Sunday, May 18, 2008

ماسحو الأحذية

مقدمة:جميل أن تستذكر الماضي بعد أن تخلفه وراءك غير آبه بسلبياته أو إيجابيته،ببساطة لأنه أصبح ماضٍ،لكن الأجمل عندما تسقط جزءاً من الماضي على الحاضر فتجده مندمجاً معه بلا شذوذ،ملتصقاً به بلا نفور.
في ستينيات القرن الماضي،أي قبل عصر الجينز وتوابعه من الأحذية الرياضية والقبعات وقمصان التي شيرت (هو القميص الذي على شكل حرف تي،لا أدري لماذا أجد نفسي سخيفاً عندما أكتب بالعربية وأستخدم أحرفها في كتابة كلمة أجنبية)،المهم،في تلك الأيام لم نكن نذهب –نحن الشباب-إلى الجامعة أو المكتب،أو حتى إلى زيارة الأقارب،إلا ونرتدي البذلة والقميص الأبيض وربطة العنق(ونذكر جميعنا المشهد الذي ظهر فيه عبد الحليم حافظ في أحد أفلامه وهو يركب الدراجة الهوائية مرتدياً البذلة وربطة العنق)،لكن الأهم من كل هذا وذاك كان الحذاء،نعم،فقد كان من تمام الأناقة وحسن الهندام أن يلمع حذاؤنا كأنه قطعة بلور أو تحفة كريستال،لدرجة أنه افتتحت في تلك الأيام،وفي الشوارع الرئيسية في دمشق،صالونات لمسح الأحذية،مشابهة تماماً لصالونات الحلاقة،فبمجرد أن يبهت لمعان وجه الحذاء،كنا نهرع إلى صالون مسح الأحذية لتلميعه.على مدخل الصالون كنا ندفع 25 قرشاً سورياً (أي ربع ليرة سورية بينما كان الراتب اليومي خمس ليرات فقط)،ونأخذ رقم دورنا في المسح الذي ربما يتأخر كثيراً نظراً لكثرة الزبائن.جدران المحل الثلاثة-باستثناء الواجهة طبعاً-مغطاة بالمرايا الكبيرة التي تضفي على المكان رونقاً وأبهة واتساعاً،وصف من الكراسي المريحة وضع على امتداد الجدار لكي يستريح عليها الزبائن المنتظرون،وعلى الجدار المقابل يجلس صف من العمال ماسحي الأحذية،أمام كل منهم كرسي مريح مرتفع يشبه كراسي صالونات الحلاقة،وما أن يستقر الزبون على كرسيه أمام العامل،حتى يبدأ هذا بغسل الحذاء ،فردة بعد أخرى،بالصابون مستخدماً فرشاة،تماماً كتلك المستخدمة في حلاقة الذقن،ثم يطلي الحذاء بالبويا،ثم يضربه بحركات بهلوانية بالفرشاة،ثم يطليه بمادة الكيوي الملمعة،ويعود عليه ثانية بالفرشاة،ثم بقطع القماش الناعمة،فيلمع سطح الحذاء حتى لنكاد نرى أوجهنا لامعة على وجهه

صلب الموضوع:الرئيس الأمريكي بوش،المقبل على ترك البيت الأبيض-أكيد إلى غير رجعة وفي ستين داهية-وجد أن وجه حذائه قد أصبح كوجهه،ملوثاً بدماء الأبرياء في العراق وفلسطين وأفغانستان،وبما أنه قد علم بفطنته المعهودة! بوجود ماسحي أحذية مهرة في الشرق الأوسط،فقد حضرمؤخراً إلى المنطقة بغية تنظيف حذائه مما لوثه،فتسابق ماسحو الأحذية المهرة من العرب لتنظيف الحذاء المتسخ-وكان الأولى بهم تنظيف الوجه قبل الحذاء-،وقد سر الرئيس بهؤلاء الماسحين،وأثنى على مهارتهم،وتمنى عليهم أن يمارسوا نفس الأمر على حذاء خليفته(ماكين)،فوعدوه خيراً،لأنهم ببساطة لا يستطيعون كسب عيشهم إلا بمسح الأحذية.اللعنة على ماسحي الأحذية،أقصد اللعنة على الماسحين،والعذر،كل العذر،من الأحذية.

No comments: