Tuesday, August 14, 2012

الجنرال المهندس الشيخ: محمد مرسي


    لا شك أن من محاذير الكتابة – في شأن سياسي معاصر – ارتكابَ الأخطاء في التحليل والتقييم، ذلك أن غياب الوثيقة، وشهادة العيان على الحدث، واللذان هما ركنان أساسيان في صحة الاستنتاج والتحقيق والتعليق، يقودان بالبديهة إلى خطأ لا يمكن التمسك به، بل يستدعي الاعتذار عنه، لذا يبقى هذا المقال متأرجحاً بين التمسك والاعتذار .

    فالخطوات التي أقدم عليها الرئيس المصري محمد مرسي، والتي تعتبر بحق انقلاباً مدنياً فريد عصره على السلطة العسكرية، هذه الخطوات تشي بالكثير من الشك حول العلاقة المشبوهة بين حركة الإخوان المسلمين والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بالنظر إلى تغلغل النفوذ الامريكي داخل الجيش المصري عبر٤٠ عاما من الانحياز المصري الكامل إلى السياسة الإمريكية الشرق أوسطية، ذلك التغلغل المتمثل بشخصيات عسكرية يأتي في مقدمتها المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع، والفريق سامي عنان رئيس الأركان، وغيرهما الكثير من ضباط الجيش المصري.

    وربما ينفع الشك هنا القول بأن أحداث سيناء الأمنية، والتي جرت خلال الأيام القليلة الماضية، تبدو مفتعلة ومتفقاً عليها مسبقاً بين الإدارة الامريكية والإدارة المصرية، حتى وإن ذهب ضحيتها عشرون شهيداً من القوات المسلحة المصرية، هذه الأحداث التي استدعت زيارة رئيس الجمهورية مرتين لسيناء، وإشرافه شخصياً! على عمليات تعقب المسلحين، وربما كانت حركة موفقة من مصر أن تقفل حدودها مع قطاع غزة فور وقوع الأحداث، وذلك لكي تظهر للعالم، ولإسرائيل على وجه الخصوص، بأن المسلحين لم يأتوا من قطاع غزة، بل هم من عرب سيناء، خاصة وأن حوادث اعتداء وقعت على القوات المصرية حتى بعد وأثناء إقفال معبر رفح، ولا يمكن تبرير سهولة اتخاذ مرسي مثل هذا الإجراء ضد قمة الهرم العسكري المصري سوى بأن زيارة وزيرة الخارجية كلينتون الأخيرة قد رتبت الأوراق داخل البيت المصري، بحيث أقنعت الوزيرة الأمريكية أصدقاءها من ضباط الجيش بضرورة التنحي عن العمل السياسي وإفساح المجال أمام الرئيس مرسي لكي يتولى قيادة البلاد، ولا يمكن لهذا الموقف الأمريكي أن يتبلور بهذا الشكل لولا مواثيق وعهود حصلت عليها أمريكا من الرئيس المصري فيما يتعلق باحترام الدور الأمريكي في الشرق الاوسط، وبالخصوص احترام معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية، وعدم محاولة تنويع مصادر تسليح الجيش المصري، وربما سنرى قريباً جداً انسحاب دبابات الجيش المصري من المنطقة ج، تلك التي، وبموجب معاهدة كامب ديفيد، لا يسمح لمصر فيها سوى بمرابطة قوات شرطة فقط، ومما يدعم هذا الرأي أن القوات المتعددة الجنسية المرابطة في وسط سيناء، وجل أفرادها من الأمريكان، لم يصدر عنها أي موقف حيال دخول الدبابات المصرية حتى بدون استئذان، الاستئذان الذي ربما حصل عليه مرسي سراً بالتنسيق مع الأمريكان والإسرائيليين الذين لم يعارضوا دخول القوات المصرية المدرعة أيضاً، أما المغزى من وراء هذه العملية فيبدو أنه إظهار الرئيس الشيخ، أستاذ الهندسة في جامعات كاليفورنيا، بمظهر العسكري المحنك، الذي يقود شخصياً عملية عسكرية ضد عرب سيناء، مصحوباً بدموع ودعوات أهالي عشرين شهيداً مصرياً بريئاً قتلوا من أجل تمرير صفقة سياسية هي أكبر منهم بالتأكيد، وبالتالي منح مرسي المهابة التي يتطلبها عزل طنطاوي وعنان، وتكسير رتبهم العسكرية من مشير وفريق إلى رتبة مستشار لدى رئاسة الجمهورية، وهذا ما ظهر عليه محمد مرسي في خطابه بمناسبة ليلة القدر، حيث أصبح قوي النبرة، جدي الملامح، معلناً بالفم الملآن إسلامية سياسة الدولة المصرية بلا مواربة أو تلميح، دون إشارة واضحة إلى حقوق غير المسلمين، والذي حرص على المتاجرة به أثناء حملته الانتخابية. (هنا لا بد أن أدعو الله مخلصاً ألا يكون بشير السودان مثلاً أعلى يحتذيه مرسي مصر، فرعونة الأول بتطبيقه الشريعة الإسلامية على أقوام جنوب السودان من وثنيين ومسيحيين قد أدى لاقتطاع مساحة تعادل مساحة فرنسا لتكوّن دولة جنوب السودان، فحمى الله الصعيد من أن يتحول على يد مرسي إلى دولة جنوب مصر).

    هنا لا بد من التذكير بموقف الإخوان المسلمين المعادي لجمال عبد الناصر منذ قيام ثورة تموز- يوليو ١٩٥٢، واتهامه زوراً وبهتاناً بالعمالة لأمريكا (كما هم اليوم)، والذي بلغ الذروة في تدبير محاولة اغتيال عبد الناصر في حادثة المنشية في الاسكندرية يوم ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤بعد أسبوع واحد من توقيع اتفاقية الجلاء مع بريطانيا (19 أكتوبر 1954)، وقد ذهبت محاولات الإخوان المسلمين التنصل من تلك الجريمة أدراج الرياح، فموقفهم المعادي لشخص عبد الناصر، والمستمر إلى هذا اليوم، والحقد الأسود الذي يضمرونه لقادة ثورة يوليو، لم يكن إلا بسبب إقصائهم عن التحكم بالسياسة والدولة المصرية، ودمج السياسة بالدين، الأمر الذي لو تم، كان سيجعل من مصر واحدة من أكثر الدول تخلفاً، ولم يكن ليشبهها في الوقت الحاضر سوى أفغانستان، ولكن إذا كانت قوة شخصية عبد الناصر في حينه قد تمكنت من كبح جماح الإخوان وتكبيت شهوتهم في الوصول الى السلطة، فإن القوى الليبرالية واليسارية والناصرية قد انطلت عليها لعبة الإخوان، سواء في الانتخابات النيابية أو الرئاسية الأخيرة، فدعموهم وأوصلوهم الى التحكم بمفاصل الدولة، وربما كان هذا نتيجة عبقرية التخطيط الخفي بين الإمريكان والمجلس العسكري، وذلك حين وُضِعَ الجميع أمام خيارين أحلاهما مر: إما أحمد شفيق ممثل النظام السابق بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وإما القبول بمحمد مرسي الإخوان، فكان للإدارة الأمريكية وللإخوان ما أرادوا، وذلك بطريقة ديمقراطية ” شهد العالم بنزاهتها!!!”.

    ولكن السؤال المشروع الذي يطرح نفسه بقوة: ما هي ضمانة انصياع الإخوان للمطالب الأمريكية وعدم تمردهم عليها؟ والجواب ببساطة ينحصر في حل ديمقراطي أيضاً يستطيع الأمريكي إخراجه من جرابه في اللحظة المناسبة، فالغضب الشعبي الذي أفرزته وسوف تفرزه تصرفات الإخوان في السيطرة على السلطات جميعها، بما فيها الإعلام، والمراسيم التي سوف تصدرها رئاسة مرسي لبلورة أسلمة الدولة – وكأن مصر دولة وثنية يريدون أسلمتها-، سوف تحرك ملايين المصريين، وتدفعهم الى الوقوف أمام حائط مبكاهم: ميدان التحرير، وعندها لن تعدم الإدارة الامريكية ضباطاً كباراً في الجيش يقودون ” حركة مباركة للتخلص من طغيان الإخوان!!!” ومن ثم اقتياد محمد مرسي وطاقمه الرئاسي إلى سجن طرة، ربما إلى الزنزانة المجاورة لتلك التي يقبع فيها حسني مبارك، لكن من المؤكد أن الإخوان، الذين استماتوا للوصول إلى حكم مصر منذ عام ١٩٢٨، لن يغضبوا الإدارة الأمريكية، تلك التي بيدها أن تخرجهم من السلطة بنفس السهولة والديمقراطية! التي أدخلتهم بها إليها.


No comments: