Tuesday, July 12, 2011

اقتراح مجنون

هذه ليست ردة فعل على ما يجري – وسيجري – في المنطقة العربية ، وهي ليست فكرة عابرة نابعة من نزق عاطفي لن يلبث أن يهدأ ثم يخمد ويتبلد ، كلا ليست هذا ولا ذاك ، بل هي نظرة استنتاجية استقرائية استشرافية لما كانت وما هي عليه وما ستكون عليه حالة هذه المجموعة البشرية المدعوة بـ ( الأمة العربية ).

إذا كان المقصود بالأمة هو الاشتراك في اللغة والدين والعادات والتقاليد فقط فإن دول أمريكا اللاتينية تشترك فيها جميعها كون لغتها الإسبانية وديانتها المسيحية الكاثوليكية وتكاد تكون عاداتها وتقاليدها مشتركة مع وجود اختلافات فرضتها طبيعة الإقليم الجغرافية ، كل ذلك لم يجعل شعوب أمريكا الجنوبية تدعي بأنها أمة واحدة ، الأمر الذي تصر عليه الدول العربية على اعتبار نفسها تنتمي إلى أمة واحدة ، بينما واقعها الملموس يناقض ذلك وينفيه بشدة ، فلا المصالح واحدة ولا الطموحات مشتركة ولا الأهداف موحَّدة وبالتالي موحِّدة ، ويبدو من استقراء التاريخ العربي الإسلامي بأن العرب لم يظهروا على مسرح التاريخ العالمي – باستثناء الفتوحات الأولى والتي كانت مدعومة بزخم إيماني غير منزه عن طمع اقتصادي – لم يظهروا إلا في ركاب قوميات عريقة كالفارسية والعثمانية والقوقازية بل والإسبانية ، ولا أدل على ذلك من أن العرب لم يستطيعوا منذ حوالي المئة السنة الأخيرة – أي منذ انفصالهم عن الدولة العثمانية – لم يستطيعوا أن يثبتوا أنهم أمة واحدة جديرة بالعيش بكرامة ضمن المنظومة العالمية.

استمر العرب جزءاً من الدولة العثمانية مدة 400 سنة اعتورتهم فيها فترات ازدهار كما واجهتهم فيها فترات نكوص ، وهم في جميع الحالات مشتركون مع أبناء الأمبراطورية جميعاً في السراء والضراء ، فلم تكن النكسات تنصب على رؤوسهم دون سائر شعوب الأمبراطورية ، كما لم يكن الازدهار حكراً على شعب دون آخر من شعوب الدولة العثمانية ، فقد استمر العثمانيون في حماية البلاد العربية مدة 400 سنة من طموحات الدول الغربية التي كانت تبلور سياستها الاستعمارية خاصة بعد ظهور النهضة الصناعية ، ويبدو أنه ما كان للغرب أن يسقط الدولة العلية بدون الخيانة العربية التي أقدمت عليها أسرة كان يفترض فيها أن تكون مخلصة لرسالة جدها الرسول محمد (ص) ، غير أن الطمع في تأسيس ملك لأبناء الأسرة قد دفع كبيرها شريف مكة !!! لكي يراسل مكماهون في القاهرة حتى يقوم بالثورة ضد دولته التي ائتمنته على خدمة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة ، ثم ليتفق ابنه فيصل الأول مع وايزمن في مؤتمر الصلح بباريس (1919) على قيام تعاون بين الدولة العربية الموعودة والدولة اليهودية التي ستقوم في فلسطين ، وإنه لمثير للضحك والشفقة أن يكون الحديث عن أن المظالم العثمانية هي التي دفعت الشريف للثورة على سلطة الأستانة ، فهذا الأمر ربما كان مقبولاً من عرب الشام الذين وقع عليهم ظلم جمال باشا السفاح ( مع أن جمال باشا كان قد أعدم العرب الذين عثرت السلطات العثمانية على أسمائهم مسجلة في السفارتين البريطانية والفرنسية كعملاء )، بينما كان أبناء الشريف !!حسين بن علي نواباً في مجلس المبعوثان العثماني في الأستانة ، ولهم بالضرورة امتيازات تحميهم بالطبع عن أي عسف عثماني – إن وقع - . لم يستطع العرب أن يتبينوا اللعبة الماكرة التي قام بها يهود سالونيك من خلال تأسيس جمعية الاتحاد والترقي ، ثم عزل السلطان عبد الحميد عام 1909 ( وهو الذي أخبر هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية أنه مستعد للتنازل عن قطعة من جسده وغير مستعد للتنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين ) وتنشيط الحركة الطورانية وحملة التتريك ، كما أن قيادة الثورة العربية !! لم تصغ لكشف الروس بعد قيام الثورة البلشفية النقاب عن اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت بلاد الشام بين بريطانيا وفرنسا . وبعد نجاح الثورة المهزلة سقطت البلاد العربية المشرقية في قبضة النفوذ الغربي ، والذي ترك عملاءه من الحكام العرب عقب انسحابه من المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية لكي يجعلوا هذه المنطقة في الحالة التي هي عليها الآن.

أعلم تماماً الأطوار التي مرت بها الدولة التركية الحديثة من انتصارها على الحلفاء بقيادة مصطفى كمال أتاتورك في معركة غاليبولي إلى استردادها لواء اسكندرون قبيل الحرب العالمية الثانية ( لا ننسى أن لواء الاسكندرون كان أرضاً عثمانية لمدة أربعة قرون إلى أن احتله الحلفاء عام 1918 في نهاية الحرب العالمية الأولى ) ، كما نعرف ضلوع تركيا في حلف شمال الأطلسي ثم في حلف بغداد اللذين كانا معاديين لحركة القومية العربية ، كذلك نعرف الحال التي هي عليها تركيا الآن من أهمية الموقع ، وإرادة التطور ، والديمقراطية التي تنم عن شعب مؤهل لكي يثبت نفسه أمام نفسه وأمام العالم.

الأحداث التي نشهدها الآن في غزة كشفت عن معدن الدولة التركية ، وفاجأنا رئيس وزرائها أردوغان بأنه ما زال يعتز بانتمائه إلى أجداده العثمانيين ، ويتحدث إلى المعتدين بلهجة خشنة ليس لها علاقة بالدبلوماسية الناعمة التي يتقنها أمين عام الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب – بأنواعهم العاربة والمستعربة والمتعرّبة - .

بعد كل هذا التقديم المختصر - والذي يمكن أن يشرح على صدر آلاف الصفحات - أقترح ما يلي:

اعتبار أرض فلسطين ، بل وبلاد المشرق العربي كلها ( بلاد الشام والعراق وأرض الجزيرة العربية ) أراضٍ تركية – عثمانية محتلة ، ومطالبة تركيا الحديثة بالدخول على خط المطالبة بتحرير هذه الأراضي ، من الصهاينة أولاً ، ثم في مرحلة لاحقة من الأنظمة العربية الحاكمة وريثة الدول الاستعمارية : بريطانيا وفرنسا ، وحالياً الولايات المتحدة الأمريكية.

اقتراح أجد جانب الهزل فيه ( من وجهة نظر القراء ) طاغياً على جانب الجد ، غير أني أجد نفسي مقتنعاً به قناعة مطلقة ، وإن كان هناك أحد يجد أن هذا الأمر مستحيل التحقيق ومجنون، فليسمح لي بأن أسأله : هل كان مشروع الثورة العربية وطرد العثمانيين من بلاد الشام والاستيلاء على فلسطين بعد طرد سكانها وقيام إسرائيل ، مشروعاً ممكناً وعاقلاً في حينه ؟.

بعضنا آباؤهم عثمانيون ، ومعظمنا أجدادهم عثمانيون ، فكيف نتنكر لجنسية آبائنا وأجدادنا؟ فقط لأن الزمن قد تقادم ؟

وبناء على ما سبق : أقترح أيضاً أن نتقدم للدولة التركية بطلبات جماعية لاسترداد جنسيتنا العثمانية ، ومن ثم نمزق جوازات سفرنا العربية ونرسلها إلى حكامنا لكي ينقعوها ويشربوا ماءها عله ينقيهم من الدنس الذي هم فيه.

أخيراً ، ملاحظة هامة:

إذا كنت توافق على هذا الاقتراح المجنون ، فأرجو أن ترسله إلى أكبر عدد ممكن من الأصدقاء عله يشكل تياراً فكرياً جديداً ( مجنوناً ) إذ ثبت لنا بالتجربة عدم جدوى الواقعية والأفكار العاقلة.

No comments: