Thursday, May 3, 2012

الكاوبوي الطائر



لو كان الذي يتحدث هو قائد سلاح الجو الأمريكي، لنسبنا قوله إلى موقف عسكري بحت، يشرح فيه مميزات القدرة الأمريكية على القتل عن بُعد كي يدخل الرعب في نفوس الأعداء، أما أن يأتي ذلك الحديث ممن يعمل وزيراً للعدل الأمريكي، فهذه قمة المهزلة والبذاءة، ففي حديثه قبل أسبوعين أمام طلبة كلية الحقوق في جامعة نورث ويستيرن في شيكاغو، يبرر الوزير المحترم حق الولايات المتحدة في استخدام الطائرات بدون طيار، والمُسيَّرَة عن بعد آلاف الأميال، بـ "الدفاع عن الولايات المتحدة بشكل مناسب وشرعي"، لكن الوزير يستدرك لكي يورد جملة من القيود! لهذا الاستخدام:
1-   (أن الشخص المستهدف يشكل تهديداً وشيكاً): لكن سيادة الوزير لم يخبر مستمعيه ما الذي يعنيه بالوشيك، فهل هو بعد ساعات أم أسابيع أم أشهر؟، وما ذا لو كان ذلك الرجل المستهدف في حالة مراجعة للنفس، ثم سيعدل عن تنفيذ ما خطط له؟، وعن التهديد: ما المقصود به بالتحديد؟، حيث يعلم سيادته ومستمعوه أنه لا عقوبة بلا نص، فمن أين جاء بالنص الذي بمقتضاه سوف ينفذ عقوبة الإعدام.
2-   (من المستحيل اعتقاله): وهذه كذبة تكشفها عملية اغتيال ابن لادن منذ سنة أمام زوجته وأطفاله، مع أنه كان بإمكان أبطال "سيل البحر" اعتقاله وإحضاره أمام العدالة الأمريكية!!!.
3-   (أن تتم العملية طبقاً لمباديء الحرب): أية حرب؟ وهل هناك فرد يستطيع منطقياً أن يعلن الحرب على أمريكا؟، ثم من بين مباديء الحرب أن يرتدي المتحاربون ملابس عسكرية مميزة، فهل سوف ترتدي طائرات الاغتيال الأمريكية ملابس مميزة، مع رتب عسكرية على الجناحين؟.
هذا الكذب المفضوح والعنجهية الفارغة تذكرني بأحد أفلام الغرب الأمريكي، حين دخل الكاوبوي الأزعر إلى الحانة وأطلق النار في جميع الاتجاهات، فقتل وجرح الكثيرين، وعندما سأله صاحب الحانة، الذي كان يرفع يديه إلى الأعلى وهو يرتجف:" لماذا أطلقت النار على عُزَّلٍ مسالمين؟"، رد عليه راعي البقر وهو ينفخ الدخان عن فوهة مسدسه دون أن ينظر إليه: " لأنني أريد أن أفرض القانون بالقوة بعد أن عجز (شريف البلدة) عن فعل ذلك". فوزير العدل الأمريكي يعتقد أن القانون الدولي (شريف البلدة) قد عجز عن حماية أمريكا من شرور الإرهابيين!، لذا ستقوم إدارته بذلك، تماماً بنفس منطق راعي البقر.
 فإذا كنت قد اعتدت منذ مدة طويلة على مثل هذه البذاءات، غير أنني لم أفهم سبب سكوت العالم عن مثل هذه التصريحات التي هي بكل بساطة سبة في وجه العدالة، لكنني قد أجد عذراً للعالم بأسره، فربما كان نائماً عندما صرح الوزير بما صرح به، فهذه المستوطنة الكبيرة التي اسمها "أمريكا" لها توقيتها الخاص، فهي تنام حين يصحو الآخرون، وتصحو حين ينامون، وسكانها المعزولون في (غيتو) كبير عن العالم الخارجي خلف مياه محيطات هائلة، هؤلاء السكان قد أوجدوا لأنفسهم قوانينَ وقيماً تناسبهم وحدهم، وليذهب العالم بأسره إلى الجحيم.
طائرات البريداتور تحلق على ارتفاع آلاف الأمتار،، تحمل صواريخ دقيقة التوجيه،، يسيرها طيار جالس في غرفة مبردة على بعد آلاف الأميال،، يحركها بعصى التسلية (Joy stick)، يشرب البيبسي ويأكل البيتزا،، وعندما يصبح فوق الهدف، يسمع صوت جرس يُقرع إيذاناً بإطلاق الصاروخ، وبلمسة زر يتم ذلك، ثم يعود للتسلية بالعصى المذكورة، يشرب الكولا ويأكل الهامبرجر انتظاراً لصوت الجرس يقرع مرة أخرى، أما في منطقة سقوط الصاروخ، فينشغل أهل العريس والعروس في انتشال جثث الضحايا من نساء وأطفال ورجال، ونظراً لبعد الشقة لا تصل أصوات استغاثتهم إلى آذان من أطلق الصاروخ، لكن أجمل تعليق سمعته حول هذا الموضوع كان من (توم باركر) مدير منظمة العفو الدولية حين قال:" لا يمكن تحقيق العدالة من على ارتفاع عشرة آلاف قدم"، لكن السيد باركر نسي أن للعدالة الأمريكية مواصفات خاصة بحيث يمكن تحقيقها من ارتفاعات أعلى من ذلك بكثير.
أجدادنا لخصوا خبراتهم في أمثال وحكم سائرة، لا يناسب هذا المقال منها سوى قولهم:" قالوا لفرعون: من فرعنك؟، قال تفرعنت، فما ردَّني أحد ".
   

No comments: