Sunday, February 14, 2016

التاريخ يعيد نفسه لأن الجغرافيا واحدة

 أعتقد أن أصدق عبارة قيلت في توصيف مجريات التاريخ هي أن "التاريخ يعيد نفسه لأن الجغرافيا واحدة"، ولو قارنا ما يجري اليوم في المنطقة العربية، خاصة في بلاد الشام، مع ما جرى في نفس المنطقة منذ مئة عام بالتمام والكمال (1916-2016) لوجدنا تطابقاً يكاد أن يكون كاملاً. فمنذ مئة عام نهض العرب، بمساعدة القوى الغربية والصهيونية، فيما عرف بـ"الثورة العربية" على الدولة العثمانية، ورغم علم من قاموا بتلك الحركة باتفاق سايكس بيكو، الذي كشفت سره روسيا بعد الثورة الشيوعية عام 1917، رغم ذلك لم يتراجعوا عن انقلابهم على الدولة التي حمتهم ومقدساتهم من المطامع الغربية ثم الصهيونية لمدة أربعة قرون كاملة (1516-1916).
اليوم تجري في نفس المنطقة أحداث تتطابق في جوهرها مع ما حدث قبل مئة سنة، مع اختلافات تفرضها خصوصيات المرحلة، فمع قيام الشعب السوري بالانتفاض على نظام دكتاتوري وحشي، ربط وجوده بإفناء الشعب السوري تحت المظلة الإسرائيلية، تحركت قوى الشر في طهران وموسكو لحمايته من السقوط، والمذهل في الأمر ليس في هذه القوى الداعمة فحسب، بل بالسكوت الأمريكي، وبالتالي مجموعة حلف الناتو، عن المجازر التي ترتكبها روسيا وإيران مع النظام ضد الشعب السوري، الذي هاجرت منه الملايين، ودمرت معظم مدنه وبلداته، وكذلك التهديدات التي تواجهها تركيا على حدودها الجنوبية، ورغم ذلك وقف الغرب، وعلى رأسه أمريكا، يراقب المشهد دون أدنى اهتمام، بل إن ما يدعم الزعم بارتباط نظام الأسدين بالحماية الإسرائيلية هو ما تقوم به موسكو وترضى عنه واشنطن، إلى الحد الذي جعل الولايات المتحدة تخذل تركيا، حليفتها الرئيسية في حلف الأطلسي، أمام التهديد الروسي الذي يدعم قيام دولة كردية شمال سوريا، والذي يذكّر بدعم الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل قيام كيان إقليم كردستان العراق، مما يعزز الرأي القائل بارتباط هذا الثلاثي: موسكو، واشنطن، تل أبيب. وإذا كانت إسرائيل لم تقدم على عمل عسكري يدعم بشار الأسد، فذلك حتى لا تحرجه أمام العالم العربي، ولأن روسيا تقوم نيابة عنها بأكثر مما يلزم، مع السكوت الأمريكي المخزي، كل ذلك يجري بضغط من اللوبي الإسرائيلي في موسكو، واللوبي الصهيوني في واشنطن، والآن، وبعد أن تأكد الروس والأمريكان - أحذية الصهيونية - من تثبيت حكم طاغية دمشق، انتقل تآمرهم إلى تركيا، وهي التي كانت هدف تآمر العرب مع الغرب عام 1916، فالآن يعيد التاريخ نفسه، إذ أن تركيا اليوم في نفس الموضع من تآمر العرب، (النظام السوري ومن يدعمه من الأنظمة العربية) مع موسكو وواشنطن عليها في سبيل عودة الدكتاتورية وحكم العسكر إليها، أولئك الذين كانت تركيا في عهدهم حليفة قوية لإسرائيل، بحيث يبقى نظام الأسد حليف إسرائيل، ويعود العسكر في تركيا حلفاء لإسرائيل، أي أن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل خمسة عشر عاماً.أما الوقوف الأمريكي ضد المصالح التركية في هذه الأزمة فيصدق عليه القول أن الولايات المتحدة  تبيع أصدقاءها، في سبيل مصلحتها، بأرخص الأثمان.
بالفعل: يعيد التاريخ نفسه لأن الجغرافيا واحدة. 

No comments: