Tuesday, July 17, 2012

الديمقراطية: تلك الشجرة المحرمة


لا يرمي هذا المقال إلى نفي مميزات الديمقراطية كأسلوب سياسي واجتماعي وتنظيمي لإدارة حياة الناس، بل يهدف إلى بيان العَوَرِ الذي اعترى هذا النظام، والذي هو في الأساس جزء لا يتجزأ منه. ومن البديهي أنه عند الشروع في التلميح إلى رأي سلبي في أمر يعجب الناس ويسلب ألبابهم، لا يتوقع المرء سوى أن يكون مرمى لسهام النقد والتجريح. فاللبان الذي استساغ الناس في العالم الثالث مضغه منذ مدة ليست بالقصيرة، معتقدين أنه الدواء الشافي لما بهم من تخلف لازمهم سنين طوالاً، وأنه المخرج الحقيقي لهم من كل البلايا التي صبتها الأيام على رؤوسهم وظهورهم، فناؤوا بحملها حتى كادت العقول تسيح، والأقدام تقيح، ذلك اللبان هو (الديمقراطية)، تلك الأمنية التي أسرت النفوس وتلبست العقول، وذلك لما رأوا عليه الفارق بين كبد عيشهم من جهة، ورفاهية عيش من يحيون في كنف النظم الديمقراطية من جهة ثانية، وربما كان لهم العذر كل العذر في ذلك، فالمميزات التي يحظى بها الفرد في تلك النظم، وعلى رأسها احترام الكرامة البشرية، ثم توفر فرص العمل لمن يريد أن يعمل، والمميزات التي يتمتع بها من بلغ سن التقاعد من راتب وتأمين صحي ورعاية اجتماعية، وغياب الوساطة في الوصول إلى مواقع العمل والسلطة، كل ذلك كان لا بد أن يكون شيقاً وجذاباً لمئات الملايين من سكان العالم الثالث، أولئك الذين سحقتهم أنظمتهم حتى العظم، بينما هم – وبفضل وسائل الاتصال الحديثة – يرون ما يتمتع به مواطنو العالم الأول من خيرات وأفضال الديمقراطية، ومن أهمها، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، احترام الكرامة الإنسانية.

ولئن كان هناك من مدخل مناسب للخوض في هذا الموضوع الشائك، فهو الإشارة إلى رأي تشارلز ألكساندر روبنسن في كتابه القيم: “أثينا في عهد بركليس – ترجمة أنيس فريحة – مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر، بيروت ونيويورك 1966، ص 24″، حيث يقول:{ ولا يعني قولنا هذا أن المجتمع، لكي يكون مجتمعاً خلاقاً مبدعاً، ينبغي له أن يكون مجتمعاً ديمقراطياً، ذلك أنه إلى يومنا هذا -1959-، لم تقم ديمقراطية حقيقية تامة في أية بقعة من بقاع الأرض}، بمعنى أن الإنسان منذ عرف تكوين الجماعة البشرية إلى اليوم، لم يستطع أن يوجد النظام المتكامل الذي حلم به أفلاطون في مدينته الفاضلة، ولا يمكن للنظم السياسية أن تتفاضل عن بعضها البعض في القيمة إلا باختيار السيء واستبعاد الأسوأ، ثم إن ما نعمت به شعوب العالم الأول من وفرة اقتصادية ونظم سياسية مستقرة – يحسدها عليها سكان العالم الثالث – ، لا يعود الفضل فيه إلى تبنيها النظام الديمقراطي فقط، وإنما يعود في الأساس إلى عهد الاستعمار، حين كانت بعض أمبراطورياتهم لا تغيب عنها الشمس، وبعد أن شنوا الحروب باستعمال أحدث أنواع الأسلحة، فأبيدت شعوب بأكملها (الهنود الحمر في أمريكا)، واستعبدت شعوب بأكملها ( الكونغو البلجيكي بأرضه وبشره وثرواته كان يعتبر ملكاً شخصياً لملك بلجيكا)، وتاجروا بالبشر ( جلب العبيد من أفريقيا إلى أمريكا)، واستولوا على المواد الأولية فصنَّعوها، ثم أعادوها من حيث أتت وقد تضاعف سعرها عشرات المرات (أقطان الهند مصر وبترول الشرق الأوسط)، مما أدى إلى إفقار المستعمرات واغتناء المستعمرين، وليس أوضح على تلك المهزلة من وصف أفخر أنواع الشاي بأنه (شاي إنكليزي)، والذي كان مصدره الحقيقي جزيرة سيلان (سريلانكا) والهند، بينما لا يمكن لنبتة الشاي أن تنمو في الجزيرة العجوز حتى ولو بمعجزة. ولكن بعد انتهاء عصر الاستعمار منذ نصف قرن، وبسبب انقطاع الثروات عن التدفق من الخارج، وتآكل الموارد المحلية – هذا إن كانت موجودة بالأصل – وفرض الإمبريالية الأمريكية اتفاقيات التجارة الحرة،،، بسبب هذا وغيره، بدأت اقتصاديات الدول الديمقراطية بالتدهور، وما فشلُ السوق الأوربية المشتركة في مشروعها لتوحيد اقتصاد أوربا، والمتمثل في انهيار اقتصاد بعض دولها حد الإفلاس، سوى دليل على ما ذكر آنفاً، وبذلك لم يعد المواطن الديمقراطي! يملك سوى احترام كرامته الإنسانية وحريته في إبداء رأيه، أما اقتصاده المتردي فقد صرفه عن التفكير سوى في ما يتقاضاه من راتب وما يقتطع منه كضريبة، يحار في كثير من الأحيان عن كمها الهائل، مع ما يقابله من فقر في الخدمات التي كان يتوقع أن يحصل على ما هو أفضل منها.

لا شك أن الموقفين الذهني والنفسي الإيجابيين من مصطلح (الديمقراطية) أمران مبرران لا غبار عليهما، وذلك لانطواء هذا المصطلح على قيم وأفكار تقترب كثيراً من تلبية احتياجات الناس، مما يجعله نقيضاً للأنظمة الرجعية من أوتوقراطية وديكتاتورية وشمولية (وجميعها في المحصلة ديكتاتورية)، والتي تمثل الماضي بما فيه من احتكار للسلطة، يتبعه بشكل آلي احتكارالثروة كذلك، وبالتالي فإن مصطلح الرجعية يمثل في نظر الناس نظاماً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً متكاملاً سلباً، تخبو فيه مكانة الفرد في الجماعة، ولا يسمع فيه سوى صوت النخبة من أصحاب السلطة والمال، وربما كان نقيض ذلك المصطلح البالي، هو مصطلح (التقدمية)، ذاك الذي تجعله الجماهير بديلاً عن الماضي، وأملاً منشوداً لكي يملأ حياة الناس عدلاً وسعادة،- بعد أن ملوا ما وجدوا أنفسهم عليه منذ مئات السنين -، وذلك نتيجة التطور العلمي والفكري، خاصة في المجتمعات التي ما زالت تحبو في محاولة منها للخروج من عباءة القديم، لكي ترتدي سروال الحديث، فالمنطق والحال هذه يقتضي أن تعني التقدمية سيادة الديمقراطية بما تتضمنه من قيم وأفكار تعلي من شأن الفرد، فتحترم حريته في اختيار ممثليه التشريعيين والتنفيذيين عبر انتخابات حرة، وكذلك حرية القول عن طريق الحق في إنشاء الأحزاب والجمعيات، ونشر الصحف والمجلات وغيرها من وسائل الإعلام الحديثة، إلا أن الديمقراطية، وإن تعاملت مع اهتمامات الفرد السياسية والإنسانية بنجاعة ملموسة، غير أنها قصرت عن الاهتمام بالشأن الاقتصادي، بل قد يبدو التمسك بأذيال الديمقراطية في جانبه السلبي، تمسكاً بعدم عدالة التوزيع والعدل الاجتماعي، ذلك أن الحرية التي كفلها النظام الديمقراطي قد امتدت لتشمل حرية الأفراد المطلقة في إدارة شؤونهم التجارية بدون عوائق وحواجز تقيمها الدولة أمامهم، مما أوجد وضعاً متناقضاً داخل البيت الديمقراطي نفسه، فحرية الفرد مطلقة في جميع الأمور باستثناء سعيه للحصول على أكثر من رغيف الخبز، وذلك بسبب إصرار أصحاب رؤوس الأموال على احتكار المصالح الاقتصادية الكبرى، وتحريم تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي، حتى ولو لإصلاحه، (نذكر كيف اتهمت الشركات الأمريكية الرئيس أوباما بأنه اشتراكي عندما دعا إلى إعادة تنظيم البنوك الأمريكية بعد أزمتها الشهيرة)، وبالتالي ضمنت الفئات التي تمتلك الثروة الوصولَ إلى مفاصل الحكم (ومن ذلك قرار المحكمة العليا الأمريكية بجواز مساهمة الشركات في دعم الحملات الانتخابية للمرشحين إلى عضوية الكونغرس الأمريكي)، ورغم أن معظم الديمقراطيات الغربية كانت قد تنبهت منذ نشأتها إلى سلبية هذه النقطة بالذات، فوضعت يدها على المرافق العامة من موانيء وسكك حديدية ومطارات ومناجم، باعتبارها ملكاً للأمة، إلا أن قبضتها بدأت بالتراخي عنها منذ النصف القرن الماضي، خاصة بعد توقيع معاهدات التجارة الحرة، فبدأت عمليات الخصخصة عن طريق بيع ممتلكات القطاع العام لكل من هو قادرعلى الشراء وراغب فيه، فانعكس ذلك سلباً على دخول الدول من مرافقها العامة، وكذلك على قطاعات الطبقة العاملة، فازدادت نسب البطالة، والتي ساهم في تزايدها وسائل المكننة الحديثة، وبالتالي ازدادت معدلات الفقر بصورة مقلقة، كما أن دول العالم الثالث – التي استطاعت بشق الأنفس أن تبني اقتصادها الوطني، ومنها مصر وبعض الدول العربية – كانت هي الأكثر تضرراً من تلك الاتفاقيات التجارية التي حضت على اتخاذ إجراءات فورية مثل: (الخصخصة – فتح الأسواق للبضائع الخارجية لكي تنافس الوطنية – فرض شروط البنك الدولي على القروض الممنوحة – تعويم العملات المحلية،،،إلخ…) والتي تبنت تطبيقها بجميع سلبياتها أنظمةٌ عالم – ثالثية ديكتاتورية متسلطة، مدعومة من النظام الغربي الديمقراطي!!!، تزوجت فيها السياسةُ رأسَ المالِ زواجاً باطلاً محرماً، وهذا ما يحتم الخوض قليلاً في مسألة نشأة الديمقراطية وتطورها.

فالمتعارف عليه أن الديمقراطية الأولى قد نشأت في “دول – المدن” اليونانية وفي مقدمتها أثينا، غير أن الكتاب اليونانيين القدماء أنفسهم قد أشاروا إلى بلاد كانت قد سبقتهم بقرن من الزمن إلى إقامة النظام الجمهوري الديمقراطي في بعض جهات الهند وأفغانستان وباكستان الحالية، لكن ربما كان لموقع اليونان وسط العالم القديم، وانتشار لغتها في حوض البحر المتوسط، وفي نفس الوقت صعوبة اللغات التي وضعت بها أدبيات الديمقراطيات الآسيوية، قد ساعدت على ترسيخ الفكرة القائلة بأن منشأ الديمقراطية كان في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، وربما كان من الطرافة بمكان الإشارة إلى أن بحارة الأسطول الأثيني، الذي هزم الفرس في معركة سلاميس البحرية عام 480 ق.م. كانوا هم أول من طالب بأن يكون لهم صوت في تسيير شؤون أثينا، فكان لهم ما أرادوا، فتشكلت في أثينا سلطة مركزية، ومجلس أعلى لأصحاب المصالح التجارية والصناعية، ومؤتمر لعامة الشعب ( يلاحظ أن هذا التنظيم نفسه هو الذي تقوم عليه الديمقراطية الأمريكية المعاصرة، فهناك السلطة المركزية في واشنطن العاصمة، ومجلسي النواب والشيوخ، حيث أصحاب رأس المال والمصالح التجارية والصناعية، وعامة الشعب التي القلة القليلة منها حزبية، والكثرة الكثيرة منها لا تبالي سوى بما تكسب من أجر وما تدفع من ضريبة، وتتفرغ باقي وقتها لمتابعة المنافسات الرياضية، وشرب الكوكا كولا).غير أن ما يؤخذ على ديمقراطية أثينا، والديمقراطيات التي سارت على هديها حتى اليوم، جملة من النقاط نبه إليها أفلاطون وتلميذه سقراط، اللذان أسهبا في نقدها حتى أنهما اعتُبِرا من أعدائها،، فقد رأيا فيها نظاماً قاصراً عاجزاً عن الوصول بالناس إلى العدل، الذي هو غاية أي نظام حكم، فالنظام السياسي سواء كان ملكياً أم جمهورياً، أتوقراطياً أم أوليغارشياً (حكم الأقلية – وهو الذي أصبح عليه النظام الديمقراطي الحالي)، يبقى ميزان الحكم عليه متوقفاً على تحقيقه العدل للناس وبين الناس (وقد ورد تأكيد على ذلك في التراث الإسلامي عندما فضَّلَ الماوردي في كتابه “الأحكام السلطانية” الحاكم الكافر العادل على الحاكم المسلم الجائر. فعلى الأول كفره وللناس عدله، وللثاني إسلامه وعلى الناس جوره). أما آراء أفلاطون وسقراط حول مثالب الديمقراطية، فقد تلخصت فيما يلي:

1- النظام الديمقراطي يفترض أن الناس سواسية في القدرات والإمكانات عن طريق اعتبار صوت لكل فرد، بغض النظر عن أهليته للحكم على الأشياء، فقيمة صوت العالِم هي نفس قيمة صوت الأمي الجاهل. غير أن البعض رد عليهم بأن وقف الديمقراطية على الأذكياء والخاصة، يحصر منافع الديمقراطية بهم، ولكن ربما كان الصعلوك، بما يتمتع به من حسن نية هي أفضل من فضائل أهل الطبقة العليا، ربما كان قادراً على اكتشاف ما هو خير له ولغيره من الفقراء والجهلة.

2- يصلح هذه النظام جزئياً في المجتمعات الصغيرة المغلقة وليس في الدول ذات المساحات الشاسعة والعدد الكبير من السكان (وهذا ينطبق على ” الدول – المدن ” عندنا كقطر والبحرين والكويت)، وبالتالي لا يمكن لكافة أفراد الشعب أن يبدوا رأيهم فيما يجب عمله لضمان مستقبلهم سوى بانتخاب من يمثلهم، وبهذا الانتخاب تظهر قلة من الناس لكي تتولى تسيير شؤون الدولة وفقاً لمنظورها الخاص، وليس حسب رغبات من انتخبها. ولكن يرد على ذلك أيضاً بأن تطبيق اللامركزية الإدارية يجعل من وحداتها نماذج من “الدولة – المدينة “، وبالتالي يمكن الوصول إلى تحقيق الديمقراطية مهما اتسعت رقعة البلاد.

3- ينتج عن تطبيق النظام الديمقراطي انتقال الحكم الديكتاتوري من يد فرد متسلط إلى يد جماعة متسلطة. لكن يرد على ذلك بأنه إذا سادت المراقبة الشعبية في البلاد، مع تحريم تسلط واستخدام الجماعة الحاكمة للقوات المسلحة في الوصول إلى/ أو البقاء في السلطة، كفيل باستقرار نظام الحكم، والحد من التسلط الفئوي عليه.

4- يعتبر أفلاطون أن الحمقى – مدفوعين بمصالحهم الشخصية وبمن انتخبوهم من العامة الجهلة – هم الذين يحكمون في النظام الديمقراطي، بينما الصحيح هو أن يحكم نواب عن الشعب، يساعدهم ذوي الخبرة والتخصص، ولربما يقترب هذا الرأي من فكرة أصحاب الحل والعقد في النظام الإسلامي.

وإن كان لي أن أبدي رأياً في هذا السياق، فأرى أن الحزبية (وهي المحرك الذي يشغل العملية الديمقراطية)، نقيض ما يرى بعض الآخرين، هي السم الزعاف الذي يفتك بالديمقراطية الشعبية ويشلها – مع أنه جزء أساسي فيها – ، بل ويجعلها عاجزة عن اتخاذ المواقف الكفيلة بتحقيق رغبات الناس (يتسق هذا مع قول القذافي: “من تحزب خان”، مع التحفظ على آرائه الأخرى)، فإذا اتفقنا على أن الحزب هو نتاج تفكير وتنظير شخص واحد (عفلق، هتلر، موسوليني، لينين)، عرفنا كيف أن الحزب يأسر أتباعه، ويقيدهم إلى مواقف ليست بالضرورة متسقة مع قناعاتهم، أو مفيدة للشعب والوطن، وكلما ازداد جهل الفرد المتحزب، كلما أحكم الحزب قبضته على تفكير وإرادة أعضائه، وهذا ما يفسر لنا قيادة بعض الأحزاب السياسية دولها وشعوبها نحو هاوية سحيقة باتخاذها قرارات خاطئة، لم يسهم في تبنيها جميع المنتسبين إلى هذه الأحزاب، مما أفقر البلاد وأذل العباد، وأوضح أمثلتها حزب البعث، والحزب النازي الألماني، والحزب الفاشي الإيطالي، والحزب الشيوعي السوفييتي، فمن البديهي أن جميع البعثيين والنازيين والفاشيين والشيوعيين لم يكونوا بالضرورة موافقين على نهج أحزابهم، لكنهم كانوا مرغمين على ذلك، مما يفسر تاريخياً تشقق الأحزاب وتشظيها، وتكوُّن الأجنحة في صفوفها ( بعث سوريا وبعث العراق، فتح وفتح الانتفاضة، الجبهات الشعبية الفلسطينية الثلاث، كاديما والليكود، الحزب الشيوعي الصيني والحزب الشيوعي الروسي، إلخ…)، بينما مما لا شك فيه أن المواطن المستقل الإيجابي، هو الشخص الوحيد القادر على اتخاذ قراراته بحرية واستقلالية، فهو يؤيد ويناصر كل ما يراه محققاً مصلحة النظام والشعب (حتى لنلاحظ تسمي بعض الأحزاب السياسية العربية باسم حزب الاستقلال حتى بعد خروج المستعمر)، ولكن بما أن الالتزام الحزبي يسبق التفكير المنطقي الواقعي، ولما كان النظام الديمقراطي يقوم على تنافس أحزاب متعددة تطمح إلى الوصول إلى السلطة، فربما كان هذا العنصر – عنصر الحزبية – من بين العناصر المتعددة التي تدفع إلى التشهير بالنظام الديمقراطي، وتطيح بسمعته التي طبقت الآفاق. لكن ما يرفع العبء عن كاهل مؤيدي ومعارضي النظام الديمقراطي على حد سواء، ويكفيهم مؤونة الدفاع أو الهجوم، هو قول “تشارلز أليكساندر روبنسن” الذي أوردناه في فاتحة هذا المقال أنه: { لم تقم حتى الآن ديمقراطية حقيقية تامة في أية بقعة من بقاع الأرض}، فالناظر إلى البيت الديمقراطي من الخارج يرى سقفه يطاول في ارتفاعه هامات السحاب، بينما يستطيع سكان هذا البيت في الداخل لمس سقفه بأيديهم، ربما حتى وهم جلوس، وهذا هو الفرق بين التوقع والواقع.

بناء على ما تقدم، فإن البشرية في سعيها نحو الكمال فيما يتعلق بنظام الحكم، لم ولا ولن تصل إلى النظام الأكمل، ذاك الذي يحقق العدل المطلق للناس وبين الناس، بل هي في أحسن حالاتها سوف تظل تلهث للوصول إلى النظام الأقرب، ولو قليلاً، إلى الكمال.


No comments: