Tuesday, April 2, 2013

نظام كذب حتى صدق نفسه



    منذ بدأت عسكرة الثورة السورية قبل عام ونصف بسبب قسوة النظام في التعامل مع التظاهرات السلمية، دأب النظام على الحديث عن مسلحين وإرهابيين وفدوا إلى سوريا عبر الحدود، ولا بأس عندي أن يصدق النظام نفسه لأن شعاره، والمتطابق مع شعار الإعلام النازي: (اكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الناس)، أما أن يصدق الناس هذه الكذبة فذلك هو مجال هذا المقال، ومن حيث المبدأ، فإن من عاصر نظام البعث منذ قيامه قبل نصف قرن لا تنطلي عليه مثل هذه الأكاذيب لأنه خبرها وخبر مروجيها ( ولا بأس أن يتابع القراء حلقات شاهد على العصر مع أمين الحافظ لكي يدرك مدى الكذب الذي يمارسه صبيان البعث، وبالمناسبة لكم أن تتخيلوا أن أمين الحافظ، رئيس مجلس قيادة ثورة 8 آذار كان يعرف بين الناس باسم "أبو عبدو الجحش")، لكن المشكلة مع جيل الشباب الذي انقاد وراء هذه الكذبة فصدقها.
وبداية، لنا أن نفند هذه الدعاوى حسب التالي:
1-  من البديهي أن يأتي الإرهابيون عبر حدود الدول المجاورة، لذا كان من المنطقي أن يتصدى جيش حماة الديار! لهؤلاء قبل دخولهم الأراضي السورية، وقد حدث ذلك مع تركيا عندما هددها حزب العمال الكردستاني، فقصفت الطائرات التركية شمال العراق، بل ودخل جيشها إلى هناك، وقد حصل نفس الشيء مع إسرائيل في جنوب لبنان، فاحتلته عدة مرات، أما أن تبقى الدولة نائمة حتى يدخل حدودها مليون إرهابي، فهذه بدعة بعثية سخيفة، وقد كان على الطيران السوري أن يقصف داخل الأردن وتركيا ولبنان والعراق لو كان صادقاً في روايته، أما أن يعجز النظام عن الدفاع عن شعبه، فهذا فيه فقدان شرعيته.
2-  عندما يأتي الإرهابيون! من الأردن، فعلى سكان حوران الهروب إلى دمشق، لا إلى الأردن، وعندما يأتون من تركيا، فعلى السوريين الهرب إلى حلب وليس إلى تركيا، وكذا الحال مع العراق ولبنان، أما أن يهرب المواطنون السوريين باتجاه الإرهابيين، فهذا فيلم كرتون سخيف.
3-  أقدر أن معظم أفراد الجيل الحالي لا يعلمون شيئاً عن تاريخ سوريا المعاصر، وربما كان لإلقاء الضوء على أحداث مشابهة وقعت قبل سبعة وخمسين عاماً، أي عام  1956 فائدة في توضيح ما نتحدث عنه، ففي ذلك العام وقع العدوان الثلاثي على مصر (إسرائيل – بريطانيا – فرنسا)، وتحسباً لتدخل إسرائيل في الجولان، وتركيا على الحدود الشمالية، فقد شكلت الدولة السورية في حينه ما عرف بـ (كتائب المقاومة الشعبية)، حيث وزعت الدولة الأسلحة بكافة أنواعها على جميع المواطنين القادرين على حمل السلاح، مع الذخيرة، وحفرت الخنادق من القنيطرة جنوباً (وقد شاهدتها بنفسي) إلى الحدود التركية شمالاً، وفي دمشق كنا نذهب إلى ملعب الميسات (والذي كان قيد الإنشاء) لكي نتفرج على الرجال وهم يتدربون على تصويب بنادقهم إلى أهداف منصوبة (دريئة)، وأصبح الشعب بأجمعه على أهبة الاستعداد لأي تدخل خارجي، والسؤال يوجه هنا إلى نظام دمشق: إذا كنتم تعلمون بدخول الإرهابيين! من حدود الدول المجاورة، فلماذا لم تسلحوا المواطنين لكي يدافعوا عن أنفسهم وعن البلد؟، فهل هناك في النظام من يجرؤ حتى على الكذب في الإجابة على هذا السؤال. لكن لنظام البعث موقف معروف في عدم تسليح الشعب للدفاع عن بلده، ذلك أنه عندما قامت حرب يونيو 67، جاء عدد كبير من الضباط المحترفين – وهم عصب الجيش السوري - الذين تم تسريحهم من الجيش بين عامي 63-67 لكي يضعوا أنفسهم تحت تصرف القيادة ويحملوا السلاح، لكن نظام البعث طلب منهم العودة إلى بيوتهم. وتم تسليم الجولان بدون قتال.    
4-  ولو افترضنا جدلاً وجود إرهابيين، فهل يُحارَبون بالطيران الحربي وصواريخ سكود وكافة أنواع الأسلحة الثقيلة؟، وهل يمكن لإرهابيين دخلوا عبر الحدود بأسلحة خفيفة أن يسببوا هذا الدمار الشامل والهائل في جميع المدن والبلدات والقرى السورية؟.
5-  انخدع جيل الشباب عن حسن نية بمقولات النظام المقاوم المعادي لإسرائيل، دون أن يدرك بأن كل من كان يشتم منه رائحة النضال لاسترداد فلسطين كان يلقى به في غياهب السجون، وربما لا يصدقن أحد أن هناك أسير فلسطيني في سجون النظام اعتقل منذ ستة وثلاثين عاماً وما زال معتقلاً، فأين منه مانديلا؟، وفي دمشق يطلق على قسم مكافحة الجاسوسية اسم (فرع فلسطين)، فهل هذه التسمية للتبرُّكِ؟ أم للتمويه؟.
6-  برعت إسرائيل بإعلامها العبقري في خداع الشعب العربي عن طريق صناعة الأبطال، فالسادات بطل العبور، وعرفات بطل الحرب والسلام، والأسد خصم عنيد في التفاوض دوَّخ كيسنجر ونيكسون، اللذان جاءاه عام 74 إلى دمشق لتهنئته بتوقيع اتفاقية فك الاشتباك على جبهة الجولان. وبالمناسبة، فإن معظم جواسيس إسرائيل الذين اعتقلوا في لبنان كانوا من أكثر المتظاهرين بمعاداة إسرائيل.
7-  ساهمت سياسة حافظ الأسد في تدمير المشروعين المصري والعراقي، وذلك عن طريق جر مصر إلى حرب 1967 بحجة وجود حشود إسرائيلية على سوريا، والتي ثبت أنها كانت كاذبة، وبتحالفه، وهو القومي العربي!، مع الفرس ضد العراق العظيم الذي حمى جيشه دمشق من السقوط بيد الإسرائيليين في حرب 1973، ثم إرسال فرقة من الجيش السوري لكي تحارب العراق تحت راية الجنرال شوارزكوف الأمريكي في حرب الخليج الثانية.
8-  أخيراً: لا يعلم الكثيرون أن المسافة الفاصلة بين الجيش السوري والجيش الإسرائيلي، أي ما يعرف بالمنطقة العازلة، ومنذ عام 1974 عام فك الاشتباك، تبلغ 100 كم.
ختاماً: لا ألوم جيل الشباب لو صدقوا فبركات النظام الكذاب.

2 إبريل 2013

No comments: