دأبت
كلما هبطت مصر صيفاً أن أقضي أوقات بعض العصاري في قديمها من الأحياء، وهل كان
أجمل من قضاء ساعات ما بعد الظهيرة في مركز المدينة القديم، فالحديث من البناء
تراه في جميع المدن، أما القديمة منها، فلكل واحدة شخصية لاتماثلها أخرى على سطح
الأرض، غير أن الفرادة التاريخية للقاهرة تكمن في حداثة عهدها بين المدن ، ولئن
ضربت جداتها دمشق وأثينا وروما عميقاً في ذاكرة التاريخ، فإن عاصمة المعز قد ولدت
قبل ما يزيد قليلاً على الألف وأربعين سنة (بناها جوهر الصقلي، واكتملت بدخول المعز
لدين الله الفاطمي إليها عام ٩٦٩ للميلاد)، فهي مقارنة مع جداتها - تلك المدن
القديمة - ما زالت طفلة مدللة، تجلس في حضن التاريخ، تداعب لحيته بأصابعها الناعمة.
الجلوس على قارعة مقهى الفيشاوي واحد من أهم الطقوس التي على المرء
الالتزام بها إن هو زار القاهرة، حيث من أمامه تمر حضارات وشعوب، فمن جماعة من
السياح تدلف إلى خان الخليلي يقودها دليل سياحي حفظ ما يقوله - لكثرة ما
كرره - عن ظهر قلب، وبعض الحضور في المقهى تبادلوا عاداتهم وأزياءهم، فأجانب يضعون
على رؤسهم طرابيش عثمانية، يدخنون الشيشة ويحتسون القهوة العربية، وشباب مصريون
يرتدون سراويل الجينز، انشغل بعضهم بهواتفهم النقالة، يرسلون رسائل قصيرة، أو
يتراسلون مع أصدقاء في قارات بعيدة،،، بعض الفلاحين يدخلون مسجد سيدنا الحسين
للصلاة وقراءة الفاتحة عنهم ونيابة عن جار لهم أوصاهم بها، وفلاحة جلست بانتظار
خروج المصلين، تنادي على زوج من ذكر البط، ومطعم الكشري على الجهة المقابلة من
الشارع يعج بعشاق مطبخه،،، مهرجان بشري ندر أن تراه إلا في هذا المكان، وأحسب أنه
في هذا المكان فقط هتف ذلك الصعيدي الذي زار القاهرة لأول مرة في حياته:"مصر
أم الدنيا". كل ذلك بينما تحتسي فنجاناً من مشروب الكركدية الساخنة، تخفض ضغط
الدم، وتكافح الكوليسترول، كما يقول أنصاره. بعد العصر، وعندما تستعد الشمس للنوم
في حضنٍ بعيدٍ خلف هضبة الهرم، تقودك قدماك إلى سور الأزبكية، ذي الشهرة الذائعة ببيع
الكتب القديمة المستعملة، ذاك الذي زيارته والتبضع منه ضرب لازم على كل من يحترم
كلمة ( اقرأ).
كتب مكدسة على الرصيف، اصفرَّتْ أوراق بعضها،
فعزف عنها من لا يقيم للقديم وزناً، بينما انهمك في تصفحها بعضٌ ممن أُغرِموا
بها،،، مجلات معلقة بملاقط الغسيل على أسلاك ثبتت على سور الحديقة، بعضها يتفرج
بكسل على المارة، والبعض الآخر يبدو وكأنه يتوسلهم لشرائه،،، باعة كثر يبدو عليهم
أنهم خريجو جامعات فشلوا في الحصول على وظيفة، وحيث لم تنفعهم ثقافتهم في الحصول
عليها، لجأوا إلى شراء وبيع مصدر الثقافة نفسها: الكتب والمجلات المستعملة.
في هذه الجلبة، أنحني على إحدى البسطات لكي
ألتقط بعض الكتب القديمة، وفي إحدى تلك الجولات حول سور الأزبكية، حصلت على مجموعة
كتب، منها ثلاثة لكل واحد منها قصة طريفة تستحق أن تروى:
1 - الكتاب الأول: يقع في 348
صفحة، وهو أقدمها، ويحمل العنوان ( الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر ): من تأليف
الفيلسوف الفرنسي فولتير، وقد طبع مترجماً من الفرنسية إلى العربية في مطبعة
بولاق، أول مطبعة أميرية (حكومية) أنشئت في مصر، (أنشأها محمد علي باشا عام 1820)،
ويعود تاريخ الانتهاء من طباعة هذا الكتاب المترجم إلى العام 1850م، وهو يتحدث عن
تاريخ روسيا في فترة حكم إمبراطورها بطرس الأكبر (حكم من 1682 إلى 1725)، ترجمه عن
الفرنسية إلى العربية (أحمد بن محمد عبيد الطهطاوي)، وهو أحد تلاميذ بعثة مدرسة
الألسن (الترجمة) - التي أنشأها محمد علي باشا، والي مصر - إلى فرنسا لتعلم اللغة
الفرنسية والترجمة، وكان على رأس هذه المدرسة رفاعة الطهطاوي. والطريف الذي لفت نظري في
الكتاب هو التقديم الذي يتصدر صفحاته، وهو على شكل إهداء من المترجم إلى والي مصر
حينذاك "محمد علي باشا" (هذا يعني أن المقدمة قد كتبت قبل، أو في النصف
الأول من عام 1848، عام وفاة محمد علي باشا، ودفعت إلى المطبعة، ولم يتم الانتهاء
من الطباعة إلا عام 1850)، ويشابه تقديمه ما كان دارجا على أقلام مؤلفي العصور
الوسطى في بيان صفات وفضل معاصريهم من الخلفاء والأمراء. يقول المترجم في مقدمة
الكتاب:
(اما
بعد فيقول راجى غفر المساوى، احمد بن محمد عبيد الطهطاوى،
انى لما اغتنمت يد الفخار والعز، من الزمان فرصة منتهز، الِفتنى
بمدرسة الالسن التى انشأها صاحب السعادة، قطب دائرة اهل السماحة
والسيادة، الذى ملك رقابنا بآلائه، واسر قلوبنا بتفضله ونعمائه، فخر
ولاة الامور الاواخر والاوائل، واسطة عقد نظام ارباب الفضائل
والفواضل، من ثبت له المجد وعن غيره تلاشى، افندينا الحاج محمد على
باشا، لا زال يرفل في حلل المفاخر، ويسمو على الافلاك السبعة الزواهر)،،، ثم يتابع المترجم في مقدمته لكي يكيل
المديح لرئيس مدرسة الألسن فيقول:(فكنت تحت ارشاد مدير اشغالها،
وناسج منوالها، حضرة المولى الذي شهدت برفعته الكواكب، ونطقت بوافر فضله السنة
المناقب، المؤيد برعاية الملك المبدى، السيد رفاعة بدوى رافع
أفندى"الطهطاوي"، لا برحت أيامه بسعوده مبتهجة، وقلوب العدا النحوس بصولته
مختلجة). (الكلمات
التي تحتها خط نقلتها كما هي بأخطائها الإملائية، كما سيتم شرحه لاحقاً).
في خاتمة الكتاب، كان لا بد من كلمة ينهي بها
المترجم كتابه، وإذا كان قد توجه في المقدمة إلى محمد علي باشا قبل وفاته، فإنه
الآن (1850) يوجه كلامه إلى الخديوي عباس باشا ابن طوسون، الذي خلف جده عقب وفاته
عام 1848، وأثناء وقبل الانتهاء من طباعة الكتاب في مطبعة بولاق، فنراه يقول:
(والحمد
لله قد تم على اكمل حال، واعظم منوال، في ايام الاصفى الاكرم، الصدر الأعظم، ولي
النعمة، ورب الهمم الجمة، من انجلا "خطأ نحوي مطبعي" بطلعته ظلام الظلم وتلاشى، سعادة افندينا
الحاج عباس باشا، بلغه الله تعالى ما يشا وما شا "يقصد ما يشاء وما شاء"، وانعش بفائض جوده وجود المعارف
انتعاشا، فهو جدير بأن يمثل عند ذكر جنابه الشريف، وتلاوة اسمه المنيف، بقول
الشاعر ،،،،،)
ثم ينهي خاتمة الكتاب
بالجمل التالية، وفيها ذكر لتاريخ الانتهاء من طباعة الكتاب، وشكر لمدير المطبعة
"علي جودة أفندي":
(وقد
اكمل اتمامه بالطبع الجميل، وحسن الرسم والتمثيل، بدار الطباعة العامرة، الكائنة
ببولاق مصر القاهرة، في اول العشر الاواخر، من شهر ربيع الآخر، سنة ست وستين
ومائتين بعد الالف، من هجرة من كان يرى من الامام كما يرى من الخلف، صلى الله عليه
وسلم، وعلى آله واصحابه المنتمين اليه في مدة ناظرها المتوكل على مولاه المعيد
المبدى، على جودة افندى، فرحم الله من نظر فيه واليه، وستر على ما عثر عليه،
تم)
فنياً: يلاحظ على تقنية
مطبعة بولاق أن مصفف الحروف فيها لم تكن لديه همزات القطع على الألف المفصولة أو
المقترنة بأل التعريف (موضح حسب الكلمات الموسومة بخط أسفلها في المقطع الأول)،
بينما كان يمتلك فقط الهمزة على الألف الموصولة كما في كلمة (أنشأها)، كذلك لم يكن
لديه حرف الياء (ي) حيث استخدم نيابة عنه حرف الألف المقصورة - وربما كان هذا، أو
أصبح - تقليداً في الكتابة عند إخوتنا المصريين، حيث يندر عندهم استخدام حرف (ي)،
بل يكتبونه (ى). وقد نقلتُ المتون بأخطائها التي وردت فيها من حيث عدم وجود
الهمزات وحرف (ي)، كما حرصت في نقل النص عن الكتاب على أصله، وبأخطائه الإملائية.
2-الكتاب الثاني:كتاب(الكنز–"המטמוך" "همَّطمون"بالعبرية - )، لتعليم اللغة العبرية، ويقع في 270 صفحة، وأهمية
هذا الكتاب تكمن في أنه من تأليف محمد بدر، أحد خريجي جامعة إدنبرج، وقد طبع في
المطبعة التجارية الكبرى بعابدين بمصر، دون ذكر تاريخ الطبع، ولكن رسالة الحاخام
الأكبر في مصر، والتي بعث بها لشكر المؤلف، والمؤرخة في 13 أكتوبر 1926، تعطينا
فكرة عن تاريخ طباعة الكتاب، كما أنه من اللافت للنظر - وكما ذكر على الصفحة
الداخلية التي تحمل عنوان الكتاب - أن (قررت وزارة المعارف العمومية تدريس هذا
الكتاب بالقسم العالي بدار العلوم)، وتتصدر الكتاب، كما أسلفت، رسالة من حايم
ناحوم، الحاخام الأكبر بالقاهرة، مكتوبة بخط اليد، وبلغة عربية سليمة جداً، نشرت
بنفس الحروف التي كتبت بها (أي صورة زنكوغرافية)، ومما يلاحظ عليها خلوها من
علامات الترقيم (نقاط، فواصل)، ونقلتها كما هي، جاء فيها:
الحاخام الأكبر بالقاهرة تحريراً بمصر في 13 أكتوبر 1926
حضرة
صاحب العزة المفضال محمد بك حيدر
المحترم
بعد
التحية تناولت أمس تاريخه بيد الممنونية مؤلفكم الجديد المسمى
"الكنز" فألفيته بعد تصفحه وافياً بالغرض المقصود منه خصوصاً وأنه أول
سفر ظهر من نوعه لأنه صدر من كاتب فاضل متدين بالديانة الإسلامية ومتجنس بالجنسية
المصرية ولقد وجدت عبارته سهلة وأسلوبه متين لأنه يؤدي النتيجة المطلوبة منه من
غير كبير عناء لمن يريد تعلم اللغة العبرية على القواعد الأصلية من أبناء العرب كي
يطلعوا على المؤلفات العبرية في الفلسفة والأخلاق وغيرهما كي يروا بأنفسهم ما بذله
علماء الجنسين من خدمة العلم والأدب حتى تتوثق عرى الرابطة والمحبة بين الجنسين
لأنهما ينتسبان إلى أصل واحد – فبلسان الطائفة أشكركم والله أسأله أن ينفع بكم وبه
النشء الحديث في ظل حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك فؤاد وأن يوفقنا جميعاً إلى ما
فيه الخير والنفع للبلاد
الحاخام الأكبر بالقاهرة
حايم ناحوم
هذا النص مثال حي على مدى التعايش
الإيجابي الذي تمتع به اليهود في الدول العربية، والفارق عن المعاملة التي لقوها
من محاكم التفتيش الإسبانية بعد سقوط غرناطة، آخر معاقل المسلمين هناك (1492م)،
حيث لم يجدوا ملاذاً يحتمون به سوى ديار الدولة العثمانية المسلمة، وقبل ذلك، ألم
يتخذ نور الدين علي، أكبرأبناء صلاح الدين الأيوبي، اليهودي موسى بن ميمون طبيباً
خاصاً له؟ ، كما تدحض رسالة الحاخام الأكبر في مصر الدعاوى الصهيونية حول اضطهاد
اليهود العرب، كما أن تأليف الكتاب من قبل عربي مسلم، وتقرير وزارة المعارف
العمومية تدريسه في القسم العالي بدار العلوم، هو انفتاح ذهني يحتاجه أي مجتمع لكي
يرتقي، كذلك يلاحظ في رسالة الحاخام تنويهه بأن المؤلف مسلم ومن الجنسية المصرية، وسبب
ذلك أن عدد الأجانب الذين كانوا يقيمون ويعملون في مصر في تلك الأيام، مع احتفاظهم
بجنسياتهم اليونانية والإنجليزية والإيطالية والفرنسية، كان كبيراً جداً.
وبعد الفهرس الذي جاء في الصفحات الأولى من الكتاب، يقدم مؤلفه (بيان
واعتذار) عن وجود بعض الأخطاء، والتي ذكر لها تصحيحاً في الصفحة التالية،
وذلك بسبب: " قلة الحروف العبرية بمصر دعتنا إلى العمل في أكثر من
مطبعة واحدة، وعدم وجود عمال يعرفون اللغتين العربية و العبرية ".
الكتاب جيد جداً، ولمعرفتي المتواضعة بهذه
اللغة، ألمس أنه مستوفٍ لشروط الكتاب الناجح في تعليم اللغة العبرية.
3- الكتاب الثالث* هو :(النثر العربي في
المهجر) : وأحسب أنه قد طبع لإطلاع القراء اليهود بالخصوص على النثر
العربي في بلاد المهجر، ذلك أن صفحة الغلاف الأولى تتضمن عنوانه باللغتين العربية
والعبرية، لكنه لا يحتوي على مقدمة أو فهرس بالمواضيع أو تعريف بمن جمع مادته، بل
يبدأ ببعض كتابات جبران خليل جبران، ثم مقاطع من كتاب "النسمات" لسلمى
صائغ، ثم مقاطع نثرية لميخائيل نعيمة، ثم مقاطع أخرى للبيبة هاشم، وإلياس الأيوبي،
وأمين الريحاني، وأمين مشرق، ووليم كاتسفليس، وعبد المسيح حداد، وشكري الخوري.
الغريب في هذا الكتاب أن مؤلفه قرر أن يطبع
الصفحة التي على جهة الشمال، ويبقي على الأخرى المقابلة لها بيضاء فارغة، ربما لكي
يتيح للقاريء فرصة التعليق على ما يقرأ، أو لتدوين خاطرة تتعلق بذلك الموضوع،
والأطرف مع النسخة التي بين يدي، أن مشتريها قد أثار عجبي وإعجابي بالجلد والمثابرة
اللتين أبداهما في استخدام وقراءة هذا الكتاب، فقد أحصيت له نيفاً وسبعمئة كلمة
بالعربية، كتب مقابلها معانيها بالإنكليزية، ويبدو أنه قد انتقى تلك الكلمات من
الموضوع الذي كان يقرأ فيه على الصفحة اليسرى، فمن أسلوبه في الكتابة، وشكل الخط العربي الذي
يكتب به، أستطيع القول بثقة بأن لغته الأصلية هي العبرية وليست العربية، إذ ربما
كان يهودياً مصرياً يحاول الاطلاع على النثر العربي في المهجر، وفي نفس الوقت
يكتسب المعاني بالإنكليزية لما يختار من مفردات عربية.
أطرف ما في هذا الكتاب على طارفته بالجملة، هو
ما كتبه "وليم كاتسفليس" (من
مواليد طرابلس بلبنان ومن أصل يوناني)عام 1920 بعنوان (البترون عام 2520م)، حول
اجتماع وهمي افتراضي، ينعقد في شهر مايو من عام 2520 م في البترون بلبنان، أي بعد ستمئة سنة من زمن
المؤلف، حيث: ( يجتمع في بناية في جوار البترون جماهير جاءت من مصر وفلسطين
ودمشق والعراق وحلب وحماة وحمص وطرابلس، في المناطيد السريعة التي تمر في الجو مر
البرق) ربما يقصد الطائرات النفاثة، وفي ( النقالات العمومية
المرتفعة عن الأرض نحو مئتي ذراع والتي تسير على دولاب واحد فوق شريط من الفولاذ
بسرعة المناطيد تقريباً) وفي هذا مشابهة دقيقة للقطار العالي السرعة المستخدم
في اليابان وغيرها من الدول الأوربية هذه الأيام، وهو يتخيل حكومة عالمية واحدة،
إذ أن هذه الجماهير قد توافدت إلى تلك البناية العظيمة ( لسماع محاضرة
الأستاذ محمد جمال العلم الزهاوي. فالمحاضرات التي تقام على نفقة حكومة العالم
المتحد تجري في تلك البناية في شهر أيار، وفي دمشق في شهر آب، وفي القاهرة في
كانون ثاني، هذا لأبناء اللغة العربية الخالدة)، ثم يسهب الكاتب في وصف
البناية التي يعقد فيها ذلك الاجتماع، بحيث تبدو وكأنها أعجوبة عصرها، فهي مجهزة
بتجهيزات لا تمت إلى عصر كاتبها بصلة، إذ أن فيها لوحة إلكترونية كبيرة:( فلما
احتشد الناس في القاعة وامتلأت المقاعد والقوم بين حديث وضحك ولعب وهرج ومرج، إذ
ظهر نور أحمر في وسط القاعة من جهة السقف، وكان هذا النور لوحاً كبيراً ظهرت عليه
كتابة بالكهرباء مآلها:"فتحت الجلسة فعليكم بالسكون والصمت")
وكأني به يصف أضواء الليزر. بعد أن هدأت القاعة ( انتصبت رئيسة الجامعة
القحطانية المرشدة استير ليفي وقالت...)، هنا تظهر ملامح هذا الاجتماع على
أنه يجري على أرض العالم الموحدة تحت حكومة عالمية واحدة، بحيث تترأس الجمعية
القحطانية سيدة يهودية. ولكي يضعنا في أجواء عام 2520م، يتابع في وصف فقرات الحفل:
( ثم عدد من الفتيات فأنشدن نشيداً متقناً مطرباً وهي قصيدة قديمة جداً
لشاعر عاش في الجيل(القرن) العشرين كان يسكن القارة الأمريكية وينظم
في العربية) أي لأحد شعراء المهجر. ثم تبدأ كلمة الأستاذ محمد، فيبدأ بنقد
أسلوب القدماء – جيل القرن العشرين – ( الذين يبالغون في كتاباتهم بشكل سخيف،
ويطرون أنفسهم، ويكثرون من الحشو الرنان) ....ثم يعرج على نقد الأديان في
تلك العصور الغابرة! التي كانت ( شديدة التحفظ بحرفية تعاليمها لا ترتاح إلى
البحث وتحرم الجدال)، لكن أغرب وأروع ما كتبه كان عندما قال: (في الجيل
العشرين ظهر في البلاد الروسية مذهب البلشفة الذي هو أقرب إلى الإخاء العمومي)،
وحتى الآن ليست هنالك أية غرابة في معرفته بقيام تلك الثورة، ذلك أن الثورة
البلشفية كانت قد قامت قبل ثلاث سنوات من تاريخ كتابته ذلك المقال، لكن الغريب
حقاً أنه قد توقع سقوط الدولة البلشفية، مع استمرار البعض في اعتناق أفكارها بعد
تنقيتها، فيقول على لسان المتحدث محمد جمال العلم الزهاوي : (ولكنه لم يلبث
طويلاً حتى مات(يقصد المذهب البلشفي)، ذلك لأنه أخطأ في استعمال
الوسائل، فامتطى سيف الظلم لإبادة الظلم ،،،، على أنه لم يندثر تماماً، إذ ترك
آثاراً في عقول المفكرين، الذين فحصوه وعرفوا مواضع الضعف فيها فنبذوها، واقتبسوا
منه ما كان مفيداً ومطابقاً لحاجات الإنسانية، فصارت العقول تتمخض به جيلاً بعد
جيل حتى ولدته كاملاً). ثم يتحدث
المحاضر كيف ارتفع متوسط حياة الإنسان إلى فوق المئة عام، وذلك بفضل اعتماد الناس
على تناول الخضروات والفواكه، والأجمل هنا أن المحاضر يتابع في وصف الإنجازات
العلمية، والتي منها طائراتنا النفاثة هذه الأيام: (وأوجدنا الشروط الجوية
والطقسية الملائمة ضمن جدران نقالاتنا – يقصد تكييف الضغط الجوي داخل الطائرات
– فسَخِرْنا بالسرعة وصرنا نجتاز من الخمسمئة إلى الألف ميل في الساعة دون
خطر أو انزعاج)،،،
ولولا خشيتي من إزعاج القراء بالمزيد، لزدته من
هذه المقالة النادرة، التي تخيل كاتبها أن الإنجاز الحضاري الحالي، والذي أحرزته
البشرية في أقل من مئة سنة، تخيل أنه سيأخذ منها ستة قرون من السنين.
بعد هذا الاستعراض السريع لبعضٍ من كتب سور
الأزبكية، هل ما زال هناك أحد يشك في حقيقة وجود كنوز مدفونة على أرصفتها، لا تكلف
المنقب عنها سوى المشي أمتاراً معدودة، بعد شرب كوب من الكركدية الساخنة في مقهى
يطل على مقام سيدنا الحسين؟....
-------------------------------------
*- الكُتّابُ الذين اقتبس من كتاباتهم ذلك الجامعُ
المجهولُ لمقاطع كتاب (النثر العربي في المهجر)، مرتبون حسب تسلسل ورود مقاطعهم في
الكتاب، ومعظمهم كانوا أعضاء في الرابطة القلمية في نيويورك:
1-جبران خليل جبران: (لبنان ،6 يناير 1883 - نيويورك ، 10 ابريل 1931) شاعر
و رسام و كاتب لبنانى كبير ، ، درس فن الرسم في باريس، ثم
هاجر إلى الولايات المتحدة و
مارس هناك الرسم و انتج فيها معظم شعره و وكتاباته. انتخب عميداً للرابط’ القلمية فى نيويورك سنة 1920 .تعبر كتاباته عن الإيمان
بالعدل و الخير و الحرية و الثورة على التقاليد. بيجمع أسلوبه بين الوجدانية و
التأثير الخطابى الإنجيلي. كتب قصصاً نالت شهرة عالمية مثل " الاجنحه المتكسرة "
و " الأرواح المتمردة "
و شعر نثرى مثل
" عرائس المروج "
و "رمل و زبد ". وأشهر كتبه التي نالت شهرة
عالمية و ترجم للغات كتيرة هو " النبي ".
2-سلمى
صايغ: (
بيروت 1989 – البرازيل 1953): برعت في الكتابة النثرية والعمل على ترقية المرأة
الشرقية،،، رفضت الطائفية التي تمزق بلدها لبنان، وكانت صاحبة نظرة صائبة في شكل
الوطن الذي يجمع كل أبنائه بلا تفرقة، ومن دعاة الحفاظ على اللغة العربية
وترقيتها، وفي قصتها "النسمات" كانت متأثرة بتجربتها الفاشلة في الزواج.
3-ميخائيل نعيمة:(17 اكتوبر 1889
- بيروت،
لبنان ، 1 مارس 1988 ) ، شاعر و كاتب و مؤلف
و درس فى روسيا و زارفرنسا و عاش فى امريكا.
من الشعراء اللبنانيين اللذين
عرفوا باسم " شعراء
المهجر" و من رواد التجديد فى الشعر اللبنانى الحديث
بأفكاره النقدية التي دونها فى كتابه " الغربال " (1923). له دواوين
شعريه من الشعر المنظوم و المنثور " همس الجفون " بالانجليزية و ترجم ، و مؤلفات " كرم على درب " ، و له قصص قصيرة
ضمها فى كتاب " كان ياما كان " ، و ترجم كتباً عن صاحبه الشاعر اللبنانى
المهجرى الكبير " جبران خليل جبران ".
ساهم ميخائيل نعيمه فى تأسيس
" الرابطة القلمية " فى نيويورك وشارك فى تحرير مجلات وصحف مثل " الفنون
" و " السائح ."
4-لبيبة هاشم : ( لبنان 1880- البرازيل
1947): أديبة وصحفية لبنانية دافعت مبكراً عن حقوق المرأة، أسست في مصر مجلة (فتاة
الشرق)، وحاضرت في القسم النسائي في الجامعة الأهلية المصرية، هاجرت إلى البرازيل
عام 1939 وبقيت فيها حتى وفاتها عام 1947 – وفي بعض المصادر عام 1953.
5-الياس الأيوبي: ولد عكا سنة
١٨٧٤م، وتعلم فيها، ثم انتقل
إلى مصر ليأخذ عن المدارس الفرنسية والإيطالية
الموجودة بها آنذاك، اشتغل الأيوبي مدة بالتدريس، وما لبث أثناءها أن انكب على
دراسة التاريخ فبرز في هذا المجال، وقد ألَّف الأيوبي عدة مؤلفات تاريخية منها:
كتاب تاريخ مصر في عهد الخديوي إسماعيل باشا من سنة ١٨٦٣م إلى ١٨٧٩م، وطبع بدار
الكتب المصرية سنة ١٩٣٢م، في مجلدين كبيرين، وكتاب "قطف الأزهار في أهم حوادث
الأمصار"، طُبع منه الجزء الأول بالإسكندرية، وتوفي إلياس الأيوبي بمصر سنة
١٩٢٧م.
6-أمين الريحاني:
أديب لبناني من مواليد عام 1876، هاجر إلى أمريكا وعمره 12 سنة، درس الحقوق ثم عاد
إلى لبنان عام 1898، واستمر في التنقل بينهما. ألف في السعر والنثر والتاريخ
والسياسة، وفي 1922 قام بجولة في معظم البلاد العربية، وقابل ملوكها وأمراءها.
توفي في لبنان عام 1940.
7-أمين مشرق:(
1898- 1934): ولد في لبنان وتوفي في الإكوادور، له بعض الكتابات في الشعر والنثر،
كان مع جبران وآخرون عضواً في الرابطة القلمية بنيويورك.
8-وليم كاتسفليس: أديب من أصل لبناني، ومن مواليد طرابلس، أبدع في الكتابة التخيلية
عن المستقبل البشري، وكان عضواً في الرابطة القلمية التي تراسها جبران خليل جبران
في نيويورك.
9-عبد
المسيح حداد:
ولد في حمص سنة 1888 وتلقّى علومـه الابتدائية في المدرسة الأرثوذكسية، ثم انتقل إلى دار المعلّمين الروسية في الناصرة بالقرب من حمص عام 1904 وتخرّج منها ثم عاد إلى حمص
وتابع دراسته في المدرسة الإنجيلية ودرس اللغة الإنجليزية ثم عمل في تدريس اللغة الإنجليزية في
مدارس حمص هاجر من سوريا إلى الولايات
المتحدة الأمريكية سنة 1907 . وفي عام 1912 أصدر جريدة
"السائح" باللغة العربية التي أصبحت لسان الرابطة القلمية التي
أسّسها عام 1920 في نيو يورك واستمرّ
في إصدارها حتى عام 1959 مع زملائه أعضاء الرابطة القلمية. توفي مساء الخميس في 17 كانون الثاني سنة 1963 ودفن في نيويورك.
10-شكري الخوري: ولد في لبنان عام 1902 هاجر إلى البرازيل، ونشط في مجال الصحافة
والكتابة، وقد أسس مجلة (الأصمعي) في ساو باولو، و (الصبح) في الأرجنتين، وكذلك
مجلة (أبو الهول)، وقد اقتبس مؤلف كتاب النثر العربي في المهجر قصة (التحفة
العامية قصة فنيانوس) لتكون نموذجاً من النثر المهجري باللهجة العامية اللبنانية.
No comments:
Post a Comment