Wednesday, December 5, 2012

قريبٌ قريب، بعيدٌ قريب



    رغم بعد الشقة الزمنية، إلا أنني ما زلت أحن إليهم،،، أتوق لقربهم،،، أحزن على فراقهم،،، كانوا أشخاصاً من لحم ودم،،، ألمس في حضورهم دفء المشاعر، وأحس في أكفهم حين المصافحة دفق العواطف، وأتوسم في نخوتهم الحصول أية مساعدة أحتاج إليها، صغيرة كانت أم كبيرة،،، أبعدُهُم عني كنت أصله بالسيارة خلال دقائق، وأقربهم مني كنت أراه بمجرد أن أفتح نافذتي، فالبعيد منهم، قريب، والقريب منهم، قريب جداً. هم أصدقاء ما قبل الكهرباء ومشتقاتها،،، طوى الزمان صفحتهم، وطوحت الأقدار بهم بعيداً، لكنهم سكنوا القلب والذاكرة،،، واليوم حل مكانهم أصدقاء جدد، تفصلني عن أقربهم آلاف الأميال، لا أعرف وجوههم إلا بالتخمين من خلال قراءة أفكارهم التي تحملها إلي أحرف سوداء على شاشة صماء، والسعيد منا من امتلك كاميرا رأى من خلالها من يفترض أنه صديق، ولو عن بعد. بعضهم يعمل بتيار بقوة 110 واط ، وآخرون - لاختلاف المكان – يعملون بتيار قوته 220 واط، أما البعض القليل منهم فيعمل بالبطارية إن كان على سفر أو في مقهى. تقطعت بيني وبينهم لغة الجسد وحلت مكانها لغة الطابعة،،، يفاجئني بعضهم بالإصرار على رؤيتي عبر الكاميرا، وبما أن إعجابي بصورتي قد انقطع منذ زمن، فقد أصررت على ألا أستجيب لهم مهما كلفني ذلك من لوم وتقريع، حتى لا أفاجئهم بما لا يحبون، فتتلبسهم الكوابيس في النوم واليقظة، أو يقعون في حب من يرون، فيهجرهم النوم في ليالي الشتاء الطويلة، أما إن كان لهم عتبٌ عليَّ، فليعتبوا على الزمن الذي لم يجمعهم بي عندما كنت صالحاً للمشاهدة. هذا لا يعني أنني دميم إلى الدرجة التي أخشى فيها أن يراني الناس عليها، لكنني بذلك أتيح لهم بأن يرخوا العنان لخيالهم لكي يتصوروني كما يشاؤون،،، أريد أن أبقى قصة مقروءة لا يتحول بطلها إلى هباء عندما يظهر على الشاشة الفضية.
    الفارق الحقيقي الوحيد بين أصدقائي القدامى وأصدقائي الجدد، أن القدامى كانوا غير قابلين للإلغاء، أم الجدد فمن السهل أن تلغيهم بمجرد الضغط على زر delete  . وهل هنالك فارق أهم من هذا؟. لكن: لا ينكرن جاحد بأن من بين الأصدقاء، الذين يعملون بالكهرباء أو بالبطارية على حد سواء، من لديه القدرة على تذكيرك بالزمن الجميل،،، أيام صداقة ما قبل عصر البطارية وما قبل زمن الكهرباء ،،، هؤلاء الأصدقاء لا يخضعون للنسيان، ولا حتى للإلغاء.   

No comments: