Thursday, February 2, 2012

إن هذا المندوب من ذاك الوزير



    عندما يُصدَمُ المرء بظاهرة قميئة يحار في توصيفها، لا يجد بداً من أن يحلق بين عدة مفردات، لا يكاد يستقر على إحداها حتى يدرك قصورها عن القيام بالمهمة، فيقفز إلى أخرى علها تخدم التوصيف الذي يعتمل في الصدر. ومشهد المندوب السوري بسام الجعفري وهو يحاضر أمام مجلس الأمن الدولي في معرض رده على خطابي كل من الأمين العام للجامعة العربية ووزير خارجية قطر، هو مشهد سيريالي بكل معنى الكلمة، لا أجد لصاحبه وصفاً يتناسب مع تفاهته، لذا أعفي نفسي من هذه المهمة الشاقة. رجل يتلفت يمنة ويسرة، محاولاً أسر قلوب المندوبين وعقولهم ببلاغة لغته العربية التي لا يفقه سوى قلة قليلة من الحضور قيمتها وعمقها.
    يبدأ صاحبنا حديثه باسترجاع تاريخه النضالي عندما كان تلميذاً في المرحلة الابتدائية، وكيف كان يتبرع بـ (الخرجية)، أي مصروف الجيب، لثورة الجزائر . حتى الآن هذا الكلام معروف ولا غبار عليه ويتذكره جيلنا تماماً -، لكن البلاغة والفصاحة وعمق المعلومات التاريخية يطفح كيلها عند سيادة المندوب العتيد، فيضيف بأن تلك التبرعات كانت تذهب كذلك " إلى ثورات دول الخليج العربي ضد الاستعمار، وقبل ظهور النفط فيها". هنا تنفجر الكذبة كأنها صاروخ مدوٍّ في القاعة الأممية، وينظر المندوبون في وجوه بعضهم بدهشة صاعقة، فهم أمام أستاذ في التاريخ المعاصر لا يشق له غبار، لكن دهشتهم تزول عندما يخبرهم مندوب "التوغو" في المجلس بأن حفيده الكسول في المدرسة الابتدائية يعرف بأنه لم تقم في أية دولة خليجية ثورة مسلحة على الوجود البريطاني، كما أن السعودية لم تعرف في تاريخها أي نوع من أنواع الاستعمار، أما باقي دول الخليج فقد حصلت على منحة الاستقلال عن بريطانيا دون أن تكون مضطرة للتضحية بأي شهيد من أجل تسمية أكبر ميادينها باسم ميدان الشهداء، ولعل الثورة الوحيدة التي نعرفها، والتي قامت في سنوات الستينيات من القرن الماضي، كانت ثورة الجبل الأخضر في عُمان، والتي ساهمت في القضاء عليها قوات بريطانية وسعودية وأردنية وإيرانية. وعليه فإذا كان سعادة المندوب السوري قد بدأ بهذه المعلومات المزيفة والمغلوطة، والتي يعرف زيفها الحفيد الكسول لمندوب جمهورية التوغو، فكيف سيصدق المندوبون المحترمون كل ما جاء بعد ذلك من تهريج وتطاول على باقي العرب، مثل أن الجامعة العربية لا تساوي شيئاً بدون سوريا، مع ملاحظة أن المندوب المسكين لم تكن لديه الجرأة الكافية لكي يقول (بدون بشار الأسد).
    ربما كان من المفيد التذكير ببعض إبداعات هذا المندوب العبقري، ومن ذلك أنه صرح في قاعة الصحفيين في مبنى الأمم المتحدة منذ أشهر، وبعد بداية الثورة السورية بأشهر، صرح بأن سماحة الرئيس المؤمن بشار الأسد قد قرر منح القتلى السوريين صفة (شهيد)، وتابع الجعفري معلقاً على ذلك: بأن هذه هي المرة الأولى في التاريخ السياسي العالمي التي  يقوم فيها رئيس دولة بإطلاق هذه الصفة على أبناء شعبه (يقصد أعداءه من أبناء شعبه)،،، وكان يلزم بشار المندوب أن يضيف: " وعلى الفور انطلقت مظاهرات عارمة في كافة شوارع وأزقة المدن السورية، تضم آباء وأمهات ونساء وأطفال من قتلهم النظام بالأسلحة التي دفعوا ثمنها، انطلقت هذه المظاهرات وهي تحمل لافتات الشكر والتحية لتَكَرُّمِ سماحة الرئيس المؤمن بمنح صفة الشهادة للذين قتلتهم قواته بدم بارد، وهذه مكرمة لن ينساها الشعب السوري، وسيتحدث عنها الآباء والأحفاد ما بقيت سوريا على الخارطة".
لكنني أستدرك فأقول: إذا كان وليد المعلم هو وزير الخارجية السوري، فكيف نستغرب أن يكون هكذا هو المندوب السوري، فهذا المندوب من ذاك الوزير.

   

No comments: