Saturday, March 30, 2013

هل من سيف ينطق؟


     في الأزمات الكبرى – كأزمات الربيع العربي -، يصعب على المرء مهما أوتي من عقل راجح وذهن منفتح، أن يتخذ موقف سعد بن أبي وقاص (رض)، خال الرسول (ص)، الذي اتخذه خلال أحداث الفتنة الكبرى بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رض)، إذ عندما طلب منه أحد جانبي الصراع – أو كلاهما – أن يتخذ موقفاً واضحاً منهما بدل أن يغلق بابه على نفسه، قال لهم كلمته المشهورة:" لا أقاتل حتى تأتوني بسيف يقول هذا مؤمن وهذا كافر". واليوم، وفي مصر بالذات، قلب الأمة، من أين لنا بسيف يقول هذا مؤمن وهذا كافر، حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟.


    فمنذ وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، سواء في الرئاسة أو في البرلمان، هبت بعض قبائل مصر السياسية هبة مضرية، فجردت جميع أسلحتها التنظيمية والحزبية والإعلامية، وحتى البلطجية، ضد الرئاسة ونظام الحكم إلى حد وصلت فيه بعض الأصوات إلى المناداة بإسقاط الرئيس، وقد تناست هذه القوى أنه بسبب تنافسها على السلطة وأطماعها الآنية والأنانية، وصل الإخوان المسلمون ديمقراطياً إلى حكم مصر، ولو توحدت فصائل ما يسمى اليوم (جبهة الإنقاذ الوطني) حول مرشح واحد منها – وكان الأرجح أن يكون حمدين صباحي – لحرمت الإخوان المسلمين من نصر سياسي تاريخي، والآن تتباكى تلك القوى الفاشلة على مصير مصر تحت حكم المرشد، وتتنكر لصندوق الانتخابات قائلة بأن (الديمقراطية لا تعني صندوق الانتخابات)، ولعمري إنه لاختراع عجيب أن يصبح صندوق الانتخابات ليس معياراً للديمقراطية وواحداً من أهم مرتكزاتها، فهل ذهبت تلك القوى القومية والوطنية والعلمانية إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية فقط لكي تفوز بها، وإلا فإنها سوف تتنكر لنتائجها؟.

    ما دفع إلى كتابة هذا المقال هو استدعاء النيابة المصرية لبعض رموز الإعلام المصري بتهم وصلت إلى حد تهديد السلم الأهلي بالتحريض على العنف وإسقاط النظام. فالمجتمع المصري، وخلال حقبة حكم حسني مبارك، ورث كماً هائلاً من الفضائيات الدينية والحزبية، إلى جانب قنوات الجنس والسحر والشعوذة، مما أوقع الناس في حيص بيص، وتوزعوا شذر مذر، وتشرذموا بين أفكار منها ما هو مستورد، ومنها ما هو محلي النشأة، بمبالغات تفتقد إلى المنطق والحس السليم، ولو أعطينا مثالاً واحداً عن نوعية الإعلاميين الذين عندهم القدرة على التلون كالحرباء، بسلاطة لسان وفحش لا مثيل له، لوجدنا ما يعرف بالإعلامي "عمرو أديب"، فهو مثال حي على العبث الإعلامي الذي تلبّس الساحة المصرية. ومن العجب العجاب مثلاً أن يدافع أحد الإعلاميين عن موقفه عندما أساء إلى الرئيس مرسي بقوله إن الصحف البريطانية قد شبهت طوني بلير بالكلب الذي يتبع سيده جورج بوش، متناسياً اختلاف القيم حسب اختلاف المجتمعات، فالكلب عند الغربيين مثال للصداقة والتبعية في آن معاً، وقد يعاملونه بأفضل مما يعاملون به أبناءهم، أما في مجتمعاتنا، وبتأثير ديني وتراثي، فهو مثال للنجاسة، فإذا عجز ذلك الإعلامي عن إدراك ذلك، فهذه كارثة أدبية تبين ما أصبح عليه الحال في مصر الكنانة، والتشبه بالأسلوب الإعلامي الغربي في التعامل مع الرؤساء والحراك السياسي، هو تقليد أعمى لا يدرك حجم الضرر الذي يوجهه إلى مشاعر الناس، خاصة عندما يؤيد الإعلامي أنشطة تخريبية بحجة ضمان حق التظاهر (هنا التظاهر ديمقراطي، بينما صندوق الانتخابات ليس معياراً للديمقراطية)، فهل يُسمح لأي أمريكي أو أوربي بإلقاء قنابل مولوتوف على البيت الأبيض أو 10 داوننغ ستريت، كما حدث لمقر الرئاسة المصرية؟ وهل تتغاضى سلطات الأمن الأوربية والأمريكية عن تدمير مباني الدولة كمراكز الشرطة والدفاع المدني، ومرافق عامة كمقرات الأحزاب والصحف ومحطات السكة الحديدية؟. لكل مجتمع خصوصيته وقيمه التي ينبغي على الإعلامي التقيد بها، وإظهار ما ينبغي من احترام لها، من ذلك مثلاً أننا كنا نزامل بعض الإخوة المسيحيين في أماكن العمل، وفي شهر رمضان، كانوا ينتحون عنا جانباً عندما كانوا يريدون الأكل والشرب أو التدخين، فاحترام قيم المجتمع وتراثه واجب على الإعلامي، لا منة منه.

    أمام مصر شوط طويل لتنقية المجتمع والدولة من موبقات نخرت في جسم البلد عبر واحد وأربعين عاماً، منذ تولي السادات السلطة عام 1970، حتى تنحي مبارك عنها عام 2011. 

Saturday, March 23, 2013

أفكار خبيثة


   
    في مثل هذا الوقت من بعد ظهيرة أي يوم من أيام الأسبوع ، تكون قاعة هذه المقهى مكتظة بالزبائن ، وهي كذلك الآن ، حيث أجلس محاولاً اغتنام هذا المهرجان البشري لالتقاط فكرة قصة أو قصيدة ، خاصة وأنه قد مضى عليَّ زمن خشيت فيه أن يكون قد نضب زادي وجف نبعي ، فأمسكت القلم محاولاً أن أبدأ كتابة شيء ، أي شيء ، فلم أفلح ، ومع أنني معتاد على الكتابة في أشد الأماكن والأوقات ازدحاماً وضوضاء ، إلا أن الصراخ الذي يحدثه هذان الطفلان الشقيان أفسد عليَّ جلستي ، فهممت بالانصراف لولا أن لفت نظري مشهد الوالدين وهما جالسين بصمت مريب .

    من خلف نظارة القراءة كان يتصفح جريدته ، ويرشف بين الفينة والفينة من فنجان قهوته ، على ملامحه بدت هموم سنين قوست ظهره فبدا في ستينياته مع أنني خمنت أنه في منتصف عقده الخامس ، أما هي فقد جلست خلف الطاولة المجاورة تعبث بكوب شاي تديره يمنة ويسرة بحركة تبدو عصبية إلى حد ما ، تختلس النظر إليه أحياناً ، وتتناوب عيناها بين الكوب وبينه ، وعندما تشعر أنه يلحظها خلسة، تشيح بوجهها متظاهرة بمراقبة الأطفال . يبدو أن جلستهما في هذه المقهى لم تفلح في تلطيف حرارة الخلاف الناشب بينهما ، بحيث أن كل واحد منهما يأنف أن يبادر صاحبه بالكلام ، بل اكتفيا باختلاس النظر إلى بعضهما البعض بمواربة واضحة .

    رن جرس هاتفه فالتقط المكالمة مديراً ظهره للمرأة ، أما هي فقد تشاغلت بمراقبة الأطفال ، مرخية أذنيها إلى مايقول علّها تكشف فحوى المكالمة ، فربما كانت والدته ، تلك التي عكرت عليها صفو حياتها منذ تزوجا ، تحاول – بعد أن لم تجده في المنزل - أن تستجلي مكان تواجده ، هل خالف أمرها فذهب برفقة زوجته وأولاده ، أم أصاخ لها سمعاً فخرج وحيداً من المنزل . أمه هذه ورثت عن جده مالاً وفيراً استخدمت منه جزءاً يسيراً في تزويج أبنائها الثلاثة ، واستخدمت جزءاَ آخر في تطليق الأخوين الآخرين وتزويجهما مرة ثانية ، وربما تحاول الآن تطليقها منه وتزويجه للمرة الثانية ، أما هو فرغم أنه يعلم مدى تسلط والدته ، غير أنه لم يكن قادراً على البوح بذلك حتى مع نفسه ، ولا بد منفذ كل رغباتها بلا تردد  أو نقاش . هكذا خمنت وقرأتُ كل ذلك في عيني وحركات المرأة ، تلك الجالسة خلف فنجان الشاي ، وهي تصغي بتلصص واضح للمكالمة التي يجريها الرجل وهو مدير لها ظهره بالكامل .

    ما كاد الرجل ينهي مكالمته حتى رن جرس هاتف السيدة ، فانتحت جانباً ترد على المتحدث بصوت أقرب إلى الهمس ، نظرتُ إلى الرجل فقرأت في نظراته المختلسة ألف سؤال حائر وسؤال : هل يمكن أن تكون هذه المكالمة من ابن عمها الذي كان على وشك الزواج بها قبله ، والآن بدأ يعيد علاقته معها بعد أن سمع أنباء عن احتمال طلاقها؟ ، وإن كان كذلك فكيف تجرؤ هي على استقبال المكالمة أمام زوجها؟ ، أم أن الفجور قد وصل بها إلى الحد الذي تغامر فيه بضياع زوجها وطفليها منها من أجل زواج قد لا يتم؟ ، ، ، ولكن ما ذنب هذين الملاكين البريئين؟ . صرخ الطفلان أثناء ردها على المكالمة، فزجرتهما بقسوة بالغة ، فحاول هو تهدئتهما بدون جدوى ، وازداد صراخهما ، واستمرت هي بالهمس ، وبعد دقائق – من المؤكد أن الرجل حسبها دهراً - أنهت المرأة المكالمة بسرعة والتفتت إلى الطفلين تؤنبهما على ما يقومان به والرجل يحاول أن يهديء من ثورتها ، ، ، لا ترد المرأة عليه وتستمر في تعنيف الطفلين ، ، ، يعود الرجل إلى متابعة القراءة وتعود هي إلى تدوير كأس الشاي بين يديها بعصبية ظاهرة ، وأنا متخفٍّ خلف فضولي أحاول استجلاء ما قد يقع .

     فكرت مراراً أن أتدخل للإصلاح بينهما من أجل هذين الطفلين اللذين سيدفعان ثمن خلافات أبوين أرعنين ، لكنني خشيت عاقبة ثورتهما عليَّ إن أنا تدخلت فيما لا يعنيني ، فماذا أنا قائل لهما لو اتهماني بذلك ، فقررت الاختباء حيث  أنا ، خلف رابية التطفُّل ، متلصصاً بنظرات ملؤها الترقب والتنبؤ لما سيحدث : هل ستحضر والدته الآن بعد أن علمت منه أن زوجته وأطفاله معه في المقهى؟، : إذن سيكون مشهداً لا يمكن أن أفرط به أبداً ، فصراخ الحماوات على زوجات الأبناء واحد من أروع المواقف اللا إنسانية التي تجسد العداء بين بني البشر ، وردود الزوجات على حمواتهن موقف من أكثر المواقف عناداً وتحدياً كذلك بين بني البشر ، وكأن الزوجة بذلك تنتقم من جميع الحماوات لجميع النساء المظلومات ، إذن لماذا أغادر المقهى الآن بعد أن فشلت في التركيز على موضوع قصة أو قصيدة ؟ ، أليس مايدور أمامي موضوعاً طريفاً لقصة شيقة ؟ ، فقررت الانتظار . ولكن : هل سيتهور ابن عمها ويحضر إلى هنا للقائها مع علمه بأنها تجلس مع زوجها الموشكة على الطلاق منه ، علّ هذا يعجل بذاك فيحصل على مبتغاه ؟ . إذن لابد سيكون هناك عراك عنيف،،، لكمات وصفعات ، كراسٍ تتحطم ودماء تسيل ، فهل أرسلتني العناية الإلهية إلى هذا المكان وفي هذا الزمان لكي أوقف جريمة تكاد تقع ؟ وهل سيُقيِّض الله أمراً يخفف به الأمر عنهما معاً فينصرفا بسلام ومحبة : لا حماة حقودة تنغص حياة ابنها وزوجته ، ولا شاب متهور يدمر حياة ابنة عمه وزوجها وأطفالها.

    تبادل الاثنان خلسة نظرات فيها الكثير من الكلام الصامت ، وحسبت أنهما سيبدآن الحديث بعد طول سكوت ، لكنه - وبهدوء واثق - طوى الجريدة وأشار بيده إلى النادل الذي أحضر له فاتورة حسابه ، فدفع قيمتها وانسحب برفق بعد أن مسح بحنان على رأسي الطفلين وحيى المرأة بأدب جم ، أما هي فقد دفعت حسابها بعد دقائق وانسحبت مع طفليها ، وتركني الاثنان لأفكاري السوداوية تنهشني بفظاظة عجيبة .

   الصدفة البحتة التي جمعتني بهما في هذا المكان الهاديء ، كانت هي نفس الصدفة التي جمعتهما على طاولتين متجاورتين، بسبب اكتظاظ المقهى ، أما أنا– صاحب الأفكار الخبيثة - فلم ينقذني من ذهولي، ويلقني خلف مقود سيارتي بسرعة البرق ، سوى صوت حماتي يرعد على الجانب الآخر من الخط : لاتنس يا محترم أن تحضر مبكراً هذا المساء ، لأننا سوف نكون جميعنا عندكم على مائدة العشاء .  

Friday, March 22, 2013

!الرئيس الإسرائيكي



   
    من استمع إلى خطاب الرئيس باراك أوباما اليوم في إسرائيل، ظن أن الرئيس الإسرائيلي هو الذي يتكلم، وبذا ندرك إلى أي حد وصلت السذاجة بنا في تقييم العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، فقد ظهر أوباما كما لو أنه يخطب ود الصهيونية العالمية قبيل إعادة انتخابه للمرة الثانية، أما وأنه يتكلم بحماس منقطع النظير تأييداً لإسرائيل خلال ولايته الثانية، والتي ليس بعدها دورة ثالثة، فهذا يستدعي التوقف قليلاً لإدراك مدى تأثير التخاذل العربي، وفي مقدمته الفلسطيني، على الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل، ومدى خطأ القناعة التي حاول العرب والسلطة الفلسطينية تسويقها على أن أمريكا وسيط محايد. بئس هذه القيادة الفلسطينية، وبئس من يسكت عليها ويدعها تتحكم في رقاب القضية، حيث، ومنذ عشرين عاماً، تصاعد الاستيطان تحت مظلة أوسلو. المثل السوري يقول :(فالج لا تعالج).

    والآن، وبعد الاستماع إلى خطاب أوباما بالأمس والمليء بالدعم لإسرائيل، وخطابه التافه الفارغ اليوم في رام الله، حيث أنه معجب بعمارات رام الله! ويريد بناء مرافق رياضية للشباب الفلسطيني والإسرائيلي!، كما أنه معجب برئيس سلطة تافهة انتهت فترة ولايته، ورئيس وزراء لص، انتدبه البنك الدولي لتدمير بنية الاقتصاد والإنسان الفلسطيني، أما الجدار والمستوطنات والأسرى والقدس، فلا يعلم الرئيس (الإسرائيكي) عنها شيئاً، والآن ما على الفلسطينيين الآن سوى وضع اليد على الخد، وانتظار مطرقة الانتخابات الإسرائيلية، وسندان الانتخابات الأمريكية القادمتين - بإذن الله - بعد 4 سنوات.  

  قلت سابقاً (هل نقف مع أمريكا؟)، وها هي أمريكا تقف الآن مع السلطة في نفس موقفها من حماس على أنها حركة إرهابية خارجة على القانون، وصبّح صبّح يا عمي الحاج.