Saturday, March 16, 2013

هل نقف مع أمريكا؟



    من قبيل تحصيل الحاصل الحديث عن نفوذ الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة عبر أذرعها الطويلة من وسائل إعلام وبنوك وشركات كبرى، ممثلة جميعها في سياسيين من الوزن الثقيل في الإدارة الحكومية والمجالس التشريعية على حد سواء، وبمنظمة الآيباك ذات الذراع الجبارة في العاصمة واشنطن، وهذا بالتحديد ما يهيمن على تفكيرنا حين الحديث عن الدور الأمريكي في قضية الشرق الأوسط، أي القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، لكن ما يغيب عن أذهاننا في الغالب هو أن للولايات المتحدة مصالح حقيقية أيضاً مع العالمين العربي والإسلامي، يقف الدعم الأمريكي لإسرائيل عائقاً أمام تحقيقها، ولا شك أن السياسيين الأمريكيين يعلمون قبل غيرهم الأثر السلبي للدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، وهذه ليست الحقيقة كلها، بل إن جزءاً منها يتمثل في أن التخاذل العربي، بتشتت مواقف الدول العربية، وبالموقف الفلسطيني المتشرذم، هما دافعان أساسيان للموقف الأمريكي السلبي من تحقيق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية. والذي عايش فترة ما بعد قيام إسرائيل بعقدين من الزمن، يتذكر كيف كانت إسرائيل ترجو العرب لإبرام معاهدة سلام معها، وتتوسل في ذلك جميع السبل من أجل تحقيقه، ذلك أن القوة العربية المتصاعدة بعد قيام ثورة 23 يوليوالمصرية عام 52، والموقف العربي الصلب الرامي إلى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، دفعت الإسرائيليين إلى طلب السلام بأي ثمن. ومنذ ذلك الحين، لا تعلو أصوات الصقور وتخبو أصوات الحمائم في إسرائيل إلا بسبب التخاذل العربي، والذي وصل إلى حد إبرام معاهدات سلام وتبادل للسفراء.
    ما دفعني إلى كتابة هذه المقدمة هو سماح إدارة الرئيس أوباما للشركات الأمريكية ببيع السلاح إلى الجيش السوري الحر، وفي هذا الوقت بالذات على أبواب زيارته المرتقبة إلى تل أبيب، مما يشكل – في نظري - ضغطاً سياسياً نفسياً على حكومة رئيس الوزراء نتنياهو للقبول بصفقة ما ترضي رغبة الرئيس الأمريكي بالتوصل إلى حل ما خلال ولايته الثانية والأخيرة، ذلك أن أية زيادة في قدرات المقاومة السورية ضد الرئيس بشار الأسد، تصب حكماً في غير صالح إسرائيل، فالنظام السوري الحالي الذي لم يظهر أية رغبة في استرداد مرتفعات الجولان، بل وحتى مَنَعَ أي نوع من أنواع المقاومة فيها، وبعد حوالي نصف القرن من صمت مطبق على هذه الجبهة، لا شك أن إسرائيل لن تكون مرتاحة لغياب هذا النظام، ورغم الدمار الشامل الذي ألحقه الجيش الأسدي بالشعب والأرض في سوريا، فسوف لن تكون إسرائيل مطمئنة إلى أي نظام يأتي بعده. وربما كان من قبيل إظهار التوازن في الموقف الأمريكي - وإرسال رسالة طمأنة إلى إسرائيل-، تهديد الإدارة باستخدام الطائرات بدون طيار- والموجهة من نيفادا على بعد آلاف الكيلومترات - لضرب أماكن تواجد الجماعات التي تسميها أمريكا (الجهادية المتطرفة)، هذا الموقف الذي قدمت له الإدارة الأمريكية منذ فترة بتصنيف (جبهة النصرة) على أنها تنظيم إرهابي، أي أنه في الوقت الذي تسمح فيه الإدارة ببيع السلاح إلى الجيش الحر، فإنها، إرضاءً لإسرائيل، تعد بأنها تضمن عدم وقوعه في أيدي المتطرفين.
    إلا أن المذهل في الموضوع أن تظهر الإدارة الأمريكية – رغم جميع قدراتها التجسسية والمعلوماتية – على هذا النحو المزري من الجهل بالوضع الداخلي السوري، فسوريا لم تشهد في تاريخها الطويل تشدداً عقائدياً، أو تصلباً تجاه الأقليات فيها (ولا حاجة إلى تكرارا مقولة أنه لا توجد في سوريا طوائف بالمعنى السياسي، بل توجد أقليات بالمعنى الديني والإثني)، فهذا الجهل أو التجاهل الأمريكي لحقيقة الوضع السوري، لا بد أن يقود بالتأكيد إلى ارتكاب أخطاء تصل إلى حد الكوارث، والتي ما زالت شواهدها ماثلة في العراق وأفغانستان وقبلهما في فييتنام، سيكون الشعب الأمريكي بالتأكيد واحداً من دافعي ثمنها الباهظ.
    أمام الشعب السوري طريق طويل مليء بالدماء والتضحيات لكي يحصل على استقلاله التام، والمراجع للتاريخ السوري المعاصر يدرك أن سوريا لم تحصل على استقلال حقيقي منذ خروج الفرنسيين منها عام 1946 سوى على بضع سنوات من الديمقراطية في نهاية خمسينيات القرن الماضي، لكي يقفز على الحكم بعدها انقلابيو حركة الانفصال عن مصر عام 1961، لكي يرثهم البعثيون في حكم شوفيني تسلطي استمر مدة خمسين سنة (1963-2013) ضاعت خلالها الأرض السورية، وقبلها كرامة المواطن السوري. ولو أن العدو الوحيد للسوريين هو النظام الحالي لهان الأمر، إلا أن حماة هذا النظام في موسكو وطهران وغيرها من العواصم الغبية، مدفوعين بمصالح مادية واستراتيجية، وبتهويمات عقائدية تافهة، هم الأعداء الحقيقيون للشعب السوري، الذين يتجاهلون إرادة الشعوب وحقها في العيش بكرامة وحرية، وبالتأكيد سوف يكون انتصار الثورة السورية الحالية نصراً مؤزراً لفلسطين.
    وعودة إلى العنوان: هل نقف مع أمريكا؟: نعم يمكننا ذلك بتعزيز قوانا، وتماسك لحمتنا، ووضع خطوط حمر تحت مطالبنا التي يكفلها لنا القانون الدولي، وقبله الإنساني، هذه المطالب التي لا يمكن استخلاصها إلا بالتشدد في التمسك بها، وكذلك التخلص من هوس النفوذ الصهيوني المهيمن على أمريكا - مع عدم التقليل من أهميته -، عند ذاك تستطيع الإدارة الأمريكية - متذرعة بوجود موقف عربي قوي ربما يهدد بانفجار المنطقة، وبالتالي تهديد المصالح الأمريكية، إضافة إلى وزن ما يمكن أن يطلق عليه لقب (الحمائم) داخل إسرائيل - تستطيع أمريكا تليين الموقف الإسرائيلي المتشنج إزاء الوصول أي حل يحقق مصالحنا الأساسية المشروعة.
16 مارس 2013         

No comments: