Wednesday, September 5, 2007

الحمار الغبي ... ومؤتمر الخريف القادم

في تدوين الأدب العربي وتدبيجه ، درج أدباء العرب وحكماؤهم على عادة رواية الحِكَمِِ والأمثال على ألسنة الحيوانات - كما فعل ابن المقفع في كتابه ( كليلة ودمنة ) ، أو الجاحظ في بعض كتاباته - ربما لأنهم كانوا يخشون سطوة الحاكم ، ويخافون سوء العاقبة إن اشتُمَّ مما يكتبون أنهم يقصدون النيل من شخصية سياسية هامة ، أو ربما لأنهم كانوا يعتقدون برجاحة عقول الحيوانات على من عداها من بني البشر ، أو لكلي السببين . فمن الأمثلة التي ترمز إلى التعلق بأذيال وعد ظاهره صدق وباطنه كذب وخداع ، ظهَرَ مثَلُ الحمار والجزرة والعصا ، وهو مثل يُضرب في الذي يتعلق بوعد يستحيل تحقيقه ، فطالما أن الرجل الذي يمسك بالعصا التي ربطت في نهايتها جزرة ، يمتطي الحمار، فإن الحمار سوف يستمر راكضاً لاهثاً لقضمها ، وأنّى له ذلك . عند هذا الحد تقف الرواية دون أن توضح نهاية قصة الحمار والعصا والجزرة ، لكن بعض شهود العيان الموثوق بصدقهم من الحمير ، يقولون بأن أخاهم الحمار – وبعد أن سار عدة أمتار – فهم اللعبة التي يمارسها عليه راكبه ، وأبت عليه نفسه أن يضحك أحد عليه ، فاستند على قائمتيه الأماميتين ، ورفع قائمتيه الخلفيتين في الهواء ( في العامية عنفص ) وألقى براكبه أرضاً ، ثم هجم على العصا وقضم الجزرة المعلقة في نهايتها ، ومن ثم هرب لا يلوي على شيء ، وبذلك أثبت هذا الحمار بأنه ليس حماراً جداً ، بل هو حمار فقط . من يقرأ التاريخ السياسي للمنطقة العربية منذ نصف قرن ، يدرك بأن ( الحمار جداً ) العربي مازال يركض لاهثاً خلف وعود علقها أمامه أمريكي وصهيوني يمتطيانه منذ هذا النصف القرن ، وعود مثل : ( عقد مؤتمر دولي لبحث القضية – الاعتراف المتبادل – كل شيء قابل للتفاوض – التفاوض دون شروط مسبقة – مكافحة الإرهاب – نبذ العنف – السلام خيار استراتيجي – رخاء شعوب المنطقة ) وقائمة طويلة جداً من أسماء المؤتمرات ( مؤتمر جنيف – مؤتمر شرم الشيخ – مؤتمر عمان – مؤتمر الرباط – مؤتمر واشنطن- وآخرها : مؤتمر الخريف القادم ) وقائمة أطول من المعاهدات والاتفاقيات ( معاهدة كامب ديفيد – معاهدة وادي عربة – اتفاقية فك الارتباط –اتفاقية أوسلو - اتفاقية واي ريفر – اتفاقية شرم الشيخ ) وهلم جراً ، و( الحمار جداً ) العربي يكِدُّ لاهثاًً ليمسك بواحد من هذه الشعارات والمؤتمرات ، لكن دون جدوى ، إلى درجة أن عَتِب عليه الحمير الأسوياء - أمثال الحمار صاحب العصا والجزرة - ، وهددوه بالتبريء منه أمام الله والتاريخ لأنه فضحهم ، وجعل ألسنة جميع الحيوانات ( الذكية منها والغبية ) تلوك سمعتهم ، وتعيُّرُهم بهذا الحمار العربي الغبي الذي يصدق كل ما يُقال له . بعد اجتماع طاريء لحمير العالم ، أوصى المؤتمر كبير سحرة الحمير بتحويل ( الحمار جداً ) العربي إلى ثور ، ثم ربطه في ساقية لكي يدور طوال حياته في دائرة مفرغة لا يعرف لها نهاية . وهكذا أنقذ الحمير سمعتهم ، وعادت الحيوانات جميعها تحترمهم وتتذكر كيف أن الحمار الغبي العربي لم يستطع أن يفعل – كما فعل حمار الجزرة – فيلقي براكبيه أرضاً وتنتهي المهزلة ، فانتهى الأمر به إلى أن أصبح ثوراً .

No comments: