Sunday, September 23, 2007

لِنَنْسَ الحزن ... فالزعيم لم يمت
صباح الخير ياريّس . . . ما زلت أقولها كلما استيقظت من النوم صبيحة كل 28 سبتمبر منذ سبعة وثلاثين عاماً ، نعم أقولها صباح الخير ياريّس بملء الفم والوجدان ، ففي مثل هذا الوقت – السابعة صباحاً – الريس الآن يستحم في منزله البسيط بمنشية البكري ، وبعد قليل ، في حوالي الساعة الثامنة ، سوف يتناول طعام الإفطار مع عائلته ، سوف تساعده ( تحية ) في اختيار ربطة العنق ، وستساعده في ارتداء الجاكيتة ، وستوصيه أن يأخذ باله من نفسه ، يمسح على رأسها وكتفها ، يحضنها بحنو الزوج والأخ والأب ، ، سوف يقبل الأولاد واحداً واحداً بينما هو متجه إلى السيارة التي ستقله إلى الجلسة الطارئة للرؤساء العرب لإتمام الصلح بين الإخوة الأعداء ، ، ، ينجح نجاحاً باهراً في هذه المهمة الشاقة ، ولا عجب ، فمَن غيره ادخرت الأمة للشدائد والأزمات ، ، ، يربت على أيدي جميع زواره ، وبكرم العربي الصعيدي الأصيل ، يصر على توديع جميع ضيوفه من الرؤساء في المطار ، متجشماً العناء والتعب ، لكنه لا يمكن أن يتخلى عن واجباته ومسؤولياته ، فهو الكبير حقاً : بعقله وقلبه ووجدانه . الساعة الآن الرابعة عصراً وأراه في مطار القاهرة يودع أمير الكويت وفجأة تظهر علامات الألم والإرهاق بادية على وجهه الرائع ، يكاد قلبي أن يسقط من صدري : ( سلامتك ياريس ألف سلامة ، تعب ويزول إنشاء الله عندما تعود بعد قليل إلى منزلك ، بعد أن أديت واجبك في حقن الدماء وتوحيد الصفوف – ولو إلى حين - ) ، الريس الآن في طريقه إلى منشية البكري ، وكلنا أمل بزوال التعب المفاجيء الذي أحس به في المطار ، ومازال عبد الناصر حياً ، ، ، بعد دقائق ستكفهر سماء القاهرة ، وستتلبد الغيوم السوداء فوق الوطن العربي من محيطه إلى خليجه ، ، ، تقترب الساعة الآن من الخامسة عصراً والأطباء يحاولون تأمين سلامة الزعيم ، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة ، فيختار إلى جانبه أغلى الرجال وأعز الأحبة ، وتنطلق أيدي المصريين تلوح للروح الطاهرة مودعة وهي تغادر سماء القاهرة إلى السماء السابعة ، إلى جوار الرحمن الرحيم ، ، ، الآن وبعد الساعة الخامسة بدقائق ينقبض قلبي بشدة ، أشعر بأن عبد الناصر قد مات ، ، ، لكن هذا الشعور لا يستمر سوى دقائق معدودة ، أدفن فيها رأسي بين يدي ، أبكي بحرقة ولوعة ، تمر في مخيلتي صورة وجهه المشرق عندما رأيته لأول مرة عام 58 – أوائل أيام الوحدة مع سوريا - أمام قصر الضيافة في دمشق ، بينما كانت أعين الملايين المحتشدة تلتهم وجهه وقامته المديدة علها تبقى في خيالها ووجدانها إلى الأبد ، ، واليوم أسأل نفسي هذا السؤال المحير: هل يُعقل أن يتكرر هذا الموقف معي منذ سبعة وثلاثين عاماً ؟ ، هل يصدق أحد أن الدموع لم تنفك تذرف على هذا الرجل منذ سبع وثلاثين سنة ؟ أنا نفسي لا أصدق ما يحدث ، لكنها والله هي الحقيقة .
صبيحة اليوم التالي ، التاسع والعشرون من سبتمبر ، أشعر بجمال الزعيم وقد بُعِث بيننا من جديد ، يوزع الخبز على الفقراء ، يمسح دموع المظلومين والمحرومين ، يزور المرضى في المستشفيات والطلاب في المدارس والجامعات ، يجوب الحقول ليطمئن على قوت الفلاحين ، ثم يعود مساء ليأوي بسلام في ضريحه ، لكي يعاود الكرة صبيحة اليوم التالي . ما زال كما كان ، قلبه علينا ، وهمه عزتنا وكرامتنا ، ولكن ماذا نحن فاعلون اليوم : الثامن والعشرون من سبتمبر. سوف نتذكر الزعيم بكل جوانحنا ، ونسأل اللله له الرحمة في صلواتنا ، ومع أن صورته محفورة في الروح والعقل ، فسوف نرفع صورته على قمصاننا وعلى شرفاتنا وعلى سياراتنا ، في الميادين وفي الشوارع ، سيكون هذا اليوم يوم استفتاء على حب الزعيم الذي عاش ومات من أجل مصر والعرب . سوف نتذكر مبادئه في الحرية والعزة والكرامة ، ونستعرض إنجازاته التي أهداها لشعبه وللعرب : تحقيق الجلاء وكسر احتكار السلاح وتأميم القناة وتوزيع الأراضي على ملاكها الحقيقيين – الفلاحين - وبناء السد العالي وتحقيق الوحدة ودعم ثورات الأحرار والمظلومين في كل مكان ، والأهم من كل ذلك : غرس قيم العزة والكرامة والتحرر في النفوس ، سوف نتحدث عنه إلى الجيل من الشباب الذي لم يرَ عبد الناصر ولم يعش عصره . في هذا اليوم أتمنى من كل قلبي أن أكون عند قبره لأضع عليه وردة حب ووفاء.
في هذا اليوم لن أعزي أحداً في عبد الناصر ، ولننس الحزن ، فالزعيم خالد في نفوسنا ، أبداً لم ولن يموت .

No comments: