كل سنة وإنت زعيم يا جمال

اليوم، الخامس عشر من يناير - كانون الثاني - يصادف الذكرى الثامنة والتسعين لميلاد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي ولد في مثل هذا اليوم من العام 1918، لكي يصبح شخصية عالمية قادت مصر ومن ورائها الأمة العربية بأسرها إلى انتصارات، رغم أنف أعدائه من العرب وغير العرب، ابتداء بتحقيق جلاء 75 ألف جندي بريطاني من قناة السويس، مروراً بتأميم القناة والبدء ببناء السد العالي وحرب العدوان الثلاثي عام 1956 وتحقيق أول وحدة عربية مع سوريا عام 1958، وتحقيق نهضة صناعية ببناء ألف مصنع، وبناء كتلة عدم الانحياز والحياد الإيجابي، ورفع اسم مصر عالياً في كل العالم، علاوة على المساهمة في تحرير أكثر من قطر عربي من الاستعمار الغربي، خاصة الجزائر، ورغم كل ذلك، ما زلنا نرى ونسمع الكثير من اللغط حول شخصية هذا الرجل الذي لا يمنحه الزمان لشعب من الشعوب إلا مرة واحدة عبر قرون عديدة.

والمؤسف اليوم أننا نرى مصر تنتقل من سيء إلى أسوأ حاملة معها الخلاف حول شخصية عبد الناصر وكأنه بذرة تفريق وليس تجميع، رغم انتقاله إلى الرفيق الأعلى منذ ستة وأربعين سنة. فالناصريون والقوميون قدسوا الرجل، واعتبروا المساس بسلبياته جريمة لا تغتفر، والإخوان المسلمون اعتبروه رجساً يجب التوضؤ حين ذكر اسمه، بتجاهل تام من الطرفين أن للرجل سلبياته وإيجابياته، لكنه يبقى علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، وفي حياة جميع الشعوب أبطال ارتكبوا من الأخطاء أضعاف ما ارتكبه عبد الناصر، لكنه استمروا يعتبرون زعماء تاريخيين، وأبرز مثال على ذلك نابليون بونابرت في فرنسا، والذي قاد بلاده إلى كوارث ليس أولها فشل الحملة الفرنسية على مصر، وليس آخرها الهزيمة المنكرة للجيش الفرنسي في معركة واترلو، ومع ذلك يبقى نابليون بونابرت زعيماً فرنسياً له كل الاحترام والتقدير، بضريح معتبر، وتماثيل تتوسط الميادين.

في مصر اليوم تماثيل للكثيرين ممن مروا على حكم مصر كمحمد علي باشا وأبنائه، حتى دوليسبس الفرنسي له تمثال في بورسعيد على مدخل قناة السويس، كما أطلقت أسماء أجانب على مواقع في مصر، مثل اسم (ماسبيرو) رئيس البعثة الأثرية الفرنسية في مصر، الذي أطلق على الشارع الذي يقع فيه مبنى التلفزيون المصري، كل ذلك، بينما لا نجد في مصر كلها تمثالاً واحداً لعبد الناصر، وفي ذلك، ليس خيانة لعبد الناصر، بل خيانة لضمير مصر وتاريخها الحديث.

كل سنة وإنت زعيم يا جمال.