Thursday, May 30, 2013

مشاهد من بقايا مدينة بومبي الإيطالية، والتي دمرها بركان فيزوف عام 79 للميلاد.







جبل فيزوف في خلفية الصورة




حجارة تتوسط الطريق لمرور المشاة عليها في فصل سقوط الأمطار، ولمنع العربات من المرور في الشارع


ضحايا البركان













Sunday, May 26, 2013

خدعونا ورب الكعبة

خدعونا ورب الكعبة
    أن تُخدع في سلعة مغشوشة فتكتشف بأنها فاسدة، فهذه خسارة مقدور عليها، أو أن تشتري بضاعة بسعر تظنه معقولاً، فتكتشف بأن من باعك إياها كان قد ضاعف عليك السعر، فتقول: الله يعوضنا، أما أن تُخدع ثلاثين عاماً على يد من يوهمونك بأنهم حلفاؤك الطبيعيون، وناصروك الى يوم الدين، ثم تراهم في صف أعدائك الذي ادعوا معاداتهم سنين وسنين، فهذه  هي خديعة العمر، والتي لن تغفر نفسُك لنفسِك سذاجتها وسطحيتها، بل وبلهها الذي استمر أطول من اللازم، وربما يكون الطعم الذي ألقموك إياه تافهاً غير ذي قيمة، لا يعدو كونه مبنى سفارة كانت لإسرائيل، فمنحوها لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومنذ ذلك اليوم اعتبرت الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية أن قضية فلسطين سوف تصبح ذكرى من الماضي، وأن مآذن المساجد سوف تصدح وأجراس الكنائس سوف تقرع في القدس، مرحبة بمواكب النصر الفارسية، ورغم أن الطريق إلى القدس!!! قد بدأ بغزو العراق، فقد دفعتنا سذاجتنا، بل وحماقتنا، إلى أن نعتبر أن هذا الغزو سيكون السبيل الحقيقي والوحيد لتحرير فلسطين، ونسينا، بل عميت قلوبنا وعقولنا عن إدراك أن الجيش العربي الوحيد الذي قاتل ببسالة على أرض فلسطين كان هو الجيش العراقي، والذي ما زالت قبور شهدائه في أرض فلسطين تشهد على بطولاته، وأن الطائرة العربية الوحيدة التي هاجمت داخل الأراضي المحتلة كانت طائرة   عراقية، قصفت مصفاة حيفا في حرب عام 1967، كما تجاهلنا بأن الجيش العراقي هو الذي حمى دمشق من السقوط في يد الإسرائيليين في حرب أكتوبر عام 1973، واستمرينا في انخداعنا البراق بالثورة الإسلامية التي ستعيد لنا الديار، وترفع عن كواهلنا العار. وبنفس منطق الخديعة، نسينا أن حركة أمل، التي أنشأها الإمام موسى الصدر، رجل "قم" في لبنان، هي التي دمرت المخيمات الفلسطينية بمساعدة الجيش السوري في ثمانينيات القرن الماضي، ثم انسقنا وراء دعاوي حسن نصر الله، رجل المرشد الأعلى في لبنان، في ادعاءاته مقاومة إسرائيل، وأغمضنا الأعين عن حقيقة أنه ساهم في منع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية من العودة إلى جنوب لبنان، لكي يتولى هو مسؤولية تحرير فلسطين! نيابة عنها، رغم أن الأمين العام الأول لحزب الله (صبحي الطفيلي) كان يتهم الحزب – تحت قيادة نصر الله – بأنه يحمي المستوطنات الإسرائيلية في الجليل الأعلى، فاتهمْنا الشيخ الوقور بأنه يهذي، إلى أن كانت حرب تموز 2006، تلك التي نتج عنها 1400 قتيل لبناني، ودمار شبه كامل للبنية التحتية اللبنانية، ورغم ذلك صفقنا لحزب الله، واعتبرنا نصره نصراً لفلسطين، وارتفعت رايات الحزب وصور أمينه العام من جاكرتا إلى نواكشوط، وعند نهاية الحرب، وبصدور القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي، انسحبت قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وجاءت الآلاف من قوات اليونيفيل لكي ترابط داخل الأراضي اللبنانية، ورُسِم الخط الأزرق داخل لبنان بعيداً بمئات الأمتار عن السلك الشائك الحدودي، فلم تعد الحجارة تلقى من بوابة فاطمة على الجنود الإسرائيليين، رغم ذلك قلنا بأنه تراجع الفارس استعداداً للقفز، لكن أحداث السابع من أيار /مايو 2008، والتي اجتاحت فيها عناصر حزب الله المسلحة شوارع بيروت، آذنت بأن الحزب قد تفرغ للداخل اللبناني بعد أن أقام سلاماً غير معلن بينه وبين إسرائيل، سلام على غرار كامب ديفيد المصرية، ووادي عربة الأردنية، وفصل القوات في الجولان السورية، واتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية. هنا بدأت رائحة الخديعة تفوح، إلا أن من عادة المخدوع أن يكابر، فيتظاهر بأنه ليس كذلك، بل يقنع نفسه أنه يمكن أن يكون في الأمر شيئاً ما لا يعلمه، لكن الثلج يبدأ بالذوبان، ولا يشكك في الحقيقة اثنان، فيخرج علينا أمين عام حزب الله في ذكرى انتصاره على إسرائيل! بخطاب طائفي بامتياز، وذلك بعد أن كان قد أرسل رجاله لقتال الثوار السوريين في عدة مدن سورية. والمذهل في هذا الخطاب لسيد المقاومة – سابقاً – ، أنه كان مغرقاً في الغرور، متجاوزاً لحدود أدب الخطاب الذي كان يتظاهر به في السابق، متجاهلاً جميع مكونات الدولة اللبنانية من رئيس الجمهورية إلى الأجهزة التنفيذية والقضائية والتشريعية والحزبية، وكأنه قد أصبح الدولة اللبنانية نفسها، وبدا وكأنه يقول (أنا لبنان، ولبنان أنا). من جهتي أدرك سبب استيلاء نصر الله والأسد والخامنئي على لبنان، فبعد دخول سوريا إلى لبنان عام 1976، وعقب خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام1982، ونتيجة لتدمير مخيمات الفلسطينيين على يد حركة أمل والقوات السورية، وبسبب الوجود السوري في لبنان حتى عام 2005، فقد نتج عن كل ذلك تجريد الحركة الوطنية اللبنانية من السلاح باستثناء حزب الله، متدثراً بذريعة مقاومة إسرائيل. والمتمعن في المشهد اللبناني الداخلي هذه الأيام، يدرك إلى أي حد أضعف النظام السوري وحزب الله باقي الفصائل والأحزاب، ولو كانت هناك قوى مسلحة لبنانية متكافئة مع قوة حزب الله، لما وجدناه يتباهى بإرسال الآلاف من رجاله لقتل السوريين، سواء المقاتلين أو المدنيين من رجال ونساء وأطفال، ولولا أن مرشده الأكبر في "قم" قد دفعه إلى ذلك دفعاً، لما تجرأ عليه، فهو نفسه قد صرح بولائه لولي الفقيه، أي اعترف بأنه قد أصبح – ليس حذاء في قدم الخامنئي، حتى لا نتهم بقلة الأدب – بل تابعاً مأموراً ينفذ ما يطلب منه فعله.
    ومن العوامل التي سهلت انخداعنا بهذا الرجل، قدرته على الخطابة، وبلاغته الآسرة، ومنطقه المقاوم، عندما كان يقاوم إسرائيل!، أما في حديثه عن التدخل في الشأن السوري، فهو لا يحتاج سوى إلى طرح حجج واهية سخيفة، كان في مقدمتها أنه (يدافع عن لبنانيين يعيشون في قرى سورية)، ولو استطاع أن يحدد لنا تاريخ دخول هؤلاء اللبنانيين إلى سوريا، لكان أمكن لنا أن نؤيده في زعمه، لكن يبدو أنه قد نسي أن هؤلاء مواطنون شوام، كانوا في هذه المنطقة عندما رسمت حدود سايكس بيكو، ومنذ ذلك اليوم أصبحوا سوريين، كما أصبح بعض الشوام لبنانيين وأخرون أردنيين وآخرون فلسطينيين، فهل بدعوته هذه يطلب من الأتراك إرسال جيشهم لحماية السوريين التركمان؟، أو أنه يدعو أرمينيا الدخول لحماية السوريين الأرمن؟، هل يريد – لتبرير فعلته الشنيعة هذه – استدعاء دول أخرى للدخول إلى سوريا لكي يظهر نظام بشار الأسد وكأنه يحارب جيوش العالم؟، أما فرية (الدفاع عن أماكن شيعية مقدسة)، فليسمح لنا سماحته -  سابقاً - فهي كذبة يعرف هو نفسه - قبل غيره - أنها كذبة، فهذه المزارات والمقامات كانت وما زالت موجودة منذ مئات السنين، متمتعة بالاحترام والتوقير من جميع المسلمين، لكن الخبث في هذه الدعوة على ما يبدو، يرمي إلى أبعد من ذلك، فهو يريد من الروس الدخول بقوة لحماية الكنائس الأرثوذكسية، ويدعو الفاتيكان لحماية الكنائس الكاثوليكية، وبذلك تعود بلاد الشام إلى عصر حماية الأقليات، وهي نفس الذريعة التي قضت على الإمبراطورية العثمانية، فهو بهذا يخلط الأوراق بغباء، علَّ ذلك ينقذ رقبة حليفه القابع في القصر الجمهوري بدمشق، بل هو بذلك يريد القضاء على الجسد السياسي للدولة السورية، تمهيداً لضمها إلى أملاك إمبراطورية "صاحب الزمان والعصر والأوان".
    غير أن هذا كله كوم، واستمرار ارتدائه قميص فلسطين كوم آخر، فهذا الادعاء بأن سقوط النظام السوري يعني ضياع القدس وفلسطين، هو ادعاء مضحك وسفيه في نفس الوقت، فبعد قبوع قواته شمال نهر الليطاني منذ عام 2006، وبوجود رجاله يقاتلون اليوم في القصير وباقي المدن السورية بعد أن سحبهم من الجبهة! دون الخوف من إسرائيل، يبدو التمحك بالقضية الفلسطينية ضرباً من التفاهة التي لن نحسده عليها، عله يزداد تفاهة. غير أنني بهذا المقال الآن، وبعد أن ذاب الثلج وانكشف المرج، كما يقولون، أجد من الضروري توجيه الملاحظات التالية إلى من يعنيهم الأمر:
1-   إلى المقاتليين السوريين في سبيل الحرية: ثباتكم طيلة السنتين الماضيتين هو دليل راسخ على أنكم لن تهزموا حتى بدخول حزب الله في المعركة، فدخوله يعني بشكل واضح انهزام الجيش السوري، ومن هزم جيش النظام بعدته وعتاده، لن يقدر عليه حزب قرر أن يكون حليفاً للشيطان.
2-   إلى السعوديين: تذكروا أنكم بخنوعكم سابقاً للإملاءات الأمريكية بتدمير العراق، حطمتم بأيديكم الجدار الذي كان يحمي بلادكم من المطامع الإمبراطورية الفارسية، ولو كررتم هذه الخطيئة – وليست الخطأً فقط - بتخليكم عن نصرة الشعب السوري ومساعدته على الإطاحة بالنظام المتسلط في دمشق، سوف تفتحون عيونكم ذات صباح لكي تروا القوات الإيرانية  - بعد أن تكون قد استولت على العراق وسوريا ولبنان - وهي تدخل الكويت، وترابط على حدود المنطقة الشرقية، وربما تابعت لكي تصل إلى البحرين، ومنها إلى باقي دول الخليج، وساعتها لن تنفعكم أمريكا ولا الغرب، لأنه لا مصلحة لإسرائيل بحمايتكم، كما كانت مصلحتها عندما دفعت أمريكا إلى تدمير العراق، وهي كانت تعلم بأن ذلك سوف يجعلكم الهدف التالي لإيران. ألا ترون حجم التشابه في الأهداف بين إسرائيل وإيران ضد العرب؟، إن لم تكونوا ترون ذلك، فضعوا على أعينكم عدسات مقربة، والسعيد من تعلم من أخطائه.
3-   إلى تركيا: بقاء نظام بشار الأسد سوف يجعل استعادة لواء الاسكندرون هدفه المعلن، على الأقل لكي يجمع السوريين – إن وجد أحداً منهم يسير خلفه – وراء هدف وطني مزيف، وسوف يرسل السلاح إلى عملائه من سكان اللواء لكي يثير لكم القلاقل والمتاعب، وبذا ستُواجَهون بمشاكل ربما تفوق ما واجهتموه من مشاكل مع الأكراد.
4-   إلى السلطة الفلسطينية وجميع الفصائل الفلسطينية: عليكم بالرد الحازم والقاطع على تنطح نصر الله فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وحرمانه من التشدق بحرصه عليها، مستغلاً بذلك ابتزاز عواطف العرب والمسلمين، وعليكم الإعلان بشكل واضح وصريح لا لبس فيه، أن تحرير فلسطين هو شأن فلسطيني عربي إسلامي لايخص حزباً بعينه، خاصة وأن هذا الحزب قد أثبت بشكل قاطع أنه تابع لدولة أجنبية، لها مشاريعها التوسعية، ومخططاتها العدوانية ضد الدول العربية، وقد تجلى ذلك بأوضح صوره في حربها ضد العراق، والمساعدة على تدميره، ثم التحكم بقراره السياسي، واستيلائها على لبنان، ودعمها نظام الأسد. هذا الموقف الفلسطيني سيكون الانتصار الحقيقي لدماء الأبرياء من شهداء وجرحى الشعب السوري العظيم، التي استباحها بشار الأسد وحليفاه: إيران وحزب الله.      
مع أن الشعور بالانخداع مرير ومذل، ورغم أن التعافي منه ليس بالأمر السهل، لكن أفضل ما في الخديعة هو عندما نصحو على الحقيقة، وعندما نعرف شخصية المخادع المحتال قبل فوات الأوان، والذي ربما يكون قد فات بالفعل.

  26 مايو 2013  


Saturday, May 25, 2013

آيات الذكر الحكيم بين التفسير والتنبؤ

آيات الذكر الحكيم بين التفسير والتنبؤ  
    مذ أصبح الإنسان عضواً عاقلاً في جماعة بشرية، بدأ يفهم معنى الزمن ويشعر به، وهو وإن تذكر ما مضى منه، وطالما أنه يعيش حاضره ويعرفه، إلا أن هاجسه كان يتمحور دائماً حول ما هو قادم من الزمن، أي أنه كان يدرك الماضي والحاضر، أما المستقبل، فقد استمر مجهولاً لا يدري عنه شيئاً، وبما أن المستقبل يمكن أن يأتي بما هو سيء من حروب وكوارث، كما يمكن أن يأتي بالسعد والخير الوفير، فقد شغف الإنسان بالتنبؤ به، رغبة منه في الاستعداد للسيء منه، فلا يؤخذ به على حين غرة، أو لكي تهدأ نفسه ويطمئن باله إلى سعادة مرتجاة، فظهر المنجمون والسحرة وضاربو الودع، وربما احتكر رجال الدين كذلك التنبؤ بالمستقبل، ولم يكن على العامة سوى الأخذ بما يقوله هؤلاء وهؤلاء، سواء صدقوه في العلن، أم كذبوه في السر. ولقد كان من حسن طالع هؤلاء الذين احترفوا التنبؤ بالمستقبل، أن بعضاً مما كان يقع من أحداث كان يتطابق بالصدفة مع ما تنبأوا به، فارتفعت مكانتهم الاجتماعية، ونالوا حظوة الحاكم، وربما انضم بعضهم إلى حاشيته. ومن أيام الطفولة، نذكر أن كبار السن في العائلة كانوا يحدثوننا عن كتاب تنبأ بما سيقع في المستقبل بشكل دقيق، وقالوا بأن اسمه (كتاب الجفر)، وكان يقال لنا أنه من تأليف الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، فكانوا كلما حدثت واقعة، قالوا بأنها قد ورد ذكرها في كتاب (الجفر)، حتى أنهم قالوا إن زوال إسرائيل، كما ذكر في ذلك المؤلَّف، سيكون بعد سبع إشارات: سبعة أشهر، أو سبع سنين، ولما لم تزُل دولة إسرائيل عام 1955، أي بعد سبع سنوات من قيامها، قالوا لنا بثقة: إذن سيكون ذلك بعد سبعين سنة، (كما ورد في الجفر طبعاً).
    ومن المفيد هنا التمييز بين التنبؤات التاريخية التي جاء بها (نوستراداموس 1503- 1566م) وأمثاله، وبين التوقعات العلمية التي تحدث عنها ليوناردو دافنتشي، الذي توقع اختراع الدبابة والسيارة وطائرة الهليوكبتر، ووضع رسوماً لهذه المخترعات حفظتها الوثائق التي تركها، فنبوءات نوستراداموس صاغتها عقلية مغرقة في الخيال، بينما توقعات – ولا أقول تنبؤات – ليوناردو دافنتشي، صدرت عن ذهن علمي متميز. (تنبؤات نوستراداموس تشبه إلى حد بعيد التنبؤات التي وردت في كتاب الجفر، وربما كان ما ورد في الثاني مقتبساً عما ذكر في الأول). حتى في العصر الحالي، فقد كان لبعض رؤساء الدول، أمثال ريغان الأمريكي وفرانسوا ميتيران الفرنسي، متنبئوهم الشخصيون.
    غير أن اللافت للنظر أن بعض مفسري القرآن الكريم، رغم أنهم قد قرأوا الآيات الكريمة (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو – الأنعام 59) (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء – الأعراف 188) ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله – النمل 165)، رغم ذلك، فقد أدلى هؤلاء بآرائهم في أن بعض الآيات الكريمة قد أنبأت بما سيحدث في المستقبل، أو أن العلم الحديث أثبت صحة بعضها مع أنها نزلت قبل أربعة عشر قرناً. غير أن ما يلفت النظر هنا هو أن هذه التفسيرات كانت تتغير بتغير الزمن، وتتطور بتطور العلم، فتسايره وتتماشى معه، فمن ذلك مثلاً الآية الكريمة: ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام – لقمان 34)، فالقدماء من المفسرين وقفوا عند قولهم بأن الله تعالى وحده هو الذي يعلم نوع المولود ذكراً أو أنثى، وبعد ظهور الأجهزة التي تستطيع تحديد نوع المولود، قال المفسرون المحدثون بأن الله لا يعلم فقط نوع المولود، بل يعلم كذلك ما ستكون عليه حاله في المستقبل: شقي أم سعيد، غني أم فقير، عالم أم جاهل، مؤمن أم كافر، إلخ... وعلى هذا المثال يقاس الكثير.
    أما جوهر هذا المقال، فهو ينصب على الجدل الذي أثاره المفسرون للآيات الواردة في بداية سورة الإسراء (أو ما تعرف بسورة بني إسرائيل)، حيث يفسر المحدثون الآية رقم 7 والتي تقول (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا-الإسراء 7) {وهي الآية التي أغرم ياسر عرفات بترديدها}، يفسرونها بقولهم أن المسلمين سوف يدخلون المسجد الأقصى المبارك لكي يحرروه من اليهود، ويزيلوا دولة إسرائيل من الوجود. وهنا يجب العودة إلى الآيتين الرابعة والخامسة من سورة الإسراء، اللتين تصفان التدمير الأول للمسجد (والمقصود به هنا هيكل سليمان وليس المسجد الأقصى)، إذ تقول الآيتان الكريمتان:(وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا -4- فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا-5-)، ففي هاتين الآيتين نجد الحكم الإلهي (وقضينا) على بني إسرائيل أنهم سيفسدون في الأرض مرتين، والإفساد لا يكون إلا بالارتداد عن شرع الله والتنكر لأوامره، فيكون العقاب بأن يسلط الله عليكم – يا بني إسرائيل - قوماً أشداء يخربون دياركم بقسوة بالغة، وبتخريب شامل (فجاسوا خلال الديار)، هذه في المرة الأولى، أما في المرة الثانية، فبعد أن يعفو الله عنهم ويمدهم بأموال وبنين ويجعلهم أكثر نفيراً، يعودون لما كانوا عليه من فساد، فيعود الذين دمروا المسجد أول مرة لكي يدمروه مرة  ثانية، وفي هذه المرة (ليتبروا ما علوا تتبيرا) أي ليدمروا الهيكل تدميراً كبيراً شاملاً لا تقوم له بعده قائمة. في نقاش هذه الآيات، يتبين أن:
1-   الذين يدخلون المسجد مرة ثانية هم الذين دخلوه أول مرة (ليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة)، والمقصود بالمسجد هنا هو هيكل نبي الله سليمان عليه السلام، ومعلوم أن المسلمين لم يدخلوا هيكل سليمان ويدمروه، فعندما فتح المسلمون القدس زمن عمر بن الخطاب عام 16 هـ (637 م) لم يكن الهيكل موجوداً فيها، إذن لا ينطبق على المسلمين جزء الآية (كما دخلوه أول مرة).
2-   لم يعرف عن المسلمين عندما كانوا يدخلون مدينة ما، أنهم كانوا يدمرون مقدسات سكانها، إذ لو حدث ذلك، ما كنا لنجد هناك آلاف الكنائس ومئات الكنس في الأراضي التي فتحها المسلمون ما زالت قائمة إلى يومنا هذا.
3-   الذين يدمرون المسجد في المرة الثانية هم قوم (أولي بأس شديد)، وأولي البأس الشديد عادة هم المقاتلون الذين لا يرحمون طفلاً أو شيخاً أو امرأة، بل يتبعون ضد عدوهم سياسة الأرض المحروقة، أما المسلمون، فقد عرف عنهم – خاصة في صدر الإسلام - أنهم لا يقاتلون إلا المسلحين من أعدائهم، هذا إن وقع القتال، وعنده لا يؤذون شيخاً أو طفلاً أو امرأة، ولا يقطعون شجرة، ولا يؤذون ناسكاً في صومعته، أو عابداً في معبده، كما أوصاهم بذلك أميرهم أبو بكر الصديق، كما لم يسجل تاريخ الحروب أن العرب المسلمين كانوا أولي بأس شديد، أو أنهم كانوا (يجوسون خلال الديار)، ولاحظ أن البأس هو البطش، وأن الجندي الذي يجوس خلال الديار هو كالوحش المفترس الذي يبحث عن فريسته في كل مكان لكي يبطش بها، وما كان العرب المسلمون كذلك، كما أن الفارق بين (الشجعان) و (أولي البأس الشديد) لا يخفى على من يفهم روح اللغة العربية. إذن جميع الصفات التي يتصف بها من سيدخلون – والأصح "دخلوا"- المسجد (الهيكل) مرة ثانية، لا تنطبق على المسلمين.
4-   من المعروف أن البابليين، بقيادة نبوخذنصر، هم الذين دمروا الهيكل أول مرة عام 587 ق.م وسبوا اليهود إلى بابل (بل إن الكتاب المقدس يذكر بأن نبوخذنصر قد دمر الهيكل مرتين، وقد تكونان هما المقصودتين بـ (كما دخلوه أول مرة )، أي نفس البابليين). ولقد كان من سوء طالع اليهود أن القدس كانت تقع على الحافة الشرقية للنفوذ المصري الفرعوني، كما هي على الحافة الغربية لنفوذ ملوك ما بين النهرين، فدفعوا مراراً ثمن الصراع بين هاتين القوتين العظيمتين.  وبعد أن تغلب الفرس على البابليين حوالي العام 538 ق.م. أصدر الملك كورش، ملك الفرس، ما عرف بـ(مرسوم كورش)، والذي بموجبه عاد اليهود من سبي بابل إلى القدس لكي يعمروا هيكل سليمان للمرة الثانية.
5-   في عام 66 للميلاد، ثار اليهود على الحاكم الروماني في فلسطين، فقمعهم القائد الروماني "تيطس" ودمر الهيكل دماراً شاملاً عام 70م، وسويت القدس بالأرض، حسب قول المؤرخ اليهودي "يوسيفيوس" الذي عاصر تلك الفترة، فتفرق معظم اليهود في أرجاء الإمبراطورية الرومانية، وبقيت من اليهود أقلية في الأرض المقدسة، فكان هذا هو الخراب الثاني (فإذا جاء وعد الآخرة) أي المرة الثانية.
(يمكن الاستئناس بالرابط التالي حول خراب الهيكل الأول والثاني: http://www.boulosfeghali.org/home/index.php?option=com_content&view=article&id=1667:2010-03-15-23-17-30&catid=270:2009-11-21-08-47-24&Itemid=125
6-   ومن هنا يطرح السؤال المحرج التالي: ماذا كان من المتوقع أن يكون تفسير هؤلاء المشايخ للخراب الثاني للهيكل، لو لم تقم إسرائيل عام 1948؟. بمراجعة التفسيرات المدونة قبل عام 1948، لا يرد ذكر الخراب الثاني على أنه القضاء على إسرائيل، وهذا أمر بديهي.
7-   قياساً على تفسير الآيات المذكورة بأنها تتنبأ بدخول العرب المسلمين فلسطين وإزالتهم دولة إسرائيل، يستشهد بعض الشيوخ بحديث "شجر الغرقد"، ذلك الشجر الذي سوف ينبه المسلمين الذين سيحررون فلسطين إلى وجود يهودي مختبيء خلفه، لكي يأتي فيقتله. أقول بأنه إذا لم تتمكن آلاف الطائرات والدبابات ومئات آلاف الجنود من حماية اليهود، فهل سيتمكن شجر الغرقد من فعل ذلك؟.
      الملاحظات السابقة لم تكن تهدف إلى التطاول على شيوخنا الأجلاء وآراءهم في التفسير، بقدر ما كانت محاولة لتسليط الضوء على بعضٍ مما يجول في عقول علمائنا الأفاضل من تحميلٍ لآيات الذكر الحكيم أكثر مما يجوز لها أن تحتمل.  

  24 مايو 2013

  

هل هي عبقريتهم؟، أم هي سذاجتنا؟

هل هي عبقريتهم؟، أم هي سذاجتنا؟  
       في الوقت الذي يفرض المنطق أن يبدأ المقال بالمقدمات لكي يصل منها إلى النتائج، فإن هذا المقال سوف يعكس الآية، فيبدأ بالنتائج لكي يعود منها إلى المقدمات، والنتيجة هنا هي حقيقة تواجد رجال حزب الله، يقاتلون على الأراضي السورية إلى جانب النظام السوري ضد من ثاروا عليه، بعد أن كان هذا الحزب قد أخذ شهادة سوء سلوك إسرائيلية مزورة، ضمنت له شعبية كاسحة من جاكرتا إلى الدار البيضاء، اتكأ عليها لكي يكون مخلب قط للوجود الإيراني في المنطقة العربية، فهل هذا الحزب بطل مقاوم يعادي إسرائيل! رغم أنف الجميع؟، أم هو غير ذلك؟. والآن لننتقل إلى المقدمات.
   درج الناس على توصيف المؤامرة بأنها (نظرية)، لكنني أصر دائماً على وصفها بالقانون، فهي لا شك متلازمة مع سعي الدول بشكل سري إلى تحقيق مصالحها، وعندما يكون هذا السعي مشتركاً بين دولتين فأكثر، يطلق على هذا التخطيط وصف (المؤامرة)، فهي في المحصلة ليست عيباً أخلاقياً – هذا إذا اتفقنا مع الاستاذ ميكيافيللي على أنه ليس في السياسة أخلاق – بل إن المؤامرة حق مشروع لكل دولة، تحيكها وتنفذها طالما أنها تحقق أهدافها ومصالحها. عليه، فما من شك في أنه لولا العبقرية الصهيونية في التخطيط والتدبير باستخدام كافة الوسائل، وبشكل جهنمي لا يخطر على بال السذج أمثالنا، لولا ذلك لما قامت إسرائيل في الأصل، ولما استمرت قوية مسيطرة متحكمة بالمنطقة إلى يومنا هذا، ذلك أن مؤسسي الدولة – ومنذ فترة ما قبل قيامها – اعتمدوا على السلاح الأساسي في بناء الدولة ألا وهو علم النفس أولاً، والاستخبارات ثانياً، فلم يهملوا أية معلومات عن عدوهم، بل صنفوها في ملفات كثيرة معقدة غطت جميع نواحي الحياة العربية والإسلامية، بل تذهب بعض الروايات، التي في ظاهرها خيالية، إلى أن العديد من رجال الموساد قد درسوا العلوم الشرعية في معاهد عربية، وقد ساعد إسرائيل على ذلك، من ضمن ما ساعدها، تعدد الثقافات واللغات والأعراق في المجتمع اليهودي المتنوع، والذي ضم اليهود الشرقيين (السفارديم) والغربيين (الاشكنازيم)، علاوة على اليهود الأفارقة والآسيويين، فهذا التنوع العرقي والثقافي واللغوي أتاح للكيان الصهيوني اختراق المجتمعات العربية بالاتجاهين العمودي والأفقي، لذا يحلو لي كثيراً أن أقول بأن إسرائيل تصنع لنا الأبطال الذين يقودون مسيرتنا في مرحلة ما، وتصيغهم على مقاسها وهواها. والمتمعن في الشخصيات التي قادت العمل العربي بعد قيام إسرائيل، وربما حتى قبل ذلك، يرى أنها في الجملة كانت شخصيات مغمورة، طفت على السطح نتيجة مواقف متطرفة أعلنتها ضد الكيان الصهيوني، ومن الأمثلة الحية هذه الأيام أن معظم – إن لم يكن جلَّ – الذين اعتقلوا في لبنان بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، كانوا من أشد المنادين بضرورة محوها عن الخارطة، ناهيك عن الأصول المغمورة لأنور السادات ومعمر القذافي وحافظ الأسد وبعض القيادات الفلسطينية (ومثال ذلك الشخصية التي حملت ثلاثة أسماء في وقت واحد: خالد رشيد/ محمد رشيد/ محمد برهان رشيد، مستشار عرفات الاقتصادي، ما زال ماثلاً في الأذهان، ولمزيد من المعلومات عن هذه الشخصية المجهولة المحيرة، راجع الرابط: http://alkanani.com/index.php?name=News&file=article&sid=76&theme=Printer).
    وكما هو واضح، تحرص إسرائيل على بث بذور الخلافات والنزاعات بين دول الجوار كي يبقى الجيران منشغلين بأنفسهم، وربما كانت الطائفية واحدة من أمضى الأسلحة التي تخدم إسرائيل، هذا السلاح الذي لم يغب عن أذهان المخططين الصهاينة، غير أن الأيام أثبتت أن الأقليات والطوائف العربية لم تلب الحاجة الإسرائيلية بالشكل المطلوب، وخاب سعيها كما خاب سعي فرنسا من قبلها عندما قسمت سوريا إلى خمس دويلات طائفية، إذ أن الفورة القومية العربية التي رافقت التخلص من الحكم العثماني، حكمت على ذلك المسعى بالفشل الذريع، وبعد الحرب العالمية الثانية وقيام إسرائيل وثورة يوليو المصرية، تعمق الشعور القومي العربي الرافض بالضرورة لأية نعرات طائفية، عندها كان لا بد من التفتيش عن  قوى إقليمية، بينها وبين العرب ما صنع الحداد، تصلح كي تكون حليفة للمشروع الإسرائيلي، فكانت إيران هي الحليف الذي يمكن تسخير طموحاته الإقليمية لخدمة المشروع الصهيوني، باتساق مع المشروع الإمبراطوري الفارسي، فكانت العلاقة الوطيدة مع الشاه، والتنسيق الوثيق بين جهازي الموساد والسافاك، واللذان دعما بقوة الجماعات الكردية في إقليم كردستان العراق الطامح إلى الاستقلال عن الدولة العراقية، ونتيجة للضغط الذي مارسته الثورة الكردية، اضطر العراق إلى توقيع اتفاقية الجزائر مع إيران عام 1975، والتي بموجبها حصلت الأخيرة على السيادة على النصف الشرقي لشط العرب.وكان مما أغرى اللاعب الإسرائيلي  أن النفوذ الديني الإيراني في قم - وهو الذراع الضاربة للمشروع القومي الفارسي – أصبح منذ سبعينيات القرن الماضي منافساً حقيقياً لمرجعية النجف وكربلاء، خاصة بعد وصول حزب البعث إلى حكم العراق في بداية الستينيات، وسلوكه مسلكاً علمانياً حجم نفوذ المرجعية الدينية العراقية. كل ذلك وإسرائيل تراقب بشغف وشوق تحرك قيادات المذهب الشيعي - الذي أصبحت قم قائدته بلا منازع، -  باتجاه الغرب، ولكن نظراً لاصطدامها بالجدار العراقي الصلب، خاصة بعد أن استطاع العراق بناء قواته المسلحة قبل وأثناء وبعد الانتهاء من الثورة الكردية، فقد قفزت فوقه لكي تدخل إلى لبنان أولاً ممثلة في شخص الإمام موسى الصدر، والذي أسس حركة المحرومين، التي تحولت إلى حركة أمل ، وكان نشوب الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر عام80 هو البشارة الحقيقية، وبارقة الأمل المنتظرة للقيادة الإسرائيلية في تحقيق أهدافها في بث الفتنة الطائفية بين فرس وعرب، وشيعة وسنة - بعد أن فشلت في بثها بين عرب وعرب – ومن ثم التفرج على المسلمين يقتل بعضهم بعضاً.
    وقد كان من حسن طالع إيران وإسرائيل أن يستيقظ سكان دمشق يوم 16 نوفمبر 1970 على انقلاب قاده حافظ الأسد، والذي كانت إحدى معجزاته أنه كان وزير الدفاع الوحيد في التاريخ البشري الذي يهزم أمام عدوه هزيمة ساحقة، ثم يصل رغم ذلك إلى منصب رئيس الدولة، لكن المطلع على زيارات الأسد السرية إلى بريطانيا في عامي 1965/1966، وقبيل توليه وزارة الدفاع، يدرك أن الرجل لم يأت من فراغ، ثم إن سعيه في تطييف (جعل الحكم طائفياً) الدولة السورية أمر لا مراء فيه (انظر نيكولاوس فان دام "الصراع على السلطة في سوريا" على موقع 4shared.com). وكان التقارب بين الأسد وإيران الثورة سريعاً، رغم أنه كانت له قبل ثورة الخميني علاقة، وإن بشكل خجول، مع نظام شاه إيران. والظاهر أنه بينما كان حافظ الأسد يجري اتصالاته بوزير الدفاع البريطاني، وبالمستر طومسون ، وكيل وزارة الخارجية البريطانية، لتسهيل وصوله إلى السلطة، كان الخميني وطاقمه في باريس على اتصال بأجهزة الاستخبارات الغربية لتسهيل عودته إلى طهران، وتأمين خروج الشاه منها لكي تحل مكانه حكومة الآيات في قم، ثم إن عودة الخميني فيما بعد على متن طائرة الخطوط الجوية الفرنسية أمر يعرفه الجميع. وربما كان من المفيد العودة إلى الظروف التي سهلت عودة الخميني إلى طهران وانتهاء حكم الشاه، ذلك أنه أثناء الزيارات المكوكية التي كان يقوم بها وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر بين دول الشرق الأوسط من أجل إنهاء النزاع العربي - الإسرائيلي، ونظراً لتأكد الغرب من خروج مصر، بقيادة السادات، من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، والذي تأكد بتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد وملحقاتها السرية في سبتمبر 1978، فقد كان من المنطقي ألا يبقى في ساحة الصراع سوى دولة العراق، والتي كانت قد بنت جيشاً قوياً خلال الصراع مع الأكراد، هذا الجيش الذي أثبت قدرته القتالية عندما شارك بقوة على الجبهة السورية في حرب أكتوبر 1973 وحمى دمشق من السقوط بيد الإسرائيليين، فكان من البديهي أن تسارع إسرائيل، مدعومة بأمريكا والغرب، إلى التركيز على ضرورة عودة الخميني إلى طهران والتخلي عن نظام الشاه، ذلك أن شعبية شاه إيران كانت في الحضيض بسبب تسلط أجهزته الأمنية وعلاقته المشبوهة الوطيدة بالغرب، لذا لم يكن الشاه مؤهلاً شعبياً لخوض حرب تؤدي إلى هزيمة العراق، بينما كانت هذه الشعبية مضمونة لرجال الدين بقيادة مرشدهم الأكبر،  وهكذا، وبعد خمسة أشهر من توقيع كامب ديفيد، كانت طائرة الخطوط الجوية الفرنسية تحط في مطار مهرباد في طهران، حاملة "سيد روح الله موسوي خميني"، لكي يفر الشاه وينتهي نظام حكم أسرته الذي بدأ عام 1925. وبعد أقل من سنة اشتعلت الحرب العراقية الإيرانية، والتي استمرت لمدة ثماني سنوات كاملة، تلقت إيران خلالها كميات من الأسلحة الأمريكية عن طريق إسرائيل فيما عرف لاحقاً بفضيحة "إيران – كونترا". وبعد ذلك بخمسة عشر عاماً كاملة، تقدم الولايات المتحدة لإيران الإسلامية خدمة العمر بغزوها العراق وتدميره وإعدام رئيسه، وبذلك انفتح الطريق واسعاً أمام إيران لكي تصل إلى بلاد الشام.
    والغريب أنه في الوقت الذي كانت الحرب فيه مستعرة بين العراق إيران، قامت إسرائيل عام 82 بتدمير مفاعل "تموز" الذري العراقي، وفي نفس العام دخلت إلى الجنوب اللبناني لطرد مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية منه، ثم لتستكمل ذلك في سبتمبر من ذلك العام    فتطرد المنظمة تماماً من بيروت، ولم يكن ذلك كافياً للطرفين الإيراني والإسرائيلي، فقد تابعت ميليشيا حركة أمل - مدعومة بالكامل بالقوات السورية التي دخلت لبنان عام 1976 -  تابعت الحرب ضد المخيمات الفلسطينية بحجة تطهيرها من بقايا المقاتلين الفلسطينيين، بينما دفع عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين أرواحهم في تلك الحرب. وهكذا يكون المشهد قد اكتمل بصورة دراماتيكية لا مثيل لها: إيران تهاجم العراق من الشرق لتقضي على آخر أمل تبقى للعرب في صراعهم مع إسرائيل بعد خروج مصر، وفي نفس الوقت تطرد إسرائيل منظمة التحرير من لبنان، وميليشيات إيران المتمثلة بحركة أمل تقضي – بمساعدة الجيش السوري - على ما تبقى من قوة الفلسطينيين في مخيماتهم. ونظراً للتوجه الوسط ما بين الديني والعلماني لنبيه بري، فقد كان لا بد لإيران من تأسيس مجموعة تأتمر مباشرة بأوامر الخميني، فكان تأسيس "حزب الله" في عام 1982، والذي جاء في بيان صادر عنه في 16 فبراير/ شباط 1985؛ أن الحزب "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة".
    يبدو أن الخلاف بين قيادات حزب الله على نوعية العلاقة مع إيران قد بدأت بعد تأسيس الحزب عام 82، واستمرت في التصاعد إلى أن أزيح الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام الأول للحزب بسبب اعتراضه على إملاءات إيران وشكل العلاقة معها، وكذلك اعتراضه على انخراط الحزب في الحياة البرلمانية اللبنانية، ووصل به الأمر بعد خروجه من حزب الله إلى أن يوجّه انتقادات قاسية لقيادة الحزب، لدرجة أنه اتهمها بالعمل على حماية المستعمرات الإسرائيلية في شمال فلسطين، وحل مكانه عباس الموسوي كثاني أمين عام لحزب الله عام 91، غير أن إسرائيل اغتالت الموسوي عام 92، فخلى المنصب لحسن نصر الله الذي لم يكن قد تجاوز الثانية والثلاثين من العمر، ومنذ ذلك العام ، عام تولي حسن نصر الله أمانة الحزب، تصاعد الصراع! مع إسرائيل، ومدت إيران حزب الله بكافة أنواع المساعدات المالية والعسكرية، مستفيدة من الوجود السوري في لبنان منذ عام 1976، وعلاقتها الوثيقة مع حافظ الأسد، تلك العلاقة التي تعززت أثناء الحرب مع العراق، ووقوف العروبي! حافظ الأسد إلى جانب إيران ضد جاره العربي وعمقه الاستراتيجي: العراق. ورغم احتدام الصراع بين الإسرائيليين الذين احتلوا الجنوب منذ عام 1982، وحزب الله، إلا أن الجيش السوري التزم بوقف إطلاق النار مع إسرائيل، ولم يكن له أي وجود جنوب نهر الليطاني، علاوة على الهزيمة المنكرة التي تعرضت لها القوات السورية في سهل البقاع عام 82 عندما فقدت ستة آلاف قتيل و400 دبابة و 82 طائرة خلال ساعات، واستمر القتال بين رجال حزب الله والإسرائيليين حتى خروجهم من الجنوب عام 2000. بهذا الخروج تعزز نفوذ حزب الله في المنطقة، فمنع تواجد أية قوات مقاومة باستثناء قواته، أي أنه احتكر المقاومة، وأمعن في تصعيد لهجته ضد العدو الصهيوني، إلى أن كانت حرب تموز 2006، والتي دمرت فيها البنية التحتية اللبنانية بشكل شبه كامل، والتي ما يزال الشعب اللبناني يعاني من نتائجها حتى الآن، وقتل ما لايقل عن 1400 مدني لبناني، كما خسر حزب الله – حسب تقديراته – 250 قتيلاً، بينما تعطي المصادر الغربية رقم 500 قتيل، وخسرت إسرائيل حوالي 140 جندياً، علاوة على تضرر اقتصاد مستعمرات شمال الجليل خلال فترة الحرب، وقد انتهت هذه الحرب بصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 والذي أنهى على ما يبدو حالة الحرب على هذه الجبهة، إذ نص صراحة على وجوب انسحاب رجال حزب الله شمال نهر الليطاني، ومرابطة  خمسة عشر ألف جندي من قوات اليونيفيل على الحدود بين البلدين، ودخول الجيش اللبناني إلى الجنوب، (وهذا ما يفسر سحب حزب الله قواته من الجنوب باتجاه وسط سوريا دون أي خوف من إسرائيل)، وهكذا انضمت الجبهة اللبنانية إلى الجبهات المصرية والأردنية والسورية في كونها سواراً يحمي إسرائيل من أعدائها الحقيقيين: الفلسطينيون أصحاب القضية. وعليه، فقد كان بديهياً أن تكون نتيجة هذه الحرب إيذاناً بتفرغ حزب الله للعمل السياسي داخل الساحة اللبنانية، وهذا ما تم له. غير أن الغريب في الأمر أن حسن نصر الله، و بروالذي ذاع صيته كمقاتل شرس ضد إسرائيل، وكاستراتيجي على مستوى رفيع، يقول في مقابلة مع التلفزيون اللبناني وصحيفة "الحياة" اللندنية في سبتمبر 2006 إن "قيادة الحزب لم تتوقع ولو واحداً في المائة أن تؤدي العملية إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم، لأنه وبتاريخ الحروب هذا لم يحصل. لو علمنا إن عملية الأسر ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعاً"، فهل نستطيع اعتبار قوله هذا اعتذاراً من الشعب اللبناني على ما أصابه نتيجة تهور حزب الله في اتخاذ قرار غير محسوب العواقب؟، أم هو اعتذار من إسرائيل على الخسائر التي تكبدتها في هذه الحرب عن طريق الخطأ!، هذه الحرب التي يبدو الآن أنها كانت مسرحية محكمة الأداء، والتي كان من أهم نتائجها بروز اسم حسن نصر الله، كما برز من قبله أنور السادات كـ (بطل العبور) و (بطل الحرب والسلام) بعد مسرحية حرب أكتوبر، تمهيداً لتوقيعه كامب ديفيد وإنهاء حالة الصراع مع إسرائيل، وظهور اسم حافظ الأسد، الذي تراجع جيشه في حرب أكتوبر 73 ما لايقل عن عشرين كيلومتراً أمام الإسرائيليين، ثم أصبح لقبه (بطل تشرين)، والذي (دوخ نيكسون وكيسنجر) بعناده التفاوضي، بينما كان هو الذي انحنى حتى كادت جبهته تلامس الأرض عندما صافح نيكسون وكيسينجر عام 1974، اللذين زاراه لتهنئته بتوقيع اتفاق فصل القوات على جبهة الجولان.
    هم مجموعة من الأبطال المزيفين، كما أسلفت، صنعتهم إسرائيل ولمّعتهم، ووضعتهم في مصاف أشد أعدائها، كي نتمسك بهم، ونضفي عليهم هالة من القداسة والعصمة والوطنية، والتي هم أبعد ما يكونون عنها، ثم نسير خلفهم دون وعي وتدبر. واليوم، يبدو حسن نصر الله واحداً من هؤلاء الذين قدمتهم لنا إسرائيل على أنهم من أشد أعدائها، لنكتشف أن قوات حزب الله (والذي أصبح يطلق عليه حزب اللات) أصبحت تقاتل السوريين الآن في كافة المدن السورية إلى جانب نظام مجرم هو خليفة لنظام مجرم قبله، صنعتهما إيران، وأصبغت عليهما إسرائيل صفة الأعداء اللدودين والأشداء المقاومين، فمنحتهما الجماهير بسذاجة عجيبة صك الوطنية والشرعية. وهكذا يبقى السؤال معلقاً يبحث عن إجابة شافية: هل هي عبقرية الإسرائيليين؟، أم هي سذاجة العرب؟.

   22 ماي 2013

Tuesday, May 21, 2013

سيناء، وعصمة الزعيم


سيناء، وعصمة الزعيم
    ربما كان الشغل الشاغل للمراقبين السياسيين المصريين هذه الأيام هو عملية الخطف التي تعرض لها سبعة جنود مصريين أثناء عودتهم من إجازتهم إلى قطعاتهم العسكرية في سيناء. وربما كان من المفيد بداية الحديث قليلاً عن شبه جزيرة سيناء، فهي كانت عبر التاريخ الخاصرة الرخوة الشرقية للدولة المصرية، وهي على شكل مثلث مساحته تعادل 6% من مساحة مصر (60 ألف كم مربع)، قاعدته تمتد على ساحل البحر المتوسط  في الشمال، بينما يقع رأسه في الجنوب ليشكل فاصلاً بين خليج السويس وخليج العقبة، وهي لم تكن شبه جزيرة قبل شق قناة السويس وافتتاحها عام 1869، أما بعد ذلك التاريخ، فلم تعد تتصل باليابسة إلا على الحدود المصرية الفلسطينية. وعبر التاريخ، كانت سيناء هي الجسر الذي تعبر عليه جيوش الفرعون لكي تحارب الحثيين والآراميين، كما كانت هي المعبر لوصول الغزاة الآسيويين من آسيا إلى الدلتا والوادي، كما كانت في الوقت نفسه مصدر جميع المعادن التي احتاجتها الدولة المصرية، وعلى رأسها الذهب والنحاس.
    بعد نشوء إسرائيل عام 1948، أصبحت سيناء خط الجبهة الأمامي مع الجيش الإسرائيلي، وفي أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، اضطرت القيادة المصرية إلى سحب قواتها من سيناء كي لا تقع بين فكي كماشة الإسرائيليين من الشرق، والإنكليز والفرنسيين من الغرب. وفي حرب حزيران – يونيو 1967، أخلى الجيش المصري سيناء بالكامل بسبب تدمير سلاح الطيران المصري، ورابط على الضفة الغربية للقناة، التي شهدت حرب الاستنزاف حتى رحيل الرئيس جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970.  
    بعد حرب أكتوبر 1973، وفك الاشتباك بين الجيشين المصري والإسرائيلي، ثم التوصل إلى إنهاء حالة الحرب وتوقيع اتفاقيات السلام، وفي مقدمتها اتفاق كامب ديفيد، فقدت مصر سيطرتها بالكامل تقريباً على شبه الجزيرة، فغابت سلطة الدولة المصرية عن جزء هام من ترابها الوطني، مما سمح بظهور جماعات تهريب المخدرات والأسلحة والبضائع، وسادت سلطة زعماء العشائر بديلاً عن السلطة المركزية، كما ساهمت الدولة، زمن حسني مبارك، في تصعيد التوتر الأمني والاجتماعي في سيناء عن طريق اضطهاد بدو المنطقة، وإنزال العقاب الجماعي بهم عند وقوع أية حوادث أمنية، مما سبب سخط سكان سيناء، وباعد بينهم وبين الدولة، أو حتى ربما دفعهم إلى التشكيك في شرعية سلطتها على شبه الجزيرة.
    واليوم، وبعد هذا التوتر الذي يهدد البنية الأساسية لسيادة الدولة وتماسك المجتمع المصري، يعجب المرء كيف لا يجرؤ أحد من المعلقين السياسيين أو الناشطين الحزبيين المصريين على تحميل أنور السادات واتفاقيات السلام مع إسرائيل، مسؤولية ما جرى وسيجري  على أرض سيناء، بل والغريب أن ذلك الرجل – رغم كل ما سببه من أذى للأمن القومي المصري والعربي - ما زال يتمتع بألقاب مثل (بطل العبور) أو (بطل الحرب والسلام)، إذ من الممكن أن نفهم إسباغ البطولة والعصمة في اتخاذ القرار على بعض القادة والزعماء السياسيين والدينيين في ما مضى من عصور التاريخ، أما اليوم، وفي هذا العصر الذي يدعي الناس فيه حصولهم على مستويات متقدمة من الثقافة والحرية، يعجب المرء من إسباغ هذه البطولة وتلك العصمة على شخص أنور السادات، الذي ربما يبالغ البعض – وعندهم بعض الحق – بأن جل ما أصاب مصر والقضية العربية من ضرر على مدى أربعة عقود من السنين، إنما يعود إلى تفريطه بالقضية العربية، وخاصة التفريط بالسيادة على شبه جزيرة سيناء، تلك التي حرمت فيها الدولة المصرية من إمكانية وصول قواتها المسلحة إلى الحدود مع إسرائيل، وذلك عندما أقرت مصر في كامب ديفيد بتقسيم سيناء إلى مناطق (أ) و (ب) و (ج)، وتحديد عدد الآليات والقوات الموجودة في هذه المناطق، مما استتبع انحسار السيادة المصرية، وتضعضع الأمن القومي المصري لصالح إسرائيل، هذا الانحسار والتضعضع هما اللذان سمحا للجماعات المسلحة ببسط سيطرتها على شبه جزيرة سيناء، الأمر الذي تعاني منه مصر اليوم، وربما ستبقى تعاني منه في المستقبل البعيد، ما لم تصبح من القوة بحيث تستطيع فرض سيادتها على كامل ترابها الوطني. فهل سيكون ذلك بإعادة مصر النظر، مع الجانب الإسرائيلي، بصورة جذرية في بنود كامب ديفيد؟، أم سيكون بإدخال قواتها المسلحة إلى سيناء بشكل مفاجيء، ووضع إسرائيل والمجتمع الدولي أمام الأمر الواقع؟، أم هل سوف نتذاكي إلى الحد الذي نقول فيه بأن القوات المسلحة المصرية تقف وراء عملية الخطف هذه - وغيرها من عمليات زعزعة الأمن في سيناء -  لكي تبرر إدخال قواتها بكثافة إلى هناك؟،هذا ما سيكشف عنه القادم من الزمن.

  20 مايو 2013  

Sunday, May 12, 2013

لماذا يتذكر النظام السوري الجولان اليوم؟


لماذا يتذكر النظام السوري الجولان اليوم؟
    ينشغل المنجمون وقارئو الودع والفنجان – من فوق الماء ومن تحته – هذه الأيام، بالقرار الجريء! الذي اتخذه النظام السوري بفتح جبهة الجولان للمقاومة الشعبية من أجل استردادها من يد الاحتلال الإسرائيلي، ولا يعرف هؤلاء المنشغلون بالقضية بالضبط أي حلم رآه الرئيس في منامه، أو ربما في صحوه، لكي يتخذ هذا القرار الجريء!، كما دفعهم ذلك إلى التساؤل عما إذا كان الرئيس قد سمع مؤخراً فقط بأن هضبة الجولان محتلة، وستكمل عامها السادس والأربعين بعد ثلاثة وعشرين يوماً من تاريخ هذا اليوم تحت الاحتلال، أي منذ كان عمره سنتين فقط، (فهو من مواليد 11 سبتمبر – وبالصدفة البحتة ما يصادف اليوم العالمي للإرهاب! – 1965)، كما يتساءل هؤلاء المنجمون، مع جميع المراقبين والمهتمين بالقضية الشرق أوسطية، عن السبب الذي منع الرئيس من التفكير بتحرير الهضبة قبل سقوط عشرات الآلاف من القتلى السوريين، ودمار المدن والبلدات والقرى السورية، وخمَّن بعضهم أن هؤلاء القتلى ربما كانوا هم السبب الذي أخّر الدعوة إلى التحرير، لذا كان لا بد للنظام من التخلص منهم أولاً، ثم طرد أسرهم بمئات الآلاف إلى دول الجوار كي لا يشكلوا عائقاً يمنع الدولة المقاوِمة من استرداد أرضها المحتلة. غير أن البعض يُرجِع تجاهل الرئيس لحقيقة أن قطعة غالية من أرض بلاده محتلة، إلى بطانة السوء التي تحيط به، والتي أقنعته أن الاحتلال ليس هو المشكلة، وأنه يمكن أن يزول خلال بضعة أيام، لكن بعد القضاء على أعداء الداخل، والذين هم أخطر على النظام من إسرائيل، وربما أقنعته بطانته الفاسدة هذه أيضاً أن الطيران السوري! هو الذي كان يحلق فوق قصره في دمشق ومكان إقامته في اللاذقية، وأن قصف موقع "الكبر" في دير الزور قد تم بنيران صديقة!، حين كانت الطائرات الحربية السورية في مناورة بالذخيرة الحية، فقصفته بالخطأ، أما الانفجارات التي حدثت مؤخراً في جبل قاسيون ليلاً، فقد كانت نتيجة خطأ تقني! أثناء تخزين بعض الذخيرة والصواريخ، وبذا تم التعتيم على هذا الرئيس الشاب، فبقي مغمض العينين، معميَّ القلب، بينما أراضي بلاده محتلة، وطيران العدو يصول ويجول فوق دولته، وبينما جيشه يقتل السوريين بالآلاف، ويدمر مدنهم بالعشرات.
    لكن الجواب الذي غاب عن أذهان هؤلاء جميعاً، أن ما دعى السيد الرئيس الآن لإعلان التعبئة لاسترداد الجولان، لم يكن لاستردادها من إسرائيل، بل لاستردادها من يد الجيش الحر الذي احتل جميع نقاط المراقبة التي كانت تابعة لجيش النظام، وقدم الحماية لجنود قوات الطواريء الدولية عندما كانوا يقعون في مرمى النيران أثناء الاشتباك مع الجيش النظامي (هذه الحماية التي وصفتها أجهزة إعلام النظام والغرب على حد سواء أنه اختطاف، متجاهلين أن الاختطاف يتم للحصول على بعض المطالب كالفدية أو إطلاق سراح بعض الأسرى، وهذا ما لم يتقدم به الجيش الحر)، ونتيجة لانتصارات الجيش الحر هذه، فقد خرجت الأراضي المحاذية لهضبة الجولان من الشرق، من سيطرة نظام دمشق، وبالتالي أصبحت تشكل خطراً على الجانب الإسرائيلي، الذي استمتع ببحبوحة من العيش الهانيء على مدى أربعة عقود ونيف من السنين، يزرع التفاح ويربي البقر، دون أي خوف أو خطر. لكن من الملاحظ أن هذه الدعوة إلى فتح الجولان أمام المقاومة قد صدرت عن النظام وعن حزب الله في وقت واحد، فوحدات اللجان الشعبية – الشبيحة – التي شكلها النظام بسبب انفراط عقد الجيش النظامي، وقوات حزب الله التي سارعت إلى نجدته لنفس السبب، سوف يُدفع بها إلى الأراضي التي حررها الجيش الحر شرقي الجزء المحتل من الهضبة لاستردادها منه، بينما يراقب الإسرائيليون بمناظيرهم المقربة، وهم يأكلون الهامبرجر ويشربون البيبسي، المعركة المحتدمة بين الطرفين، والتي ستكون نتائجها النهائية في مصلحة إسرائيل في جميع الحالات، وهل أحب إلى قلب إسرائيل من رؤية العرب يقتلون بعضهم البعض، ويدمرون حياتهم بأيديهم؟.  هكذا فليكن النظام المقاوم والممانع وإلا فلا: يقتل عشرات الآلاف، ويجرح ويعوّق مئات الآلاف، وييتم مئات الآلاف، ويرمل عشرات الآلاف، ويعتقل مئات الآلاف، ويشرد آلاف الآلاف، ويدمر ملايين المنازل، كل ذلك في بلده، ثم يتفرغ بعد ذلك لتحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي!!!.
    في مصر يستأجرون عشرات البكّايات للبكاء على الميت وندبه، أما في سوريا: فمن أين للشعب السوري أن يستأجر ملايين البكّايات ليبكين شهداءه، ويندبن حظه أنه كان رعية لهذا الحاكم الأحمق؟.

 12/5/2013
        

Saturday, May 11, 2013

هل نحن مقبلون على كارثة أخلاقية؟


                                
    بداية، لا يميز الحدث السياسي عن التاريخي سوى الفاصل الزمني، إذ ليس كل حدث سياسي، تاريخياً، (لأن الزمن لم ينضجه بعد)،  بينما كل حدث تاريخي هو تاريخي وسياسي في نفس الوقت، لذا تم تصنيف الأحداث التاريخية حسب سنوات حدوثها فانقسمت إلى قديمة ووسيطة وحديثة، ثم تبعتها المعاصرة مجازاً. والمتابع لسيكولوجية الأحداث يعلم أن للحدث السياسي شخصية مراوغة مخاتلة، لا تكشف عن نتائجها إلا بعد حين، قد يطول أو يقصر، لكن هذه النتائج واقعة لا محالة، ولا غرو، فهي من أبرز مظاهر النشاط الفكري البشري، إن لم تكن أبرزها على الإطلاق. ووجه المراوغة والمخاتلة في الحدث يرجع إلى أن النتائج الناجمة عنه لا يشترط أن تكون بحجمه في جميع الحالات، إذ ربما يبدو الحدث عادياً، إلا أن نتائجه تكون مفزعة، فاغتيال ولي عهد النمسا وزوجته في سيراييفو عام 1914 حدث ربما يقع في أي زمان ومكان دون أن يؤدي إلى حرب عالمية تستمر أربع سنوات، تزهق فيها أرواح عشرات الملايين، واحتلال هتلر بولندا، والذي كان السبب المباشر للحرب العالمية الثانية، كان يمكن أن يمر بوساطة دولية، وتنتهي القضية، (وهنا يفرض دخول العراق إلى الكويت عام 1990 نفسه لكي يكون نموذجاً مشابهاً)، أو ربما يكون الحدث هائلاً لكن  نتائجه تنزوي في زوايا النسيان، فإبادة عشرات الملايين من الهنود الحمر، سكان القارة الأمريكية الأصليين على يد الرجل الأبيض، أصبح حدثاً يذكره البعض، ولا يعلم البعض الآخر عنه شيئاً على الإطلاق، وتدمير هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين – رغم هوله – لم ينتج عنه سوى تحالف المنتصر مع المهزوم. والحدث السياسي بمجرد أن يقع، يصبح ميداناً رحباً للمحللين السياسيين والاقتصاديين والأدباء والمفكرين، كل يتناوله من زاوية تخصصه، وتبقى جميع الآراء معلقة إلى أن تظهر نتائج الحدث في العاجل أو الآجل من الزمن.
    والوطن العربي، في يومنا هذا، لا شك مهتز بعنف نتيجة ما يجري على الأرض السورية منذ حوالي العامين، هذا العنف الذي أحرق الأخضر واليابس، ودمر المدن والبلدات والقرى، وقتل عشرات الآلاف وشرد الملايين من السوريين، وطفح ماء الأزمة حتى أغرق دول الجوار، بل والمجتمع الدولي بأسره، ولو وقف الأمر عند الخسائر المادية والبشرية، لهان أمر إحصائها ومعرفة حجمها بل وتعويضها، إلا أن أثر هذا الحدث المرعب على الموقف الأخلاقي والنفسي يفوق أثر الحدث نفسه على البشر والحجر. فمنذ عام النكبة وضياع فلسطين، انصب الحقد العربي على الكيان الصهيوني، الذي شرد الفلسطينيين بعد مجازر بشعة وثقتها الوثائق الصهيونية قبل الوثائق الدولية، وضج الضمير العربي والإسلامي، بل والعالمي، نتيجة الأعمال العدوانية التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين ودول الجوار، عن طريق شن حروب خاطفة أزهقت الأرواح وسرقت الأرض والمياه، وقبلها داست الكرامة، حتى اعتقدنا أن شر العالم كله قد تجسد في الكيان الصهيوني، وأن الإجرام بعينه يسكن في قلبه وحده، فهرولنا إلى المنظمات الأممية، والجمعيات الإنسانية، نشكو ونتوسل، ونكيل الاتهامات لإسرائيل بأنها عنصرية همجية، إلى أن جاءت أحداث الثورة السورية، فانكفأنا على أنفسنا، وضغطنا بأسناننا على جراحنا، ووارينا وجوهنا من العالم الذي صدّعنا رأسه بالشكوى من بطش إسرائيل بنا، لأننا فوجئنا بالعربي يقتل العربي بحقد لم يسبق له مثيل، وفوجئنا ببنادقنا ومدافعنا توجه إلى صدورنا، وطائراتنا تخترق الصوت فوق رؤوس أطفالنا، ولو اقتصر الأمر على الصوت لهان الأمر، لكنه ترافق مع الصواريخ والبراميل المتفجرة،،، نتسمر أمام الشاشات التي كان ينبغي لها أن تجلب المرح والسعادة إلى قلوبنا، فإذا بنا تنفتح علينا منها شلالات من الدم والجثث والدمار،،، لا نعرف أين نواري وجوهنا خجلاً من أعدائنا، أولئك الذين لم ولا ينبغي أن نتوقع منهم الهدايا وباقات الورود، فطبيعة العداء هي الأذى، لكنك عندما ترغم نفسك وعاطفتك على قول الحقيقة المرة، ستصرخ قائلاً: كلا، وألف كلا، لم يكن العدو – حتى العدو – همجياً معنا إلى هذه الدرجة. قبل اغتصاب فلسطين، قامت العصابات الصهيونية بعدة مجازر لإخافة الفلسطينيين والضغط عليهم لإخلاء الأرض، أما في الحروب العربية الإسرائيلية، فلا نذكر أن قوات العدو قد دمرت قرية على رؤوس سكانها، أو ألقت قنابل النابالم على المدنيين. في حرب حزيران 1967، اكتفت إسرائيل بضرب الجيوش العربية في مصر وسوريا والأردن دون أن تقترب من المراكز المدنية، ففي دمشق حسب ما شاهدنا بالعيان، قصف الطيران الإسرائيلي مطار المزة العسكري، ومستودعات النفط في منطقة "عدرا" على الطريق إلى حمص، وفي حرب الاستنزاف عُرِف عن إسرائيل قصفها موقعين مدنيين هما مصنع "أبو زعبل" ومدرسة "بحر البقر"، وفي حرب أكتوبر 1973، لم يقصف طيران العدو أية أحياء سكنية في دمشق، بل قصف المطارات العسكرية وآمرية الطيران الواقعة بين ساحة الأمويين وحديقة المدفع في شارع أبو رمانة، وما عدا ذلك لم نسمع عن أية مجازر ارتكبت بحق المدنيين العرب. لا شك أن الكثير من القراء سينعتونني الآن بأنني أحاول بهذا تبييض صفحة إسرائيل، وأبرر لها ما فعلته بالفلسطينيين والعرب، لكنني أذكّر هؤلاء السادة بأن إسرائيل عدو، ولا يستغرب منها القيام بكل ما هو أذى وشر لأعدائها، أما أن يقوم جيش عربي بتدمير مدن وبلدات وقرى شعبه، ويسفك دماء الناس قاتلاً عشرات الآلاف منهم، فهذا ما لا يمكن للعقل تصوره.
    من هنا أعود إلى عنوان هذا المقال، فهل نحن بعد الذي يجري في سوريا مقبلون على كارثة أخلاقية ونفسية تؤدي بنا إلى تبرير الممارسات التي يقوم بها العدو الحقيقي ضدنا؟، بلغة أخرى: هل ستكون الجرائم التي يرتكبها الجيش السوري ضد شعبه، مبرراً للعدو للقيام بمثلها ضدنا؟، وهل سوف تقوم الأجيال التي عايشت هذه المأساة بعملية إعادة تقييم لعلاقة العداء مع إسرائيل؟، وهل سوف نمتلك الشجاعة والقدرة على التبجح في المستقبل بأننا سوف نقاضي مجرمي الحرب الصهاينة، ونأخذهم إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي؟، وكم سنة من الزمن سوف يسقط العالم على ظهره مغشياً عليه من الضحك علينا إن نحن فعلنا ذلك؟، وهل سنستمر في تقديم الشكاوى إلى مجلس الأمن الدولي احتجاجاً على تصرفات إسرائيل وعدوانها؟، بالله عليكم أليس مخجلاً حد الفضيحة أن تقابل يهودياً مغربياً اسمه "أمنون" يلطم خديه حسرة على عدم تدخل العرب لوقف قتل جيش حماة الديار ما متوسطه مئة وعشرون قتيلاً سورياً كل يوم؟، بالله عليكم هل تستطيعون النظر في عيني "أمنون" الدامعتين على القتلى السوريين؟، وهل أنا أحلم عندما يجلدني هذا الرجل بهذه الحقيقة المفزعة، ويبصق في وجهي بهذه الدموع، حتى وإن كانت مزيفة؟. نعم، لا شك نحن في مأزق أخلاقي ونفسي مرعب، هو مفترق طرق كئيب، وهو ليس نفقاً، حتى ولو كان مسدود النهاية، بل هو موضع نحن فيه محاصرون من جميع الجهات، لا نستطيع منه تحديد وجهتنا، لأننا بكل مرارة وبساطة: سقطنا في الهاوية.
    من عادتي أن أطنب عندما أكتب، لكن هذا الموضوع البائس، والذي يسحق الروح والعقل في آن معاً، لا يسمح للقلم سوى بالصمت المطبق حد الخرس.
  
      

Thursday, May 9, 2013

ملاحظات على خطاب سيد المقاومة - سابقاً - في الذكرى الخامسة والعشرين لقيام حزبه






1- رغم أهمية المناسبة، فقد اجتمع الجمهور داخل قاعة مسرح بأعداد لا تزيد على المئتين، مع وجود بعض المقاعد الشاغرة، حتى في الصفوف الأولى، فهل فقد سماحة السيد بريقه في حشد عشرات الآلاف من أنصاره؟.
2- هذا يتناقض مع حشود آلاف الجماهير في مناسبات سابقة، فهل خشي حزب الله! من صدامات بين المؤيدين لخطه، خاصة في الشأن السوري، وبين المعارضين له؟، إذ أن احتشاد عشرات الآلاف قد يشعل شرارة الخلاف الشيعي – الشيعي في لبنان، وهذه شرارة يمكن أن تدخل النار إلى وكر حزب الله.
3- أبدع نصر الله في ارتداء الثوب الفلسطيني لكي يقنع الذين انفضوا عنه - بسبب موقفه من الأزمة السورية - بأنه ما زال سيد المقاومة، الكذبة التي انطلت علينا - نحن طيبي القلوب - لعشرات السنين.
4- يتحدث عن السلاح الذي تزود به إيران الثورة الفلسطينية، وكأني به لا يعلم شيئاً عن الجغرافية المحيطة بفلسطين، ناسياً أن حزبه هو الذي قطع يد ورجل المقاومة الفلسطينية - هو وإسرائيل - من الجنوب اللبناني، ناهيك عن أنه لا يمكن أن يستورد قطعة كلاشينكوف من سوريا دون موافقة إسرائيل، تلك التي تراقب الحدود السورية اللبنانية بفعالية أعلى من تلك التي يقوم بها اللبنانيون والسوريون أنفسهم..
5- يؤكد دعمه للنظام السوري، وتصميمه على مساندته حتى النهاية، أي استمراره في ذبح السوريين، وبما أنه اعتذر بعد حرب 2006 - التي دمرت البنية التحتية في لبنان، وذهب ضحيتها 1400 لبناني – حين قال أنه لو كان يعلم حجم الرد الإسرائيلي، لما أقدم على ما أقدم عليه. اليوم، وبعد دعمه النظام السوري، وإيغاله – مثله – في دم السوريين، من أين سيأتي نصر الله بكلمات اعتذار للسوريين، أولئك الذي فتحوا له ولحزبه بيوتهم عندما شردتهم إسرائيل؟.
6- طالما أنه أعلن في أكثر من مناسبة أنه حذاء للمرشد خامنئي، فلا غرابة أن يبدر منه هذا الكم الهائل من الكذب المفضوح عن عزيمة القتال والتحرير، وهو الذي يقاتل في حمص والقصير والرستن. هنا سوريا صاحبة الفضل على رأسك أيها الملقب زوراً "سيد"، وليست فلسطين المحتلة التي تدعي كذباً وزوراًعزمك على تحريرها، إذ قبل تحريرها، عليك أن تحرر نفسك من تحت حذاء مرشدك المهووس بمشروعه الإمبراطوري الفارسي، والقابع في وكر الأفعى"قم".
فعلاً ذاب الثلج، وانكشف المرج، يا سماحة السيد – سابقاً طبعاً -.
https://mail.google.com/mail/u/0/images/cleardot.gif