكهم داخل البلدان المجاورة، بل لعلها تكون الدولة الأكثر تضرراً من محاولات دول الجوار الاستفادة من " الكرة الكردية "، واقتصار دور تركيا على الدفاع عن حدودها الجنوبية الشرقية، وتصديها لسياسات كل من العراق وسوريا وإيران الرامية إلى الاستفادة من الوجود الكردي داخل تركيا.
    في جميع الحالات، ومهما تغيرت العصا واللاعبون، تبقى الكرة المستخدمة في ضرب باقي الكرات هي الكرة الكردية: تُضرب هي بالعصا، وتَضرِبُ هي غيرَها من الكرات في نفس الوقت تقريباً.
 نوفمبر10/ 2011

Saturday, November 5, 2011

هيكل: رجل عفى عليه الزمن




    في طريقها إلى تغيير الوضع السائد، لا تجرف الثورات في العادة النظم السياسية القائمة فحسب، بل إنها تعصف كذلك بأفكار ومفكرين. وفي ثورات الربيع العربي الحالية، انبهر العالم بأسره بما أنجزه الجيل العربي المعاصر من حراك عبقري، وبذله الروح والجسد في سبيل تحقيق أهدافه في الانعتاق من تحت حذاء حكام عسكر، وخلفائهم من أبناء أو أعوان، ورغم كم الإعجاب الذي حصل، فإن مفكرين ومنظرين عرباً قد سقطوا تحت سنابك أفكار تنتمي لعصر مضى أوانه، وخرجوا مرغمين من زمن لم يعد يتقبل أفكارهم وآراءهم التي ثبت بالممارسة الفعلية أنها صدئة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي.
   " هيكل " الأستاذ - اللقب الذي يناديه به مريدوه، والذي يرغب هو فيه - أدلى بدلوه في الأحداث الجارية، فصعق الجمهور بحجم الخلل الذي أظهره في طروحاته، واستغرب الجميع كيف انقلب المفكر العروبي - الذي يملك كماً هائلاً من المعلومات المتعلقة بالتاريخ العربي، بل والعالمي المعاصر- ، كيف انقلب إلى مدافع مقنَّعٍ عن أنظمة زالت أو أخرى في طريقها إلى الزوال، يستطيع أي طالب مبتديء في العلوم السياسية أن يحاجَّهُ فيحرجه، ويناقشه فيفحمه، لا لشيء إلا لأنه بدا وكأنه يجدف عكس التيار، ويعيش في زمن غابر لا علاقة له باليوم. وربما شعر الرجل أن في استضافة قناة فضائية  مشهورة  له ما يمكنه من أن يقول فيصدَّق، وينظِّر فيُستمع إليه، متناسياً أن في الحياة خمس مصالح مرسلة أولها (النفس) والتي اتفق على أولويتها الفقهاء والأدباء والمنطق الإنساني.
في ليبيا: بدأ الأستاذ هيكل بتخطيء الليبيين عندما قاموا بثورتهم فاستجلبوا النيتو، واقترح عليهم لو كان صبرهم قد امتد إلى ما بعد الاثنين والأربعين عاماً السوداء التي قضوها تحت حكم لم يعرفوا فيه ليلهم من نهارهم، فقدوا فيها عشرات الآلاف من رجالهم بين قتيل وسجين ومفقود، ومئات الآلاف من الهاربين من جحيم حاكم مجنون، وربما كان الأستاذ سيؤيد الثورة، لو قدر له أن يعيش ليراها بعد خمسين عاماً، على حكام ليبيا من أحفاد سيف الإسلام القذافي، متجاهلاً حجم السحق والبطش الذي عانى منه الليبيون طيلة ما يقرب من نصف قرن، فقد كانت ( النفس ) الليبية آخر ما يهم القذافي الأب وعصابته من الأبناء. والغريب أن الأستاذ لم يدرك أن الثورة الليبية هي واحدة من أجل وأشرف معارك الإنسانية على جميع العصور،، هي ثورة لم تدون أحداثها في صفحات كتب كي نكذب مؤلفيها متهمينهم بالتزوير والدجل، بل رأيناها رأي العين يوماً بيوم وساعة بساعة على شاشات فضائيات تنام معنا في غرف نومنا، وتصحبنا في سياراتنا ومقاهينا،، ،، هم رجالٌ ثوار من دم ولحم، ومن جميع الأعمار،، ألم ير الأستاذ الجرحى من الثوار وقد ضمدوا جراحهم وعادوا إلى أرض المعركة؟،، ألم ير الشاب الذي أعطبت ساقه، فحمل العكاز بيد والبندقية باليد الأخرى وجرى يقاتل؟،، ثم: كيف ينسى الأستاذ تهديد ولي العهد سيف الإسلام باجتياح بنغازي، ومنها طبعاً اجتياح باقي المدن الليبية حتى الحدود المصرية، في خلال يومين اثنين؟، فماذا كان بوسع الليبيين أن يفعلوا؟ أن ينتظروا جحافل الجيوش العربية التي تحولت إلى كلاب حراسة حول قصور الحكام ومزارعهم وشركاتهم؟، أم ينتظروا المدد من الشعوب العربية التي تقبع رقابها خانعة تحت أحذية الحكام؟، في الفترة ما بين تهديد سيف الإسلام ودخول طيران النيتو، بماذا كان بإمكان الأستاذ – ومن يتبنون أفكاره - أن ينصحوا الليبيين؟، أن يصبروا ويصابروا ويدعوا الله في سرهم أن يهلك الطاغية؟، أولم ير الليبيون أهل غزة يموتون تحت الحصار العربي قبل الإسرائيلي؟، وألم يروا العراقيين يموتون تحت الحصار العربي قبل الدولي؟، فلماذا لا يعتبرون بما حل بغيرهم، وهذا ما حدث، ولولا تدخل القوة الإلهية – التي نؤمن بها ولا يستطيع أحد منا إنكارها – لتلكأت الجامعة في طلبها من مجلس الأمن معالجة الموقف، ولوقف الأستاذ أمامنا الآن لكي يحاضر عن " فشل الجامعة في حقن دماء الليبيين"، ولكي يتهم الليبيين بأنهم "استخفوا بتهديدات سيف الإرهاب القذافي، فاستحقوا ما جرى لهم على يديه". يتحدث الأستاذ ويطنب عن النهب المنظم المتوقع للنفط الليبي، فهل النفط في رأيه أغلى من الدم؟، وهل بناء البيوت والمصانع أهم من سكانها وعمالها؟، فليذهب النفط والزرع والضرع إلى الجحيم، وليحقن الدم، وماذا ومن سيفيد النفط لو ذهب الإنسان؟. ثم: هل هناك بترول عربي لا يخضع للشركات الغربية؟ ولماذا لا نكف عن اتهام الشركات الغربية بالطمع ونحن لم نستطع خلال نصف قرن أن نمتلك مصنعاً واحداً لإنتاج معدات النفط، وفشلت جامعاتنا في تخريج مهندسي نفط أكفاء؟، عجزنا عن تحقيق أي شيء سوى الفرقة والتمزق، ثم نأتي لنلوم الغرب على طمعه فينا، وقد حق – بسبب تخاذلنا - لدود الأرض أن يطمع فينا هو أيضاً. ألم يحن الوقت لكي نتوقف عن التشدق وننظر في المرآة لكي نرى المسؤول عن كل ذلك، متأسين بالمثل الصيني القائل:" إذا ساءت الأحوال فانظر إلى وجهك في المرآة "؟. بكل احترام وتقدير أقول للأستاذ: ما هكذا تورد الإبل ياسيدي.
في سوريا: يبدو أن الخلل لم يتلبس أفكار الأستاذ حول الثورة الليبية المعجزة فقط، بل وقع في نفس الزلل عندما قارب الثورة السورية الحالية، ويبدو لي أنه – مثل غيره – الذين خدعوا لأعوام طويلة بشعارات الصمود والتصدي، ودعم المقاومة، والعمل على تحرير فلسطين، وربما لم يكن الأستاذ هو الوحيد الذي خدع، فقد سبقه على نفس الطريق مفكرون ووطنيون أمثال عزمي بشارة ومصطفى بكري، الذين اعتقدوا لفترة ما بقداسة النظام السوري، ليكتشفوا فيما بعد أنهم كانوا واهمين، فعزمي بشارة خسر الإقامة في وطنه فلسطين من أجل عيون النظام في دمشق، ومصطفى بكري كان يكيل المديح في صحيفته " الأسبوع " لنظام دمشق المقاوم!، لكن بشارة أدرك الحقيقة ليس متأخراً، وربما أدركها أيضاً مصطفى بكري، لكن الأستاذ ما زال يصر على تضليله، وفي أحسن الحالات، ضلاله.
   فعند تناوله الثورة السورية، بدى أستاذنا وكأنه جالس في قاعة محاضرات معظم حضورها نائمون أو يتثاءبون،، قفز على الأربعين أو خمسين عاماً من حكم الحزب الواحد وكارثة التوريث، وبدأ يشيع فكرة خائبة تقول بأن النظام ما زال متماسكاً، بدليل " أن الطبقة البرجوازية في دمشق وحلب لم تؤيد الثورة بعد" ، وكأن الأستاذ – أو هو بالفعل – كان وما يزال غائباً عن الداخل السوري. فعبر أربعة عقود من الزمن، دجن النظام طبقة التجار، عن طريق الترغيب والترهيب:الترغيب بزيادة المنافع والمصالح، والترهيب بقطعها واستثنائهم منها، وبذلك تكونت طبقة من المنتفعين المنافقين الموالين للنظام، فقط حرصاً على استمرار مصالحهم. هيكل لم ير رجال الحرس القومي في شارع الصالحية وهم يخلعون أقفال المحلات التجارية التي أقفلت تنفيذاً لإضراب عام سنة 64، ووضعوا داخلها أفراداً من الحرس يبيعون البضائع لحسابهم الشخصي،، هيكل لم ير رجال أمين الحافظ يُخرجون المتظاهرين من حمامات الجامع الأموي بعد أن هربوا إليها من بين أيدي العسكر،، هيكل لم يسمع عن مدينة تجرعت الأهوال اسمها "حماة"،، هيكل لا يعرف أسماء سجون مثل المزة وصيدنايا وتدمر،، هيكل لم ير دبابات الجيش السوري تحتل جميع المدن السورية، محمية بالطائرات من الجو وبالبارجات الحربية من البحر،، هيكل لا يعرف بأن القابون وبرزة والحجر الأسود والميدان والقدم وكفرسوسة وقادسيا وركن الدين ودوما وحرستا وزملكا هي أحياء دمشقية، فإن كان لا يعتبرها كذلك، فإن أحياء الهرم والمهندسين وشبرا وحلوان ومصر الجديدة ليست أحياء قاهرية. هيكل لم ير شيئاً يستحق نقده سوى برجوازية دمشق وحلب، متناسياً أن شخصيات المعارضة جميعها، في الداخل والخارج، هي من المحامين والأطباء والكتاب والصحفيين والأدباء والفنانين، ومعظمهم خاض تجربة السجن لأعوام طويلة،، أليس هؤلاء هم لب الطبقة التي يتهمها هيكل بأنها ما زالت موالية، إلا إذا كان الأستاذ يعتقد بأن البرجوازية هي فقط طبقة التجار الذين ارتبطت مصالحهم مع وجود النظام، فهذا أمر آخر.
   على الأستاذ أن ينتمي إلى الدم العربي، وأن ينحاز إلى اللحم العربي، وعليه أن ينسى كل ما قرأه في الكتب من نظريات ثبت خطؤها، وليعلم بأن حرمة النفس مقدمة على أي شيء وكل شيء، ألم يقرأ الحديث الشريف القائل " لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم مسلم واحد " أم أن لدى الأستاذ موقف خاص من هذا الحديث الشريف أيضاً؟.على الأستاذ أن يعيد قراءاته جميعها، وليحاول أن يتعلم أبجدية جديدة يكتبها بالدم الجيل العربي المعاصر، والتي لا يعرف  حل كلماتها المتقاطعة إلا الذي يكتبها.  نعتقد أن على الأستاذ أن يتعلم حل الكلمات المتقاطعة المكتوبة بالدم، أو أن يعتزل قبل أن يعزل.                                     نوفمبر 4-2011