Tuesday, September 6, 2011

ازدواجية المعايير




    ليس غريباً أن نقول أن من بين مسلمي هذه الأيام من هو مسلم ومن هو كافر، وهذ ليست فرية ابتدعتها لكي أشكك في إيمان الآخرين، ولكنها مصداق لقول الصحابي أبي عبيدة عامر بن الجراح – خال النبي ص – عندما نشبت الفتنة الكبرى بين المسلمين إثر مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، يومها أغلق بن الجراح بابه على نفسه بينما استل الباقون سيوفهم وأعملوها في رقاب بعضهم البعض، وعندما افتقدوا وجوده إلى جانب أي من الطرفين، دعوه لحمل السيف والانضمام إلى القتال، فما كان منه إلا أن قال قولته الشهيرة :" لا أقاتل حتى تأتوني بسيف يقول هذا مؤمن وهذا كافر "، وهكذا أعطى ذلك الصحابي الجليل مثلاً أعلى في الحياد بين طرفين لا يُعرف أيهما على حق. إذن لا عيب في قولنا أن بين مسلمي هذه الأيام من هو مؤمن ومن هو كافر، والكفر في أيامنا هذه يتجلى واضحاً في المواقف النفاقية التي يلتزمها بعض المسلمين (إِنَّ اللَّـهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَوَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴿النساء: ١٤٠﴾، فتصبح لديهم – على خطلها – ذات قداسة ومرجعية رغم أنها لا تمت إلى الإسلام بصلة. والأدلة على هذا التناقض واضحة جلية، ولمن يريد استمرار قراءة هذا المقال، فليتكرم مشكوراً بربط حزام مقعده على وسطه، وليثق بأنني مسلم ملتزم إلى حد بعيد:
    *عندما يدخل بعض المسلمين مجتمعات غير مسلمة كمهاجرين، ينشطون في المطالبة بالمساواة التامة مع أهل البلاد، وربما قاموا بمظاهرات تدمر وتحرق للفت الانتباه إلى مطالبهم، بينما عندما يعود هؤلاء إلى بلدانهم الإسلامية، تراهم ينسون صرخاتهم بالمساواة، ويعودون إلى تكرار نغمة أننا نحن الأغلبية، وما على الأقليات التي تعيش بيننا سوى أن ترضى بما نمن به عليها، وبمثل هذه العقلية تتمسك بعض الحكومات التي تدعي الإسلام، فتنكر على الأقليات حقوقها، مما يضطر هذه الأخيرة للجوء إلى القوى الكبرى التي تقتنص الفرصة لتقسيم هذه البلاد، وانفصال جنوب السودان مثل حي على ذلك.
    *يطلق بعض المسلمين شعار ( الدين لله والوطن للجميع ) بينما يمارسون في التطبيق ( الدين لله والوطن للبعض )، فليس خافياً على أحد – إلا إذا تحولنا إلى نعامات تدفن رأسها في الرمال – أن الوظائف ذات الخمس نجوم هي من نصيب المسلمين، بينما يستثنى منها إخوتنا المسيحيون، والحجة التي يسوقها المسلمون أنهم هم الأغلبية، وهي حجة واهية غير ذات قيمة في معيار حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، تلك الحجة التي لا يقبل بها المسلم لو تذرع بها بريطاني أو فرنسي لكي يحرم المسلم عنده من هذه الحقوق. في الهند ذات المايزيد على المليارنسمة والأغلبية الهندوسية، تولى رئاسة الجمهورية أربعة رؤساء مسلمين - كان آخرهم الرئيس( زين العابدين عبد الكلام 2002-2007) الملقب "أبو الصواريخ الهندية" -  رغم أنهم  من الأقلية الهندية المسلمة (15%)، ذلك أن تسلم المنصب يجب أن يتوقف على أهلية متسلمه وليس على دينه أو حجم ملته. وعلى ذكر المناصب الكبرى في الدولة - والتي يُقصى منها إخوتنا المسيحيون-: ألا يكرر المنافقون من المسلمين ليل نهار مقولة الماوردي في كتابه ( الأحكام السلطانية ): "سلطان عادل كافر خير من سلطان مسلم جائر، فللناس من الأول عدله وعليه كفره، وعلى الناس من الثاني جوره وله إسلامه". فإذا كان هذا العالم المسلم ( الماوردي ) يفضِّلُ الحاكم الكافر العادل على المسلم الجائر، فلماذا تحجب رئاسة الدولة عن المسيحي حتى لو اعتبره البعض كافراً، إلا إذا كنا نقوم مقام العزة الإلهية – حاشا لله – بتوزيع ألقاب الكفر والإيمان على الناس.
    *يتذرع هؤلاء بـ ( أننا دولة إسلامية )، وهل في هذا القول شيء من الحقيقة؟، فهذه المواخير، والملاهي الليلية، وصالات القمار، وحالات الفساد، والرشوة، والديكتاتورية والاستبداد، والفقر، والمرض، والجهل، التي تعم الدول المسماة إسلامية، هل هذا هو الإسلام؟، هل يكون الإسلام في زيارة إسرائيل من قبل رئيس يدعي أنه مؤمن، بعد أن أضاف إلى اسمه اسم الرسول ص، بعد أن تولى الرئاسة، وتوقيعه معاهدة كمب ديفيد، وعد بلفور الثاني، بينما حرَّم البابا شنودة على الأقباط زيارة القدس طالما أنها بقيت محتلة من قبل إسرائيل؟. من هو المؤمن حقاً: البابا شنودة أم السادات؟، ومن ذا الذي يجرؤ على عقد مقارنة بين وطنية الأب حنا عطا الله والمطران كبوشي، ووطنية محمود عباس وأحمد قريع؟ ( لاحظ: محمود وأحمد).     
     *ينسى المسلمون أحياناً أن النصارى من سكان بلاد الشام ومصر كانوا هم عماد الدولة الأموية، والذين استعان بهم العرب الأوائل الذين جاؤوا بلاد الشام والعراق ومصر بدينهم السماوي وبجهلهم الأرضي، فكان لا بد من مساعدة النصارى لهم في وضع أسس الدولة بما عرف في حينه بـ ( تنظيم الدواوين )، وأكاد أزعم أن الفارق العلمي والثقافي بين الطرفين ما زال على حاله منذ تلك الأيام. 
     *لام بعض المسلمين بابا روما على (استنكاره انفجار كنيسة القديسَيْن في الاسكندرية، بينما لزم الصمت عندما قُتِل المسلمون في العراق)، ناسين – أو متناسين – أن مفتي الحرمين الشريفين وشيخ الأزهر لم يستنكرا المذابح التي ارتكبها الأمريكان ضد الشعب العراقي، لا بل أصدر شيخ السعودية فتوى بجواز الاستعانة بالكفار والصليبيين! للدفاع عن أرض المسلمين – بعد استرجاع العراق الكويت عام 1990 - ، بينما استقبل شيخ الأزهر السابق حاخامات إسرائيليين صهاينة في مكتبه في القاهرة.
    عندما يتمتع المواطنون جميعاً، مسلمون ومسيحيون، بحقوق المواطنة الكاملة أمام القانون، فلن تكون هناك تفجيرات في أية بقعة من بقاع هذا الوطن الذي ما زال يتلمس معالم ذاته.
   

No comments: