Thursday, December 15, 2011

"مفهوم "الوسطية


    لمذهب "الوسطية" بالمطلق بريق خداع لا ينبغي لأحد الوقوع في شراكه دون تمحيص وتدقيق، فربما كان الفلاسفة اليونانيون هم أول من توصل إلى استنتاج أن الفضيلة هي وسط بين رذيلتين (إذ أن الشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والكرم وسط بين الإسراف والتقتير، والصدق وسط بين الكذب والصراحة المطلقة)، غير أن هذه "الوسطية" تبدو هزيلة متهافتة أمام قيم وأفكار كثيرة نؤمن بها، وتصطدم بممارسات درجنا عليها وآمنا بها، فهل هناك وسطية في حب الله ورسوله والصلاة والعدل؟، وهل هناك وسطية في العطف على من يستحقونه من الفقراء والمساكين وابن السبيل؟، وهل هناك وسطية في فعل الخير؟ وهل هناك وسطية في الأمانة وإغاثة الملهوف؟، إلى آخر ما هنالك من الأمثلة التي تبدو الوسطية فيها تقصيراً، والتطرف فيها مستحباً، بل وواجباً في معظم الأحيان. أيضاً، فكما أنه ليس للخير وسطية، فكذلك ليس للشر وسطية، إذ لا وسطية في القتل أو الكذب أو السرقة.
    وربما كان من بين دوافع المسلمين إلى تبني مذهب "الوسطية" - دون تدبر -، الآية الكريمة التي تقول "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " دون أن يكملوا الآية، والتي تقول: " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا – البقرة 143"، فالوسطية هنا تعني أن الدين الخاتم، دين الإسلام، قد احتوى الشرع الذي ارتضاه الله للبشرية حتى قيام الساعة، لذلك وُكِّلَ المسلمون - الحقيقيون منهم فقط - أن يشهدوا على الناس التزامهم بتعاليم السماء، واتباعهم شرع الله، ويوم القيامة يكون الرسول – كما في نص الآية – شهيداً على المسلمين، فيما إذا التزموا بهذه المهمة أم لا، فالوسطية هنا هي موقع زمني بين: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا – المائدة 3 –"، وبين مشهد يوم القيامة " ويكون الرسول عليكم شهيدا – البقرة 143 -"، ولا يبدو في هذه الوسطية أنها تتعلق بممارسات المسلمين العبادية ، بمقدار ما تتعلق بقياس ممارسات الآخرين على ما يعتنقه المسلمون من دين سماوي حنيف، ومن البديهي أن ذلك لا يعني الوصاية على الآخرين فيما يفعلونه، بقدر ما يعني أن يكون المسلم الحق أمثولة ومثلاً يقتدي به الآخرون.
    " الوسطية "، بمعناها الشرعي، مهمة شاقة ملقاة على عاتق المسلمين، وردت في النص المقدس، ومراعاتها بدقة من أوجب واجبات المسلم الحق. 

No comments: