Tuesday, July 19, 2011

نحن من نصنع إله التمر، ثم نأكله

2010-09-26

http://www.alquds.co.uk/images/empty.gif

لم تتردد كلمتا (الديكتاتورية والدكتاتور) قبل التاسع من نيسان/ أبريل 2003، كما ترددتا بعده، وكأن المثقفين والإعلاميين العرب كانوا قبل ذلك اليوم يرون في الوطن العربي واحة مريحة للديمقراطية وحقوق البشر، ولكن بعد ذلك اليوم، بدأت الإشارة إلى الديكتاتورية بسبب وبدون سبب، فإذا تحدث مثقف عن علاقته بحماته وصفها بالديكتاتورة، ولو منع رجل زوجته من تركه أثناء مرضه والذهاب لزيارة والدتها، لوصفته زوجته بالديكتاتور، ولو طلبت الأم من ابنها أن ينام مبكراً، لوصف الولد أمه بالديكتاتورة، حتى أصبحت آذاننا أسيرة لهذه الأحرف التي تؤلف تلك الكلمة، وكأن أحرف اللغة العربية كلها انحصرت فيها، ومناقشة مختصرة ومتأنية لقصة النظام الديكتاتوري، وكيف يُصنع، توحي للكثيرين بأنها نوع من الدفاع عنه، وهي بالقطع ليست كذلك.
فلو تمعنا في قراءة القصة من بدايتها، لوجدناها تتلخص في أن الديكتاتور ورعاياه هم صناعة عربية - عالم ثالثية بامتياز. فالأسرة القامعة المتحكمة في أفرادها على يد الكبير فيها، جداً وأباً وأماً وعماً وخالاً وحتى الأخ الأكبر، ناهيك عن احتمال نشوء الغلام في كنف زوجة أب أو زوج أم، هذه الأسرة هي التي تشكل الخامة المناسبة لتشكيل القامع والمقموع .فما أن يدخل الفتى عالم مجتمعه الكبير، حتى يجد في نفسه الرغبة في الاستئثار بالسلطة التي حرم منها في أسرته الضيقة، وبمجرد أن تتاح له الفرصة للاستيلاء على السلطة، يأخذ الدور الذي أهله له البيت القامع الذي نشأ فيه، فيقسو على من هم دونه، الذين سرعان ما يرتدون إلى أخذ دورهم الذي كانوا قد أعدوا له أيضاّ (المقموعين)، الذين يخضعون للديكتاتور، حقداً وخوفاً ورهبة وطمعاً في المغانم من الداخل، وإعجاباً ونفاقاً وتملقاً ورياءً من الخارج، ولذا ترى أنه سرعان ما يأخذ الديكتاتور شعبية ربما غير مسبوقة، ويتحول إلى ما يشبه إله التمر الذي كان البدوي يصنعه ويصلي له، بينما في سره إذا جاع سيأكله، ولذا، فحينما تسنح الفرصة لأحد المقموعين الوصول إلى السلطة، لن يوفرها، وسيعتلي سدة من كان ينتقده بالأمس سراً، ويتصرف ربما أسوأ منه بآلاف المرات، وهكذا تستمرعجلة تداول السلطة على هذا المنوال. أما ما يقال عن صلاحيات الديكتاتور المطلقة، فإن في الأنظمة الديمقراطية صلاحيات تمنح لرئيس الدولة، قد يفاجأ البعض بأنها ربما تتساوى إلى حد ما مع صلاحيات الديكتاتور (غزا صدام حسين الكويت باستخدام صلاحياته كرئيس للدولة من دون الرجوع للشعب، وكذلك فعل بوش عندما غزا العراق)، غير أن الفارق الجوهري بين الاثنين هو أن عنف الرئيس الديكتاتور يكون موجهاً عادة نحو أبناء شعبه، بينما يتوجه عنف الرئيس الديمقراطي نحو أبناء الشعوب الأخرى، والتاريخ الدامي للديمقراطيات الغربية في بلدان العالم الثالث غني عن البيان، لدرجة أن هذه الديمقراطيات ترفض حتى الاعتذار عن جرائمها السابقة (كما في حالة فرنسا مع الجزائر، وتوني بلير وبوش مع العراق)، وبما أنه (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ) فقد تساوى رأسا هذين النظامين في أفعالهما، وبالتالي في تقييمنا لهما. بعد كل هذا من شاء أن يقول بأن هذا الكلام هو دفاع عن الديكتاتورية، فليكن.

No comments: