Thursday, August 30, 2007

الله الله ياعرب
خطفت حركة طالبان ثلاثة وعشرين كورياَ فقامت الدنيا ، ثم أطلقت سراح الباقين بعد قتل اثنين من الرهائن فقعدت الدنيا ، بعد زوبعة اجتاحت جميع الدوائر السياسية والدبلوماسية الدولية ، وليس في هذا غريب أو معيب ، فالإنسان قيمة تعلو على كل ما عداها من مخلوقات الله . هنا يحلو لي أن أتخيل لو أن مجموعة من الفلسطينيين ( طبعاً من حملة وثائق السفر ) كانت تعمل في أفغانستان ، وقامت حركة طالبان بخطف عشرين منهم ، ثم طالبت بإطلاق سراح معتقليها لدى حكومة الحاصل على جائزة نوبل للعمالة ( أحمد كرزاي ) وإلا ستقتل اثنين من الفلسطينيين كل يوم فماذا سيحدث ؟ ولا شيء ، نعم ولا شيء ، ، ، لا ، لا آسف ، بل سيحدث شيء مضحك مبكٍ : ستقوم الحكومة الأفغانية بخطف مائتي فلسطيني ( طبعاً من حملة وثائق السفر ) ، وسترد على طلب ( طالبان ) بأنها ستقتل عشرين فلسطينياً مقابل كل اثنين تقتلهم ( طالبان ) . لو صادف ووقع هذا الحادث أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي ، فإن البيان الختامي للقمة سيكتفي بمطالبة الحركة والحكومة الترفق بالرهائن ، وذلك بتخفيض عدد المعدومين من اثنين مقابل عشرين إلى واحد مقابل عشرة كل أسبوع بدل كل يوم ، وبدعوة الأطراف إلى ( ضبط النفس!!)، أما الجامعة العربية وبمجرد أن تعلم بالواقعة فإنها ستعطي موظفيها وأمينها العام إجازة مفتوحة مدفوعة الأجر بالدولار الأخضر الرنان ، وذلك حرصاً على عدم تدهور العلاقات بين دلوع أمريكا ( كرزاي العظيم ) والجامعة العربية ، خاصة في هذه الظروف الحرجة التي تنام فيها الجامعة نومة أهل الكهفً . سفارة فلسطين في كابول سوف تحمِّل الفلسطينيين المخطوفين مسؤولية عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لعدم الوقوع في الأسر،وتعتذرعن التدخل في هذا الشأن الأفغاني الداخلي ، ثم يأتي دور حكومة ( أبو مازن ) المؤقتة لكي تؤيد موقف سفيرها في كابول ، خاصة وقد تبين لها من الكشوفات المالية أن هؤلاء الفلسطينيين المخطوفين لم يكونوا يسددون الجزية المالية لحساب منظمة التحرير الفلسطينية .هناك بعض برقيات التأييد وعدم الاستنكار سوف تتلقاها الحكومة الأفغانية وحركة( طالبان ): البرقية الأولى من الأخ العقيد القائد – الخط الأحمر – إذ سيذكِّرهما بأنه سبق وأن نفى مئات الفلسطينيين إلى حدوده مع مصر ، فمات قسم منهم بالحر والقر ، وقسم آخر بالجوع والقهر ، دون أن ترف للضمير العالمي عين أو أذن ، ودون أن تحرك منظمات حقوق الإنسان والحيوان ساكناً أو متحركاً ، فماذا يخشى الخاطفون الأفغان من الجانبين ؟. البرقية الثانية ستكون من وزير خارجية دولة تقع غرب العراق ( ممكن روسيا بوسيا أو شيء من هذا القبيل لا أدري ) سيقول فيها بأن بلاده قد تركت مئات الفلسطينيين محتجزين على الحدود مع العراق في خيام ليست كالخيام ، كأنهم الأيتام على مآدب اللئام ، هوجموا من قبل ميليشيات حاقدة ، بعد أن كانت قد هاجمتهم من قبلُ جحافل الحر والقر والجوع والعطش ، ومع ذلك لم يهتز في جفن ( أبو مازن الهمام ) شعرة ، ولم تلمع في صلعة ( أبو قريع ) شمعة ، كما لم ينتحر الضمير العالمي حزناَ ولوعة ( ربما لأنه ميت أصلاً ) .
زعيم قلب الأمة العربية في برقيته البليغة سوف يهديء خواطر الطرفين ، ويذكرهم بأن العشرات من مئات الفلسطينيين العالقين على معبر رفح قد ماتوا بدون أن تثور أية ضجة بسبب ذلك ، كما لم يتلق أي احتجاج من الحكومة الفلسطينية!!! ، فلماذا يتأخر الطرفان في تنفيذ تهديداتهما
هنا ، وعندما وصَلَت إلى حركة ( طالبان ) وحكومة ( كرزاي ) هذه المواقف العربية اليعربية ، بصق الطرفان على هذه البرقيات ، وعلى أمة أنصاف التسويات ، ثم أطلقوا سراح رهائنهم المئتين والعشرين ، معززين مكرمين ، ليس لأنهم عرب ، بل لأنهم كانوا فلسطينيين ، وهكذا انتهت أزمة الرهائن المخطوفين ، وكل أزمة رهائن وأنتم طيبين .

Wednesday, August 29, 2007

دولة البكم
يقوم قسم العقارات في دائرة الإعلام والثقافة بجامعة الدول العربية حالياً- وبناء على طلب من مجلس وزراءالصحة العرب ، واتحاد الصيادلة العرب - بالتفتيش عن قطعة أرض بور في أية منطقة من مناطق الوطن العربي ( وما أكثر الأراضي البور في هذا الوطن الكبير ) تصلح لإقامة دولة جديدة سوف يُطلق عليها اسم " دولة هايد بارك العربية " . تفصيل ذلك أن أطباء الأذن والأنف والحنجرة العرب قد أفادوا في تقاريرهم إلى مجلس وزراء الصحة العرب ، بأنهم قد لاحظوا ازدياداً حاداً في عدد المرضى العرب المصابين بانسداد في الحنجرة والبلعوم ، إلى الحد الذي يمنعهم من فتح أفواههم بصورة تامة ، ويرجح الأطباء بأن تكون هذه الحالة حالة نفسية أكثر منها عضوية ، حيث أنهم يعتقدون بأن حالة من الخوف قد تكون تعيق مرضاهم وتمنعهم من فتح أفواههم ، ويقول هؤلاء الأطباء بأنهم في حال تأسيس دولة هايد بارك العربية ، - والتي سوف تُستَخدم كمصحة جماعية للمرضى من العرب العاجزين عن فتح أفواههم - فإنهم سوف يحرصون على تضمين وصفاتهم الطبية نصيحة توصي مرضاهم بزيارة هذه الدولة أسبوعياً أو شهرياً ، أو حتى للإقامة الدائمة فيها حسب ما تقتضي حالة المريض .
يقترح خبراء الجامعة العربية أن تُنشأ الدولة المذكورة في موقع متوسط من الوطن العربي ، بحيث يوفر ذلك لجميع المواطنين العرب سهولة الوصول إليها ، كما يقترحون منع إدخال آلات التصوير والتسجيل الصوتي بكافة أنواعها إلى أراضي هذه الدولة ، كما يمكن - زيادة في الحيطة والحذر - توزيع أقنعة على الزوار لارتدائها طيلة مدة إقامتهم فيها ، وذلك تحسباً لما قد يمكن أن يحدث لهم بعد عودتهم إلى بلدانهم التي جاؤوا منها (هذا إن هم تجرأوا وعادوا إليها ) ، أما السباب والشتائم ، في حالة رغب الزوار باستخدامها للتعبير عن مشاعرهم كجزء من العلاج النفسي ، فينبغي ألاّ تكون " من الزنار وتحت " بل يجب أن تنحصر في منطقة "من الزنار وفوق " ، وبالنسبة لِعَلَمِ الدولة الجديدة ، فقد فاز في المسابقة التي خصصت لاختياره تصميم هو عبارة عن أرضية بيضاء ( رمزاً للطيبة و السلام ) في وسطها مربع ( يرمز إلى الزنزانة ) في وسطه صورة فم يصرخ وهو مفتوح إلى أقصى حد ( رمزاً للمطالبة بحرية الرأي) . . سوف تكون هذه الدولة منزوعة السلاح ، إذ لو سُمِح لأي عربي بحمله لقام بانقلاب عسكري واستولى على السلطة في غضون 24 ساعة ، كما سيكون لهذه الدولة محطة تلفزيون فضائية تبث برامجها - التي تدور حول تدريبات على استخدام الحنجرة وفتح الفم ، ونداءات إلى الدول " الشقيقة " لاحترام حرية التعبير عند مواطنيها ، بل وتشجيعهم على استخدامها في الصالح العام - وذلك على مدار الساعة . آخر مشكلة قد تعترض إنشاء هذه الدولة تتمثل في استحالة العثور على قطعة أرض هائلة المساحة ، يمكن لها أن تتسع لـ 270 مليون زائر عربي ، ربما ينوي معظمهم الإقامة فيها على الدوام .
(* يمكن لأصحاب الأراضي الشاسعة ، و الراغبين في البيع، الاتصال مباشرة بدائرة الإعلام والثقافة بجامعة الدول العربية - قسم العقارات - عناية مدير عام
مشروع " دولة هايد بارك العربية" - ملاحظة هامة : الوسطاء يمتنعون)
e.mail: hydpapro @ arableague.com ( العنوان وهمي وغير حقيقي )
- نشرة عن تطور التعليم في الوطن العربي العظيم خلال الستين سنة الماضية :
عام 1947 :
1 - الطالب يخجل من النظر في وجه أستاذه تأدُّباً واحتراماً .
2 - يُطرَدُ الطالبُ من المدرسة إذا أخلَّ بنظام المدرسة أو باحترام مدرِّسيهِ .
3 - أعلى معدّل للطلاب 75% من الدرجة النهائية .
4 - معلِّم واحد لكل 50 طالباً .
5 - يعرف الطالب كتابة اسمه في مستوى الأول الابتدائي .
6 - الناجحون من الطلاب في حياتهم العملية بعد التخرُّج أكثر من 99% من الخريجين.
7 - الدولة تدفع رواتب المدرسين .
عام 2007 :
1 - الأستاذ يخجل من النظر في وجه تلميذه لأن راتبه الشهري لا يكاد يكفي تلميذه مصروفاً ليومين .
2 - يُطرَدُ الأستاذ من سلك التعليم إذا جرح شعور تلميذه ، حتى ولو في حالة الدفاع عن الكرامة .
3 - أقل معدّل للطلاب 98% من الدرجة النهائية .
4 - خمسة معلمين لكل طالب ( باحتساب المدرسين الخصوصيين ) .
5 - لا يعرف الطالب كتابة اسمه في مستوى الثانوية العامة .
6 - الناجحون من الطلاب في حياتهم العملية بعد التخرُّج أقل من 1% من الخريجين .
7-أولياء الأمور يدفعون رواتب المدرسين.
( والقصة تختصر في البندين رقمي 7 أعلاه )

الشهيـــــــــد

يشتـري المــــوت بالحيـــــاة فــداء
بــاسـم الثّغـــــر واهبـــاً معطــاءَ

مــانــحَ الكـون لحـن عـذب الأغــاني
عــاشــقَ المـــوت شــاعـراً حـــدّاءَ

قــد دعتــه المعــالــي فهـبّ يضحّـي
بـاذل الـّروح يمتــطــي الأنــــــواءَ

إذ رأى البـغي فـاستهــال مـــــــداه
ورأى الحـقّ فـاستحال وفــــــــــاءَ

منتهـــى الحقــد قــد حـواه فـــؤاد
ينـزف المـوت لـلـعـدى وعــــــداءَ

لـــوّن المجـــدُ هــامَــه بفـخـــار
واكتســى الفجـــر مـن ســنـاه سـنـاءَ

مــن يلبـّي إن دهـى الخـطب يـومـــاً
غـيــرُ شبـلٍ مــن العـريــن فــداءَ

قـــدّم الـروح فـــديـــة وتـسـامـى
ســاكــن الـنّجـم مفـرشـــاً وغـطـاءَ

فـليــنم هــاديء البـــال إنـّـــــا
ســوف نمـشي على هـــديـه خــيـلاءَ

كــلّمـــا سـار مــن حمـانـا شهيــد
صـفّـق المجد ذاهـلاً يـتــــــراءى

مـوطنــي موئــل الخلـــد تــسـاميت
فـدتـك الـّروح مــن أجـسـادنا ودمـــاءَ

إن قـضـيـــنا فمــا دعـــائــي إلاّ
أن تـعيـش فـفـيك فـيـك عــــــزاءَ
=========================

Friday, August 24, 2007

حــوارية لاجيء
(شعر)

قالت تسائلني وبلهــجة الطّــــفـل البريءْ

" أبــــي .... يــا أبــي لـــم لا نعـــودُ

وأيـــن بيّاراتنــــا الخضـــراءُ

فـــي عكّـــــا وفــــي يـــافــا

وفـــي أسـدودْ

فـلــقد سمعـت مــن المعلّــم أخـبــاراً

عـن الـوطــن المكبّـــل بالقــيــــودْ

مــاذا دهى ؟ مـــن كبـّلــــه ؟

مــاذا جنى ؟ مـــن سحلـه ؟

بالّلــه قـــل لـــي يــا أبـــي

هـــل أخـرجـوكــــم عنـــوةً ؟

أم قـــد خـرجتـــم طـائعيـــن ؟

أمّـــا أنـــا فالّلــــه يشهـــد أننــي

لا أدري نفســـي مــن هنـا أم مــن هنــاك

أ لــهـــــذا يـدعــونـــــــا

رفـــاقــــــــي لاجئيــــــن ؟ "

======================

ســألـت وقـد صُلِبـت علـى شفـاه صغيـرتـي

كـلّ العـروض العسكريـــةْ

كـــــلّ النيــــاشيـن التـي انتصبـتْ

علــى الصـدور اليعربيـةْ

كـلّ الأنـاشيــد التـي عُـزِفَـتْ

كـــلّ الأغـــانـــي الـوطنيـّـــــةْ

كـلّ البيانات التـي صيغـت لطمــس قضيّتـي

شُنِقـت وعـود الكاذبـين على صلـيب حقيقتي

وعلـــى حبـائــل خيمتـــي

نُــشِـرت أكــاذيـب الرعــاةِ

علــى مســاكيـن الرعـيّـــــــــةْ


========================

والآن . . . يـا مـن بـاعـك الـفـجّـار فـي سـوق العبيـدِ

يا أنت .... يـا مـن أُنزلـت في سـوق الـنّـخاسـةْ

هـل تـرَيْ فـي القـوم مـن يحمـي الـذمّـارْ

فــي السّـاهـرين على الموائد الخضـراء ، ، ، يـا للعـارْ

مـن خلطوا البذاءة بـالنّجـاسـةِ

وادّعـُوا الـطّـهارةَ

مــن صلّـوا صـلاة الصّبح فــي مـكّــةَ ،

والعصـر أقـامـوه جمـاعـةْ

في بيوت الّلهـو ، واحتـرفـوا الـدّعـارةْ

هـل تـسـمعـون جميعكـم يـا أيّهـا الثـوّارْ

يـا مـن أزكمـوا آذاننـا

بنعيـق أبواق الخلاعـةْ

والبيانـات الـصفيقــةِ

مــــن دهـاليـز الإذاعـــةْ

هـــل تسمعـــون جميعكــم ؟ ؟ ؟

فقــد صُلِبـت علــــى حـذاء صغيــرتــي

كـــلّ العـروض العسكــريّةْ

كـــلّ النياشيـــن التـي انتحـرتْ

علــــى الصّــدور اليعربيّــةْ

هــــل تسمعـــون جميعكــــم ؟ ؟ ؟

فعلــى حبــائل خـيمتـي

فُضحـت أكـــاذيبُ الرعـــاة

على مساكين الرعيةْ

Monday, August 20, 2007

مشروع تجاري مضمون الربحية مقدم إلى شركات السياحة رفيعة المستوى في الوطن العربي العظيم:
نظراً لجهل معظم الرؤساء والقادة العرب بجغرافية وطنهم العربي ( نظراً لانشغالهم بمسؤوليات الحكم وهمومه ، كان الله في عونهم ! ) ، وبسبب الحاجة الماسة إلى تعريفهم ببلدانهم العربية الشقيقة ، وحيث أن عدم معرفتهم لهذه البلدان قد أصبحت ظاهرة واضحة للعيان : ( كم رئيس تونسي زار السودان ، وكم رئيس ليبي زار العراق ؟ كم رئيس جزائري زار لبنان ، وكم سلطان عماني زار المغرب ؟ كم ملك أردني يعرف موريتانيا ، وكم رئيس مصري يعرف اليمن ؟ كم رئيس لبناني يعرف الصومال ، وكم ملك مغربي يعرف سوريا ؟ كم أمير كويتي يعرف تونس ، وكم أمير بحريني يعرف الجزائر ؟ ، هل يستطيع أحد أن يخبرني: من منهم استمتع بوجبة سمك مشوي في شارع أبو نواس ، ومن منهم تناول ثمار الصبّار الشهية في ساحة الروضة ؟ من منهم تمشى في حَوَلّي ، ومن منهم أخذ صورة تذكارية في المُحَرَّق ؟ من منهم استلقى على أعشاب حديقة ساعة برج الصحوة ، ومن منهم تعشّى سندويشة شاورما في العُلَيّا ؟ من منهم أفطر فتة حُمُّص في الدوّار الثالث ، ومن منهم تناول الغداء في مطعم الروشة ؟ من منهم اشترى لزوجته هدية من " عمر أفندي " ، ومن منهم أخذ هدايا لأولاده من سوق " وازي " ؟ من منهم رشف كوباً من الشاي الأخضر مع النعناع والصنوبر في سيدي بوسعيد ، ومن منهم قرأ صحيفة يومية على رصيف شارع ديدوش مراد ؟ من منهم صلى ركعتين في مسجد الحسن الثاني ، ومن منهم رشف كوباً من حليب النوق في نواكشوط ؟ . . .بالتأكيد لا أحد منهم ! !). لذا ستكون فكرة خلاقة إذا ما قامت شركات السياحة والسفر بتنظيم رحلات جماعية للرؤساء والقادة العرب ، يقومون فيها بزيارة بلدانهم العربية الواحدة تلو الأخرى ، وقد يكون مفيداً لو نُظمت هذه الرحلات بمناسبة العيد الوطني لكل دولة عربية ، بحيث يكون الهدف من الرحلة التهنئة الجماعية بالعيد من جهة ، وللتعرف على ذلك القطر العربي من جهة ثانية ، كما يمكن أن تتم هذه الرحلات في مناسبات أخرى كعطلات عيد الأضحى وعيد الفطر أو أعياد الميلاد وعيد رأس السنة الهجرية وعيد العمال وعيد العاطلين عن العمل وعيد الفلاحين وعيد المعلمين وعيد المتزوجين ! وعيد المطلقين ! ، وغيرها الكثير من مناسبات العطل العربية ، وما أكثرها.. الهدف من هذه الزيارات ليس تعليمياً أو تثقيفياً ، كما قد يتبادر إلى الذهن من الوهلة الأولى ، بل هو أسمى وأنبل من ذلك بكثير ،، إنه يهدف إلى أن يتحول حلم الوحدة العربية من كونه مجرد " مماحكة فكرية " ، إلى قوة دافعة تحيله إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع . المشكلة الوحيدة التي يمكن أن تواجه شركات السياحة ، وتُفشِل هذا المشروع المربح ، تكمن في حالة إذا ما أعلن الرؤساء والقادة العرب اعتذارهم عن القيام بمثل هذه الرحلات إلاّ في مناسبات انعقاد مؤتمرات القمم العربية ( وما أكثرها !!) ، إذاً لنا ولهم الله .

Tuesday, August 14, 2007

بيتزا

- آلو . . . مساء الخير .
ارتعشَتْ ، فأمسكَتْ سماعة الهاتف بشدة خشية أن تسقط من يدها ، وخوفاً من أن يهرب صاحب الصوت الذي انتظرته ثلاث سنوات كاملة دون جدوى ، لكن ها هو ذا صوته يرن في أذنها ثانية كأنه رجعُ صدىً لآخر كلمة قالها : " وداعاً " ، ثم رحل . الآن تحس بأن مائة قوس قزح تلمع في عينيها ، وألف ربيع يزهر في صدرها ، ومليون قمر ينير قلبها . تزاحمت في رأسها شلالات من الذكريات بسرعة مذهلة : يـاه . . . ثلاث سنوات زحفت ببطء فوق ذاكرتها وقلبها كأنها ثلاثة قرون ، لا بل ثلاثة دهور . لماذا كان قاسياً عليها إلى هذا الحد ؟أ لم يكن بإمكانه أن يقابلها ولو للحظات قبل مغادرته البلدة على عجل ؟ لماذا لم يشأ مناقشة الأمر معها بتروٍّ أكثر ؟ وهل يُعقل أن تفرقهما جملة من خمس كلمات قالتها جارةٌ يعرف الجميع أنها ثرثارة : " أظن أنها أختك في الرضاعة " ؟ ولْنفرض أنني أخته في الرضاعة - كما ادَّعت تلك المرأة الثرثارة - ، أما كان من واجبه التأكد من ذلك بنفسه عن طريق شهادات باقي نساء الحي ومن ثمَّ التصرف على ضوء ذلك ؟ أمْ كان في نفسه شيء فجاءه كلام الثرثارة مبرراً لكي ينفّذ ما في رأسه ؟ وهل كان يشعر بأنني قد فرضت نفسي عليه فرضاً ، فاغتنم أول فرصة للتخلص مني فهرب ؟ لا . لا. . أنا أعذره ، فلقد أذهلته المفاجأة التي حطمت بفظاظة بالغة قصر حلمنا الجميل الذي عشنا نبنيه معاً ثلاث سنوات كاملة : تقابلنا كثيراً - وبطهارة شهد بها جميع من كانوا على علم بعلاقتنا - ، وقضينا مع بعضنا الساعات الطوال نُحيكُ أحلامنا الصغيرة ، ونطرزها بآمالنا الكبيرة ، منتظرين حلول ساعة اللقاء الذي لن يفرقنا بعده سوى الموت ، ، ، حلمنا بالعش الذي سيضمنا ، وبالأولاد الذين سوف يملؤونه ضجيجاً وحيوية ، حلمنا بمشاريع كثيرة ناجحة بعد تخرجه من كلية الصيدلة ، وتخرجي أنا من كلية التجارة ، لكنه ، وفي ساعة نحس ، وبعد أن وصلت إلى أسماعه عبارة تلك المرأة الثرثارة ، آثر الرحيل ، وانقطعت أخباره : البعض قال أنه هاجر إلى دولة أوربية ، والبعض الآخر قال بأن أحد أقاربه شاهده في دولة خليجية ، آخرون تنبأوا بأن الصدمة دفعته إلى الزواج بابنة عم له واستقرا في دولة مجاورة . ولكن . . . وحتى على فرض أنه تأكد من باقي نساء الحي بأنني أخته في الرضاعة ، أ لم يكن بإمكانه أن يبقى هنا ؟ ، إذن لكنت له الأخت والأم والأب والأهل ، ولكنت خطبت له وفرحت به ( الآن دموعها تسيل بغزارة ) - وأشرفت على تربية أولاده ( تنهمر دموعها بغزارة أكثر ) - ، يكفيني أن يبقى أمامي ، وتحت ناظري ، فقد تعلقت روحي به بغض النظر عن العلاقة التي كانت ستربطنا : زوجية كانت أم أخوية ، بل . . وماذا كان يضيره لو اتصل بي ولو مرة واحدة طيلة هذه السنوات البليدة ليطمئنني عنه ؟ ، هل وصلت به القسوة إلى هذا الحد ؟ ، هل صرفه عني جمع الثروة من الخليج ؟ ، أم شغلته نسوة الغرب ؟ ، أم أخذته مني ابنة عمه التي لم يرها قط قبل زواجه منها ؟ . ولكن كل ذلك لا يهم - ( تكفكف دموعها ) - ، المهم أنه على الطرف الآخر من الخط ولابد أنه ما زال منتظراً أن أرد عليه ، يا ألله : نفس النبرة التي كان يخاطبها بها على الهاتف ، إنها أجمل " آلو " سمعتها في حياتها ، وعذاب السنوات الثلاث الماضية ما ذا يعني ؟ : ولاشيء . . . لا شيء البتة ، المهم أنه عاد إليها وهو ما زال منتظراً على الطرف الآخر . عندما سترد عليه ، هل سيعرف صوتها ، ذلك الصوت الذي لم يكن ينام قبل أن يسمعه قادماً من جهتها هامساً :- تصبح على خير ؟ ، هل غيَّرت عذابات السنين من نبرة صوتها فلن يعرفها الآن ؟ . انتبهت إلى أن دموعها ما زالت تبلل وجنتيها ، وتنبَّهت إلى أن غصة في حلقها ربما ستحجب عن أذنيه حلاوة صوتها ، ، تنحنحت وابتلعت ريقها الذي أحست بأنه قد جفَّ منذ رنَّ جرس الهاتف وسمعته يقول : " آلو . . . مساء الخير".

الآن تماسكت ، ، كفكفت دموعها وابتلعت ريقها مرة ثانية ، ، ردَّت بهدوء متكلَّفٍ يرتدي نبرة العتاب الرقيق : " مساء الخير " . . الرجل على الطرف الآخر يتلعثم ، وهي تعذره على موقفه الحرج هذا ، فبعد هذه السنوات الثلاث ماذا عساه يقول ، وبماذا يمكن أن يعتذر ، وهل سيطلب مقابلتها لإسماعها حججه التي ربما ستكون واهية وسخيفة ، ثم يطلب منها نسيان السنوات الثلاث بآهاتها وعذاباتها ؟ والأهم من ذلك هل ستقبل هي اعتذاره رغم كل ما لقيته نتيجة تسرعه ولا مبالاته ؟ لكنها - وهي التي انتظرته بفارغ الصبر ، وأقسمت أن تنتظره حتى ولو إلى آخر العمر - لابد أن تساعده على تحمل حرج الموقف فتضيف : آلو . . . نعم يا أحمد تكلم ، ما بِك ؟

الرجل على الطرف الآخر من الخط يقول باضطراب واضح : آسف سيدتي ، أنا لست أحمد ، أنا مدير المطعم ، ، لم يستطع موظفنا الوصول إلى منزلكم ، ، أرجو أن تعطيني عنوانكم بالتفصيل كي أرسل إليكم طلبية البيتزا ! !




Monday, August 13, 2007

إرهاص
(شعر)

لحظة الميلاد . . ميلاد القصيدة

ومضة كالبرق ما بين التعابير المتاحة

والأحاسيس الدفينة

ربما تنشق من دنيا غريبة

ربما من غضبة ، من ثورة ، أو من سكينة

عندها يتلاقح الإحساس والكلمة

فينفتح الغطاء ، غطاء نفسك

تــدخل عالمــاً مثل الأســاطيرِ

بنته منذ آلاف السنيــن قوىً خفيّـةْ

تنســاب منبهــراً تحملـق فــي ثنايــاك

كنوز الفكــر والإلهــام تحملهــا حنايــاك ولا تـدري ؟ ؟

وإذْ ذاك يفيض الرأس بالكلــمات

يـدفع بعضـها بعضـاً

تنسّقها وتسكب كلّ أحرفـها علـى أوراقـك البيضـاءِ

تشطب بعضها وتعيد أشكال الصياغـة ألف مــرّةْ

تسقط الكلمات تحت سنابـك الأفكــارِ والوزنِ . . .

تــؤجّل مــا شرعت بــه

تحــاول مــرّة أخـرى ، فأخــرى ، ثـمّ أخــرى

فتنجدك القريحةُ . . . تمتطيهــا

عنـدهــا تنصاع تحت لوائك

الكلمات والأوزان والصــور

تمارس كلّ هــذا بينما ترسو

- بلا وعـي يسـدّ منافذ الإبداع - في العمق

وإذ يتحقق التكويـن تخرج مــن حناياك

( وتطفو حاملاً كنـزاً تسمّيه ( قصيدةْ

ثــمّ ينغلق الغطــاءْ . . .

كـأنّ الحلم لــم يكــنِ . . . وما أوغلت فــي الأعمــاقِ

تحسب هــذه الرؤيــا ستبقــى آخــر الرحــلاتِ . . .

لكــنّ الوميض يجـيء ثانيــةً ، وثالثــةً ، ورابعــةً

وأنت علــى انتظــارٍ دائمــاً . . .

عنـــــــد الغطـــــــــــاءْ

Sunday, August 12, 2007

شرعية ؟ ؟ ! ! ! أهلاً
في عصر ما بعد كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة ، تلك المهازل التي لم تجلب للأمة سوى الدمار والخراب ، والذي تُوّج بتدمير العراق العظيم وإعدام رئيسه الشهيد ، في هذا العصر الأغبر الأجرب ، يعجب المرء من تسلم البعض زمام المسؤولية ولا همَّ لهم إلاّ تسلمها فقط ، ولا يعرفون منها سوى تقبيل الخدود والأيدي البيضاء منها والسوداء ، على حد سواء ، وكذلك التمشّي على البساط الأحمر ، وكل ذلك وُفقوا فيه غاية التوفيق ، غير أن تغنّيهم بالشرعية ، وتمحكهم بالديمقراطية ، قد جلب عليهم وإليهم الاستهزاء والسخرية ، وجعل اللعنات تنصب عليهم من الجهات الأربع ، ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم .

الهُمام محمود كرزاي - أقصد محمود عباس – صدّع رؤوسنا بالحديث عن الشرعية وضرورة احترامها من قبل الفصائل التي ترفض سلطته التافهة ، والتي لا تستند سوى إلى الدعم الرسمي العربي – الغير شرعي أصلاً – وإلى دعم أمريكا وإسرائيل ، الحليفين الوحيدين لسلطة هزيلة ، ، هذا الرئيس الهمام لم يحرك ساكناً عندما اختطفت إسرائيل – دعماً لسلطته – وزراء حكومته ، ونواب مجلسها التشريعي . لم نسمع أن عباس قد أثار مع أصدقائه الذين لم يمل تقبيلهم على شاشات التلفاز – تماماً كما كان يفعل سلفه الراحل والذي قتله نفس الذين كان يقبلهم – لم يثر ما قامت به إسرائيل من خطف واعتقال لشخصيات وطنية فلسطينية ، وعندما تقوم حماس بالدفاع عن نفسها أمام مؤامرات من عرف تاريخهم بالعمالة والتآمر ، يطالبها عباس بالعودة إلى الشرعية ، ولنا أن نسأله : أين كانت هذه الشرعية عندما تآمر عليها بليلٍ ووقع اتفاق الذل ، اتفاق أوسلو المشؤوم ، بينما كان وفد المنظمة المغفل يفاوض في واشنطن ؟ ، فلماذا لم يلجأ ( مهندس أوسلو ) إلى الشرعية الفلسطينية فيستفتي الشعب على اتفاق مصيري أثبتت الأيام أنه مشؤوم وتافه تفاهة من هندسه ووقعه . حذرنا حماس من مغبة الدخول في لعبة الديمقراطية مع ثعالب منظمة التحرير ! ! ، ولكن بعد أن وقع الفأس في الرأس فلا بد من قول الحقيقة مهما كانت قاسية .

أما الحديث عن شرعية منظمة التحرير الفلسطينية ، وكونها ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، فهو مهزلة تضاهي في سخافتها مهزلة أوسلو ، فعن أي تحرير وعن أية فلسطين يتحدث هؤلاء العباقرة ، وهل نسينا الجلسة المهزلة التي عقدها المجلس الوطني الفلسطيني في غزة ، وبحضور مجرم الحرب كلينتون صاحب كلاب وثعالب الصحراء ، لإلغاء بعض بنود الميثاق الوطني الفلسطيني ، والتي جردت منظمة التحرير من سبب وجودها ، ، هذا الاستغباء للشعب الفلسطيني لن يمر حتى على الأغبياء – رغم أن الأغبياء هم الذين اخترعوه – ولن ينتج سوى المزيد من الانقسام والشرذمة في صفوف الشعب ، في وقت نحتاج فيه إلى الترابط والتوحد أمام مشاريع معادية بدت معالمها واضحة في المنطقة العربية ، فهل يجرؤ أحد من عباقرة المنظمة بالمطالبة بتحرير حيفا ، بل أصغر قرية في سهل مرج ابن عامر ؟ نتحداه أن يفعل ذلك، ولن يفعل .

يبدو أن الخلل الذي وقع في الساحة الفلسطينية راجع إلى عدم إجراء انتخابات رئاسية بعد فوز حماس ، مما أنتج توأماً سيامياً في فلسطين ، رأسه الأول عباس الموالي للمشروع الإسرائيلي ، ورأسه الثاني حماس الموالية للمشروع الوطني الفلسطيني ، كما لو تخيلنا أن حسني مبارك رئيساً لمصر بحكومة من الإخوان المسلمين ، أو أن أحمدي نجاد رئيساً لإيران بحكومة من الشيوعيين ، وما لم يحل هذا الإشكال فسوف يتكرس فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ، ومن ثم اختصار القضية في الاعتراف بحكومة حماس في غزة كممثل وحيد للشعب الفلسطيني – خاصة إذا ما أجريت انتخابات مبكرة تفوز فيها حماس في غزة وفتح في الضفة – أما الضفة الغربية فمصير ما تبقى منها ، بعد حسم أراضي غرب الجدار وأراضي المستوطنات وسيطرة إسرائيل على وادي الأردن والمعابر ، فسيكون مصير ما تبقى من الضفة الغربية موزع بين سلطة متهاوية من جهة ، وبين إسرائيل والأردن من جهة ثانية . نعم ، هذه هي غزة : إمارة ليختنشتاين* الشرق الأوسط الجديد .

* أمارة تقع في وسط أوربا بين النمسا وألمانيا ، مساحتها 160 كم وعدد سكانها حوالي 30 ألفاً .

Saturday, August 11, 2007


بغل أبي فيصل
(قصة قصيرة)

(طـريق الطنابر ) : درب ترابية تنحدر من سفح جبل قاسيون متغلغلة في أحشاء غوطة دمشق ، وعلى جانبيها أسوار من الطين تحمي المزروعات من عبث العابثين وعيون المتطفلين ، وأشجار جوز ضخمة انتصبت على الجانبين مشكِّلة بأغصانها الحانية وأوراقها اليانعة سقفاً أخضر أعطى الطريق شكل سوق الحميدية .

الوقت بُعَيْدَ ظهيرة يوم من أيام أوائل الصيف ، وموكب من عشرات الأطفال يندفع على الطريق الترابية باتجاه البساتين. أقدام الصغار تثير الغبار الناعم فترتفع غلالته الخانقة إلى ما يقرب من نصف قامة أشجار الجوز ، والشمس قد حَمِيَ شعاعها فاختلط عرق الأطفال اللاهثين بالغبار المتناثر على وجوههم ، مشكلاً طبقة من الطين الأصفر حيناً والأبيض في معظم الأحيان .

بدت لي الشمس ، وأنا في هذا الجمع الزاحف من أبناء حارتنا ، وكأنها تحاول استجلاء ما يجري على هذه الدرب الترابية . تنجح أشعتها أحياناً في التسلل بينهم عندما تتصلب الأرض تحت الأقدام الصغيرة ، فينعدم الغبار ، وتفشل أحياناً أخرى عندما تخترق أقدام الجموع طبقة من التراب الناعم فتثيره مشكلة سحابة كثيفة . نعم هي الشمس نفسها التي كانت أمهاتنا توصينا أن نقذف إليها بأسناننا اللبنية حين تسقط من أفواهنا ، طالبين منها أن تأخذ منا أسنان الحمير وتعطينا أسنان الغزلان ، ، ، نعم هكذا كنا نفكر أيام البراءة .

جموع الأطفال تتراكض دون أن تدري لماذا ، مع أنها تعلم إلى أين . بعض الأولاد امتطى حذاءً أو انتعل صندلاً ، والبعض الآخر لم يسعفه الوقت - عندما مر الموكب من أمام بيته - فقرر اللحاق بالجمع حافياً ، ظاناً أن المسافة لن تطول ، لكنه ، وعندما طال المسير ، لم يعد بإمكانه الرجوع لإحضار حذائه حتى لا تفوته فرصة مرافقة الموكب ، فاستمر في ركضه حافياً .

ولكن أيُّ موكب هذا ؟ . . قلة من الأطفال - وعلى الأرجح الصفوف الأمامية منهم فقط - كانت تعلم طبيعة وسبب هذه المسيرة ، أما الباقون فيبدو أنهم كانوا متطوعين في مهمة لا يعرفون عنها شيئاً ، باستثناء سماعهم وقع خطوات حصان يسير في المقدمة ، ساحباً وراءه شيئاً ثقيلاً ظهرت أثار جره واضحة على وجه الطريق .

طال المسير - أو هكذا لصغر سِنِّنا كنا نحسب - وبدأت الأعناق الصغيرة تتلفت إلى الخلف مراقبة بتوجس مكبوت بيوت الحي ، الملتصقة ببراعة على حضن الجبل ، تبتعد أكثر فأكثر . بعض الأولاد تخلف عن الركب وآثر العودة حتى لا ينشغل أهله عليه فيكون حسابه عسيراً إن هو عاد متأخراً ، والبعض الآخر صمم على الاستمرار في المسير ، رغم أن المسافة بدأت تتسع بينه وبين مقدمة الركب ، فجدّ للحاق به .

عندما كانت الطريق تنحرف يمنة أو يسرة ، كانت أسوار البساتين وأغصان أشجار الجوز تظلل رؤوسنا نحن الصغار فنَجِدُّ في المسير ، أما عندما كانت الطريق تتوازى مع أشعة الشمس ، فقد كانت حرارتها تلسع الرؤوس ، فيسيل العرق على الجباه من جديد ، ويعلو الطين الوجوه البريئة المتعبة ، فيمسحه الأطفال بالكم الأيمن تارة وبالأيسر تارة أخرى ، فتنظف الوجوه ولو مؤقتاً ، وتتوسخ الأكمام إلى أن يحين موعد غسيلها الأسبوعي .

بعد جهد وعناء كبيرين وصل الموكب إلى بوابة أحد البساتين ، وانعطف يميناً عابراً تحت قنطرة لقِدَمِها حَسِبَ كل من مر ّمن تحتها أنها سوف تسقط عليه . توقف الركب ، وتوزع الصغار يمنة ويسرة مشكلين حلقة بشرية ، الآن شاهد الجميع الحصان الذي كان يجر الشيء الثقيل ، الآن فقط علمنا أن هذا الشيء الثقيل لم يكن سوى جثة بغل ضخم . على جانب الحلقة البشرية وقف ثلاثة رجال غرباء عن الحي لم يتعرف الأولاد على أي منهم ، أما ذلك الرجل الرابع فقد فوجيء الجميع بأنه ( أبو فيصل ) ، بائع المحروقات الوحيد في الحي .

( أبو فيصل ) ، رجل في خريف العمر ، حنطي البشرة ، طويل القامة ، أحنت ظهره هموم السنين ، عيناه غائرتان وأنفه مستدق ، لا تسمع له صوتاً ، يتكلم همساً ويسير هوناً ، طيب وساذج إلى حدّ يبعث على الشفقة ، يعمل منذ ما يزيد على العشرين عاماً في بيع المحروقات إلى أهل الحي : في الصيف كان يبيعهم زيت الكاز للاستعمالات المنزلية ، وفي الشتاء يبيعهم المازوت ( الديزل ) للتدفئة واغتيال البرد ، زوجته عجوز طيبة مثله تصرّ نساء الحي على أنها تكبره بخمس سنوات ، وابنه شاب مقعد أصيب بالشلل عندما كان معنا في الصف الأول الابتدائي ، فانقطع عن الدراسة ولزم المنزل .

- : ( بغل أبي فيصل مات يا أولاد ) . صرخ أحد الصبية ، فران على الجمع صمت ثقيلٌ ثقيلْ . الآن وضحت القصة للجميع ، وسرت همسات بين الأطفال بأن هذه الكومة من اللحم الموشك على التعفن ليست سوى جثة بغل أبي فيصل .

كان بغلاً ودوداً كصاحبه ، ضخم الجثة على عكسه ، بني لون الجلد ، له لطخة بيضاء في جبهته ، كثيف شعر الرقبة ، ولولا ضخامة ظاهرة في فخذيه لحسبه الناظر إليه حصاناً أصيلاً ، شهد أهل الحيّ بذكائه . كان لا يكاد يلمح زبوناً واقفاً على الرصيف حاملاً صفيحة التنك حتى يقف بعده بأمتار قليلة ، موازياً الزبون مع مؤخرة عربة المحروقات دون تقديم أو تأخير ، فيشرع أبو فيصل في تعليق مكيال المحروقات على الصنبور النحاسي ، ويملؤه بالسائل ، ثم يقلبه في قمع كبير ثبته على فتحة الصفيحة المعدنية ، والبغل واقف في مكانه لا يبرحه ، وبمجرد أن ينتهي ( أبو فيصل ) من مهمته ، وبينما هو يقبض النقود من زبونه ، يتحرك البغل دونما حاجة إلى أية أوامر من صاحبه ، ويتقدم بانتظار رؤية زبون آخر. كان بغلاً ذكياً هادئاً استمد دماثة طبعه من طبع صاحبه العجوز .

وسط الحلقة كانت هناك حفرة كبيرة في الأرض صممت بحيث تكفي لابتلاع جثة البغل الضخمة ، وتحت أنظار الأطفال المرتعشين رهبة واستغراباً ، دفع الرجال الثلاثة جثة البغل إلى الحفرة بصعوبة بالغة ، فسقطت فيها محدثة صوتاً مكتوماً ، وعلت سحابة من الغبار حاول الصغار إبعادها بأكفهم عن وجوههم المتعبة ، حينذاك سُمِعَت شهقات من بعض الصبية الواقفين في الصف الأول من الحلقة البشرية ، أعقبتها دموع غزيرة تناثرت من أعين الجميع تأثراً بهذا المشهد الحزين . بحرقة بكى الجميع دون استثناء ، وحده ( أبو فيصل ) لم تسقط من عينيه دمعة واحدة ، وبدا وكأن دموعه قد تراجعت إلى داخل مقلتيه ، وانحدرت إلى حلقه فابتلعها بتجمُّلٍ واضح .

كان قلب ( أبي فيصل ) يعتصر ألماً ، فموت بغله يعني انقطاع دخله الذي لم يكن يكفي لتسديد نفقات معيشته وثمن دواء ابنه ، وبدون البغل لن يأتيه دخل ، وليس في اليد من المال ما يمكنه من شراء بغل جديد ، والأرجح أنه لم يحتط لهذه الحالة ، حيث لم يخطر على باله قط أن يموت بغلُه قبله ، ويبدو أن الدموع التي انهمرت من عيون الأطفال - والتي كان أبو فيصل يرقبها باستغراب وسعادة مكتومة - قد خففت ، إلى حدٍّ ما ، من مصابه في بغله .

بدأ الرجال الثلاثة في إهالة التراب على جثة البغل ، وما أن صرخ أحدهم طالباً منا المساعدة حتى بدأنا جرف التراب بأصابعنا الصغيرة وأظافرنا الطرية ، وما هي إلاّ دقائق حتى كانت الحفرة قد رُدِمَت تماماً ، وبدأ الجمع بالانسحاب التدريجي من السّاحة الحزينة .

بينما قفل الجمع عائداً إلى الحيّ ، لم يبق عند الحفرة سوى أبي فيصل وقد أشعل سيجارة أخذ منها نفساً عميقاً ، واضعاً يده في جيبه ، مطرقاً في يأس واضح ، بينما اختفت الشمس خلف الجبل مخلفة وراءها شفقاً أحمر أضفى على المشهد جلالاً ومهابة بحجم مصاب صاحب البغل .

مضى الصيف وحلّ فصل الشتاء وجاء معه موسم بيع المازوت وأبو فيصل لم يظهر بعد . إشاعات سرت في الحي تقول بأنه ذهب إلى ابن عم له في سهول ( حوران ) ليحصل منه على بغل جديد وانقطعت أخباره هناك .

بعد سنوات ، وعندما شارفنا على الانتهاء من مرحلة الدراسة المتوسطة ، جاءت الأخبار بأن أبا فيصل كان قد توفي في مستشفى المواساة منذ سنتين – بعد بغله بأشهر ، وربما كمداً عليه - ، ولما لم تكن عائلته تملك من المال مايكفي لدفع نفقات جنازته ، فقد تبرعت بجثته إلى قسم التشريح في كلية الطب .

معظم أولاد حيِّنا شاركوا في جنازة بغل أبي فيصل ، ويعرفون موقع دفن جثته ، بينما لم تُقَم لأبي فيصل أية مراسم دفن ، ولا يعرف له أحد قبراً حتى الآن .