Sunday, April 1, 2012

الإعلام الفلسطيني: أهلاً



    دخلت المناضلة الفلسطينية (هناء شلبي) هذا اليوم، الأول من نيسان – إبريل - إلى قطاع غزة من معبر دير حانون، فاستقبلت بالترحاب، وسارعت فضائيات كثيرة لنقل الحدث مباشرة، ولإحراز سبق صحفي عن طريق المقابلة المباشرة، ولما سئلت (هناء) عن شعورها عندما وطأت قدماها أرض غزة، قالت والدموع تترقرق في عينيها: (شعرت أنني بين أهلي، وفي بلدي الثاني!). صعقتني عبارة (بلدي الثاني)، وأدركت أن الخطيئة الإعلامية التي شارك إعلام منظمة التحرير الفلسطينية فيها، كانت مروعة حد الكارثة.
     جملة (هناء شلبي) الأخيرة هذه قذفت بذاكرتي إلى الوراء، إلى ما يقرب من الأربعين عاماً، أي إلى بداية سبعينيات القرن الماضي، حين جاء وفد إعلامي من منظمة التحرير الفلسطينية، وكان مقرها آنذاك في بيروت، إلى مدينة عنابة، على ساحل الشرق الجزائري، وكان الوفد يضم إعلاميين من مختلف الفصائل الفلسطينية – وما أكثرها -، وقد دُعِيَ أفراد البعثة التعليمية الفلسطينية إلى الاجتماع بالوفد المذكور في مكتب جبهة التحرير الوطني الجزائرية في عنابة، وكنت من ضمنهم، وقد أسهب الوفد وأطنب في تعداد منجزات الإعلام الفلسطيني من حيث التعريف بالقضية على المستويين العربي والعالمي، وفي بث روح التفاؤل والعزم في نفوس الشباب الفلسطيني من خلال تعريفه بتاريخه الفلسطيني من جهة، وبالتعريف بالعدو على قاعدة (اعرف عدوك) من جهة ثانية، وعندما انتهت كلمات أعضاء الوفد، ودُعي الحضور للاشتراك في مناقشة مفتوحة، رفعت يدي مستأذناً للحديث، وقد بدأت كلامي بأنني لن أطرح سؤالاً حرت في إيجاد جواب عليه، بل أود التعقيب والتعليق على منهج الإعلام الفلسطيني وأسسه، تلك التي في رأيي قد اقترفت زلة تصل إلى مرتبة الخطيئة، وعندما استفسر مقرر الجلسة مني عن هذا التعليق، قلت: ((دأب الإعلام الفلسطيني منذ نشأته، خاصة بعد حرب حزيران 1967، على تقطيع أوصال الوطن الفلسطيني الواحد إلى أجزاء ثلاثة، وَقَرَتْ في أذهان النشء الفلسطيني، فأصبحت من المسلمات، ذلك أن التركيز على ذكر عبارة (الضفة الغربية) و (قطاع غزة)، و (أرض 48)، في الإعلام الفلسطيني، قد شوه صورة الوطن الواحد، وبعثره بين كيانات ثلاثة مصطنعة، كما عزز ذلك المفهوم الخاطيء ورسخه تشتت قيادة المنظمة في تسييرها الشأن الوطني الفلسطيني، فعندما كانت تقوم المظاهرات والاحتجاجات في غزة، كانت الضفة (كما يسمونها) تنعم بهدوء واستقرار لا مثيل له، فيكثر الحديث عن قطاع غزة وتُنسى الضفة الغربية إلى حين، والعكس كان يحدث عندما تقوم الضفة، فكانت تنام غزة، فيكثر الحديث عن (الضفة الغربية) وتنسى غزة إلى حين، وعندما تحرك الفلسطينيون داخل الأرض المحتلة وانتفضوا في يوم الأرض في 30-3-1976، عزى إعلام المنظمة هذا التحرك إلى(فلسطينيي 48). هذا التقسيم القسري للأرض الفلسطينية لم يقم به إعلام العدو – وإن كان سُرَّ به - ، بل كرسه إعلام منظمة التحرير الفلسطينية، مما أدى بالتالي إلى تقسيم فلسطين إلى ثلاثة كيانات متميزة، رسخت في ضمير الشعب الفلسطيني بديلاً عن الأصل (فلسطين). انتهى تعليقي.
    من البديهي ألا يروق ما قلته للوفد ورئيسه، ومنذ متى كان يحق لشخص من خارج المهنة أن ينتقد أبناءها، فبعد همهمات بين أعضاء الوفد، ولأن التعليق على ما قلته في العلن قد أصبح أمراً لازباً ولا بد منه، فقد تنحنح رئيس الوفد لكي يسألني كأنه يريد أن يحرجني: (وماذا تعتقد أننا يمكن أن نسمي الضفة والقطاع بغير هذين الاسمين؟)، أجبته على الفور: (الأمر بسيط: أين تقع الضفة الغربية لنهر الأردن جغرافياً بالنسبة لفلسطين؟)، قال:(في شرق فلسطين). عدت لأسأله: (وأين يقع قطاع غزة جغرافياً بالنسبة لفلسطين؟). قال: (ساحل جنوب فلسطين). قلت مبتسماً: (إذن بسيطة، عندما نتحدث في الأخبار نقول: [حدث كذا وكذا في رام الله شرق فلسطين، ووقع كذا وكذا في خان يونس في الساحل الجنوبي لفلسطين] وبذا يكون القاسم المشترك في جميع الأخبار والتقارير هو كلمة [فلسطين] التي يجب أن نحافظ عليها راسخة في وجدان الأجيال الفلسطينية رسوخ جذور أشجار الزيتون والبرتقال في ثراها الطيب)، وانفض الاجتماع.
    وإلى هذا اليوم، ما زلت أعتقد أن الحاجة ماسة للفت الانتباه إلى أخطاء إعلامية ما زالت ترتكب في الشأن الفلسطيني، دون أن يكلف أحد نفسه مشقة تصحيحها، لكنني، بعد هذا الزمن الطويل الذي انقضى، أجد نفسي مرغماً على تكرار القول: على من تقرأ مزاميرك يا داوود، فقد وعد رئيس الوفد في حينه خيراً، وما زلت، منذ ما يزيد على الأربعين عاماً، أنتظره أن يفي بوعده، وسأبقى أنتظره هكذا إلى نهاية العمر، هذا إن كان ما زال في العمر بقية.    
وليد الحلبي 1-4-2012

No comments: