Sunday, October 21, 2012

بائع البطيخ: محمد مرسي


    بحلول فصل الصيف من كل عام، اعتدنا أن نرى كميات من البطيخ تنزل إلى الأسواق، منها ما هو محمول على عربات، ومنها ما هو مكوم على زوايا الشوارع، ينادي باعتها بأصواتهم العالية: ”عالمكسر يا بطيخ”. هذا النوع من الباعة، الذين يبيعون البطيخ مضموناً في اللون والطعم، كان الناس يقبلون عليهم للشراء أكثر من أولئك الذين يرفضون البيع (عالمكسر)، وكانت لحظات شق البطيخة بالسكين لحظات توتر وقلق يشعر بها البائع أمام زبونه، خاصة إن كان الزبون ضخم الجثة، مفتول العضلات، إذ أن أي شك حول اللون، والذي ينبغي أن يكون أحمر قانياً، يعني خسارة البائع تلك البطيخة، زد على ذلك أن الزبون القوي لا يكتفي باللون الأحمر فقط، بل غالباً ما يطلب أن يتذوق الطعم، وبعدها – واستناداً إلى قوته الجسدية طبعاً- له الحق في دفع ثمنها وأخذها إن رضي بها، أو رميها في وجه البائع، حتى واتهامه بالغش، وكانت الحالة الثانية تعني – علاوة على خسارة البطيخة – انفضاض الزبائن الذين كانوا ينتظرون نتيجة فحصها. واستكمالاً لمهرجان البيع هذا، وعندما تكون نتيجة الفحص مرضية، كان البائع يقفز فرحاً وانتشاء بها، فيرفع بيده عالياً القطعة الحمراء التي اقتطعها من البطيخة، ويبدأ بالدوران بها لكي يرى الجميع نوعية سلعته، فيقبلون عليها.

    بطيخة الإخوان المسلمين في مصر، وبعد أن كسرها الشعب المصري متوقعاً أن يجدها حمراء فاقع لونها تسر الناظرين، طعمها كالعسل – كما وعد بائعها محمد مرسي –، كسرها لكي يجد فيها رسالة من رئيسه المنتخب بأغلبية لا تكاد تذكر، مرسلة إلى صديقه العزيز بيريز!!!،،، في سياق ترشيح سفير مصري جديد إلى تل أبيب،،، هذا الشعب بعد أن اكتشف الغش الذي أوقعه به البائع، سوف يعِفُّ عن شراء البطيخ من بسطة الإخوان المسلمين، بل وسيدوس على باقي البطيخات، ويجعلها عبرة لجميع الباعة الغشاشين، وتنبيهاً لجميع المشترين المخدوعين. فعلاً هو أمر لا يصدق أن رئيساً قادماً من حركة سياسية، كان جزء هام من إرثها الذي صدعت به رؤوسنا أنها حاربت اليهود على أرض فلسطين عام 48، يرسل رسالة غرامية إلى رئيس كيان اغتصب الأرض وانتهك المقدسات، فإذا كان مرسي لا يقيم وزناً للشعب الفلسطيني المظلوم، أفلا يقيم وزناً للأقصى الذي هو ملك لمليار مسلم، منهم ستون مليون مسلم مصري؟، ولكنيسة القيامة التي هي ملك لثلاثة مليارات مسيحي، منهم عشرون مليون قبطي مصري؟، أفلا يحترم رئيس مصر! أرواح عشرات آلاف الجنود المصريين الذي قتلوا في سيناء وهم أسرى على يد بيريز وأمثاله؟، ألم يسمع مرسي بمجزرة مدرسة بحر البقر التي قصفها طيران بيريز وقادته، فمزق أجساد تلاميذها؟، ثم لنذهب إلى استكناه معادلة مزرية أخرى: هل إن عداء جمال عبد الناصر لإسرائيل، وعداء الإخوان لعبد الناصر، جعل الإخوان أصدقاء لإسرائيل على قاعدة عدو عدوي صديقي؟، أي: هل اشترك الإخوان والإسرائيليون في العداء لعبد الناصر، فأصبحوا بنعمته إخوانا؟؟؟، فعلاً لقد أسقطت نفسك أيها الشيخ المهندس الدكتور الرئيس، وبذلك كفيت الجماهير المصرية مؤنة إسقاطك، ولن يشتري أحد منك بعد اليوم لا بطيخاً ولا خطابات نارية كاذبة. لكننا في الوقت نفسه، لن نعتب على رئيس سبق وأن وقع رسالة على علَمٍ مُهدىً إلى شهداء القوات المسلحة المصرية الذين استشهدوا في سيناء، تمنى لهم فيها دوام النجاح والتوفيق!، إذ يبدو أن سيادته يوقع على العلم المصري وهو غائب عن الوعي، ويخطب في الجماهير المصرية وهو سارح في ملكوت السماوات والأرض، ويرسل الرسائل إلى إسرائيل وهو مسكون بالحقد على جمال عبد الناصر.

    والمأساة الأكبر أن المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ”ياسر علي” لم ينف حقيقة ومضمون الرسالة التي تبدأ بـ (عزيزي صديقي العظيم)، بل يبررها بعذر أقبح من ذنب، فيقول بأن {صيغة الخطابات الدبلوماسية أمر بروتوكولي، وأن خطابات ترشيح السفراء الجدد موحدة ليس فيها تمييز لأحد}، ولو تجاهل المتحدث الرسمي الغبي تلك القضية، لكان في ذلك إهانة أقل لمنصب الرئاسة، فالصمت في هذه الحالة أولى، والتجاهل أجدى وأفضل، وهو نوع من الاعتذار السلبي، وإن كان لا يكفي، وربما خير من علق على ذلك التبرير التافه، كان الصحفي ”حمدي قنديل”، عندما تساءل: {هل رسالة ترشيح سفير مصري إلى الجزائر مثلاً، تكون مماثلة لتلك التي ترسل بمناسبة ترشيح سفير مصري إلى إسرائيل}. عندما ثار البعض على وصول محمد مرسي إلى منصب الرئاسة المصرية، وشككوا في أهليته وكفاءته، كنا نقول لهم: ”أمهلوا الرجل أربع سنوات، ثم احكموا عليه”، لكن يبدو أن الرجل نفسه – بحماقته وقلة خبرته – لم يمهل نفسه أربعة أشهر لكي يحكم الناس عليه بقلة الخبرة والحماقة.

    والآن: وبعد هذه الفضيحة المدوية، على القوى الوطنية المصرية أن تحزم أمرها، وأن تحدد وجهتها بدقة، فهل ستكون مع استمرار هذه المهزلة؟، وهل سترضى بهذا الموقف المهين لأرواح شهداء مصر عبر ستين سنة من النضال ضد الكيان الصهيوني؟، وقبل ذلك: هل سوف تناضل من أجل وضع مصر في مكانها الصحيح على خارطة الشرق الأوسط والعالم، مثبتة بذلك عبقرية المكان، مكان مصر؟، أم أنها ستبقى متناحرة متفرقة مفككة، لكي تبقى مهزومة في صناديق الانتخابات؟. أما جماعة الإخوان، فإنها إن لم تتنصل من موقف محمد مرسي هذا، وتغسل يديها منه سبع مرات إحداها بالتراب، هذا إن صدقها الناس، سيبقى هذا الموقف وصمة عار في جبينها أبد الدهر، ولن تستطيع بعد الآن أن تضحك على لحى الجماهير المصرية، سوى على تلك الجماهير التي هي ملتحية، أو على تلك التي هي في طريقها إلى الالتحاء.

No comments: