هل تمت أخونة مصر؟، وإلى متى؟
المتابع لمسيرة التطور في تاريخ الشرق الأوسط منذ بداية القرن العشرين، يستطيع أن يتبين جملة من المؤشرات والأسس التي أوصلت هذه المنطقة إلى ما هي عليه هذه الأيام، مع وجود فوارق جوهرية ميزت أقطار العالم العربي، إن في مواقعها الجغرافية:في الجناح الآسيوي “العراق وبلاد الشام”، والجناح الأفريقي “مصر”، أو في تطورها السياسي: من حيث التوجه القومي في الأول، والتوجه الديني في الثاني. ففي نفس الوقت الذي تبلورت فيه القومية التركية بعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني 1908، على يد تنظيم الاتحاد والترقي، والذي كان عماده يهود سالونيك – المعروفين باسم يهود الدونمة -، تبلورت كذلك القومية العربية على يد حزب العربية الفتاة الذي نشأ في باريس أوائل القرن العشرين، والذي كان يهدف إلى سلخ البلاد العربية عن سلطة الدولة العثمانية، ومن الغريب أيضاً أن تنشأ الحركة الصهيونية في نفس تلك الفترة، وربما نفس المكان، في فرنسا، حيث أثارت قضية الضابط الفرنسي اليهودي (دريفوس) – والذي اتهم بالتجسس لصالح ألمانيا – أثارت النزعة الصهيونية لدى اليهود، ومن ثم تبلورت في قومية طالبت بإيجاد وطن قومي لها، أي في نفس الوقت الذي طالب فيه القوميون العرب بفصل بلادهم عن الدولة العثمانية، طالب اليهود الصهاينة بفصل فلسطين عن بلاد الشام، وهكذا ساد النفس القومي في بلاد الشام والعراق.
أما على الجناح الأفريقي للوطن العربي، فقد كان لسقوط الخلافة العثمانية على يد أتاتورك، الذي ألغاها نهائياً عام 1924 – بعد أن استمرت شكلية منذ عام 1908، عام عزل السلطان عبد الحميد الثاني – كان لهذا السقوط أثر كبير في نفوس المصريين، الذين ومنذ عصر محمد علي باشا وأولاده، لم يعرفوا ظلم واضطهاد الأتراك لهم، على غرار ما كان واقعاً في بلاد المشرق العربي، وبما أن الوعي القومي في مصر كان هشاً وعلى صدام خجول بالنزعة الفرعونية، لذلك فقد أدت هزة إلغاء الخلافة في استامبول إلى نشوء حركة الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية على يد مؤسسها حسن البنا عام 1927، ومنذ ذلك الوقت والحركة تسعى للوصول إلى الحكم بدعوى إقامة المجتمع الإسلامي والدولة المسلمة، وقد سلكت في سبيل ذلك شتى الوسائل المتوفرة وحتى الاغتيال، فتعاونت مع النظام الملكي، ومع سلطة الحماية البريطانية، كما حاولت كذلك الوصول إلى السلطة من خلال تنظيم الضباط الأحرار الذين فجروا ثورة تموز 52، غير أن وعي الضباط وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، قد نبههم مبكراً إلى خطورة دخول الدين على خط السياسة، ورغم أن الدائرة الثالثة من دوائر الاهتمام السياسي عند عبد الناصر، وكما ضمنها في كتابه “فلسفة الثورة”، هي الدائرة الإسلامية بعد الدائرتين العربية والأفريقية، إلا أن اهتمامه بها كان سياسياً، ينصب على تجميع قواها السياسية والاجتماعية والاقتصادية متوجة بالطابع الإسلامي. غير أن ابتعاد عبد الناصر عن خط الإخوان، وعدم ممالأتهم في ما رموا إليه في السيطرة على الحكم والمجتمع، دفعهم إلى معاداته والكيد له، رغم جميع الإنجازات التي حققها لمصر وباقي الأقطار العربية، من حيث العدالة الاجتماعية والتحرر الاقتصادي والحفاظ على الكرامة الوطنية في الداخل، ومساعدة حركات التحرير في البلاد العربية، التي كان معظمها خاضعاً إما للاحتلال الأجنبي، كما في الجزائر وتونس وعدن، أو لسلطات ملكية رجعية متخلفة، كما في اليمن والسعودية وعُمان والعراق، فقد توج الإخوان عداءهم المبكر لعبد الناصر بمحاولة اغتياله في حادث المنشية في الاسكندرية في أكتوبر54، والتي كانت المقص الذي قطع شعرة معاوية بين الجانبين، فأقصي الإخوان عن جميع المناصب العامة، بل واعتقل بعض قادتهم، وحكم على بعضهم الآخر بالإعدام في مراحل لاحقة، مثل سيد قطب.
بوصول السادات إلى الحكم عام 1970، حاول اللعب على حبال جميع القوى السياسية المصرية، فحارب خط ثورة يوليو في محاولة لاسترضاء الإخوان المسلمين، ثم قرب بعض اليساريين في محاولة لإغاظة الإخوان، ونتيجة لتخبط سياسات السادات، فقد خرجت من عباءة الإخوان المسلمين تيارات متشددة كالتكفير والهجرة، والجماعة الإسلامية، ولئن فشل الإخوان في اغتيال عبد الناصر في حادث المنشية بالاسكندرية عام 54، فقد نجح فصيل منهم في قتل السادات في حادث المنصة الشهير في 6 أكتوبر 1981. ومنذ ذلك الحين استعر الصراع بينهم وبين الدولة التي ترأسها حسني مبارك، إلى أن تنازل عن منصبه يوم 11 فبراير 2011. خلال تلك السنوات الثلاثين كثف الإخوان المسلمون نشاطهم الاجتماعي بحيث تساوى بل وطغى على السياسي، فنشطوا في مجال الأعمال التجارية، وشكلوا الجمعيات الخيرية، وفتحوا العيادات والصيدليات لعلاج المرضى من الفقراء، فنجحوا في تكوين قاعدة شعبية من العامة، والتي لاعلاقة لها بالسياسة وأهداف الإخوان فيها، ولا سلطة فكرية لها سوى الإدلاء بصوتها دعماً للإخوان المسلمين في أية انتخابات تجرى في مصر، وقد كان ذلك دليل وعي وبصيرة من الإخوان لما سيكون الحال عليه بعد سقوط نظام مبارك، كما كان لعداء نظام مبارك للإخوان المسلمين وزج الكثير من قياداتهم في السجون والمعتقلات أثر في اصطفاف الكثير من المصريين إلى جانبهم كردة فعل لكره الجماهير لنظام الحكم، ورغم ذلك، فقد حرص النظام البائد على إبقاء نوع من الروابط مع الإخوان بدليل السماح لهم بالترشح للبرلمان ودخوله، حتى وإن يكن تحت مسميات غير “الإخوان المسلمون”، ولذا، فبمجرد انهيار نظام الحكم، كان الإخوان في طليعة القوى السياسية التي تقدمت لوراثته، فحصدت الحركة في الانتخابات البرلمانية، وبعدها الرئاسية، أصوات أولئك الذين كانوا يتلقون مساعداتها المادية وخدماتها الاجتماعية وتعاطفهم معها ضد الدكتاتور المخلوع، دون أن يكون لديهم وعي بمخططاتها السياسية ومطامحها العقائدية، بينما وقفت طلائع المثقفين وأصحاب التنظير السياسي، وجل أفرادها من الذين عانوا من اضطهاد مبارك، وقفوا يراقبون الإخوان وقد أمسكوا بتلابيب الدولة، وانقضوا على جميع مفاصلها مدعومين بالتأييد الأمريكي والغربي المطلق، ذلك أن وصول الإخوان إلى الحكم هو وحده الكفيل بشق الساحة السياسية المصرية إلى أجل لا يعرف سوى الله تعالى متى ينتهي، حيث أن هذا هدف استراتيجي للسياسة الغربية في الشرق الأوسط. وقد أدرك الإخوان على ما يبدو أصول اللعبة، فمنحوا الأوربيين والأمريكان جميع الضمانات التي طلبوها للحصول على رضاهم، والذي هو شرط أساسي للسماح لهم باستلام السلطة. هل هو دهاء ومكر وذكاء من الحركة لاستلام السلطة، وبعدها لكل حادث حديث؟، أم هو خضوع وعمالة للغرب، فتيء الناس يتهمون الإخوان المسلمين بهما؟.
فإذا كان وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر قد استغرقهم خمسة وثمانين عاماً من العمل الشاق، فهل سيحتاج المصريون إلى نفس هذه المدة من العمل الشاق كي يخرجوهم منها؟. الزمن وحده كفيل بالإجابة على جميع الأسئلة.
No comments:
Post a Comment