Tuesday, January 3, 2012

مرحباً بعودة اليهود العرب



    ربما كان تجميع اليهود من كافة أنحاء العالم، هو الهدف الأسمى الذي سعت إليه الحركة الصهيونية قبل قيام إسرائيل عام 48 وما بعده، ومما نقل عن "بن غوريون" قوله بأن فرقة من رجال استخباراته، تضع قنابل في معابد يهودية في كافة أنحاء العالم تقتل بعض اليهود، خير لدولة إسرائيل من لواء عسكري مسلح. وقد تم هذا الأمر بالفعل، فدب الرعب في قلوب اليهود، فغادروا بلادهم الأصلية ظناً منهم أنهم سيعيشون في ملجأٍ يقيهم شر الاضطهاد. وبما أن الوثائق التاريخية* قد تحدثت عن اتصالات قيادات عربية وُصِفَتْ بالوطنية (– منذ اتفاق فيصل – وايزمن 1919 إلى ما قبل حصول الدول العربية على استقلالها في أعقاب الحرب العالمية الثانية -)، مع حاييم وايزمن، أول رئيس لإسرائيل، ومع غيره من القيادات الصهيونية، وعلى أمل دعم هذه القيادات في الوصول إلى حكم بلادها إن هي ساعدت في إقامة دولة إسرائيل، وبما أن سير حرب 1948، قد انتهى بقيام إسرائيل، فإن ذلك يُحوِّلُ الشكوك إلى حقائق ومسلمات، فهؤلاء الحكام العرب الذين دعمتهم الصهيونية لتولي حكم بلدانهم بعد خروج الاستعمار الغربي منها، هؤلاء الحكام أنفسهم ساهموا في دعم المشروع الصهيوني في فلسطين عندما أقدموا على طرد اليهود العرب من بلدانهم العربية إلى إسرائيل، مع الأخذ بعين الاعتبار اندهاش اليهود العرب بقيام دولة تمثلهم على أرض فلسطين ذات القداسة المعروفة عندهم. وهكذا تحقق للصهيونية حلم إنشاء دولة تمثل المكان الشرعي الوحيد لجميع يهود العالم.
    قبل سنوات، عرض اليمن على يهوده المهاجرين إلى فلسطين العودة إلى بلدهم اليمن، وبعد انتصار الثورة في كل من ليبيا وتونس، قام هذان البلدان بتوجيه نفس الدعوة لليهود العرب، الذين غادروهما، للعودة إليهما، وهذا ما نتمنى أن يتم في مصر، بعد استتباب الثورة فيها، وفي سوريا بعد انتصار ثورتها، وفي العراق بعد استتباب الأمن فيه.
    ما زال يهود العراق يحنون إلى بلدهم العراق، ويهود تونس وليبيا والمغرب واليمن ومصر وسوريا يتوقون شوقاً إلى البلدان التي ترعرعوا فيها، والتي شعروا فيها بالأمان والاحترام، فقد كانوا – قبل لعنة إسرائيل – مواطنين مسالمين، يعملون في التجارة والحرف اليدوية وفي الأدب والفن، لا فرق بينهم وبين أي مسلم أو مسيحي. تلك أيام افتقدوها واستبدلوا بها العيش ضمن مجتمع لا يشعر بالأمان، ، ، يميز بين اليهودي الغربي واليهودي الشرقي، ويحتكر الثروة والسلطة فيه أولئك الذين وفدوا من أوربا وأمريكا (الأشكينازيم)، وليس لغيرهم من اليهود الشرقيين (السفارديم) سوى القتال والموت على الجبهات، وتكنيس الشوارع والعمل في الحانات والمهن القذرة**.
        ربما كان الموقف من هذا الأمر واحداً مما يميز الشخصية العربية المتناقضة، فعندما هجَّر الحكامُ يهودَ بلادهم إلى فلسطين، قامت القيامة على رؤوسهم، - ولمن أقام القيامة الحق في ذلك -، وهذه الأيام تقوم القيامة أيضاً على حكام ليبيا وتونس الجدد، الذين يرحبون بعودة اليهود من فلسطين إلى بلادهم التي هاجروا منها. هنا لا أدري كيف يتحمل البعض منا هذا التناقض.
    الترحيب بعودة اليهود العرب - الذين هاجروا إلى إسرائيل - إلى بلدانهم العربية، هو المسمار الحقيقي الذي سوف يُدق في نعش الحركة الصهيونية وإسرائيل، وعن طريقه سوف تتهاوى دعاوى الصهيونية بأن إسرائيل هي الوطن الوحيد ليهود العالم.
    وأخيراً: ألا يمكن لهذا الأمر– عودة اليهود العرب إلى بلدانهم العربية التي هاجروا منها – أن يكون مدخلاً منطقياً للوصول إلى تحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم؟

*بهذا الخصوص: راجع مثلاً كتاب أمين مصطفى (الاتصالات السرية العربية–الصهيونية 1918-1993) http://www.scribd.com/doc/19158452/-
** بشأن تلك التناقضات: راجع كتاب (إسرائيل الآن: صورة بلد مضطرب) تأليف لورانس ماير، ترجمة مصطفى الرز.

No comments: