Thursday, March 14, 2013

ألِهذا الحد توحدنا


     تشنج لذيذ يدغدغ خدي، وشعور بالانطلاق يغمر أعماقي، قليل من الألم الممزوج بالحبور المقبل على انطلاقة عجيبة يتملكني. بعد معاناة استمرت لحظات طويلة!، وجدتني أخرج من ذاتي، من المنطقة ما بين الخدين إلى ما تحت العينين. يغمرني شعور مبهج ممزوج بالمفاجأة والغرابة والراحة في آن  معاً . ارتفعت في فضاء الغرفة لأرى جسدي ممدداً على سرير مكسو بملاءات بيض. لم يكن هناك أحد في الغرفة، لكن الباب يفتح بعد دقائق لتدخل منه امرأة تلبس ثياباً بيضاء، وبمجرد أن تراني وقد استرخيت في رقدتي الأبدية، تصرخ وهي تتراجع إلى الباب منادية على بعض الأطباء، وأنا، من مكاني المطل على الغرفة، لم أكن أرى مبرراً لصراخها لطلب المساعدة، فقد انتهى كل شيء في لحظات، وبسهولة لم أكن أتوقعها وأنا على قيد  الحياة، وها أنذا أتذكر مناماً كنت قد رأيته منذ مدة طويلة، رأيتني فيه وأنا أموت بنفس هذه الطريقة، أي خروجي من وجنتيَّ بصورة سهلة سلسة، وها هو ذا حلمي يتحقق بحذافيره. فجأة أرى نفسي - وبعد مراسم معقدة كنت أسمعها دون أن أراها - في مكان مظلم، يدخل عليّ اثنان في ملابس بيضاء يقدمان لي بطاقة خضراء مدون عليها اسمي واسم والدتي، ثم يغادران مسرعين لا أدري إلى أين.

 

    داخل مركبة، لا هي بالطائرة ولا هي بالسيارة، أرى نفسي أنطلق في جميع الاتجاهات، نعم في جميع الاتجاهات وفي وقت واحد أيضاً، وإلى أين؟، لم أكن أدري وجهتي، فقط إلى جميع الاتجاهات!. في نفس المركبة مجموعة من الأشياء، مثلي، أشياء لم أر مثلها من قبل، لكنها، وبسبب كينونتها الغريبة، فقد كانت توحي بأنها أشياء ليس إلاّ، ولا تشبه أية اشياء أخرى، دون أن أتمكن من وصفها، أو أن أتأكد من كنهها، إلاّ أن الإحساس بها فقط هو الذي كان يشير إلى وجودها. الانطلاق في جميع الاتجاهات تجربة فريدة لا يمكن للعقل تصورها، خاصة إذا كان بسرعة هائلة تفوق سرعة الضوء بملايين المرات. نعم هذه كانت سرعة انطلاق الجسم الغير المعروفة ماهيته، والذي يحمل هذه الأشياء التي لم أستطع إدراك طبيعتها بشكل محدد.

 

    بعد فترة - بلغة أهل الأرض - توقف الجهاز الناقل، وفٌتح باب واسع، وكأن الجهاز جميعه قد تحول إلى باب كبير خرج جميع من كان بداخله إلى ساحة هائلة، ظننت في البدء أنها قاعة مطار ضخمة الحجم ، جميع من كانوا فيها يتحركون في وقت واحد، وفي جميع الاتجاهات، وبطريقة غريبة لم أرها من قبل، تماماً كحالة الانتقال التي تمت بسرعة تفوق بملايين المرات سرعة الضوء. كان الجميع يفهمون بعضهم البعض دونما كلام أو إشارة، وأنا الذي لم أعتد على هذا الجو، شعرت بغربة سرعان ما زالت بمجرد دخولي إلى تلك القاعة الهائلة.

    هناك ما يشبه الأبواب الإلكترونية منصوبة بأعداد هائلة، وكأن باباً قد نٌصِب لكل شيء من الأشياء السابحة في المكان، ولا يٌسمح لأي كان بالخروج من المكان دون المرور عبر هذه البوابات. رغم العدد الهائل المنتظر، فقد جاء دوري بسرعة كبيرة، ووجدت نفسي أقف على إحدى هذه البوابات، والمسؤول عن البوابة يشير إلي أن أتقدم،، خَطَوُت عبر البوابة، فانطلق جرس إنذار مشيراً إلى خطأ ما في العابر من  خلالها. أخرجت من جيوبي - التي كانت في مكان لا أعرفه - جميع الأشياء التي تجعل جرس الإنذار يصرخ، ورغم ذلك عاد الجرس إلى الرنين الشديد المزعج. أخذوني إلى مكان جانبي وأدخلوني عبر جهاز كاشف متطور أكثر من الجهاز السابق، وأنا أقول في سرّي: " حتى على أبواب الجنة نصبت أبواب إلكترونية ؟ ". قال الموكل بالجهاز الكاشف: " البطاقة الخضراء التي تحملها تصلح لمرور شخص واحد فقط لا اثنين ، فضلاً تخلص من الآخر الذي تحمله في صدرك ثم عٌد إلى الجنة ". عندها فقط أدركت أنهم قد اكتشفوا وجودك معي،، إنهم يطبقون علي أمراً يطبقونه على الجميع، لكنني ترددت في إخراجك من صدري، وحاولت ثانية معهم علهم يرقون لحالي، فيسمحون لنا، أنا وأنت، بالمرور معاً عبر البوابة، لكن المكلف بالأمر قال لي: " إذا أردت أن تدخل فتعال وحدك، وإلاّ فسوف تخسر الجنة "، ثم انصرف. صرخت بصوت عالٍ سمعه كل من كان في المنطقة - أو هكذا تخيلت -: " سيدي . . سيدي ، جنتي في صدري أحملها معي أنّى ذهبت "، ثم فجأة، وبسرعة هائلة، وبدون أي نقاش أو جدال، رأيتني مطروداً، عائداً من حيث أتيت في ذلك الشيء الناقل الذي كنت قد جئت فيه .

 

    عند توقف الجهاز الناقل، ولدى محاولتي الخروج منه، ارتطم رأسي بأعلى الباب، فصحوت من نومي فزعاً، واضعاً يدي على الجهة اليسرى من الصدر وأنا أتمتم : " ألِهذا الحد توحدنا؟ ".

No comments: