Wednesday, September 19, 2007

شهر سبتمبر ..... لماذا كل هذا ؟


سطح ما مضى من التاريخ يتلون بأحداثه وأحواله كتلون سطح الأرض : مناطق خضراء يانعة ، توشيها ألوان زاهية تبعث في النفس الفرح والنشوة ، وبقاع جدباء قفراء ، تقطعها وديان وصحارٍ ، تشحن الروح بكل مشاعر الكآبة والقلق . وكما تتوزع البقاع بجمالها أو وحشتها على سطح اليابسة ، كذلك تتوزع الأحداث بحلوها ومرها على سطح السنوات والشهور والأيام ، وربما اختص القدر شهراً ما بسعادة غامرة ، وربما اختص شهراً آخر بكآبة قاتلة ، وفي كل عام ، وعندما يحل شهر أيلول / سبتمبر ، لا تستطيع أن تمنع زمام ذاكرتك من الارتداد صوب أحداث ربما نسيها – في زحمة الحياة – الكثيرون ، غير أن عمق تأثيرها في حياتنا العامة يجعلها عصيّة على النسيان ، ففي هذا الشهر – حسب ما تعيه ذاكرتنا - من عام 1961 وقعت جريمة نحر أول تجربة وحدوية في التاريخ العربي الحديث ، وحدة سوريا مع مصر ، تلك الوحدة التي قامت في شهر شباط / فبراير من العام 1958 ، والتي رأى فيها القوميون من أبناء الأمة مشعلاً لا بد سيضيء الدرب بعد ظلمات الاستعمار والتخلف ، لكن أصابع التآمر ، التي اتخذت من السفارات العربية والأجنبية دهاليز تحيك فيها المؤامرات والدسائس ، نجحت في صبيحة الثامن والعشرين من سبتمبر من ذلك العام – 1961- في الإطاحة بالوحدة ، وبكل الأحلام والطموحات التي وعدت بتحقيقها لجماهيرها الواسعة ، متعللة تلك القوى المتآمرة بالأخطاء التي حدثت خلال ثلاث سنوات وسبعة أشهر وسبعة أيام من عمر الوحدة ، واعدة الجماهير بالعمل على تصحيح المسار والأسلوب من أجل بناء الوحدة من جديد ، على أسس صحيحة ، وها قد مضى على هذا الوعد ما يقرب من نصف القرن ، والجماهير التعيسة تجلس على قارعة الأمل ، واضعة يداً على خد ، وقاضمة بأسنانها أظافر اليد الأخرى ، منتظرة تحقيق وعد لن يأتي ، وأمل لن يتحقق سوى بالدم والعرق والدموع .
لم يكتف سبتمبر بهذه الكارثة ، فقد جاءنا في عام 1970 بكارثتين أشأم من بعضهما ، ففي ذلك الشهر من ذلك العام ، انقضت قوى الرجعية والعمالة - معززة بأخطاء قادة هم أنفسهم أخطاء تاريخية – على قوات المقاومة الفلسطينية في الأردن ، فسالت دماء من يفترض أنهم إخوة ، وارتدت الأعراب إلى عصبيتها المقيتة ، فكانت مذابح عمان والأحراش في عجلون والسلط ، ورغم ذلك لم يكتف سبتمبر بما جاء به في ذلك العام ، ورأى أن يفرغ حقده وسمه في شرايين هذه الأمة ، فاختطف من حضنها بقسوة لا مثيل لها زعيمها وحامل مفتاح نهضتها الحديثة جمال عبد الناصر ( وللمفارقة في نفس يوم الذكرى التاسعة لانفصال مصر عن سوريا ) . يومها قلنا بأن الله قد خفف بموت عبد الناصر جميع الأحزان التي ملأت كل بيت وحارة في شرق النهر وغربه ، فقد غطى الحزن عليه على جميع الأحزان . دفنا الزعيم وقلنا لسبتمبر : لو سمحت كفى. ولكن أنّى لذاك الشهر الحاقد أن يكتفي :
ففي سبتمبر من عام 1978 وقع حاكم مصر – ومن خلف ظهر شعبه – على اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة ، وتمكن الصهاينة من إخراج السمكة الكبيرة من الماء – كما كان يطالب موشي دايان – كي تموت بعيدة عن وسطها العربي ، الذي لا يمكنها ادعاء الزعامة التاريخية عليه بدونه ، وحتى مع توسلاتنا إليه ، لم يتوقف سبتمبر العجيب عن قهرنا ، ففي منتصفه من العام 1982 ذُبِحَ الفلسطينيون ذبح النعاج في مخيمي صبرا وشاتيلا بعد أن تخلت عنهم قيادتهم – الخطأ التاريخي الأكبر في حياتهم – وهربت تاركة إياهم طعاماً سهلاً لبنادق وسكاكين شارون وحلفائه . الخد العربي تعود على اللطم في سبتمبر ، ففي الثالث عشر منه من عام 1993 ، تبع القائد التاريخي الملهم !!! خطى صديقه الرئيس ابن القرية !!! ، فوقع اتفاقيات أوسلو التي رفعت عن كاهل المحتل عبء الإنفاق على الأراضي التي يحتلها ، وحولت الصفة القانونية لهذه الأراضي من ( أراضٍِ محتلة ) إلى ( أراضٍ متنازع عليها ) ، المهم أن يدوم لقب ( السيد الرئيس ) و ( البساط الأحمر ) و ( السلام الوطني ) أما الباقي فليذهب إلى الجحيم . هل من طريقة نحذف بها شهر سبتمبر من التقويم السنوي ، فنقفز بها من أغسطس إلى أكتوبر مباشرة ، أو أن نحذف اسم سبتمبر ونطلق بديلاً عنه اسم ( أكتوبر الأول ) يليه ( أكتوبر الثاني ) ؟ لا أعلم ، ولكن الذي أعلمه جيداً أنني بدأت ، ومنذ زمن بعيد ، أحرص على أن أضع يدي على قلبي ، وأضع نظارة سوداء على عينيّ– كنظارة طه حسين – كلما بدأ شهر سبتمبر وحتى نهايته .

No comments: