Saturday, September 15, 2012

أما آن للمارد الفلسطيني أن ينهض


منذ رُسِمت على الخرائط، وحُددَتْ على الأرض، وتوافقت عليها الدول، أخلصت الحدود في مهمتها التي رسمت من أجلها، فمنعت الأفراد والبضائع من المرور بدون إذن، لكنها ما استطاعت يوماً أن تدعي أنها قد منعت الرياح والعواصف والأفكار والآراء من اختراقها بدون إذن، فهذا ما ليس في قدرتها، وما هو من مسؤوليتها، وهذه الأيام تهب على العرب رياح ربيع منعشة، تشتد أحياناً وتلطف أخرى، وهي في هبوبها ترمي إلى تغيير هواء فاسد ران على رئات الأمة، فسبب لها تسمماً في الدماء، وتشويشاً في الأفكار، وهبوطاً في الهمة، والشعب الفلسطيني – والذي للأسف أصبح مصطلحه يقتصر على بضعة ملايين لا تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة – يقبع على أربعة آلاف كيلومتر مربع، في قطعتين من الأرض، رضي الأشاوس من قيادتهم أن تقوم عليهما دولة فلسطينية عتيدة على أقل من عشرين بالمئة من أرضهم الأصلية (وحتى هذه لم تقم)، أما باقي فلسطينيي الشتات في المخيمات وبلاد المهجر، فتبدو أوسلو العتيدة وكأنها قد صنفتهم على أنهم مخلوقات فحسب، بلا هوية ولا حقوق، حتى فلسطينيو الأرض المحتلة، يسميهم الإعلام الفلسطيني(عرب 48)، وكأنهم طارئون على الأرض من دول عربية مجاورة. أما الاقتصاد الفلسطيني – والذي سوف يكون المسلة التي ستنغز المارد الفلسطيني لكي يستيقظ من هجعته الطويلة – فقد ضحك مهرجو أوسلو، من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، والشاهد الأمريكي (اللي ما شافش حاجة)، ضحكوا على ذقنه، فوعدوه بترقي اقتصاده إلى ما يفوق اقتصاد هونغ كونغ، فحفلت أوسلو بصور المصانع الكبيرة، والمزارع الخضراء الشاسعة، والعمارات الشاهقة، والبنوك الثرية،،، كل ذلك على الورق من أجل تمرير وعد بلفور الثاني (اتفاقية أوسلو)، والتي منذ توقيعها حتى اليوم، انحدر الاقتصاد الفلسطيني إلى هوة سحيقة ما لها من قرار، فساد الفساد، وخربت البلاد، وضج العباد، كل ذلك بينما أيادي اللصوص من مستشارين اقتصاديين سابقين، إلى سيدة أولى، إلى وزراء ومدراء، ممن اعتقدوا أن الله لن يمن عليهم ثانية بفرصة كهذه التي ينام فيها المارد، فتحولوا إلى رجال أعمال وسماسرة، فنهبوا وسلبوا وارتشوا، وبنوا العمارات (طبعاً في الإمارت)، واقتنوا الفراء والسيارات، من جاكوارات ومرسيدسات، وساهموا في بناء المستعمرات، بينما الشعب يعاني من إهمال وضيم في المستشفيات، والطرقات تشتكي إلى الله كثرة الحفر والمطبات، والمدارس اكتظت بجيل لم يعد يقيم للتعليم وزناً، بقدر ما يطمح إلى تولي منصب مسؤول في سلطة انتهى مفعولها منذ أول يوم أطلق فيه عليها هذا الاسم، فحولت سلطة رام الله الشعب الفلسطيني إلى مجموعة من الشحاذين، تقف على أبواب دول المانحين، تستجدي ما تسد به رمقها، ليطيل بذلك عمر شقائها فتدوم أزمتها، والأهم من ذلك، ما يبعدها عن السير في طريق الخطيئة والمعصية (في نظر المانحين): المقاومة المسلحة للاحتلال.

هذه الأيام تفور شوارع شرق فلسطين (حرمت على لساني أن يقول الضف… الغربـ…)، وربما سيصل الفوران قريباً إلى ساحلها الجنوبي (وليس قطا…غز….)، تفور بكافة أصناف الناس الذين يكتوون بنار الفقر مع أنهم عاملون بجد، وتعضهم أنياب الفاقة، رغم عرقهم الذي يسيل على جباههم السمراء وزنودهم الصلبة ليل نهار. أيامهم المقبلة حاسمة، فإن هم نهضوا واستمروا في النهوض، فلا بد لهم مع نهاية المطاف أن يولوا عليهم من هم جديرون بالمسؤولية – وما أكثرهم رغم الظلمة الدامسة – وأن يجتمعوا على قلب رجل واحد،،، لا يكتفون بطلب رغيف الخبز، بل والتأكيد على حقهم في تقرير مصيرهم والعيش بحرية وكرامة، أسوة بسائر البشر، ولن ينفعهم بعد اليوم أن يتركوا ماردهم لكي يسبت من جديد، أو يدخل قمقمه الذي لا بد ضائق به. هل سيتذكر الفلسطينيون القول الدارج (لا أحد أحسن من أحد)؟، فبعض شعوب الربيع العربي ظن لوهلة أنها إنما ترقد في مجمد درجة حرارته مليون تحت الصفر، وأخرى اعتقد الناس أنها أصبحت جسداً لا حياة فيه، ومع ذلك جاءت ساعة الحساب، وانتفض الناس، فاستقال من استقال، وهرب من هرب، وقتل من قتل.

واليوم، أما آن للمارد الفلسطيني أن ينهض من سباته؟:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً     ويأتيك بالأخبار من لم تزود


No comments: